اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)27%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138674 / تحميل: 8690
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وقد اشرنا إلى ان دليل اعتبار قول الشاهد هو دليل حجية الاخبار الآحاد واعتبار التعدد في البينة قد ثبت بدليل آخر. وعلى هذا فالرجوع إلى الرجالي من باب الرجوع إلى الراوي والمخبر. ففيما اخبر به من أحوال من أدركه من الرواة لا اشكال. وفي غيره قوله واخباره بمنزلة رواية مرسلة.

فادا علم من طريقته انه لا يرسل في ذلك الا عن ثقة فيعتمد عليه وان شئت قلت: ان قوله مثلا: زرارة ثقة، شهادة منه على الوثاقة مستندة إلى رواية الثقات او شهادتهم في جميع الطبقات. وحينئذ فالعمدة إثبات التزام الرجالي بالاعتماد على الثقات وعدم الرواية عمن لا يبالي بالحديث في جميع رجال السند كي يكون قوله واخباره بمنزلة رواية معتبرة عندنا وان كانت محذوفة الاسناد. اعتبار قول المتأخرين من اهل الرجال اختار بعض الاعلام عدم حجية توثيق المتأخرين من أهل الرجال وجرحهم. بل يظهر منه عدم حجية قول مثل ابن طاوس والمحقق والعلامة وابن داود وامثالهم من المتأخرين قدس الله ارواحهم الطاهرة. بدعوى كثرة أخطائهم وخصوصا العلامة رحمه الله، وان المتأخرين نقلة لمن تقدم فيما لهم توثيق او جرح وفي غير ذلك إستعملوا الرأي والاجتهاد لا محالة ولا دليل على اعتبار رأيهم.قلت فيه اولا منع اكثرية خطأ المتأخرين بل الامر بالعكس كما هو ظاهر بالتأمل في كلامهم في الرجال والفقه وغيرهما.وثانيا ان تم دليل حجية قول اهل الرجال فالفرق بلا دليل في

١٠١

غير محله. وكون الخطأ في اقوال العلامة اكثر من غيره مهدته على مدعيه. ولو سلم ان كثره مشاغله وتفننه في العلوم وكثرة تأليفاته وغير ذلك ربما اوجب الخطأ بما ليس في كلام غيره فلا يوجب التوقف في الاخذ بكلامه كما لا يوجب بالنسبة إلى شيخ الطائفة والمعصوم من الخطأ غيرنا.

وثالثا ان كون المتأخرين نقلة لما ذكره المتقدمون ليس قدحا وعدم وقوفهم على ازيد مما ذكره المتقدمون ممنوع جدا فكم وقف المتأخر على مالم يقف عليه المتقدم من الآثار في الرجال والفقه وغيرهما وهذا واضح لمن كان كثير التتبع في الاخبار.

ورابعا ان الاجتهاد واستعمال الرأي في الآثار لا يخص بالمتأخر نعم فتح المتأخر باب الاجتهاد بمصراعيه دون من تقدمه، ومن تأمل في توثيقات ابن الوليد وشيوخ القميين واحمد بن عيسى واضرابهم وما صدر منهم من الجرح مع ان كثيرا من أعلام عصرهم قد أنكروا ذلك عليهم فضلا عمن تأخر عنهم تبين له ان الفرق المذكور في غير محله وان كان إجتهاد المتأخر اكثر وقد اشبعنا القول في ذلك في فوائدنا الرجالية.

منهج النجاشي في الجرح والتعديل

تقدم ان قول اهل الرجال انما يعتمد عليه من باب الشهادة والرواية، فمنع بعد أكثر من ترجمه النجاشي في رجاله عن زمانه ربما يشكل الاعتماد على جرحه وتعديله، اذلا يستند إلى الحس والسماع بلا واسطة، ولا يعرف من طريقته الالتزام بالاعتماد على خصوص ما رواه الثقات ولو مع الواسطة بل المعلوم خلافه فقد صرح بترك

١٠٢

الرواية عن المطعونين من مشايخه الا مع واسطة بينه وبين المطعون كما تقدم في مشايخه. وقد اعتمد في رواياته للكتب والمصنفات على روايات فيها ضعف بالارسال او الجهالة او ضعف بعض رجال الاسناد. مع ان ذكر المصنفات هو الغرض الاول لتأليف الكتاب دون ذكر احوال الرواة. فكيف لا يحتمل اعتماده في اثبات سائر اوصاف الرواة بمثل هذه الاخبار. وقد إتحد السياق لذكر الكتب والاوصاف بقوله بنحو الجزم ثقة، كوفي، واقفي، له كتاب. بل ربما اعتمد في التوثيق وغيره على ما رواه الكشي او غيره من رواية ضعيفة الاسناد كما ستقف عليه في هذا الشرح. على انه استعمل الرأي والاجتهاد في الجرح والتعديل فيما اختلف فيه الآثار أو كلمات أصحاب الرجال كما يظهر بالتأمل فيما ذكره في الحسن بن محبوب ومحمد بن عيسى وغيرهما ممن اختلف فيه الآثار وقول اهل الرجال.

قلت وفي جميع ذلك نظر وتأمل اما روايته الكتب باسناد ضعيف وشهادته بقوله: له كتاب او كتب فلما سبق ان ثبوته لا ينحصر بما ذكره من الروايه عن مؤلفه لعدم حصر الطريق به كما صرح بان الطرق كثيرة وانما يكتفي بواحد لئلا يطول. على ان كثيرها مشهوره او رواها جماعات من الناس. وذكرنا ان ضعف الرواية لا يضر بالشهادة لاصل الكتاب. واما الاعتماد على رواية ضعيفة في التوثيق ففيما لم يستند اليها في كلامه لا نعلم باستناده وفيما علق التوثيق على الرواية فهذا مشعر بعدم جزمه بالتوثيق كما لا يخفى.

١٠٣

واما الاجتهاد في الجرح والتعديل في موارد الاختلاف فلا يوجب عدم جواز الرجوع اليه في شهادته بالتوثيق وسيأتي الفرق بين الجرح والتعديل في هذا المقام. واما التزام النجاشي بالاعتماد على رواية الثقات خاصة بحيث تكون شهادته بالوثاقة بمنزلة رواية محذوفة الاسناد رواها الثقات، فيمكن كشفه من تحفظه رحمه الله على شروط الرواية فقد ترك الرواية عن المطعون وان كان كثير العلم والادب والسماع. ومن تعليقه التوثيق او الجرح او ثبوت وصف او حال للرواة أو كتاب في كثير من التراجم على اصحاب الرجال، او بعضهم، او على الكشي، او ابي العباس، واحمد بن الحسين، وغيرهم إيماء‌ا منه رحمه الله بعدم الجزم به. وقد اكثر في هذا الكتاب تعليق رواية الرواة عن ابي عبدالله او عن ابي الحسن عليهم السلام على ابي العباس ايماء‌ا منه إلى عدم ثبوتها عنده، لضعف مستندها، أو لان الطبقة لا تساعد على ذلك. فتوقف رحمه الله عن الجزم بذلك مع شهادة ابي العباس ابن نوح، او ابن عقدة على ذلك ايضا وفى بعض الموارد علق الرواية عن احدهم عليهم السلام عليهما معا. وان شئت فلاحظ ترجمة عبدالله بن سنان (رقم 565) حيث قال: روى عن ابي عبدالله (ع) وقيل روى عن أبي الحسن موسى (ع) وليس بثبت الخ.

وقد روى الكليني والشيخ وغيرهما باسناد فيه زياد بن مروان عن عبدالله بن سنان عن أبي الحسن (ع) فيظهر من ذلك ان عدم ثبوت رواية عبدالله بن سنان عنه (ع) لضعف المستند بزياد بن مروان القندي الضعيف مضافا إلى ما قيل: انه مات في حياة ابي عبدالله (ع) ونحو ذلك في ترجمة زكريا بن ادريس (رقم 464) وغيره فلاحظ وتأمل.

١٠٤

وبالجملة فمن تعليق النجاشي ما ذكره من الاوصاف في جملة من التراجم على قول أهل الرجال أو بعضهم مشيرا إلى ضعفه يستظهر - ان ما ذكره في غير هذه الموارد بصورة الجزم وبلا تعليق على قائل قد ثبت عنده بطريق معتبر واسناد خال عن ضعيف او من لا يبالي بالحديث. كما انه يستظهر كون الطريق المعتبر عنده معتبرا عندنا لو وصل الينا، من طريقته رحمه الله في الجرح والتعديل في الاسانيد ورجالها ومما اورد به على الاصحاب وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل. هذا مضافا إلى امكان القول بان قول النجاشي مثلا: سماعة بن مهران ثقة شهادة منه تؤخذ بها كشهادته على حياة رجل او علمه او على طهارته شي ء او نجاسته من دون لزوم الفحص عن مستنده حتى يعلم بخطائه فتترك وفى هذا الوجه وما قبله نظر قد فصلنا القول في تحقيق ذلك في فوائدنا.

