الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين0%

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 178

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
تصنيف: الصفحات: 178
المشاهدات: 104226
تحميل: 7401

توضيحات:

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 178 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104226 / تحميل: 7401
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

القيادة الربانيّة التي لا تأخذها في الله لومة لائم، وأن نختار لمسيرتنا القادة الأكفاء الاُمناء على دين الله، الذين وصفهم القرآن الحكيم بقوله سبحانه:( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (المائدة/٥٤ - ٥٥).

إنّ علينا ألا نتهاون في قضية القيادة؛ فالواجب البحث عنها واختيارها وفق هدى الله وبصائر السنة الشريفة، والتي تتلخص في القيام لله والشهادة بالقسط، وعدم خشية غير الله، ولا مهادنة الطغاة. إنّ ذلك يعتبر مفتاح حل مشاكل الاُمّة؛ لأنّ مثل هذه القيادة الربانيّة ستكون مؤيّدة بنصر الله، مزوّدة بنور التقوى، ومحوراً لأنشطة الناس.

ثمّ إنّ التسليم للحق وللقيادة الربانيّة تسليماً نابعاً من القناعة والإيمان، تسليماً خالصاً لوجه الله، تسليماً لا ينطلق من الهوى والعصبية، والروح الحزبية والإقليمية والحميات الجاهليّة. إنّ هذا التسليم هو الذي يجعل الاُمة في مستوى أصحاب الأنبياء والأوصياء الذين يصفهم القرآن الحكيم بقوله:( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (الفتح/٢٩).

إنّ التواضع للمؤمنين، والتعالي أمام الكافرين والفسّاق، والجهاد في سبيل الله في كلِّ الظروف هو مقياس القيادة الرشيدة.

٢١

والإمام الحسينعليه‌السلام معيار للقيادة الربانيّة، فكلّ مَن كان نهجه أقرب إليه كان أجدر بالقيادة، ولا يضلّ الله سعي اُمّة سلّمت أمرها لقيادة إلهية تسليماً خالصاً لوجه ربها.

٤ - المنهج الواضح

إذا عرف الناس أنهم هم المسؤولون، ووعوا السنة الإلهية الجارية في خلقه أبداً، ألا وهي:( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ ) (الرعد/١١). ثم عرفوا القيادة الربانيّة واتبعوها؛ فإن أهل الحل والعقد والسابقين من المجاهدين والعلماء والصالحين سوف يتشاورون فيما بينهم؛ ليضعوا الخطة الصحيحة والمنهج الواضح للعمل في سبيل الاصلاح.

إنّ الله وصف عباده بصفات فاضلة؛ أبرزها أن أمرهم شورى بينهم، فاذا أجمعوا أمرهم على شيء اندفعوا نحو تحقيقه بيد واحدة، وكانت يد الله سبحانه مع جماعتهم، فقال سبحانه:( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (الشورى/٣٨).

إنّ اتفاق الاُمّة على المنهج الواضح للعمل هو أعظم ركيزة لوحدة جهودهم، ونجاح مساعيهم، وتحقيق أمانيهم. والمنهج الواضح هو ميراث هدى الله، والتقوى، والتمسك بحبل الله، وتراكم التجارب بالشورى، وإنما توالت على اُمتنا الهزائم بسبب الضلالة عن هدى الوحي، واتّباع الهوى والشهوات، والابتعاد عن نور العقل، وعدم الاهتمام بعلمية القرار.

إنّنا اليوم نعيش في ظروف صعبة، ولا نستطيع أن نقهرها إلاّ بالاعتصام بالله سبحانه، واتخاذ طريق العقل سبيلاً إلى معرفة حقائق الحياة.

إنّ أيام عاشوراء والتي تحمل إلينا ذكرى أكبر مأساة في التاريخ، هي

٢٢

أيام التعبئة الروحية والعاطفية، ولكن العواطف عند المؤمن لا تخرج عن إطار الوحي والعقل، ولا تتجاوز أحكام الدين الحنيف، بل إنها تدعو الإنسان إلى تطبيق أحكام الله والعمل بشرائعه. وعلى خطباء المنبر الحسيني أن يجعلوا عواطف الاُمة الجياشة وسيلة لدعوة الناس إلى التقوى والعمل بمسؤولياتهم الشرعية.

