السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192087 / تحميل: 8564
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[١١٣٥٧] ٦ - الصدوق في الفقيه والمقنع والهداية: فإذا أتيت عرفات فاضرب خباءك بنمرة قريبا من المسجد، فإن ثم ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خباءه وقبته، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية، واغتسل، وصل بها الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وإنما تتعجل في الصلاة، وتجمع بينهما لتفرغ للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة.

[١١٣٥٨] ٧ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه غدا من منى من حين أصبح بعد صلاة الصبح يوم عرفة فنزل بنمرة، وهي منزل الإمام بعرفة، وراح مهجرا، وجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف الموقف بعرفة.

١٠ -( باب حدود عرفة التي يجب الوقوف بها يوم عرفة)

[١١٣٥٩] ١ - دعائم الاسلام: عن محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف ».

وعنهعليه‌السلام : أنه نهى عن النزول والوقوف بالأراك.

[١١٣٦٠] ٢ - بعض نسخ الرضوي: « فإن عرفات كلها موقف إلى بطن عرنة.

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: اجتنبوا الأراك »(١) .

__________________

٦ - الفقيه ج ٢ ص ٣٢٢، المقنع ص ٨٦، الهداية ص ٦٠.

٧ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٦٤ ح ١٦٧.

الباب ١٠

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٢.

٢ - عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٨.

(١) بعض نسخ الرضوي ص ٧٥، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦١ ح ٣٢.

٢١

١١ -( باب استحباب الوقوف في مسيرة الجبل بعرفة، وإجزاء الوقوف بأي موضع كان منها، وجواز الارتفاع إلى الجبل مع الزحام)

[١١٣٦١] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « عرفة كلها موقوف، وأفضل ذلك سفح الجبل ( ونهى عن النزول والوقوف بالأراك )(١) وقالعليه‌السلام : الجبال أفضل ».

وعنهعليه‌السلام قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ عرفة موقف ».

[١١٣٦٢] ٢ - السيد علي بن طاووس في مصباح الزائر: عن بشر، وبشير ابني غالب الأسديين قالا: وقفنا مع أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام بعرفة، فخرج عشية عرفة من فسطاطه في جماعة من أهل بيته وولده وشيعته ومواليه، متذللا خاشعا فجعل يمشي هونا حتى وقف في مسيرة الجبل، فاستقبل البيت ورفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين » الخبر.

[١١٣٦٣] ٣ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن وادي عرنة ».

__________________

الباب ١١

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - مصباح الزائر، وعنه في البحار ج ٩٨ ص ٢١٤.

٣ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢١٤.

٢٢

١٢ -( باب جواز الوقوف راكبا)

[١١٣٦٤] ١ - عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد: عن محمد بن عيسى، عن حفص بن عمر مؤذن علي بن يقطين - في حديث يأتي - أنه قال: فإذا أبو عبد اللهعليه‌السلام واقف على بغل، أو بغلة له، الخبر.

١٣ -( باب استحباب سد الخلل في عرفات بنفسه، وأهله ورحله)

[١١٣٦٥] ١ - السيد علي بن طاووس في كتاب عمل شهر رمضان: بإسناده إلى الشيخ أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، بإسناده إلى محمد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « كان علي بن الحسينعليهما‌السلام إذا دخل شهر رمضان - إلى أن قال - ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم حاجة، يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج والخلال، فإذا أفاض أمر بعتقهم وجوائز لهم من المال ».

١٤ -( باب استحباب الوقوف بعرفات على سكينة ووقار،والاكثار من ذكر الله، والاجتهاد في الدعاء بالمأثور وغيره، وجملة مما يستحب فيه)

[١١٣٦٦] ١ - السيد علي بن طاووس في كتاب الاقبال: بإسناده إلى محمد بن الحسن بن الوليد، بإسناده إلى القاسم بن الحسين النيسابوري قال: رأيت

__________________

الباب ١٢

١ - قرب الإسناد ص ٧٥.

الباب ١٣

١ - الاقبال ص ٢٦٠.

الباب ١٤

١ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩.

٢٣

أبا جعفرعليه‌السلام عندما وقف بالموقف، مد يديه جميعا فما زالتا ممدودتين إلى أن أفاض، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه.

[١١٣٦٧] ٢ - وبإسناده إلى محمد بن الحسن الصفار، بإسناده إلي علي بن داود قال: رأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام بالموقف آخذا بلحيته، ومجامع ثوبه، وهو يقول بإصبعه اليمنى منكس الرأس: « هذه رمتي(١) بما جنيت ».

[١١٢٦٨] ٣ - وبإسناده إلى أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده إلى أياس بن سلمة بن(١) الأكوع، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام قال: سمعته يدعو يوم غرفة في الموقف بهذا الدعاء فنسخته:

« تقول إذا زالت الشمس من يوم عرفة، وأنت بها تصلي الظهر والعصر، ثم ائت الموقف وكبر الله مائة مرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة مرة ( وهلله مائة مرة )(٢) واقرأ قل هو الله أحد مائة مرة، وإن أحببت أن تزيد على ذلك فزد، واقرأ سورة القدر مائة مرة، ثم قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم. الدعاء، وهو طويل.

__________________

٢ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩.

(١) الرمة بالضم والتشديد: قطعة من الجبل. ومنه قولهم: ( دفع الشئ برمته ) أي بجملته. ومنه: القاتل نفسا خطا يتل برمته ( مجمع البحرين ج ٦ ص ٧٦ ).

٣ - إقبال الاعمال ص ٣٣٧ و ٣٦٩.

(١) في المخطوط. عن. وما أثبتناه من المصدر. راجع تقريب التهذيب ج ١ ص ٨٧.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢٤

قال ( رحمه الله )(٣) : ومن الدعوات يوم عرفة المرويات عن الصادقعليه‌السلام ، فقال:. تكبر الله مائة مرة، تهلله مائة مرة، وتسبحه مائة مرة، وتقدسه مائة مرة، وتقرأ آية الكرسي مائة مرة، وتصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة مرة، ثم تبدأ بالدعاء فتقول: إلهي وسيدي. الدعاء ذكره بطوله.

[١١٣٦٩] ٤ - وعن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام من أدعيته في يوم عرفة: « اللهم كما سترت علي ما لم أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك فليسعني عفوك، وكما بدأتني بالاحسان فأتم نعمتك بالغفران.

وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك، وكما عرفتني وحدانيتك فأكرمني بطاعتك، وكما عصمتني مما لم أكن أعتصم منه إلا بعصمتك فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه، يا جواد ويا كريم، يا ذا الجلال والاكرام ».

[١١٣٧٠] ٥ - وفي مصباح الزائر: عن بشر وبشير - في المتقدم - قالا: ثم دعاعليه‌السلام فقال: « الحمد الله الذي ليس لقضائه دافع » - إلى أن قالا - ثم إنهعليه‌السلام اندفع في المسألة، واجتهد في الدعاء وعيناه تقطران دموعا ثم قال: « اللهم اجعلني أخشاك » - إلى أن قالا - ثم رفععليه‌السلام صوته وبصره إلى السماء، وعيناه قاطرتان كأنهما مزادتان(١) ، وقالعليه‌السلام بأعلى صوته: « يا أسمع السامعين - الدعاء إلى قوله - على كلّ شئ قدير، يا رب يا رب ».

ورواه الشيخ إبراهيم الكفعمي في البلد الأمين، مثله، وزاد: قال

__________________

(٣) الاقبال ص ٣٨٥.

٤ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩، وعنه في البحار ج ٩٨ ص ٢١٦.

٥ - مصباح الزائر، وعنه في البحار ج ٩٨ ص ٢١٤ ح ٢.

(١) المزادة: الرواية ( مجمع البحرين ج ٣ ص ٥٩ ).

٢٥

بشر وبشير: فلم يكن له جهد إلا جهد إلا قوله: يا رب يا رب بعد هذا الدعاء، وشغل من حضر ممن كان حوله، وشهد ذلك المحضر عن الدعاء لأنفسهم، واقبلوا على الاستماع له، والتأمين على دعائه قد اقتصروا على ذلك لأنفسهم، ثم علت أصواتهم بالبكاء معه، وغربت الشمس، وأفاضعليه‌السلام وأفاض الناس معه(٢) .

[١١٣٧١] ٦ - عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن الرضاعليه‌السلام قال: « كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول: ما من بر ولا فاجر يقف بجبال عرفات فيدعو الله إلا استجاب الله له، أما البر ففي حوائج الدنيا والآخرة، وأما الفاجر ففي أمر الدنيا ».

[١١٣٧٢] ٧ - الصدوق في العلل: عن حمزة بن محمد(١) العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن عرفات، لم سميت عرفات؟ فقال: « إن جبرئيلعليه‌السلام خرج بإبراهيمعليه‌السلام يوم عرفة، فلما زالت الشمس قاله جبرئيل: يا إبراهيم اعترف بذنبك، واعرف مناسكك، فسميت عرفات لقول جبرئيل اعترف، فاعترف ».

ووراه البرقي في المحاسن، عن أبيه، عن ثعلبة بن ميمون، عن معاوية: مثله(٢) .

