الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين33%

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 178

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين
  • البداية
  • السابق
  • 178 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111402 / تحميل: 8692
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومثله ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ )(١) ، وعدّه في حاوي الأقوال في الضعاف(٢) .

وناقش البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) في التعليقة على وقفه ، وقال : الحكم بوقفه لا يخلو من شيء ; لما مرّ في الفوائد ، وأنّ الظاهر أنّ حكم الخلاصة به ممّا ذكر في رجال الكاظم ( عليه السلام ) والكشّي ، وفي الظنّ أنّ ما في رجال الكاظم ( عليه السلام ) ممّا في رجال الكشّي.

وبالجملة : لا يبقى وثوق في عدم كونه منه ، وبعض أشياخ حمدويه غير معلوم الحال ، فليتأمّل ، ورواية ابن أبي عمير عنه تشير إلى وثاقته ، وكذا رواية علي بن الحسين(٣) ، ورواية الجماعة كتابه تشير إلى الاعتماد عليه ، وكذا كونه كثير الرواية ، وكون أكثرها سديدة مضمونها مفتى به ، معمول عليه ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الفوائد(٤) .

وأجاب الشيخ أبو علي ( ت ١٢١٦ هـ ) عليه : فالتوقّف في وقفه بعد شهادة عدلين مرضيين ، بل وعدول مرضيين ، لعلّه ليس بمكانه ، وقوله سلّمه الله : بعض أشياخ ، إلى آخره ، عجيب! إذ لا شكّ في كونه من فقهائنا ( رضي الله عنه ) ، مع أنّه سلّمه الله كثيراً ما يقول في أمثال المقام : إنّ المراد ليس مجرّد نقل القول ، بل الظاهر أنّه للاعتماد عليه والاستناد إليه ، فتأمّل جدّاً.

وما ذكره سلّمه الله من المؤيّدات لا ينافي الوقف أصلاً.

نعم ، لا يبعد إدخال حديثه في القوي ، وخروجه بذلك من قسم

____________

[ ٢٧٤ ].

١ ـ رجال ابن داود : ٢٤٥ [ ١٨٠ ] ، القسم الثاني ، وانظر : نقد الرجال ٢ : ٢٢٤ [ ١٩٠٩ ].

٢ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٤٦٠ [ ١٥٥٣ ].

٣ ـ الظاهر أنّ ( الحسين ) تصحيف ( الحسن ).

٤ ـ منهج المقال : ١٣٨ ، الهامش.

٦١

الضعيف(١) ، ومثله المامقاني في تنقيحه(٢) .

وفي خاتمة المستدرك ـ بعد أن عدّ جماعة من الثقات رووا عنه ـ قال : وهؤلاء جماعة وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة ، وفيهم : ابن أبي عمير ، والبزنطي ، اللذان لا يرويان إلاّ عن ثقة ، وفيهم من الذين أجمعت العصابة على تصحيح أخبارهم ، أربعة : هما ، والحسن بن محبوب ، وعبد الله بن بكير ، ويأتي في شرح أصل النرسي أنّ الإجماع المذكور من أمارات الوثاقة.

وفيهم من الثقات الأجلاّء غيرهم ، جماعة : كالوشّاء ، وابن سويد ، وابن نهيك ، وابن مهران ، وابن معبد الذي يروي عنه صفوان بن يحيى ، والحسين بن زيد ، وأبو شعيب المحاملي ، وابن أسباط ، وإبراهيم بن محمّد ابن إسماعيل ، وسعد بن محمّد ، الذين يروي عنهم علي الطاطري ، وقد قال الشيخ ( قدس سره ) : إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريون.

وبعد رواية هؤلاء عنه لا يبقى ريب في أنّه في أعلى درجة الوثاقة ، ورواياته مقبولة وكتابه معتمد ، وقد تأمّل في التعليقة في وقفيّته ، ولعلّه في محلّه ، ولا حاجه لنا إلى شرحه(٣) .

ثمّ إنّه قد يستظهر من قول الكشّي ( القرن الرابع ) أنّه كان من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ، ولكنّي لم أجد له رواية عن الرضا ( عليه السلام ) ، وظاهر الكشّي لا يلائم قوله بالوقف كما صرّح به الكلّ.

نعم ، روى الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) رواية عن محمّد بن يحيى ، عن

____________

١ ـ منتهى المقال ٣ : ٢١٦ [ ١١٢٥ ].

٢ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٧ [ ٣٨٨٠ ] ، وانظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣٩٥ ، قاموس الرجال ٤ : ٢٧٤ [ ٢٧٦٢ ] ، معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٤ [ ٤٤٦٤ ].

٣ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٤٣ ، وانظر ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ] ، و ٧ : ٣٦١ [ ٨٨٥ ].

٦٢

محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام )(١) ، في باب ( ما لا يؤكل من الشاة وغيرها ).

ولكن هذه الرواية رواها البرقي ( ت ٢٧٤ أو ٢٨٠ هـ ) في المحاسن ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد(٢) .

والطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في التهذيب عن محمّد بن أحمد بنفس سند الكليني(٣) .

والراوندي ( ت ٥٧٣ هـ ) في فقه القرآن(٤) ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) مجرّداً بدون ( الرضا ) ، وهو ينصرف إلى موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) ، بل إنّ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ذكرها في الوسائل عن الكليني بدون ( الرضا )(٥) ، فتأمّل.

كما لم أجد رواية أُخرى لإبراهيم بن عبد الحميد عن الرضا ( عليه السلام ) غير ما في الكافي ، وإذا كان هو المُصرّح بوقفه فالمطلوب أوضح.

وبالتالي فإنّ المتيقّن أنّ درست بن أبي منصور كان من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ولا يعلم أنّه بقي إلى عصر الرضا ( عليه السلام ) أو لا ، أو بالأحرى لا يعلم هل بقي إلى القرن الثالث أو لا ، فلاحظ.

أصل ( كتاب ) درست :

ذكر النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) طريقيه إليه ، وقال : له كتاب يرويه

____________

١ ـ الكافي ٦ : ٢٥٣ ، ح ١ ، باب : ما لا يؤكل من الشاة وغيرها.

٢ ـ المحاسن ٢ : ٢٦٣ [ ١٨٣٦ ].

٣ ـ التهذيب ٩ : ٨٤ [ ٣١٣ ].

٤ ـ فقه القرآن ٢ : ٢٥٨.

٥ ـ الوسائل ٢٤ : ١٧١ ح ١ ، باب ما يحرم من الذبيحة ، وما يكره منها.

٦٣

جماعة ، منهم سعد بن محمّد الطاطري ، عمّ علي بن الحسن الطاطري ، ومنهم محمّد بن أبي عمير ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدَّثنا أحمد ابن جعفر ، قال : حدَّثنا حُميد بن زياد ، قال : حدَّثنا محمّد بن غالب الصيرفي ، قال : حدَّثنا علي بن الحسن الطاطري ، قال : حدَّثنا عمّي سعد بن محمّد أبو القاسم ، قال : حدَّثنا دُرست بكتابه ، وأخبرنا محمّد بن عثمان ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدَّثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، قال : حدَّثنا محمّد بن أبي عمير عن درست بكتابه(١) .

وطريق الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : أخبرنا بكتابه أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن أحمد بن عمر بن كيسبة ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست ، ورواه حميد عن ابن نهيك ، عن درست(٢) .

وقال الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في مشيخته : وما كان فيه عن درست بن أبي منصور ، فقد رويته عن أبي ( رحمه الله ) ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّا ، عن درست بن أبي منصور الواسطي(٣) .

وطريق الصدوق إليه صحيح ، قاله في الخلاصة(٤) ، وقال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : رجال السند من الأجلاّء الثقات(٥) ، وقال : وأمّا طريق الشيخ فهو مجهول في الفهرست بأحمد بن عمر بن كيسبة(٦) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ١٦٢ [ ٤٣٠ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ١٨٦ [ ٢٨٨ ].