لقد كان الإمام الحسينعليه‌السلام كلمة ناطقة، ودعوة إلهية واضحة، وبلاغاً لرسالات الله مبيناً. ألا تقرؤون في يوم عرفة دعاءه الذي هو بلا ريب مدرسة مباركة في توحيد الله ومعرفة أسمائه الحسنى، وتلك كتبه التي قرع بها رأس معاوية كسياط من لهب، إنها مدرسة في الإعلام الرسالي، وفي فضح أنظمة الضلال ومعارضة طغاة كلِّ عصر.

ومنذ خروجه من المدينة، وطول مدة بقائه في مكة المكرمة، ثمّ حركته إلى العراق، وإلى يوم عاشوراء، كانت كلماته النورانية تضيء درب المجاهدين في سبيل الله.

وعلينا أن نقرأ على الناس خطب الإمام الحسينعليه‌السلام وكلماته المضيئة التي فسّرت نهضته العظيمة، ولا ندع للأهواء أن تفسّر قيام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، بل نستفيد من كلماته هو في بيان أسبابها وعواملها وأهدافها؛ فهي أفضل بيان وخير تفسير.

وهكذا نجعل العاطفة في خدمة العقل، والحب في خدمة الحق، والبكاء طريقاً لإصلاح النفس، ونجعل المجالس مدارس للفقه الديني، والمواكب شعائر للدفاع عن المؤمنين من موالي السبط الشهيد والمظلومين في كلِّ مكان، وإلاّ فإنّ سيل العاطفة المتدفّقة سيذهب سدى.

٢٣

٥ - الاستقامة حتّى الشهادة أو النصر

وبعد تبيان المنهج ووضوح الاستراتيجية فنحن بحاجة إلى الاستقامة التي نستلهمها من واقعة الطفِّ، ومن كلمات السبط الشهيد الذي أطلقها صاعقة قاصعة:« ألا وإنَّ الدَّعيَّ ابن الدَّعيَّ قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك! هيهات منّي الذلة! أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طهرت، وحجور طابت أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام… » (١) .

وكان يقولعليه‌السلام :« سأقول كما قال أخو الأوس …

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى

إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً وودَّع مجرما

فإن عشتُ لم أندم وإن متُّ لم اُلم

كفى بك ذُلاً أن تعيش وترغما»(٢)

وقالعليه‌السلام :

فإن تكن الدنيا تُعدُّ نفيسةً

فدارُ ثواب الله أعلى وأنبلُ

وإن تكن الأبدانُ للموت اُنشئت

فقتلُ امرئٍ بالسيف في الله أفضل(٣)

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥ / ٨٣.

(٢) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٧٨.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٧٤.

٢٤

وقد شرع في نهضته الإلهية بكلمته المعروفة:«… خُطّ الموت على ولد أدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف … » . ثم قال:« … مَن كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا؛ فإنّي راحل مصبحاً إنشاء الله » (١) .

وإنّما كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ لأن الإيمان الذي ينهار مع أول مشكلة ليس بإيمان أبداً؛ إنما فائدة الإيمان مقاومة الصعاب، ومناهضة العقبات.

والذين يستسلمون للطغاة، أو ينهارون أمام مشاكل الهجرة في سبيل الله، أو يحسبون عطاءهم في سبيل الله مغرماً، وأيام جهادهم ضياعاً، إنّ مثل هؤلاء كيف يفسّرون الإيمان؟ هل الإيمان عندهم كان مؤقّتاً بوقت، أو مخصوصاً بظرف، أو كان معنى الإيمان مكاسب ومناصب، أو رفاه ورخاء، أو وظائف ورواتب؟

وكيف لا يستحي هؤلاء أن يعتبروا أنفسهم من موالي أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام الذي أعطى كلَّ ما كان لديه حتّى الرضيع قدّمه فداءً للإسلام، ثم قال:« صبراً على قضائك يا رب، لا إله سواك يا غياث المستغيثين، ما لي ربي سواك ولا معبود غيرك… » (٢) .

إنّ مثل هؤلاء هم أظهر مصداق لقوله سبحانه:( ومِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ اُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٦ - ٣٦٧.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام - للمقرّم / ٣٥٧.

٢٥

جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِاَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) (العنكبوت/١٠).