__________________

(٢) البلد الأمين ص ٢٥٣ و ٢٥٨.

٦ - قرب الإسناد ص ١٦٦.

٧ - علل الشرايع ص ٤٣٦.

(١) في المخطوط الحسن وما أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٨١.

(٢) المحاسن ص ٣٣٥ ح ١٠٩.

٢٦

٨ - فقه الرضاعليه‌السلام :. ثم أئت الموقف فادع بدعاء الموقف، واجتهد في الدعاء والتضرع، وألح قائما وقاعدا إلى أن تغرب الشمس ».

[١١٣٧٤] ٩ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « يقف الناس بعرفة يدعون، ويرغبون ويسألون الله من كلّ فضله، وبما قدروا عليه حتى تغرب الشمس » الخبر.

[١١٣٧٥] ١٠ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن عبد الرحمن العنبري قال: خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عرفة وحث على الصدقة، فقال رجل: يا رسول الله ان إبلي هذه للفقراء، فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إليها، فقال: « اشتروها ( لي )(١) » فاشتريت الخبر.

١٥ -( باب أن الدعاء بعرفة مستحب مؤكد، وليس بواجب)

[١١٣٧٦] ١ - الصدوق في الهداية: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « سبعة مواطن ليس فيها دعاء مؤقت - إلى أن قال - والوقوف بعرفات، وركعتي الطواف ».

__________________

٨ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨.

٩ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

١٠ - المناقب ج ص ٩٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

الباب ١٥

١ - الهداية ص ٤٠.

٢٧

١٦ -( باب استحباب كثرة دعاء الانسان بعرفة وغيرها لإخوانه واختياره على الدعاء لنفسه)

[١١٣٧٧] ١ - زيد النرسي في أصله قال: رأيت معاوية بن وهب البجلي في الموقف وهو قائم يدعو، فتفقدت دعاءه فما رأيته يدعو لنفسه بحرف واحد، وسمعته يعد رجلا رجلا من الآفاق يسميهم ويدعو لهم حتى نفر الناس، فقلت له: يا أبا القاسم أصلحك الله لقد رأيت منك عجبا، فقال: يا أبن أخي فما الذي أعجبك مما رأيت مني؟ فقال: رأيت لا تدعو لنفسك وأنا أرمقك حتى الساعة فلا أدري أي الامرين أعجب، ما أخطأت من حظك في الدعاء لنفسك في مثل هذا الموقف، أو عنايتك وإيثار إخوانك على نفسك حتى تدعو لهم في الآفاق؟

فقال: يا أبن أخي فلا تكثرن تعجبك من ذلك، إني سمعت مولاي ومولاك ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، وكان والله في زمانه سيد أهل السماء، وسيد أهل الأرض، وسيد من مضى منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة بعد آبائه رسول الله، وأمير المؤمنين، والأئمة من آبائه ( صلى الله عليهم ) يقول - وإلا صمت أذنا معاوية، وعميت عيناه، ولا نالته شفاعة محمد، وأمير المؤمنين ( صلوات الله عليهما ) -: من دعا لأخيه المؤمن بظهر الغيب، ناداه ملك من السماء الدنيا: يا عبد الله لك مائة ألف مثل ما سألت، وناداه ملك من السماء الثانية: يا عبد الله لك مائة ألف مثل الذي دعوت، وكذلك ينادي من كلّ سماء تضاعف حتى ينتهي إلى السماء السابعة، فيناديه ملك: يا عبد الله لك سبعمائة ألف مثل الذي دعوت، فعند ذلك يناديه الله:

__________________

الباب ١٦

١ - أصل زيد النرسي ص ٤٤.

٢٨

عبدي أنا الله الواسع الكريم الذي لا ينفد خزائني، ولا ينقص رحمتي شئ، بل وسعت رحمتي كلّ شئ، لك ألف ألف مثل الذي دعوت » فأي حظ أكثر يا أبن أخي من الذي اخترته أنا لنفسي الخبر.

[١١٣٧٨] ٢ - السيد علي بن طاووس في فلاح السائل: بإسناده إلى الشيخ الصدوق أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبي.

قال: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف، فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادا يده إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى بلغت(١) الأرض، فلما انصرف الناس قلت له: يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك، قال: والله ما دعوت فيه إلا لإخواني، وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام أخبرني أنه. من دعا لأخيه بظهر الغيب، نودي من العرش ولك مائة(٢) ضعف مثله » فكرهت أن أدع مائة(٣) ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا.

١٧ -( باب في وجوب حسن الظن بالله في المغفرة بعرفات، والمشعر، ومنى)

[١١٣٧٩] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « أعظم أهل عرفات جرما من انصرف وهو يظن أنه لم يغفر له ».

[١١٣٨٠] ٢ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن إدريس بن

__________________

٢ - فلاح السائل ص ٤٤.

(١) في المخطوط والمصدر: بلغ، وما أثبتناه هو الصواب.

(٢)، (٣) - في المصدر: مائة ألف.

الباب ١٧

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

٢ - الغايات ص ٨٤.

٢٩

يوسف، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: أي أهل عرفات أعظم جرما؟ قال: « المنصرف من عرفات وهو يظن أن الله لم يغفر له ».

[١١٣٨١] ٣ - الجعفريات: أخبرنا محمد، حدثني موسى، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه عن عليعليهم‌السلام قال: « قيل: يا رسول الله أي أهل عرفات أعظم جرما؟ قال: الذي ينصرف من عرفات وهو يظن أنه لم يغفر له، قال جعفر بن محمدعليهما‌السلام : يعنى الذي يقنط من رحمة الله عز وجل ».

[١١٣٨٢] ٤ - وبهذا الاسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات ».

[١١٣٨٣] ٥ - زيد النرسي في أصله: قال سمعت علي بن مزيد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « ما أحد ينقلب من الموقف من بر الناس، وفاجرهم، ومؤمنهم وكافرهم إلا برحمة ومغفرة، يغفر للكافر ما عمل في سنته، ولا يغفر له ما قبله، ولا ما يفعل بعد ذلك، ويغفر للمؤمن من شيعتنا جميع ما عمل في عمره، وجميع ما يعمله في سنته بعد ما ينصرف إلى أهله من يوم يدخل إلى أهله سنة(١) ، ويقال له بعد ذلك: قد غفر لك، وطهرت من الدنس، فاستقبل، واستأنف العمل، وحاج غفر له ما عمل في عمره، ولا يكتب عليه سيئة فيما يستأنف، وذلك

__________________

٣ - الجعفريات ص ٦٥.

٤ - الجعفريات ص ٦٥.

٥ - أصل زيد النرسي ص ٤٩.

(١) في المصدر: سنته.

٣٠

أن تدركه العصمة من الله فلا يأتي بكبيرة أبدا، فما دون الكبائر(٢) مغفور له ».

[١١٣٨٤] ٦ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « سأل رجل ( من )(١) أبي ( عبد الله )عليه‌السلام )(٢) بعد منصرفه من الموقف، فقال: أترى يخيب(٤) الله هذا الخلق كله؟! فقال أبو ( عبد اللهعليه‌السلام (٥) : « ما وقف بهذا الموقف أحد من الناس، مؤمن ولا كافر إلا غفر الله له، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل: مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعتقه من النار، وذلك قوله تعالى:( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (٦) .

ومؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وقيل له: أحسن فيما بقي، وذلك قوله:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ ) (٧) الكبائر.

وأما العامة فإنهم يقولون:( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد) ، افترى ان الله تعالى حرم الصيد

__________________

(٢) في نسخه ذلك، ( منه قده ).

٦ - تفسير القمي ج ١ ص ٧٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخة: « عند »، ( منه قده ).

(٤) في المصدر: يجيب.

(٥) أثبتناه من المصدر.

(٦) البقرة ٢: ٢٠١.

(٧) البقرة ٢: ٢٠٣.

٣١

بعد ما أحله لقوله:( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) (٨) وفي تفسير العامة يقول: إذا حللتم فاتقوا الصيد، وكافر وقف هذا الموقف ( يريد )(٩) زينة الحياة الدنيا، غفر الله له ما تقدم من ذنبه إن تاب من الشرك، وإن لم يتب وفاه الله أجره في الدنيا، ولم يحرمه ثواب هذا الموقف، وهو قوله:( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١٠) .

[١١٣٨٥] ٧ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « إذا كانت عشية عرفة يقول الله لملائكته: انظروا إلى عبادي وإمائي شعثا غبرا، جاؤوني من كلّ فج عميق، لم يروا رحمتي، ولا عذابي - يعني الجنة والنار - أشهدكم ملائكتي إني قد غفرت لهم الحاج وغير الحاج، فلم ير يوما أكثر عتقاء من النار من يوم عرفة وليلتها ».

١٨ -( باب وجوب الوقوف بعرفات، وأن من تركه عمدا بطل حجه، وحكم من نسيه أو لم يدركه)

[١١٣٨٦] ١ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن عبد الرحمن بن إبراهيم، عن الحسين بن مهران، عن الحسين بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن

__________________

(٨) المائدة ٥: ٢.

