السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192010 / تحميل: 8562
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

إلى العراق

ورافقت عقيلة بني هاشم أخاها أبا الأحرار في مسيرته الخالدة؛ لتكون معه في خندق واحد، وتشاركه في جهوده وجهاده لحماية الإسلام، وإنقاذ المسلمين من جور الاُمويِّين وظلمهم.

وقبل أن تُغادر العقيلة الحجاز استأذنت من زوجها عبد الله بن جعفر أن يسمح لها بالسفر مع شقيقها سيّد الشهداء، فأذن لها في ذلك، وقبل أن يسافر الإمام دخل عليه عبد الله بن عباس ليعدله عن السفر إلى العراق، فقال له الإمام (عليه السّلام):«يابن عباس، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت نبيّهم من وطنه وداره، وقراره وحرم جدّه، وتركوه خائفاً مرعوباً، لا يستقر في قرار، ولا يأوي إلى جوار، يريدون بذلك قتله وسفك دمه، ولم يشرك بالله شيئاً، ولم يرتكب منكراً ولا إثماً؟» .

فأجابه ابن عباس بصوت حزين النبرات قائلاً: جُعلت فداك يا حسين! إن كان لا بدّ لك من المسير إلى الكوفة فلا تسري بأهلك ونسائك.

فقال له الإمام الحسين (عليه السّلام):«يابن العمّ، إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في منامي وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه؛ إنّه أمرني بأخذهنَّ معي. يابن العمّ، إنّهنَّ ودائع رسول الله، ولا آمن عليهن أحداً» .

ويقول بعض الرواة: إنّ حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب قالت لابن عباس

٢٢١

وهي باكية العين: يابن عباس، تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟

وأجهش ابن عباس في البكاء وجعل يقول: يعزّ والله عليَّ فراقك يابن العمّ(١) .

لقد كان من أروع ما خطّطه الإمام في ثورته الكبرى حمله عقيلة بني هاشم وسائر مخدّرات الرسالة معه إلى العراق؛ فقد كان على علم بما يجري عليهنَّ من النكبات والخطوب، وما يقمنَ به من دور مشرّف في إكمال نهضته، وإيضاح تضحيته وإشاعة مبادئه وأهدافه.

وقد قمنَ حرائر النبوّة بإيقاظ المجتمع من سباته، وأسقطنَ هيبة الحكم الاُموي، وفتحنَ باب الثورة عليه؛ فقد ألقين من الخطب الحماسية ما زعزع كيان الدولة الاُمويّة.

لقد كان خروج العقيلة وسائر بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ضرورة ملحّة لا غنى عنها؛ فقد أخلدنَ نهضة أبي الأحرار.

يقول الإمام كاشف الغطاء: وهل تشكّ وترتاب في أنّ الحسين لو قُتل هو وولده، ولم يتعقّبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحدّيات لذهب قتله جباراً، ولم يطلب به أحد ثأراً، ولضاع دمه هدراً؟

فكان الحسين يعلم أنّ هذا عمل لا بدّ منه، وأنّه لا يقوم به إلاّ لتلك العقائل، فوجب عليه حتماً أن يحملهنَّ معه لا لأجل المظلومية بسبيهنَّ فقط، بل لنظر سياسي وفكر عميق، وهو تكميل الغرض، وبلوغ الغاية من قلب الدولة على يزيد، والمبادرة إلى القضاء عليها قبل أن تقضي على الإسلام، ويعود الناس إلى جاهليتهم الأولى(٢) .

ويقول الدكتور أحمد محمود صبحي: ثمّ رفض - يعني الحسين (عليه السّلام) - إلاّ أن

____________________

(١) زينب الكبرى / ٩٤.

(٢) السياسة الحسينيّة / ٤٦ - ٤٧.

٢٢٢

يصحب معه أهله؛ ليُشهد الناس على ما يقترفه أعداؤه ممّا لا يبرّره دين، ولا وازع من إنسانيّة، فلا تضيع قضيّته مع دمه المراق في الصحراء، فيُفترى عليه أشدّ الافتراء حين يعدم الشاهد العادل على ما جرى بينه وبين أعدائه.

تقول الدكتورة بنت الشاطئ: أفسدت زينب اُخت الحسين على ابن زياد وبني اُمية لذّة النصر، وسكبت قطرات من السمّ الزعاف في كؤوس الظافرين، وإنّ كلّ الأحداث السياسيّة التي ترتّبت بعد ذلك من خروج المختار، وثورة ابن الزّبير، وسقوط الدولة الاُمويّة، وقيام الدولة العباسية، ثمّ تأصّل مذهب الشيعة إنّما كانت زينب هي باعثة ذلك ومثيرته(١) .

اُريد أن أقول: ماذا يكون الحال لو قُتل الحسين (عليه السّلام) ومَنْ معه جميعاً من الرجال إلاّ أن يسجّل التأريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر أعدائه؟ فيضيع كلّ أثر لقضيته مع دمه المسفوك في الصحراء(٢) .

إنّ من ألمع الأسباب في استمرار خلود مأساة الإمام الحسين (عليه السّلام) واستمرار فعالياتها في نشر الإصلاح الاجتماعي هو حمل عقيلة الوحي وبنات الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع الإمام الحسين (عليه السّلام)؛ فقد قمنَ ببلورة الرأي العام، ونشرنَ مبادئ الإمام الحسين وأسباب نهضته الكبرى، وقد قامت السيدة زينب (عليها السّلام) بتدمير ما أحرزه يزيد من الانتصارات، وألحقت به الهزيمة والعار.

وسنوضح ذلك بمزيد من البيان في البحوث الآتية:

خطاب الحسين (عليه السّلام) في مكة

وأمر الإمام الحسين (عليه السّلام) بجمع الناس من أهالي مكة ومن المعتمرين والحجّاج فيها،

____________________

(١) بطلة كربلاء / ١٧٦ - ١٨٠.

(٢) نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية / ٣٤٣.

٢٢٣

فقام فيهم خطيباً فقال:«الحمد لله، وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله وسلّم. خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عُسلان (١) الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جُوفاً، وأجربةً سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويُوفّينا أجر الصابرين.

لن تَشُذّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. مَنْ كان باذلاً فينا مهجته، ومُوَطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا؛ فإنّني راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالى» (٢) .