إنّ مصداق الإيمان يتجلّى عندما يفترق الحقُّ عن المصلحة، والهدى عن الهوى، والرسالة عن السياسة، والجهاد في سبيل الله عن الدعة والراحة. ولا عذر لأحد بعد شهادة السبط الشهيد (سلام الله عليه) في أن يترك جهاد الطاغوت، ويبرر ذلك بأنّ سمعته في خطر، أو أنّ حياته وحياة أهل بيته أو أصحابه يهددها الطاغوت، أو أنّه قد لا يبلغ النصر بمثل هذه التضحية؛ فالإمام الحسينعليه‌السلام قطع عذر كلَّ معتذر.

وقد كان أهل الكوفة في ذلك اليوم الذي انفضّوا فيه عن سفير الإمام الحسين مسلم بن عقيل (سلام الله عليهما) بمثل هذه الأعذار، كانوا مثل السوء الذي من أراد أن يتبعهم فليتبعهم، ولكن ليعلم أنّ عاقبته في الدنيا وفي الآخرة لن تكون أفضل من عاقبتهم؛ فالخزي واللعنة في الدنيا، وسوء العذاب في الآخرة.

فمن شاء أن يخدع نفسه فليخدع، ومَن شاء أن ينهزم فلينهزم، ومَن شاء أن يهادن الطاغوت أو يستسلم له فليفعل، ولكن ليعلم بأنّ الله للظالمين بالمرصاد، وأنه قد أنذر الذين يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأي عذر كان؛ أنذرهم بتسليط الظالمين، وبفتنة لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة.

قال الله تعالى:( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا اَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَاَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (الأنفال/٢٤ - ٢٥).

٢٦

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام علّمنا درس البراءة من الشرك والمشركين، وهي شرط التوحيد، وكان إماماً للمسلمين، وقدوة واُسوة، وكانت قيادته الربانيّة ونهجه الإلهي الواضح، واستقامته التي ختمت بالشهادة هي دروس العزة والتقدم والنصر، وسبيل الهدى والرحمة والفلاح.

٢٧

الإمام الحسينعليه‌السلام مشعل الهدى وسفينة الخلاص

ها هو يوم عاشوراء يلوح في الاُفق ليجعلنا نعيش عاشوراء ببطولاتها وتضحياتها. وعظمة عاشوراء لم تسمح للزمان أن يطوي ذكرها النسيان؛ وذلك لأنّ عاشوراء رسالة لكل الأجيال؛ ومن هنا نتأمل في يوم عاشوراء ورسالته.

ألف: يوم الحسين عليه‌السلام

١ - وجاء يوم الحسينعليه‌السلام ، جاء ميعاد اللقاء مع السبط الشهيد على مائدة الإحسان والإيثار، جاء يوم التحرر من إصر الهوى وأغلال الشهوات، وجاء يوم نتحسس فيه جميعاً بأننا بشر نحب الخير، ونهوى الفضيلة، ونلتذ بالعطاء، ونتطلع إلى الشهادة بالحق، والموت في سبيله

بلى، في مثل هذه المناسبات العظيمة يكتشف أحدنا إنسانيته، ويندمج مع فطرته، وتنجلي عن بصيرته حجب الشهوات العاجلة والحميات الكاذبة.

٢ - إنّ للسبط الشهيد (سلام الله عليه) حرارة في أفئدة محبيه، وولهاً للاستماع إلى حماسة شهادته؛ لأنه (سلام الله عليه) مثّل في يوم الطفِّ تلك

٢٨

الفطرة التي تنطوي عليها ضمائر البشرية جميعاً، وجسّد قيم العطاء والفداء، ومثّل الشجاعة والاستقامة والإيثار؛ فهو - بكربلاء وعاشوراء - صورة مثلى لكلِّ إنسان كامل في إنسانيته؛ ومن هنا ترى الناس جميعاً يتلهّفون إلى معرفة أخبار ملحمته. وكلما كان الواحد منهم أقرب الى الإنسانيّة كان أشوق الى عاشوراء الحسينعليه‌السلام .