(٩) أثبتاه من المصدر.

(١٠) هود ١١: ١٥ و ١٦.

٧ - لب الباب: مخطوط.

الباب ١٨

١ - الاختصاص ص ٣٣ و ٣٩، ورواه الصدوق في الخصال ص ٣٥٥ ح ٣٦، وفي الأمالي ص ١٥٧ ح ١ وعنه في البحار ج ٩ ص ٢٩٤ ح ٥.

٣٢

جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « جاء رجل من اليهود إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا محمد - إلى أن قال - إني أسألك عن عشر كلمات أعطاها الله تعالى موسى في البقعة المباركة حيث ناجاه إلى أن قال - يا محمد فأخبرني عن التاسع لأي شئ أمر الله الوقوف بعرفات بعد العصر؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لان بعد العصر ساعة عصى آدمعليه‌السلام ربه: فافترض الله على أمتي الوقوف والتضرع والدعاء في أحب المواضع إلى الله، وهو موضع عرفات، وتكفل بالإجابة، والساعة التي ينصرف هي الساعة التي تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم، قال: صدقت يا محمد، فما ثواب من قام بها ودعا وتضرع إليه؟

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا، إن لله تبارك وتعالى في السماء سبعة أبواب: باب التوبة، وباب الرحمة، وباب التفضل، وباب الاحسان، وباب الجود، وباب الكرم، وباب العفو، لا يجتمع ( بعرفات )(١) أحد إلا تساهل من هذه الأبواب، وأخذ من الله هذه الخصال، فإن لله تبارك وتعالى مائة ألف ملك مع كلّ ملك مائة وعشرون ألف ملك، ولله مائة رحمة ينزلها على أهل عرفات، فإذا انصرفوا أشهد الله تلك الملائكة بعتق رقاب أهل عرفات، فإذا انصرفوا أشهد الله تلك الملائكة بأنه أوجب لهم الجنة، وينادي مناد: انصرفوا مغفورا لكم فقد أرضيتموني، ورضيت لكم، قال: صدقت يا محمد » الخبر.

[١١٣٨٧] ٢ - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ،

__________________

(١) أثبتناه من الخصال والأمالي والبحار.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

٣٣

أنه قال في قول الله عز وجل:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) (١) قال: « كانت قريش تفيض من المزدلفة في الجاهلية، ويقولون: نحن أولى بالبيت من الناس، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات ».

[١١٣٨٨] ٣ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « الحج عرفة ».

[١١٣٨٩] ٤ - أبو عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني في تفسيره: عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن جعفر بن أحمد بن يوسف الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله تعالى:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) (١) ، وإنما أراد سبحانه بعض الناس، وذلك أن قريشا كانت في الجاهلية تفيض من المشعر الحرام، ولا يخرجون إلى عرفات كسائر العرب، فأمرهم سبحانه أن يفيضوا من حيث أفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه، وهم في هذا الموضع الناس على الخصوص ورجعوا عن سنتهم » الخبر.

__________________

(١) البقرة ٢: ١٩٩.

٣ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٣٦ ح ٩٣.

٤ - تفسير النعماني ص ١٦ أ، وعنه في البحار ج ٩٣ ص ٢٤.

(١) البقرة ٢: ١٩٩.

٣٤

١٩ -( باب استحباب الوقوف بعرفه على طهارة)

[١١٣٩٠] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال:. لا يصلح الوقوف بعرفة على غير طهارة.

٢٠ -( باب كراهة سؤال الناس في الحرم، ويوم عرفة، وكراهة رد السائل فيها)

[١١٣٩١] ١ - الصدوق في الخصال: عن المظفر العلوي، عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه، عن عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، عن أبيه، عن محمد بن زياد الأزدي، عن حمزة بن حمران، عن أبيه عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: « نظر علي بن الحسينعليهما‌السلام ، يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس، فقال: ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم، إنه ليرجى في مثل هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن ( يكون سعيدا )(١) ! ».

[١١٣٩٢] ٢ - نوادر علي بن أسباط: عن رجل من أصحابنا يكنى بأبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، أنه قال: كان علي بن الحسينعليهما‌السلام ، يقول: « يوم عرفة يوم لا يسأل فيه أحد أحدا إلا الله ».

__________________

الباب ١٩

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

الباب ٢٠

١ - الخصال ص ٥١٧.

(١) في المصدر: يكونوا سعداء.

٢ - نوادر علي بن أسباط ص ١٢٣.

٣٥

٢١ -( باب عدم جواز الإفاضة من عرفات قبل الغروب، ويعلم بذهاب الحمرة المشرقية)

[١١٣٩٣] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، دفع من عرفة حين غربته الشمس.

[١١٣٩٤] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ثم ائت الموقف - إلى أن قال - إلى أن تغرب الشمس، ثم أفض منها بعد المغيب ».

[١١٣٩٥] ٣ - عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد: عن محمد بن عيسى، عن حفص بن عمر مؤذن علي بن يقطين، قال: كنا نروي أنه يقف للناس في سنة أربعين ومائة خير الناس فحججت في تلك السنة فإذا إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس واقف، قال: فدخلنا من ذلك غم شديد لما كنا نرويه فلم نلبث إذا أبو عبد اللهعليه‌السلام واقف على بغل أو بغلة له، فرجعت أبشر أصحابنا، ورجعت، فقلت: هذا خير الناس الذي كنا نرويه، فلما أمسينا قال(١) إسماعيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول يا أبا عبد الله سقط القرص؟ فدفع أبو عبد اللهعليه‌السلام بغلته، وقال له: « نعم » ودفع(٢) إسماعيل بن علي دابته على أثره، فسارا غير بعيد حتى سقط أبو عبد اللهعليه‌السلام عن بغله أو بغلته، فوقف إسماعيل عليه حتى ركب، فقال له أبو عبد الله

__________________

الباب ٢١

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٠.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٥٥ ح ٢٧.

٣ - قرب الإسناد ص ٧٥.

(١) في المصدر زيادة: قال.

(٢) دفع: أي شرع في السير، ( منه قده ).

٣٦

عليه‌السلام ، ورفع رأسه إليه فقال:. إن الامام إذا دفع لم يكن له أن يقف إلا بالمزدلفة. فلم يزل إسماعيل يتقصد حتى ركب أبو عبد اللهعليه‌السلام ، ولحق به.

٢٢ -( باب أن من أفاض من عرفات قبل الغروب جاهلا لميلزمه شئ وإن كان متعمدا لزمه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن عجز لزمه صوم ثمانية عشر يوما بمكة، أو في الطريق، أو في أهله)

[١١٣٩٦] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه سئل عن وقت الإفاضة من عرفات، فقال: « إذا وجبت الشمس، فمن أفاض قبل غروب الشمس فعليه بدنة ينحرها ».

[١١٣٩٧] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإياك أن تفيض قبل الغروب فيلزمك دم ».

[١١٣٩٨] ٣ - الصدوق في المقنع: إياك أن تفيض منها قبل غروب الشمس فيلزمك دم شاة، فإذا غربت الشمس فأفض.

٢٣ -( باب استحباب الدعاء عند غروب الشمس يوم عرفة بالمأثور)

[١١٣٩٩] ١ - السيد علي بن طاووس في الاقبال: بإسناده عن محمد بن الحسن

__________________

الباب ٢٢

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢١.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨.

٣ - المقنع ص ٨٦.

الباب ٢٣

١ - إقبال الاعمال ص ٣٣٩.

٣٧

ابن الوليد، بإسناده إلى حماد بن عبد الله، قال كنت قريبا من أبي الحسن موسىعليه‌السلام بالموقف، فلما همت الشمس ( للغروب )(١) أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه، ثم قال:. اللهم إني عبدك وابن عبدك، إن تعذبني فبأمور قد سلفت مني، وأنا بين يديك وإن تعف عني فأهل العفو أنت ( يا )(٢) أهل العفو، يا أحق من عفا، اغفر لي ولأصحابي حرك دابته.

[١١٤٠٠] ٢ - وفيه دعاء آخر في عشية عرفة: يا رب إن ذنوبي لا تضرك، وإن مغفرتك لي لا تنقصك، ( فأعطني ما لا ينقصك )(١) واغفر لي ما لا يضرك.

[١١٤٠١] ٣ - وفيه دعاء آخر في عشية عرفة: اللهم لا تحرمني خير ما عندك بشر ما عندي، فإن أنت لم ترحمني وتعبي(١) ونصبي، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته.

[١١٤٠٢] ٤ - بعض نسخ الرضوي: « أبي العالمعليه‌السلام أنا سمعته يقول عند غروب الشمس: اللهم أعتق رقبتي من النار، يكررها حتى أفاض(١) الناس ».

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢ - إقبال الاعمال ص ٤٢٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣ - إقبال الاعمال ص ٤٢٠.

(١) في المصدر: بتعبي.

٤ - بعض نسخ الفقه الرضوي ص ٧٤ ضمن كتاب نوادر أحمد بن محمد بن عيسى.

(١) في المخطوط والمصدر. أقام.، وما أثبتناه استظهار المصنف ( قده ).