ونعى الإمام نفسه في هذا الخطاب التأريخي الخالد، واعتبر الشهادة في سبيل الله زينة للإنسان كالقلادة التي تكون زينة للفتاة، كما أعلن عن شوقه العارم لملاقاة الله تعالى، وأنّ اشتياقه للذين استشهدوا في سبيل الله كاشتياق يعقوب إلى يوسف. وأخبر (عليه السّلام) عن البقعة الطاهرة التي يستشهد فيها، وهي ما بين النواويس وكربلاء، فيها تُقطّع أوصاله ويُراق دمه الزاكي.

وعلى أيّ حال، فقد حلّلنا هذا الخطاب وذكرنا أبعاده في كتابنا (حياة الإمام الحسين).

____________________

(١) العسلان: هي الذئاب.

(٢) كشف الغمّة ٢ / ٢٤١.

٢٢٤

السفر إلى العراق

وقبل أن يغادر الإمام (عليه السّلام) مكة مضى إلى البيت الحرام فأدّى له التحية بطوافه وصلاته، وبقي فيه حتّى أدّى صلاة الظهر ثمّ خرج مودّعاً له(١) .

وخرج الإمام (عليه السّلام) من مكة وهو يحمل معه مخدّرات الرسالة وعقائل النبوّة، وكان خروجه في اليوم الثامن من ذي الحجّة سنة ستّين من الهجرة(٢) ، وخيّم الحزن والأسى على أهل مكة وعلى حجاج بيت الله الحرام، وكان الإمام لا ينزل منزلاً إلاّ حدّث أهل بيته عن مقتل يحيى بن زكريا(٣) .

وسار موكب الإمام لا يلوي على شيء حتّى انتهى إلى موضع يُسمّى بـ «الصفاح»، فالتقى بالشاعر الكبير الفرزدق فسلّم على الإمام، وقال له: بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟

فأجابه الإمام عن سبب خروجه:«لو لم أعجل لأُخذت» .

إنّ السبب في خروج الإمام (عليه السّلام) قبل أن يتمّ العمرة هو أنّ السلطة قد عهدت إلى عصابة منها باغتيال الإمام ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة؛ فلذا سارع الإمام بالخروج من مكة.

وبادر الإمام (عليه السّلام) فسأل الفرزدق، فقال له:«من أين أقبلت يا أبا فراس؟» .

- من الكوفة.

-«بيّن لي خبر الناس؟» .

- على الخبير سقطت؛ قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء، وربّنا كلّ يوم هو في شأن(٤) .

____________________

(١) و (٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٥٣ - ٥٤.

(٢) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦.

(٤) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٦٠.

٢٢٥

واستصوب الإمام (عليه السّلام) كلام الفرزدق، فقال له:«صدقت، لله الأمر من قبل ومن بعد، يفعل الله ما يشاء وكلّ يوم ربّنا في شأن؛ إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدّ مَنْ كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته» (١) .

وواصل الإمام مسيرته الخالدة بعزم وثبات، لم يثنه عن عزيمته قول الفرزدق في تخاذل الناس عنه وتجاوبهم مع بني اُميّة.

مع أبي هرّة

وسار الإمام (عليه السّلام) مع موكبه حتّى انتهى إلى ذات عرق، فخفّ إليه أبو هرّة فقال له: يابن رسول الله، ما الذي أخرجك من حرم الله وحرم جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟

فأجابه الإمام بتأثّر قائلاً:«ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عِرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الله، لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسنّهم الله ذُلاّ شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وليسلّطنّ الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم» (٢) .

وانصرف الإمام (عليه السّلام) وهو حزين من هؤلاء الناس الذين لا يملكون وعياً لنصرة الحقّ والدفاع عن الإسلام.

فزع السيدة زينب (عليه السّلام)

وكانت السيدة زينب (عليها السّلام) فزعة حزينة قد ذابت نفسها أسى وحسرات؛ فقد علمت

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٦٠.

(٢) المصدر السابق ٥ / ٦٤.

٢٢٦

ما سيجري على أهلها من القتل، فخفّت إلى أخيها حينما كانوا في الخزيمية، وهي تقول له بنبرات مشفوعة بالبكاء: يا أخي، إنّي سمعت هاتفاً يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد = فمَنْ يبكي على الشهداءِ بعدي

على قومٍ تسوقهمُ المنايا = بمقدارٍ إلى إنجازِ وعدي

فأجابها أبيّ الضيم (عليه السّلام) غير حافل بما سيلقاه من النكبات والخطوب:«يا اُختاه، كلّ الذي قضى فهو كائن» (١) .

لقد أراد الإمام (عليه السّلام) من شقيقته أن تتسلّح بالصبر، وأن تقابل الرزايا والمصائب برباطة جأش وعزم حتّى تقوى على أداء رسالته.

النبأ المروّع بشهادة مسلم (عليه السّلام)

وانتهى النبأ المروّع بشهادة البطل مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) حينما كان في زرود؛ فقد أقبل رجل من أهل الكوفة، فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) عدل عن الطريق، فتبعه بعض أصحاب الإمام فالتقيا به وانتسبا له، وسألاه عن خبر الكوفة، فقال: إنّه لم يخرج منها حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورآهما يُجرّان بأرجلهما في الأسواق.

وأسرعا إلى الإمام (عليه السّلام) فقالا له: رحمك الله، إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك به علانية وإن شئت سرّاً.

ونظر الإمام إلى أصحابه فقال:«ما دون هؤلاء سرّاً» . وأخبراه بما سمعاه من الرجل من شهادة مسلم وهانئ، فكان هذا النبأ كالصاعقة على العلويِّين، فانفجروا بالبكاء على فقيدهم العظيم حتّى ارتجّ الموضع من شدّة البكاء، والتفت الإمام إلى بني عقيل فقال لهم:

____________________

(١) المناقب - لابن شهرآشوب ٥ / ١٢٧.

٢٢٧

«ما ترون؟ فقد قُتل مسلم» .

ووثبت الفتية كالأسود الضاربة، وهم يعلنون استهانتهم بالموت، وتصميمهم على الشهادة قائلين: لا والله، لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم.

وراح الإمام (عليه السّلام) يقول:«لا خير في العيش بعد هؤلاء» .

