اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)27%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138574 / تحميل: 8672
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: ٩٦٤- ٥٦٨٨-٢٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

السلام ، فان الفاظ القصة لا تدل على التأويل الذي ذكره الخضر لموسى. كما انه في آية( وأوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ) لا تدل هاتان الجملتان دلالة لفظية على وضع اقتصادي خاص هو التأويل للأمر الوارد فيها. وفي آية( فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ) لا تدل الآية دلالة لفظية على تأويله الذي هو الوحدة الإسلامية وهكذا دواليك في الآيات الاخرى لو امعنا النظر فيها.

بل في الرؤيا تأويله حقيقة خارجية رآها الراؤون في صورة خاصة ، وفي قصة موسى والخضر تأويل الخضر حقيقة تنبع منها اعماله التي عملها ، والامر في آية الكيل والوزن تأويله مصلحة عامة تنبع منه ، وآية رد النزاع الى الله والرسول ايضاً شبيهة بما ذكرناه.

فتأويل كل شيء حقيقة خارجية يتراءى ذلك الشيء منها وهو بدوره يحقق التأويل ، كما ان صاحب التأويل بقاؤه بالتأويل وظهوره في صاحبه.

وهذا المعنى جار في القرآن الكريم ، لان هذا الكتاب المقدس يستمد من منابع حقائق ومعنويات قطعت اغلال المادية والجسمانية ، وهي اعلى مرتبة من الحس والمحسوس واوسع من قوالب الالفاظ والعبارات التي هي نتيجة حياتنا المادية.

٦١

ان هذه الحقائق والمعنويات لا يمكن التعبير عنها بألفاظ محدودة ، وانما هي الفات للبشرية من عالم الغيب الى ضرورة استعدادهم للوصول الى السعادة بواسطة الالتزام بظواهر العقائد الحقة والاعمال الصالحة ، ولا طريق للوصول الى تلك السعادة الا بهذه الظواهر ، وعندما ينتقل الإنسان الى العالم الاخر تتجلى له الحقائق مكشوفة ، وهذا ما يدل عليه آيتا سورتي الاعراف ويونس المذكورتان.

والى هذا يشير ايضا قوله تعالى :( حّم *والكتاب المبين *انا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون *وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) (١) .

انطباق الآية على « التأويل » بالمعنى الذي ذكرناه واضح لا غبار عليه ، وخاصة لانه قال( لعلكم تعقلون ) ولم يقل « لعلكم تعقلونه » ، لان علم التأويل خاص بالله تعالى كما جاء في آية المحكم والمتشابه( وما يعلم تأويله الا الله ) ، ولهذا عندما تريد الآية ان تذكر المنحرفين الذين يتبعون المتشابهات ، تصفهم بأنهم يبتغون الفتنة والتأويل ولم تصفهم بأنهم يجدون التأويل.

فاذاً « التأويل » هو حقيقة او حقائق مضبوطة في ام

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الزخرف : ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

٦٢

الكتاب ولا يعلمها الا الله تعالى وهي مما اختص بعالم الغيب.

وقال تعالى ايضاً في آيات اخرى :( فلا اقسم بمواقع النجوم *وانه لقسم لو تعلمون عظيم *انه لقرآن كريم *في كتاب مكنون *لا يمسه الا المطهرون *تنزيل من رب العالمين ) ؟(١) .

يظهر جلياً من هذه الآيات ان للقرآن الكريم مقامين : مقام مكنون محفوظ من المس ، ومقام التنزيل الذي يفهمه كل الناس.

والفائدة الزائدة التي نستفيدها من هذه الآيات ولم نجدها في الآيات السابقة ، هي الاستثناء الوارد في قوله( الا المطهرون ) الدال على ان هناك بعض من يمكن ان يدرك حقائق القرآن وتأويله. وهذا الاثبات لا ينافي النفي الوارد في قوله تعالى( وما يعلم تأويله الا الله ) ، لان ضم احداهما الى الاخرى ينتج الاستقلال والتبعية ، اي يعرف منها استقلال علمه تعالى بهذه الحقائق ولا يعرفها احد الا باذنه عز شأنه وتعليم منه.

وعلم التأويل شبيه فيما ذكرنا بعلم الغيب الذي اختص بالله تعالى في كثير من الآيات ، وفي آية استثنى العباد

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الواقعة : ٧٥ ـ ٨٠.

٦٣

المرضيون فأثبت لهم العلم به ، وهي قوله تعالى :( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً *الا من ارتضى من رسول ) (١) . فمن مجموع الكلمات في علم الغيب نستنتج انه بالاستقلال خاص بالله تعالى ولا يطلع عليه احدا الا باذنه عز وجل.

نعم ، المطهرون هم الذين يلمسون الحقيقة القرآنية ويصلون الى غور معارف القرآن ـ كما تدلنا عليه الآيات التي ذكرناها. ولو ضممنا هذه الى قوله تعالى( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٢) .

الوارد حسب احاديث متواترة في حق اهل البيتعليهم‌السلام نعلم ان النبي واهل بيته هم المطهرون العالمون بتأويل القرآن الكريم.

القرآن والناسخ والمنسوخ :

بضمن آيات الاحكام الواردة في القرآن الكريم آيات احتلت احكامها مكان احكام كانت موضوعة في آيات سابقة ، فأنهت الآيات اللاحقة مفعول الآيات السابقة ولم تعد

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الجن : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) سور الاحزاب : ٣٣.

٦٤

تلك الاحكام معمولاً بها. وتسمى الآيات السابقة بـ « المنسوخ » والآيات اللاحقة بـ « الناسخ ».

فمثلاً في بداية مبعث الرسول أمر المسلمون بمداراة اهل الكتاب في قوله تعالى :( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) (١) . وبعد مدة انهي هذا الحكم وامروا بالقتال معهم في قوله( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب ) (٢) .

والنسخ الذي يدور على السنتنا حقيقته هي : وضع قانون لمصلحة ما والعمل به ثم ظهور الخطأ في ذلك والغاؤه ووضع قانون جديد مكانه.

لكن لا يمكن نسبة مثل هذا النسخ الدال على الجهل والخطأ الى الله تعالى المنزه عن كل جهل وخطأ ، ولا يوجد هكذا نسخ في الآيات الكريمة الخالية عن وجود اي اختلاف بينها.

بل النسخ في القرآن معناه : انتهاء زمن اعتبار الحكم المنسوخ. ونعني بهذا ان للحكم الاول كانت مصحلة زمنية محدودة واثر موقت بوقت خاص تعلن الآية الناسخة انتهاء

ــــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : ١٠٩.

(٢) سورة التوبة : ٢٩.

٦٥

ذلك الزمن المحدود وزوال الاثر. ونظراً الى ان الآيات نزلت في مناسبات مختلفة خلال ثلاث وعشرون سنة ، من السهولة بمكان تصور اشتمالها على هكذا احكام.

ان وضع حكم موقت في حين لم تتم مقتضيات الحكم الدائم ، ثم وضع الحكم الدائم وابدال الحكم الموقت به ، شيء ثابت لا اشكال فيه. كما يفهم هذا ايضا مما ورد في القرآن الكريم حول فلسفة النسخ. قال تعالى :( واذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون *قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدىً وبشرى للمسلمين ) (١) .

الجري والانطباق في القرآن :

القرآن الكريم كتاب دائم لكل الازمان وتسري احكامه على كل الناس ، فيجري في الغائب كما يجري في الحاضر وينطبق على الماضي والمستقبل كما ينطبق على الحال. فمثلاً الآيات النازلة في حكم ما على احد المؤمنين بشروط خاصة في عصر النبوة يسري ذلك الحكم على غيره لو توفرت تلك الشروط في العصور التالية ايضاً ، والآيات التي تمدح او تذم

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النحل : ١٠١ ـ ١٠٢.