٣ - إنّ عاشوراء وما كان فيها من قصص بطولية نادرة، وتجليات إيمانية سامية، وسبحات في آفاق المثل العليا هي إطلالة البشر على عالم الغيب، وهي نافذة تُفتح أمام بصائرنا لنشاهد بأنفسنا ذلك العالم الآخر الذي لا بدّ لنا من العودة إليه في يوم قريب؛ العالم الذي لا تتكلم فيه أرقام الأرصدة، ولا أحجام الممتلكات، ولا موازين القوة المادية، وإنما الكلمة الصادقة، والعمل الصالح، ودرجة التقوى واليقين، إنها هي ميزان التفاضل هناك.

وهكذا يتسنى لكل من يعيش أجواء عاشوراء أن يطلّ ولو للحظات على ذلك العالم؛ ليضبط من جديد إتجاهه في الدنيا قبل أن يرحل عنها إلى عالم الآخرة؛ عالم الغيب والحياة الأبدية.

٤ - عند الإدّعاء يزعم كلُّ فرد بأنه قد بلغ أداء الواجب، ولكن عندما يستشرف على ملحمة عاشوراء ويراجع نفسه يعرف أنّ عطاءه محدود جداً، ويتضاءل عند نفسه إلى درجة الندم، ويجدد العزم بأن يضاعف عطاءه ويزداد عزماً على الإحسان والإيثار.

٥ - حوافز البشر وعزائمه هي وقود مسيرته الصاعدة، ومَن فقد النية أضحى خاوياً على نفسه كشجرة مسوسة. ونحن نتزود في رحاب

٢٩

عاشوراء بالعزم ليس فقط لنواجه ضعف أنفسنا أمام شهواتنا، وإنما أيضاً لنتحدّى ضعف اُمّتنا أمام المشاكل الحادّة.

فنحن نقرأ قصة ذلك الفتى الهاشمي (قاسم بن الحسن عليهما السّلام) كيف يستهين بالموت، ويراه في نصرة عمّه أحلى من العسل، ونرى ذلك الشهم العلوي (علي الأكبر بن الحسين عليهما السلام) كيف يركب مطية الشهادة ويقتحم غمار الأعداء حتّى تمزّق جسده الشريف بحرابهم المسعورة، ثم شرب من يدي جده كأساً روياً لا يظمأ بعده أبداً.

أمّا عمّه العباسعليه‌السلام كبش الكتيبة، وقمر بني هاشم، فإنّه يحلق عالياً في سماء الوفاء، حتّى إذا ملك الشريعة وتاقت نفسه إلى شربة ماء تذكّر عطش أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فرمى الماء على الماء، وتمنّى لو يستطيع أن يحمل إلى مخيم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قليلاً من الماء. وحطّم أمله ذلك السهم الذي أصاب القربة، ولكنه لم يستسلم، وتحدى أمواج الهم بجبال العزم حتّى التحق بركب الشهداء. إنّ كل صورة في هذه الملحمة درس عظيم في معاني العزم والاستقامة.

٦ - كما القطرة المتواضعة حين تلتحق ببحر زاخر فتصبح عظيمة النفع، كذلك الفرد حين يندمج بتيار المجتمع فيصبح أعظم وأقوى. وملحمة عاشوراء بوتقة تعد الأفراد ليتلاحموا ويصبحوا قوة هائلة.

٧ - حينما تتحطّم النفس البشرية على صخرة الكوارث والويلات، وتنطوي على ذاتها لتحيط بها الكآبة، وتنخر فيها السلبية، فإن عاشوراء وبما فيها من شجاعة التحدي، وبطولة المواجهة، وبما فيها من الإيجابية

٣٠

الطافحة تعالج مثل هذه النفسية، والتي - مع الأسف - أصبحت شائعة في بعض المجتمعات التي تعيش ظروفاً صعبة.

٨ - عاشوراء تساهم في تربية إنسان يرفض الحصار، ويتحدى اليأس، ويهزأ من العقبات؛ إنسان يتّصل قلبه بنور ربه فيتوكل على الله، ويقول كما قالت سيدتنا زينبعليها‌السلام للطاغية يزيد: أظننت يا يزيد أنّك حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الاُسارى أنّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة، وأنّ ذلك لِعظم خَطَرك عنده؟! فشمخت بأنفك، ونظرت في عِطفك جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والاُمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا …(١) .

