السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192505 / تحميل: 8581
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

تقضي بنفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع كلامهعليه‌السلام في ذلك(1) .

هذا ولهمعليهم‌السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليتهعليه‌السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا(2) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم عليعليه‌السلام من جملة من باهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟(3) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام :

نعم ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك

__________________

1 ـ راجع ـ تفسير القمي ج 1 ص 209.

2 ـ لا بأس بمراجعة البحار ج 49 ص 188 وتفسير الميزان ج 2 ص 230 و 329 وتفسير البرهان ج 1 ص 286 و 287 وغير ذلك.

3 ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص 21.

٤١

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب

وقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف

ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :

1 ـ أنهعليه‌السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي »(1) .

لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة.

وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »

__________________

1 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 172 وذخائر العقبى ص 138 عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 173 عن الجنابذي على ما يظهر.

2 ـ مقاتل الطالبيين ص 52 وتفسير فرات ص 72 و70 وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 : انا ابن نبي الله الخ وحياة الصحابة ج 3 ص 526 ومجمع الزوائد ج 9 146 وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان. وتيسير المطالب ص 179. وعن أمالي الطوسي ص 169 وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج 2 ص 25 ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 7.

٤٢

الخ(1) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه »(2) .

2 ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!

فقال الحسنعليه‌السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه » إلى آخر كلامه عليه

__________________

1 ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص 146 وتفسير فرات ص 70 و 72 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وينابيع المودة ص 225 و 302 و 270 و 479 و 482 عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص 207 وفرائد السمطين ج 2 ص 120 ومستدرك الحكام ج 3 ص 172 ومجمع الزوائد ج 9 ص 46 وحياة الصحابة ج 3 ص 526 وذخائر العقبى ص 138 و 140 وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج 2 ص 186 ، والمحاسن والمساوي ج ا ص 132 / 133 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 والاحتجاج ج 1 ص 419 والبحار ج 44 وامالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 12 واعلام الورى ص 208 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 30.

2 ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

3 ـ البحار ج 43 ص 363.

٤٣

السلام(1) .

ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة(2) .

وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسنعليه‌السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام(3) .

3 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسنعليه‌السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي »(4) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.

4 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا »(5) .

__________________

1 ـ الاحتجاج ج 1 ص 419 والخرائج والجرائح ص 218 والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي.

2 ـ ذخائر العقبى ص 140 عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1ص 126 لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج 44 ص 122 والمحاسن والمساوي ج 1 ص 133 وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 49 ومقاتل الطالبيين ص 73 والإمام الحسن لآل يس ص 110 ـ 114 وتحف العقول ص 164.

3 ـ الغدير ج 11 ص 8 عن طبقات ابن سعد.

4 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 عن العقد الفريد والمدائني. وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 والبحار ج 43 ص 355 / 356 وعيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 172.

5 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 والبحار ج 43 ص 356 وليراجع ج 44 ص 121 و122 وعن تحف العقول ص 232 والخرايج والجرايح ص 217 / 218.

٤٤

5 ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل »(1) .

6 ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيد شباب أهل الجنة »(2) .

ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسينعليه‌السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ(3) فيدخل في مجال احتجاجاتهماعليهما‌السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسينعليه‌السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت

__________________

1 ـ أمالي الصدوق ص 158.

2 ـ المحاسن والمساوي ج 1 ص 122.

3 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله

٤٥

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه »(1) .

ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ »(2) .

ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء »(3)

وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه »(4) .

وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » ولكنهعليه‌السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم(5) .

وبعد ذلك فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ »

وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه

__________________

1 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 274 عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

2 ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص 107 باب زيارته يوم ولادته.

3 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 7 وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص 282 للاطلاع على مصادر أخرى.

4 ـ أمالي الصدوق ص 140.

5 ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 69 / 70 ومقتل الحسين للمقرم ص 442 /443 عنه ، وعن نفس المهموم ص 242.

٤٦

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته »(1) .

وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله »(2) .

وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات »(3) .

على خطى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد بإنَّ ذلك لم يكن منهمعليهم‌السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد وكنموذج على ذلك نشير إلى :

1 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني(4) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب

__________________

1 ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص 35 و 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 64 و 65 ومتل الحسين للمقرم ص 450 / 451.

2 ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 90 ومقتل الحسين للمقرم ص 385 عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي.

3 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 390.

4 ـ ذخائر العقبى ص 124 ، وصفة الصفوة ج 1 ص 763 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 206 وكنز العمال ط 2 ج 6 ص 221 والغدير ج 7 ص 124 عن مستدرك الحكام ج 3 ص 166 ونقل عن الترمذي ، رقم 3772.

٤٧

من يحبهما(1) .

وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه(2) .

2 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم.

3 ـ وقول : إن ابني هذا سيد(3) .

4 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد إلى أن قال : وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات(4) .

5 ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم(5) .

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 165 عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص 189 والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 200 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 124 ومجمع الزوائد ج 9 ص 180 وراجع : مستدرك الحاكم ج 3 ص 166 و 171 وذخائر العقبى ص 124 وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص 200 وكنز العمال ج 6 ص 220 وعن الترمذي ج 2 ص 240 وغيرهم.

2 ـ كنز العمال ج 16 ص 262 ط 2 ومجمع الزوائد ج 9 ص 176 ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص 56 ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 20 ط 1.