٦٦

بعض من يتحلى بصفات ممدوحة او مذمومة تشمل من يتحلى بها ممن لم يعاصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فاذاً مورد نزول آية من الآيات لا يكون مخصصاً لتلك الآية نفسها. ونعني بذلك انه لو نزلت في شخص او اشخاص معينين آية لا تكون تلك الآية جامدة في ذلك الشخص او اولئك الاشخاص ، بل يسري حكمها في كل من يشترك مع اولئك في الصفات التي كانت مورداً لتلك الآية.

هذا هو الذي يسمى في السنة الاحاديث بـ « الجري ». قال الامام الباقرعليه‌السلام ، في حديثه للفضيل بن يسار ، عندما سأله عن هذه الرواية « ما في القرآن آية الا ولها ظهر وبطن وما فيها حرف الا وله حد ولكل حد مطلع » ما يعني بقوله « ظهر وبطن »؟ قالعليه‌السلام : ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع. الحديث(١) .

وفي بعض الاحاديث يعتبر بطن القرآن ـ يعني انطباقه بموارد وجدت بالتحليل ـ مثل الجري(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) تفسير العياشي ١ / ١٠.

(٢) انظر المصدر السابق ١ / ١١.

٦٧

التفسير وظهوره وتطوره :

بدأ التفسير للآيات وبيان معاني الفاظ القرآن وعباراته من عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان هو المعلم الاول للقرآن الكريم وتوضيح مقاصده وحل ما غمض من عباراته ، قال تعالى( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ) (١) .

وقال :( هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) (٢) .

وفي عصر النبي وبأمر منه اشتغل جماعة من الصحابة بقراءة القرآن وحفظه وضبطه ، وهم الذين يسمون بـ « القراء ». وبعد الصحابة استمر المسلمون في التفسير ولا زال حتى الان فيهم مفسرون.

علم التفسير وطبقات المفسرين :

اشتغل جماعة من الصحابة بالتفسير بعد ان ارتحل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الرفيق الاعلى ، ومنهم

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النحل : ٤٤.

(٢) سورة الجمعة : ٢.

٦٨

أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الانصاري وابو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وانس وابو هريرة وابو موسى ، وكان اشهرهم عبد الله بن عباس.

كان منهج هؤلاء في التفسير انهم ينقلون ما سمعوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في معاني الآيات بشكل احاديث مسندة(١) وبلغت هذه الاحاديث كلها الى نيف واربعين ومائتي حديث اسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون اليها.

وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على انه تفسير منهم بدون اسناده الى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعد المفسرون من متأخري اهل السنة هذا القسم ايضا من جملة الاحاديث ، بحجة ان الصحابة اخذوا علم القرآن من النبي ويبعد ان يفسروا من عند انفسهم.

ولكن لا دليل قاطع على كلامهم هذا ، بالاضافة الى ان كمية كبيرة من الاحاديث المذكورة واردة في اسباب نزول الآيات وقصصها التاريخية ، كما ان فيها احاديث غير مسندة منقولة عن بعض علماء اليهود الذين اسلموا ككعب الاحبار وغيره.

ــــــــــــــــــ

(١) آخر كتاب الاتقان ، طبع القاهرة سنة ١٣٧٠ هـ.

٦٩

وكان ابن عباس في اكثر الاوقات يستشهد بأبيات شعرية في فهم معاني الآيات ، كما نرى ذلك جلياً في مسائل نافع بن الازرق ، فان ابن عباس عند الاجابة عليها استشهد بالشعر في اكثر من مائتي مورد من الآيات ، وقد نقل السيوطي مائة وتسعين جواباً منها في كتابه الاتقان(١) .

ومن هنا لا يمكن اعتبار الاحاديث المنقولة عن الصحابة احاديث نبوية كما لا يمكن القول بأنهم لم يفسروا مطلقاً برأيهم.

ومفسرو الصحابة هم الطبقة الاولى من المفسرين.

( الطبقة الثانية ) هم التابعون ، وهم تلامذة مفسري الصحابة ، وهم مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وضحاك. ومن هذه الطبقة ايضا الحسن البصري وعطاء بن ابي رباح وعطاء بن ابي مسلم وابي العالية ومحمد بن كعب القرظي وقتادة وعطية وزيد بن اسلم وطاوس اليماني(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ص ١٢٠ ـ ١٣٣.

(٢) مجاهد ، مفسر مشهور ، توفي سنة ١٠٠ او سنة ١٠٣ ( تهذيب الاسماء للنووي ).

سعيد بن جبير مفسر معروف تلميذ ابن عباس ، قتله الحجاج الثقفي سنة ٩٤ ( التهذيب ).

عكرمة ، مولى ابن عباس وتلميذه وتلميذ سعيد بن جبير ،

٧٠

( الطبقة الثالثة ) تلامذة الطبقة الثانية ، كربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وابو صالح الكلبي ونظرائهم(١) .

ــــــــــــــــــ

توفي سنة ١٠٤ ( التهذيب ).

ضحاك ، من تلامذة عكرمة ( لسان الميزان ).

الحسن البصري ، زاهد ومفسر معروف ، توفي سنة ١١٠ ( التهذيب ).

عطاء بن ابي رباح ، فقيه ومفسر مشهور ، من تلامذة ابن عباس ، توفي سنة ١١٥ ( التهذيب ).

عطاء بن ابي مسلم ، من اكابر التابعين ، ومن تلامذة ابن جبير وعكرمة ، توفي سنة ١٣٣ ( التهذيب ).

ابو العالية ، من ائمة التفسير واكابر التابعين ، كان في المائة الاولى من الهجرة ( التهذيب ).

محمد بن كعب القرظي ، مفسر معروف ، وهو من اسرة يهودية من بني قريظة ، كان في المائة الاولى من الهجرة.

قتادة ، اعمى ، كان من اكابر المفسرين ، وهو من تلامذة الحسن البصري وعكرمة ، توفي سنة ١١٧ ( التهذيب ).

عطية ، ينقل عن ابن عباس ( لسان الميزان ).

زيد بن اسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، فقيه ومفسر ، توفي سنة ١٣٦ ( التهذيب ).

طاوس اليماني ، من اعلام عصره ، وهو تلميذ ابن عباس ، توفي سنة ١٠٦ ( التهذيب ).

(١) عبد الرحمن بن زيد ، يعد من علماء التفسير.

٧١

وكان منهج التابعين في التفسير انهم ينقلونه احيانا بصورة احاديث عن الرسول الكريم او الصحابة ، واحيانا ينقلونه بشكل نظريات خاصة بلا اسنادها الى احد ، فعامل متأخرو المفسرين مع هذه الاقوال معاملة الاحاديث النبوية واعتبروها احاديث موقوفة(١) .

ويطلق على الطبقتين الاخرتين لفظة « قدماء المفسرين ».

( الطبقة الرابعة ) اوائل المؤلفين في علم التفسير ، كسفيان ابن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج وعبد بن حميد وغيرهم. ومن هذه الطبقة ايضا ابن جرير الطبري صاحب التفسير المشهور(٢) .

ــــــــــــــــــ

ابو صالح الكلبي ، النسابة المفسر ، وهو من اعلام القرن الثاني.

(١) الاحاديث الموقوفة هي التي لم يذكر فيها المروي عنه.

(٢) سفيان بن عيينة ، مكي من طبقة التابعين الثانية ، وهو من علماء التفسير توفي سنة ١٩٨ ( التهذيب ).

وكيع بن الجراح ، كوفي من طبقة التابعين الثانية ، ومن مشاهير المفسرين توفي سنة ١٩٧ ( التهذيب ).

شعبة بن الحجاج البصري ، من طبقة التابعين الثانية ، وهو من مشاهير المفسرين ، توفي سنة ١٦٠ ( التهذيب ).

عبد بن حميد ، صاحب تفسير ، من طبقة التابعين الثانية ، كان في القرن الثاني من الهجرة.

٧٢

ومنهج هذه الطبقة من المفسرين كان نقل اقوال الصحابة والتابعين بشكل احاديث في مؤلفاتهم التفسيرية بدون ذكر آرائهم الخاصة. الا ان ابن جرير في تفسيره قد يبدي رأيه في ترجيح بعض الاحاديث على بعضها وكيفية الجمع بينها. ومن هذه الطبقة تبدأ طبقات المفسرين المتأخرين.