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧٨ شرح مشيخة الفقيه.

٤ ـ خلاصة الأقوال : ٤٤١ ، الفائدة الثامنة ، وانظر : عدّة الرجال ٢ : ١٢٩ ، الفائدة السادسة.

٥ ـ خاتمة المستدرك ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ].

٦ ـ خاتمة المستدرك ٦ : ١٣٩ [ ٢٧٤ ] ، وانظر : معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٦ [ ٤٤٦٤ ].

٦٤

والنسخة التي اعتمد عليها صاحب البحار نسخة قديمة تحتوي على أُصول لرواة آخرين ، قال في أوّل البحار : مع أنّا أخذناهما ( يريد أصل النرسي والزرّاد ) من نسخة قديمة مصحّحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ( النصف الأوّل من القرن الخامس ) ، وهو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذها وسائر الأُصول المذكورة(١) بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ( رحمه الله ) ( ت ٣٨٥ هـ )(٢) .

ولكنّه لم يذكر أصل درست ضمن هذه الأُصول في النسخة ، وسببه أنّ أوّل أصل درست كان ساقطاً.

قال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) في خاتمة مستدركه في الفائدة الثانية : وكتاب درست وأخواته(٣) ، إلى جزء من نوادر علي بن أسباط ، وجدناها مجموعة منقولة كلّها من نسخة عتيقة صحيحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقلها من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذ الأُصول المذكورة من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ، وهذه النسخة كانت عند العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) ( ت ١١١١ هـ ) ، كما صرّح به في أوّل البحار ، ومنها انتشرت النسخ ، وفي أوّل جملة منها وآخرها يذكر صورة النقل.

____________

١ ـ يذكر ثلاثة عشر أصلا ، ولم يذكر أصل درست ، وسيأتي توضيحه في المتن.

٢ ـ البحار ١ : ٤٣ ، توثيق المصادر.

٣ ـ الأُصول المذكورة في كتاب الأُصول الستّة عشر ، ما عدا كتاب ديّات ظريف : ١٣٤ ، ومختصر علاء : ١٤٩.

٦٥

أمّا كتاب درست : فهو ساقط من أوّله(١) ، وفي آخره : تمّ كتاب درست ، وفرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن أيوّب القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) أيّده الله ، سماعاً له عن الشيخ أبي محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري أيّده الله ، بالموصل ، في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً(٢) .

ولكن في المطبوعة لم ترد صورة النقل في أوّلها ، ولم يذكر اسم الشيخ منصور بن الحسن الآبي وإن جاء اسمه في ضمن الكتاب ، وفي آخرها لا توجد جملة ( تمّ كتاب درست ) ، وإنّما يوجد ما بعدها ، والظاهر أنّه سقط من النساخ ; لأنّ الأحاديث الموجودة عن أصل درست مصدّرة باسمه(٣) .

وعلى هذه النسخة خطّ الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ، هكذا : إعلم أنّي تتبّعت أحاديث هذه الكتب الأربعة عشر ـ أي عدا ديّات ظريف ومختصر علاء ـ فرأيت أكثر أحاديثها موجوداً في الكافي ، أو غيره من الكتب المعتمدة ، والباقي له مؤيّدات فيها ، ولم أجد فيها شيئاً منكراً سوى حديثين محتملين للتقيّة وغيرها ، حرّره محمّد العاملي(٤) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : وهذا الكتاب أيضاً من الكتب الموجودة الباقية على الهيئة الأوّليّة ، وترتيبها أوّله الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً ، رأيت نسخة منه في

____________

١ ـ الأُصول الستّة عشر : ١٥٨.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٣٨ ، الفائدة الثانية.

٣ ـ انظر الأُصول الستّة عشر من أوّله ، وصفحة ١٥٨ ، وصفحة ١٦٩ ( الأخيرة ).

٤ ـ كتاب الأُصول الستّة عشر : ١٧٠.

٦٦

كربلاء عند السيّد إبراهيم بن السيّد هاشم القزويني المتوفّى ( ٧ ـ ٢ ـ ١٣٦٠ ) ، وهي بخطّ السيّد علي أكبر بن السيّد حسين الحسيني ، فرغ من الكتابة في النجف ( ١٢٨٦ ) وذكر أنّه استنسخها عن نسخة قوبلت من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين القمّي(١) .

ولكن الجملة المذكورة على أنّها في أوّله غير موجودة في المطبوع ، والظاهر أنّه كذلك في النسخة الخطيّة ، لما عرفت من نصّ النوري على أنّها ساقطة الأوّل ، فقد تكون من زيادات الناسخ ; لأنّ هذه النسخة في كربلاء مأخوذة من تلك النسخة ـ الأصل ـ على أنّ آخر أصل درست فيه هذه الجملة ( والحمد لله رب العالمين ) كما عرفت فيما نقلنا من المطبوع ، فلعلّه كان سبق قلم من العلاّمة الطهراني عندما قال أوّلها ويريد آخرها.

____________

١ ـ الذريعة ٦ : ٣٣٠ ( ١٨٨٩ ) ، وانظر : طبقات أعلام الشيعة ١ ( القرن الرابع ) : ٢٦١ ، ٣٢١ ، ٣٢٩، ٢ ( القرن الخامس ) : ١٩٦.

٦٧
٦٨

(٣) كتاب : الوصيّة

لعيسى بن المستفاد ( النصف الثاني من القرن الثاني )

الحديث :

قال السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في الطرف(١) :

عن عيسى بن المستفاد ، قال : حدَّثني موسى بن جعفر ، قال : سألت أبي جعفر بن محمّد ( عليه السلام )(٢) .

وعنه ، عن أبيه ، قال : لمّا حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا الأنصار ، وقال : « يا معشر الأنصار ، قد حان الفراق ، وقد دُعيت وأنا مجيب الداعي ، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ، ونصرتم فأحسنتم النصرة ، وواسيتم في الأموال ، ووسعتم في السكنى ، وبذلتم لله مهج النفوس ، والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى.

وقد بقيت واحدة ، وهي تمام الأمر وخاتمة العمل ، العمل معها مقرون به جميعاً ، إنّي أرى أن لا يفرّق بينهما جميعاً ، لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست ، من أتى بواحدة وترك الأُخرى كان جاحداً للأُولى ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا ».

قالوا : يا رسول الله ، فأَبنِ لنا نعرفها ، ولا نمسك عنها فنضلّ ونرتدّ

____________

١ ـ كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد مفقود ، ولا نعرف منه إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، وما أوردناه منه.

٢ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١١٥ ، الطرفة الأُولى.

٦٩

عن الإسلام ، والنعمة من الله ومن رسوله علينا ، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله ، [ وقد بلّغت ونصحت وأدّيت ، وكنت بنا رؤوفاً رحيماً ، شفيقاً مشفقاً ، فما هي يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )؟ ](١) .

قال لهم : « كتاب الله وأهل بيتي ، فإنّ الكتاب هو القرآن ، وفيه الحجّة والنور والبرهان ، وكلام الله جديد غضّ طريّ ، شاهد ومحكم عادل ، دولة قائد بحلاله وحرامه وأحكامه ، بصير به ، قاض به ، مضموم فيه ، يقوم غداً فيحاجّ به أقواماً ، فتزلّ أقدامهم عن الصراط ، فاحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي ، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

ألا وأنّ الإسلام سقف تحته دعّامة ، ولا يقوم السقف إلاّ بها ، فلو أنّ أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعّامة تحته ، فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فهوى في النار.

أيّها الناس ، الدعّامة دعّامة الإسلام ، وذلك قوله تبارك وتعالى( إليه يصْعَدُ الكَلِمُ الطيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يرفَعُه ) ، فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبل الله.