3 ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها

4 ـ ذخائر العقبى ص 122 عن الحافظ السلفي

5 ـ الصواعق المحرقة ص 154 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 ، وتاريخ بغداد ج 11 ص 285 ، وينابيع المودة ص 261 وفرائد السمطين ج 2 ص 69 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 وإحقاق الحق ج 9 ص 644 ـ 655 عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص 121 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 149 ، وعن كنز

٤٨

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنينعليهما‌السلام فليراجع الغدير ج 7 ص 124 ـ 129(1) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم فإننا نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.

قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد 1 هـ نقله في نور النبراس » انتهى(3) .

__________________

= العمال ج 6 ص 216 و 215 وعن مجمع الزوائد ج 9 / 172.

1 ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص 259 و138 و 146 و 214 و 183 و 182 و 255 و 136 و 221 و 258 و 222 و 331 و 250 وإسعاف الراغبين ص 132 و 133 وكفاية الطالب ص 235 و 237 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و 159 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 126 وابن عساكر ج 4 ص 152 و 203 و 204.

2 ـ الاموال ص 289 /280 وراجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 273 وراجع : طبقات ابن سعد ج 1 ص 33.

3 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 274.

٤٩

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها »(1) .

ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!

إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب

أخيراً فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال »(2) .

وبعد كل ما تقدم فإننا نفهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يظهر امتيازاً للحسنينعليهما‌السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

__________________

1 ـ الأموال هامش ص 280.

2 ـ بداية المجتهد ج 2 ص 457.

٥٠

د : بيعة الرضوان :

1 ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (1) .

2 ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجوادعليه‌السلام :

« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ »(2) .

وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي

__________________

1 ـ الإرشاد ص 219 وفدك للقزويني هامش ص 16عنه.

2 ـ الاحتجاج ج 2 ص 245 والبحار ج 50 ص 78 عنه ، والإرشاد للمفيد ص 363 ، وتفسير القمي ج 1 ص 184 / 185 وراجع : الحياة السياسية للإمام الجوادعليه‌السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة.

٥١

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا(1) .

وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين(2) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.

ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكونصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان

وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها

وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...

والجواب عن ذلك :

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 375 عن فصل الخطاب لمحمد پارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 150 وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم 77 وحياة الصحابة ج 1 ص 250 ومجمع الزوائد ج 6 ص 40 عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج 4 ص 384 من دون ذكر ابن عباس.

2 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 222 عن القرطبي.

٥٢

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية(1) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ حسبما ذكروه

وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك؟ إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه

وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.

ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

1 ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص 96 ـ 99.

٥٣

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهماعليهما‌السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(1) .

وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه(2)

فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه

ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير

ويمكن أن نذكر منها هنا :

1 ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام في كتابه لمعاوية : « وبعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده »(3) .

2 ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه »(4) .

__________________

1 ـ راجع علل الشرايع ج 1 ص 211.

2 ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج 2 ص 414 : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يعهد..

3 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص 55 / 56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج 2 ص 29 ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 31 وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر ».

3 ـ الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52 ، وحياة الحسن للقرشي ج 2 ص 10 وعن إثبات الهداة ج 5 ص 139 و 134 و 136 والبحار عن أبي مخنف.

٥٤

3 ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصار الأمر إلى الحسن »(1) .

4 ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسنعليه‌السلام عند موته »(2) .

5 ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل على عليعليه‌السلام : فقال : ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم »(3) .

6 ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق الخ...»(4) .

7 ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسنعليه‌السلام ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما قال :

« وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ »(5) .

8 ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا لهما ، وأطيعوا أمرهما »(6) . هذا ، وقد ذكر وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ولده الإمام الحسنعليه‌السلام غير واحد من

____________

1 ـ العقد الفريد ج 4 ص 474 / 475.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 57.

3 ـ المناقب للخوارزمي ص 278.

4 ـ البداية والنهاية ج 6 ص 249.

5 ـ راجع : تيسير المطالب ص 179 وقاموس الرجال ج 5 ص 172 والأغاني ج 6 ص 121 وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.

6 ـ إثبات الوصية ص 152.

٥٥

المؤلفين في كتبهم(1) فلتراجع.

9 ـ هذا كله عدا عما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على الأئمة بأسمائهم(2) .

وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا

10 ـ ولما مات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسنعليه‌السلام ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه(3) .

11 ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص »(4) .

12 ـ وعن عليعليه‌السلام : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر بعدي(5) .

وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ الأمر ، وولي الدم(6) .

__________________

1 ـ راجع : البحار ج 10 ص 89 ، وإثبات الهداة ج 5 ص 140 وراجع ص 121 حتى ص 143 ، وأنساب الأشراف ج 2 ص 502 ـ 504 بتحقيق المحمودي ، وصلح الحسنعليه‌السلام لآل يس والكافي ج 1 ص 297 ـ 300 ،

2 ـ راجع منتخب الأثر وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح ، وحديث الثقلين وغير ذلك

3 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 135 والبحار ج 10 ط قديم ، باب مصالحة الحسن ، عن الخرائج والجرائح.

4 ـ مروج الذهب ج 2 ص 413.

5 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 140.

6 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 126 وكشف الغمة ، وأصول الكافي ج 1 ص 299 وصلح الحسن ج 1 ص 52.

٥٦

13 ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي(1) .

14 ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص على ابنه الحسن(2) .

15 ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها(3) .

إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه

وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.

وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام ، في حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين

فإلى الفصل التالي :

__________________

1 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 139.

2 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 133و 135 و 138 عن الشافي للسيد المرتضى ، وكشف الغمة وأعلام الورى

3 راجع : الطبقات الكبرى ج 5 ص 239 ط ليدن.

٥٧
٥٨

الفصل الثاني :

في عهد الشيخين

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

إلى العراق

ورافقت عقيلة بني هاشم أخاها أبا الأحرار في مسيرته الخالدة؛ لتكون معه في خندق واحد، وتشاركه في جهوده وجهاده لحماية الإسلام، وإنقاذ المسلمين من جور الاُمويِّين وظلمهم.

وقبل أن تُغادر العقيلة الحجاز استأذنت من زوجها عبد الله بن جعفر أن يسمح لها بالسفر مع شقيقها سيّد الشهداء، فأذن لها في ذلك، وقبل أن يسافر الإمام دخل عليه عبد الله بن عباس ليعدله عن السفر إلى العراق، فقال له الإمام (عليه السّلام):«يابن عباس، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت نبيّهم من وطنه وداره، وقراره وحرم جدّه، وتركوه خائفاً مرعوباً، لا يستقر في قرار، ولا يأوي إلى جوار، يريدون بذلك قتله وسفك دمه، ولم يشرك بالله شيئاً، ولم يرتكب منكراً ولا إثماً؟» .

فأجابه ابن عباس بصوت حزين النبرات قائلاً: جُعلت فداك يا حسين! إن كان لا بدّ لك من المسير إلى الكوفة فلا تسري بأهلك ونسائك.

فقال له الإمام الحسين (عليه السّلام):«يابن العمّ، إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في منامي وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه؛ إنّه أمرني بأخذهنَّ معي. يابن العمّ، إنّهنَّ ودائع رسول الله، ولا آمن عليهن أحداً» .

ويقول بعض الرواة: إنّ حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب قالت لابن عباس

٢٢١

وهي باكية العين: يابن عباس، تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟

وأجهش ابن عباس في البكاء وجعل يقول: يعزّ والله عليَّ فراقك يابن العمّ(١) .

لقد كان من أروع ما خطّطه الإمام في ثورته الكبرى حمله عقيلة بني هاشم وسائر مخدّرات الرسالة معه إلى العراق؛ فقد كان على علم بما يجري عليهنَّ من النكبات والخطوب، وما يقمنَ به من دور مشرّف في إكمال نهضته، وإيضاح تضحيته وإشاعة مبادئه وأهدافه.

وقد قمنَ حرائر النبوّة بإيقاظ المجتمع من سباته، وأسقطنَ هيبة الحكم الاُموي، وفتحنَ باب الثورة عليه؛ فقد ألقين من الخطب الحماسية ما زعزع كيان الدولة الاُمويّة.

لقد كان خروج العقيلة وسائر بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ضرورة ملحّة لا غنى عنها؛ فقد أخلدنَ نهضة أبي الأحرار.

يقول الإمام كاشف الغطاء: وهل تشكّ وترتاب في أنّ الحسين لو قُتل هو وولده، ولم يتعقّبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحدّيات لذهب قتله جباراً، ولم يطلب به أحد ثأراً، ولضاع دمه هدراً؟

فكان الحسين يعلم أنّ هذا عمل لا بدّ منه، وأنّه لا يقوم به إلاّ لتلك العقائل، فوجب عليه حتماً أن يحملهنَّ معه لا لأجل المظلومية بسبيهنَّ فقط، بل لنظر سياسي وفكر عميق، وهو تكميل الغرض، وبلوغ الغاية من قلب الدولة على يزيد، والمبادرة إلى القضاء عليها قبل أن تقضي على الإسلام، ويعود الناس إلى جاهليتهم الأولى(٢) .

ويقول الدكتور أحمد محمود صبحي: ثمّ رفض - يعني الحسين (عليه السّلام) - إلاّ أن

____________________

(١) زينب الكبرى / ٩٤.

(٢) السياسة الحسينيّة / ٤٦ - ٤٧.

٢٢٢

يصحب معه أهله؛ ليُشهد الناس على ما يقترفه أعداؤه ممّا لا يبرّره دين، ولا وازع من إنسانيّة، فلا تضيع قضيّته مع دمه المراق في الصحراء، فيُفترى عليه أشدّ الافتراء حين يعدم الشاهد العادل على ما جرى بينه وبين أعدائه.

تقول الدكتورة بنت الشاطئ: أفسدت زينب اُخت الحسين على ابن زياد وبني اُمية لذّة النصر، وسكبت قطرات من السمّ الزعاف في كؤوس الظافرين، وإنّ كلّ الأحداث السياسيّة التي ترتّبت بعد ذلك من خروج المختار، وثورة ابن الزّبير، وسقوط الدولة الاُمويّة، وقيام الدولة العباسية، ثمّ تأصّل مذهب الشيعة إنّما كانت زينب هي باعثة ذلك ومثيرته(١) .

اُريد أن أقول: ماذا يكون الحال لو قُتل الحسين (عليه السّلام) ومَنْ معه جميعاً من الرجال إلاّ أن يسجّل التأريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر أعدائه؟ فيضيع كلّ أثر لقضيته مع دمه المسفوك في الصحراء(٢) .