( الطبقة الخامسة ) المفسرون الذين نقلوا الاحاديث في تفاسيرهم بحذف الاسانيد واكتفوا بنقل الاقوال والآراء.

قال السيوطي : فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل(١) .

الا ان المتدبر في الاحاديث المسندة يرى ايضا كثيرا من الوضع والدس ، ويشاهد الاقوال المتناقضة تنسب الى صحابي واحد ، ويقرأ قصصاً وحكايات يقطع بعدم صحتها ، ويمر على احاديث في اسباب النزول والناسخ والمنسوخ لا تتفق مع سياق الآيات. ومن هنا نقل ان الامام احمد بن حنبل قال : ثلاثة لا اصل لها المغازي والملاحم واحاديث التفسير. ونقل عن الامام الشافعي ان الثابت من الاحاديث المروية عن ابن عباس مائة حديث فقط.

ــــــــــــــــــ

ابن جرير الطبري ، محمد بن جرير بن يزيد ، من مشاهير علماء السنة ، توفي سنة ٣١٠ ( لسان الميزان ).

(١) الاتقان ٢ / ١٩٠.

٧٣

( الطبقة السادسة ) المفسرون الذين كتبوا التفسير بعد ظهور العلوم المختلفة ونضجها ، فكتب كل منهم حسب اختصاصه وفي العلم الذي اتقنه : فالنحوي ادرج المباحث النحوية كالزجاج والواحدي وابي حيان(١) ، والاديب اورد المباحث البلاغية كالزمخشري في كشافه(٢) ، والمتكلم اهتم بالمباحث الكلامية كالفخر الرازي في تفسيره الكبير(٣) ، والصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني في تفسيريهما(٤) ، والاخباري ملأ كتابه بالاحاديث كالثعلبي في تفسيره(٥) ، والفقيه جاء بالمسائل الفقهية

ــــــــــــــــــ

(١) الزجاج ، من علماء النحو ، توفي سنة ٣١٠ ( ريحانة الادب ).

الواحدي ، نحوي مفسر ، توفي سنة ٤٦٨ ( الريحانة ).

ابو حيان الاندلسي ، نحوي مفسر قارىء توفي في مصر سنة ٧٤٥ ( الريحانة ).

(٢) الزمخشري ، من مشاهير علماء الادب ، مؤلف تفسير الكشاف ، توفي سنة ٥٣٨ ( كشف الظنون ).

(٣) الامام فخر الدين الرازي ، متكلم مفسر مشهور ، صاحب تفسير مفاتيح الغيب ، توفي سنة ٦٠٦ ( كشف الظنون ).

(٤) عبد الرزاق الكاشاني ، من مشاهير علماء الصوفية في القرن الثامن الهجري ( ريحانة الادب ).

(٥) احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي ، صاحب التفسير المشهور ، توفي سنة ٤٢٦ او ٤٢٧ ( الريحانة ).

٧٤

كالقرطبي في تفسيره(١) . وقد خلط جماعة آخرون في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني(٢) وروح البيان(٣) وتفسير النيسابوري(٤) .

والخدمة التي قدمتها هذه الطبقة الى علم التفسير هي اخراجه من جموده واخضاعه للدرس والبحث ، ولكن الانصاف يقتضي القول بأن كثيراً من المباحث التي كتبها هؤلاء حملت على القرآن حملاً ولا تدل عليها الآيات.

أسلوب مفسري الشيعة وطبقاتهم :

الطبقات التي ذكرناها هي طبقات المفسرين من السنة ، وقد رأينا ان لهم منهجاً خاصا في التفسير ساروا على ضوئه من حين نشأته ، فجعلوه احاديث نبوية واقوال للصحابة والتابعين ولم يجيزوا اعمال النظر فيها لانه يكون من قبيل الاجتهاد

ــــــــــــــــــ

(١) محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي ، توفي سنة ٦٦٨ ( الريحانة ).

(٢) تأليف الشيخ اسماعيل حقي ، توفي سنة ١١٣٧ ( ذيل كشف الظنون ).

(٣) تأليف شهاب الدين محمود الالوسي البغدادي ، توفي سنة ١٢٧٠ ( ذيل كشف الظنون ).

(٤) غرائب القرآن ، تأليف نظام الدين حسن القمي النيسابوري ، توفي سنة ٧٢٨ ( ذيل كشف الظنون ).

٧٥

 مقابل النص. ولكن لما ظهر التناقض والتضارب والدس والوضع فيها بدأت الطبقة السادسة تعمل رأيها فيها وتجتهد.

أما المنهج الذي اتخذته الشيعة في تفسير القرآن الكريم فيختلف مع منهج السنة ، ولذا يختلف تقسيم طبقاتهم مع الطبقات المذكورة.

تعتقد الشيعة ـ بنص من القرآن الكريم حجية اقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في التفسير ، وترى ان الصحابة والتابعين كبقية المسلمين لا حجية في اقوالهم الا ما ثبت انه حديث نبوي. وقد ثبت بطرق متواترة في حديث الثقلين ان اقوال العترة الطاهرة من اهل بيتهعليهم‌السلام هي تالية لاقوال الرسول ، فهي حجة ايضا. ومن هنا اخذت الشيعة في التفسير بما اثر عن النبي واهل بيتهعليهم‌السلام ، فكانت طبقات المفسرين منهم كما يلي :

( الطبقة الاولى ) : الذين رووا التفسير عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وائمة اهل البيتعليهم‌السلام ، وادرجوا الاحاديث في مؤلفاتهم المتفرقة ، كزرارة ومحمد بن مسلم ومعروف وجرير واشباههم(١) .

ــــــــــــــــــ

(١) زرارة بن اعين ومحمد بن مسلم من فقهاء الشيعة وخواص اصحاب الامامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

معروف بن خربوذ وجرير من خواص اصحاب الامام الصادق عليه الصلاة والسلام.

٧٦

( الطبقة الثانية ) : اوائل المؤلفين في التفسير ، كفرات بن ابراهيم الكوفي وابي حمزة الثمالي والعياشي وعلي بن ابراهيم القمي والنعماني(١) .

وطريقة هؤلاء في تفاسيرهم تشبه طريقة الطبقة الرابعة من مفسري اهل السنة ، فقد رووا الاحاديث المأثورة عن الطبقة الاولى وادرجوها مسندة في مؤلفاتهم ولم يبدوا آراءهم الخاصة في الموضوع.

ومن الواضح ان الزمن الذي كان يمكن الاخذ فيه عن الائمةعليهم‌السلام كان طويلاً بلغ نحواً من ثلاثمائة سنة ،

ــــــــــــــــــ

(١) فرات بن ابراهيم الكوفي ، صاحب التفسير المشهور ، من مشايخ علي بن ابراهيم القمي ( ريحانة الادب ).

ابو حمزة الثمالي ، من فقهاء الشيعة وخواص اصحاب الامام السجاد والباقرعليهما‌السلام ( الريحانة ).

العياشي ، محمد بن مسعود الكوفي السمرقندي ، من اعيان علماء الامامية في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ( الريحانة ).

علي بن ابراهيم القمي ، من مشائخ الحديث الشيعي في اواخر القرن الثالث واوائل القرن الرابع الهجري.

النعماني ، محمد بن ابراهيم ، من اعيان علماء الامامية ، وهو تلميذ ثقة الإسلام الكليني ، كان في اوائل القرن الرابع الهجري ( الريحانة ).

٧٧

فكان من الطبيعي ان لا يضبط الترتيب الزمني لهاتين الطبقتين بصورة دقيقة ، بل كانتا متداخلتين ومن الصعوبة بمكان التفريق الدقيق بينهما.

وقد قل عند اوائل مفسري الشيعة نقل احاديث التفسير بشكل روايات مرسلة في تفاسيرهم ، وكنموذج لنقل الاحاديث مروية بدون اسانيد نلفت الانظار الى تفسير العياشي الذي حذف بعض تلامذته اسانيده اختصاراً ، فاشتهرت نسخة التلميذ المختصرة وحلت محل نسخة الاصل.