أيّها الناس ، ألا فهمتم ، الله الله في أهل بيتي ، مصابيح الهدى ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ومستقرّ الملائكة ، منهم وصيّي وأميني ووارثي ، ومن هو منِّي بمنزلة هارون من موسى ، علي ( عليه السلام ) ، ألا هل بلّغت؟

والله يا معاشر الأنصار ، [ لتقرُّن لله ولرسوله بما عهد إليكم ، أو ليُضرَبن بعدي بالذلّ.

يا معشر الأنصار ](٢) ألا اسمعوا ومن حضر ، ألا إنّ باب فاطمة بابي ،

____________

١ ـ بين القوسين ساقط في بعض النسخ.

٢ ـ بين القوسين ساقط من بعض النسخ.

٧٠

وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله ».

قال عيسى بن المستفاد : فبكى أبو الحسن ( عليه السلام ) طويلا ، وقطع عنه بقيّة الحديث ، وأكثر البكاء ، وقال : « هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، وحجاب الله حجاب فاطمة ، يا أُمّه يا أُمّه ، صلوات الله عليها »(١) .

عيسى بن المستفاد :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : عيسى بن المستفاد أبو موسى البجلي الضرير ، روى عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، ولم يكن بذاك(٢) .

وذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست ، وسكت عنه(٣) ، ومثله ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم(٤) .

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : ذكر له رواياته عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده ، وهو في نفسه ضعيف(٥) .

ونقل في الخلاصة كلام النجاشي وابن الغضائري ، أورده في القسم الثاني المخصّص للضعاف أو من يردّ قوله أو يتوقّف فيه(٦) ، ولكن ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) أورده في القسمين ، ورمز له في أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ، ونقل في الأوّل عن رجال الشيخ والفهرست والنجاشي أنّه لم يكن بذاك ، مع أنّه غير مذكور في رجال الشيخ(٧) ، وفي الثاني أعاد ما ذكره أوّلا ، ولكنّه

____________

١ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٤٣ ، الطرفة العاشرة.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٨٦ [ ٥٩٤ ].

٥ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، وانظر : مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٦ ـ خلاصة الأقوال : ٣٧٨ [ ١٥٢٠ ] ، القسم الثاني.

٧ ـ رجال ابن داود : ١٤٩ [ ١١٧٦ ].

٧١

نسبه إلى النجاشي فقط(١) .

ثمَّ ترجم في جامع الرواة : ( عيسى الضرير ) و ( عيسى الضعيف ) يرويان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، واستظهر أنّهما واحد لاتّحاد الطريق(٢) ، ووافقه التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس(٣) ، والسيّد الخوئي ( ت ١٤١٣ هـ ) في المعجم(٤) ، وأمّا المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) فأستظهر اتّحادهما مع عيسى بن المستفاد أيضاً(٥) ، مع أنّ صاحب القاموس استبعد ذلك(٦) .

أقول : إنّ ( عيسى الضرير ) أو ( عيسى الضعيف ) لم يرد ذكره في رجال الطوسي ولا البرقي في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بل لم يرد ذكره أصلا ، لا في هذين الكتابين ولا في بقيّة كتب الرجال ، وإنّما جاء في سند الروايات عن الإمام الصادق ( عليه السلام ).

نعم ، ذكر الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في رجاله في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) عيسى بن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، كوفي(٧) ، ولم يذكر

____________

١ ـ رجال ابن داود : ٢٦٥ [ ٣٨٤ ].

وانظر : نقد الرجال ٣ : ٣٩٦ [ ٤٠٦٢ ] ، إيضاح الاشتباه : ٢٣٤ [ ٤٥٣ ] ، هداية المحدّثين : ١٢٦ ، منتهى المقال ٥ : ١٦٩ [ ٢٢٥٦ ] ، حاوي الأقوال ٤ : ١٥٠ ، عدّة الرجال ١ : ٢٤٦ ، جامع الرواة ١ : ٦٥٤ ، تنقيح المقال ٢ : ٣٦٣ ، مع بعض الاشتباه نبّه عليه التستري في قاموس الرجال ٨ : ٣٣١ [ ٥٨٢٤ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ] ، الوجيزة : ٢٧٦ [ ١٣٨٧ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦ ، بهجة الآمال ٥ : ٦٤٥.

٢ ـ جامع الرواة ١ : ٦٥١.

٣ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٢ ] و [ ٥٨٠٣ ].

٤ ـ معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٩ [ ٩٢٥٣ ] و [ ٩٢٥٤ ].

٥ ـ تنقيح المقال ٢ : ٣٦١.

٦ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٧ ـ رجال الطوسي : ٢٥٨ [ ٣٦٦٥ ].

٧٢

عيسى بن المستفاد في أصحاب أيّ إمام من الأئمّة ( عليهم السلام ) ، مع أنّه ذكره في الفهرست(١) .

فإذا أخذنا بعين الاعتبار اتّحاد الاسم واللقب ، وأنّ المستفاد يمكن أن يكون لقب لعبد الرحمن ، أمكن القول باتّحادهما ، بل باتّحاد الجميع الضرير أو الضعيف وابن المستفاد وابن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، فإنّ الضعيف ـ كما هو الأصحّ على ما أشار إليه التستري ( ت ١٤١٥ هـ )(٢) ويحتمل العكس ـ قد روى عن الصادق ( عليه السلام ) في الكافي والفقيه والتهذيب(٣) ، مع أنّ الشيخ لم يذكره في رجاله.

وقد يكون من القرينة على ذلك ما رواه الرضي ( ت ٤٠٦ هـ ) في الخصائص بسند ، هو : حدّثني هارون بن موسى ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي ، قال : حدَّثني عيسى الضرير ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، عن أبيه قال : ، وهي الطرفة الخامسة عشر من طرف السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ )(٤) ، كما وأورد رواية أُخرى بنفس السند ، ولكنّه ذكر الاسم هكذا : أبو موسى عيسى الضرير البجلي ، وهو في الطرفة السادسة عشر من الطرف(٥) .

فاكتفائه في الأوّل بـ ( عيسى الضرير ) ، وأضاف إليه في الثاني ( أبو موسى ) و ( البجلي ) يقرّبنا إلى المراد كما هو واضح ; لأنّ المراد بعيسى الضرير في السند هو ابن المستفاد ، بقرينة ذكر روايته في ضمن الطرف

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٢ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٣ ـ الكافي ٧ : ٢٩٥ ح ١ و ٢٧٦ ح ٤ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٦٩ ح ١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ ح ٣٢ ، كتاب الديّات ، باب : القضايا في الديّات والقصاص.

٤ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٥٧ ، الطرفة الخامسة عشر.

٥ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٦١ ، الطرفة السادسة عشر.

٧٣

التي أكثرها عن ابن المستفاد عن الكاظم ( عليه السلام ).

ويبقى ما انفرد به النجاشي من أنّه من أصحاب أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، فالظاهر أن لا رواية له عن الجواد ( عليه السلام ) ، فهل يمكن حمل ( الثاني ) على الاشتباه وأنّه أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، كما عن ابن داود؟ الله أعلم!

كتاب الوصيّة :

لم يصلنا من كتاب عيسى بن المستفاد إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، ولكنّه لم يصرّح بأنّه من كتاب الوصيّة لعيسى ، وإن استظهر الكلّ أنّه منه ; لأنّهم لم يذكروا لابن المستفاد كتاباً غيره ، ولأنّ ما نقله ابن طاووس ينطبق تماماً على اسم الكتاب ، ألا وهو ( الوصيّة ).

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : له كتاب الوصيّة ، رواه شيوخنا ، عن أبي القاسم جعفر ابن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن هلال بن الفضل بن محمّد بن أحمد بن سليمان الصابوني ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو يوسف الوُحاظي والأزهر بن بسطام بن رستم والحسن بن يعقوب ، قالوا : حدَّثنا عيسى بن المستفاد ، وهذا الطريق طريق مصريّ فيه اضطراب ، وقد أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران ، قال : حدَّثنا يحيى بن محمّد القصباني ، عن عبيد الله بن الفضل(١) .