التوثيقات العامة

لا فرق في مدح الرواة وتوثيقهم بين كونه شخصيا كقوله زرارة ثقة، وبين كونه بوجه عام، كما في توثيق بيت او مدحهم. ففي عمومة اسماعيل بن عبد الخالق وابيه قال النجاشي: كلهم ثقات. فمن كان من عمومته يحكم بوثاقته وان ثبت ذلك من كلام غيره. ومن ذلك وامثاله، استفدنا وثاقة جماعة من الرواة ممن لم يفرد لهم النجاشي ترجمة وعلى هذا فاذا ثبت في جماعة المدح بانهم لا يرون إلا عن الثقات فيحكم بوثاقة كل من رووا عنه وان لم يصرح في كلام الاصحاب بتوثيقهم بالخصوص.وكذلك فيمن صرح بمدح يستلزم روايته عن الثقات

١٠٥

والاجتناب عن الرواية عن الضعاف. وحينئذ فلا بأس بذكر من قيل فيه: انه لا يروى إلا عن الثقات وايضا من ورد فيه مدح ربما يستفاد منه انه لا يروى الا عن الثقات وان لم يصرح بذلك في كلام الاصحاب. وظاهر الاصحاب ان رواية من عرف بانه لا يروى إلا عن الثقات امارة عامة على وثاقة من روى عنه، ويلزم منه أيضا عدم الفرق بين مسانيد هؤلاء وبين مراسيلهم. ففي (كتاب العدة) في القرائن الدالة على صحة الاخبار. قال شيخ الطائفة: واذا كان أحد الروايين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولا جل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون الا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم ولذا عملوا بمراسيلهم اذا إنفردوا عن رواية غيرهم الخ.

قلت وتبعه الشهيد رحمه الله في مقدمة الذكرى.

من لا يروى الا عن الثقة

يظهر من كلام النجاشي وغيره: ان في رواة أصحابنا من يعرف بانه لا يروى الا عن ثقة. ومعرفة ذلك اما بتصريح الراوي الثقة بانه لا يروى الا عن الثقة مطلقا، او في كتاب خاص مثل ابن قولويه في كامل الزيارات وغيره. واما بتصريح غيره كما صرح الشيخ (ره) في ابن ابي عمير واضرابه

١٠٦

وقد تقدم. واما يستفاد من لازم الكلام مثل تعليل النجاشي لعدم الرواية عن بعض الرواة بضعفه وورود الطعن فيه فان مشايخ النجاشي انما استفيد وثاقتهم من تعليله عدم الرواية عن بعضهم بكونه مطعونا او ضعيفا. فيدل بالالتزام على انه لا يروى الا عن الثقة على كلام تقدم في ذلك. وفى كفاية الاستقراء لاثبات كون جميع من روى عنه ثقاتا اذا لم يفد القطع، اشكال حققناه في الفوائد.

وهؤلاء جماعة. الاول النجاشي كما تقدم الكلام فيه. الثاني والثالث محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي ابوعلي، واحمد بن محمد بن سليمان ابوغالب الزراري شيخ العصابة في زمنه ووجههم. قال النجاشي في جعفر بن مالك (رقم 310): كان ضعيفا في الحديث قال احمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا ويروى عن المجاهيل، وسمعت من قال كان ايضا فاسد المذهب والرواية، ولا ادري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة ابوعلي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة ابوغالب الزراري رحمهما الله وليس هذا موضع ذكره الخ.

قلت وانت خبير بان العجب المتقدم انما يصح اذا عرف الشيخان الجليلان بانهما لا يرويان عن الضعاف وعن غير الثقات، وتمام الكلام في ذلك في ترجمته وفى فوائدنا الرجالية.

الرابع ابوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله في كتاب كامل الزيارة قال (ره) في الديباجة: حتى أخرجته وجمعته عن الائمة صلوات الله عليهم اجمعين من احاديثهم ولم أخرج فيه حديثا روى عن غيرهم، اذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله

١٠٧

عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا انا لا نحيط بجميع ما روى عنهم في هذا المعنى، ولا غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثا روى عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم انتهى.

قلت فيما افاده (ره) تصريح بامور احدها عدم ذكره في الكتاب الا الروايات المأثورة عن الائمة الطاهرين عليهم السلام، لكفاية ما وصل عنهم والغنى عن اخبار غيرهم.

ثانيها انه مع كثرة ما ورد عنهم عليهم السلام في جميع الابواب وعدم العلم بصحة لجميع، إقتصر على رواية ما وقع اليه (ره) من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم الله. وظاهره انه (ره) ترك ما وقع من غير جهة الثقات من اصحابنا او ما وقع من جهة غير اصحابنا وان كانوا ثقاتا.

ثالثها الاكتفاء بالثقات المشهورين بالحديث والرواية وترك الرواية عن غير المشهورين بالرواية وعن الشذاذ. قلت وفى اختصاص الامرين الاخيرين بمشايخه ومن روى عنه بلا واسطة كما هو صريح غير واحد من أصحابنا أو ظاهرهم أأو عمومهما لجميع رجال اسانيده إلى المعصوم عليه السلام كما هو مختار بعضهم وجهان. ويبعد الثاني مضافا إلى التأمل في ظهور كلامه في نفسه بل منعه وجود جماعة من المصرحين بالضعف في اسانيد رواياته، والارسال، والرفع، والقطع، في احاديثه. مضافا إلى تعارف تخصيص الرواية عن الثقات بالمشايخ بلا واسطة لا حتى مع الواسطة فمن ذلك كله يستفاد ان المراد: الرواية عن المشايخ الثقات وعن كتب الثقات

١٠٨

والمشهورين من الرواة. وان كان في طرق هذه الروايات المجاهيل والمطعونين.

ودعوى ان وجود المصرح بالضعف في اسانيده يقتضى، عدم الاخذ بهذا التوثيق العام في قبال الدليل على الضعف لا عدم الاخذ به مطلقا حتى فيمن لم يصرح بالضعف، وهذا نظير العلم بخروج بعض افراد العام عن حكمه بدليل المخصص فلا تقتضى رفع اليد عن دليل العام في غير مورد المخصص.

مدفوعة بعمد صحة القياس بباب العالم والخاص على ما سيأتي بيانه. ويمكن تقريب الاول بامور اولها ان غرضه رحمه الله من هذا الالتزام هو صحة ما ذكره في هذا الكتاب. وهذه تقتضى وثاقة جميع رجال السند. لا خصوص مشايخه كما هو ظاهر. وليس في مقام بيان طريقته في الحديث فقط.

ثانيها قوله انا لا نحيط بجميع الخ. فان الاحاطة بجميع مارواه وحدثه مشايخه ليس أمرا عجيبا غير ممكن عادة حتى يوجب الاقتصار المذكور، بخلاف ما اذا اريد العموم فان الاحاطة بالجميع حينئذ متعذرة عادة هذا ان اريد الاحاطة خارجا واما اذا اريد الوقوف على الصحة والاطمئنان بالصدور فالامر اوضح فان ما كان خصوص شيخه من الثقات فلا يدخل فيما علم او اطمأن بصحته عادة بل انما يحيط او يعلم بصحته اذا كان جميع رجال اسانيده ثقاتا.

ثالثها قوله (ره) ما وقع لنا من جهة الثقات بدل ما سمعته من ثقات مشايخنا وامثال ذلك فان الاول يقتضى كون جميع الرجال ثقاتا حتى يصح اطلاق وقوعه عن المعصوم (ع) من طريق الثقات.

الخامس الشيخ الجليل علي بن ابراهيم بن هاشم القمي الذي وثقه

١٠٩

النجاشي بقوله: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد صحيح المذهب الخ.

قال في ديباجة التفسير: ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم الخ.

قلت ودلالة كلامه ظاهرة إلا ان الشأن في الطريق إلى التفسير وفي ثبوت هذا الكلام ويأتي ان شاء الله في ترجمته. وقد اخرجنا رجال اسانيده ومشايخه في هذا الكتاب في محله.

