السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام11%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192152 / تحميل: 8570
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

المروية عن عليّ (عليه السلام) وأبنائه الأئمّة الهُداة، حقيقة التوحيد في كلماتهم كما أوردها الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق عن المعتزلة بدون تفاوت إلاّ في بعض النقاط التي سنُنبه عليها في المباحث الآتية:

فقد روى محمّد بن بابويه المعروف بالصدوق، في كتابه التوحيد، عن الهيثم بن عبد الله الرماني، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ (عليه السلام)، أنّ عليّاً (عليه السلام) خطَب الناس في مسجد الكوفة، فقال: (الحمد لله الذي لا مِن شيءٍ كان، ولا مِن شيءٍ كوّن ما قد كان، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته، وبما وسَمَها من العجز على قدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه، لم يخلُ منه مكان فيُدرك بأنّيته، ولا له شبيه مثالٍ فيوصف بكيفيّته، ولم يغِب عن علمه شيءٌ فيعلم بحيثيّته، مباينٌ لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنعٌ عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات، لا تحويه الأماكن لعظمته، واحدٌ لا بعدد، ودائمٌ لا بأمَد، وقائم لا بعمَد، ليس بجنسٍ فتعادله الأجناس، ولا بشبحٍ فتضارعه الأشباح، ولا كالأشياء فتقَع عليه الصفات) (1).

وجاء في توحيد الصدوق أنّ رجلاً سأله في البصرة عن حقيقة التوحيد فقال: (إنّ القول بالوحدانية يصحّ على أربعة أوجه: اثنان منها لا تجوز عليه سبحانه، واثنان ثابتان له. فأمّا ما لا يجوز منها عليه، فقول القائل: واحد يلاحظ العدَد؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، ولذا كفَر من قال: إنّ الله ثالث ثلاثة، وكذا إطلاق الواحد عليه يلاحظ أنّه واحد من الناس، ويُراد بذلك النوع من الجنس، وهذا لا يجوز عليه سبحانه؛ لأنّه تشبيه، وجلّ ربنا عن ذلك وتعالى علوّاً كبيراً، وأمّا اللذان يجوَّزان عليه سبحانه فهما الواحد بمعنى نفي الشبيه له، وبمعنى أنّه لا ينقسم في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهمٍ، كذلك ربّنا عزّ وجل) (2).

وبهذا التحديد القصير لحقيقة التوحيد جمَع كل ما ذكره المعتزلة في

____________________

(1) انظر توحيد الصدوق ص 52 تجد الخطبة بكاملها حول صفات الله سبحانه وبيان حقيقة التوحيد كما يليق بذاته تعالى.

(2) انظر المصدر السابق ص 67.

١٤١

معنى الوحدانية؛ لأنّ ما لا شبيه له في الأشياء، لا يكون جسماً، ولا يوصَف بصفات الأجسام، ولا يُحدّ بشيء من الأشياء، وليس له أبعاض وأجزاء، ولا يجري عليه زمان ولا تحيط به الحواس، إلى غير ذلك من الأوصاف التي أوردها المعتزلة لبيان حقيقة التوحيد، كما وأنّ ما لا ينقسم في وجودٍ أو عقلٍ أو وهم، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا يكون محلاًّ للأعراض والحوادث، لأنّ انقسام الشيء ولو في عالم الذهن لا يُمكن أنْ يكون إلاّ باعتبار أجزائه، وعوارضه، وإذا لم يصحّ فيه الانقسام، لابدّ وأنْ يكون مجرّداً عن جميع الحالات والكيفيّات.

وجاء عنه أنّه قال: (إنّ الله ليس بشبح فيرى، ولا بجسمٍ فيجرى، ولا بذي غايةٍ فيتناهى، ولا بمحدِث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، كلمّ موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ومَن زعَم أنّ إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود) (1) .

وجاء عن الفتح بن يزيد الجرجاني أنّه سأل الإمام الرضا (عليه السلام): هل يعلم الله الشيء الذي لم يكن أنْ لو كان كيف يكون؟ فقال: (أمّا سمعت إليه يقول: ( لو كان فيهما آلهةً إلاّ الله لفسدتا ) ، وقوله: ( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ، وقال، عن أهل النار: ( أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا ) ، وقال: ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) ، فقد أثبت سبحانه لنفسه أنّه يعلم الشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون) (2).

وقد أورد الإمام (عليه السلام) هذه الآيات التي أثبتت له العِلم بما لم يكن، إلزاماً للقائلين بأنّ العلم لا يتعلّق بالمعدوم حيث شاع القول بذلك في عصره على أحد زعماء المعتزلة (3).

وأورد الصدوق في كتابه التوحيد جملة أُخرى من الأحاديث عن الأئمّة (عليهم السلام)، في تحديد معنى التوحيد تتضمّن تنزيه الله سبحانه عمّا أثبته له المشبّهة والمحدّثون من أهل السنّة، كما أورد السيّد الرضي في نهج البلاغة مجموعة من خطَب أمير المؤمنين (عليه السلام) حول هذا المعنى، وهو

____________________

(1) نفس المصدر ص 61.

(2) نفس المصدر ص 48.

(3) وتنسب هذه المقالة إلى الجهم بن صفوان أوّل المتكلّمين في القدر، وإلى هشام بن محمّد الغوطي أحد زعماء المعتزلة في عصر الإمام الرضا (عليه السلام).

١٤٢

أوّل مَن تطرّق لهذه المواضيع من المسلمين وذلك قبل وجود المعتزلة بعشرات السنين.

أمّا التوحيد عند الأشاعرة الذين يمثّلون رأي المحدّثين والفقهاء، وعامّة أهل السنّة، فقد قال أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميّين) في وصفه: (إنّ الله واحدٌ أحد لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، وهو على عرشه كما تنصّ الآية: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، وأنّ له يدَين بلا كيف لقوله: ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، ولقوله: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، وله عينان، لقوله: ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) ، وله وجه لقوله: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ ) ، وأنّ أسماء الله لا يُقال أنّها غير الله كما يدّعي المعتزلة والخوارج، وله علم لقوله: ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) ، ولقوله: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ ) ، وأثبتوا له القوّة لقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) .

وأضافوا إلى ذلك أنّ سيّئات العباد يخلقها الله، وجميع الأعمال مخلوقةٌ له سبحانه، ولا يقدر العباد أنْ يخلقوا منها شيئاً، وأنّه يقدر أنْ يصلح الكافرين ويلطف بهم ليكونوا مؤمنين، ولكنّه أراد أنْ لا يصلحهم ولا يلطف بهم، وأرادهم كافرين، وأنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة تمامه، يراه المؤمنون دون الكافرين؛ لأنّهم عنه محجوبون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل مِن مستقر (1).

وقد أورد الأسفراييني في كتابه التبصير عن معتقدات أهل السنّة (2) والجماعة ما هو قريب من ذلك، والأشاعرة كغيرهم من المذاهب الإسلامية، يثبتون له بعض الصفات وينفون عنه غيرها، ولكنّهم يختلفون اختلافاً واقعياً في كيفية اتصافه بتلك الصفات، ومع أنّهم ينفون عنه الجسمية والمكان والحلول يثبتون له ما لا ينفكّ عن هذه الأُمور، ويبدو ممّا ذكرناه من مجمل عقيدة الأشاعرة وأتباعهم المحدّثين أنْ بين رأيهم في حقيقة التوحيد من جهة، ورأي الإمامية والمعتزلة من جهة أُخرى تفاوتاً موجباً لتغايره بلحاظ كل من الرأيين.

____________________

(1) انظر مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري ص 330 وما بعدها إلى صفحة 333.

(2) انظر التبصير في الدين ص 149 وما بعدها.

١٤٣

وقد اتفقت الفِرَق الثلاث على أنّ صفاته منها ما هو ذاتي ثابت لذاته: كالعلم والقدرة والحياة، والإرادة والسميع، والبصير، ومنها ما هو إضافي يثبت لذاته بعد وجود المنشأ لانتزاعها: كالرازق، والخالق، والمالك، والمميت، وغير ذلك ممّا تتّصف به الذات بعد وجود منشأ لانتزاعها؛ لأنّ صدق الخالق والمالك والرازق والمُميت عليه سبحانه، إنّما صحّ باعتبار وجود المخلوق والمملوك، والإماتة، ولا شكّ بحدوث هذه الصفات تبَعاً لمنشأ انتزاعها أمّا الصفات الذاتية، فالأشاعرة وبعض المعتزلة يدّعون أنّها قديمة مغايرة لذاته، فهو عالمٌ بعلم، وقادرٌ بقدرة، وسميعٌ بسمع وهكذا الحال في بقية الصفات، وأمّا الإمامية فقد اتفقوا على أنّ صفاته ليست أُموراً زائدة على ذاته، وإلاّ لزِم تعدد القديم، أو حدوث الصفات ولا يُمكن الالتزام بكلٍّ منهما (1).

ولقد قسّم المتكلّمون الصفات إلى قسمين سلبية وثبوتية، فالسلبية هي نفي ما لا يليق بذاته عنه، ككونه جسماً آو جوهراً وعرضاً وغير ذلك، والثبوتية، فهي التي تليق بذاته كالعلم والقدرة والسمع والبصر والمُحيي والرازق وغيرها من الصفات التي أثبتها له المتكلّمون والفلاسفة الإسلاميّون.