وقال الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : له كتاب ، رواه عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عنه(٢) ، وهو ضعيف بعبيد الله بن عبد الله الدهقان(٣) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٣ ـ انظر : خاتمة المستدرك ٩ : ٢٤٦ [ ٥٣٢ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ].

٧٤

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده(١) .

ولكن المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) قال ـ بعد أن أخرج عدّة روايات من الطرف ـ : انتهى ما أخرجناه من كتاب الطرف ممّا أخرجه من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد ، وكتاب خصائص الأئمّة للسيّد الرضي ( رضي الله عنه ) ، وأكثرها مرويّ في كتاب الصراط المستقيم للشيخ زين الدين البياضي ( ت ٨٧٧ هـ ) ، وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال ، ولي إليه أسانيد جمّة ، وبعد اعتبار الكليني ( رحمه الله ) الكتاب واعتماد السيّدين عليه لا عبرة بتضعيف بعضهم ، مع أنّ ألفاظ الروايات ومضامينها شاهدة على صحّتها(٢) .

ولا يخلو كلامه ( قدس سره ) من المناقشة.

وذكر الكتاب العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة أيضاً ، واستظهر وجود نسخة منه عند السيّد ابن طاووس من خلال كثرة نقله عنه في الطرف(٣) .

____________

١ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٢ ـ البحار ٢٢ : ٤٩٥.

٣ ـ الذريعة ٢٥ : ١٠٣ [ ٥٦٥ ] ، و ١٥ : ١٦١ [ ١٠٥٣ ].

٧٥
٧٦

حديث الثقلين عند الإماميّة ( الاثني عشريّة )

القرن الثالث الهجري

٧٧
٧٨

(٤) صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) بسند الطبرسي

للإمام علي بن موسى بن جعفر الرضا ( عليه السلام ) ( ت ٢٠٣ هـ )

الحديث :

حدّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قال :

وبإسناده ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما »(١) .

الراوون عنها :

وعنها الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )(٢) .

____________

١ ـ صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ٥٩ ح ٨٣. وعنها في إثبات الهداة ١ : ١١٢ ح ٦٢٢ ، فصل (٣١) ، والبحار ٢٣ : ١٤٥ ح ١٠١.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ٢ : ٣٤ ح ٤٠ ، الباب (٣١) : في ما جاء عن الرضا ( عليه السلام ) من أخبار مجموعة ، وفيه : « كأنّي قد دعيت » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٧٩

والقاسم بن محمّد بن علي ( ت ١٠٢٩ هـ ) في الاعتصام بحبل الله المتين(١) .

صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) :

ذكرها الشيخ الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في الكتب المعتمدة لديه وقال : رواية أبي علي الطبرسي(٢) ، وذكر طريقه إليها(٣) .

وذكرها المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في مصادره وقال : المسندة إلى شيخنا أبي علي الطبرسي ( رحمه الله ) بإسناده إلى الرضا ( عليه السلام )(٤) ، وقال في توثيقها : وكتاب الرضا ( عليه السلام ) من الكتب المشهورة بين الخاصّة والعامّة ، وروى السيّد الجليل علي بن طاووس منها بسنده إلى الشيخ الطبرسي ( رحمه الله ) ، ووجدت أسانيد في النسخ القديمة منه إلى الشيخ المذكور ومنه إلى الإمام ( عليه السلام ) ، وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا : لو قرئ هذا الإسناد على أُذن مجنون لأفاق ، وأشار النجاشي في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، وترجمة والده راوي هذه الرسالة إليها ، ومدحها ، وذكر سنده إليها ، وبالجملة هي من الأُصول المشهورة ويصحّ التعويل عليها(٥) .

____________

١ ـ الاعتصام ١ : ١٣٣ ، فصل : فيما ورد من احاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنّه ترك في المسلمين كتاب الله تعالى وسنّته وعترته أهل بيته .

وفيه : وفي صحيفة علي بن موسى الرضى عن آبائه ، أباً فأباً ، إسناداً متّصلا عن علي عليه وعليهم السلام ، قال : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كأنّي قد دعيت واُجبت » ، وفيه : « كتاب الله عزّ وجلّ حبل . » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ [ ٣٥ ] الفائدة الرابعة.

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٨٦ ، الطريق الثاني والأربعون.

٤ ـ البحار ١ : ١١.

٥ ـ البحار ١ : ٣٠.

٨٠

يقول بهذا الصدد:« عليكم بأداء الأمانة؛ فوالّذي بعث محمداً بالحق نبياً لو أنَّ قاتل أبي الحسين بن علي عليه‌السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به لأدّيته إليه » (١) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال من قبل:« لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة » (٢) . فالمطلوب والأهم من الوجهة الشرعية تطبيق المعتقدات دون الاكتفاء بالناحية النظرية لها، وهذا لعمري خلاصة وجذوة الرسالات السماوية.

ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى وبعد أن وضّح الخارطة الإيمانية التي ينبغي للإنسان المسلم السير وفقها، قال:( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إبراهيم وءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (آل عمران/٣٣)، وهو بذلك يدفع المؤمنين إلى التطلع عبر إيمانهم العملي نحو أن يكونوا من المصطفين الأخيار؛ فالأصطفاء أمر يعمّ جميع المؤمنين ممّن يدفعهم الإيمان الجاد إلى التطور والوعي الأكثر والأوسع لحقيقة الوجود ومصيره.

والسؤال الأكثر جدية الذي أودّ طرحه في هذا المقام هو: إنه على الرغم من عمق العلاقة العاطفية التي تربط الموالين للإمام الحسينعليه‌السلام ، فإننا نرى تفاوتاً واضحاً بين مستوى العلاقة العاطفية وبين مقدار الاندماج الفكري والعقلي بقضية كربلاء ورؤى الإمام الحسينعليه‌السلام وأخلاقه!

فما السبب في ذلك يا ترى؟! علماً بأننا قدّمنا فيما مضى

____________________

(١) بحار الأنوار ٧٢ / ١١٤، ح٣.

(٢) ميزان الحكمة ١ / ٣٤٤.

٨١

من القول بأنّ العلاقة العاطفية بالحسينعليه‌السلام وقضيته العادلة لا تأخذ مصداقيتها ما لم ينضم إليها وعي والتزام فكريان.

لقد تركنا الإطار الفكري للقضية، وكأن السبط الشهيدعليه‌السلام قد ولد في يوم عاشوراء وقُتل فيه. وها نحن لا نعرف - أو لا نتطلع لأن نعرف - من الإمام الحسين سوى أحداث كربلاء رغم عظمتها، في حين أن حياة الإمام الحسينعليه‌السلام تحمل في طياتها العظمة برمتها، بدءاً بمولده الشريف في الصدر الأول للإسلام، ثمّ امتداداً لمعطيات هذا المولد المبارك.

إنّنا لا نكلّف أنفسنا البحث في رسائل وخطب سيد الشهداء اللاهبة إلى معاوية، فضلاً عن عدم تدبّرنا فيها، وإننا نتغافل عن مطالعة رسائلهعليه‌السلام المفصّلة فيما يخص حياة العلماء وصفاتهم، بل ولا نسعى إلى التدبر في الزيارات التي نقرؤها؛ تعظيماً وعرفاناً بجميل الحسينعليه‌السلام لنا. فهل فكّر الواحد منا فيما تعنيه هذه الزيارات؟ ولماذا هذا التعدد فيها؟ ولماذا هذا التوقيت الخاص لأنواعها وأقسامها؟

وإننا في الوقت الذي نكون بأمس الحاجة إلى أجهزة تبليغية متطورة وفاعلة بهذا الشأن نرى الكثير من الخطباء عديمي الاهتمام بما تعنيه هذه الزيارات، مع العلم أنها قد صدرت عمن هم معصومون عن الخطأ؛ الأمر الذي يحول دون الانتفاع بهذه الزيارات أدنى نفع.