( الطبقة الثالثة ) اصحاب العلوم المختلفة ، كالشريف الرضي في تفسيره الادبي والشيخ الطوسي في تفسيره الكلامي المسمى بالتبيان والمولى صدر الدين الشيرازي في تفسيره الفلسفي والميبدي الكونابادي في تفسيره الصوفي والشيخ عبد علي الحويزي والسيد هاشم البحراني والفيض الكاشاني في تفاسيرهم نور الثقلين والبرهان والصافي(١) .

ــــــــــــــــــ

(١) الشريف الرضي ، محمد بن الحسين الموسوي ، من اجلاء فقهاء الامامية ، اعلم اهل زمانه في الشعر والادب ، ومن تآليفه كتاب « نهج البلاغة » توفي سنة ٤٠٤ او ٤٠٦ ( ريحانة الادب ).

شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن الطوسي ، من اعلام علماء الامامية ، من تآليفه « التهذيب » و « الاستبصار » اللذين هما اصلان من الاصول الاربعة الحديثية عند الشيعة ، توفي سنة ٤٦٠ ( الريحانة ).

٧٨

وهناك جماعة جمعوا في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة ، ومنهم الشيخ الطبرسي في تفسيره « مجمع البيان » الذي يبحث فيه عن اللغة والنحو والقراءة والكلام والحديث وغيرها(١) .

كيف يتقبل القرآن التفسير؟

الاجابة على هذا السؤال تتوضح من الفصول الماضية ، فان القرآن الكريم ـ كما ذكرنا ـ كتاب دائم للجميع ،

ــــــــــــــــــ

صدر المتألهين ، محمد بن ابراهيم الشيرازي ، الفيلسوف المشهور ، مؤلف كتاب « اسرار الآيات » و « مجموعة تفاسير » ، توفي سنة ١٠٥٠ ( روضات الجنات ).

الميبدي.

السيد هاشم البحراني ، صاحب تفسير « البرهان » في اربعة اجزاء كبار توفي سنة ١١٠٧ ( الريحانة ).

الفيض الكاشاني ، المولى محمد محسن بن المرتضى ، مؤلف كتاب « الصافي » و « الاصفى » ، توفي سنة ١٠٩١ ( الريحانة ).

الشيخ عبد علي الحويزي الشيرازي ، مؤلف كتاب « نور الثقلين » في خمسة اجزاء ، توفي سنة ١١١٢ ( الريحانة ).

(١) أمين الإسلام ، الفضل بن الحسن الطبرسي ، من اعيان علماء الامامية ، صاحب « مجمع البيان » في عشرة اجزاء ، توفي سنة ٥٤٨ ( الريحانة ).

٧٩

يخاطب الكل ويرشدهم الى مقاصده وقد تحدى في كثير من آياته على الاتيان بمثله واحتج بذلك على الناس ، ووصف نفسه بأنه النور والضياء والتبيان لكل شيء ، فلا يكون مثل هذا الكتاب محتاجا الى شيء اخر.

يقول محتجاً على انه ليس من كلام البشر :( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) (١) .

ليس فيه اي اختلاف ، ولو وجد فيه اختلاف بالنظرة البدائية يرتفع بالتدبر في القرآن نفسه.

ومثل هذا الكتاب لو احتاج في بيان مقاصده الى شيء اخر لم تتم به الحجة ، لانه لو فرض ان احد الكفار وجد اختلافا في شيء من القرآن لا يرتفع من طريق الدلالة اللفظية للايات لم يقنع برفعه من طرق اخرى ، كأن يقول النبي مثلاً يرتفع بكذا وكذا ، ذلك لان هذا الكافر لا يعتقد بصدق النبي ونبوته وعصمته ، فلم يتنازل لقوله ودعاويه.

وبعبارة اخرى : لا يكفي ان يكون النبي رافعا للاختلافات القرآنية بدون شاهد لفظي من نفس القرآن لمن لا يعتقد نبوته وعصمته ، والآية الكريمة( أفلا يتدبرون

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٨٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الثاني: إحياء الإيمان بقضية الإمام المهديعليه‌السلام

إن الصراع بين الإسلام والجاهلية، وبين الحق والباطل لا ينتهي ما دام كل منهما موجوداً وله كيان وقيادة وأنصار ويستمر الصراع إلى أن ينتصر الحق على الباطل في نهاية الشوط ويمثل ظهور الإمام المهديعليه‌السلام وثورته ضد الظلم العالمي الشامل آخر حلقة من حلقات الصراع المستمرة حيث يختفي الباطل ولا يبقى له كيان مستقل.

وانتظار الإمام المهدي الثائرعليه‌السلام هو حركة ايجابية وتعبير عن حيويّة الروح الثوريّة وهو يتطلّب تعبئة الأفكار والطاقات للاشتراك في عملية الخلاص والإنقاذ الشامل.

وقد أكّد جميع الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام على هذه الحقيقة لا سيَّما الإمام الباقرعليه‌السلام ; وذلك لكي تتعمق هذه القضيّة الكبرى في العقول والنفوس جميعاً.

قالعليه‌السلام :(إنما نجومكم كنجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم حتى إذا أشرتم بأصابعكم، وملتم بحواجبكم غيَّب الله عنكم نجمكم واستوت بنو عبد المطّلب فلم يعرف أيٌّ من أيّ فإذا طلع نجمكم، فاحمدوا ربّكم) (١) .

واعتبر ثورة الإمام المهديعليه‌السلام من الأمر الإلهي المحتوم، حين قال:(من المحتوم الّذي حتمه الله قيام قائمنا) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ١٣٨.

(٢) المصدر السابق : ٥١ / ١٣٩ .

١٤١

وقالعليه‌السلام :(لا تزالون تمدّون أعناقكم إلى الرجل منّا تقولون هو هذا، فيذهب الله به، حتى يبعث الله لهذا الأمر من لا تدرون ولد أم لم يولد، خلق أو لم يخلق) (١) .

وكان يهىّء الأذهان للتعبئة إلى ذلك اليوم ويقول:(إذا قام قائمنا وظهر مهديّنا كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان) (٢) .

خامساً: الإمام الباقرعليه‌السلام وتشخيص هوية الجماعة الصالحة

اهتم الإمام الباقرعليه‌السلام بتشخيص هوية الجماعة الصالحة، وتمييزها عن غيرها من الهويات التي ترافق سائر الوجودات والكيانات والتيارات القائمة في الواقع.

وقد كان للجماعة الصالحة وجود مميّز من حيث الاسم والصفات ومن حيث الولاء والاقتداء، ومن حيث التقييم والدرجة والمرتبة من بين الدرجات والمراتب، فهي تنتمي إلى الإسلام أولاً والى منهج أهل البيت ثانياً. وتشخيص الهوية له آثار ايجابية على تجذر الانتماء وإدامته، وله آثار عملية على الأفكار والعواطف والممارسات السلوكية، حيث إنها تتبع الانتماء، وتتحرك على ضوء الأهداف المحدّدة للهوية المشخصة، ومن هذه الآثار:

١ ـ الشعور بالانتماء وهو أمر فطري يدفع الإنسان للاعتزاز بانتمائه، لأنه يشعر بأن شخصيته ووجوده يحددها الانتماء والهوية الظاهرة.

٢ ـ إن لتشخيص الهوية دوراً كبيراً من وحدة الأهداف ووحدة البرامج، ووحدة المصير، ووحدة المصالح، ولهذه الوحدة دور أساسي في تحريك المنتمين إلى العمل الجاد والحركة الدؤوبة لتحقيق الأهداف المنشودة والتضحية من أجلها.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ١٤٠.

(٢) حلية الأولياء : ٣ / ١٨٤ .

١٤٢

٣ ـ إن لتشخيص الهوية دوراً كبيراً في تعميق علاقات الإخوة داخل الجماعة الصالحة، ودفعها نحو التآزر والتكاتف والتعاون من أجل رفع مستواها الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، كما يمنحها القوة والمنعة والعزّة.