السادس شيخنا الاجل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (ره) في كتاب المقنع وكذا والده قال في اوله: وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يمل قاريه اذا كان ما ابينه فيه موجودا بينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله تعالى قلت حكى العلامة المجلسي (ره) في اجازات البحار عن خط استاد الشهيد عميد الرؤساء هبة الله بن حامد اللغوي قال ذكر الشيخ ابوعلي ابن شيخنا الطوسي (قدهما) ان اول من ابتكر طرح الاسانيد وجمع بين النظائر وأتى بالخبر مع قرينه علي بن بابويه في رسالته إلى ابنه قال ورأيت جميع من تأخر عنه يحمد طريقه فيها ويعول عليه في المسائل لا يجد النص عليها لثقته وامانته وموضعه من الدين والعلم الخ.

السابع ابوجعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى قال (ره) في ديباجته: ولا اذكر فيه الا المسند من الاخبار عن المشايخ الكبار والثقات الاخيار الخ.قلت وقد اخرجنا رجال اسانيده في محله.

الثامن الشيخ الجليل محمد بن المشهدي في المزار الكبير قال في اوله: اما بعد فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات

١١٠

للمشاهد وما ورد في الترغيب إلى ان قال: مما اتصلت به ثقات الرواة إلى السادات عليهم السلام الخ.

قلت قد أخرجنا رجال اسانيده في محله، وتمام الكلام في مؤلفه وفي نفس الكتاب، وفي الطرق اليه في محله فلا نطيل في المقام.

التاسع السيد الورع ركن الاسلام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس في كتاب فلاح السائل قال في الديباجة: اعلم انني اروي فيما اذكر من هذا الكتاب روايات. وطريقي اليها من خواص اصحابنا الثقات. وربما يكون في بعضها بين بعض الثقات المشار اليهم وبين النبي صلى الله عليه وآله واحد الائمة عليهم السلام رجل مطعون عليه بطعن من طريق الآحاد، او يكون الطعن عليه برواية مطعون عليه من العباد، وبسبب محتمل لعذر للمطعون عليه يعرف ذلك السبب او يمكن تجويزه عند أهل الانتقاد، وربما يكون عذري الخ.

ثم ذكر كلاما في عذره وملخصه، يرجع إلى أحد عشر امرا وذكرها بطوله يوجب الخروج عن الغرض إلا انه لما فيها من الفوائد لا بأس بذكرها ملخصا حيث يفيد في جميع من روى عن الثقات وقد أخرجنا رجال اسانيد روايات فلاح السائل في محله. احدها كون مستند الطعن رواية قاصرة سندا لوجود مطعون فيه لو لعدم انتهاء الطعن إلى المعصوم عليه السلام كالاضمار ونحوه، أو لانتهاء الطعن إلى غير معصوم لم يعلم استناد طعنه إلى شهادة ثابتة أو حجة واضحة، او إلى سبب غير عادي من الغضب والنسيان والحقد والحسد الذي قل من سلم منه، وقد شاع ذلك الطعن فيظن السامع انه حق ولكن يكشف بطلانه لمن تثبت واستكشف او ربما يعترف الطاعن ببطلانه وهذا رأيناه في كثير من الاحوال.

١١١

الثاني كون الطعن في المذهب مع كون المطعون ثقة في حديثه، وامانته وهذا كما في كثير من ثقات الفطحية والزيدية والواقفية وغيرهم.

الثالث كون ما يوجب الطعن جائزا شرعا للمطعون وإن لم يجز لغيره فمن رآه على ذلك طعن ولم يعلم بجوازه له لتقية شديدة أو غير ذلك، ولو اظهر خلافه ايضا ربما لم يقبلوا منه.

الرابع اعتماد الثقات من أصحابنا على رواية المطعون وعدم استثنائها فيكونوا قد عرفوا صحة الرواية من وجوه ثم أشار (ره) اليها.

الخامس كون ما ذكر من السند الذي في بعض رجاله طعن تأييدا لما اذكره فيه من السند الصحيح الخالي من الطعن فالاعتماد على ذاك الطريق الغير المطعون فيه.

السادس كون الحديث الذي في بعض رجال سنده طعن موردا للاخبار الدالة على ان من بلغه ثواب على عمل فعمل به رجاء ذلك الثواب فله أجر ذلك.

قلت هذا ملخص ما أفاده (ره) في المقام في أحد عشر وجها بعضها مدخولة في بعض ومع ذلك فلا تخلو عن النقد والقدح بما لا يخفى عند التأمل وتحقيق ذلك في فوائدنا فلا نطيل. ثم ان هذا بعض من وقفنا على تعهده بالرواية عن الثقاة في الجملة من مشايخ الاجازة والحديث. وينبغي الاشارة إلى مشايخ الحديث ورواته فقط ممن روى عن الثقات وهم جماعة.

الاول جعفر بن بشير ابومحمد البجلي الوشاء فيأتي في ترجمته (رقم 301) قول الماتن (ره): من زهاد اصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة إلى ان قال ابوالعباس بن نوح يقول: كان يلقب قفحة العلم

١١٢

روى عن الثقات ورووا عنه الخ.

قلت وقد اخرجت مشايخه ومن روى عنه ومن سمع من جعفر وروى عنه في فوائدنا وذلك بذكر الثقات والممدوحين منهم ومن لم يصرح بمدح ولا قدح أولا ثم بذكر من غمز أو طعن فيه وهم جماعة مع تحقيق كامل في احوالهم وفى سند الرواية إلى هؤلاء المطعونين.

الثاني محمد بن اسماعيل الزعفراني فيأتي في ترجمته (رقم 945) قول الماتن (ره): ثقة عين روى عن الثقات وروى عنه ولقى اصحاب أبي عبدالله عليه السلام الخ.

الثالث محمد بن أبي عمير ابواحمد الازدي فيأتي في ترجمته (رقم 897) قول الماتن (ره): فلهذا اصحابنا يسكنون إلى مراسيله وفي الشرح عن كش في تسميته الفقهاء من اصحاب أبي ابراهيم وابي الحسن الرضا عليهم السلام قال: اجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر ثم ذكرهم (ره) وعد منهم محمد بن ابي عمير. وعن الشيخ (ره) في العدة ص 63 قال: فان كان المرسل ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولاجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم ولذا عملوا بمراسيلهم اذا انفردوا عن رواية غيرهم وذكر نحوه الشهيد (ره) في الذكرى كما تقدم. قلت وقد حققنا القول في ما يستفاد من هذا الكلام في فوائدنا

١١٣

وأشرنا إلى من روى عنه ابن ابي عمير من الثقات او الممدوحين وربما تجاوز المأتين، وإلى من لم يصرح بشئ ايضا كما ربما يقارب أو يتجاوز عددهم المأتين، وإلى من ورد فيه طعن او غمز من الاصحاب، وربما يقارب او يتجاوز عددهم العشرين مع الاشارة إلى روايته عن هؤلاء المطعونين والتأمل في إسنادها ثم التحقيق في احوال هؤلاء بما لا ينافي روايته عنهم مع التوثيق العام لمن روى عنه فلاحظ وتأمل.

الرابع احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي على ما تقدم في كلام الشيخ (ره).

الخامس صفوان بن يحيى على ما تقدم ويأتي عن الفهرست ما يشير إلى ذلك في ترجمته.قلت وقد اخرجت مشايخهما من الثقات والممدوحين ومن لم يصرح بشئ ومن ورد فيه طعن في فوائدنا مع اشارة إلى روايتهما عن المطعونين وتحقيق في اسنادها والجواب عن الاشكال المتوهم فلاحظ.

السادس علي بن الحسن الطاطري الكوفي فيأتي (رقم 673) في ترجمته من هذا الشرح عن الشيخ (ره) في الفهرست ص 92 (رقم 380) قوله: وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلاجل ذلك ذكرناها الخ. وهناك في كلام الماتن (ره) ما يشير إلى ذلك وقد اخرجنا أسماء من روى عنه في فوائدنا مع تحقيق الكلام في ذلك.

السابع سعد بن عبدالله القمي في كتابه المنتخبات فيأتي في هذا الشرح من ترجمته عن الفهرست (رقم 306) ص 76 بعد توثيقه وتجليله وذكر كتبه والطرق اليها عن الصدوق وابن الوليد عليهما الرحمة قوله في آخر كلام ابن بابويه: وقد رويت عنه كلما في كتاب المنتخبات مما

١١٤

اعرف طريقه من الرجال الثقات الخ.وتمام الكلام في ذلك وفيمن روى عنه في هذا الكتاب في فوائدنا فلاحظ.