إنّ من ألمع الأسباب في استمرار خلود مأساة الإمام الحسين (عليه السّلام) واستمرار فعالياتها في نشر الإصلاح الاجتماعي هو حمل عقيلة الوحي وبنات الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع الإمام الحسين (عليه السّلام)؛ فقد قمنَ ببلورة الرأي العام، ونشرنَ مبادئ الإمام الحسين وأسباب نهضته الكبرى، وقد قامت السيدة زينب (عليها السّلام) بتدمير ما أحرزه يزيد من الانتصارات، وألحقت به الهزيمة والعار.

وسنوضح ذلك بمزيد من البيان في البحوث الآتية:

خطاب الحسين (عليه السّلام) في مكة

وأمر الإمام الحسين (عليه السّلام) بجمع الناس من أهالي مكة ومن المعتمرين والحجّاج فيها،

____________________

(١) بطلة كربلاء / ١٧٦ - ١٨٠.

(٢) نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية / ٣٤٣.

٢٢٣

فقام فيهم خطيباً فقال:«الحمد لله، وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله وسلّم. خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عُسلان (١) الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جُوفاً، وأجربةً سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويُوفّينا أجر الصابرين.

لن تَشُذّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. مَنْ كان باذلاً فينا مهجته، ومُوَطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا؛ فإنّني راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالى» (٢) .

ونعى الإمام نفسه في هذا الخطاب التأريخي الخالد، واعتبر الشهادة في سبيل الله زينة للإنسان كالقلادة التي تكون زينة للفتاة، كما أعلن عن شوقه العارم لملاقاة الله تعالى، وأنّ اشتياقه للذين استشهدوا في سبيل الله كاشتياق يعقوب إلى يوسف. وأخبر (عليه السّلام) عن البقعة الطاهرة التي يستشهد فيها، وهي ما بين النواويس وكربلاء، فيها تُقطّع أوصاله ويُراق دمه الزاكي.

وعلى أيّ حال، فقد حلّلنا هذا الخطاب وذكرنا أبعاده في كتابنا (حياة الإمام الحسين).

____________________

(١) العسلان: هي الذئاب.

(٢) كشف الغمّة ٢ / ٢٤١.

٢٢٤

السفر إلى العراق

وقبل أن يغادر الإمام (عليه السّلام) مكة مضى إلى البيت الحرام فأدّى له التحية بطوافه وصلاته، وبقي فيه حتّى أدّى صلاة الظهر ثمّ خرج مودّعاً له(١) .

وخرج الإمام (عليه السّلام) من مكة وهو يحمل معه مخدّرات الرسالة وعقائل النبوّة، وكان خروجه في اليوم الثامن من ذي الحجّة سنة ستّين من الهجرة(٢) ، وخيّم الحزن والأسى على أهل مكة وعلى حجاج بيت الله الحرام، وكان الإمام لا ينزل منزلاً إلاّ حدّث أهل بيته عن مقتل يحيى بن زكريا(٣) .

وسار موكب الإمام لا يلوي على شيء حتّى انتهى إلى موضع يُسمّى بـ «الصفاح»، فالتقى بالشاعر الكبير الفرزدق فسلّم على الإمام، وقال له: بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟

فأجابه الإمام عن سبب خروجه:«لو لم أعجل لأُخذت» .

إنّ السبب في خروج الإمام (عليه السّلام) قبل أن يتمّ العمرة هو أنّ السلطة قد عهدت إلى عصابة منها باغتيال الإمام ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة؛ فلذا سارع الإمام بالخروج من مكة.

وبادر الإمام (عليه السّلام) فسأل الفرزدق، فقال له:«من أين أقبلت يا أبا فراس؟» .

- من الكوفة.

-«بيّن لي خبر الناس؟» .

- على الخبير سقطت؛ قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء، وربّنا كلّ يوم هو في شأن(٤) .

____________________

(١) و (٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٥٣ - ٥٤.

(٢) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦.

(٤) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٦٠.

٢٢٥

واستصوب الإمام (عليه السّلام) كلام الفرزدق، فقال له:«صدقت، لله الأمر من قبل ومن بعد، يفعل الله ما يشاء وكلّ يوم ربّنا في شأن؛ إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدّ مَنْ كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته» (١) .

وواصل الإمام مسيرته الخالدة بعزم وثبات، لم يثنه عن عزيمته قول الفرزدق في تخاذل الناس عنه وتجاوبهم مع بني اُميّة.

مع أبي هرّة

وسار الإمام (عليه السّلام) مع موكبه حتّى انتهى إلى ذات عرق، فخفّ إليه أبو هرّة فقال له: يابن رسول الله، ما الذي أخرجك من حرم الله وحرم جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟

فأجابه الإمام بتأثّر قائلاً:«ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عِرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الله، لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسنّهم الله ذُلاّ شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وليسلّطنّ الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم» (٢) .

وانصرف الإمام (عليه السّلام) وهو حزين من هؤلاء الناس الذين لا يملكون وعياً لنصرة الحقّ والدفاع عن الإسلام.

فزع السيدة زينب (عليه السّلام)

وكانت السيدة زينب (عليها السّلام) فزعة حزينة قد ذابت نفسها أسى وحسرات؛ فقد علمت

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٦٠.

(٢) المصدر السابق ٥ / ٦٤.

٢٢٦

ما سيجري على أهلها من القتل، فخفّت إلى أخيها حينما كانوا في الخزيمية، وهي تقول له بنبرات مشفوعة بالبكاء: يا أخي، إنّي سمعت هاتفاً يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد = فمَنْ يبكي على الشهداءِ بعدي

على قومٍ تسوقهمُ المنايا = بمقدارٍ إلى إنجازِ وعدي

فأجابها أبيّ الضيم (عليه السّلام) غير حافل بما سيلقاه من النكبات والخطوب:«يا اُختاه، كلّ الذي قضى فهو كائن» (١) .