وقد اتفق الإمامية والمعتزلة على عدم كونه جسماً؛ لأنّ كونه جسماً يلزمه أنْ يكون متحيّزاً، وأنْ يكون جوهراً لو كان متحيّزاً، وإذا كان جوهراً، فإمّا أنْ لا ينقسم أصلاً أو ينقسم، وكلاهما لا يجوز عليه سبحانه.

أمّا الأوّل: فلأنّ الجوهر الذي لا ينقسم هو الجزء الذي لا يتجزّأ، والجزء الذي لا يتجزّأ أصغر الأشياء، وتعالى الله عن ذلك.

وأمّا الثاني: فلو انقسم كان جسماً مركّباً، والتركيب الخارجي يتنافى مع الوجوب الذاتي، هذا بالإضافة إلى أنّه لو كان متحيّزاً، لكان مساوياً لسائر المتحيّزات في الماهية، واللازم من ذلك، إمّا القِدَم أو الحدوث؛ لأنّ المتماثلات لابدّ من توافقها في الأحكام (2).

____________________

(1) انظر المواقف للإيجي ص 45 وما بعدها من الجزء الثامن.

(2) انظر المواقف للإيجي الجزء الثامن من المجلّد الرابع ص 20 و21 وما بعدهما تجد عرضاً وافياً لبقية الأدلّة على نفي الجسمية ولوازمها من التحيّز وخلافه.

١٤٤

ولم يخالف بذلك سوى المشبّهة، وهم الحنابلة والكرامية، فقد ذهبوا إلى إنّه متحيّز بجهة العلو، ويظهر من الأشعري أنّ عقيدة أهل السنّة بأجمعهم على ذلك (1)، وعلى أيّ الأحوال فالمشبّهة من الحنابلة والمحدّثين، يدّعون أنّه متحيّز كبقية الأجسام بنحوٍ يصحّ الإشارة إليه، وهو مماس للصفحة العليا من العرش على حد تعبيرهم، ويجوز عليه التحوّل من مكانٍ إلى آخر، وأنّ العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الركب الثقيل، ويزيد عن العرش من كلّ جهة أربعة أصابع وأضافوا إلى ذلك أنّ المؤمنين المخلصين يعانقونه في الآخرة.

وادعى بعض الحشوية من المحدّثين أنّه جسمٌ مركّب من لحمٍ ودم، وقال آخرون: إنّه نور يتلألأ كالسبيكة البيضاء، ويبلغ طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، وقال آخرون: أنّه شيخٌ أشمط الرأس واللحية، إلى غير ذلك من الانحرافات والخرافات التي لا يقرّها العقل ولا المنطق، ولا مصدر لها من كتاب أو سنّة، وليس في القرآن سِوى بعض الآيات التي قد يتراءى لأوّل نظرة فيها أنّه جسم كبقية الأجسام، ولكنّها محاطة بآيات أُخرى، ونصوص من السنّة، وقرائن في تلك الآيات الموهمة لكونه جسماً، تؤكّد أنّ المعنى الموهوم من ظاهرها غير مراد منها.

وقال بعضهم، في تفسير قوله تعالى ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) : إنه يقعد معه على سريره، وادعى معاذ العنبري - أحد الحشوية من السنّة - أنّ الله على صورة إنسان، وله كلّ ما للإنسان حتى الفرج، وأضاف بعضهم انّه رأى صورة آدم فخلق نفسه على مثالها، وأنّه يضحك حتى تبدو نواجذه، وفي رجليه نعلان من ذهب في روضةٍ خضراء تحمله الملائكة، وأنّ الملائكة مخلوقة من زغَب ذراعيه.

وجاء عن داود الظاهري أنّ الملائكة عادته حينما اشتكى من وجَع في عينيه، وينزل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان في كلّ عام، وفي الآخرة لا يعرفه الناس إلاّ بعد أنْ يظهر لهم العلامة التي امتاز بها في ساقه، فإذا كشف لهم عن ساقه سجدوا له، ورووا أنّ فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) تأتي يوم القيامة وعليها قميص الحسين (عليه السلام) لتخاصم يزيد بن معاوية إلى الله؛ لأنّه قتل ولدها الحسين، وسبى عياله وأطفاله، فإذا رآها الله

____________________

(1) انظر ص 323 من مقالات الإسلاميّين في الفصل الذي عقده لبيان عقيدة أهل السنّة.

١٤٥

سبحانه دعا يزيد بن معاوية إليه وادخله تحت قوائم عرشه، كي لا تظفر به فاطمة (عليه السلام)، فيدخل يزيد ويختبئ منها، ثمّ تتظلّم فاطمة وتبكي، فيخرج الله سبحانه لها قدمه، وبها جرح من سهم نمرود، على حدّ زعمهم، فيقول لها: انظري إلى جرح قدمي، هذا من آثار سهم نمرود وقد عفوت عنه.

وفي شرح النهج لابن أبي الحديد إنّهم رووا في الصحاح أنّ آدم مخلوق على صورته تعالى، وأنّ النار عندما تتغيّظ وتزفر لا تسكن حتى يضع رجله فيها، ويُنسب إلى حمّاد بن أبي سلَمة الأُستاذ الأوّل لأبي حنيفة وأحد فقهاء الرأي، إنّ الله ينزل ليلة عرَفة من السماء إلى الأرض على جملٍ أحمر في هودجٍ من ذهب (1) .

والقول بالتجسيم لازم لكلّ من يلتزم بظواهر الآيات كالحنابلة وأتباعهم، أمّا الأشاعرة فمع أنّهم يلتزمون بظواهر الآيات بدون تصرّف فيها، فقد التزموا بأنّ لله وجهاً ويدين وعيناً، ولكنّهم اعتبروها أوصافاً قائمة بذاته تهرّباً من التجسيم الذي يدّعيه بعض الحنابة والحشوية تمشّياً مع العقل الذي يرى التجسيم منافياً للوحدانية (2).

وجاء عن عليّ (عليه السلام) حول المشبّهة والمُجسّمة: (كذب العادلون بك إذ شبّهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزّأوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم، وأشهد أنّ مَن ساواك بشيء مِن خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافرٌ بما نزلت به محكمات آياتك، ونطقت به شواهد حُجج بيّناتك) (3).

وقد بالغ الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق والمذاهب في نسبة التجسيم إلى هشام بن الحكم، ونسبوا إليه بعض المقالات المنافية لأُصول الاسلام، والتي لا يقرّها العقل، ولا تنسجم مع سيرة هشام وعلمه وصلته بالأئمّة من أهل البيت (عليه السلام)، فقد جاء في التبصير للأسفراييني، أنّه كان يقيس

____________________

(1) انظر ما ذكرنا من أقوال المجسّمة وأدلّتهم الجزء الثامن من المواقف ص 26، وشرح النهج لابن أبي الحديد طبع مصر ج 1 ص 294 و295 وما بعدها.

(2) انظر شرح النهج 296.

(3) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 144.

١٤٦

معبوده على الناس، وأنّه سبعة أشبار بشبره وأنّه يتلألأ نوراً، وحكى عنه أبو الهذيل العلاّف أحد زعماء المعتزلة وقد سأله: أيّهما أكبر معبوده أم جبل أبي قبيس؟ فقال: إنّ الجبل لا يرقى عليه تعالى، وحكى عنه أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميّين، أنّه قال: إنّ الله جسمٌ محدودٌ عريضٌ عميق طويل، طوله مثل عرضه وعمقه مثل طوله، وأنّه ذو لونٍ وطعمٍ ورائحة ومجسة إلى غير ذلك من المقالات التي ينسبها إليه كتّاب الفِرَق وغيرهم، وقد وصفه المعتزلة بالخروج عن الاسلام، وهاجمه الجبائي وغيره منهم، وقال فيه بعضهم:

ما بال مَن ينتحل الاسلام

متّخذاً إمامه هشاما (1)

ويبدو من ذلك أنّ الحملات العنيفة التي واجهها هشام، من أخصامه المعتزلة والمحدّثين والفقهاء من السنّة كانت بدافع التشنيع عليه؛ لأنّه كان يُخاصم الفريقين ويناظرهم ولا يثبتون له في جميع مواقفهم معه، كما تؤكّد ذلك المرويّات في ترجمته، وليس في كلماته ما يشير إلى التجسيم المنسوب إليه، وكلّ ما ورد عنه أنّه قال: إنّ الله جسم لا كالأجسام، قال ذلك على سبيل المعارضة والجدَل لأخصامه المعتزلة القائلين بأنّه شيء لا كالأشياء، وهذا النوع من الجدَل لا يدلّ على أنّه اتخذه رأياً له، ولا مذهباً يدين به كما يدّعي كتّاب الفِرَق والمذاهب.

ولو افترضنا أنّه كان يدين بذلك، فليس في هذا الرأي ما يوجب الكفر والإلحاد كما وصفه بذلك النظّام والجبائي وغيرهما من المعتزلة والمحدّثين، وليس في كلماته ما يشير إلى حديث الأشبار السبعة من قريب أو بعيد التي نسبها إليه الجاحظ والنظّام، هذا بالإضافة إلى أنّ هشام بن الحكم كان من تلامذة الأئمّة من أهل البيت (عليه السلام) الذين أعلنوا حرباً لا هوادة فيها على المجسّمة وأصحاب المقالات التي لا تتّفق مع قداسة الخالق وتنزيهه عن صفات مخلوقاته، وكان على صلةٍ أكيدة بهم، ومفضّلاً على الأجلّة من شيوخ أصحابهم.