وإنني إذ أقرأ الزيارة المعروفة بزيارة عاشوراء كثيراً ما تستوقفني عباراتها النورانية، والتي منها هذه العبارة:« السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، وأناخت برحلك » . فالأرواح التي حلّت

٨٢

بفناء الحسينعليه‌السلام هي أرواح الأنبياء والشهداء، والعلماء والصدّيقين؛ أرواح المخلصين الذين يهمهم خدمة الدين وإعلاء كلمته.

فأنعِم وأكرِم بلحظة أو ساعة أو حياة يخصص الإنسان فيها جهوده وطاقاته لكي يكون مع هذا الإمام العظيم؛ الإمام الذي على أساس جهاده قامت قائمة الدين بعد عواصف وسيول التحريف والكبت والطغيان، بل وأكثر من ذلك كله هو استمرار معطيات الثورة الحسينيّة بالنسبة للمصممين على إنقاذ شعوبهم من عبودية الطاغوت.

ونحن بدورنا نسلّم على تلك الأرواح ونقول:« السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، وأناخت برحلك، ولا جعله الله آخر العهد منّا لزيارتكم؛ السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته » .

٨٣

الإمام الحسينعليه‌السلام ضمانة الهدى والفلاح

عن الحسين بن علي عليهما السلام قال:« دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده اُبيُّ بن كعب، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحباً بك يا أبا عبد الله، يا زين السماوات والأرض. قال له اُبيّ: وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرض أحدٌ غيرك؟! فقال: يا اُبيّ، والذي بعثني بالحق نبياً إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله مصباح هدى، وسفينة نجاة » (١) .

الإمام الحسين عليه‌السلام ضمانة الهدى والفلاح (*)

إنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام كما أنبأنا بذلك الصادق الأمين هو مصباح للهدى، وسفينة للنجاة. والإنسان بحاجة في حياته إلى أمرين: الهدى والفلاح؛ الهدى لكي يعرف الطريق، والفلاح لكي يصل إلى أهدافه، ويحقق أهدافه وطموحاته.

والإمام الحسينعليه‌السلام يضمن لنا تحقيق هذين الأمرين، وهذا يعني أنّهعليه‌السلام يمثّل تلك القيم والمبادئ التي نزل بها الوحي، والتي تبصر الإنسان بطريقه في الحياة.

والحسينعليه‌السلام

____________________

(١) بحار الأنوار ٩١ / ١٨٤، ح١.

(*) لا يخفى ما في العنوان من تكرار مع ما قبله.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٨٤

بنهجه وكلماته المضيئة، والحب الذي له في قلوب المؤمنين يمثّل النجاة في الدنيا والآخرة.

وإذا تدبّرنا في آيات الذكر الحكيم نرى أنّ الهدى والفلاح هما نهاية وعاقبة المتقين؛ ففي بداية سورة البقرة نقرأ قوله تعالى:( ألم * ذَلِكَ الكِتَابُ لاَرَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتَّقِينَ ) (البقرة/١ - ٢)، حتّى تصل إلى قوله:( اُولئك عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَاُولئك هُمُ المُفْلِحُونَ ) (البقرة/٥).

فالهدى هو القرآن، والذي يدلنا على هذا الهدى هو الإمام الحسينعليه‌السلام من خلال كلماته وأفكاره، ومن خلال تجسيده للقرآن؛ فقد كانعليه‌السلام القرآن الناطق بما قام به من حركة ونهضة؛ ولذلك كان مصباحاً للهدى، أي تفسيراً وتأويلاً صحيحاً للقرآن الذي أمرنا بمقارعة الطغاة والظالمين، وأن لا نشرك بالله احداً.

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام هو في نفس الوقت سفينة نجاة؛ فالبشرية معرّضة لأن تبتلعها أمواج الفتن، وتهددها الأخطار، وعليها اذا ما أرادت التخلص من هذه الفتن والأخطار أن تتمسّك بنهج أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

العودة إلى حقيقة الدين؛ رسالة الأنبياء

ولقد كان من أهم مهام الأنبياءعليهم‌السلام ، وأعظم مسؤولياتهم أنهم كانوا يحاولون إعادة الناس إلى حقيقة الدين. ولقد بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل والأوصياء الواحد بعد الآخر؛ لأنّ الناس كانوا يحاولون أفراغ الدين من محتواه والأخذ بقشوره؛ فهم يصلّون ولكن صلاتهم لا تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ولا تدعوهم إلى الله وذكره،

٨٥

ولا تدفعهم إلى إطعام المسكين، وأداء الواجبات وترك المحرمات. ومثل هذه الصلاة هي صلاة عمر بن سعد التي أداها في يوم عاشوراء، في حين أنّه قد قتل الصلاة؛ لأنّه قتل أبا عبد اللهعليه‌السلام الذي كان يمثّل الصلاة وكل الواجبات الشرعية.

وعلى سبيل المثال فإنّ الحج كان من ضمن الفرائض التي كانت موجودة قبل الإسلام، ولكنّ المشركين كانوا قد افرغوا هذه الفريضة من محتواها؛ فمشركو قريش الذين كانوا سدنة البيت كانوا يوجبون على الحجاج أن لا يطوفوا بثيابهم، وإنّما عليهم أن يبدّلوها ويرتدوا ثياباً جديدة يأخذونها من سدنة البيت ليحجّوا بها.

وهذه هي إحدى البدع؛ فالعرب كانوا يأتون للحج ولكنّ المشركين كانوا يفرضون عليهم غرامة. قد كان البعض فقراء لا يستطيعون شراء تلك الثياب، فكانوا يضطرون إلى أن يطوفوا حول الكعبة عراة.

وقد أقام المشركون في بيت الله الحرام ما يقرب من ثلاثمئة صنم، وكانوا يطوفون حول البيت، ثم يلبّون فيقولون: لبيك اللَّهمَّ لبيك، لبيك لا شريك لك، إلاّ شريك هو لك …(١) . وبذلك كانوا يحرّفون الكلم عن مواضعه، ويدّعون التوحيد وهم غارقون في الشرك!

هكذا كان دين المشركين، لقد افرغوه من محتواه؛ فكان حجهم وصلاتهم مكاء وتصدية كما يقول (عزّ وجلّ):( وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً ) (الأنفال/٣٠). فالذي كان يصلّي لم يكن

٨٦

يصلي لله، وإنما ليصد الناس عن سبيله.

ولقد جاء نبينا الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ليعيد إلى الدين حقيقته وجوهره، وهكذا كانت وظيفة الأئمةعليهم‌السلام ؛ فقد قاموا بهذا الدور أيضاً؛ فقد جاء الإمام الحسينعليه‌السلام ليرى فوق منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً يفتخر بأنه يشرب الخمر، ويزني بعمّته، ويلاعب القرود، بالإضافة إلى أنّه كان أحد الشعراء المعروفين بالغناء والطرب ووصف الخمرة!

وهكذا، فقد كانت الخلافة موجودة، ومنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله موجوداً، وهكذا الحال بالنسبة إلى المسجد. ولكننا عندما ننظر إلى المحتوى نراه فساداً في فساد، وحميات وعصبيات، واختلافاً بين القبائل العربية، وبين العرب والموالي، وبالتالي عودة الجاهليّة بكل قيمها الفاسدة.

وقد روي في هذا المجال أنّ عبد الله بن عمر قد دعي إلى نصرة الحسينعليه‌السلام ، ولكنه امتنع عن ذلك، طالباً من الداعين له أن يتركوه منشغلاً بالصلاة في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ بحجة أنّ هذا العمل أكثر ثواباً عند الله.