٤ ـ إنّ تشخيص الهوية والشعور بالانتماء الموحد يدفع الحركة باتّجاه توسيع قاعدتها الشعبية على أساس تقوية مظاهر الهوية في الواقع الموضوعي ويدفعها نحو التنافس المشروع مع الوجودات القائمة لربط بقية أفراد الأمة بالمفاهيم والقيم الصالحة، وتجسيدها في الواقع.محاور الانتماء في الجماعة الصالحة

الإسلام هو المحور الأساسي للانتماء عند الجماعة الصالحة، وهو المحرك الأول للعمل والحركة وللسلوك وللعلاقات، والمصلحة الإسلامية العليا هي الحاكمة على جميع المصالح.والإسلام هو الانتماء الأساسي الذي يدفع بالمنتمين إليه نحو التعالي على الأواصر الضيّقة والروابط الثانوية، ويوجّه الأنظار والمواقف إلى الهدف المشترك والى الأفق الأرحب الذي تنضوي تحته جميع الانتماءات، لتكون العلاقات في ظله قائمة على أساس التكافل والتراحم والتناصح، والأمانة والعدل والسماحة والمودة والإحسان، وهذه العلاقات تتطلب التحرر من ضغط القيم والأوضاع المحدودة، والمصالح والمطامع الذاتية العارضة .

١٤٣

والإسلام هو الانتماء الأرحب الذي يضم جميع من نطق بالشهادتين، فهو في رأي الإمام الباقرعليه‌السلام :(... والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء) (١) .

وعلى ذلك فإن الجماعة الصالحة هي جزء من المجتمع الإسلامي الكبير بمختلف تياراته ومذاهبه الفكرية والسياسية، ومسؤولة عن الحفاظ على هذا الوجود من التصدّع.

والفكر المشترك أو العقيدة المشتركة بين الجماعة الصالحة وسائر الجماعات القائمة هي: الإيمان بالله ورسله وكتبه، والإيمان برسالة خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإيمان بيوم القيامة.

والانتماء إلى منهج أهل البيتعليهم‌السلام هو الهوية المشخصة للجماعة الصالحة لتمييزها عن غيرها من الجماعات التي تنتمي إلى مناهج أُخرى.

والانتماء إلى أهل البيتعليهم‌السلام يعني الولاء لهم بجميع مراتبه ومصاديقه المتمثّلة في حبّهم ونصرتهم، والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم التي هي أوامر الله ورسوله للإنسان المسلم على مدى الحياة وفي جميع مجالاة الحياة; بحيث تكون العقول والقلوب والأفعال منسجمة مع منهجهم العقائدي والسياسي في آن واحد، لأنهم الامتداد الحقيقي للرسالة الإسلامية وهم القيّمون على المنهج الإلهي الذي أرسى دعائمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين وغيره من النصوص النبويّة الشريفة. ومن هنا قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(نحن أهل بيت الرحمة وشجرة النبوة ومعدن الحكمة، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي) (٢) .

وهذا الانتماء يجعل جميع أفراد الجماعة الصالحة مكلفين بأداء دور القدوة إزاء الانتماء الرحب وهو الإسلام، فينبغي أن يكونوا قدوة لغيرهم، وقد وصفهم الإمامعليه‌السلام في أحاديث متقدمة بمواصفات خاصة ومنها: طاعة الله، والتقوى، وأداء الواجبات واجتناب المحرمات، وحسن الخلق، وحسن السيرة، وأكّد على أن هذا الانتماء لا يتحقق إلاّ بالتقوى والورع والعمل الصالح.

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٢) الإرشاد: ٢٦٦ .

١٤٤

مشخصات الهوية

الأول: الاسم

أطلق الإمام الباقرعليه‌السلام تبعاً لآبائه وأجدادهعليهم‌السلام عدداً من الأسماء والعناوين لتشخيص هوية الجماعة الصالحة وفرزها وتمييزها عن غيرها في خضم الالتباس في المفاهيم والخلط في العناوين، ومنها(١) .

١ ـ شيعة عليّ.

٢ ـ شيعة فاطمة.

٣ ـ شيعة آل محمد.

٤ ـ شيعة ولد فاطمة.

واسم الشيعة هو مورد اعتزاز الجماعة الصالحة لمشايعتهم أهل البيتعليهم‌السلام المطهّرين من كل رجس ودنس.

وقد بشّر الإمام الباقرعليه‌السلام أفراد الجماعة الصالحة بهذا الاسم، فعن أبي بصير، قال:ليهنكم الاسم ، قلت: ما هو جعلت فداك ؟ قال:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (٢) وقوله:( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) (٣) فليهنكم الاسم (٤) .

فهذا الاسم اسم شريف سمّى به الله تعالى أتباع الأنبياء السابقين.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٤، ٤٨، ٦٠، ٥٦.

(٢) الصافات (٣٧): ٨٣.

(٣) القصص (٢٨): ١٥.

(٤) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٢ ـ ١٣ .

١٤٥

وأقرّعليه‌السلام اسم الرافضة على الجماعة الصالحة بعد أن سمّاهم به اتباع السلطان، فحينما شكى إليه بعض أصحابه هذه التسمية قال له:(وأنا من الرافضة) قالها ثلاثاً(١) .

وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : جعلت فداك اسم سمّينا به استحلّت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا قال:وما هو ، قال: الرّافضة، فقال أبو جعفرعليه‌السلام :(إن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى عليه‌السلام ، فلم يكن في قوم موسى عليه‌السلام أشدّ اجتهاداً ولا أشدّ حباً لهارون منهم، فسمّاهم قوم موسى الرّافضة، فأوحى الله إلى موسى: أن ثبّت لهم هذا الاسم في التوراة، فإني قد نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله) (٢) .

وهنالك أسماء أُخرى ذكرها الإمام الباقرعليه‌السلام وهي: المؤمن والموالي(٣) .

الثاني: الصفات

وصف الإمام الباقرعليه‌السلام أفراد الجماعة الصالحة بمواصفات خاصة تشخصهم بها عن غيرهم(٤) ومنها:

١ ـ أصحاب اليمين.

٢ ـ خير البرية.

٣ ـ أولياء الله.

٤ ـ شُرَط الله.

٥ ـ أعوان الله.

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ١٥٧.

(٢) المصدر السابق: ١٥٧.

(٣) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٦.

(٤) المصدر السابق: ٦٥ / ٢٩، ٣٠، ٥٨، ٤٤ .

١٤٦

الثالث: منزلة الجماعة الصالحة

ذكر الإمامعليه‌السلام للجماعة الصالحة التي تحمل اسم شيعة أهل البيتعليهم‌السلام منزلة ومرتبة في كلتا الحياتين: الدنيا والآخرة.

١ ـ منزلة الجماعة الصالحة في الحياة الدنيا: إن الجماعة الصالحة مرّت بمراحل من التمحيص في داخل النفس وفي مكنون الضمير، وفي الواقع العملي، فخرجت مستقرة على الحق، واتبعت منهج أهل البيتعليهم‌السلام في وقت كان فيه قادته مطاردين ملاحقين محاصرين من جهات شتى، واستقرارها على الحق هذا جعل لها منزلة ومرتبة في دار الاختبار والامتحان، وقد أوضح الإمامعليه‌السلام هذه الفضيلة بقوله: (إن الله عَزَّ وجَلَّ أعطى المؤمن ثلاث خصال: العزّ في الدنيا والدين، والفلج في الآخرة، والمهابة في صدور العالمين)(١) .

ودخل الإمام المسجد الحرام فوجد فيه جماعة من أصحابه، فدنا منهم وسلَّم ثم قال لهم:(والله إني لأحبُّ ريحكم وأرواحكم أنتم شُرط الله، وأنتم أعوان الله، وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الأولوّن والسابقون الآخرون قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ألا وإنّ لكل شيء شرفاً، وشرف الدين الشيعة، ألا وإنَّ لكل شيء عماداً وعماد الدين الشيعة، ألا وإنّ لكل شيء سيداً وسيّد المجالس مجلس شيعتنا ...) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٦.