وقال فيه الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تزال مؤيّداً بروح القدس يا

____________________

(1) انظر التبصير في الدين ص 106 ومقالات الإسلاميّين ج 1 ص 257 والشافي للسيّد المرتضى ص 11.

١٤٧

هشام، ما نصرتنا بلسانك)، وجاء عنه أيضاً أنّه دخل على الإمام الصادق وكان شابّاً قبل أنْ يختطّ عارضاه بالشعر، وفي مجلسه أجلاّء الشيوخ من شيعته وتلاميذه، فوسّع له في مجلسه، وأدناه منه ثمّ قال: (هذا ناصرنا بقلبه ويده ولسانه)، وقال فيه مّرة أُخرى: (هشام بن الحكم رائد حقّنا، والمؤيّد لصِدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، مَن تبعه وتبِع أمره تبعنا، ومَن خالفه وألحَد فيه فقد خالفنا وألحد فينا)، إلى غير ذلك من المرويّات الكثيرة في فضله وسلامة عقيدته، والتي تؤكّد بصراحة أنّه كان يُطبّق مبدأ الأئمّة من أهل البيت وتعاليمهم في أقواله وأفعاله وآرائه.

وكيف تصحّ في حقّه تلك التهم والمقالات الفاسدة المنافية لأُصول الإسلام ونصوص القرآن، مع تعظيم الأئمّة له، وتقديرهم لجهوده وجهاده؟ إنّ نسبة هذه المقالات إلى هشام بن الحكَم وجوازها عليه لا ينفكّ عن جوازها على الأئمّة أنفسهم الذين رفعوا شأنه، وفضّلوه على الأجلّة من أصحابهم.

وممّا يؤكّد عدم صحّة تلك المرويّات عنه أنّها لم ترِد عن غير أعداء الشيعة وأعدائه بصورة خاصة؛ لأنّه وقف لهم ولغيرهم من الملحدين وأهل البِدَع والمنحرفين بالمرصاد، وله مواقف حاسمة مع عمرو بن عبيد أحد زعماء المعتزلة، وإبراهيم بن سيار النظّام وغيرهما في الإمامة وغيرها من الأصول الإسلاميّة، وجاء فيما رواه أبو عمر الكشّي في رجاله، أنّ إبراهيم النظام كان ينكر بقاء أهل الجنّة إلى الأبد، مدّعياً أنّ البقاء الأبدي لا يكون لغير الله، وقد جرى حوار بينه وبين هشام بن الحكَم حول هذا الموضوع، قال فيه هشام: إنّ بقاء الله لا يحتاج إلى سبب وعلّة، وبقاؤهم لا يكون إلاّ بسبب، هو إرادة الله ومشيئته، فلا يلزم من بقائهم مشاركتهم لله سبحانه.

ولمّا أصرّ النظّام على أنّهم بعد استيفاء نصيبهم من النعيم يجمدون على الحالة التي كانوا عليها، قال هشام: أوَلَيس في الجنّة كلّ ما تشتهي الأنفس؟ ومِن الجائز أنْ يشتهوا البقاء فيها إلى الأبد، قال النظّام: نعم ولكنّهم لا يلهمون إلى ذلك، وإنْ سألوه أعطاهم ما يريدون.

قال هشام: فلو أنّ رجلاً من أهل الجنّة نظر إلى ثمرة من ثمارها، فتدلّت إليه الشجرة ليقطف منها تلك الثمرة، ثمّ حانت منه لفتة أُخرى، فنظر إلى ثمرةٍ أُخرى منها فمدّ يده ليأخذها فأدركه الجمود الذي تدّعيه،

١٤٨

ويداه معلقتان بشجرتين فارتفعت الأشجار يصبح والحالة هذه مصلوباً، أَفبلغك أنّ في الجنّة مصلوباً؟ قال النظّام: إنّ ذلك محال، فقال هشام: إنّ ما أتيت به أمحل منه يا جاهل.

ومهما كان الحال، فالخصومة الشديدة التي كانت بينه وبين أصحاب المقالات والآراء المخالفة لأُصول الاسلام، ولا سيّما خصومته لأقطاب المعتزلة كعمرو بن عبيد، والنظّام والجاحظ وأمثالهم، هذه الخصومة هي التي دفَعت أعداءه إلى الكذِب والتشويش عليه، ولو افترضنا أنّه كان من القائلين بالتجسيم، وأنّه كان دَيصانياً في بداية أمره، ثمّ أصبح جهمياً، وأخيراً أصبح إمامياً متحمّساً لفكرة الإمامية، ولو افترضنا أنّه كان ديصانياً وجهمياً قبل تشيّعه لأهل البيت (عليه السلام)، فلابدّ وأنْ يكون قد رجَع عن القول بالتجسيم بعد المرحلة الأخيرة التي استقرّ عليها، كما يبدو ذلك من سيرته، ومعاملة الأئمّة الهداة (عليه السلام) له.

وجاء في بعض المرويّات أنّ الإمام جعفر بن محمّد (عليه السلام) قد منعه من الدخول عليه؛ لأنّه يقول بالتجسيم، واعتذر عن ذلك بأنّه لم يعلم بأنّه يتخطى رأي إمامه بذلك، أمّا بعد أنْ علم بذلك، فهو تائب إلى الله (1)، على أنّ ذلك كلّه مجرّد افتراض، والرواية المذكورة لا تؤيّدها الدراسة لتاريخ هشام بن الحكم وتتبّع آثاره، والذي تؤيّده الشواهد المتعدّدة أنّ هشاماً منذ نشأته لم ينحرف عن التشيّع، وقضى مدّة حياته صلباً في تشيعه، وخصماً عنيداً لكلّ مَن يُحاول التشويش عليه من أيّ فرقةٍ كان.

والرواية الحاكية لخصومته مع عمرو بن عبيد في البصرة حول الإمامة، تنصّ على أنّه كان يوم ذاك في مطلع شبابه، لم يختط عارضاه بالشعر كما جاء فيها، وقد جاء في الشافي للسيّد المرتضى، أنّ الإمام الصادق كان يرفعه على شيوخ أصحابه مع حداثة سنّه، وأنّه وهو في ريعان شبابه كان يُدافع ويناضل عن التشيّع وأُصوله (2).

ومن ذلك نستفيد أنّه لم يعتنق غير التشيّع مذهباً، ولم يتبنّ غير أُصوله وفروعه، وكيف يجوز في حقّه أنْ يكون ديصانياً تارة، وجهمياً أُخرى، مع كونه خصماً عنيداً لأعداء التشيّع قبل أنْ يختطّ عارضاه

____________________

(1) انظر هشام بن الحكم للشيخ عبد الله نعمة.

(2) انظر الشافي للسيّد المرتضى ص 12 و13.

١٤٩

بالشعر أي في مطلع شبابه وهذا السنّ لا يُساعد عادة على استعراض المذاهب ودراستها والتنقّل من مذهب إلى مذهب، على أنّ هذه النسبة جاءته مِن قِبل أخصامه المعتزلة الذين كانوا يرونه من أنكد أخصامهم الأقوياء، ونسَج المتأخّرون منهم على منوالهم، وما زال الكتّاب يلصقون به وبغيره من أعلام الشيعة، كلّ ما يُسيء إلى سمعتهم ويُوهن من أُمورهم، ويجترون أقوال المتقدّمين بدون تحقيق أو تمحيص.

وجاء في تاريخ الفِرَق الإسلامية أنّ أصل التشبيه يرجع إلى طائفتين: طائفة الروافض من الشيعة، وطائفة الحشوية من المحدّثين، ويمثّل الطائفة الأُولى هشام بن الحكم (1)، وقد ذكرنا أنّ مصدر إلصاق هذه التهمة به هو الكلمة المنسوبة إليه وهي، (إنّه جسمٌ لا كالأجسام)، وهي على تقدير صدورها منه صورة ثانية عن مقالة المعتزلة، (إنّه شيءٌ لا كالأشياء)، والمقصود منها أنّه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا تدلّ على أكثر من ذلك، ومع ذلك فقد استباحوا إلصاق هذه المقالات الباطلة به، ولم ينسبوا إلى الأشعري والمحدّثين القول بالتشبيه والتجسيم، مع أنّ كلماتهم أدلّ على التجسيم المطلق من هذه الكلمة.

قال أبو الحسن الأشعري، في شرح معتقدات أهل السنّة: (إنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ وله يدان وعينان ووجه وغير ذلك من الأعضاء، وعقّب ذلك بقوله: وبكلّ ما ذكرنا من قولِهم نقول وإليه نذهب (2)، وذكر في التبصير نحواً من ذلك، واستدلّ على رؤية الله سُبحانه بأنّ ما لا تصحّ رؤيته لم يتقرّر وجوده، هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً عن الحنابلة الذين أنزلوه إلى مستوى البشر، ومع ذلك فالشيعة عند عليّ الغرابي، هُم المشبّهة والمجسّمة بزعامة هشام بن الحكَم.

أمّا القائلون بأنّ له يداً وعيناً ووجهاً وأنّه يُرى بالأبصار، وينزل إلى السماء الدنيا وغير ذلك ما هو ثابت عن أهل السنّة الأشاعرة وغيرهم،

____________________

(1) انظر تاريخ الفِرَق الإسلامية لعلي الغرابي.

(2) انظر صفحة320 وما بعدها إلى ص325 الجزء الأول من مقالات الإسلاميّين، وانظر التبصير في الدين ص138.

١٥٠

هؤلاء هم الموحّدون الحقيقيّون عند الغرابي وغيره من كتّاب السنّة.