هذا في حين أنّ الاُمّة كانت تنحرف، والفساد يعم، والإسلام في خطر، فما فائدة مثل هذه الصلاة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:« إذا ظهرت البدعة في اُمّتي فليظهر العالم علمه؛ فإن لم يفعل فعليه لعنة الله» (١) ؟ إنّ الصلاة التي تغطّي على تقاعس الإنسان وهزيمته واستسلامه إنّما هي مكاء وتصدية.

ترى من الذي يجب أن يقوم بمهمة إزالة هذا الانحراف الواسع العميق

____________________

(١) بحار الأنوار ٢ / ٧٢.

٨٧

غير أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام الذي ادّخره الله سبحانه لمثل هذا اليوم؟ ولذلك فقد أصبحعليه‌السلام مصباح الهدى وسفينة النجاة؛ لأنّه هو الذي أنقذ الله به البشرية كلها من الضلالة، وإلاّ لكان الدين في خبر كان، ولانتهى كما انتهت الأديان السابقة؛ فلقد علّم الحسينعليه‌السلام البشرية أن حقيقة الدين هي المهمة لا مظاهره، وهو درس لنا نحن أيضاً؛ فإذا رأينا إنساناً يصلّي ولكنه يكذب بعد الصلاة، ويخون الأمانة، فعلينا أن نقول له: إن صلاتك مردودة عليك.

وإذا أردنا أن نجرّب مجتمعاً ما فعلينا أن نعرفه من خلال تعامل أفراده مع بعضهم البعض؛ فهل يؤدّون الأمانة، أم أنّهم يأكلون أموالهم بينهم بالباطل؟ ولقد جاء في الحديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام :« لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده؛ فإنَّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك » (١) .

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام جاء ليعلّمنا أنّ الدين والإيمان حقيقة؛ فالإيمان ليس بالتظنّي ولا بالتمني، وإنّما هو ما وقّر في القلب، فإذا لم يوجد النور في القلب، ولم تكن للإنسان القدرة على نهي النفس عن الهوى، فيؤدي الصلاة وهو يعبد الشيطان وهوى النفس، فإنّ هذه الصلاة مردودة؛ فالله (عزّ وجلّ) لا يتقبل إلاّ من المتقين، وهذه هي حقيقة الدين.

حقائق الدين في القرآن

ولقد أوضح لنا القرآن حقائق الدين، فهو يقول مرة:( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) (البقرة/١٧٧). فتولية الوجه

____________________

(١) اُصول الكافي ٢ / ١٠٥.

٨٨

إنّما هو من جملة الاُمور الظاهرية، والبر إنّما هو الإيمان الحقيقي، والإنفاق، والجهاد في سبيل الله.

ثم يقول مرة اُخرى:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَيَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ ) (التوبة/١٩). فهل من الممكن أن اُصبح مؤمناً حقيقياً بمجرد أن آتي بالماء وأسقي به الحجيج في حين أنّني لم أنه نفسي عن الهوى، ولم أخف مقام ربي، ولم أكن مع ديني ضد مصلحتي؟

وفي سورة [مريم] يبيّن لنا ربنا تبارك وتعالى بعض صفات الأنبياء، فيقول:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ) (مريم/٥٤)، أي أنّ الدين هو الصدق في الوعد والكلام والالتزام، ثم يقول تعالى:( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ ) (مريم/٥٥)، فإن ندّعي التدين ولكن لا نهتم بأولادنا، ولا نأمرهم بالصلاة فإنّ هذا ليس من الدين في شيء.

ثم يقول تعالى بشأن إدريسعليه‌السلام :( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ) (مريم/٤١)، فقد كانت من صفات هذا النبي العظيم أنّه كان صادقاً في كلِّ حقٍّ، وهذا هو معنى الإيمان.

ومن الصفات التي اشترك فيها جميع الأنبياءعليهم‌السلام الصفة التي يشير إليها تعالى في قوله:( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّا ) (مريم/٥٨)، فالحقائق الإلهية كانت تعني بالنسبة اليهم الخضوع والخشوع والإخبات؛ ولذلك فإنّهم كانوا يسلّمون للأمر الإلهي دون مناقشة.

وبعد ذلك يشير ربنا (عزّ وجلّ) إلى الانحراف الذي ظهر بعد الأنبياءعليهم‌السلام قائلاً:( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ ) (مريم/٥٩)،

٨٩

ومن المعلوم أنّ إضاعة الصلاة ليس كتركها؛ فالإضاعة تعني أنهم كانوا يصلّون، ولكن ليس تلك الصلاة التي يريدها الله تعالى؛ لأنّهم كانوا يتبعون شهواتهم لا أحكام دينهم.

فرصة إصلاح النفس

إنّنا الآن نريد أن نركب سفينة النجاة وندخل في أمان الله تعالى تحت راية أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؛ لذا فعلينا أن نصلح واقعنا الفاسد. وإذا ما دخلنا في محرّم ثم خرجنا منه كما دخلنا فقد ضيّعنا فرصة إصلاح نفوسنا وأوضاعنا؛ فعلينا أن نهيئ أنفسنا للانتفاع من هذا الموسم الشريف وخصوصاً فيما يتعلق بعلاقتنا مع بعضنا البعض.

فإذا كان الواحد منا يحمل في قلبه - لا سمح الله - حقداً وضغينة، أو سوء ظن تجاه أخيه المؤمن فعليه أن يزيله. ولا تكن تعزيتنا في هذا الشهر من أجل ان يكون موكبنا - مثلاً - أفضل من مواكب الآخرين، أو حسينيتنا أفضل من الحسينيّات الاُخرى؛ فمثل هذا التفكير إنّما هو من الحميات والعصبيات الجاهليّة.

إنّ المهم هو العمل الذي يكون فيه مرضاة الله سبحانه وتعالى، وأن لا يكون هدفنا رضا الناس فقط. ثمّ إنّ مجالسنا يجب أن تكون مركزاً للوحدة والتلاحم؛ لأنّ راية الحسينعليه‌السلام هي راية الوحدة، لا راية الفرقة والاختلاف، فإذا ما تفرقنا فإنّ الآخرين سيستشكلون علينا بأننا نمتلك إماماً واحداً، ولكننا مع ذلك متفرقون عن بعضنا.

فلنوحد أنفسنا؛ فإن الوحدة هي حقيقة الدين كما قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ) (آل عمران/١٠٣)، وحبل الله هو القرآن الكريم، والنبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٩٠

والأئمة المعصومونعليهم‌السلام .

ولنصلح أنفسنا ولا نخدعها بالمظاهر، فعندما نقف أمام أبي عبد اللهعليه‌السلام ونقول:« إنّي سلم لمن سالمكم، وحربٌ لمن حاربكم » (١) ، فإن هذا يقتضي أن نحب كلَّ من أحب الحسينعليه‌السلام ، ونوالي كلَّ مَن والاه، لا أن نختلف معه ونُكنَّ له العداوة والضغينة، ونروح ضحية التنافس المقيت.

فلنطهّر أنفسنا، ولنكن صادقين مع أمامنا الحسينعليه‌السلام ، وفي هذه الحالة سنركب سفينة النجاة، وسيكون الحسينعليه‌السلام شفيعنا في الآخرة، وسبباً لنجاتنا من المشاكل والمآسي في الدنيا.

٩١

الإمام الحسينعليه‌السلام ومنهج البراءة من المشركين

لقد دافع المسلمون في الجزيرة العربية عن الوحي في العصر الأوّل أفضل دفاع، وجاهدوا الكفّار دون هوادة حتّى نصرهم الله تعالى، فعمّ الإسلام الجزيرة، ورفرفت على ربوعها راية التوحيد، وحينئذ أنزل الخالق (عزّ وجلّ) سورة البراءة التي هي السورة الوحيدة في القرآن التي لا تفتتح باسم الله الرحمن الرحيم؛ دلالة على غضب الله وشدة انتقامه.