وهكذا كانت ولا تزال عاشوراء السبط الشهيدعليه‌السلام إشراقة الأمل في ضمير البؤساء؛ لأنّ عاشوراء نفحة إلهية على أهل الأرض. أوَليس الإمام الحسينعليه‌السلام مصباح هدىً وسفينة نجاة؟

باء: رسالة عاشوراء

١ - ورسالة عاشوراء هي رسالة المنبر الحسيني الذي لم يزل باقياً منذ ارتقاء زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أعواد مسجد الشام في أوّل مواجهة ضد الطاغية يزيد في العاصمة الاُمويّة، وفضحه آل أبي سفيان، وبيّن فضائل العترة الطاهرة.

منذ ذلك اليوم وحتّى هذا اليوم، وعبر (١٣٦١) عاماً لم يزل للمنبر الحسيني شعاع من مصباح الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقبس من نار ثورته اللاهبة.

____________________

(١) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام - باقر شريف القرشي ٣ / ٣٧٨.

٣١

ومن عوامل بقاء المنبر الحسيني بهذه الصفة طيلة القرون المتمادية هو الحماس الذي يلعب دوراً هاماً في بيان عاشوراء، كما يجلي البصائر ببيان أهدافها التي هي حقائق الدين.

٢ - واليوم حيث يتعرّض المسلمون لأقسى الهجمات الثقافية، والتي تتسلح بالمزيد من وسائل العصر؛ اليوم حيث يتّسم العصر بسمة الإعلام علينا أن نجتهد في سبيل جعل المنبر الحسيني قادراً ليس فقط على صد هجمات الأعداء على قيم الدين، بل وأيضاً على اختراق حصون الأعداء، وبث القيم الدينية بين شعوب العالم. أليست كلمة الله هي العليا؟ ألم يقل ربنا سبحانه:( وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ) (الإسراء/٨١)؟

٣ - من هنا كان على الخطباء وعلى المعاهد الدينية التي يتخرّج منها الخطباء أن يبذلوا قصارى جهدهم لتحقيق تحوّل كبير في مناهج المنبر وبرامجه، وجعله أقرب إلى حقائق العصر؛ وذلك عبر السبل التي سوف نتحدث عنها لاحقاً إن شاء الله. وهذا الجهد قد يكون فردياً، وقد يكون عبر تشكيل مؤتمرات ومراكز بحث وإشراك أكبر قدر ممكن من الآراء فيها، وبالذات آراء المستمعين.

٤ - المنبر ينبغي أن ينطق عن ضمير الجماهير، ويستجيب لحاجاتهم، وبالذات ضمير الجيل الصاعد الذي سوف يستلم أزمة المجتمع بيده. فإذا كان المنبر متجاوباً مع الناس كان الناس أوعى له، وأطوع لتوجيهاته.

٥ - المنبر رسالة عاشوراء، وعاشوراء بحر زاخر لا بدّ أن نستخرج منه ما يناسب ظروفنا، ويلبّي حاجات عصرنا. وهكذا ينبغي أن يستنطق الخطيب حوادث كربلاء فيما يتّصل بيوميات المجتمع، فإذا كان المجتمع

٣٢

يعاني تفككاً اُسرياً، فإنّ المنبر يستهدي من تفاني أهل البيتعليهم‌السلام في سبيل قضيتهم، ومدى وفاء كلِّ فرد منهم؛ لشيخهم وسيدهم وإمامهم الحسينعليه‌السلام .

وإذا كان المجتمع يعاني خواءً في الأهداف، وفراغاً في الغايات، فإنّ هدفية أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء هي محور أساسي للمنبر.

وإذا كان المجتمع يعاني أمراضاً مزمنة؛ مثل السلبية والتواكل، والذاتية والحمية، والفواحش الظاهرة منها والباطنة، فإنّ كلَّ حادثةٍ حدثت في ملحمة كربلاء تستطيع أن تكون ملهمة لعلاج تلك الأمراض.

٦ - الإمام الحسينعليه‌السلام درّة في تاج الرسالة، وعلينا أن ندعو الناس من خلال المنبر إلى منظومة الدرر التي يتشكّل منها هذا التاج الكريم؛ فجده الرسول، وأبوه الوصي، واُمّه الصديقة، وأخوه الزكي، وولده الأئمة الهداة (صلّى الله عليهم جميعاً). كلّ اُولئك هم محاور المنبر الحسيني، وعلينا من خلاله أن نرسي قواعد الإيمان بهم، والوله بحبهم، والاستماع إلى وصاياهم، وقراءة سيرهم، وبالذات الإمام الثاني عشر المنتظر القائم (عجّل الله فرجه)؛ فإنه خاتم الأوصياء، والآخذ بثأر جده الحسينعليه‌السلام .