وتمثّل (عليه السّلام) بهذين البيتين:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى = إذا ما نوى حقّاً و جاهد مسلما

فإن متُّ لم أندم وإنْ عشت لم أُلمْ = كفى بكَ عاراً أن تذلَّ وتُرغما(١)

لقد مضى إلى ساحات الجهاد مرفوع الرأس، وهو على يقين لا يخامره شكّ في أنّه يسير إلى الفتح الذي لا فتح ولا ظفر مثله.

رؤيا الإمام الحسين (عليه السّلام)

وخفق الإمام الحسين (عليه السّلام) وقت الظهيرة فرأى رؤياً أفزعته، فانتبه مذعوراً، فأسرع إليه ولده مفخرة الإسلام علي الأكبر قائلاً: يا أبتِ، ما لي أراك فزعاً؟

-«رأيت رؤيا أفزعتني» .

- خيراً رأيت.

-((رأيت فارساً وقف عليَّ وهو يقول: أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة. فعلمت أنّ أنفسنا نُعيت إلينا)) (٢) .

____________________

(١) الدرّ النظيم / ١٦٧.

(٢) تاريخ الإسلام - الذهبي ٢ / ٣٤٦.

٢٢٨

وبادر عليّ قائلاً: ألسنا على الحقّ؟

أجل يا فخر هاشم أنتم معدن الحقّ، وأصله ومنتهاه، وأجابه أبوه قائلاً:«بلى والذي إليه مرجع أمر العباد» .

وطفق عليّ يلقي كلمته الذهبية الخالدة قائلاً: يا أبتِ، لا نبالي الموت.

ووجد الإمام الحسين (عليه السّلام) في ولده البارّ خير عون له على أداء رسالته الكبرى، فشكره على ذلك قائلاً:«جزاك الله يا بُني خير ما جزى به ولداً عن والده» (١) .

الالتقاء بالحرّ

وانتهى ركب الإمام إلى شراف وفيها عين للماء، فأمر الإمام فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا منه ففعلوا ذلك، ثمّ سارت قافلة الإمام (عليه السّلام) تطوي البيداء، فبادر رجل من أصحاب الإمام فكبّر، فاستغرب الإمام (عليه السّلام) وقال له:«لِمَ كبّرت؟» .

- رأيت النخل.

وأنكر عليه رجل ممّن خبر الطريق وعرفه، فقال له: ليس ها هنا نخل، ولكنّها أسنة الرماح وآذان الخيل.

وتأمّلها الإمام الحسين (عليه السّلام) فقال:«وأنا أرى ذلك» .

وعرف الإمام أنّها طلائع الجيش الاُموي جاءت لإلقاء القبض عليه، فقال لأصحابه:«أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟» .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ١١١.

٢٢٩

فقال له بعض أصحابه: هذا ذو حسم(١) إلى جنبك تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت له فهو كما تريد.

ومال ركب الإمام (عليه السّلام) إليه، فلم يسيروا إلاّ قليلاً حتّى أدركهم جيش مكثّف بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، وكان ابن مرجانة قد عهد إليه أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام (عليه السّلام)، وكان عدد ذلك الجيش ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، ووقفوا قبال الإمام (عليه السّلام)، وكان الوقت شديد الحرّ، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة العطش، فرقّ عليهم الإمام (عليه السّلام) وغضّ نظره من أنّهم جاؤوا لقتاله وسفك دمه، فأمر أصحابه وأهل بيته أن يسقوهم الماء، ويرشفوا خيولهم.

وقام أصحاب الإمام فسقوا القوم عن آخرهم، ثمّ انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملؤون القصاع والطساس فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت وسقي الآخر حتّى سقوها جميعاً(٢) .

لقد تكرّم الإمام (عليه السّلام) بإنقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه، ولم تهزّ هذه الأريحية ولا هذا النبل نفس هذا الجيش، ولم يتأثّروا بهذا الخلق الرفيع؛ فقد أحاطوا بالفرات في كربلاء وحرموا ذرّية نبيّهم من الماء، ولم يسقوهم قطرة حتّى توفّوا عطاشى.

خطاب الإمام (عليه السّلام)

وخطب الإمام (عليه السّلام) في قطعات ذلك الجيش، فقال بعد حمد الله والثناء عليه:«أيّها الناس، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ إليكم. إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت بها عليَّ رسلكم، أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام، ولعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى؛ فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما اطمئن به

____________________

(١) ذو حسم (بضمّ الحاء وفتح السين): جبل هناك.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٦.

٢٣٠

من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم» .

وأحجموا عن الجواب؛ فإنّ الأكثرية الساحقة منهم قد كاتبوا الإمام (عليه السّلام) وبايعوه على يد سفيره مسلم بن عقيل (عليه السّلام).

وحلّ وقت الصلاة فأمر الإمام مؤذّنه الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ويقيم لصلاة الظهر، وبعد فراغه قال الإمام (عليه السّلام) للحرّ:«أتريد أن تصلّي بأصحابك؟» .

فقال: بل نصلّي بصلاتك.

وأتمّوا بالإمام (عليه السّلام) فصلّى بهم صلاة الظهر، وبعد أدائه للصلاة قام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:«أيّها الناس، إنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم» .

ولم يعلم الحرّ بشأن الكتب التي بعثها أهل الكوفة للإمام (عليه السّلام)، فقال له: ما هذه الكتب التي تذكرها؟

فأمر الإمام (عليه السّلام) عقبة بن سمعان بإحضارها، وكانت قد ملئت خرجين، فنثرها بين يدي الحرّ فبُهر منها، وقال: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك.

وأراد الإمام (عليه السّلام) أن يتّجه إلى يثرب، فقال له الحرّ: قد اُمرت أن لا اُفارقك إذا لقيتك حتّى اُقدمك الكوفة على ابن زياد.

وتأثّر الإمام (عليه السّلام) وصاح به:«الموت أدنى إليك من ذلك» .

وجرت مشادّة عنيفة بين الإمام والحرّ؛ فقد حال الحرّ من توجّه الإمام إلى يثرب، وكان الوضع أن ينفجر باندلاع نار الحرب، إلاّ أنّ الحرّ ثاب إلى الهدوء وقال للإمام (عليه السّلام): إنّما لم اُؤمر بقتالك، وإنّما اُمرت أن لا اُفارقك حتّى اُقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة.