(٢) بشارة المصطفى: ١٦ .

١٤٧

والجماعة الصالحة هي المعيار العملي في الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام لقولهعليه‌السلام :(كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي) (١) .

٢ ـ منزلة الجماعة الصالحة في الحياة الآخرة: إنّ للجماعة الصالحة منزلة في الحياة الأخرى، لأنها اجتازت الامتحان الإلهي بنجاح، وثبتت على المنهج الإلهي في جميع الأبعاد: في الفكر والعاطفة والسلوك، وبذلت الغالي والنفيس دفاعاً عن القيم الإسلامية الثابتة التي أرسى دعائمها القرآن ورسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهارعليهم‌السلام .

ومن هذه المنازل والمراتب هي كرامتهم عند الله تعالى، قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(إن الله سبحانه يبعث شيعتنا يوم القيامة من قبورهم ووجوههم كالقمر ليلة البدر، مسكنة روعاتهم، مستورة عوراتهم، قد أعطوا الأمن والأمان، يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون، يحشرون على نوق لها أجنحة من ذهب تتلألأ، قد ذلّلت من غير رياضة أعناقها من ياقوت أحمر، ألين من الحرير، لكرامتهم على الله) (٢) .

قالعليه‌السلام :(وفي شيعة ولد فاطمة أنزل الله هذه الآية خاصة ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٣) ) (٤) .

وروىعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(إن علياً وشيعته هم الفائزون) (٥) .

وهذه المنازل والمراتب سينالها أفراد الجماعة الصالحة المتّبعين منهج أئمتهم المطيعين لله تعالى إذ جسّدوا القيم الإلهية في واقع الحياة.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٧٨.

(٢) بشارة المصطفى: ٥٥، ٥٦.

(٣) الزمر (٣٩): ٥٣.

(٤) قرب الإسناد: ٢٩.

(٥) بحار الأنوار: ٦٥ / ٣١ .

١٤٨

سادساً: الإمام الباقرعليه‌السلام والعلاقات في نظام الجماعة الصالحة

الجماعة الصالحة لها قيادة وطليعة وقاعدة ترتبط فيما بينها بعلاقات تحددّها المفاهيم والقيم الحاكمة على جميع الأفراد ومن مختلف المستويات.

ولكل من مراتب الجماعة علاقات مع الجماعات الأخرى تحدّدها الأهداف والمصالح المشتركة ضمن الأفق الأرحب والمصير الأكبر.

وتربطها علاقات مع أتباع الأديان الأخرى من المعاهدين وأهل الذمة.

١ ـ العلاقات داخل الجماعة الصالحة

أ ـ العلاقة بين القيادة والطليعة: القيادة تتمثل في الإمام المعصومعليه‌السلام الذي يشرف على بناء وتوجيه الجماعة الصالحة، وتنظيم شؤونها المختلفة، وهو المرجع في إصدار الأوامر واتخاذ الخطط والقرارات.

وبما أن الجماعة الصالحة لها امتداد في جميع البلدان والأمصار، لذا فإنّ العلاقة بين أفرادها وبين الإمامعليه‌السلام تكون عن طريق الطليعة الواعية المخلصة والتي تتمثل بالوكلاء، وهم المقربون من الإمامعليه‌السلام والمختصون به، وهم بدورهم يشرفون على باقي أفراد الجماعة.

وقد كان الإمامعليه‌السلام يخصص كثيراً من وقته لتوجيه الطليعة وإرشادها عن طريق اللقاءات المباشرة اليومية، واللقاءات الدورية، وعن طريق المراسلات .

١٤٩

ب ـ العلاقة بين القيادة والقاعدة: كانت للإمامعليه‌السلام علاقات مباشرة وغير مباشرة مع قواعده في المدينة، وفي مختلف الأمصار، وكان أهل المدينة وغيرهم يلتقون به ويزورونه، وكان يقومعليه‌السلام بزيارتهم والالتقاء بهم، أما المقيمون في بلدان أُخرى فكانوا يلتقون به في موسم الحج وغيره، وكانعليه‌السلام يراسل بعضهم، لتدوم العلاقة بينه وبينهم، وقد رسم لهم منهاجاً في العلاقات، وجعل عليهم أن يزوروه، حين قالعليه‌السلام : (إنّما أُمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار، فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم)(١) .

وقال أيضاً: (تمام الحج لقاء الإمام)(٢) .

وكانت العلاقة مستمرة بين الإمامعليه‌السلام والقاعدة عن طريق الطليعة ( الوكلاء )، وعن طريق المراسلة.

ج ـ العلاقة بين الأفراد: حث الإمامعليه‌السلام على إدامة العلاقة بين أفراد الجماعة الصالحة، وقال: (تزاوروا في بيوتكم، فإن ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيى أمرنا)(٣) .

ونهىعليه‌السلام عن المقاطعة والهجران فقال:(ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث إلاّ وبرئت منهما في الثالثة) ، فقيل له: يا ابن رسول الله هذا حال الظالم، فما بال المظلوم ؟ فقالعليه‌السلام :(ما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم؟ فيقول: أنا الظالم حتى يصطلحا) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٤ / ٥٤٩.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الخصال: ١ / ٢٢.

(٤) المصدر السابق: ١ / ١٨٣ .

١٥٠

أسس العلاقات الداخلية

أ ـ طاعة الإمامعليه‌السلام : الإمام المعصوم هو القائد الربّاني للجماعة الصالحة، وهو المشرف على جميع شؤونها، وان جميع البرامج والخطط لا يمكن تحقيقها بالصورة المشروعة إلاّ بالرجوع إليه وامتثال أوامره والإخلاص له في النصيحة، وقد روى الإمام الباقرعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: (ما نظر الله عَزَّ وجَلَّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة إلاّ كان معنا في الرفيق الأعلى)(١) .

ب ـ قاعدة الحب في الله والبغض في الله: وروى الإمام الباقرعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: (ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ومن أحبّ في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله فهو من أصفياء الله)(٢) .

ج ـ إخلاص المودّة: إن الحب والمودة هي أساس العلاقات داخل الجماعة الصالحة; لذا قالعليه‌السلام : (واخلص مودتك للمؤمن)(٣) .

د ـ الإيثار من أجل حقوق الإخوان: قالعليه‌السلام :(أشرف أخلاق الأئمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية وأخذ النفس بحقوق الإخوان) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٤٠٤.

(٢) المحاسن: ٢٦٣.

(٣) تحف العقول: ٢١٣.

(٤) جامع الأخبار: ٢٥٢ .

١٥١

هـ ـ التكافل الاجتماعي

و ـ التناصر والتآزر

ز ـ إدامة العلاقة: قالعليه‌السلام :(ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك) (١) .

وقالعليه‌السلام :(إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن) (٢) .

٢ ـ العلاقات مع الجماعات الإسلامية الأخرى

١ ـ إنّ التعايش والانفتاح مع عامة المسلمين وجمهورهم الذين ليس لهم عداء لأهل البيتعليهم‌السلام ـ وإن كانوا لا يرون لهم حق الولاية والإمامة ـ هو من سيرة الإمامعليه‌السلام وقد كانت للجماعة الصالحة علاقات واسعة مع جماعات عديدة من المسلمين.

٢ ـ العلاقة السلبية مع أعداء أهل البيتعليهم‌السلام : إنّ المقاطعة هي السمة الغالبة للعلاقات مع من نصب العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ، ويلحق بها مقاطعة أصحاب البدع، والغلاة، وأعوان النظام الجائر ممّن أبغض أهل البيتعليهم‌السلام .

ودرجة المقاطعة تتحكم بها الظروف عادة، فإذا كانت الظروف غير مؤاتية فالمصانعة هي العلاقة المختارة، فقد قالعليه‌السلام :(صانع المنافق بلسانك) (٣) .

٣ ـ إنّ المشاركة في النشاطات العامة التي فيها مصلحة للإسلام ومصلحة الجماعة الصالحة هي أمر مطلوب ومحمود ولا يضرّ بالانتماء لأهل البيتعليهم‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٤.