٧ - المنبر الحسيني زخم عاطفي هائل، وهو يفجّر ينابيع المودة في أفئدة العارفين بأهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن في ذات الوقت ينبغي أن يستثير دفائن العقل، ويستجلي مشاعل البصيرة، ويزين للناس مكارم الأخلاق وحلل الآداب؛ ذلك لأنّ العواطف من دون بصائر العقل أشبه ما تكون بسيل هادر لا تستوعبه قنوات الري.

٣٣

إنّ مذهب أهل البيتعليهم‌السلام يعرج بالبشرية بجناحي العاطفة والعقل؛ فظلامة الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام ، ومصائب سيد الأوصياء الإمام عليعليه‌السلام ، ومراثي السبط الأول الإمام الحسنعليه‌السلام ، وعاشوراء السبط الشهيد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وما جرى على الأئمة من ولدهعليهم‌السلام ، كل ذلك جناح العروج الأوّل.

أمّا الجناح الآخر فيتمثّل في الخطبة الفدكية لفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمينعليها‌السلام ، وبنهج البلاغة للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكلمات السبطينعليهما‌السلام ، والصحيفة السجادية زبور آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي جرى على لسان خيار المتهجّدين الإمام السجادعليه‌السلام ، ووصايا ودروس الباقرين الصادقين، ثمّ الكاظم والرضا، وسائر كلمات الأئمةعليهم‌السلام الرشيدة.

وإذا رأيت خللاً في حياة بعض أتباع أهل البيتعليهم‌السلام فلأنهم قد ابتعدوا عن كلمات قادتهم التي هي مناهج حياة، وبرامج جهاد، وسبل هدى، ووسائل تقدم.

إنني أدعو الخطباء الكرام، وبكل إصرار، إلى إعادة الناس إلى رحاب أهل البيتعليهم‌السلام ، والانتفاع بكلِّ كلمة من تراثهم العظيم؛ لكي يوحّدوا جهودهم، وينظموا حياتهم على اُسس عقلانيّة رشيدة في ضوء وصاياهم، وليتحمّل كلُّ فردٍ منهم مسؤولياته من دون تبريرات واهية فيزداد همة وعزماً.

وإنّ لي كذلك دعوة متواضعة للفقهاء والمفكرين أن يستنبطوا من آيات الكتاب، وأحاديث السنة، وكلمات أهل البيتعليهم‌السلام أحكاماً واضحة في قضايا حياتية كما أنهم قد استنبطوا منها أحكاماً في قضايا دينية، ولهم من الله

٣٤

الأجر العظيم. ويومئذ ينبغي للخطباء والكتّاب أن يتبعوهم في تلك الإرشادات، وينشروها على أوسع اُفق.

إننا اليوم بحاجة ماسة إلى تلك الحكمة التي ترشدنا كيف نعيش، وكيف نتحدّى المشاكل، وكيف نساهم في تطبيق الحياة. وإنها لحكمة بالغة لا بدّ أن نستوحيها من مصادر الوحي، ومن تجارب العقول، وآراء العرف الرشيد؛ والله المستعان.

٣٥

الإمام الحسينعليه‌السلام ضمير الاُمة ومسؤولية المستقبل

من خلال مسيرته الوضاءة، ونهضته الرسالية التي فاضت شلاّلاً من الصدق والفداء، ونهراً متدفقاً من العواطف الخيرة كان الإمام الحسينعليه‌السلام ولا يزال ضمير هذه الاُمة؛ فهو في العقل مصباح هدى، وهو في العاطفة سفينة نجاة، وهو عند المستضعف كرامة ناهضة، وهو عند المظلوم نداء ثائر، وهو على الطغاة سوط لاهب، وعلى الخانعين يقظة تأنيب. إنّه نهج متميّز تلجأ إليه الاُمة عندما تضيق بها مذاهب الحياة، وتحيط بها اسباب الفناء.