وعندما نزلت هذه السورة على قلب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأراد إبلاغ المسلمين في الموسم الأكبر في الحجِّ بأنه منذ تلك اللحظة، وإلى أربعة أشهر يمهل المشركين أن يتركوا الجزيرة العربية ولا يعودوا إلى حرم الأمن الإلهي.

نزل جبرائيلعليه‌السلام على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بأن لا يحمل هذه السورة إلى المشركين إلاّ هو أو شخص يمثّله ويكون نفسه. وحينئذ دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنينعليه‌السلام وحمله هذه السورة، فصدع الإمامعليه‌السلام بها في الموسم.

وكانت القبائل العربية المشركة المتوافدة إلى موسم الحج الأكبر متواجدة في المشاعر كما في مكة المكرمة، ولكن الإمامعليه‌السلام أعلن البراءة بكلِّ صراحة في ذلك الموسم العظيم.

٩٢

والملاحظ في هذا المجال أنّ كل الطغاة عبر التأريخ يرفضون الحديث عن البراءة، فلا بأس أن تتحدث عن الصدق، والوفاء، وصلة الرحم، والصلاة، والزكاة، ولكن إيّاك ان تتحدث عن الشرك، والرشوة، والفساد، والانحراف، والمنكر.

ترى لماذا تبدأ كلمة التوحيد بالرفض وتنتهي بالإثبات (لا إله إلاّ الله)؟ ولماذا يغفر الله تعالى كل ذنب ولكنه لا يغفر الشرك به؟ ولماذا يعد الشرك ظلماً عظيماً؟ ولماذا كانت معركة الأنبياءعليهم‌السلام عبر التأريخ مع الشرك والمشركين الذين كانوا يتّخذون مع الله آلهة، ومن دونه أولياء؟

السبب في كل ذلك هو أن المنزلق الأكبر للبشرية إنّما هو منزلق أن لا يرفضوا الله تعالى، ولكنهم يشركون به في نفس الوقت؛ فكل شيء يشهد على وجود الله، ولكن الناس يريدون عادة أن يعبدوا مع الله غيره، وأن يتّخذوا مخلوقاته أولياء من دونه؛ سواء كانوا حجراً أم بشراً أم مناهج.

فالمشكلة هي أن الإنسان يريد أن يعبد الله تعالى عندما تكون له مصلحة في ذلك؛ فتراه يعبد الله حيناً، ويخضع للطاغوت حيناً. فالمنزلق الخطير الذي يوقع الشيطان الإنسان فيه هو هذا المنزلق، فلا بأس أن يصلي من الليل إلى الصباح، ولكن إذا تعيّن عليه أن يطبّق قوله سبحانه:( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ) (النساء/ ١٣٥) أن يقوم لله، ويشهد بالقسط، وينكر المنكر، ويقاوم الطاغوت، ويرفض الانحراف، فحينئذ تبدأ الصعوبة.

فالذي يقوم أمام سلطان جائر وينكر عليه فساده وانحرافه، فإن هذا السلطان لن يسكت عنه؛ ولذلك كان

٩٣

إبراهيم الخليلعليه‌السلام محطّماً للأصنام؛ لأنّه رفض الانحراف، بل إنه بدأ مسيرة التوحيد من خلال الرفض؛ رفض عبادة الشمس والكواكب حتّى قال:( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأرض ) (الأنعام/ ٧٩)، فلولا رفضه لعبادة من هو دون الله لما كان موحداً، ولما عمد إلى تحطيم الأصنام.

الرفض بداية الإيمان

وهكذا فإن الرفض هو بداية الإيمان، ولقد علّمنا أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام درس الرفض والتوحيد؛ فالسرّ الذي جعل العالم كلّه يقف إجلالاً لهعليه‌السلام كلّما مرت ذكرى محرم هو في أنّ منهج التوحيد علّمه كيف يرفض الانحراف ولو كلّفه ذلك أن يسفك دمه.

فالإمام الحسينعليه‌السلام أعلن عن ثورته بقوله:« إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحّرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله » (١) . فلم يقل: أنا لا اُبايع يزيد، بل قال: إنّ منهجي يختلف عن منهجه.

فمثل أبي عبد الله الحسين الذي رضع من ثدي الإيمان، وترعرع في حضن فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وشبَّ تحت رعاية أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يمكنه أن يبايع رجلاً فاسقاً كيزيد. فمَن كان مع الحسينعليه‌السلام لا يمكن أن يكون مع يزيد، وهذا هو الطريق الصحيح.

ولقد أعلن الحسينعليه‌السلام مرة اُخرى عن منهجه التوحيدي في رسالته إلى العلماء؛ حيث نقل في هذه الرسالة حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:« مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٥.

٩٤

لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر عليه بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله » (١) ، أي إنّ الإنسان الذي يداهن السلاطين ولا يتبرأ منهم فإنه سيكون شريكاً في جرائمهم.

وقد كان الإمام الحسينعليه‌السلام يستهدف من هذه الرسالة استنهاض همم العلماء ليقوموا قياماً واحداً ضد يزيد الطاغية. وفي هذا المجال يقول تعالى:( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (الزمر/١٧)، وفي موضع آخر يقول (عزّ وجلّ):( فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَانفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة/٢٥٦).

فالكفر بالطاغوت هو بداية الطريق، والذي لا يكفر به لا يمكن أن يؤمن بالله، فكيف من الممكن أن تجتمع على إنسان واحد قيادتان؟ وكيف يقوده إمامان؛ إمام الهوى، وإمام الهدى؟

إنّ حركة الإنسان لا تتحمل قيادتين؛ ولذلك فإن الرفض هو بداية التسليم والإيمان، وهذا هو ما فعله الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فهو لم يترك جانباً من جوانب حياتنا إلاّ وأضاءه بنهضته الكبرى.

إنّ الحسينعليه‌السلام بدأ نهضته هذه بقضية هامة، وهي أنه قد نظر إلى العاقبة منذ بداية الطريق؛ فقد أعلن في أول خروجه من مكة المكرمة قائلاً:« … خُطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء …» .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٨٢.

٩٥

ثمّ قالعليه‌السلام :« مَن كان فينا باذلاً مُهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا؛ فانّي راحل مصبحاً إن شاء الله » (١) .

وهكذا فإنهعليه‌السلام لم يُمَنِّ الناس بالإمارة والنصر والخيرات، وإنما أعلن لهم أنّ هذا الطريق لا بدّ وأن ينتهي بالشهادة. وعندما يتسلح قوم بهذه الفلسفة وهذه الروحية العالية فإنهم لا يمكن أن يغلبوا عن ضعف؛ لأنّ النهاية هي الشهادة، وهم قد بدؤوا بالنهاية هذه، أي اعتبروها بداية الطريق كما فعل الإمام الحسينعليه‌السلام .

ونحن اليوم نجدد ذكرى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ونستقبل شهر محرم بما فيه من نفحات إلهية، وفرص للهداية، وعواطف جياشة، وأعين دامعة، وبما فيه من مجالس.

علينا أن نستقبله بالكلمة المسؤولة التي تحمّل الناس مسؤوليتهم الشرعية؛ فالقرآن الكريم يقول:( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ ) (الرعد/١١)، ويقول:( وَأَن لَّيْسَ لِلإنسان إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ) (النجم/٤٠).

فالكل سوف يقف في ذلك اليوم الرهيب لكي يجيب ربه، ولا فرق في ذلك بين الكبير والصغير، والعالم والجاهل، والغني والفقير؛ فالجميع سوف يحملون معهم المسؤولية، فأنت مسؤول، وأنا مسؤول، وكلنا مسؤولون.

ومن مسيرة الإمام الحسينعليه‌السلام ونهضته نستلهم ثمة أفكار، منها:

درس المسؤولية

١ - فكرة المسؤولية، وهي الفكرة الاُولى التي زرعها الإمام الحسينعليه‌السلام في روع الاُمّة؛ فهناك الكثير ممن جاء إلى الإمام الحسينعليه‌السلام

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٦ - ٣٦٧.