ومن صفاته السلبية، أنّه ليس بجوهر ولا عرض؛ إذ لو كان جوهراً لكان متحيّزاً، والتحيز يلزمه التجسيم وكونه محتاجاً إلى غيره، هذا بالإضافة إلى أنّ الجوهر وجوده غير ماهيته، والواجب متّحد وجوداً وماهية، ولو كان عرضاً احتاج إلى محل يعرض عليه؛ لأنّ الأعراض إنّما تتقوّم بغيرها.

ومنها أنّه ليس زمانياً بمعنى أنّ وجوده لا يحتاج إلى الزمان، ولو كان زمانياً لزِم كون الزمان قديماً، وكونه مفتقراً إلى غيره كما هو الحال في كلّ زماني، مضافاً إلى أنّ الزمان يتجدّد، والحال في المتجدّد لابدّ وأنْ يكون متجدّداً، وتعالى الله عن ذلك، وليس معنى كونه قديماً هو التقدّم الزماني، كما وأنّ بقاءه لا يعني وجوده في زمانين أو أكثر، وإلاّ لزِم كونه زمانياً.

ومنها أنّه لا يتّحد بغيره لامتناع صيرورة الشيئين شيئاً واحداً، وينسب القول بذلك إلى الصوفية؛ لأنّهم يدّعون بأنّه متّحد بأبدان العارفين، وأنّه نفس الوجود، وكلّ موجود هو الله على حدّ زعمهم.

ومنها أنّه لا يحلّ بغيره؛ لأنّ الحال مفتقر إلى المحل، وكلّ مفتقر إلى غيره ممكن، مضافاً إلى أنّ الحلول يستدعي التبعية، والغني بذاته لا يكون تابعاً لغيره، ولو افترضنا ذلك لزِم كون المحل قديماً فيتعدّد القديم، والقول بالحلول منسوبٌ إلى المتصوّفة القائلين بأنّ الله يحل في أبدان العارفين، وأنّ الإنسان متى وصل إلى أعلى مراتب المعرفة فقد اتحد مع الإله، فتسقط عنه جميع التكاليف.

وفكرة الحلول والاتحاد لازمة لقول النصارى في المسيح، لأنّه تعالى إمّا حالٌّ في المسيح أو متّحدٌ معه، أو أنّ صفته قد حلّت فيه، وعلى جميع التقادير إمّا أنْ يكون الحلول ببدن المسيح أو بنفسه، وقد بيّنا أنّ الاتّحاد محال عقلاً مع فرض الاثنينية، والحلول يؤدّي إلى النتائج التي ذكرناها (1).

ومنها أنّه لا يتّصف بشيء من الأعراض المحسوسة بالحسّ الظاهر أو الباطن كالطعم واللون والرائحة والألم، والحقد، والحزن، والخوف وغير ذلك؛ لأنّ هذه كلّها من توابع المزاج والأجسام المركّبة من عناصر

____________________

(1) انظر المواقف جزء 8 ص 29 و30 وكشف الحق ونهج الصدق للعلاّمة الحلّي ص 17.

١٥١

مختلفة، وأجزاء متباينة لكلّ واحد منها آثار وخواص تخصّه، وقد أثبتنا أنّه تعالى ليس بجسمٍ لتكون له هذه الآثار والخصائص الثابتة للأجسام.

الصفات الوجودية

لقد ذكرنا سابقاً أنّ المتكلّمين قسّموا الصفات إلى قسمين ثبوتية وسلبية، وقد ذكرنا قسماً من الصفات السلبية، أمّا الصفات الوجودية فهي إمّا راجعة للذات ابتداءً وبلا توسّط شيءٍ آخر، وأمّا أنْ تكون صفة للذات باعتبار الأفعال الصادرة عنها، قال الشيخ المفيد: (صفات الله على ضربين، أحدهما منسوبٌ إلى الذات، فيقال عنها أنّها صفاتٌ للذات، وثانيهما منسوبٌ إلى الأفعال فتكون صفة لها، والمراد من صفات الذات هو كونها مستحقّة لها استحقاقاً لازماً، لا لشيء سِواها، ومعنى صفات الأفعال، هو أنّها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده.

فصفات الذات له تعالى، هي وصْفَه بأنّه حيٌّ عالمٌ قادر، ألا ترى أنّه لم يَزل مستحقّاً لهذه الصفات ولا يزال، ووصْفُنا له بصفات الأفعال معناه أنّه قبل صدور الفعل لا يصحّ وصفه سبحانه بتلك الصفة، فقبل خلقه الخلْق لا يُوصف بأنّه خالق، وقبل إماتته الخلق لا يقال عنه مميت، إلى غير ذلك مّن الصفات التي لا يصحّ حملها على الذات إلاّ بعد وقوع الفعل منه سبحانه.

وأضاف إلى ذلك أنّ صفات الذات لا يوصف صاحبها بأضدادها، ولا يخلو منها، أمّا صفات الأفعال فيوصف مستحقّها بضدّها كما يصحّ خلوّه عنها، فلا يوصف بالموت ولا بالعجز ولا بالجهل، كما لا يوصف بخلوّه عن الحياة والعلم والقدرة؛ لأنّ هذه الصفات ثابتة لذاته تعالى، ويصحّ أنْ يقال فيه أنّه غير خالق اليوم ولا رازق لزيد، ولا محيي للميّت الفلاني،  ولا مُبدِئ لشيء في هذه الحالة) (1).

____________________

(1) انظر تصحيح اعتقادات الصدوق للشيخ المفيد ص 11.

١٥٢

والمتحصّل من ذلك أنّ نسبة الصفات إليه تعالى ليست على نهجٍ واحد؛ لأنّ منها ما يُنسب إلى ذاته ابتداءً ولا توسّط لشيء، ومنها ما ينسب لذاته بلحاظ ما يصدر عنه من الأفعال، والظاهر أنّ القسم الثاني من الصفات ليس داخلاً في النزاع القائم بين الأشاعرة وغيرهم، في أنّ صفاته عين ذاته أم غيرها؟ لأنّ هذه الصفات إنّما تجري عليه سبحانه بلحاظ ما يصدر عنه، فهي تابعة لمنشأ انتزاعها، كما وأنّ القسم الأوّل من الصفات لا إشكال في أنّه الموضوع للنزاع القائم بين الطرفين الأشاعرة وغيرهم، وقبل الإشارة إلى وجهة نظر الفريقين في هذه المسألة، لابدّ من البحث في الصفات وبيان المراد منها مع الإشارة إلى رأي الفلاسفة والمتكلّمين منها على ضوء ما جاء في كلماتهم حول هذه المواضيع.

القُدرة

وقد عدّوا من جملة صفات الذات القدرة، ومعناها عند المتكلّمين، أنّه لا شيء من الفعل والترك ضروري بالنسبة إليه سبحانه؛ لأنّه قد أوجد هذا الكون بنظامه حسب مشيئته، ولو لم يشأ لم يكن، وقال الفلاسفة: إنّ القدرة بهذا المعنى نقصان لا يليق بذاته سبحانه، وإيجاده للكون هو من لوازم ذاته، فيمتنع خلوّه منه، فالقدرة لازمة له كلزوم العلم وسائر الصفات الكمالية، فكما يستحيل انفكاكها عنه، يستحيل انفكاك القدرة عنه، وفي جواب ذلك قال المتكلّمون: أنّه لو لم تكن القدرة بمعنى إنْ شاء فعل وإنْ شاء ترَك بحيث لم يكن الفعل والترك ضروريّين، يلزم أحد أُمور أربعة، إمّا نفي الحادث، أو عدَم استناده إلى المؤثّر، أو التسلسل، أو تخلّف الأثر عن المؤثّر.

بيان الملازمة، أنّه لو كان موجباً بذاته، إمّا أنْ لا يوجد حادث أو يوجد، فإنْ لم يوجد لزِم نفي الحادث، وهو مُخالف للضرورة والوجدان، وإنْ وجِد حادث، فإمّا أنْ لا يستند الحادث الموجود إلى مؤثّر موجد، أو

١٥٣

يستند، فإنْ لم يستند الى مؤثّر، لزِم عدم استناد الحادث إلى مؤثّر، وإنْ استند الحادث الموجود إلى مؤثّر، فإمّا أنْ يكون المؤثّر قديماً أو حادثاً، فإنْ لم يكن قديماً ولا منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر، وذلك المؤثّر إذا لم يكن قديماً أو منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر آخر، فيلزم التسلسل، وإنْ كان المؤثّر منتهياً إلى القديم لزِم تخلّف الأثر عن المؤثّر؛ لأنّا قد فرضناه حادثاً منتهياً إلى القديم الموجب بذاته، ولازم ذلك كون الأثر مقارناً للموجب، ولو كان مقارناً خرَج عن كونه حادثاً، ولزم تعدد القديم، وهو خلاف المفروض (1).

والقدرة الثابتة لذاته تعالى تشمل جميع الأشياء، حسنة كانت أم قبيحة، لأنّ المقتضى للقدرة على جميع الممكنات، هو ذاته، ونسبتها إلى جميع الممكنات متساوية، وإذا ثبتت على بعضها ثبتت على البعض الآخر، ولم يُخالف بذلك إلاّ الفلاسفة وبعض المعتزلة. أما الفلاسفة، فقالوا: إنّ الله واحد والواحد لا يصدر عنه أكثر من واحد، فلا يقدر على جميع الممكنات، ولذا التزموا بأنّ الله أوجد العقل الأوّل، وبقية المُمكنات تصدر عنه بالوسائط.