لقد أراد الإمام (عليه السّلام) من شقيقته أن تتسلّح بالصبر، وأن تقابل الرزايا والمصائب برباطة جأش وعزم حتّى تقوى على أداء رسالته.

النبأ المروّع بشهادة مسلم (عليه السّلام)

وانتهى النبأ المروّع بشهادة البطل مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) حينما كان في زرود؛ فقد أقبل رجل من أهل الكوفة، فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) عدل عن الطريق، فتبعه بعض أصحاب الإمام فالتقيا به وانتسبا له، وسألاه عن خبر الكوفة، فقال: إنّه لم يخرج منها حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورآهما يُجرّان بأرجلهما في الأسواق.

وأسرعا إلى الإمام (عليه السّلام) فقالا له: رحمك الله، إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك به علانية وإن شئت سرّاً.

ونظر الإمام إلى أصحابه فقال:«ما دون هؤلاء سرّاً» . وأخبراه بما سمعاه من الرجل من شهادة مسلم وهانئ، فكان هذا النبأ كالصاعقة على العلويِّين، فانفجروا بالبكاء على فقيدهم العظيم حتّى ارتجّ الموضع من شدّة البكاء، والتفت الإمام إلى بني عقيل فقال لهم:

____________________

(١) المناقب - لابن شهرآشوب ٥ / ١٢٧.

٢٢٧

«ما ترون؟ فقد قُتل مسلم» .

ووثبت الفتية كالأسود الضاربة، وهم يعلنون استهانتهم بالموت، وتصميمهم على الشهادة قائلين: لا والله، لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم.

وراح الإمام (عليه السّلام) يقول:«لا خير في العيش بعد هؤلاء» .

وتمثّل (عليه السّلام) بهذين البيتين:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى = إذا ما نوى حقّاً و جاهد مسلما

فإن متُّ لم أندم وإنْ عشت لم أُلمْ = كفى بكَ عاراً أن تذلَّ وتُرغما(١)

لقد مضى إلى ساحات الجهاد مرفوع الرأس، وهو على يقين لا يخامره شكّ في أنّه يسير إلى الفتح الذي لا فتح ولا ظفر مثله.

رؤيا الإمام الحسين (عليه السّلام)

وخفق الإمام الحسين (عليه السّلام) وقت الظهيرة فرأى رؤياً أفزعته، فانتبه مذعوراً، فأسرع إليه ولده مفخرة الإسلام علي الأكبر قائلاً: يا أبتِ، ما لي أراك فزعاً؟

-«رأيت رؤيا أفزعتني» .

- خيراً رأيت.

-((رأيت فارساً وقف عليَّ وهو يقول: أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة. فعلمت أنّ أنفسنا نُعيت إلينا)) (٢) .

____________________

(١) الدرّ النظيم / ١٦٧.

(٢) تاريخ الإسلام - الذهبي ٢ / ٣٤٦.

٢٢٨

وبادر عليّ قائلاً: ألسنا على الحقّ؟

أجل يا فخر هاشم أنتم معدن الحقّ، وأصله ومنتهاه، وأجابه أبوه قائلاً:«بلى والذي إليه مرجع أمر العباد» .

وطفق عليّ يلقي كلمته الذهبية الخالدة قائلاً: يا أبتِ، لا نبالي الموت.

ووجد الإمام الحسين (عليه السّلام) في ولده البارّ خير عون له على أداء رسالته الكبرى، فشكره على ذلك قائلاً:«جزاك الله يا بُني خير ما جزى به ولداً عن والده» (١) .

الالتقاء بالحرّ

وانتهى ركب الإمام إلى شراف وفيها عين للماء، فأمر الإمام فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا منه ففعلوا ذلك، ثمّ سارت قافلة الإمام (عليه السّلام) تطوي البيداء، فبادر رجل من أصحاب الإمام فكبّر، فاستغرب الإمام (عليه السّلام) وقال له:«لِمَ كبّرت؟» .

- رأيت النخل.

وأنكر عليه رجل ممّن خبر الطريق وعرفه، فقال له: ليس ها هنا نخل، ولكنّها أسنة الرماح وآذان الخيل.

وتأمّلها الإمام الحسين (عليه السّلام) فقال:«وأنا أرى ذلك» .

وعرف الإمام أنّها طلائع الجيش الاُموي جاءت لإلقاء القبض عليه، فقال لأصحابه:«أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟» .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ١١١.

٢٢٩

فقال له بعض أصحابه: هذا ذو حسم(١) إلى جنبك تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت له فهو كما تريد.

ومال ركب الإمام (عليه السّلام) إليه، فلم يسيروا إلاّ قليلاً حتّى أدركهم جيش مكثّف بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، وكان ابن مرجانة قد عهد إليه أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام (عليه السّلام)، وكان عدد ذلك الجيش ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، ووقفوا قبال الإمام (عليه السّلام)، وكان الوقت شديد الحرّ، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة العطش، فرقّ عليهم الإمام (عليه السّلام) وغضّ نظره من أنّهم جاؤوا لقتاله وسفك دمه، فأمر أصحابه وأهل بيته أن يسقوهم الماء، ويرشفوا خيولهم.