واتّفقا على ذلك، فتياسر

٢٣١

الإمام (عليه السّلام) عن طريق العذيب والقادسية(١) . وأخذت قافلة الإمام (عليه السّلام) تطوي البيداء، وكان الحرّ يُتابعه عن كثب، ويراقبه كأشدّ ما تكون المراقبة.

وفزعت حفيدة الرسول كأشدّ ما يكون الفزع وأيقنت بنزول الرزء القاصم، وأنّ أخاها مصمّم على الشهادة ومناجزة الحكم الاُموي.

خطبة الإمام (عليه السّلام)

ولمّا انتهى موكب الإمام إلى (البيضة) ألقى الإمام خطاباً على الحرّ وأصحابه، وقال فيه:«أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما هو عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله.

ألا إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ ممّنْ غيَّر. وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني؛ فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم فيَّ اُسوة.

وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي، فلعمري ما هي لكم بنكر؛ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، فالمغرور مَنْ اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَنْ نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم» .

وحفل هذا الخطاب الرائع باُمور بالغة الأهمية ذكرناها في كتابنا (حياة الإمام الحسين).

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٨٠.

٢٣٢

ولمّا سمع الحرّ خطاب الإمام (عليه السّلام) ووعاه أقبل عليه، فقال له: إنّي اُذكّرك الله في نفسك؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن.

فأجابه الإمام (عليه السّلام):«أبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! وما أدري ما أقول لك، ولكنّي أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أين تذهب فإنّك مقتول. فقال له:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى = إذا ما نوى خيراً وجاهدَ مسلما

وواسى الرجالَ الصالحينَ بنفسهِ = وخالفَ مثبوراً و فارقَ مجرما

فإن عشتُ لم أندم و إن متُّ لم أُلمْ = كفى بكَ ذلاً أن تعيشَ وتُرغما))

ولمّا سمع الحرّ مقالة الإمام (عليه السّلام) عرف أنّه مصمّم على الشهادة في سبيل أهدافه النبيلة. والتاعت السيّدة زينب (عليها السّلام) حينما سمعت مقالة أخيها، وأيقنت أنّه مصمّم على الموت والشهادة في سبيل الله.

مع الطرمّاح

وصحب الطرمّاح الإمام (عليه السّلام) في أثناء الطريق، وأقبل الإمام على أصحابه فقال لهم:«هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟» .

فقال له الطرماح: أنا أخبر الطريق.

فقال (عليه السّلام) له:«سر بنا» .

فسار بهم الطرماح وجعل يحدو بالإبل بصوت حزين قائلاً:

يا ناقتي لا تذعري من زجري = وامضي بنا قبلَ طلوعِ الفجرِ

بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سفرِ = آلِ رسولِ اللهِ أهلِ الفخرِ

السادةِ البيض الوجوهِ الزهرِ = الطاعنينَ بالرماحِ السمرِ

٢٣٣

الضاربينَ بالسيوفِ البترِ = حتى تحلّى بكريمِ النجرِ

بماجدِ الجدِّ رحيبِ الصدرِ = أتى بهِ اللهُ لخيرِ أمرِ

عمّرهُ اللهُ بقاءَ الدهرِ = يا مالكَ النفعِ معاً و الضرِّ

أمدد حسيناً سيّدي بالنصرِ = على الطغاةِ من بقايا الكفرِ

على اللعينينِ سليلَي صخرِ = يزيد لا زالَ حليفَ الخمرِ

والعودِ والصنجِ معاً والزمرِ = وابن زيادِ العهرِ وابنِ العهرِ(١)

وأسرعت الإبل في سيرها على نغمات هذا الشعر الحزين، وقد فاضت عيون السيّدات من بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي طليعتهن السيدة زينب بالبكاء، وهنّ يدعون للإمام (عليه السّلام) بالنصر والتأييد على أعدائه.

رسالة ابن زياد للحرّ

وسارت قافلة الإمام تطوي البيداء، وهي تارة تتيامن واُخرى تتياسر، وجنود الحرّ يذودون الركب عن البادية ويدفعونه تجاه الكوفة والركب يمتنع عليهم، وإذا براكب قد أقبل وهو رسول من قِبل ابن زياد إلى الحرّ، فسلّم الخبيث الدنس على الحرّ ولم يسلّم على الحسين (عليه السّلام)، وناول الحرّ رسالة من ابن مرجانة جاء فيها: أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يُفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسّلام(٢) .

وقرأ الحرّ الكتاب على الإمام الحسين (عليه السّلام)، وقد أراد أن يستأنف سيره متّجهاً صوب قرية أو ماء، فمنعه الحرّ. وانبرى زهير بن القين وهو من أفذاذ أصحاب الإمام (عليه السّلام)، فقال له: يابن رسول الله، إنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ١١١.

(٢) أنساب الأشراف / ٢٤٠.

٢٣٤

من بعدهم ما لا قِبل لنا به.

فقال له الحسين (عليه السّلام):«ما كنت لأبدأهم بقتال» .

وتابع زهير حديثه قائلاً: سر بنا إلى هذه القرية حتّى ننزلها فإنّها حصينة، وهي على شاطئ الفرات، فإن منعونا قاتلناهم؛ فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم.

ولكنّ الحرّ أصرّ على الإمام (عليه السّلام) أن ينزل في ذلك المكان ولا يتجاوزه، ولم يجد الإمام بدّاً من النزول فيه، والتفت إلى أصحابه فقال لهم:«ما اسم هذا المكان؟» .

فقالوا له: كربلاء.

وفاضت عيناه بالدموع وقال:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء» (١) .

وطافت به الذكريات، ومثل أمامه ما قاله جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبوه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أنّ دمه الزاكي سيُراق في هذه الأرض، وفيها تتقطّع أوصاله، وتُسفك دماء أهل بيته وأصحابه، وخلد الإمام إلى الصبر واستسلم لقضاء الله.

ونهض أصحاب الإمام (عليه السّلام) وأهل بيته فنصبوا الخيام لمخدّرات الرسالة وعقائل الوحي كما نصبوا الخيام لهم، وأسرع فتيان بني هاشم وأمامهم سيّدهم أبو الفضل العباس فأنزلوا السيّدات من المحامل وجاؤوا بهنَّ إلى خيامهن، وقد أحسّت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب (عليها السّلام) بالأخطار الهائلة والكوارث التي ستجري عليها وعلى أهلها في هذه الأرض.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٩١.