وذهب المجوس إلى أنّ الله لا يقدر إلاّ على الخير، أمّا الشرّ فليس من مقدوره، وإنّما هو من فعل الشيطان، كما ذهب النظام وأتباعه من المعتزلة إلى أنّ الله لا يقدر على القبيح، لأنّه مع العلم بقبحه يكون فعله سفَهاً، وإنْ كان جاهلاً بقبحه يكون ناقصاً، وتعالى الله عن ذلك.

وذهب أبو القاسم البلخي وجماعة منهم إلى أنْ الله لا يقدر على ما أقدر عليه عباده؛ لأنّه أمّا أنْ يكون طاعة مشتملة على المصلحة أو معصية فيه المفسدة، أو مجرّداً عنهما، والجميع لا يجوز عليه تعالى لأن أفعاله لا تكون لهذه الاعتبارات (2) .

وذهب الجبائيان إلى أنّ الله لا يقدر على عين فعل العبد؛ لأنّه لو أراد الله فعلاً من أفعال العبد، وأراد العبد عدمه فإنّ وقعا اجتمع النقيضان، وإنْ لم يقعا، ارتفع النقيضان، وإنْ وقع أحدهما لا يكون الثاني مقدوراً.

____________________

(1) انظر المواقف ج 8 ص 50 وشرح التجريد للعلامة الحلّي.

(2) انظر مقالات الإسلاميّين ص 251، المواقف ص 63.

١٥٤

والجواب، إمّا عن شبهة المجوس، فإنّ القدرة على الشرّ، لا تستلزم فعله، لوجود الصارف عنه أحياناً.

وأمّا عن دعوى النظام وأتباعه، فعلى مبدأ الأشاعرة المنكرين للقبح والحُسن الذاتيّين، لا يلزم أيّ محذور من قدرته على القبيح؛ لأنّ تعلّق القدرة به يكشف عن عدم قبحه، وأمّا على مبدأ الإمامية، فالمراد من قدرته على الحسن والقبيح، أنّه يدعو إلى الحسن بدون أنْ يكون له صارف عنه، أمّا القبيح فمع أنّه داخل تحت قدرته كغيره من الممكنات لا داعي له إلى فعله، بالإضافة إلى وجود الصارف عنه، وعدم صدوره عنه لا يدلّ على نفي القدرة عنه، فهو مقدور باعتبار ذاته، وممتنع عليه عرَضاً لوجود الصارف عنه.

وأمّا عن دعوى البلخي، فالطاعة والعبث وغيرهما من الاعتبارات إنّما تَعرِض للأفعال الصادرة من العبد، ولا تؤثّر في ذاتيّة الفعل، فكونه طاعة أو معصية وصْفان يعرضان للفعل من حيث قصد الفاعل، والدواعي القائمة بنفسه وما يُرافق الفعل من آثار سيّئة أو طيّبة، وبالنسبة إليه تعالى لا تجري فيه جميع هذه الاعتبارات.

وأمّا عن دعوى الجبائيّين وأتباعهما، فلو تعلّقت إرادة الله سُبحانه بالفعل لا يمكن أنْ تؤثّر إرادة العبد المتعلّقة بالترك؛ لأنّها أقوى منها، وهذا لا يمنع من كون الترك مقدوراً للعبد في هذه الحالة ذاتاً، وإنْ امتنع في حقّه عرَضاً لوجود المزاحم الأقوى منها تأثيراً.

العلم

ومنها أنّه عالمٌ بالكون وما فيه، من غير فَرقٍ بين الكلّيات والجزئيّات، والأعدام الممكنة والممتنعة، والجواهر والأعراض، وكلّ ما كان وما يكون في الخارج أو الذهن، ويؤيّد هذه الدعوى على عمومها ما جاء في الآية من سورة الأنبياء: ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) والآية من سورة الإنعام:

١٥٥

( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) .

وممّا يدل على ذلك أنّه أوجد الموجودات على أكمل الوجوه، وأتقن صنعها، وغير العالم يستحيل أنْ يصدر منه الفعل المتقن مرّة بعد أُخرى، هذا بالإضافة إلى أنّ كلّ شيءٍ سِواه ممكن، والممكن لابدّ في وجوده من علّة تقتضي إيجاده، وذاته تعالى هي العلّة في إيجاد جميع الموجودات والممكنات، وهو عالم بذاته، والعلم بالعلّة يستتبع العلم بالمعلول الصادر عنها من غير فَرقٍ بين أقسام الممكنات وأنواعها، وقد ادعى بعض المتكلّمين، أنّ الله لا يعلم ذاته؛ لأنّ العلم إضافة بين العالم والمعلوم، ولابدّ من المغايرة بينهما، فلو قلنا بأنّه يعلم ذاته يلزم مغايرة علمه لذاته.

والجواب عن هذه الدعوى، إنّ المغايرة بين العلم والمعلوم يكفي فيها أنْ تكون اعتبارية، وهي موجودة في المقام، فذاته من حيث إنّها عالمة، مغايرة لها من حيث إنّها معلومة، ويكفي هذا النوع من المغايرة بالنسبة إليه سبحانه.

وادّعى آخرون بأنّ الله لا يعلم الجزئيات ولا الشيء قبل وجوده، أمّا أنّه لا يعلم الجزئيات فلأنّها تتغيّر وتتبدّل وإذا تغيّر المعلوم وتبدّل لابدّ من تغيّر العلم، وقد ثبت أنّ علمه عين ذاته فيلزم الذات تغيّرها، وأمّا عدم علمه بالأشياء قبل وجودها، فلأنّه لو تعلّق بها العلم، كان وجودها واجباً فيلزم انقلاب الممكن واجباً، إذ لو لم توجد لزم انقلاب علمه جهلاً.

والجواب عن الدعوى الأُولى، إنّ العلم بالجزئيات لا يتغيّر حتى ولو تغيّر الجزئي المعلوم؛ لأنّ المتغيّر هو الإضافة المتعلّقة بالمعلوم، فزيد إذا وجد ينسب وجوده إلى علم الله وإذا انعدم تنتفي نسبة وجوده إلى علمه، أمّا العلم فهو على حاله لم يتغيّر ولم يتبدّل، فالتغير في الإضافات، لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية الثابتة للذات، وهذا نظير قولنا: زيد يقدر على عمرو فلو مات عمرو لا تنتفي قدرة زيد عليه، ولكنّ هذه الإضافة الخاصّة قد انتفت بموت عمرو؛ ولأنّها أمرٌ اعتباري لا وجود له خارجاً.

والجواب عن الدعوى الثانية، بأنّ تعلّق علمه بالمتجدّدات لا يُخرجها عن كونها ممكنة ذاتاً؛ لأنّ علمه تعلّق بها على هذه الصفة، فإذا وجب وجودها بعد ذلك لوجود سببه، لا تخرج عن إمكانها الذاتي؛ لأنّ وجوبها

١٥٦

لحصول سببه، وكلّ ممكن قد يُصبح واجباً بالعرض ولا مانع من اجتماعهما (1) .

____________________

(1) شرح التجريد للعلاّمة الحلّي ص176 والمواقف ص71 وما بعدها ومعالم الفلسفة للشيخ محمّد جواد مغنية ص139.

١٥٧

الحياة والإرادة

ومنها أنّه حيّ مُريد لأنّه عالمٌ قادر، وكلّ عالمٍ قادر لابدّ وأنْ يكون حيّاً، وليست الحياة بالنسبة إليه كالحياة بالنسبة لغيره، فحياة غيره هي عبارة عن اعتدال المزاج والحركة والحس، وغير ذلك من المقوّمات أمّا بالنسبة إليه سُبحانه، فعند الإمامية القائلين بوحدة الذات والصفات عبارة عن معنى سلبي، أي لا يستحيل عليه أنْ يعلم ويقدر؛ لأنّ ثبوت الصفة فرع عن عدم استحالتها، وعند الأشاعرة وبعض المعتزلة القائلين بتغاير الصفات مع الذات، أنّها صفة توجب صحّة العلم الكامل والقدرة الشاملة، إذ لولا اختصاصه بصفة توجب صحّة العلم والقدرة، لكان اختصاصه بصحّة العلم والقدرة ترجيحاً بدون مرجح (2).

وأمّا كونه مريداً فقد اتّفق الجميع على ذلك بدليل أنّه سبحانه أوجد بعض الممكنات دون بعض، مع أنّ قدرته تعمّ جميع الممكنات وعلمه محيطٌ بجميع الكائنات، ولا سبب لذلك إلاّ تعلّق إرادته ببعضها دون البعض الآخر، وقد اختلفوا في معنى إرادته سبحانه، فأبو الحسين الصالحي والنظّام والجاحظ والعلاّف، وأبو القاسم البلخي وغيرهم، ذهبوا إلى أنّها عبارة عن علمه بما في الفعل من المصالح والمنافع، وتسمّى عندهم (بالداعي إلى إيجاد الفعل).

وقال النجّار: إنّها معنىً سلبي، بمعنى أنّه غير مستكره ولا مغلوب.

____________________

(2) انظر شرح التجريد ص 177 والمواقف ص 81.

١٥٨

وقال الكعبي: إنّ إرادته بالنسبة لأفعال نفسه علمه بالمصلحة، ولأفعال غيره أمَره بها. وقال الحكماء: إنّها العلم بالنظام على الوجه الأكمل، ويسمّونها (العناية)، وقال ابن سينا: (العناية هي إحاطة علم الأوّل تعالى بالكل، وبما يجب أنْ يكون عليه الكل، حتى يكون على أحسن النظام).