وقام أصحاب الإمام فسقوا القوم عن آخرهم، ثمّ انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملؤون القصاع والطساس فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت وسقي الآخر حتّى سقوها جميعاً(٢) .

لقد تكرّم الإمام (عليه السّلام) بإنقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه، ولم تهزّ هذه الأريحية ولا هذا النبل نفس هذا الجيش، ولم يتأثّروا بهذا الخلق الرفيع؛ فقد أحاطوا بالفرات في كربلاء وحرموا ذرّية نبيّهم من الماء، ولم يسقوهم قطرة حتّى توفّوا عطاشى.

خطاب الإمام (عليه السّلام)

وخطب الإمام (عليه السّلام) في قطعات ذلك الجيش، فقال بعد حمد الله والثناء عليه:«أيّها الناس، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ إليكم. إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت بها عليَّ رسلكم، أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام، ولعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى؛ فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما اطمئن به

____________________

(١) ذو حسم (بضمّ الحاء وفتح السين): جبل هناك.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٦.

٢٣٠

من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم» .

وأحجموا عن الجواب؛ فإنّ الأكثرية الساحقة منهم قد كاتبوا الإمام (عليه السّلام) وبايعوه على يد سفيره مسلم بن عقيل (عليه السّلام).

وحلّ وقت الصلاة فأمر الإمام مؤذّنه الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ويقيم لصلاة الظهر، وبعد فراغه قال الإمام (عليه السّلام) للحرّ:«أتريد أن تصلّي بأصحابك؟» .

فقال: بل نصلّي بصلاتك.

وأتمّوا بالإمام (عليه السّلام) فصلّى بهم صلاة الظهر، وبعد أدائه للصلاة قام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:«أيّها الناس، إنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم» .

ولم يعلم الحرّ بشأن الكتب التي بعثها أهل الكوفة للإمام (عليه السّلام)، فقال له: ما هذه الكتب التي تذكرها؟

فأمر الإمام (عليه السّلام) عقبة بن سمعان بإحضارها، وكانت قد ملئت خرجين، فنثرها بين يدي الحرّ فبُهر منها، وقال: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك.

وأراد الإمام (عليه السّلام) أن يتّجه إلى يثرب، فقال له الحرّ: قد اُمرت أن لا اُفارقك إذا لقيتك حتّى اُقدمك الكوفة على ابن زياد.

وتأثّر الإمام (عليه السّلام) وصاح به:«الموت أدنى إليك من ذلك» .

وجرت مشادّة عنيفة بين الإمام والحرّ؛ فقد حال الحرّ من توجّه الإمام إلى يثرب، وكان الوضع أن ينفجر باندلاع نار الحرب، إلاّ أنّ الحرّ ثاب إلى الهدوء وقال للإمام (عليه السّلام): إنّما لم اُؤمر بقتالك، وإنّما اُمرت أن لا اُفارقك حتّى اُقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة.

واتّفقا على ذلك، فتياسر

٢٣١

الإمام (عليه السّلام) عن طريق العذيب والقادسية(١) . وأخذت قافلة الإمام (عليه السّلام) تطوي البيداء، وكان الحرّ يُتابعه عن كثب، ويراقبه كأشدّ ما تكون المراقبة.

وفزعت حفيدة الرسول كأشدّ ما يكون الفزع وأيقنت بنزول الرزء القاصم، وأنّ أخاها مصمّم على الشهادة ومناجزة الحكم الاُموي.

خطبة الإمام (عليه السّلام)

ولمّا انتهى موكب الإمام إلى (البيضة) ألقى الإمام خطاباً على الحرّ وأصحابه، وقال فيه:«أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما هو عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله.

ألا إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ ممّنْ غيَّر. وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني؛ فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم فيَّ اُسوة.

وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي، فلعمري ما هي لكم بنكر؛ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، فالمغرور مَنْ اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَنْ نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم» .

وحفل هذا الخطاب الرائع باُمور بالغة الأهمية ذكرناها في كتابنا (حياة الإمام الحسين).

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٨٠.

٢٣٢

ولمّا سمع الحرّ خطاب الإمام (عليه السّلام) ووعاه أقبل عليه، فقال له: إنّي اُذكّرك الله في نفسك؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن.

فأجابه الإمام (عليه السّلام):«أبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! وما أدري ما أقول لك، ولكنّي أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أين تذهب فإنّك مقتول. فقال له:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى = إذا ما نوى خيراً وجاهدَ مسلما

وواسى الرجالَ الصالحينَ بنفسهِ = وخالفَ مثبوراً و فارقَ مجرما

فإن عشتُ لم أندم و إن متُّ لم أُلمْ = كفى بكَ ذلاً أن تعيشَ وتُرغما))

ولمّا سمع الحرّ مقالة الإمام (عليه السّلام) عرف أنّه مصمّم على الشهادة في سبيل أهدافه النبيلة. والتاعت السيّدة زينب (عليها السّلام) حينما سمعت مقالة أخيها، وأيقنت أنّه مصمّم على الموت والشهادة في سبيل الله.

مع الطرمّاح

وصحب الطرمّاح الإمام (عليه السّلام) في أثناء الطريق، وأقبل الإمام على أصحابه فقال لهم:«هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟» .

فقال له الطرماح: أنا أخبر الطريق.

فقال (عليه السّلام) له:«سر بنا» .