٢٣٥

٢٣٦

في كربلاء

وذاب قلب الصدّيقة الطاهرة زينب أسى وحسرات، واستولى عليها الألم العاصف؛ فقد أيقنت أنّها ستُشاهد في هذه الأرض مصرع أخيها وأهل بيته، وستجري عليها من النكبات والخطوب ما تذوب من هولها الجبال، وقد خلدت إلى الصبر وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

وحينما استقرّ الإمام الحسين (عليه السّلام) في كربلاء جمع أهل بيته وأصحابه فألقى عليهم نظرة حنان وعطف، ورفع يديه بالدعاء يناجي ربّه، ويشكو إليه ما ألمّ به من المحن والخطوب قائلاً:«اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد (صلّى الله عليه وآله)، قد اُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو اُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين» .

ثمّ أقبل على تلك الصفوة فقال لهم:«الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون» .

وحكت هذه الكلمات الذهبية واقع الناس واتّجاهاتهم، فهم في جميع مراحل التأريخ عبيد الدنيا، أمّا الدين فإنّما يجري على ألسنتهم، فإذا محّصوا بالبلاء مالوا عنه وتنكّروا له.

ثمّ خاطب أصحابه قائلاً:«أمّا بعد، فقد نزل بنا ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنّكرت، وأدبر

٢٣٧

معروفها، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل(١) .

ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً» (٢) .

والتاعت سيدة النساء زينب حينما سمعت خطاب أخيها وهو مصمّم على الموت، فقد اعتبره سعادة، واعتبر الحياة والعيش مع الظالمين برماً.

وحينما أنهى الإمام (عليه السّلام) خطابه هبّ أصحابه وأهل بيته وهم يعلنون الدعم الكامل له، ويهزؤون بالحياة، ويسخرون من الموت من أجله، فشكرهم الإمام (عليه السّلام) وأثنى عليهم.

خطبة ابن مرجانة

وحينما انتهى النبأ بنزول الإمام في كربلاء وإحاطة الحرّ به، دعا ابن مرجانة الناس إلى الجامع الأعظم فامتلأ منهم، فقام فيها خطيباً فقال: أيّها الناس، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه؛ حسن السيرة، محمود الطريقة، محسناً إلى الرعية، يُعطي العطاء في حقّه، وقد أمنت السبل على عهده، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره.

وهذا ابنه يزيد يُكرم العباد، ويغنيهم بالأموال، وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة، وأمرني أن اُوفّرها عليكم، واُخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا(٣) .

لقد منّاهم بالأموال التي يعبدونها من دون الله فاستجابوا له، وخرجوا

____________________

(١) المرعى الوبيل: هو الطعام الوخيم الذي يخاف وباله.

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٤، من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

(٣) الأخبار الطوال / ٢٥٣.

٢٣٨

كالكلاب لحرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة.

انتخاب ابن سعد للقيادة العامة

وانتخب الوغد الأثيم عبيد الله بن زياد عمر بن سعد قائداً عامّاً لقوّاته المسلّحة، وكان ابن سعد من أخسّ الناس ومن أرذلهم، ولا يملك أيّ رصيد من الشرف والكرامة، وكان ضعيف النفس، خائر العزيمة، لقد انتخبه ابن زياد لأفظع جريمة منذ خلق الله الأرض.

فقاد الجيوش لحرب ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأحاط به من كلّ جانب، وفرض عليه الحصار، فاستولى على جميع الطرق مخافة أن يصل إليه أيّ إمداد من الخارج. كما عهد إلى أربعة آلاف فارس بقيادة المجرم عمرو بن الحجّاج فاحتلوا نهر الفرات وجميع الشرائع والأنهر المتفرّعة منه، وقد حيل بين الإمام الحسين (عليه السّلام) وبين الماء قبل قتله بثلاثة أيام(١) .

وقد عانت العقيلة أعظم المحن؛ فقد أحاطت بها الأطفال وحرائر الرسالة وهم يعجّون من ألم الظمأ، وهي تصبّرهم وتمنّيهم بوصول الماء إليهم. لقد ذاب قلبها رحمةّ وحناناً على أطفال أخيها الذين ذبلت شفاههم وذوى عودهم.

يقول أنور الجندي:

و ذئابُ الشرورِ تنعمُ بالما = ءِ وأهلُ النبي من غيرِ ماءِ

يا لظلمِ الأقدارِ يظمأ قلب ال = -ليثِ و الليثُ موثقُ الأعضاءِ

وصغارُ الحسينِ يبكونَ في الصحرا = ء يا ربِّ أينَ غوثُ القضاءِ

إنّ جميع الشرائع والمذاهب لا تُبيح منع الماء عن الأطفال والنساء؛ فالناس جميعاً شركاء فيه، ولكن شريعة آل أبي سفيان التي تحكي طباع الاُسر القرشيّة التي أبت أن تجتمع الخلافة والنبوّة في بيت واحد هي التي حرّمت الماء على آل الرسول (صلّى الله عليه وآله).

____________________

(١) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان / ٨٩.

٢٣٩

الإمام (عليه السّلام) مع ابن سعد

وطلب الإمام (عليه السّلام) من ابن سعد الاجتماع به، فأجابه الباغي اللئيم على كره، وعقد الإمام (عليه السّلام) معه اجتماعاً مغلقاً حضره أبو الفضل العباس وعلي الأكبر، ومع ابن سعد ابنه حفص وغلام له، فقال له الإمام (عليه السّلام):«يابن سعد، أتقاتلني؟ أما تتقي الله الذي إليه معادك؛ فإنّي ابن مَنْ قد علمت؟ ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنّه أقرب إلى الله تعالى؟» .

وألقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلاً: أخاف أن تُهدم داري.

-«أنا أبنيها» .

- أخاف أن تؤخذ ضيعتي.

-«أنا أخلف عليك خيراً منها» .

- إنّ لي بالكوفة عيالاً، وأخاف عليهم من القتل مع ابن زياد.

ولمّا رأى الإمام (عليه السّلام) إصراره على الغيّ والعدوان، ولا ينفع معه النصح والإرشاد، راح يدعو عليه قائلاً:«ما لك؟ ذبحك الله على فراشك، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً» .