وقال الأشاعرة والحنابلة والجبائيان من رؤساء المعتزلة، إنّها صفة زائدة على العِلم، وفي شرح التجريد أنّها عبارة عن الداعي إلى الفعل، وليست أمراً زائداً على الذات كما يدّعي الأشاعرة؛ للزوم تعدّد القدماء وليست أمراً حادثاً في ذاته، كما يدّعي الكراميّة، أو لا في محل كما يدّعي أبو علي وأبو هاشم من المعتزلة، إذ لو كانت حادثة في ذاته أو لا في محل لزِم التسلسل، لاحتياج الحادث إلى موجد بإرادة، والكلام بعينه يجري في الإرادة الثانية (1).

وقال الشيخ المفيد في أوائل المقالات: أنّ إرادته لأفعاله هي نفس أفعاله، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال، وبذلك جاءت الآثار عن أئمة الهدى مَن آل محمّد (عليه السلام) وهو مذهب الإمامية إلا من شذّ منهم (2).

ومن صفاته تعالى، أنّه سميعٌ بصير، قال الإيجي في المواقف، والعلاّمة الحلّي في شرح التجريد ما حاصله أنّ ذلك ممّا علم بالضرورة من دين محمّد (صلّى الله عليه وآله)، واتّفق عليه جميع المسلمين، ودلّ عليه القرآن الكريم واستدل جماعة على ثبوت هذين الوصفين له، بأنّه قد ثبت اتصافه بالحياة وكل حيّ لابدّ وأن يتّصف بالسمع والبصر، إذ لو لم يتّصف بهما لاتّصف بضدّهما، واتّصافه بضدّهما نقصٌ لا يجوز عليه سبحانه، والمراد منهما علمه بالمسموعات، والمبصرات؛ لأنّ السمع والبصر الثابتان له، لو كانا بآلة تشبه الآلات الموجودة لدى سائر مخلوقاته، لزم كونه جسماً مركباً من أجزاء متباينة، لكلّ جزء منها وظيفة تختصّ به، وذلك ممتنع بالنسبة إليه تعالى كما ذكرنا سابقاً، فلابدّ وأنْ يكون المراد منهما غير السمع والبصر

____________________

(1) انظر شرح التجريد ص 177 والمواقف ص 81.

(2) انظر أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 19.

١٥٩

الثابتين لغيره من المخلوقات (1).

قال الشيخ المفيد: إنّ استحقاق القديم سُبحانه لهذه الصفات كلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول، وأنّ المعنى في جميعها العلم، فالمراد من كونه سميعاً وبصيراً، علمه بالمسموعات والمبصرات وأضاف قائلاً: ولست أعلم من متكلّمي الإمامية خلافاً في هذا الباب وهو مذهب البغداديين من المعتزلة، وقد خالف فيه المشبهة من أصحاب الصفات، والبصريّون من أصحاب الاعتزال (2)، وهو مذهب الفلاسفة والكعبي، وأبي الحسين البصري.

وذهب الأشاعرة وجمهور المعتزلة إنّهما صفتان زائدتان على العلم (3) .

____________________

(1) انظر المواقف ص 88 الجزء الثامن، فإنّه بعد أنْ أورد هذا الاستدلال أبطله، وانتهى أخيراً إلى القول بأنّ العمدة في إثبات هذين الوصفين له تعالى ظواهر الآيات الدالّة على ذلك.

(2) انظر أوائل المقالات ص 21.

(3) انظر المواقف ص 89، والظاهر أنّهم يعتمدون على ظواهر النصوص في ذلك وعبارة المواقف تنصّ على أنّ الأكثرية الغالبة من المعتزلة متّفقون مع الأشاعرة في هذه المسألة.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

أيّها القوم، إنّ الله تعالى - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة؛ قُتل أبو عبد الله (عليه السّلام) وعترته، وسُبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيّها الناس، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله، أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله، أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها؛ فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان في لجج البحار، والملائكة المقرّبون، وأهل السموات أجمعون؟!

أيّها الناس، أيّ قلب لا ينصدع لقتله، أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه، أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثُلمت في الإسلام ولا يصم؟!

أيّها الناس، أصبحنا مطرودين مشرّدين، مذودين شاسعين عن الأمصار، كأنّنا أولاد ترك أو كابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، إن هذا إلاّ اختلاق.

والله، لو أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأكظّها، وأفظعها وأفدحها،

٣٢١

فعند الله نحتسب فيما أصابنا وأبلغ بنا إنّه عزيز ذو انتقام» .

وعرض الإمام (عليه السّلام) في خطابه إلى المحن السود التي عانتها الاُسرة النبويّة، وما جرى عليها من القتل وسبي النساء، وغير ذلك ممّا تتصدّع من هوله الجبال.

وانبرى إلى الإمام (عليه السّلام) صعصعة فألقى إليه معاذيره في عدم نصرته للحسين (عليه السّلام)، فقبل الإمام عذره، وترحّم على أبيه. ثمّ زحف الإمام (عليه السّلام) مع عمّاته وأخواته وقد أحاطت به الجماهير، وعلت أصواتهم بالبكاء والعويل، فقصدوا الجامع النبوي، ولمّا انتهوا إليه أخذت العقيلة بعضادتي باب الجامع، وأخذت تخاطب جدّها الرسول وتعزيه بمصاب ريحانته قائلة: يا جدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين(١) .

وأقامت العلويات المأتم على سيد الشهداء (عليه السّلام)، ولبسنَ السواد، وأخذن يندبنه بأقسى وأشجى ما تكون الندبة.

مكافأة الحرس

وقام الحرس بخدمات ورعاية إلى السيدات، فالتفتت السيدة فاطمة بنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فقالت للعقيلة زينب (عليها السّلام): لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟

فأجابتها العقيلة (عليها السّلام): والله ما معنا شيء نصله به إلاّ حليّنا.

- نعم، هو ما تقولين.

____________________

(١) مقتل الحسين (عليه السّلام) - المقرّم / ٤٧٢.

٣٢٢

وأخرجن سوارين ودملجين وبعثتا بهما إليه، واعتذرتا له، وتأثّر الرجل من هذا الكرم الغامر وهو يعلم ما هنَّ فيه من الضيق والشدّة، فقال لهما باحترام: لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني، ولكن والله ما فعلته إلاّ لله، ولقرابتكم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(١) .

حزن العقيلة (عليها السّلام)

وخلدت عقيلة آل أبي طالب إلى البكاء على انقراض أهلها(٢) ، وكانت لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر عن البكاء، وكانت كلّما نظرت إلى ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يزداد وجيبها وحزنها، وقد نخب الحزن قلبها الرقيق المعذّب حتّى صارت كأنّها صورة جثمان فارقته الحياة.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٦، تاريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٠.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٤٢٨.

٣٢٣

٣٢٤

إلى جنّة المأوى

وخلدت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في يثرب إلى البكاء والنحيب، وأخذت تراودها صباحاً ومساءً تلك الذكريات المروعة التي جرت على أخيها في صعيد كربلاء، وما عاناه من الكوارث القاصمة التي تذوب من هولها الجبال، فكانت دموعها تجري في كلّ لحظة على أخيها واُسرتها الذين حصدت رؤوسهم سيوف البغي، ومثّلت بأجسامهم العصابات المجرمة.

لقد أخذت تلوح أمامها تلك المناظر الحزينة التي تعصف بالصبر حتّى ضاقت بها الأرض، ولم تلبث أن ترفع صوتها عالياً مشفوعاً بالألم والبكاء قائلة: وا حسيناه! وا أخاه! وا عبّاساه! وا أهل بيتاه! وا مصيبتاه!

ثمّ تهوي إلى الأرض مغمىً عليها وقد صارت شبحاً، وذوت كما ذوت اُمّها زهراء الرسول من قبل، وكان أحبّ شيء لها مفارقة الدنيا والالتحاق بجدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ لتشكو إليه ما عانته من الرزايا والأسر والسبي، وما جرى على أخيها

٣٢٥

من القتل والتمثيل.

ونتحدّث بإيجاز عن وفاتها، وما قيل في زمانها، والمكان الذي حظي بمرقدها.

إلى جنّة المأوى(*)

ولم تمكث العقيلة (عليها السّلام) بعد كارثة كربلاء إلاّ زمناً قليلاً حتّى تناهبت الأمراض جسمها، وصارت شبحاً لا تقوى حتّى على الكلام، ولازمت الفراش وهي تعاني آلام المرض، وما هو أشقّ منه وهو ما جرى عليها من الرزايا، وكانت ماثلة أمامها حتّى الساعات الأخيرة من حياتها.

وقد وافتها المنية ولسانها يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه، وقد صعدت روحها الطاهرة إلى السماء كأسمى روح صعدت إلى الله، تحفّها ملائكة الرحمن وتستقبلها أنبياء الله، وهي ترفع إلى الله شكواها وما لاقته من المحن والخطوب التي لم تجرِ على أيّ إنسان منذ خلق الله الأرض.

الزمان

انتقلت العقيلة (عليه السّلام) إلى جوار الله تعالى على أرجح الأقوال يوم الأحد لخمسة عشر مضين من شهر رجب سنة (٦٢هـ)(١) ، وقد آن لقلبها الذي مزّقته الكوارث أن يسكن، ولجسمها المعذّب أن يستريح.