الثامن يظهر من الماتن (ره) في ترجمة محمد بن احمد بن يحيى الاشعري على ما يأتي انشاء الله (رقم 591) ان من روى عنه غير ما استثناه ابن الوليد والصدوق (ره) من جماعة يبلغ عددهم خمس وعشرين ثقات بل صرح في محمد بن عيسى مما استثناه انه على ظاهر العدالة والثقة فلاحظ وتأمل وتمام الكلام فيمن روى عنه وفيما استثنى في فوائدنا.

من يسكن إلى روايته

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات والاجتناب عن الرواية عن الضعاف سكون الاصحاب إلى رواية الرجل. فقد طعن أصحاب الحديث على بعض الرواة تارة بضعفه في الحديث وأخرى بضعف من روى عنه. وثالثة باكثار الرواية عن المجاهيل، او من لا يبالي بالحديث، وغير ذلك من وجوه الطعن، وحينئذ فالمطعون لا يكون عندهم مسكونا إلى روايته وحديثه فسكونهم إلى روايته إمارة خلوه عن الطعون، وكذا خلو احاديثه من المناكير، وقد مدح النجاشي رحمه الله جماعة بسكون الاصحاب إلى روايتهم. فمنهم

1 - محمد بن أبي عمير ففي ترجمته (رقم 897 بعد مدحه قال: " فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله " ومن يروى عن الضعيف لا يسكن إلى مراسيله كما هو واضح.

١١٥

2 - عبدالله بن الصلت ففي ترجمته (رقم 569) قال: " ثقة مسكون إلى روايته.

3 - رفاعة بن موسى الاسدي ففي ترجمته (رقم 435) قال: " كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته لا تعرض بشئ من الغمز حسن الطريقة ".

4 - واحمد بن عبدالله بن احمد بن جلين الدوري في ترجمته (رقم 201)،

5 - احمد بن محمد بن جعفر الصولي في ترجمته (رقم 198) ولنا في ذلك كلام يأتي في الشرح.

6 - محمد بن الحسين بن أبي الخطاب في ترجمته (رقم 907).

7 - لوط بن يحيى بن سعيد ابومخنف في ترجمته (رقم 883).

8 - محمد بن بكران بن عمران في ترجمته (رقم 1063).

9 - محمد بن الحسن بن الوليد في ترجمته (رقم 1054).

قلت وقد حققنا القول في ذلك واستقصينا ذكر من رووا عنه وما يمكن ان يرد على ذلك في فوائدنا.

من لا يطعن عليه في شئ

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات، والاجتناب عن الرواية عن الضعاف، المدح بكون الرجل ممن لا يطعن عليه في شئ من مذهبه وطريقته ومشيخته وغير ذلك من وجوه الطعن فاذا روى مثله عمن لم يصرح بضعف يستكشف وثاقته عنده. وإلا فروايته عن الضعيف من اوضح ما يوجب الطعن عليه، وفي الرواة من يعرف

١١٦

بذلك ومدحهم النجاشي به، وهؤلاء جماعة مثل

1 - عبدالله بن سنان فيأتي في ترجمته (رقم 565) كوفى ثقة ثقة من اصحابنا جليل لا يطعن عليه في شئ إلى أن ذكر كتبه ثم قال: روى هذه الكتب عنه جماعات من اصحابنا لعظمته في الطائفة وثقته وجلالته الخ.

2 - عبيد بن زرارة فيأتي في ترجمته (رقم 623) ثقة عين لا لبس فيه ولا شك الخ.

3 - محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي وأهل بيته فيأتي في ترجمته (رقم 893) بعد ذكرهم وانهم اهل بيت فضل وأدب قال: وهم ثقات لا يطعن عليهم بشئ ".

4 - احمد بن محمد بن احمد الجرجاني (رقم 204) كان ثقة في حديثه ورعا لا يطعن عليه الخ.

5 - علي بن مهزيار فيأتي في ترجمته (رقم 675) بعد مدحه قوله: كان ثقة في روايته لا يطعن عليه صحيحا اعتقاده الخ.

6 - علي بن سليمان الزراري (رقم 687) قال: كان ورعا ثقة فقيها لا يطعن عليه في شئ.

7 - يعقوب بن اسحق السكيت فيأتي في (رقم 1230) بعد مدح كثير له قوله: كان مقدما إلى قوله: ثقة مصدقا لا يطعن عليه.

8 - محمد بن علي الحلبي واخوته فيأتي (رقم 895) وجه اصحابنا وفقيههم والثقة الذي لا يطعن عليه هو، واخوته عبيدالله، وعمران وعبدالاعلى الخ.

9 - رفاعة بن موسى النخاس فيأتي في ترجمته (رقم 435) كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته لا تعرض بشئ من الغمز

١١٧

حسن الطريقة.

10 - هاروون بن موسى التلعكبري فيأتي في ترجمته (رقم 1195) كان وجها في اصحابنا معتمدا لا يطعن عليه الخ.

قلت وقد اخرجنا مشايخ هؤلاء ومن رووا عنه من الثقات والممدوحين والمجاهيل والمطعونين مع تحقيق القول في روايتهم عنهم في فوائدنا واوضحنا الجواب عما يرد عليه في المقام.

من يعتمد على جميع رواياته

لا يعتمد على جمعى روايات احد الا اذا كانت خالية من الغلو والتخليط والمناكير وكانت مما رواها عن الثقات ولم يعتمد على الضعاف ومن لا يبالي بالحديث فروايته عن أحد تشير إلى وثاقته وخلوه عما يوجب الطعن وقد أشار النجاشي إلى ذلك في جماعة.منهم احمد بن الحسن بن اسماعيل الميثمي الآتي ترجمته (رقم 175) قال ثقة في الحديث صحيح الحديث معتمد عليه.وثابت بن دينار ابي حمزة الثمالي الآتي في ترجمته (رقم 294): وكان من خيار اصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث.وعلي بن ابراهيم بن هاشم الاتي في ترجمته (رقم 686) قوله: ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب.وعلي بن الحسن بن رباط البجلي الآتي في ترجمته (رقم 665) قوله: ثقة معول عليه.وعلي بن محمد بن علي بن عمر القلا فيأتي في ترجمته (رقم 685) قوله: كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية

١١٨

معتمد على ما يرويه.وعبدالرحمن بن ابي نجران الآتي في ترجمته (رقم 627) قوله: ثقة ثقة معتمد على ما يرويه.وغير هؤلاء ممن احصينا ذكرهم والتحقيق في ذلك وما يمكن ان يرد عليه في فوائدنا.

من روى عن الاجلة أو روى عنهم قد يقال: ان من امارات الوثاقة رواية من عرف بانه روى عن الاجلة، أو روى عنه الاجلة، فان رواية أجلة الرواة واثباتهم وثقاتهم عن رجل يكشف عن خلوه عن طعن يعرف كما ان روايته عن الاجلة إنما تكون مدحا اذا كان عامة مشايخه في الحديث كذلك دون بعضهم وإلا فلعله لا يوجد ضعيف لا يروى عن ثقة. ثم ان ذلك لا يخلو عن اشكال والتحقيق في ذلك وفيمن صرح فيه الاصحاب بذلك في فوائدنا.

المأمون في الحديث

ومما يمكن ان يكون امارة الوثاقة او قيل بها رواية من عرف بانه مأمون في الحديث عن رجل لا يعرف حاله، بدعوى ان من لا يبالي بالحديث ويروى عمن سمع منه من مجهول او ضعيف او وضاع لا يكون مأمونا في الحديث وفي ذلك اشكال وتمام الكلام فيه وفيمن عرف بذلك في فوائدنا.

١١٩

من كان ثقة في الحديث

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات، والتحرز فيها عن الضعاف المدح بالوثاقة في الحديث.

وقد مدح أئمة الرجال جماعة بقولهم: ثقة في الحديث - كما مدح النجاشي بذلك جماعة يقارب عددهم الاربعين بل يمكن القول بان قولهم: ثقة بلا تقييد بالحديث او غمز من وجه، ظاهر باطلاقه في الوثاقة في الحديث ايضا، إذ لا يكون ثقة بنحو الاطلاق الا إذا اجتنب عن رواية الضعاف.