٩٦

وأوصاه بأن لا يحمل معه عياله وأهل بيته إذا كان متأكداً من أنه سيُقتل في سبيل الله، ولكنهعليه‌السلام كان يريد أن يعلّمنا درس المسؤولية، وأنّ كلَّ واحد منّا يجب أن يتحمل قدراً منها.

وفعلاً، فقد حمل الجميع هذه الرسالة في يوم عاشوراء؛ اعتباراً من حبيب بن مظاهر، ذلك الرجل الذي احدودب ظهره بسبب شيخوخته، وانتهاءً بالطفل الرضيع علي الأصغر، وهذه هي فكرة المسؤولية التي يجب أن نبيّنها للناس عبر المنابر والمجالس.

إنّ الأوضاع المتردية التي نجدها في اُمتنا، والفساد العريض، والتشتت والاختلاف، كل ذلك رهين بالمسؤولية التي لا بدّ أن نتحملها؛ فالعلماء بعلمهم، والخطباء بألسنتهم، والكُتّاب بأقلامهم، والتجار بأموالهم، وكلّ حسب قدرته وطاقته. فبما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الفرائض الدينية، فالجميع يجب أن يتحملوا المسؤولية.

وكلّ واحد منا عندما يريد البحث عن خطيب يعلمه معالم دينه، فلا بدّ أن يفتّش عن خطيب يحمله المسؤولية، لا أن يبحث عن خطيب يبرّر له ويخدّره؛ فالدين ليس بالتمني، بل بالعمل والاجتهاد والورع.

فالجماهير يجب أن تلتف حول خطباء ينطقون عن أبي عبد اللهعليه‌السلام بكلماتهم وسلوكهم؛ فالخطيب الذي يجلس على منبر أبي عبد اللهعليه‌السلام إنّما ينطق باسمه؛ فلذا لا بدّ أن يكون مثله.

اتّباع القيادة الربانيّة

٢ - أمّا الفكرة الثانية التي لا بدّ أن نستقبل بها شهر محرم فهي فكرة القيادة الربانيّة؛ فعندما حمل الحسينعليه‌السلام الراية قال:« إنّا نحن أهل

٩٧

بيت النبوة، ومعدن الرسالة … » (١) ، أي إنّ الخط الصحيح يتمثّل في قيادة ربانية إلهية تتّصف بصفة النبوة والرسالة، أي تحمل الحقائق الإلهية إلى الناس. ومعنى ذلك أنّ القائد الشرعي هو الذي يحمل في داخله حقائق التوحيد ليحملها إلى الآخرين، وهذا هو معنى القيادة الربانيّة.

فعندما تريد أن تعرف قائدك فانظر إليه، هل يدافع عن قيم الوحي، وهل يدعو إلى قيم الرسالة، وهل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أم يداهن السلاطين ويسكت عنهم؟

ومن هنا فإن الاُمّة الإسلاميّة لا يمكن أن يسودها الصلاح إلاّ بالتفافها حول القيادات الربانيّة، وهذه القيادات لا بدّ أن نعرفها ونبحث عنها؛ فالله سبحانه وتعالى أخفى أولياءه بين عباده، وقد تحدّث القرآن عن صفاتهم قائلاً:( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) (المائدة/٥٤).

اختيار المنهج السليم

٣ - الفكرة الثالثة التي نستلهمها من نهضة الحسينعليه‌السلام الكبرى هي الطريق الواضح والمنهج السليم؛ فلقد اختارعليه‌السلام طريقاً ومنهجاً محددين، فلو كان قد قُتل وهو متعلق بأستار الكعبة لما أصبحت ثورته عظيمة، ولكنه أعلن أوّلاً البراءة من المشركين، وعبّأ الاُمّة الإسلاميّة بالوعي، ثم قَدِمَ إلى كربلاء.

صحيح أنهعليه‌السلام قد استشهد في أرضٍ بعيدة عن موطنه، ولكن أرض العراق كانت مأهولة بالقرى والمدن، وهوعليه‌السلام

٩٨

عندما قُتل فيها صبغ أرضها بدمه الشريف، وكانت رايته هي المنتصرة رغم انكسارها الظاهري؛ ولذا أصبحت الكوفة بعد ذلك بفترة قصيرة مركزاً للثورات المتلاحقة طوال تأريخها؛ ففي سنة (٦٥) للهجرة انفجرت حركة التوابين، ثمَّ حركة المختار. وإذا ما سمعنا عن كلِّ الحركات الكبرى في التأريخ فإنّ منشأها الكوفة؛ وذلك ببركة دم أبي عبد اللهعليه‌السلام .

وعندما قُتلعليه‌السلام في كربلاء فإنّ أهل بيته الذين اُسروا حملوا رسالته إلى الكوفة، ومنها إلى الشام ثمَّ إلى المدينة. وهكذا فقد كانت رايتهعليه‌السلام تدور في الآفاق حتّى أسقطت أنظمة الطغاة.

ونحن يجب أن نفتش عن الاستراتيجية الصحيحة والمنهج اللاحب الذي نسير به إلى الأهداف المرسومة، من خلال تحمل المسؤولية، واتباع القيادة الربانيّة، وتعيين الاستراتيجية الواضحة، وبذلك ستنتصر الاُمّة على أعدائها، وتتغلب على مشاكلها، وتحقق أهدافها بإذن الله. وهذه هي دروس ثورة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

وكلمة أخيرة، وهي أنّ علينا تطهير أنفسنا في هذا الشهر من الحمية الجاهليّة، والأفكار الخاطئة، والثقافات الدخيلة، والأحقاد والضغائن، وأن نوحّد أنفسنا تحت راية الإسلام والإيمان. فالإمام الحسينعليه‌السلام هو سفينة النجاة، فلنركب هذه السفينة، وهو مصباح هدى، فلنهتدِ بهذا المصباح في الظلمات، وهو شفيع هذه الاُمّة، فلنطلب الشفاعة من الله تبارك وتعالى به ليغفر الله ذنوبنا ويكفّر عنا سيئاتنا.

ونسأله تعالى أن يوفقنا لأن نكون حسينيِّين قولاً وعملاً، وأن نكون مع الحسينعليه‌السلام وتحت رايته في الدنيا والآخرة.

٩٩

الإمام الحسينعليه‌السلام محور حكمة الخلق، ومظهر تحدّي الطغيان

عندما يتذكر الإنسان أبا الأحرار وسيّد الشهداء أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ينهمر في قلبه شلاّل من مشاعر شتى؛ فمن جهة يتدفق في قلب الإنسان تيار من الحزن عند ذكر السبط الشهيد، ومن جهة اُخرى يتفجّر في قلبه إحساس عميق بالشجاعة والبطولة والتحدّي، ومن جهة ثالثة ينساب على قلب الإنسان - عندما تثور في نفسه ذكرى الإمام الحسينعليه‌السلام - نور من السرور والبهجة بهذا السبط الشهيد الذي غيّر العالم بكيانه المتميز.

الإمام الحسين عليه‌السلام محور حكمة الخلق

ونحن عندما ندرس طبيعة الخلقة، والحكمة الكامنة وراءها من خلال آيات الذكر الحكيم، والسنة النبوية الشريفة، وعبر ما يهتدي إليه عقل الإنسان وفكره الصافيان، فحينئذ سندرك أن الإمام الحسينعليه‌السلام كان محوراً أساسياً في حكمة الخلق، وأنّه لا بدّ لمثل هذا الرجل أن يأتي، ولا بدّ أن يكتب بدمه عنوان حياة الإنسان، وأن تكون ملحمة كربلاء رمز وجود الخلقة بفضل تلك الإرادة التي جعلت السبط الشهيد يقتحم

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178