الأقوال في مرقدها

واختلف المؤرّخون في البقعة التي حظيت بجثمانها المعظم، وهذه بعض الأقوال:

____________________

(*) هكذا ورد العنوان هنا مكرراً مع ما في الصفحة التي سبقته، وهي طريقة لا نكاد نجد لها نظيراً في جميع الكتب التي تمّ تصحيحها وتقويمها من قِبل موقعنا.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

(١) السيدة زينب وأخبار الزينبيات - العبيدلي / ٩.

٣٢٦

١ - في البقيع

وذهب بعض المؤرّخين إلى أنّها توفّيت في يثرب ودفنت في بقيع الغرقد.

ويواجه هذا القول إنّها لو دفنت هناك لكان لها مرقد خاص كما هو الحال في غيرها من السادة المعظّمين من أبناء الاُسرة النبويّة. ومن المحتمل أنّها أوصت أن تُدفن في غلس الليل البهيم، ويُعفى موضع قبرها؛ تأسّياً باُمّها زهراء الرسول (صلّى الله عليه وآله).

٢ - في الشام

وأفاد فريق من المؤرّخين أنّها توفّيت في إحدى قرى الشام، ويعزو بعضهم سبب سفرها إلى الشام أنّه حدثت في يثرب مجاعة عظيمة فهرب منها عبد الله بن جعفر مصاحباً معه زوجته العقيلة وسائر عائلته، ولمّا انتهت العقيلة إلى ذلك المكان توفّيت فيه.

وحدوث المجاعة فيما نعتقد لا أساس له من الصحة؛ لأنّ المؤرّخين والرواة لم يذكروا أنّه حدثت مجاعة في يثرب في ذلك الوقت، مضافاً إلى أنّ عبد الله بن جعفر كان من الأثرياء المعدودين في المدينة، فهل ضاق نطاقه عن إعاشة عائلته حتّى يذهب إلى الشام؟ كما إنّه كان من أندى الناس كفّاً، ومن أكثرهم إسعافاً وعطاءً إلى الفقراء والبؤساء، فكيف يتركهم ينهشهم الجوع وينهزم إلى الشام التي هي مقرّ السلطة الاُمويّة التي نكبته بسيّد أُسرته وابن عمّه الإمام الحسين (عليه السّلام)، وبولديه وغيرهما من أبناء الاُسرة النبويّة؟!

وعلى أيّ حال، فإنّ المشهور في الأوساط الإسلاميّة أنّ قبر العقيلة في الشام حيث هو قائم الآن، وقد اُحيط بهالة من التقديس والتعظيم، وتؤمّه الملايين من الزائرين متبرّكين ومتوسّلين به إلى الله تعالى، شأنه شأن مرقد أخيها أبي الأحرار (عليه السّلام) الذي صار أعزّ مرقد في الأرض.

والذي نذهب إليه هو أنّ قبرها الشريف في الشام، وإليه ذهب الكثيرون من المحقّقين.

٣٢٧

٣ - في مصر

وذهب جمهرة من المؤرّخين إلى أنّ قبر الصدّيقة الطاهرة زينب (عليها السّلام) في مصر، وهذا هو المشهور عند كافّة المصريين.

ولا بدّ لنا من وقفة قصيرة للحديث عن سبب هجرتها لمصر، وما يتعلّق بمرقدها المعظّم.

سبب هجرتها لمصر

وذكر المؤرّخون أنّ العقيلة (عليها السّلام) أخذت تلهب العواطف، وتستنهض المسلمين للأخذ بثأر أخيها والانتفاض على السلطة الاُمويّة، والتي كان من نتائجها أنّ المدينة أخذت تغلي كالمرجل، وأعلنت العصيان المسلح على حكم الطاغية يزيد، فأرسل إليها جيشاً مكثّفاً بقيادة الإرهابي المجرم مسلم بن عقبة فأنزل بالمدنيّين أقصى العقوبات، وأكثرها صرامة وقسوة، وأرغمهم على أنّهم خول وعبيد ليزيد، ومَنْ أبى منهم نفّذ فيه حكم الإعدام.

وعلى أيّ حال، فإنّ عمر بن سعيد الأشدق والي يثرب خشي من العقيلة (عليها السّلام)، وكتب إلى يزيد خطرها عليه، فأمره بإخراجها من المدينة إلى أيّ بلد شاءت، فامنتعت وقالت: قتل - أي يزيد - خيارنا، وساقنا كما تُساق الأنعام، وحملنا على الأقتاب، فوالله لا أخرج وإن اُهرقت دماؤنا.

وانبرت إليها السيدة زينب بنت عقيل، فكلّمتها بلطف قائلة: يا بنت عمّاه، قد صدقنا الله وعده، وأورثنا الأرض نتبوّء منها حيث نشاء، فطيبي نفساً، وقرّي عيناً، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هواناً؟ ارحلي إلى بلد آمن.

واجتمعنَ السيدات من نساء بني هاشم وتلطّفنَ معها في الكلام فأجابت، واختارت الهجرة إلى مصر، وصحبنها في السفر السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليها السّلام)

٣٢٨

واُختها سكينة (عليها السّلام).

وانتهت إلى مصر لأيام بقيت من ذي الحجّة، وقد استقبلها والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري فأنزلها في داره بالحمراء، فأقامت فيه أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً، وانتقلت إلى جوار الله عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة (٦٢هـ)، ودُفنت في دار مسلمة حيث مرقدها الآن في مصر.

هكذا ذكر العبيدلي(١) وغيره(٢) .

زيارة المرقد

ويؤمّ المصريون وغيرهم من المسلمين المرقد المعظّم خصوصاً في يوم الأحد المصادف لليوم الذي توفّيت فيه العقيلة (عليها السّلام)؛ فإنّهم يزدحمون على زيارته بما فيهم من العلماء والفقهاء، وقد زارها في هذا اليوم كافور الأخشيدي، وأحمد بن طولون، والظافر بنصر الله الفاطمي، وكان يأتي حاسر الرأس مترجّلاً، ويتصدّق عند القبر الشريف على الفقراء، واقتدى به ملوك مصر واُمراؤها.

وإذا حلّ شهر رجب، وهو الشهر الذي توفّيت فيه العقيلة (عليها السّلام)، زحفت الجماهير إلى المرقد المعظّم، ويقيم الكثيرون فيه إلى النصف من رجب، وهم يتلون كتاب الله والأدعية الشريفة، وقد ذكر ذلك العبيدلي(٣) .

عمارة المرقد

واُجريت على المرقد المعظّم في مصر عدّة عمارات وإصلاحات من قبل بعض

____________________

(١) السيدة زينب وأخبار الزينبيات / ٢١.

(٢) إسعاف الراغبين / ١٩٦، لواقح الأنوار - الشمراني / ٢٣، الإتحاف بحبّ الأشراف / ٩٣، مشارق الأنوار / ١٠٠.

(٣) السيدة زينب وأخبار الزينبيات / ٦٠ - ٦١.

٣٢٩

المحسنين من ملوك ووزراء وغيرهم، كان منهم ما يلي:

١ - أمير مصر ونقيب الأشراف الزينبيّين، الشريف فخر الدين ثعلب الجعفري الزينبي؛ فقد أشاد عمارة مهمّة على المرقد الشريف.

٢ - الأمير علي باشا الوزير، والي مصر من قبل السلطان سليمان خان؛ فقد شيّد المرقد وأضاف إليه مسجداً يتّصل به وذلك في سنة (٩٥٦هـ).

٣ - الأمير عبد الرحمن كتخدا؛ فقد عمّر المرقد وأنشأ به ساقية وحوضاً وذلك في سنة (١١٧٤هـ).

٤ - وفي سنة (١٢١٢هـ) ظهر صدع في بعض حوائط المسجد، فندبت حكومة عثمان المرادي لتجديده وإنشائه، فابتدأ العمل إلاّ أنّه توقّف لدخول الفرنسيّين لمصر، وأكمله بعد ذلك الوزير يوسف باشا وذلك في سنة (١٣٢٦هـ).

وأرّخ ذلك بأبيات خطّت على لوح من الرخام وهي:

نورُ بنت النبي زينب يعلو = مسجداً فيه قبرها والمزارُ

قد بناه الوزير صدر المعالي = يوسف و هو للعلا مختارُ

زاد جلاله كما قلت و مس = -جد مشرق به أنوارُ!

وحالت دون إتمام عمارته بعض الموانع فأكمله محمّد علي باشا الكبير جدّ الاُسرة العلوية.

٥ - سعيد باشا، أمر بتجديد الوجهة الغربية والبحرية من الضريح، وذلك في سنة (١٢٧٦هـ)، وبعد تمام العمارة كتب على لوح من الرخام التأريخ، وهذا نصه:

في ظلّ أيام السعيد محمد = ربّ الفخار مليك مصر الأفخمِ

من فائض الأوقاف أتحف زينباً = عون الورى بنت النبيّ الأكرمِ

مَن يأت ينوي للوضوء مؤرّخاً = ويسعد فإنّ وضوءَه من زمزمِ

٣٣٠

وكتب على باب المقام هذا البيت:

يا زائريها قفوا بالباب وابتهلوا = بنت الرسول لهذا القطر مصباحُ

وليست العقيلة مصباحاً وشرفاً لمصر، وإنّما هي فخر ونور لجميع أقاليم العالم الإسلامي.