هنالك تتجاوز الاُمة حاجز الخوف والخنوع، وتستهين بالصعاب، وتستحلي الموت ومذاقه على ذلّة العيش وعار الحياة؛ حيث لا تزال صرخة السبط الشهيدعليه‌السلام تملأ اُذن الدهر:« هيهات منا الذلة! هيهات منا الذلة! ».

الضمير الناهض

وإذا كانت الاُمّة الإسلاميّة قد تحدّت عبر تاريخها المديد عاصفة الحروب الصليبية بشموخ، واحتوت أعصار الغزو التتري بصبر وصمود،

٣٦

وإذا كانت الاُمّة لا تزال تقاوم عاصفة الهجمة الصليبية الغربية الجديدة، ورأس حربتها دويلة الصهاينة، وإذا كانت قد احتوت هجمات الشرق الكافر، فذلك كله لأنّ الاُمة تملك ضميراً حيّاً نابعاً من قيم القرآن الحكيم، وتاريخ الجهاد الحافل، وفي طليعته تاريخ نهضة السبط الشهيدعليه‌السلام .

وإذا كانت الثورات التحرّرية هي السمة البارزة لهذه الاُمّة، وبالذات في صفوف أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، فذلك لأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لا يزال في نفوسهم صرخة رفض، وصيحة كرامة، ودعوة صادعة بالحرية وبالعطاء.

إلاّ أنّ هذا الضمير الناهض لم يستنفد كلَّ طاقاته، وهذه الروح الكبيرة لم يستفد من كل قدراتها؛ ذلك لأنّ الطغاة والمنابر التابعة لهم، والأقلام السائرة في ركبهم، وعلماء السوء الذين يكتمون الحق، هؤلاء جميعاً حاولوا إبعاد هذا الضمير النابض، وتلك الروح الثائرة عن حوادث الحياة اليومية، وعن مشاكل الاُمّة المعاشة، ودفعهما إلى مجاهل التاريخ، وإلى الزوايا الضيقة. ومع كلِّ الأسف فهم قد نجحوا - بشكل أو بآخر - في تلك المحاولات.

وعلى العلماء الربانيِّين، وقيادات الساحة الاُمناء، والأقلام الحرّة، والمنابر المسؤولة أن تتحمّل واجبها التاريخي في إعادة الاُمّة إلى خطِّ السبط الشهيد، وهو خطِّ الإسلام الحقِّ، خط القرآن المجيد الذي من أجله كان قيام السبط، ومن أجله كانت شهادته.

٣٧

شهر محرم.. باب الرحمة

وشهر محرم الحرام هو جسر الاُمّة إلى تاريخها الجهادي، هو باب الرحمة إلى هدى القرآن، إنه مناسبة لمحاسبة الذات، ومحاكمة الواقع على ضوء الكتاب والسنة، وتاريخ جهاد الاُمة وأئمتها الهداة من العترة الطاهرةعليهم‌السلام .

وانطلاقاً من هذا الشهر يجدر بنا أن نفعّل ضمير الاُمّة لمواجهة المشاكل الحادة التي تعيشها، وأن نجعلها بحول الله تعالى اُمّة وسطى، وشاهدة على الكرامة والعدالة والتحرر للبشرية جميعاً وفي كل أرجاء العالم.

وإنّ تجربة الشعب اللبناني في مواجهة العدوان الصهيوني الأخير إنّما هي تجربة واحدة من تجارب تفعيل الضمير لدى الاُمة، والاستفادة من دروس عاشوراء.

إنّ اُمّتنا بحاجة إلى أن تتعلم دروس عاشوراء في الآفاق التالية:

ألف: عليها أن تتعلم أنّ كلّ فرد من أبنائها مسؤول عن واقعه وواقع مجتمعه، وأنّ اللامسؤولية واللامبالاة، والكسل والفشل، والثقافة التبريرية أنها هو - بالضبط - ذلك السلوك السلبي الذي يريده لها الظلمة والجبابرة، وأنّ الانزواء والتقاعس، والخمول والسلبية هو من وحي شياطين الجن والإنس، وأنّ الله يريد لبني آدم الكرامة والتقدم والتطلّع، وألاّ يتساوى يوماه

إنّ الحياة المثلى رهينة جهدك أيها الإنسان المسلم، وتطلعك وجهادك، ولن يغني عنك جهد غيرك؛ كبيراً كنت أم صغيراً، ذكراً أم اُنثى، ومن أي عنصر أو قوم أو قبيلة.