٣٨

[١١٤٠٣] ٥ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ثم أفض منها بعد المغيب، وتقول: لا إله إلا الله ».

٢٤ -( باب نوادر ما يتعلق بإحرام الحج، والوقوف بعرفة)

[١١٤٠٤] ١ - بعض نسخ الرضوي في سياق إحرام الحج: « ويدخل البيت، ويحرم منه، أو من الحجر إلى أن قال ثم تطوف بالبيت سبعا لوداعك البيت عند خروجك إلى منى لا رمل عليك فيها، وتصلي وافرا » الخ.

[١١٤٠٥] ٢ - تفسير الإمامعليه‌السلام قال: « قال علي بن الحسينعليهما‌السلام وهو واقف بعرفات للزهري: كم تقدر هاهنا من الناس؟ قال: أقدر أربعة آلاف ألف وخمسمائة ألف كلهم حجاج قصدوا الله بآمالهم ويدعونه بضجيج أصواتهم ( فقال له: يا زهري ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج، فقال الزهري: كلهم حجاج، أفهم قليل )(١) فقال له: يا زهري ادن لي وجهك، فأدناه إليه، فمسح بيده وجهه، ثم قال: أنظر فنظر إلى الناس، قال الزهري: فرأيت أولئك الخلق كلهم قردة لا أرى فيهم إنسانا إلا في كلّ عشرة آلاف واحدا من الناس، ثم قال لي: ادن يا زهري فدنوت منه، فمسح بيده وجهي، ثم قال: انظر فنظرت إلى الناس، قال الزهري فرأيت أولئك الخلق(٢) ذئبة إلا تلك

__________________

٥ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٨.

الباب ٢٤

١ - عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٧.

٢ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢٥٦.

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر زيادة:. كلهم خنازير، ثم قال لي: أدن إلي وجهك فأدنيت منه فمسح بيده وجهي فإذا هم كلهم.

٣٩

الخصائص من الناس نفرا يسيرا، فقلت: بأبي وأمي يا أبن رسول الله قد أدهشتني آياتك وحيرتني عجائبك!

قال: يا زهري ما الحجيج من هؤلاء إلا النفر اليسير الذين رأيتهم بين هذا الخلق الجم الغفير، ثم قال لي: إمسح يدك على وجهك، ففعلت فعاد أولئك الخلق في عيني ناسا كما كانوا أولا.

ثم قال: من حج ووالى موالينا، وهجر معادينا، ووطن نفسه على طاعتنا، ثم حضر هذا الموقف مسلما إلى الحجر الأسود ما قلده الله من أماناتنا، ووفيا بما لزمه من عهودنا، فذلك هو الحاج، والباقون هم من قد رأيتهم يا زهري.

يا زهري: حدثني أبي، عن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: ليس الحاج المنافقين المعادين لمحمد وعلي ومحبيهما ( صلوات الله عليهما )، الموالين لشانئهما وإنما الحاج المؤمنون المخلصون الموالون لمحمد وعلي ( صلوات الله عليهما ) ومحبيهما، المعادون لشانئهما، إن هؤلاء المؤمنين الموالين لنا المعادين لأعدائنا لتسطع أنوارهم في عرصات القيامة على قدر موالاتهم لنا، فمنهم من يسطع نوره مسيرة ألف سنة، ومنهم من يسطع نوره مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، وهو جميع مسافة تلك العرصات، ومنهم من يسطع نوره إلى مسافات بين ذلك يزيد بعضها على بعض على قدر مراتبهم في موالاتنا، ومعاداة أعدائنا، يعرفهم أهل العرصات من المسلمين والكافرين بأنهم الموالون المتولون والمتبرئون، يقال لكل واحد منهم: يا ولي الله أنظر في هذه العرصات إلى كلّ من أسدى إليك في الدنيا معروفا، أو نفس عنك كربا، أو أغاثك إذ كنت ملهوفا، أو كف عنك عدوا، أو أحسن إليك في معاملته فأنت شفيعه، فإن كان من المؤمنين المحقين زيد بشفاعته في نعم الله عليه، وإن كان من المقصرين

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ورجع معهم فأعطوه ناقة مهرية، وزادوه أربعمئة أو ستمئة درهم(١) .

واعتلت عليه عائشة وقد احتفى بها أنصارها من الاُمويِّين وغيرهم من الطامعين في الحكم.

ماء الحوأب

وسارت قافلة عائشة تجدّ في السير لا تلوي على شيء، فاجتازت على مكان يُقال له الحوأب، فتلقّت كلاب الحيّ القافلة بهرير وعواء، فذعرت عائشة من شدّة ذلك النباح، فقالت لمحمد بن طلحة: أيّ ماء هذا؟

- ماء الحوأب.

فذعرت عائشة، وقالت: ما أراني إلاّ راجعة.

- لِمَ يا اُمّ المؤمنين؟

- سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لنسائه:«كأنّي بإحداكنَّ قد نبحتها كلاب الحوأب (٢) ، وإيّاك أن تكوني يا حُميراء» .

فردّ عليها محمّد وقال لها: تقدّمي رحمك الله، ودعي هذا القول. ولم تقتنع عائشة، وذاب قلبها أسى على ما فرّطت في أمرها.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٤٧٥.

(٢) روى ابن عباس عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال يوماً لنسائه وهنّ جميعاً عنده:((أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، يُقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار، وتنجو بعد ما كادت؟)) . جاء ذلك في شرح النهج ٢ / ٤٩٧، وهذا الحديث من أعلام النبوّة، ومن إخباره بالمغيّبات.

١٤١

وعلم طلحة والزّبير بإصرارها على الرجوع إلى يثرب، فأقبلا يلهثان؛ لأنّها متى انفصلت عن الجيش تفرّق وذهبت آمالهما أدراج الرياح، فتكلّما معها في الأمر فامتنعت من إجابتهما، فجاؤوا لها بشهود اشتروا ضمائرهم فشهدوا عندها أنّه ليس بماء الحوأب. وهي أوّل شهادة زور تُقام في الإسلام(١) ، وبهذه الشهادة الكاذبة استطاعوا أن يحرفوها عمّا صمّمت عليه.

في ربوع البصرة

وأشرفت قافلة عائشة على البصرة، فلمّا علم ذلك عثمان بن حنيف والي البصرة أرسل إلى عائشة أبا الأسود الدؤلي ليسألها عن قدومها، ولمّا التقى بها قال: ما أقدمك يا اُمّ المؤمنين؟

- أطلب بدم عثمان.

فردّ عليها من منطقه الفيّاض قائلاً: ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد.

- صدقت، ولكنّهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم؟!

فردّ عليها أبو الأسود ببالغ الحجّة قائلاً: ما أنتِ من السوط والسيف، إنّما أنتِ حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أمرك أن تقرّي في بيتك وتتلي كتاب ربّك، وليس على النساء قتال، ولا لهنّ الطلب بالدماء، وأنّ عليّاً لأولى منكم وأمسّ رحماً؛ فإنّهما ابنا عبد مناف؟!

ولم تقنع عائشة وأصرّت على محاربة الإمام (عليه السّلام)، وقالت لأبي الأسود: لست بمنصرفة حتّى أمضي لما قدمت إليه، أفتظنّ [يا] أبا الأسود أنّ أحداً يقدم

____________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣٤٢، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨١.

١٤٢

على قتالي؟

فأجابها أبو الأسود: أما والله لتقاتلنَ قتالاً أهونه الشديد.

ثمّ تركها وانصرف صوب الزّبير، فقابله وذكّره بماضي جهاده وولائه للإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) قائلاً له: يا أبا عبد الله، عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب، وأين هذا المقام من ذاك؟

فأجابه الزّبير: نطلب بدم عثمان.

ونظر إليه أبو الأسود فأجابه بسخرية: أنت وصاحبك ولّيتماه فيما بلغنا.

ورأى الزّبير في كلام أبي الأسود النصح والسداد فانصاع لقوله، إلاّ أنّه طلب منه مواجهة طلحة، وعرض الأمر عليه، فمضى أبو الأسود مسرعاً نحو طلحة وكلّمه في الأمر فلم يجد منه أيّة استجابة، وقفل أبو الأسود راجعاً إلى ابن حنيف فأخبره بنيّة القوم وإصرارهم على الحرب.

وعقد الفريقان هدنة مؤقتة، وكتبا في ذلك وثيقة وقّعها كلا الطرفين على أن لا يفتح أحدهما على الآخر باب الحرب حتّى يستبين في ذلك رأي الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

مظاهرة نسوية لتأييد عائشة

وقامت بعض السيّدات من النساء بمظاهرة لتأييد عائشة وهنَّ يجبنَ في شوارع يثرب ويضربنَ بالدفوف، وقد رفعنَ أصواتهنَّ بهذا النشيد: ما الخبر، ما الخبر، إنّ عليّاً كالأشقر، إن تقدّم عقر، وإن تأخّر نحر.