فسار بهم الطرماح وجعل يحدو بالإبل بصوت حزين قائلاً:

يا ناقتي لا تذعري من زجري = وامضي بنا قبلَ طلوعِ الفجرِ

بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سفرِ = آلِ رسولِ اللهِ أهلِ الفخرِ

السادةِ البيض الوجوهِ الزهرِ = الطاعنينَ بالرماحِ السمرِ

٢٣٣

الضاربينَ بالسيوفِ البترِ = حتى تحلّى بكريمِ النجرِ

بماجدِ الجدِّ رحيبِ الصدرِ = أتى بهِ اللهُ لخيرِ أمرِ

عمّرهُ اللهُ بقاءَ الدهرِ = يا مالكَ النفعِ معاً و الضرِّ

أمدد حسيناً سيّدي بالنصرِ = على الطغاةِ من بقايا الكفرِ

على اللعينينِ سليلَي صخرِ = يزيد لا زالَ حليفَ الخمرِ

والعودِ والصنجِ معاً والزمرِ = وابن زيادِ العهرِ وابنِ العهرِ(١)

وأسرعت الإبل في سيرها على نغمات هذا الشعر الحزين، وقد فاضت عيون السيّدات من بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي طليعتهن السيدة زينب بالبكاء، وهنّ يدعون للإمام (عليه السّلام) بالنصر والتأييد على أعدائه.

رسالة ابن زياد للحرّ

وسارت قافلة الإمام تطوي البيداء، وهي تارة تتيامن واُخرى تتياسر، وجنود الحرّ يذودون الركب عن البادية ويدفعونه تجاه الكوفة والركب يمتنع عليهم، وإذا براكب قد أقبل وهو رسول من قِبل ابن زياد إلى الحرّ، فسلّم الخبيث الدنس على الحرّ ولم يسلّم على الحسين (عليه السّلام)، وناول الحرّ رسالة من ابن مرجانة جاء فيها: أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يُفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسّلام(٢) .

وقرأ الحرّ الكتاب على الإمام الحسين (عليه السّلام)، وقد أراد أن يستأنف سيره متّجهاً صوب قرية أو ماء، فمنعه الحرّ. وانبرى زهير بن القين وهو من أفذاذ أصحاب الإمام (عليه السّلام)، فقال له: يابن رسول الله، إنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ١١١.

(٢) أنساب الأشراف / ٢٤٠.

٢٣٤

من بعدهم ما لا قِبل لنا به.

فقال له الحسين (عليه السّلام):«ما كنت لأبدأهم بقتال» .

وتابع زهير حديثه قائلاً: سر بنا إلى هذه القرية حتّى ننزلها فإنّها حصينة، وهي على شاطئ الفرات، فإن منعونا قاتلناهم؛ فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم.

ولكنّ الحرّ أصرّ على الإمام (عليه السّلام) أن ينزل في ذلك المكان ولا يتجاوزه، ولم يجد الإمام بدّاً من النزول فيه، والتفت إلى أصحابه فقال لهم:«ما اسم هذا المكان؟» .

فقالوا له: كربلاء.

وفاضت عيناه بالدموع وقال:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء» (١) .

وطافت به الذكريات، ومثل أمامه ما قاله جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبوه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أنّ دمه الزاكي سيُراق في هذه الأرض، وفيها تتقطّع أوصاله، وتُسفك دماء أهل بيته وأصحابه، وخلد الإمام إلى الصبر واستسلم لقضاء الله.

ونهض أصحاب الإمام (عليه السّلام) وأهل بيته فنصبوا الخيام لمخدّرات الرسالة وعقائل الوحي كما نصبوا الخيام لهم، وأسرع فتيان بني هاشم وأمامهم سيّدهم أبو الفضل العباس فأنزلوا السيّدات من المحامل وجاؤوا بهنَّ إلى خيامهن، وقد أحسّت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب (عليها السّلام) بالأخطار الهائلة والكوارث التي ستجري عليها وعلى أهلها في هذه الأرض.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٩١.

٢٣٥

٢٣٦

في كربلاء

وذاب قلب الصدّيقة الطاهرة زينب أسى وحسرات، واستولى عليها الألم العاصف؛ فقد أيقنت أنّها ستُشاهد في هذه الأرض مصرع أخيها وأهل بيته، وستجري عليها من النكبات والخطوب ما تذوب من هولها الجبال، وقد خلدت إلى الصبر وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

وحينما استقرّ الإمام الحسين (عليه السّلام) في كربلاء جمع أهل بيته وأصحابه فألقى عليهم نظرة حنان وعطف، ورفع يديه بالدعاء يناجي ربّه، ويشكو إليه ما ألمّ به من المحن والخطوب قائلاً:«اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد (صلّى الله عليه وآله)، قد اُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو اُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين» .

ثمّ أقبل على تلك الصفوة فقال لهم:«الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون» .

وحكت هذه الكلمات الذهبية واقع الناس واتّجاهاتهم، فهم في جميع مراحل التأريخ عبيد الدنيا، أمّا الدين فإنّما يجري على ألسنتهم، فإذا محّصوا بالبلاء مالوا عنه وتنكّروا له.

ثمّ خاطب أصحابه قائلاً:«أمّا بعد، فقد نزل بنا ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنّكرت، وأدبر

٢٣٧

معروفها، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل(١) .

ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً» (٢) .

والتاعت سيدة النساء زينب حينما سمعت خطاب أخيها وهو مصمّم على الموت، فقد اعتبره سعادة، واعتبر الحياة والعيش مع الظالمين برماً.