٣٨

هكذا يجب أن نثقّف أبناءنا على العطاء، وعلى الاجتهاد من أجل التقدم، والجهاد من أجل الكرامة، والاستشهاد في سبيل الله.

وأية ثقافة تشجع على الخنوع والاستسلام، والشك والشرك، والحمية وإثارة العصبيات والتمنيات فإنها ثقافة باطلة يرفضها ضمير الاُمة؛ لأنها تساهم في انتشار الظلم، وإشاعة الفحشاء والمنكر.

باء: إنّ الاُمّة الإسلاميّة تختزن في وعيها وضميرها الباطن ينابيعَ العطاء، ومعادن الصبر، واُصول النصر، وقيم النهضة، ولكنها بحاجة إلى رجال مجتهدين مخلصين، شجعان وأكفاء لقيادتها.

وقد أثبتت حوادث تاريخنا الحديث أنّه كلّما اُتيحت للاُمّة طليعة رسالية في هذا المستوى فإنّها قد استجابت لهم، وألقت إليهم أزمّة اُمورها، وأي خلل في طبيعة هذه الطليعة يورث كارثة على مستوى الاُمة وثقتها وعطائها؛ من هنا كان بناء الطليعة وتنمية كفاءاتها ورعايتها من أبرز فرائض الاُمة والعاملين الصادقين من أبنائها.

كما أنّ على الطليعة ألاّ تتوان في مسؤوليتها، ولا تستصغر دورها، ولا تأخذها في الله لومة لائم في صمودها واستقامتها على الطريق حتّى النصر.

جيم: إنّ على الاُمّة وقيادتها، والمخلصين من أبنائها البررة أن يحوّلوا التجمعات الدينية والاُسرية، والعشائرية والاجتماعية إلى تجمّعات فاعلة؛ من أجل استعادة الحقوق المستلبة، والكرامة الضائعة، والحرية المغتالة، والمساهمة في كافة الحقول، وممارسة كامل الدور الإسلامي والإنساني المطلوب.

والسبيل المناسب لظروفنا الراهنة، والذي ينتهي باذن الله تعالى إلى تحقيق هذه الأهداف السامية يتلخص في الاُمور التالية:

٣٩

العودة الى القرآن

أوّلاً: الاستلهام المباشر من كتاب ربنا الذي فيه حكم ما بيننا، ودواء أمراضنا، وشفاء قلوبنا، وإصلاح ما فسد من أوضاعنا.

إنّ الحجب المفروضة علينا، والتي منعتنا من تلاوة القرآن حقّ تلاوته، هي المسؤولة عن كلِّ مآسينا؛ فلنتجاوز كلّ الحُجب، ولنعد إلى ربنا عبر كتابه الكريم؛ فإنه وحده الذي يهدي للتي هي أقوم، ويبشّر بالحياة الصالحة في الدنيا، والفلاح في الآخرة.

إنّ الخطيب الذي يذكّر الناس بكتاب ربِّهم، والعالم الذي يوجههم إلى التدبر في آياته المباركات، والقائد الذي يأمر أتباعه بمداومة العيش مع الله وكتابه هم جميعاً يعطون للناس مفاتيح العلم، واُصول الحكمة، ويأخذون بأيديهم إلى معدن المعرفة، وإلى نبع الإيمان وضياء اليقين.

وإنّ المجتمع الذي تعلّم كيف يقرأ القرآن، وكيف يستوحي منه الثقافة الصحيحة، وكيف يعالج مشاكله في ضوئه هو مجتمع محصّن ضد كلِّ الهجمات الثقافية الوافدة.

الرؤية السليمة

ثانياً: وبالتدبر في كتاب ربنا، وبدراسة سنة النبي وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسّلام)، وبالدراسة الواعية للتاريخ الغابر وللحوادث الحاضرة، وبتحليل الأخبار تحليلاً منهجياً دقيقاً، بعيداً عن العجلة والعاطفة، والأحكام المطلقة والمسبقة، بكلِّ ذلك سيتجلّى مجتمعنا برؤية سياسية وحضارية سليمة، ومعرفة شاملة بالزمان، وبالتالي بالتحرّك في الاتجاه الصحيح، بعيداً عن الفوضى والغوغاء والعواطف المشبوبة.

٤٠