١٤٣

ولمّا سمعت ذلك اُمّ المؤمنين السيدة اُمّ سلمة خرجت هي وحفيدة الرسول العقيلة زينب (عليها السّلام) تحفّ بها إماؤها، فجعلت توبّخهنّ، وقالت لهنّ: إن تظاهرتنَ على أبي فقد تظاهرتنَ من قبل على جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فاستحيت النساء وتفرّقنَ، وعادت السيدة زينب (عليها السّلام) إلى بيتها(١) .

نقض الاتفاق

وعمل حزب عائشة إلى نقض الهدنة؛ فقد هجموا على والي البصرة ابن حنيف، وكان مقيماً في دار الإمارة، فاعتقلوه ونكّلوا به، فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه، ونهبوا ما في بيت المال، وثارت الفتنة في البصرة؛ فقد قتلوا خزّان بيت المال وبعض الشرطة، ووقعت معركة رهيبة بين أنصار الإمام (عليه السّلام) وحزب عائشة، وقد حملوها على جمل، وسُمّيت تلك الوقعة بيوم الجمل الأصغر، وقد استشهد فيها جمع من المسلمين(٢) .

زحف الإمام (عليه السّلام) إلى البصرة

وزحف الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بجيوشه إلى البصرة للقضاء على هذا الجيب المتمرّد الذي ينذر بانتشار التمرّد وسقوط الحكم، وحينما انتهى إلى البصرة بعث عبد الله بن عباس وزيد بن صوحان إلى عائشة وطلحة والزّبير يدعوهم إلى السلم وعدم إراقة الدماء، فلم يستجيبوا لدعوته وأصرّوا على التمرّد والبغي ومناجزة الإمام (عليه السّلام).

وأرسل الإمام فتىً نبيلاً وأمره أن يحمل كتاب الله تعالى ويدعوهم إلى تحكيمه، فأخذ الفتى الكتاب العزيز وجعل يلوّح به أمام عسكر عائشة، وهو يدعوهم إلى العمل بما فيه ويدعوهم إلى السلم والوئام، فحملوا عليه فقطعوا

____________________

(١) زينب الكبرى / ٢٥.

(٢) عرضنا لهذه الأحداث بصورة مفصّلة في كتابنا حياة الإمام الحسن (عليه السّلام).

١٤٤

يمينه، فأخذ المصحف بيساره، وجعل يدعوهم إلى السلم والعمل بما في الكتاب، فحملوا عليه فقطعوا يساره، فأخذ المصحف بأسنانه، وجعل يناديهم: الله في دمائنا ودمائكم.

فانثالوا عليه يرشقونه بسهامهم حتّى سقط إلى الأرض جثة هامدة، ولم تُجْدِ معهم هذه الدعوة الكريمة، وأصرّوا على الحرب.

إعلان الحرب

ولم تُجب مع عائشة وحزبها دعوة الإمام (عليه السّلام) إلى السلم وعدم إراقة الدماء؛ فقد أصرّوا على الحرب والتمرّد على الحقّ؛ فاضطرّ الإمام إلى مناجزتهم، فعبّأ جنوده، ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفوف، فقالت: انظروا إليه كأنّ فعله فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم بدر! أما والله ما ينتظر بكم إلاّ زوال الشمس.

ومع علمها بأنّ فعله كفعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كيف ساغ لها أن تحاربه؟!وخاطبها الإمام (عليه السّلام)، فقال لها:«يا عائشة، عمّا قليل ليصبحنَّ نادمين» (١) .

وأعطى الإمام خطته العسكريّة لجنوده، فقال لهم:«أيّها الناس، إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيراً، ولا تتّبعوا مولّياً، ولا تطلبوا مدبراً، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تقربوا من أموالهم إلاّ ما تجدونه في معسكرهم من سلاح أو كراع، أو عبد أو أمة، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله» .

ومثّلت هذه الوصية الشرف والرأفة والرحمة، كما وضعت الأصول الفقهية في حرب المسلمين بعضهم مع بعض، كما أعلن ذلك بعض الفقهاء.

____________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٤٤٧.

١٤٥

واعتلت عائشة جملها المسمّى بعسكر وأخذت كفّاً من حصباء فرمت به أصحاب الإمام (عليه السّلام)، وقالت: شاهت الوجوه. فأجابها رجل من شيعة الإمام: يا عائشة، وما رميت إذ رميت ولكنّ الشيطان رمى.

وتولّت عائشة القيادة العامة للقوات المسلحة، فكانت هي التي تصدر الأوامر للجيش. وبدأ القتال كأشدّه، وقد حمل الإمام (عليه السّلام) على معسكر عائشة وقد رفع العلم بيسراه، وشهر بيمينه ذا الفقار الذي طالما كشف به الكرب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

واشتدّ القتال، وقد بان الانكسار في جيش عائشة، وقد قُتل طلحة والزّبير والكثيرون من قادة عسكر عائشة، وأخذت عائشة تبثّ في نفوس عسكرها روح التضحية والنضال، وقد دافعوا عنها بحماس بالغ، وقد شاعت القتلى بين الفريقين.

عقر الجمل

وأحاط أصحاب عائشة بجمل اُمّهم، فدعا الإمام (عليه السّلام) عمّار بن ياسر ومالك الأشتر، وأمرهما بعقر الجمل قائلاً:«اذهبا فاعقرا هذا الجمل؛ فإنّ الحرب لا يخمد ضرامها ما دام حيّاً؛ فإنّهم قد اتّخذوه قبلة لهم» .

وانطلق الأشتر وعمّار ومعهما فتية من مراد، فوثب فتى يُعرف بمعمر بن عبد الله إلى الجمل فضربه على عرقوبه فهوى إلى الأرض، وله صوت منكر لم يُسمع مثله، وتفرّق أصحاب عائشة حينما هوى الصنم الذي قدّموا له آلاف القتلى، وأمر الإمام (عليه السّلام) بحرقه وذرّ رماده في الهواء؛ لئلا تبقى منه بقيّة يفتتن بها الغوغاء، وبعدما فرغ من ذلك قال:«لعنه الله من دابة، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل!» .

١٤٦

ثمّ مدّ بصره نحو الرماد الذي تناهبته الريح وتلا قوله تعالى:( وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) (١) .

وانتهت بذلك حرب الجمل التي أثارتها الأحقاد والأطماع، وقد أشاعت بين المسلمين الضغائن والفتن، وألقتهم في شرّ عظيم.

العفو العام

وأصدر الإمام (عليه السّلام) أوامره بالعفو العام عن جميع أعدائه وخصومه، وطلبت عائشة من الإمام أن يعفو عن ابن أختها عبد الله بن الزّبير وهو من ألدّ أعدائه فعفا عنه، وكذلك عفا عن مروان بن الحكم، وقد توسّط في أمره الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وآمن الأسود والأحمر - على حدّ تعبير اليعقوبي -، ولم ينكّل بأيّ أحد من خصومه وأعدائه.

تسريح عائشة

وسرّح الإمام (عليه السّلام) عائشة وردّها إلى يثرب، ولم يعرض لها بأيّ مكروه أو أذى، وقد غادرت البصرة ونشرت في ربوعها الحزن والحداد والثكل، وتصدّعت الوحدة بين المسلمين، وشاعت بينهم الكراهية والبغضاء.

وعلى أيّ حال، فقد وعت سيّدة النساء زينب (عليها السّلام) هذه الأحداث، وعرفت ما تحمله الاُسر القرشيّة من العداء العارم والبغض الشديد لأبيها (عليه السّلام)، وأنّها قد شنّت الحرب عليه كما شنّته على أخيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قبل.

تمرّد معاوية

ومهّدت عائشة الطريق إلى معاوية، وفتحت له أبواب المعارضة لحكومة الإمام

____________________

(١) سورة طه / ٩٧.

١٤٧

أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فلولاها لما تمكّن ابن هند من مناجزة الإمام ورفضه لبيعته.

وقد اتّخذ معاوية دم عثمان ورقة رابحة للمطالبة بدمه، ومن المؤكّد زيف هذه الدعوى وعدم واقعيتها؛ فقد استنجد به عثمان حينما حوصر وطلب منه أن يسعفه بقوّة عسكرية لرفع الحصار عنه فلم يستجب له حتّى أجهز عليه الثوار.

إنّ الذي دعا معاوية إلى التمرّد على حكومة الإمام (عليه السّلام) هو ما يعلمه من سيرة الإمام وسياسته الهادفة إلى إقامة الحقّ وتدمير الباطل؛ فالإمام لا يُبقي معاوية في جهاز الحكم لحظة واحدة، ويُجرّده من جميع أمواله التي اختلسها من بيت مال المسلمين، ويُحاسبه حساباً عسيراً على جميع تصرّفاته المجافية لروح الإسلام؛ من لبس الحرير والديباج، واستعمال أواني الذهب والفضة، والإسراف الفظيع في بناء القصور، ولا يقرّ شرعيّة دعم عمر له وثنائه عليه ومبالغته في تأييده؛ فهو الذي لم يحاسبه على أعماله التي تصادمت مع تعاليم الإسلام، وقال فيه: إنّه كسرى العرب. واعتبر الإمام ذلك تعدٍّ على سياسة العدل التي تبنّاها في جميع مراحل حكمه وحياته.