بيان ذلك ان الثبت والقوة والاحكام وعدم الزوال والاضطراب كما هي الوثاقة او من لوازمها لا يتحقق في الموثوق به. الا مع سلامته عن الجنون، ونحوه من موانع الالتزام والثبات، ومع معرفة الحق والالتزام به وبالجري عليه في مقام العمل. ثم ان الوثوق والثقات في أمر من شئون الموثوق به لا يلازمه في جميع اموره كما هو واضح. فقد يكون الرجل ثقة غير مضطرب في مذهبه، ولا يكون ثقة في الجري على مذهبه باتيان ما أوجبه عليه او ترك ما حرمه عليه كالفاسق فلا يعتمد ولا يؤتمن عليه في قوله فانه لا يتحرز من الكذب إلا اذا التزم في نفسه بترك القبيح ولذا قد يكون في الفاسق والكافر من لا يكذب ويجتنب عنه. كما ان المتحرز بنفسه عن الكذب قد يكون متحرزا عن حكايته عن غيره او متحرزا عن الحكاية عن الكذاب والضعيف ومن لا يبالي بالحديث مطلقا وان كان صدقا ايضا، وقد لا يكون كذلك فلا يبالي بالحديث عمن سمع منه وان كان في نفسه صدوقا لا يكذب وغير ذلك من وجوه الوثوق بالرجل

١٢٠

العرش، فانّ قوماً تكلموا في الله فتاهوا ...) (١) .

وبيّنعليه‌السلام معياري الإيمان والإسلام فقال:(الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل) (٢) .

وقالعليه‌السلام :(الإيمان ما كان في القلب، والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء، والإيمان يشرك الإسلام، والإسلام لا يشرك الإيمان) (٣) .

وبيّن الأصل الأساسي من أصول العقيدة بعد أصل التوحيد وهو الولاية والإمامة المجعولة من الله تعالى ; لأن الولي والإمام يقوم بدور الحجّة نيابة عن الله تعالى، وبيّن مصير من لا يتولّى من نصّبه الله تعالى، فقال:(إنّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل من الله، فإنّ سعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر، ومثله كمثل شاة لا راعي لها ضلّت عن راعيها وقطيعها فتاهت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا أن جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فجاءت إليها فباتت معها في ربضتها متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بسرح قطيع غنم آخر فعمدت نحوه وحنّت إليها، فصاح بها الرّاعي الحقي بقطيعكِ فإنّكِ تائهة متحيّرة قد ضللت عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيّرة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها ويردّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وهكذا يا محمّد بن مسلم من أصبح من هذه الأمة ولا إمام له من الله عادل أصبح تائهاً متحيّراً، إن مات على حاله تلك مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد أنّ أئمة الحقّ وأتباعهم على دين الله ...) (٤) .

وبيّن حدود ولاية أهل البيتعليهم‌السلام وحدود شفاعتهم فقال:(يا جابر!

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢٣٨.

(٢) تحف العقول: ٢١٧.

(٣) المصدر السابق: ٢١٨.

(٤) المحاسن: ٩٢، ٩٣ .

١٢١

فو الله ما يُتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع) (١) .

وحذّر اتباعه من التأثر بأفكار واعتقادات الغلاة لأنها مخالفة للتوحيد، ومخالفة للمنهج العقائدي لأهل البيتعليهم‌السلام .

٢ ـ مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام

إن المنهج الإسلامي هو منهج واقعي للحياة، بكل ما للحياة من تشكيلات وتنظيمات وأوضاع وقيم وأخلاق وآداب وعبادات وشعائر، وهو كمنهج نظري يراد تطبيقه في الواقع بحاجة إلى قدوة تجسّده في الواقع كي يقتدي بها الناس ليندفعوا أشواطاً إلى الأمام في مسيرة التنفيذ والتطبيق، ولهذا ركّز الإمامعليه‌السلام على القدوة الناطقة بالكتاب والسنّة وهم أهل البيتعليهم‌السلام تمييزاً عن غيرهم من الذين تنكبوا طريق الاستقامة وانحرفوا عن المنهج انطلاقاً من أهوائهم ومصالحهم التي تخدم السلاطين والحكّام وانفلاتاً من قيود العقيدة والشريعة. فقد أكّد الإمامعليه‌السلام على الولاية باعتبارها أهم أركان الإسلام فقال:(بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية) (٢) ، التي أوضحها في نص آخر بأنها الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

وأورد الأحاديث الشريفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تؤكد على ولاية

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ٧٤.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ١٨.

(٣) الخصال: ١ / ٢٧٨ .

١٢٢

أهل البيتعليهم‌السلام ومرجعيتهم في الأمة، ومنها توجيه الأنظار إلى ولاية أول الأئمة أعني الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام متمثّلة بالولاء العاطفي له، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما من مؤمن إلاّ وقد خلص ودِّي إلى قلبه، وما خلص ودّي إلى قلب أحد إلاّ وقد خلص ودّ عليّ إلى قلبه، كذب يا علي من زعم أنه يحبّني ويبغضك) (١) .

وفسرّ الآيات النازلة في حق أهل البيتعليهم‌السلام وبيّن مؤدّاها بشكل دقيق وهو مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام في جميع شؤون الحياة فكرية وعاطفية وسلوكية.

ففي قوله تعالى:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢) ، قالعليه‌السلام :نحن أهل الذكر .

وفي قوله تعالى:( لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٣) ، قالعليه‌السلام :نحن هم .

وفي قوله تعالى:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) (٤) ، قالعليه‌السلام :نحن الأمة الوسط .

وفي قوله تعالى:( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٥) ، قالعليه‌السلام :أي مع آل محمد (٦) .

وأمّا أحاديثه التي رواها عن رسول الله حول ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ومرجعيتهم للأمة فمنها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(أنا رسول الله إلى النّاس أجمعين ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله، يقومون في الناس فيكذّبونهم ويظلمونهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا فمن والاهم واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني،

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ١٥١.

(٢) النحل (١٦): ٤٣.

(٣) البقرة (٢): ١٤٣.

(٤) البقرة (٢): ١٤٣.

(٥) التوبة (٩): ١١٩.

(٦) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ١٩٤، ١٩٥ .

١٢٣

ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذّبهم، فليس مني ولا معي وأنا منه بريء) (١) .

وحثّعليه‌السلام على الرجوع إلى القرآن والسنّة، وأكّد مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام باعتبار أنّ سنّتهم امتداد للسنّة النبويّة الشريفة، وباعتبار أعلميّتهم بمنهج القرآن الكريم وسيرة النبي العظيم; فإنّهم أهل بيت الوحي والرسالة فهم أدرى بما في البيت.

بيّن الإمامعليه‌السلام خصائص الإنسان الشيعي وهو الإنسان الموالي والمتّبع لأهل البيتعليهم‌السلام تمييزاً له عمّن سواه ممّن يحمل شعار الولاء والمشايعة لهم، قالعليه‌السلام :(فو الله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه ...) (٢) .

وقال أيضاً:(لا تذهب بكم المذاهب، فو الله ما شيعتنا إلاّ من أطاع الله عَزَّ وجَلَّ) (٣) .

٣ ـ خصائص الانتماء لأهل البيتعليهم‌السلام

وبيّن الخصائص الولائية والسلوكية للجماعة الصالحة من حيث علاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم مع الآخرين. فقالعليه‌السلام :(إنما شيعة عليّ: المتباذلون في ولايتنا المتحابّون في مودّتنا المتزاورون لإحياء أمرنا.الذين إذا اغضبوا لم يظلموا وإذا رضوا لم يسرفوا بركة على من جاوروا سلم لمن خالطوا) (٤) .

وقال أيضاً:(إنما شيعة عليّ: من لا يعدو صوتُه سمعَه، ولا شحناؤه بدنَه، لا يمدح لنا قالياً ولا يواصل لنا مبغضاً ولا يجالس لنا عائباً) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ١٥٥.

(٢) الكافي: ٢ / ٧٤.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ٧٣.

(٤) تحف العقول: ٢٢٠.

(٥) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٦٨ .

١٢٤

وقال أيضاً:(إنما شيعة عليّ: الحلماء العلماء، الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم) (١) .

وقال أيضاً:(إنّما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدّي إلى ما ليس له بحقّ) (٢) .

وبيّنعليه‌السلام أسس التقييم الموضوعي لمن يريد إثبات صحة انتمائه للجماعة الصالحة. ومن هذه الأسس عرض الإنسان نفسه على كتاب الله.

قالعليه‌السلام :(يا جابر، واعلم بأنّك لا تكون لنا وليّاً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرّك ذلك. ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ; فإن كنت سالكاً سبيله زاهداً في تزهيده راغباً في ترغيبه خائفاً من تخويفه فاثبت وأبشر، فإنه لا يضرّك ما قيل فيك وإن كنت مبائناً للقرآن فما الذي يغرك من نفسك ؟!...) (٣) .