وولّى ابن سعد وهو يقول للإمام بسخرية: إنّ في الشعير كفاية.

واستجاب الله دعاء الإمام المظلوم في هذا الوضر الخبيث؛ فقد ذبحته جنود البطل العظيم المختار بن يوسف (نضّر الله مثواه) وهو على فراشه، وسيقت روحه الخبيثة إلى نار جهنم خالداً فيها مع أمثاله من المجرمين وأسياده الاُمويِّين.

وكانت العقيلة على علم بجميع ما يجري من الأحداث، وأيقنت أنّ أخاها سيلاقي حتفه على يد هذه العصابة المجرمة التي لم تؤمن بالله، والتي ساقتها الأطماع إلى اقتراف أفظع جريمة في الأرض.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى عن ذلك. قلت: فلم أسرى بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السموات، ثم تدلىصلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يابن عباس، تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال: إليَّ يابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن عباس: يابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين فقال الحسينعليه‌السلام : يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، مائلاً على المنهاج ظاعناً في الإعوجاج، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير منفصل، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٩ ص ٤٢٤

وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال ابن عباس: رأى ربه بقلبه، وهو معنى قوله علمه، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها.

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأى محمد جبرائيل على صورته.

وقال الحسن: يعني ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته.

وقال الحسن: عرج بروح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء وجسده في الأرض.

وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: أن

٣٢١

الله تعالى صعد بجسمه حياً سليماً حتى رأى ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة..... ومعنى: ما كذب الفؤاد، أي ما توهم أنه يرى شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه.

- وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٥٥

في تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال قال لي: يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

- ورواه في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٠٧ ، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنوية، وبالرؤية الرؤية القلبية، أو الحجب الصورية، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه.

- وفي بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٧

بيان: إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى الفؤاد. قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً، لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه، والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه سئلعليه‌السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرئ (ما كذَّب) أي صدقه ولم يشك فيه....

٣٢٢

قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى، والثاني جبرئيلعليه‌السلام ، والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق.

وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لا فساد فيه.

الرابع: أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكون المرئي هو الله تعالى، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.

وأما استدلالهعليه‌السلام بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

- مختصر في العقيدة للدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ص ١١

٨ - الله سبحانه وتعالى لا يرى بالأبصار. لأنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُرى، والدليل على ذلك - عقلاً ونقلاً:

٣٢٣

دليل العقل: إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات. والله سبحانه وتعالى موجود ولم نره، ولا يصح لنا أن نراه، لأن المرئي يجب أن يكون جسماً يرى، وله لون، وفي جهة من الجهات، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر على وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها.ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فكيف يرى الله والروح بعض أسراره؟

وكيف يخفى والشمس بعض آياته؟!

نراه سبحانه بعيون التصديق والإيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة، نراه بالبصائر لا بالأبصار.

ومن زعم أنه يرى في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه(إلى ربها ناظرة) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلى رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآية التي بعدها(تظن أن يفعل بها فاقرة) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته.

ومن جهة ثانية: فقد ورد ناظر بمعنى منتظر كما في قوله سبحانه(ما ينظرون إلا صيحة) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر. وكذلك قوله تعالى - حكاية عن بلقيس -(فناظرة بم يرجع المرسلون) . والدليل إذا طرقه الإحتمال بطل الإستدلال به.

كما أن أهل البيتعليهم‌السلام مجمعون على عدم تجويز رؤية الله، وإجماعهم حجة، كما قال ابن تيمية وغيره، والأحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض على القرآن، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لأنها تقتضي التشبيه.

فالحديث الذي يقول (إنكم ترون ربكم كالقمر) يؤدي إلى تشبيه الله بخلقه

٣٢٤

كالقمر، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلى التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك، والأخذ بالآية المحكمة أولى من الأخذ بالمتشابه.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- صحيح مسلم ج ١ ص ١٠٩

- عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك قال: نور، أنى أراه!

عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عن أى شيء كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأيت نوراً.

حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل:فكان قاب قوسين أو أدنى ، قال أخبرني ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.

عن زر، عن عبد الله قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام له ستمائة جناح.

زر بن حبيش، عن عبد الله قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.

عن عطاء، عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل.

عن عبد الملك عن عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

عن أبي العالية، عن ابن عباس قال:ما كذب الفؤاد ما رأى * ولقد رآه نزلة أخرى ، قال: رآه بفؤاده مرتين. انتهى.

٣٢٥

- وروى الترمذي في ج ٥ ص ٧٠ ، عدة روايات في رؤية النبي لربه في الإسراء بقلبه، وروايتين في رؤيته له بعينه، قال: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رآه بقلبه. هذا حديث حسن....

عن قتادة، عن عبد الله ابن شقيق، قال قلت لأبي ذر لو أدركت النبي صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عما كنت تسأله؟ قلت: أسأله هل رأى محمد ربه؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً، أنى أراه! هذا حديث حسن.

- عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. هذا حديث حسن صحيح.

عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت أليس الله يقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذى هو نوره وقد رأى محمد ربه مرتين. هذا حديث حسن غريب.

عن ابن عباس في قول الله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * فأوحى إلى عبده ما أوحى .[فكان قاب قوسين أو أدنى]. قال ابن عباس: قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم. هذا حديث حسن. انتهى.

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٢٢٣

عن ابن عباس في قوله عز وجل: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبوالشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قوله ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض.

٣٢٦

وأخرج مسلم وأحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى محمد ربه بقلبه مرتين.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه بقلبه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أره غير ذلك.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: محمد، رآه بفؤاد ولم يره بعينيه.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه مرتين بفؤاده.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه، وما أزعم أنه لم يره.

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال نور، أنى أراه؟! وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رأيت نوراً!

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.

وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره.

٣٢٧

وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأى جبريل في صورته.

وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين، فرآه في خضر يتعلق به الدر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى نوراً عظيماً عند سدرة المنتهى.

وأخرج أبوالشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل معلقاً رجله بسدرة عليه الدر كأنه قطر المطر على البقل.

وأخرج أبوالشيخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق يتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا الله.

وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد، إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت، وقد رآها محمد بقلبه ورأى ربه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: كان أول شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبريل يا محمد يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً ثلاثاً، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه على الأخرى على أفق السماء، فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه، فهرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس فنظر فرآه، فذلك قول الله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى إلى قوله: ثم دنا فتدلى، يعني جبريل إلى محمد، فكان قاب قوسين أو أدنى، يقول القاب نصف الإصبع، فأوحى إلى عبده ما أوحى، جبريل إلى عبد ربه.

٣٢٨

وروى حديث (في حلة من رفرف) أحمد في ج ١ ص ٣٩٤ و ص ٤١٨ والحاكم ج ٢ ص ٤٦٨، وكلها عن عبد الله بن عمر، وقال الحاكم (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٢٥٢

أنكر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حديث مشرك بن أبي خمر الذي يثبت فيه الدنو والتدلي لرب العزة، سبحانه وتعالى عما يصفون.... ذهب البيهقي إلى ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ومن حملهم هذه الآيات (ثم دنى فتدلى..) عن رؤية جبرئيل، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة، قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أنى أراه!

- مصابيح السنة للبغوي ج ٤ ص ٣٠

عن زرارة بن أوفى: أن رسول الله (ص) قال لجبرئيل: هل رأيت ربك؟ فانتفض جبرئيل وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت.

ونفى قدماء المتصوّفة الرؤية بالعين في الدنيا

- التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي المتوفى سنة ٣٨٠ قال في ص ٤٣:

وأجمعوا أنه لا يرى في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإيقان، لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا في أفضل المكان، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق، ولما منع الله سبحانه كليمه موسىعليه‌السلام ذلك في الدنيا، وكان من هو دونه أحرى. وأخرى أن الدنيا دار فناء، ولا يجوز أن يرى الباقي في الدار الفانية، ولو رأوه في الدنيا لكان الإيمان به ضرورة.

والجملة أن الله تعالى أخبر أنها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنها تكون في الدنيا فوجب الإنتهاء إلى ما أخبر الله تعالى به.

٣٢٩

واختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه ليلة المسرى، فقال الجمهور منهم والكبار إنه لم يره محمد صلى الله عليه وسلم ببصره، ولا أحد من الخلائق في الدنيا، على ما روي عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد كذب.....

وقال بعضهم: رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المسرى، وإنه خص من بين الخلائق بالرؤية كما خص موسىعليه‌السلام بالكلام، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس، منهم أبو عبد الله القرشي والشبلي وبعض المتأخرين.

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم يره ببصره، واستدل بقوله:ما كذب الفؤاد ما رأى .

ولا نعلم أحداً من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم من زعم أن الله تعالى يرى في الدنيا أو رآه أحد من الخلق، إلا طائفة لم يعرفوا بأعيانهم.

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفية ادعوها لأنفسهم، وقد أطبق المشايخ كلهم على تضليل من قال ذلك وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتباً، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعى ذلك فلم يعرف الله عز وجل، وهذه كتبهم تشهد على ذلك.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

يلاحظ أن روايات إخواننا التي ادعت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه تعالى بعينه، ورد قليل منها في حادثة الإسراء والمعراج، وأكثرها ورد في حادثة غير مفهومة ادعى راويها أنها وقعت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وبعض رواياتها نصت على أنها منام، أو شك راويها في أن تكون في المنام.. الخ.

٣٣٠

- شرح مسلم للنووي - الساري ج ٢ ص ٩٤

قوله عن عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رأى جبريل له ستمائة جناح، وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى. انتهى.

ويلاحظ أنه نسب القول بالرؤية بالعين إلى جمهور المفسرين، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموي من تلامذة كعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم! ولكنه عاد ونسبها إلى أكثر العلماء، فقال في هامش الساري ج ٢ ص ٩٢:

الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأى ربه يعني بعيني رأسه ليلة الإسراء. انتهى. وهذا إن صحّ فهو يعني أن أكثرية علماء إخواننا قلدوا المفسرين من تلاميذ كعب وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة لها.

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ٦٦ وج ٥ ص ٣٧٨ وفي ج ١ ص ٣٦٨:

عن أبي قلابة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة أحسبه يعني في النوم فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات والدرجات؟ قال المكث في المساجد والمشي على الأقدام إلى الجمعات وابلاغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه! وقال: يا محمد أصليت اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

٣٣١

-ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٧٦ - ١٧٨ بعدة روايات، وقال عن رواية ابن عايش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه رآه حتى انقطع نفس أحمد.

- وروى الترمذي في سننه ج ٥ ص ٤٤ وقال:

وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس.

ورواه في ٢ ص ٤٥ وص ٤٦ بروايتين أيضاً وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥:

عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... ثم ذكر قول أحمد: أنا أقول بحديث بن عباس بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفس أحمد.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ وقال: سئل ابن حنبل عن الرؤية قال: رآه رآه رآه حتى انقطع صوته.

ورواه أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس.... وروى: رأى ربه في أحسن صورة ووضع يديه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه.

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٢٥٧

وأما الروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٦ ص ٤٢٩

عن نعيم عن.... أم الطفيل أنها سمعت النبي (ص) يقول رأيت ربي في أحسن صورة، شاباً، موقراً، رجلاه في مخصر، عليه نعلان من ذهب.

٣٣٢

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٤

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة....

- وقال الذهبي في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

إبراهيم زبن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدميه أو رجليه في خضرة.

وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسى، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي.

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير، حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت. قال المرودي قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة! فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان، عن زيرك، عن عكرمة. وهو غريب جداً. انتهى. وروى نحوه الدارمي في سننه ج ٢ ص ١٢٦ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٢٩٠ والسهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٢٦٨ وابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٤٦٥ وج ٧ ص ٣٥٦ ورواه الهندي في كنز العمّال ج ١٥ ص ٨٩٧ - ٥٩٨ وفي ج ١٦ ص ٢٤٥ - ٢٤٧ بروايات متعددة وقال في مصادره (عب، حم وعبد بن حميد، ت عن ابن عباس) (ت، ك عن معاذ) (كر) (ابن مندة، والبغوي، ق، كر). والنويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٢٦٢

٣٣٣

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٠٤

عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، روي عنه حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٥٨

- حديث: أتاني ربي في أحسن صورة، أخرجه الترمذي عن ابن عباس: إن الله وضع يده على كتف رسول الله (ص) حتى وجد رسول الله بردها بين ثدييه أو قال في خدي. وروى نحوه أيضاً في ج ٢ ص ٤٤ والقسطلاني في إرشاد الساري ج ٧ ص ٣٢٠ وص ٣٥٩

- وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين ج ٢ ص ٤٣٢

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج يوماً على أصحابه مستبشراً.. فقال لهم: إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة.... فوضع يده على كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. الخ.