وعلى أيّ حال، فقد بعث الإمام إلى معاوية جرير بن عبد الله البجلي وزوّده برسالة يدعوه فيها إلى مبايعته والدخول في طاعته، إلاّ أنّ معاوية أصرّ على غيّه ورفض الاستجابة لدعوة الحقّ والوئام؛ فقد توفّرت عنده القوّة العسكريّة التي يستطيع بها على محاربة الإمام.

زحف معاوية لصفّين

وبعدما توفّرت لمعاوية الإمكانيات العسكريّة والقوى المكثفة زحف بها إلى صفّين وأقام فيها، وكان أوّل عمل قام به احتلال الفرات، واعتبر ذلك أوّل الفتح؛ لأنّه حبس الماء على عدوّه، وظلّت جيوشه مقيمة هناك تصلح أمرها وتنظّم قواها لتستعدّ إلى حرب وصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه.

١٤٨

مسير الإمام (عليه السّلام) إلى صفّين

وتهيّأ الإمام (عليه السّلام) للخروج إلى صفّين، وأمر الحارث بن الأعور أن ينادي في الناس بالخروج إلى معسكرهم في النخيلة، فعجّت الكوفة بالنفار، وخرج الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) تحفّ به البقية الخيرة من صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي طليعتهم الصحابي العظيم عمّار بن ياسر.

ولزمت جيوش الإمام (عليه السّلام) في زحفها السريع الفرات حتّى انتهت إلى صفّين، فلم يجدوا شريعة يستقون منها الماء إلاّ وعليها الحرس الكثير وهم يُمانعونهم أشدّ الممانعة من الوصول إليه، فأخبروا الإمام (عليه السّلام)، فدعا صعصعة بن صوحان وأمره بمقابلة معاوية ليسمح لجنوده بورود الماء، وسار إليه صعصعة وعرض عليه مقالة الإمام، فامتنع من إجابته، واعتبر ذلك أوّل الفتح.

وحملت جيوش الإمام حتّى احتلت الفرات وانهزمت جيوش معاوية، وطلب أصحاب الإمام منه أن يمنع الماء عن عسكر معاوية فأبى (عليه السّلام)، وأبى أن يكيل لهم الصاع بالصاع، وقابلهم مقابة المحسن الكريم إلى أعدائه وخصومه.

الحرب

وأوفد الإمام إلى معاوية رسل السّلام رجاءً في الصلح وحقن الدماء، فردّهم بعنف وأعلمهم أنّه مصمّم على الحرب، ورجعت كتائب السلام إلى الإمام، وعرّفته برفض معاوية لدعوته وإصراره على الحرب.

ولم يجد الإمام بدّاً من الحرب، فأصدر تعاليمه لعموم جيشه بعدم قتل المدبر، وعدم الإجهاز على الجريح، وعدم المُثلة بأيّ قتيل منهم، وعدم أخذ أموالهم إلاّ ما وجد في معسكرهم، وغير ذلك من صنوف الشرف والرحمة التي لم يعهد لها نظير في عالم الحروب.

وبدت الحرب بين جيش الإمام (عليه السّلام) وجيش معاوية، فكانت كتائب من عسكر

١٤٩

الإمام تخرج إلى فرق من أهل الشام فيقتتل الفريقان نهاراً كاملاً أو طرفاً منه، ولم يرغب الإمام (عليه السّلام) أن تقع حرب عامة بين الفريقين؛ رجاء أن يجيب معاوية إلى الصلح.

وخرج الزعيم الكبير مالك الأشتر يتأمّل في رايات أهل الشام فإذا هي رايات المشركين التي خرجت لحرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فراح يقول لأصحابه: أكثر ما معكم رايات كانت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومع معاوية رايات كانت مع المشركين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فما يشكّ في قتال هؤلاء إلاّ ميّت القلب.

وخطب الصحابي العظيم عمّار بن ياسر فجعل يبيّن للمسلمين واقع معاوية، وأنّه جاهلي لا إيمان له، وأنّه معاد لله ورسوله.

وعلى أيّ حال، فلم تقع حرب عامة بين الفريقين، وقد سئم الجيش العراقي هذه الحرب وآثر العافية، كما سئم ذلك جيش أهل الشام.

الحرب العامة

ولمّا رأى الإمام (عليه السّلام) أنّه لا أمل في الإصلاح وجمع الكلمة عبّأ أصحابه وتهيّأ للحرب العامة، وفعل معاوية مثل ذلك، وبدأ الهجوم العام، وبذلك فقد استعرت نار الحرب واشتدّ أوارها، وقد خيّم الذعر والفزع على كلا الجيشين، وقد انكشفت ميمنة الإمام وتضعضع قلب جيشه إلاّ أنصار ربيعة قد ثبتت في الميدان، وأخذت على عاتقها أن تقوم بحماية الإمام ونصرة الحقّ.

وقد استشهد في المعركة بطل الإسلام المجاهد العظيم عمّار بن ياسر، وقد حزن عليه الإمام كأشدّ ما يكون الحزن، وكذلك استشهد غيره من أعلام الإسلام وكان لفقدهم أثر كبير في انهيار الجيش العراقي.

هزيمة معاوية

وبدا الانكسار في جيش ابن هند وكاد أصحابه يبلغون فسطاطه، وهمّ بالفرار إلاّ أنّه

١٥٠

تذكر قول ابن الإطنابة:

أبت لي عفّتي وحياءُ نفسي = وإقدامي على البطلِ المشيحِ

وإعطائي على المكروهِ مالي = وأخذي الحمدَ بالثمنِ الربيحِ

وقولي كلّما جشأت وجاشتْ = مكانك تحمدي أو تستريحي

فردّه هذا الشعر إلى الثبات وعدم الهزيمة كما كان يتحدّث بذلك أيام العافية.

مكيدة رفع المصاحف

ولم تكن مكيدة رفع المصاحف وليدة الساعة، ولم تأت عفواً، وإنّما كانت نتيجة مؤامرة سرّية بين عمرو بن العاص وبعض قادة الجيش العراقي، وعلى رأسهم الخائن العميل الأشعث بن قيس. لقد رفع أهل الشام المصاحف على أطراف الرماح وهم يدعون الجيش العراقي إلى تحكيم كتاب الله، فاندفعت كتائب من عسكر الإمام (عليه السّلام) وهم يهتفون: لقد أعطى معاوية الحقّ؛ دعاك إلى كتاب الله فاقبل منه.

لقد استجاب لهذه الدعوة الكاذبة السذّج، والسائمون من الحرب، والطامعون في الحكم، وعملاء الحكم الاُموي، وجعل الأشعث بن قيس يشتدّ كالكلب رافعاً صوته ليُسمع الجيش: ما أرى الناس إلاّ قد رضوا، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد.

وأخذ الأشعث يلحّ على الإمام (عليه السّلام) وهو يمتنع من إجابته وكثرة إلحاحه، وقد استجابت له فرق من الجيش فلم يجد الإمام بُدّاً من إجابته، فمضى مسرعاً نحو معاوية فقال له: لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟

١٥١

والأشعث يعلم لِمَ رفعوا المصاحف ولاذوا بها، فأجابه معاوية: لنرجع نحن وأنتم إلى أمر الله عزّ وجلّ في كتابه؛ تبعثون منكم رجلاً ترضون به ونبعث منّا رجلاً، ثمّ نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه، ثم نتّبع ما اتّفقنا عليه.

وهل ابن هند يؤمن بكتاب الله ويتّبع ما حكم به؟! أوَليس خروجه على السلطة الشرعيّة مجافية لتعاليم القرآن؟!

وعلى أيّ حال، فقد انبرى الخائن الأشعث يصدّق مقالة معاوية قائلاً: هذا هو الحقّ.

وانبرى الإمام (عليه السّلام) فزيّف دعوة التحكيم، وعرّف الجماهير أنّها خدعة ومكيدة، وأنّ معاوية وحزبه لا يؤمنون بالقرآن، وأنّهم على ضلالهم القديم.

وأصرّ جيش الإمام على الاستجابة لدعوة معاوية، وهدّدوه بالقتل إن رفض ما أرادوه؛ فاستجاب (عليه السّلام) مرغماً مكرهاً على ذلك، وقد أشرفت بعض قطعات جيشه بقيادة الزعيم الكبير مالك الأشتر على الفتح، ولم يبقَ بينها وبين القبض على معاوية إلاّ مقدار حلبة شاة، فطلب منه الإمام (عليه السّلام) في تلك الساعة الحرجة أن يسحب الجيش ويوقف القتال، فلم يستجب أوّلاً إلى ذلك، فأمره الإمام (عليه السّلام) ثانياً بالانسحاب؛ لأنّ جيشه قد أحاط به وأعلنوا العصيان وهدّدوه بالقتل، فاستجاب الأشتر وانسحب عن ميدان القتال.

وعلى أيّ حال، فقد أوقف القتال، وكان ذلك فوزاً ساحقاً لمعاوية؛ فقد سلم من الخطر المحدق به، ومُني جيش الإمام بالتمرّد والعصيان، وشاعت في جميع قطعاته التفرقة والخلاف.