(٢) المصدر السابق: ٢١٦.

(٣) المصدر السابق: ٢١٣ .

١٥٢

٣ ـ العلاقة مع أهل الذمة

رسم الإمامعليه‌السلام منهجاً لعلاقة الجماعة الصالحة مع أهل الذمّة، على أساس المعايشة وعدم الاعتداء، قالعليه‌السلام :(... فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم، وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحهم) (١) .

وقالعليه‌السلام :(ما من رجل أمن رجلاً على ذمة ثم قتله إلاّ جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر) (٢) .

وحرّمعليه‌السلام الاعتداء على أموالهم وممتلكاتهم بغصب أو سرقة أو غش(٣) .

وأوصى باحترام أحكامهم الفقهية والمدنية وأحكام القضاء والمواريث، وان كانت مخالفة للشريعة الإسلامية(٤) .

٤ ـ العلاقة مع الكفّار

إنّ العلاقة مع الكفّار قائمة على أساس قاعدة البراءة، وهي المفاصلة بين الإسلام والكفر، فلا تجوز المعاونة لهم بأي لون، ويحرم إسنادهم بأي شكل من أشكال الإسناد.والبراءة تستدعي المقاومة بل المواجهة معهم أحياناً، ولذا كانعليه‌السلام يشجع على بيع السلاح لمن يحارب به الكفّار وان كان مخالفاً أو معادياً لأهل البيتعليهم‌السلام وللجماعة الصالحة; فإنّ هذا العمل في رأي الإمامعليه‌السلام يتم به دفع العدو المشترك، وإبعاد خطره الذي يهدّد الكيان الإسلامي.

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢١٠، والمعروف عند علماء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام أن النكاح الجائز مع أهل الذمّة هو النكاح المؤقت فحسب.

(٢) الكافي: ٥ / ٣١.

(٣) المصدر السابق: ٥ / ٥٦٨.

(٤) وسائل الشيعة: ٢٦: ٣١٩ .

١٥٣

سابعاً: الإمام الباقرعليه‌السلام والنظام الأمني للجماعة الصالحة

أولى الإمامعليه‌السلام اهتماماً خاصاً بالنظام الأمني للجماعة الصالحة، حفاظاً على سلامة أفرادها وكيانها من التصدّع أو التصفية الجسدية، ليبقى أفرادها أحراراً في حركتهم الإصلاحية والتغييرية. والاحتياط والحذر الأمني له آثار ايجابية على سلامة العقيدة وسلامة الشريعة وسلامة القيم الإسلامية، فإنّ أي خلل في الوضع الأمني يؤدي إلى سجن أو قتل أو تهجير من له تأثير ايجابي في الأمة، وبالتالي يكون خير فرصة للمنحرفين لنشر عقائدهم وأفكارهم لبلبلة الأفكار وخلق الاضطراب في العقول والقلوب والنفوس، بعد خلو الميدان من المصلحين الذين ينتمون إلى الجماعة الصالحة.

والاهتمام بالنظام الأمني يضمن للجماعة الصالحة بقاء القيادة وهي المعصومةعليه‌السلام بين ظهرانيهم، ترشدهم وتوجههم وتربيهم، وتعلّمهم أحكام الدين وسبل الشريعة.

وللنظام الأمني معالم ومظاهر يمكن تحديدها في النقاط التالية:

١ ـ التقيّة

التقية عملية مشروعة لما لها من آثار ايجابية على سير الجماعة الصالحة وتوجيه حركتها نحو إصلاح الواقع وتغييره دون عرقلة أو منع أو تحجيم.

وللتقية موارد عديدة تحددها طبيعة الظروف المحيطة بالفرد وبالجماعة الصالحة، من حيث القوة والضعف، ومن حيث موقف الحكام وأجهزته من الإمامعليه‌السلام ومن الجماعة الصالحة.

والقاعدة الأساسية في استخدام التقية هي قول الإمامعليه‌السلام :(التقيّة في كل ضرورة) (١) .

فالضرورة هي التي تحدّد استثمارها واستخدامها من حيث الوجوب والاستحباب، ومن حيث المرّة والتكرار.

والهدف من التقيّة هو حقن الدماء وحفظها في مواقف ليست ضرورية، وليس لها تأثير على سير حركة الإصلاح والتغيير، أمّا إذا لم تحقق هدفها ذاك فلا ينبغي ممارستها.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام :(إنما جعلت التقيّة ليحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدّم فلا تقيّة) (٢) .

١٥٤

ومن موارد التقيّة:

أ ـ كتمان المعتقد بالإسلام إذا كان المجتمع مجتمعاً غير إسلامي محارباً للمسلمين، وكتمان المعتقد بمذهب أهل البيتعليه‌السلام إذا كان المجتمع مخالفاً أو معادياً لهم، ويستحل قتل أو تعذيب من يروّج له أو يعلن الانتماء إليه.

أو كان الإعلان عن المعتقد يؤدي إلى عزل المؤمن عن المجتمع وعدم التأثر بقوله وفعله، أي في حال عرقلة مهمة الإصلاح والتغيير.

ب ـ كتمان الأحكام الفقهية إن أدت إلى الضرر الكبير.

ت ـ كتمان الآراء السياسية.

ث ـ كتمان الأسرار السياسية.

ج ـ كتمان البرامج والخطط المعدّة لإصلاح الواقع وتغييره.

والتقية قد تكون بكتمان هذه الموارد، أو التظاهر بغيرها وبعبارة أُخرى: إن التقيّة هي المصانعة مع المخالفين أو المعادين للجماعة الصالحة تخلّصاً من عدوانهم وأذاهم، أو إضرارهم بالعمل.

والتقيّة هي الموقف المتوازن بين الانعزال عن المجتمع والابتعاد عن ميدان الإصلاح والتغيير، وبين المواجهة والصراع، لأنّ عدم ممارستها يؤدي إلى واحد من الموقفين، وفي كليهما لا يحقق الإنسان أهدافه في الحياة الاجتماعية، وقد يؤدي أحياناً إلى النكوص والتراجع أو التخلّي نهائياً عن المنهج السليم، أو الانحراف عنه.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٧٢ / ٣٩٩.

(٢) المصدر السابق: ٧٢ / ٣٩٩.

١٥٥

فالانعزال قد يؤدي إلى الوقوع في حبائل الغلو، والتحول إلى الباطنية كما حدث للحركة الإسماعيلية.

والمواجهة قد تؤدي إلى الضعف أمام أساليب الإرهاب والإغراء والخداع والتضليل إن كانت الجماعة الصالحة غير مهيئة لخوض غمار الصراع والمواجهة.

وقد استطاع الإمامعليه‌السلام أن يحافظ على أمن الجماعة الصالحة بتأكيده على التقيّة، حيث استطاع أن يوسّع قاعدته الشعبية، ويرفد الجماعة الصالحة بأفراد جدد، وبكوادر جديدة، واستطاع أن ينشر علوم أهل البيتعليه‌السلام ، وأن يشيع الفضائل والمكارم في المجتمع، دون أن يمنح للحكّام فرصة لاغتياله أو اعتقاله أو منعه من نشاطاته العامة في التدريس، واللقاءات، والزيارات.

١٥٦

والتقيّة قد تتوقف أحياناً وفي حدود خاصة على تظاهر الإنسان بالجنون حفاظاً على نفسه والجماعة التي ينتمي إليها، وهي حالة نادرة أمر بها الإمامعليه‌السلام جابر بن يزيد الجعفي، حيث كتب إليه كتاباً في ذلك، فلما دخل الكوفة، لم يُرَ ضاحكاً ولا مسروراً، وتظاهر بالجنون، وبعد أيام من كتاب الإمامعليه‌السلام جاء كتاب هشام بن عبد الملك يأمر بقتله، فتركه الوالي ولم يقتله، بعد أن أخبره الناس بجنونه(١) .