- وقال في ج ١ ص ١٢٩

عن عبد الرحمن بن المبارك بن فضالة عن أبيه: كان الحسن يحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأى ربه تبارك وتعالى.

- وقال الطبري في تفسيره ج ٧ ص ١٦٢

خالد الحلاج، قال سمعت عبد الرحمن بن عياش، يقول صلى بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت أنت أعلم، فوضع يده على كتفي فعلمت ما في السموات والأرض.... الخ.

- وقال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٣٥٩

من حديث معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته.... ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما

٣٣٤

حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تعالى في أحسن صورة! فقال يا محمد.... فيم يختصم الملأ الأعلى.... الخ.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر... الخ.

وأخرج الترمذي وصححه ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه .... الخ.

وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه .... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه ...

وأخرج الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب....

وابن مردويه عن أنسرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج ابن نصر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة....

وأخرج الطبراني في السنة والخطيب عن أبي عبيدة بن الجراحرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في السنة عن عبد الرحمن بن عابس الحضرميرضي‌الله‌عنه ....

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت لا يا رب، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض، فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل،

٣٣٥

فأفضى إليَّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها فذلك قوله: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى. فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي. انتهى.

- قال الذهبي في سيره ج ٢ ص ١٦٦

ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه. وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة، فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأى ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمدعليهما‌السلام فرأى محمد ربه مرتين وكلم موسى مرتين.

قال مسروق فدخلت على عائشة فقلت هل رأى محمد ربه؟ فقالت لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري، قلت رويداً، ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قالت أين يذهب بك! إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمداً رأى ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله إن الله عنده علم الساعة الآية، فقد أعظم الفرية، ولكنه رأى جبريل لم يره في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى، ومرة عند جياد له ستمائة جناح قد سد الأفق.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٤ ما يوهم قرب النبي المادي من الله تعالى في الإسراء، قال: عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقربناه نجيا، قال: من لقي أصحاب النبي أنه قرب للرب حتى سمع صريف القلم من الشوق إليه. انتهى.

٣٣٦

- وروى النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٨

قال جعفر بن محمد.... والدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود. انتهى. ويقصد بجعفر الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

والملاحظات على هذه الروايات كثيرة: منها تعارض نصوصها، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالى لنبيه عن اختصام الملأ الأعلى غير مفهوم، بل غير منطقي! وكذا تأخر النبي عن صلاة الصبح، وطريقة تحديثه المسلمين بالقصة، ثم شباهة متونها بأحاديث اليهود مثل قوله (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض). هذا مضافاً إلى أن بعضها خلط بين القصة المزعومة وبين روايات المعراج وآياته، والمعراج كان في مكة، وهذه القصة المزعومة في المدينة.

كل ذلك، وغيره، يوجب الشك في هذه الرواية والتريث في الحكم بصحتها، خاصة أن بعضها اشتمل على التناقض كرواية الطبري التي يذكر في أولها أنه رآه في أحسن صورة، وفي آخرها أنه رآه بفؤاده!

وبعضها روي عن صاحبها ما يناقضها كرواية ابن عباس، وقد شهد ابن قيم أن روايتي الرؤية بالعين وضدها كلتاهما صحتا عن ابن عباس، فلابد أن تكون إحداهما مكذوبة! قال في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠: واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم ، هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقد علق على ذلك ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان فقال في هامشه: لم أقف على هذه الرواية في الصحيح، بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦ - ٢٨٥ في قوله تعالى:ما كذب الفؤاد ما رأى ، وقوله تعالى:ولقد رأه نزلة أخرى ، قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير ٣٢٨٠.

ثم قال ابن قيم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله:ولقد رآه

٣٣٧

نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية... وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدرحمه‌الله وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدرحمه‌الله : إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك. انتهى.

راجع ما تقدم في أول الباب من أن جمهور الصحابة كانوا يوافقون عائشة على نفي الرؤية بالعين.

وجهل بعضهم فنسب الدنو والتدلّي إلى الله تعالى!

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٢٦٧

وقال سليمان بن بلال.. وذكر حديث الإسراء وفيه ثم عرج به محمد (ص) إلى السماء السابعة ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء إلى سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى....

- تفسير الطبري ج ١٢ ص ١٤

عبد الله بن عمر، قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كتفه!

٣٣٨

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مضى جبريل حتى جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضى حتى جاء لسدرة المنتهى فدنا ربك فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلى.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتى قضى الله إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الأفقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦

وروي: لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهى.

وقدتقدم ذكر روايات أخرى تنسب التدلي إلى الله تعالى، وتقدم عن أهل البيتعليهم‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى فنظر من تحته الى ملكوت الأرض، حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى).

ووصفوا عرشه بأنّه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن إسحاق والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه عن عبد الله بن أبي

٣٣٩

سلمة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس: أن نعم، فرد عليه عبد الله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهى.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالى في بازار الأحاديث، ويأتي بعضها في تفسير: الرحمن على العرش استوى.

وقالوا رأى ربّه واقفاً على أرض خضرة خلف ستر شفّاف

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الأبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء! انتهى.

ومضافاً إلى تضعيف البيهقي لهذه الرواية، فإنها تحاول تفسير قوله تعالى: لا تدركه الأبصار، أي لا تدرك نوره، أما ذاته تعالى فتدركها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآية، ولم يفسرها به أحد.

وحاول بعضهم أن يخفف القصة ويجعلها رؤيا في المنام

- تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم (أحسبه قال في المنام)

- وروى عبد الرزاق في تفسيره ج ٢ ص ١٣٧

عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال: يعني في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال

٣٤٠

341

342

343