والعلامة المميّزة لأفراد الجماعة الصالحة هي التزامهم بمبادئ القرآن الكريم وقيمه في مختلف مجالات الحياة الإسلامية، في العبادة والارتباط بالله تعالى، وفي العلاقات الاجتماعية، وقد بيّن ذلك بقولهعليه‌السلام ـ كما مرّ سابقاً ـ:

(فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام. وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير. وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٨٩.

(٢) الكافي: ٢/٢٣٤.

(٣) تحف العقول: ٢٠٦، مستدرك الوسائل: ١/٤٦٠.

(٤) الكافي: ٢ / ٧٤ .

١٢٥

ثانياً: الإمام الباقرعليه‌السلام والتزكية

١ ـ مقوّمات التزكية عند الإمام الباقرعليه‌السلام :

لا تتحقق التزكية إلاّ بعد أن تنطلق من القلب والضمير وتتفاعل مع الشعور بخشية مستمرة وحذر دائم وتوقٍّ من الرغائب والشهوات، والمطامع والمطامح، فلا بد وأن تكون شعوراً في الضمير، وحالة في الوجدان، وضعاً في المشاعر لتتهيأ النفوس لتلقي أسسها وتقريرها في الواقع، ولهذا ركّز الإمامعليه‌السلام في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية وهي:

أ ـ تحكيم العقل.

ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية.

ج ـ استشعار الرقابة الإلهية.

د ـ التوجّه إلى اليوم الآخر.

أ ـ تحكيم العقل:

إن الله تعالى خلق الإنسان مزوداً بعقل وشهوة، ومنحه معرفة سبل الهداية من خلال البينات والحقائق الثابتة، وهو مكلف بإعداد القلب للتلقي والاستجابة والتطلع إلى أفق أعلى واهتمامات أرفع من الرغبات والشهوات الحسّية، ولهذا ركّز الإمامعليه‌السلام على تحكيم العقل على جميع الرغبات والشهوات، ليكون للإنسان واعظ من نفسه يعينه على تزكية نفسه.

١٢٦

قالعليه‌السلام :(من لم يجعل الله له من نفسه واعظاً، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً) (١) .

وقال أيضاً:(من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه) (٢) .

ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية:

ان تكامل النفس لا يتم إلاّ من خلال التطابق بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية وذلك باتباع المنهج الإلهي في الحياة، وهذا التطابق يحتاج إلى مجاهدة الهوى والهيمنة على الشهوات وتقييدها بقيود شرعية; فإنّ مجاهدة النفس تجعل الإنسان مستعدّاً بالفعل لتلقّي الفيض الإلهي لإكمال نفسه وتزكيتها على أساس المنهج الربّاني للإنسان في هذه الحياة.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(يقول الله عَزَّ وجَلَّ: وعزّتي وجلالي، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت غناه في قلبه، وهمّه في آخرته ...) (٣) .

ج ـ استشعار الرقابة الإلهية:

لا تتم التزكية إلاّ باستشعار الرقابة الإلهية في العقل والضمير والوجدان، والإحساس بأنّ الله تعالى محيط بالإنسان، يحصي عليه حركاته وسكناته، ولهذا ركّز الإمام الباقرعليه‌السلام على هذه الرقابة لتكون هي الدافع لإصلاح النفس وتزكيتها، ففي موعظته لجماعة من أنصاره قال:(ويلك كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لست بعين الله، أو كأن الله ليس لك بالمرصاد ! ...) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) جامع الأخبار: ٢٧٠.

(٤) تحف العقول: ٢١٢ .

١٢٧

د ـ التوجّه إلى اليوم الآخر:

إن التوجه إلى الحياة الأخرى الخالدة يمنع الإنسان من الانحراف ويدفعه لتخليص النفس من ربقة الشهوات وظلمة المطامع وأدناس الهوى. وقد وجّه الإمامعليه‌السلام الجماعة الصالحة إلى ذلك اليوم ليجعلوه نصب أعينهم ليكون حافزاً لهم لإصلاح النفس وتزكيتها، ومما جاء في موعظته لجماعة منهم قولهعليه‌السلام :(... يا طالب الجنّة ما أطول نومك وأكَلَّ مطيّتك، وأوهى همتك، فلله أنت من طالب ومطلوب! ويا هارباً من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها! يا ابن الأيام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه، ويومك الذي تنزل فيه قبرك، ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك، فياله من يوم عظيم! يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة؟!) (١) .

وبيّن الإمامعليه‌السلام أن الدنيا دار بلاء وامتحان، وان هذا الابتلاء يتناسب مع درجة إيمان الإنسان فقال:(إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه) (٢) .

٢ ـ منهج التزكية عند الإمام الباقرعليه‌السلام

رسم الإمامعليه‌السلام للجماعة الصالحة منهجاً واقعياً متكاملاً وشاملاً لتزكية النفس وتربيتها بحيث يكون كفيلاً بتحقيقها عند مراعاته بشكل دقيق.

وتتحدد معالم هذا المنهج بالنقاط التالية:

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٢، ٢١٣.

(٢) جامع الأخبار: ٣١٣ .

١٢٨

أ ـ الارتباط الدائم بالله تعالى

الارتباط بالله تعالى والاستسلام له والعزم على طاعته من شأنه أن يمحّص القلوب، ويطهّر النفوس، لأنه ينقل الإنسان من مرحلة التفكّر والتدبّر في عظمة الله تعالى وهيمنته ورقابته إلى مرحلة العمل الصالح في ظلّ هذا التدبر، فالعزم يتبعه العون منه تعالى، ويتبعه التثبيت على المضي في طريق تزكية النفس.

والارتباط بالله تعالى يبدأ بمعرفته التي تحول بين الإنسان وبين مخالفة ربّه وخالقه، قالعليه‌السلام :(ما عرف الله من عصاه) (١) .

فإنّ المعرفة تنتج الحبّ والحبّ الصادق يحول بين الإنسان وبين مخالفة محبوبه.

والارتباط بالله تعالى يتجسد في مراتب عديدة منها: حسن الظن بالله ورجاء رحمته، فقد روى عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:(والذي لا اله إلاّ هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب الناس) (٢) .

ويتحقق الارتباط بالله تعالى أيضاً عن طريق المداومة على العبادات وقد حثّ الإمامعليه‌السلام الجماعة الصالحة على كثرة العبادة، حتى جعلها إحدى خصائصهم ـ كما تقدم ـ.

وحثّعليه‌السلام على قراءة القرآن الكريم والسير على منهاجه.

كما حثّعليه‌السلام على جعل الروابط والعلاقات الاجتماعية قائمة على أساس القرب والبعد من الله تعالى، فقد أورد أحاديث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤكد

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٥.

(٢) الكافي: ٢ / ٧٢ .

١٢٩

على ذلك ومنها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ومن أحبّ في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله ; فهو من أصفياء الله) (١) .

ب ـ الإقرار بالذنب والتوبة

إن منهج أهل البيتعليهم‌السلام يهدف إلى علاج النفوس البشرية، واستجاشة عناصر الخير فيها، وإلى مطاردة عوامل الشر والضعف والغفلة. والطبيعة البشرية قد تستقيم مرة وتنحرف مرة أُخرى، ولهذا فإنّ العودة إلى الاستقامة تقتضي محاسبة النفس باستمرار، والإقرار بالأخطاء، ثم التوبة، والعزم على عدم العود، ولذا أكّد الإمامعليه‌السلام على هذه المقومات، وبدأ بالإقرار بالذنب كمقدمة للنجاة منه، فقالعليه‌السلام :(والله ما ينجو من الذنب إلاّ من أقرّ به) (٢) . وقالعليه‌السلام :(كفى بالندم توبة) (٣) .

والإقرار يتبعه الغفران بعد طلبه من الله تعالى، قالعليه‌السلام :(لقد غفر الله لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما قال: اللهم إن تعذبني فأهل ذلك أنا، وإن تغفر لي فأهل ذلك أنت، فغفر له) (٤) .

والتوبة تمحي الذنب فيعود الإنسان من خلالها إلى الاستقامة ثانية، قالعليه‌السلام :(التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢٦٣.

(٢) الكافي: ٢ / ٣١١.

(٣) وسائل الشيعة: ١٦ / ٥٩.

(٤) المصدر السابق: ١٦ / ٦٠.

(٥) الكافي: ٢ / ٣١٦ .