٢ ـ كتمان الأسرار

إن الظروف المحيطة بالإمامعليه‌السلام وبالجماعة الصالحة جعلت الإمامعليه‌السلام يأمر بكتمان الأسرار، قالعليه‌السلام :(اكتموا أسرارنا ولا تحمّلوا الناس على أعناقنا) (٢) .

والجماعة الصالحة محاطة بجماعات وتيارات وأجهزة أمنية تتابع أقوالها وأفعالها وممارساتها العملية، وتستثمر الثغرات والفرص المتاحة لتشويه سمعتها في عقيدتها وفي أحكامها وفي سلوكها، وتحجيم دورها في الحياة ; ولهذا فهي بحاجة إلى عناية إضافية بكتمان الأسرار، سواء كانت ممّا يتعلق بفضائل ومكارم أهل البيتعليهم‌السلام التي لا تتحملها عقول المخالفين، أو ممّا يتعلق بتنظيم الجماعة الصالحة من حيث العدّة والعدد، وأسماء الوكلاء، أو الطليعة المؤثرة على سير الأحداث، أو كانت من أسرار العلاقات واللقاءات، أو الأسرار السياسية المتعلقة بالبرامج والخطط الموضوعة لإصلاح وتغيير الواقع السياسي والاجتماعي، أو الأسرار المتعلقة بساعات التنفيذ وما شابه ذلك.

فالإمامعليه‌السلام كان يتكتم على المواقف المهمة، فحينما حرّم الدخول إلى السلاطين والتعاون معهم، كان هذا التحريم محدوداً لم يبلّغ به إلاّ المقربين منه.

وكان يخطط لثورة زيد دون أن تعلم به السلطات، ودون علم كثير من أفراد الجماعة الصالحة، وكان يكتفي بمدح شخصية زيد ليوجه الأنظار بصورة غير مباشرة إليه والى مواقفه المستقبلية.

وكان يثني على المختار مقرّاً بثورته وولائه لأهل البيتعليهم‌السلام ولكن في نطاق محدود أمام بعض أصحابه.

ولم يعلنعليه‌السلام عن إمامة الإمام الصادقعليه‌السلام إلاّ في نطاق محدود لمن كان يثق به ويعتمد عليه في عدم كشف السرّ إلاّ في وقته المناسب.

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٦ / ٢٨٣.

(٢) المصدر السابق: ٧١ / ٢٢٥ .

١٥٧

٣ـ التوازن في العلاقة مع الحكّام

إنّ مقاطعة الحاكم الجائر هي إحدى الخصائص التي اختص بها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد كانت إرشادات وأوامر الإمام الباقرعليه‌السلام إلى أفراد الجماعة الصالحة تؤكد على المقاطعة في جميع صورها، لأنّ العمل مع الجائر يؤدي إلى احتمالات واقعية، هي:

أ ـ تقويته ودعم أركان دولته المنحرفة.

ب ـ ممارسة الأعمال المنحرفة التي يمليها الواقع المنحرف.

ت ـ تأثر العامل معه ـ في بعض الأحيان ـ بالإغراء المتنوع، بالأموال والمناصب والجاه، وقد يؤدي هذا إلى التخلي عن الانتماء إلى الجماعة الصالحة.

ث ـ تحول العامل إلى عدو للجماعة الصالحة في بعض الأحيان.

ولهذا أمرعليه‌السلام بمقاطعة الحاكم الجائر(١) . وجعل العمل مع الجائر دليلاً على كراهية الجنّة، تشديداً منه على عدم الدخول معه في الأعمال. عن عقبة ابن بشير الأسدي، قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فقلت له: إني من الحسب الضخم من قومي، وإنّ قومي كان لهم عريف فهلك، فأرادوا أن يعرفوني عليهم، فما ترى لي ؟

قالعليه‌السلام :(فإن كنت تكره الجنة وتبغضها، فتعرّف على قومك، يأخذ سلطان جائر بامرئ مسلم يسفك دمه، فتشركهم في دمه، وعسى أن لا تنال من دنياهم شيئاً) (٢) .

وعلى الرغم من أوامره في مقاطعة الحاكم الجائر إلاّ انّه راعى المصلحة الإسلامية العليا في موارد عديدة، فجوّزعليه‌السلام بيع السلاح أو حمله إلى أتباع السلطان(٣) للمساهمة في ردّ أعداء الكيان الإسلامي، ولإثبات حسن التعامل للحاكم إن سمع أو لاحظ هذه الإسناد.

وكانعليه‌السلام لا يمتنع إن دعاه الحاكم للقاء به، ولا يمنع أصحابه من ذلك، حفاظاً على أمنهم، لأنّ التمرد على طلبه قد يؤدي إلى كشف نواياهم في المعارضة وعدم الرضى بحكمه.

ولم يمنععليه‌السلام أفراد الجماعة الصالحة من المشاركة في الغزوات التي كان يقودها حكّام الجور المسلمون في مختلف الأزمان.

ــــــــــــــ

(١) كفاية الأثر: ٢٥١.

(٢) رجال الكشي: ٢٠٤.

(٣) الكافي: ٥ / ١١٢.

١٥٨

٤ ـ مراعاة المستويات المختلفة راعى الإمامعليه‌السلام في أوامره وتعليماته، وفي إشراك أفراد الجماعة الصالحة في النشاطات والأعمال المختلفة، تفاوت مستويات الأفراد المختلفة من حيث الطاقات والإمكانيات، ومن حيث الوعي والإدراك، ودرجة التحمّل، والقدرة على أداء الواجب أو الاستمرار في الأعمال، وحدّد لكل فرد مستواه ; لكي يكلّف بقدر مستواه.

عن سدير قال: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام :(إن المؤمنين على منازل، منهم على واحدة، ومنهم على اثنين، ومنهم على ثلاث، ومنهم على أربع، ومنهم على خمس، ومنهم على ست، ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمّل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو، وعلى صاحب الثنتين ثلاثاً لم يقو، وعلى صاحب الثلاث أربعاً لم يقو ...) (١) .

وكذا الحال في إعطاء الأسرار المتعلقة بالفضائل والكرامات لأهل البيتعليهم‌السلام أو الأسرار السياسية، فلكل فرد حسب طاقته العقلية والعاطفية والبدنية.

ثامناً: الإمام الباقرعليه‌السلام والنظام الاقتصادي للجماعة الصالحة

للاقتصاد دور كبير في حركة الأمم والجماعات، من حيث النمو والثبات والتكامل، ومدّها بالقدرة على مواجهة الصعاب التي تقع في طريق النمو والتكامل، فهو أحد العوامل الأساسية في بناء الحضارات ورفدها بأسس البقاء والاستمرار، حتى إن الإسلام في جميع مراحله لم يحقق أهدافه القريبة أو البعيدة إلاّ بالاستعانة بالاقتصاد، وبالمال الذي هو العصب الأساسي له.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٢ / ٤٥.

١٥٩

وأكّد الإمام الباقرعليه‌السلام في توجيهاته وإرشاداته للجماعة الصالحة على أهمية المال في نجاح أعمالها، واستقامة شؤونها، وقوة كيانها، فقالعليه‌السلام :(... هي الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه، جعلها الله مصلحة لخلقه، وبه تستقيم شؤونهم ومطالبهم) (١) .

التأكيد على أهمية العامل الاقتصادي

وحثّ الإمامعليه‌السلام على العمل لكسب الرزق، والاستغناء عن الناس، حين حثّ على التجارة والزراعة والصناعة وعلى تعلم الحرفة، وكانعليه‌السلام يعمل بنفسه ويرى أن في العمل طاعة لله، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال: إنَّ محمّد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام يدع خلفاً أفضل منه، حتى رأيت ابنه محمد بن عليّعليه‌السلام فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك ؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني أبو جعفر محمد بن عليّ، وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، أما والله لأعظنه، فدنوت منه فسلّمت عليه فردّ عليّ بنهر، وهو يتصبّب عرقاً، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع ؟

فقالعليه‌السلام : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحالة جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عَزَّ وجَلَّ ; اكفُّ بها نفسي وعيالي عنك وعن النّاس، وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله.

ــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي: ٢ / ١٢٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220