انتخاب الأشعري

وأصرّ المتمرّدون على انتخاب الأشعري ليكون ممثلاً للجيش العراقي، فرفض

١٥٢

الإمام ذلك ورشّح عبد الله بن عباس أو مالك الأشتر فلم يستجيبوا له وأرغموه ثانياً على انتخابه فخلّى بينهم وبين رغباتهم، وقد ذابت نفسه أسى وحسرات على ذلك؛ فقد أيقن بانتهاء حكومته وفوز معاوية بالحكم.

وانتخب الشاميون عمرو بن العاص ممثّلاً لهم، وهو أدهى سياسي في ذلك العصر، وبذلك فقد عُقدت هدنة مؤقتة راح فيها معاوية يبني جيشه ويُصلح شؤونه. وأمّا جيش الإمام فقد مُني بالتفكّك والانحلال والتخاذل، وانتشرت في جميع قطعاته الفكرة الهدّامة، وهي فكرة الخوارج كما سنتحدّث عن ذلك.

اجتماع الحكمين

وأوفد معاوية إلى الإمام (عليه السّلام) رسله يستنجزه الوفاء بالتحكيم، وإنّما طلب منه ذلك لعلمه بما اُصيب به جيش الإمام من التخاذل والفتن والانحلال، وأجابه الإمام إلى ذلك؛ فأوفد أربعمئة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي وهو من أجلّ أصحاب الإمام، كما كان معهم عبد الله بن عباس حبر الاُمّة، ومعهم قاضي التحكيم الخامل الغبي أبو موسى الأشعري، فأرشاه ابن العاص بالولائم، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ليجعله طوع إرادته، وقد اتّفق معه على أن يعزل كل صاحبه ويرشّحا عبد الله بن عمر.

وقدّم ابن العاص الأشعري فاعتلى المنبر فخلع عليّاً عن منصبه، وكذلك خلع معاوية ورشّح ابن عمر، وقام بعده ابن العاص فأقرّ صاحبه وخلع عليّاً. ولمّا أعلن ابن العاص خلعه لعليّ وإقامته لمعاوية انطلق صوبه الأشعري فقال له: ما لك عليك لعنة الله؟! ما أنت إلاّ كمثل الكلب تلهث. فصاح ابن العاص: لكنّك مثل الحمار يحمل أسفاراً.

نعم، هما كلب وحمار، وهرب الأشعري إلى مكة يصحب معه الخزي والعار

١٥٣

بعدما أحدث الفتنة والانشقاق بين جيش الإمام (عليه السّلام)، وقد أكثر شعراء ذلك العصر في ذمّه. يقول فيه أيمن بن خزيم الأسدي:

لو كانَ للقومِ رأيٌ يعصمونَ بهِ = من الضلالِ رموكم بابنِ عباسِ

للهِ درّ أبيهِ أيّما رجلٍ = ما مثلهُ لفصالِ الخطبِ في الناسِ

لكن رموكم بشيخٍ من ذوي يمنٍ = لم يدرِ ما ضرب أخماسٍ بأسداسِ

إن يخلُ عمرو به يقذفهُ في لججٍ = يهوي بهِ النجمُ تيساً بين أتياسِ

أبلغ لديكَ علياً غير عاتبه = قولَ امرئ لا يرى بالحقِّ من باسِ

ما الأشعري بمأمونٍ أبا حسنٍ = فاعلم هُديتَ وليس العجزُ كالراسِ

فاصدم بصاحبكَ الأدنى زعيمهمُ = إنّ ابنَ عمِّكَ عباسٌ هو الآسي

لقد امتحن الإمام (عليه السّلام) كأشدّ وأقسى ما يكون الامتحان بهؤلاء الأوغاد الذين وقفوا أمام الإصلاح الاجتماعي، ومكّنوا الظالمين والمنحرفين من الاستبداد باُمور المسلمين.

فتنة الخوارج

وتمرّد الخوارج على الإمام (عليه السّلام) وألزموا بأمر التحكيم، وهم الذين أرغموه على ذلك وهدّدوه بالقتل إن لم يوقف القتال مع معاوية، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً؛ فقد رحلوا عن الكوفة وعسكروا في النهروان، فاجتاز عليهم الصحابي الجليل عبد الله بن خبّاب بن الأرت فأحاطوا به قائلين: مَنْ أنت؟

- رجل مؤمن.

- ما تقول في عليّ بن أبي طالب؟

- إنّه أمير المؤمنين، وأوّل المسلمين إيماناً بالله ورسوله.

- ما اسمك؟

١٥٤

- عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله.

- أفزعناك؟

- نعم.

- لا روع عليك، حدّثنا عن أبيك بحديث سمعه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعلّ الله أن ينفعنا به.

- نعم، حدّثني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال:«ستكون فتنة بعدي يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً» .

فهتفوا جميعاً: لهذا الحديث سألناك، والله لنقتلنّك قتلة ما قتلنا بمثلها أحداً. وعمدوا مصرّين على الغيّ والعدوان، فأوثقوه كتافاً وأقبلوا به وبامرأته، وكانت حبلى قد أشرفت على الولادة، فأنزلوهما تحت نخل، فسقطت رطبة منها، فبادر بعضهم إليها فوضعها في فيه، فأقبل إليه بعضهم منكراً عليه قائلاً: بغير حلّ أكلتها! فألقاها بالوقت من فيه.

واخترط بعضهم سيفه فضرب به خنزيراً لأهل الذمّة فقتله، فصاح به بعضهم: إنّ هذا من الفساد في الأرض! فبادر الرجل إلى الذمّي فأرضاه، ولمّا نظر عبد الله بن خباب احتياط هؤلاء في هذه الاُمور سكن روعه، وقال لهم: لئن كنتم صادقين فيما أرى ما عليَّ منكم بأس؛ ووالله ما أحدثت حدثاً في الإسلام، وإنّي لمؤمن، وقد آمنتموني وقلتم لا روع عليك.

فلم يعنَ هؤلاء الأخباث الذين هم صفحة خزي وعار على البشرية، فجاؤوا به وبامرأته فأضجعوه على شفير النهر و ووضعوه على ذلك الخنزير الذي قتلوه، ثمّ ذبحوه، وأقبلوا على امرأته وهي ترتعد من الخوف، فقالت لهم مسترحمة:

١٥٥

إنّما أنا امرأة، أما تتّقون الله؟

فلم يعنوا باسترحامها، وأقبلوا عليها كالكلاب فقتلوها وبقروا بطنها، وانعطفوا على ثلاث نسوة فقتلوهنّ، وفيهنّ اُمّ سنان الصيداوية، وكانت قد صحبت النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولم يقف شرّ هؤلاء الأرجاس عند هذا الحدّ، وإنّما أخذوا يذيعون الذعر وينشرون القتل والفساد في الأرض.

واقعة النهروان

وبعدما أعلن الخوارج تمرّدهم على حكومة الإمام (عليه السّلام)، ورفعوا شعارهم (لا حكم إلاّ لله)، ولكنّه لم يعد في جميع تصرفاتهم وشؤونهم ظلاً وواقعاً لهذا الشعار؛ فقد كان شعارهم الحقيقي لا حكم إلاّ للسيف والفساد.

ولمّا أراد الإمام (عليه السّلام) الخروج إلى محاربة معاوية، وعبّأ أصحابه وجنوده لذلك، أشار عليه بعض أصحابه بمناجزة الخوارج؛ فإنّ خطرهم أعظم من خطر معاوية، وإنّهم إذا نزحوا من الكوفة يُحدثون القتل والدمار فيها.

فاستصوب الإمام (عليه السّلام) رأيهم، وتحرّكت قوات الإمام لقتالهم، وقبل أن تندلع نار الحرب وجّه الإمام (عليه السّلام) إليهم الحارث بن مرّة يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب ليقتصّ منهم، فأجابوا جميعاً: إنّا كلّنا قتلناهم، وكلّنا مستحلّ لدمائكم ودمائهم.

وأقبل الإمام (عليه السّلام) بنفسه فوجّه لهم خطاباً رائعاً يدعوهم فيه إلى الطاعة ورفض التمرّد، فلم يفهموا خطاب الإمام ونصيحته، وطلبوا منه أن يشهد على نفسه بالكفر ويتوب إلى الله تعالى على قبوله للتحكيم، فامتنع الإمام من إجابتهم؛ فإنّه لم يقترف أيّ ذنب في أمر التحكيم، وإنّما هم أرغموه على ذلك.

ولمّا يئس الإمام (عليه السّلام) من إرجاعهم إلى الحقّ عبّأ جنوده لحربهم، وفعل الخوارج مثل ذلك، وهتف بعضهم:

١٥٦

هل من رائح إلى الجنّة؟

فأجابوه جميعاً: الرواح إلى الجنّة، وهم يهتفون بشعارهم (لا حكم إلاّ لله). وحملوا حملة منكرة على جيش الإمام، وما هي إلاّ ساعة حتّى قُتلوا عن آخرهم، ولم يفلت منهم إلاّ تسعة، وبذلك فقد انتهت حرب النهروان، وقد أعقبت هي وحرب صفّين تمرّد الجيش العراقي؛ فقد مُني بالتمرّد والانحلال والسئم من الحرب، وأصبح الإمام (عليه السّلام) يدعوهم فلا يستجيبون له، كما فقد الإمام في هذين الحربين أعلام أصحابه وخيارهم الذين يعتمد على إخلاصهم وتفانيهم في الولاء له.