١٣٠

ج ـ الحذر من التورّط بالذنوب

الحذر والحيطة من الذنوب ضرورة ملحة في تزكية النفس، وهي تتطلب الدقة في تناول كل خالجة وكل حركة وكل موقف، وتتطلب التحليل الشامل للأسباب والظواهر، والعوامل المسبّبة للموقف، والتعالي بالنفس في ميادينها الباطنية، ولهذا دعا الإمامعليه‌السلام إلى الحذر والحيطة من جميع الممارسات فقال:(إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعلّ رضاه فيه، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعلّ سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرنّ أحداً فلعلّه ذلك الولي) (١) .

ودعاعليه‌السلام إلى الاحتياط في القول في الحكم على الأشخاص والأعمال والممارسات فقال:(لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه) (٢) .

وقالعليه‌السلام لأحد أصحابه:(يا فضيل بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السلام، وقل لهم: إني أقول: أني لا أغني عنكم من الله شيئاً إلاّ بورع، فاحفظوا ألسنتكم، وكفّوا أيديكم، وعليكم بالصبر والصلاة ; إن الله مع الصابرين) (٣) .

د ـ تعميق الحياء الداخلي

إن موجبات التزكية كامنة في النفس ذاتها، قبل التأثر بالعوامل الخارجية، والتزكية ليست مجرد كلمات ورؤى نظرية بل هي ممارسة وسلوك عملي، يجب ان تنطلق من داخل النفس الإنسانية، ولا بد أن يتسلّح الإنسان

ــــــــــــــ

(١) كشف الغمة: ٢ / ١٤٨.

(٢) تحف العقول: ٢١٨.

(٣) تفسير العياشي: ١ / ٦٨ .

١٣١

بالواعز الذاتي الذي يصدّه عن فعل القبيح، ولذا أكّد الإمامعليه‌السلام على الحياء لأنه حصن حصين يردع الأهواء والشهوات من الانطلاق اللامحدود، قالعليه‌السلام :(الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه) (١) .

هـ ـ كسر الأُلفة بين الإنسان وسلوكه الجاهلي

حينما يعتاد الإنسان على السلوك الجاهلي فإنه سيأنس به، ويألفه حتى يصبح وكأنه جزء من كيانه، ترضاه نفسه، ويقبله قلبه، ولهذا فهو بحاجة إلى كسر هذه الألفة وهذا الأُنس إن أراد أن يزكّي نفسه ويسمو بها إلى مشارف الكمال، ولذا أكّد الإمامعليه‌السلام على بعض الخطوات التي تكسر هذه الألفة، فقال:(إن الله يبغض الفاحش المتفحّش) (٢) .

وزرع في النفس كراهية الطمع والرغبات المذلة، فقال:(بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذله) (٣) .

ومن أجل زرع الكراهية للشر روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(ألا إن شرار أمتي الذين يكرمون مخافة شرّهم، ألا وإنّ من أكرمه النّاس اتقاء شرّه فليس منّي) (٤) .

وقالعليه‌السلام :(... إنّ أسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يَعمى عليه من نفسه، وأن يأمر للناس بما لا يستطيع التحوّل عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه) (٥) .

فإذا كسرت الألفة بين الإنسان وسلوكه الجاهلي فإنّه سيقلع عنه، ويكون مهيّئاً لتقبل السلوك الإسلامي.

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٧.

(٢) الكافي: ٢ / ٢٤٥.

(٣) وسائل الشيعة: ١٦ / ٢٤.

(٤) الخصال: ١ / ١٥.

(٥) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨٦ .

١٣٢

و ـ إزالة الحاجز النفسي بين الإنسان والسلوك السليم

قد يحدث حاجز نفسي بين الإنسان والسلوك السليم بسبب ضغط الأهواء والشهوات، أو بسبب الهواجس والوساوس المطبقة عليه، وسوء التصور، ورواسب الجاهلية، والضعف البشري، فلا بد من إزالة هذه الحواجز أولاً ثم التمرين على ممارسة السلوك السليم ثانياً.

فقد حبّب الإمامعليه‌السلام إلى أصحابه السلوك الصالح، بربطه بالعبادة وطلب العون من الله تعالى، فقال:(ما من عبادة أفضل من عفّة بطن وفرج، وما من شيء أحبُّ إلى الله من أن يُسأل، وما يدفع القضاء إلاّ الدعاء، وإن أسرع الخير ثواباً البرّ ...) (١) .

وحبّب إلى النفوس حسن الخلق والرفق، فقال:(من أعطي الخلق والرفق، فقد أعطي الخير كلّه، والراحة، وحسن حاله في دنياه وآخرته، ومن حُرم الرفق والخلق كان ذلك له سبيلاً إلى كل شرّ وبليّة إلاّ من عصمه الله تعالى) (٢) .

وحبّب إلى نفوس أصحابه الأدب وحسن السيرة، فقال:(ما استوى رجلان في حسب ودين قط إلاّ كان أفضلهما عند الله آدبهما) (٣) .

وروىعليه‌السلام عن الإمام عليّعليه‌السلام قوله:(إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا) (٤) .

وحثَّعليه‌السلام على أداء العبادات المندوبة لكي تتجذر في النفوس وفي الإرادة، لأنها تساعد على إصلاح النفس وتزكيتها، وبيّن ثواب من عمل بها،

ــــــــــــــ

(١) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨٦.

(٢) حلية الأولياء: ٣ / ١٨٧.

(٣) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨٥.

(٤) وسائل الشيعة: ١٦ / ١٢ .

١٣٣

واستمر على أدائها في جميع الظروف والأحوال.وحثَّ على التمرّن على الأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة، فقالعليه‌السلام :عليكم بالورع والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً كان أو فاجراً، فلو أن قاتل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ائتمنني على أمانة لأديتها إليه (١) .

ثالثاً: المنهج التثقيفي عند الإمام الباقرعليه‌السلام

العلم خير وسيلة لتجلية حقيقة التصور الإسلامي، والمنهج الإلهي في الحياة الإنسانية. وهو الوسيلة المُثلى لتوجيه الجماعة الصالحة للارتفاع بها إلى مستوى الأمانة العظيمة التي ناطها الله بها. ولذا كان أهل البيتعليهم‌السلام يتشدّدون مع الجماعة الصالحة في أمر تلقي العلوم المرتبطة بالعقيدة والشريعة من مصادرها الأصيلة وهي القرآن والسنة الشريفة. وفي منهج الإمام الباقرعليه‌السلام التثقيفي والتعليمي المعد للجماعة الصالحة نلاحظ التأكيد على الأمور التالية:

١ ـ الحث على طلب العلم

حثّ الإمامعليه‌السلام على طلب العلم، وخصوصاً علم الفقه فقال:(الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة) (٢) .

وحثعليه‌السلام على السؤال باعتباره مفتاح العلم، وروى عن

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٩.

(٢) الكافي: ١ / ٣٢ .

١٣٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(العلم خزائن ومفتاحها السؤال، فاسئلوا يرحمكم الله، فانه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمجيب لهم) (١) .

٢ ـ موقع العلماء المتميّز وفضلهم

بيّن الإمام الباقرعليه‌السلام فضل العالم وقدّمه على العابد، لأن العلم الحقيقي يجعل الإنسان على وعي كامل بالحقائق والتصورات وبالأحداث والمواقف، فلا يختلط عليه أمر بأمر ولا موقف بموقف فيكون قادراً على التمييز والتشخيص، وإصابة الواقع في جميع مجالاته، قالعليه‌السلام :(عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد) (٢) .

وقالعليه‌السلام :(والله لموت عالم أحبّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً) (٣) .

وبيّنعليه‌السلام خصائص العالم فقال:(إنّ الفقيه حق الفقيه: الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي) (٤) .

٣ ـ الإخلاص في طلب العلم

حثعليه‌السلام على إخلاص النية في طلب العلم، بأن يكون الهدف النهائي من طلبه للعلم هو الوصول إلى الحقّ، وتقريره في عقول الناس وقلوبهم تقرباً إلى الله تعالى، وتجسيداً لمنهجه في الحياة.

قالعليه‌السلام :(من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوء مقعده من النار، إنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء: ٣ / ١٩٢.

(٢) المصدر السابق: ٣ / ١٨٣.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٠٤.

(٤) الكافي: ١ / ٧٠.

(٥) المصدر السابق: ١ / ٤٧ .

١٣٥

٤ ـ ضرورة نشر العلم وتثقيف الناس

حث الإمامعليه‌السلام على نشر العلم وتعليمه للناس، وإشاعته في الأوساط المختلفة، نهي عن كتمانه، بقولهعليه‌السلام :(من علّم باب هدى فله أجر من عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً ...) (١) .

وقالعليه‌السلام :(رحم الله عبداً أحيا العلم يذاكر به أهل الدين وأهل الورع) (٢) .