وحينما أنهى الإمام (عليه السّلام) خطابه هبّ أصحابه وأهل بيته وهم يعلنون الدعم الكامل له، ويهزؤون بالحياة، ويسخرون من الموت من أجله، فشكرهم الإمام (عليه السّلام) وأثنى عليهم.

خطبة ابن مرجانة

وحينما انتهى النبأ بنزول الإمام في كربلاء وإحاطة الحرّ به، دعا ابن مرجانة الناس إلى الجامع الأعظم فامتلأ منهم، فقام فيها خطيباً فقال: أيّها الناس، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه؛ حسن السيرة، محمود الطريقة، محسناً إلى الرعية، يُعطي العطاء في حقّه، وقد أمنت السبل على عهده، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره.

وهذا ابنه يزيد يُكرم العباد، ويغنيهم بالأموال، وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة، وأمرني أن اُوفّرها عليكم، واُخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا(٣) .

لقد منّاهم بالأموال التي يعبدونها من دون الله فاستجابوا له، وخرجوا

____________________

(١) المرعى الوبيل: هو الطعام الوخيم الذي يخاف وباله.

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٤، من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

(٣) الأخبار الطوال / ٢٥٣.

٢٣٨

كالكلاب لحرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة.

انتخاب ابن سعد للقيادة العامة

وانتخب الوغد الأثيم عبيد الله بن زياد عمر بن سعد قائداً عامّاً لقوّاته المسلّحة، وكان ابن سعد من أخسّ الناس ومن أرذلهم، ولا يملك أيّ رصيد من الشرف والكرامة، وكان ضعيف النفس، خائر العزيمة، لقد انتخبه ابن زياد لأفظع جريمة منذ خلق الله الأرض.

فقاد الجيوش لحرب ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأحاط به من كلّ جانب، وفرض عليه الحصار، فاستولى على جميع الطرق مخافة أن يصل إليه أيّ إمداد من الخارج. كما عهد إلى أربعة آلاف فارس بقيادة المجرم عمرو بن الحجّاج فاحتلوا نهر الفرات وجميع الشرائع والأنهر المتفرّعة منه، وقد حيل بين الإمام الحسين (عليه السّلام) وبين الماء قبل قتله بثلاثة أيام(١) .

وقد عانت العقيلة أعظم المحن؛ فقد أحاطت بها الأطفال وحرائر الرسالة وهم يعجّون من ألم الظمأ، وهي تصبّرهم وتمنّيهم بوصول الماء إليهم. لقد ذاب قلبها رحمةّ وحناناً على أطفال أخيها الذين ذبلت شفاههم وذوى عودهم.

يقول أنور الجندي:

و ذئابُ الشرورِ تنعمُ بالما = ءِ وأهلُ النبي من غيرِ ماءِ

يا لظلمِ الأقدارِ يظمأ قلب ال = -ليثِ و الليثُ موثقُ الأعضاءِ

وصغارُ الحسينِ يبكونَ في الصحرا = ء يا ربِّ أينَ غوثُ القضاءِ

إنّ جميع الشرائع والمذاهب لا تُبيح منع الماء عن الأطفال والنساء؛ فالناس جميعاً شركاء فيه، ولكن شريعة آل أبي سفيان التي تحكي طباع الاُسر القرشيّة التي أبت أن تجتمع الخلافة والنبوّة في بيت واحد هي التي حرّمت الماء على آل الرسول (صلّى الله عليه وآله).

____________________

(١) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان / ٨٩.

٢٣٩

الإمام (عليه السّلام) مع ابن سعد

وطلب الإمام (عليه السّلام) من ابن سعد الاجتماع به، فأجابه الباغي اللئيم على كره، وعقد الإمام (عليه السّلام) معه اجتماعاً مغلقاً حضره أبو الفضل العباس وعلي الأكبر، ومع ابن سعد ابنه حفص وغلام له، فقال له الإمام (عليه السّلام):«يابن سعد، أتقاتلني؟ أما تتقي الله الذي إليه معادك؛ فإنّي ابن مَنْ قد علمت؟ ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنّه أقرب إلى الله تعالى؟» .

وألقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلاً: أخاف أن تُهدم داري.

-«أنا أبنيها» .

- أخاف أن تؤخذ ضيعتي.

-«أنا أخلف عليك خيراً منها» .

- إنّ لي بالكوفة عيالاً، وأخاف عليهم من القتل مع ابن زياد.

ولمّا رأى الإمام (عليه السّلام) إصراره على الغيّ والعدوان، ولا ينفع معه النصح والإرشاد، راح يدعو عليه قائلاً:«ما لك؟ ذبحك الله على فراشك، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً» .

وولّى ابن سعد وهو يقول للإمام بسخرية: إنّ في الشعير كفاية.

واستجاب الله دعاء الإمام المظلوم في هذا الوضر الخبيث؛ فقد ذبحته جنود البطل العظيم المختار بن يوسف (نضّر الله مثواه) وهو على فراشه، وسيقت روحه الخبيثة إلى نار جهنم خالداً فيها مع أمثاله من المجرمين وأسياده الاُمويِّين.

وكانت العقيلة على علم بجميع ما يجري من الأحداث، وأيقنت أنّ أخاها سيلاقي حتفه على يد هذه العصابة المجرمة التي لم تؤمن بالله، والتي ساقتها الأطماع إلى اقتراف أفظع جريمة في الأرض.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343