وعلى أيّ حال، فقد رجع الجيش من النهروان إلى الكوفة، وجبن عن ملاقاة معاوية، وأخذ الإمام (عليه السّلام) يدعوهم إلى حربه فامتنعوا من إجابته.

اُفول دولة الحقّ

وأفلت دولة الحقّ التي تبنّت حقوق الإنسان وقضاياه المصيرية، وواكبت العدل الاجتماعي والعدل السياسي، وأقامت صروح الحقّ ومعاقل الشرف والفضيلة لكلّ إنسان.

ولم يعهد الشرق في جميع مراحل تأريخه حكماً نزيهاً وعادلاً كحكم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي لم يخضع في جميع فتراته لأيّة عاطفة لا تتّصل بالحقّ؛ فقد تجرّد حكمه عن كلّ نزعة يؤول أمرها إلى التراب.

وقد نقمت عليه كأشدّ ما يكون الانتقام الرأسمالية القرشيّة؛ فقد خافت على مصالحها، وخافت على أموالها التي استولت عليها بغير حقّ، فوضعت الحواجز والسدود أمام مخطّطاته السياسيّة الهادفة إلى الإصلاح الشامل، واتّهمته بالتآمر على قتل عثمان عميد الاُسرة الاُمويّة، واتّخذت من قتله ورقة رابحة لفتح أبواب الحرب عليه، فكانت حرب الجمل وصفين والنهروان.

وقد انهارت حكومة الإمام (عليه السّلام)، وبقي في أرض الكوفة يصعّد زفراته وآهاته، وقد استفحل شرّ معاوية وقوي سلطانه، واتّسع نفوذه،

١٥٧

وزادت قواته العسكريّة وتسلّحت بجميع المعدّات الحربية في ذلك العصر، وأخذ معاوية يشنّ الغارات على معظم الأقاليم الإسلاميّة الخاضعة لحكم الإمام، فكانت جيوشه تقتل وتنهب الأموال؛ وذلك لإسقاط هيبة حكومة الإمام، وأنّها لا تقدر على حماية الأمن العام للمواطنين.

وقد انتهت الغارات إلى الكوفة والإمام (عليه السّلام) يدعو جيشه لحماية البلاد وصدّ العدوان الغادر على الناس فلم يستجيبوا له؛ فقد خلدوا إلى الراحة وسئموا الحرب وشاعت في أوساطهم أوبئة الخوف من معاوية. وأخذ الإمام الممتحن يناجي ربّه ويدعوه أن ينقذه من ذلك المجتمع الذي لم يعِ مبادئه وسياسته الهادفة إلى نشر العدل وإشاعة المساواة بين الناس.

وتوالت المحن الشاقة يتبع بعضها بعضاً على الإمام (عليه السّلام)، وكان من أشقّها عليه الغارات المتّصلة التي تشنّها قوات معاوية على أطراف البلاد الإسلاميّة، وترويعها للنساء والأطفال والعُجّز، والإمام مسؤول عن توفير الأمن لهم وحمايتهم من كلّ أذى أو مكروه، ولكنّه لم يجد سبيلاً لذلك؛ لأنّ جيشه قد تمرّد عليه، وسرت فيه أوبئة الخوف وأفكار الخوارج ممّا جعلته أعصاباً رخوة لا حراك فيها ولا حياة.

وكان من بين الذين اعتنقوا مبادئ الخوارج الأثيم المجرم عبد الرحمن بن ملجم، فنزح مع عصابة من الخواج إلى مكة، وعقدوا فيها مؤتمراً عرضوا فيه ما لاقاه حزبهم من القتل والتنكيل، وما مُني به العالم الإسلامي من الفتن والخطوب، وعزوا ذلك إلى الإمام (عليه السّلام) ومعاوية وابن العاص، فصمّموا على اغتيالهم، فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب.

وقال عمرو بن بكير التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. وضمن الحجّاج بن عبد الله الصريمي اغتيال معاوية، واتّفقوا على يوم معيّن وهو يوم الثامن عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، كما عيّنوا ساعة الاغتيال وهي ساعة خروجهم إلى صلاة الصبح.

وقفل ابن ملجم إلى الكوفة، وهو يحمل معه الشرّ والشقاء لجميع سكّان الأرض، والتقى بقطام وكان هائماً في حبّها، وكانت تعتنق فكرة الخوارج؛ فقد قُتل أبوها وأخوها في واقعة النهروان، وعرض عليها الزواج،

١٥٨

فشرطت عليه مهراً وهو ثلاثة آلاف درهم، وعبد وقينة، وقتل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، واتّفقا على هذا المهر المشؤوم، وفيه يقول الفرزدق:

ولم أرَ مهراً ساقهُ ذو سماحةٍ = كمهرِ قطامٍ من فصيحٍ وأعجمِ

ثلاثة آلافٍ وعبد وقينة = وضرب عليّ بالحسامِ المسمّمِ

فلا مهرَ أغلى من عليّ وإن غلا = ولا فتكَ إلاّ دونَ فتك ابن ملجمِ(١)

ولمّا أطلّت ليلة الثامن عشر من شهر رمضان المبارك اضطرب الإمام (عليه السّلام)، وجعل يمشي في صحن الدار وهو محزون النفس خائر القوى، وهو ينظر إلى الكواكب ويتأمّل فيها فيزداد قلقه، وهو يقول:«ما كذبتُ ولا كُذّبت، إنّها الليلة التي وُعدت فيها» .

وصادفت تلك الليلة ليلة الجمعة، وقد أحياها بالصلاة وتلاوة كتاب الله، ولمّا عزم على الخروج إلى الجامع ليؤدّي الصلاة صاحت في وجهه وزّ اُهديت إلى الإمام الحسن (عليه السّلام)، فتنبّأ عن وقوع الحادث العظيم قائلاً:«لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، صوائح تتبعها نوائح» (٢) .

وأقبل الإمام (عليه السّلام) على الباب ليفتحه فعسر عليه؛ لأنّها كانت من جذوع النخل لا من الساج، فاقتلعها فانحلّ إزاره، فشدّه وهو يقول:

اشدد حيازمكَ للموتِ = فإنّ الموتَ لاقيكا

ولا تجزع من الموتِ = إذا حلّ بناديكا(٣)

وخرج الإمام (عليه السّلام)، فلمّا انتهى إلى بيت الله جعل على عادته يوقظ الناس لصلاة الصبح، وشرع الإمام في أداء الصلاة، فلمّا استوى من السجدة الأولى هوى عليه

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٤٣.

(٢) مروج الذهب ٣ / ٢٩١.

(٣) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٥٥٧.

١٥٩

الوغد الأثيم ابن ملجم بسيفه وهو يهتف بشعار الخوارج: (الحكم لله لا لك).

وضرب الإمام (عليه السّلام) على رأسه فقدّ جبهته الشريفة، وانتهت الضربة القاسية إلى دماغه المقدّس الذي ما فكّر إلاّ في إقامة العدل وتدمير الظلم وإسعاد البؤساء والفقراء.

ولمّا أحسّ الإمام (عليه السّلام) بلذع السيف، رفع صوته قائلاً:«فزت وربّ الكعبة» .

لقد فزت يا إمام المتّقين ويعسوب الدين، فأيّ فوز أعظم من فوزك؟ لقد أقمت الإسلام بسيفك، وجاهدت في سبيل الله كأعظم ما يكون الجهاد، وحطّمت الشرك وأفكار الجاهليّة وتقاليدها، ورفعت كلمة الله مع ابن عمّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عالية في الأرض.

لقد فزت أيّها الإمام العظيم، فأنت أوّل حاكم في دينا الإسلام طلّقت الدنيا ثلاثاً فلم تغرّك مباهجها، ولم تخدعك السلطة، فلم تبنِ لك بيتاً، ولم تدّخر لعيالك وأبنائك شيئاً من حطام الدنيا.

لقد فزت، فقد كانت نهايتك المشرّفة في أقدس بيت من بيوت الله، وفي أعظم شهر من شهور الله، فبداية حياتك في الكعبة، ونهايتها في هذا الجامع العظيم، ولسانك يلهج بذكر الله.

ولمّا رُفع الإمام (عليه السّلام) صريعاً في محرابه هتف معرّفاً بقاتله قائلاً:«قتلني ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم فلا يفوتنّكم» .

وهرع الناس من كلّ جانب، قد أذهلهم الخطب وأضناهم المصاب، وبلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق، فوجدوا الإمام صريعاً في محرابه، فأخذوا يندبونه بذوب أرواحهم، ولم يستطع الإمام (عليه السّلام) الصلاة بالناس، فصلّى وهو جالس والدم ينزف منه، وأمر ولده الإمام الحسن فصلّى بالناس، وحُمل الإمام إلى منزله، واُلقي القبض على الوغد ابن ملجم فجيء به مخفوراً إلى الإمام (عليه السّلام)، فقال له بصوت خافت:

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343