وجعل على العلم زكاة فقال:(زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله) (٣) .

كما جعل تذاكره ومدارسته صلاة، فقال:(تذاكر العلم دراسة، والدراسة صلاة حسنة) (٤) .

٥ ـ مزالق وآفات المتعلّمين

إن الإنسان مهما أوتي من علم فإنه يبقى بحاجة إلى المزيد، ويبقى في كثير من الأحيان جاهلاً ببعض الحقائق، لذا حثّ الإمامعليه‌السلام على الاحتياط في الإجابة لكي يأمن الانحراف، ولا تؤدي إلى تغرير الآخرين، قالعليه‌السلام :(الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه) (٥) .

وقال:(ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا: الله اعلم، إن الرجل لينتزع الآية من القرآن يخرّ فيها أبعد ما بين السماء والأرض) (٦) .

وجعل هذا الاحتياط حقاً لله على العباد، فقال:(حق الله على العباد: أن

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٣٥.

(٢ و٣ و٤) المصدر السابق: ١ / ٤١.

(٥) المصدر السابق: ١ / ٥٠.

(٦) المصدر السابق: ١ / ٤٢.

١٣٦

يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عندما لا يعلمون) (١) .

٦ ـ المرجعية العلمية

من الحقائق المشهورة عند المسلمين أنّ علياًعليه‌السلام أعلم الصحابة بكتاب الله وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو باب علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد علّم أبناءه ما تعلّمه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا يتوارثون العلم فيما بينهم، من هنا كان أهل البيتعليهم‌السلام أعلم الناس بالقرآن والسنّة، ولهذا أكّد الإمام الباقرعليه‌السلام على مرجعية أهل البيتعليهم‌السلام العلمية، وبيّن أن علمهم موروث منذ آدم إلى يومه هذا، فقال:(إن العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان عليّ عليه‌السلام عالم هذه الأمة، وانه لم يهلك منّا عالم قط إلاّ خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء الله) (٢) .

وبيّن اختصاص أهل البيتعليهم‌السلام بعلم القرآن ظاهره وباطنه فقال:(ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء) (٣) .

كما بيّن أنّ علمهمعليهم‌السلام علم صائب، فقال:(ليس عند أحد من الناس حقّ ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حقّ إلاّ ما خرج منّا أهل البيت) (٤) .

وقد أثبت الواقع أهليّتهمعليهم‌السلام للمرجعية العلمية العامّة للمسلمين جميعاً، فكانوا مقصد العلماء من جميع أمصار العالم الإسلامي.

وكانعليه‌السلام يحث الجماعة الصالحة على الرجوع لأهل البيت الأطهار

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٤٣.

(٢) المصدر السابق: ١ / ٢٢٢.

(٣) المصدر السابق: ١ / ٢٢٨.

(٤) المصدر السابق: ١ / ٣٩٩ .

١٣٧

تجسيداً لهذه المرجعية وتحصيناً لهم من الزيغ والانحراف(١) .

وكان أيضاً يرشد أصحابه إلى مراجعة العلماء الذين أخذوا العلم من أهل البيتعليهم‌السلام واتقنوا فنونه وأسسه وقواعده(٢) .

٧ ـ المؤسسات الثقافية

كان للإمام الباقرعليه‌السلام دور كبير في توسيع المؤسسات الثقافية، فقد أسس عدة مدارس في أهم الأمصار الإسلامية:

مدرسة المدينة: وكان يشرف عليها مباشرة، وينتقي منها الفقهاء ليواصلوا حمل العلم ونشره.

مدرسة الكوفة: وكان يشرف عليها من تتلمذ على يديه، وتخرّج من مدرسته، وقد أثمرت هذه المدرسة في نشر علوم أهل البيتعليهم‌السلام وإرجاع الناس إليهم، حتى اعترف الحاكم الأُموي هشام بن عبد الملك بهذه الحقيقة، فقد أشار إلى الإمامعليه‌السلام قائلاً: هذا المفتون به أهل العراق(٣) . ولذا أمر الأمويون بمنع أهل العراق من الالتقاء بالإمامعليه‌السلام (٤) .

مدرسة قم: وكان يشرف عليها بعض من تتلّمذ على يدي الإمامعليه‌السلام ، وهي متفرعة من مدرسة الكوفة.وتأثرت بمدرسة الكوفة وقم مدارس أُخرى في الشرق الإسلامي، كمدرسة الري وخراسان(٥) .

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢١٣.

(٢) بحار الأنوار: ٤٦ / ٣٢٨.

(٣) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٧٩.

(٤) المصدر السابق: ٢٣ / ٨٣.

(٥) دور أهل البيتعليهم‌السلام في بناء الجماعة الصالحة: ١ / ١٣٣ .

١٣٨

وهنالك مدارس جوّالة كان يؤسسها طلابه أينما حلّوا وهي محدودة بحدود عدد الأفراد المشرفين وبمقدار الاستجابة لهم من قبل الناس. والمؤسسات الثقافية كان لها دور كبير في تخريج الفقهاء والمبلغين من مختلف الأمصار. وكانت أساليب الإمام التثقيفية متنوعة، بعضها ذو طابع فردي والآخر ذو طابع جماعي. كما كان التثقيف يتم عن طريق التدريس، وأخرى عن طريق الرسائل والوصايا.

ولم يكن تثقيفه وتعليمه مقتصراً على الفقه والأصول أو العلوم الدينية بشكل خاص، بل كان شاملاً لجميع العلوم المعروفة آنذاك(١) .

رابعاً: الإمام الباقرعليه‌السلام وإحياء الروح الثورية في الأمة

كانت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ذات دور كبير في إحياء الروح الثورية، وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله ورسوله ضدّ الحكّام الظالمين، ولهذا نشط الإمام الباقرعليه‌السلام ليجعل الثورة حيّة تمنح الناس طاقة ثورية لخوض المواجهة في وقتها وظرفها المناسب.وقد تجسد إحياؤه للروح الثورية هذه في مظهرين:

الأول: إقامة الشعائر الحسينية

كان الإمامعليه‌السلام يقوم بنفسه بإحياء الشعائر الحسينية، حيث كان يقيم مجالس العزاء في منزله، دون معارضة من قبل الحكّام الأمويين لأنهم لا يستطيعون منع مجلس عزاء يقيمه الإمامعليه‌السلام على جدِّه، ولأنهم كانوا يحاولون إلقاء اللوم في قتل الحسين وأهل بيته وصحبه على آل أبي سفيان.

ــــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٢٦٤ .

١٣٩

وتجسّدت الشعائر الحسينية بالممارسات التالية:

١ ـ الحزن وإقامة مجالس العزاء: شجَّع الإمام على البكاء لمصاب جدّه الإمام الحسينعليهما‌السلام وأهل بيته، والأبرار من صحابته من أجل أن تتجذّر الرابطة العاطفية بهعليه‌السلام في المشاعر، وكان يقول: (من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل البعوضة غفر الله له ذنوبه)(١) .

٢ ـ الزيارة: حثّ الإمام الباقرعليه‌السلام على زيارة قبر جدّه الإمام الحسينعليه‌السلام لتعميق الارتباط به شخصاً ومنهجاً، واستلهام روح الثورة منه، ومعاهدته على الاستمرار على نهجه.

وكان يؤكد لمحبّيه والمؤمنين بقيادته الاهتمام بها، ويقول: (مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي، وزيارته مفروضة على من أقرّ للحسين بالإمامة)(٢) .

وأكّدعليه‌السلام على لزوم اقتران حب أهل البيتعليهم‌السلام بزيارة قبر الحسينعليه‌السلام كما جاء في قوله: (من كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فمن كان للحسين زوّاراً عرفناه بالحب لنا أهل البيت)(٣) .

٣ ـ إنشاء الشعر: كما كانعليه‌السلام يشجع على قول الشعر في الإمام الحسينعليه‌السلام وقد بذل من أمواله لنوادب يندبن بمنى أيام الموسم(٤) .

وقد أثمر هذا الحثّ إحياء روح الثورة والنهوض، حتى إن الثورات التي انطلقت بعد عصر الإمام الباقرعليه‌السلام كانت تنطلق في عاشوراء ; إذ كان الثّوار يتزوّدون من قبرهعليه‌السلام ثم ينطلقون بثورتهم وحركتهم المسلّحة غالباً.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٩٨ / ١.

(٢) المصدر السابق: ٤٤ / ٢٩٣.

(٣) المصدر السابق : ٩٨ / ٤.

(٤) مقتل الحسين للمقرّم : ١٠٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220