٦ - الخديوي محمّد توفيق باشا، جدّد الباب المقابل لباب القبّة، جدّده بالمرمر المصري والتركي وذلك في سنة (١٢٩٤هـ)، وفي سنة (١٢٩٧هـ) أمر بتجديد القبّة والمسجد والمنارة، وتمّ البناء في سنة (١٣٠٢هـ)، وكتب على أبواب القبّة الشريفة هذه الأبيات:

باب الشفاعةِ عند قبّة زينبٍ = يلقاه غادٍ للمقام ورائحُ

من يمن توفيق العزيز مؤرّخ = نور على باب الشفاعة لائحُ

كما كتبت هذه الأبيات:

قف توسّل بباب بنت عليّ = بخضوع وسل إله السماءِ

تحظ بالعزّ والقبول وأرّخ = باب اُخت الحسين باب العلاءِ

كما رسمت هذه الأبيات:

رفعوا لزينب بنت طه قبّةً = علياء محكمة البناء مشيّدهْ

نور القبول يقول في تأريخها = باب الرضا والعدل باب السيّدهْ

وفي هذا التأريخ نقشت القبّة والمشهد بنقوش رائعة وبديعة، كان ذلك بأمر محمّد توفيق، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن المرقد المعظم في مصر(١) .

____________________

(١) زينب الكبرى / ١٢٥ - ١٢٦.

٣٣١

ويتشرف ويسمو كلّ قطر اُقيم فيه لسيّدة النساء العقيلة زينب (عليها السّلام) مرقد أو مقام، فهي بحكم مواريثها وصفاتها أفضل سيّدة خلقها الله بعد اُمّها زهراء الرسول، وبهذا تنطوي الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب.

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

٣٣٢

الفهرس

الإهداء ٥

تقديم ٧

النسب الوضّاح ١٩

الجدّ ١٩

الجدّة ٢٠

الاُمّ ٢١

تكريم وتعظيم ٢٢

الأب ٢٥

جدّها لأبيها ٢٨

جدّتها لأبيها ٣٠

إخوانها ٣١

١ - الإمام الحسن (عليه السّلام) ٣١

تسميته ٣٢

كنيته وألقابه ٣٢

ملامحه ٣٢

مظاهر شخصيّته ٣٣

مع السيدة زينب (عليها السّلام) ٣٤

٢ - الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣٤

٣ - العباس (عليه السّلام) ٣٥

٤ - محمّد بن الحنفيّة ٣٦

ولادتها ونشأتها ٣٩

الوليدة المباركة ٤٠

وجوم النبي (صلّى الله عليه وآله) وبكاؤه ٤٠

٣٣٣

تسميتها ٤١

كُنيتها ٤٢

ألقابها ٤٢

عقيلة بني هاشم ٤٢

العالمة ٤٢

عابدة آل علي ٤٢

الكاملة ٤٣

الفاضلة ٤٣

سنة ولادتها ٤٣

نشأتها ٤٣

قدرتها العلميّة ٤٥

اقترانها بابن عمّها ٤٧

أبوه جعفر ٤٧

الاُمّ أسماء ٤٩

عبد الله ٥٠

أبناؤه ٥١

عناصرها النفسيّة ٥٥

الإيمان الوثيق ٥٦

الصبر ٥٩

العزّة والكرامة ٦١

الشجاعة ٦١

الزهد في الدنيا ٦٤

أحداث مروّعة ٦٥

خطوب مروّعة ٦٧

رؤيا العقيلة ٦٨

حجة الوداع ٦٩

٣٣٤

مؤتمر غدير خم ٧٠

مرض النبي (صلّى الله عليه وآله) ٧٣

سرية اُسامة ٧٤

رزية يوم الخميس ٧٦

لوعة الزهراء (سلام الله عليها) ٧٨

إلى الفردوس الأعلى ٨٠

تجهيزه (صلوات الله عليه وعلى آله) ٨٣

مواراة الجثمان المقدّس ٨٤

فجيعة الزهراء (عليها السّلام) ٨٤

في عهد الخلفاء ٨٧

مؤتمر السقيفة ٨٨

مباغتة الأنصار ٨٩

خطاب أبي بكر ٩٠

بيعة أبي بكر ٩١

امتناع الإمام (عليه السّلام) عن البيعة ٩١

إرغامه على البيعة ٩٢

إجراءات صارمة ٩٤

١ - إسقاط الخمس ٩٥

٢ - الاستيلاء على تركة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ٩٥

٣ - تأميم فدك ٩٥

الزهراء (عليها السّلام) مع أبي بكر ٩٦

اعتذار مرفوض ١٠١

مآسي البتول (عليها السّلام) ١٠٢

إلى جنة المأوى ١٠٦

وفاة أبي بكر ١١١

في عهد عمر ١١٣

٣٣٥

اعتزال الإمام (عليه السّلام) ١١٣

اغتيال عمر ١١٥

الشورى ١١٦

انتخاب عثمان وحكومته ١٢٠

حكومة عثمان ١٢٥

الجبهة المعارضة ١٢٦

حكومة الإمام (عليه السّلام) ١٢٧

وجوم القرشيّين ١٣٠

إجراءات حاسمة ١٣٢

١ - مصادرة الأموال المنهوبة ١٣٢

٢ - عزل الولاة ١٣٢

٣ - المساواة بين المسلمين ١٣٣

التمرّد على حكومة الإمام (عليه السّلام) ١٣٥

طلحة والزّبير ١٣٥

تمرّد عائشة ١٣٧

الزحف إلى البصرة ١٣٩

ماء الحوأب ١٤١

في ربوع البصرة ١٤٢

مظاهرة نسوية لتأييد عائشة ١٤٣

نقض الاتفاق ١٤٤

زحف الإمام (عليه السّلام) إلى البصرة ١٤٤

إعلان الحرب ١٤٥

عقر الجمل ١٤٦

العفو العام ١٤٧

تسريح عائشة ١٤٧

تمرّد معاوية ١٤٧

٣٣٦

زحف معاوية لصفّين ١٤٨

مسير الإمام (عليه السّلام) إلى صفّين ١٤٩

الحرب ١٤٩

الحرب العامة ١٥٠

هزيمة معاوية ١٥٠

مكيدة رفع المصاحف ١٥١

انتخاب الأشعري ١٥٢

اجتماع الحكمين ١٥٣

فتنة الخوارج ١٥٤

واقعة النهروان ١٥٦

اُفول دولة الحقّ ١٥٧

السيّدة اُمّ كلثوم مع ابن ملجم ١٦١

العقيلة مع أبيها ١٦٢

وصاياه ١٦٣

إقامة الحسن (عليه السّلام) من بعده ١٦٤

الوصية الأخيرة للإمام (عليه السّلام) ١٦٥

إلى جنّة المأوى ١٦٥

تجهيزه ودفنه (عليه السّلام) ١٦٦

عهد الإمام الحسن (عليه السّلام) ١٦٦

حوادث رهيبة ١٦٨

١ - خيانة القائد العام ١٦٨

٢ - تسلل الوجوه إلى معاوية ١٦٨

٣ - خيانة ثمانية آلاف ١٦٨

٤ - خيانة ربيعة ١٦٨

٥ - نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام) ١٦٩

٦ - محاولة اغتيال الإمام (عليه السّلام) ١٦٩

٧ - الحكم عليه بالكفر ١٦٩

٣٣٧

ضرورة الصلح ١٧٠

السفر إلى يثرب ١٧٢

حكومة معاوية ١٧٣

عداؤه للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) ١٧٣

بغضه لآل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ١٧٥

١ - ستر فضائلهم ١٧٥

٢ - اضطهاد الشيعة ١٧٧

أ - القتل الجماعي ١٧٧

ب - ترويع النساء ١٧٨

جـ - هدم دور الشيعة ١٧٩

د - حرمان الشيعة من العطاء ١٧٩

هـ - رفض شهادة الشيعة ١٧٩

و - إبعاد الشيعة إلى خراسان ١٧٩

اغتيال الإمام الحسن (عليه السّلام) ١٨٠

البيعة ليزيد (لعنه الله) ١٨٢

الحكم الأسود ١٨٥

خطابه في أهل الشام ١٨٦

مع المعارضة في يثرب ١٨٧

١ - الإمام الحسين (عليه السّلام) ١٨٧

٢ - عبد الله بن الزّبير ١٨٧

أوامره المشدّدة إلى الوليد ١٨٧

فزع الوليد ١٨٨

استدعاء الحسين (عليه السّلام) ١٨٩

مغادرة الإمام (عليه السّلام) يثرب ١٩١

وداعه لقبر جدّه (صلّى الله عليه وآله) ١٩١

إلى مكّة ١٩٣

٣٣٨

احتفاف الحجاج والمعتمرين بالإمام (عليه السّلام) ١٩٤

فزع السلطة المحلّيّة ١٩٥

إعلان التمرّد في العراق ١٩٦

وفود أهل الكوفة للإمام (عليه السّلام) ١٩٦

رسائل أهل الكوفة ١٩٧

إيفاد مسلم إلى العراق ١٩٨

مسلم في بيت المختار ١٩٩

البيعة للحسين (عليه السّلام) ١٩٩

رسالة مسلم للحسين (عليه السّلام) ١٩٩

فزع يزيد ٢٠٠

ولاية ابن زياد على الكوفة ٢٠١

ابن زياد في الكوفة ٢٠١

مسلم في بيت هانئ ٢٠٣

التجسّس على مسلم (عليه السّلام) ٢٠٤

اعتقال هانئ ٢٠٥

ثورة مسلم (عليه السّلام) ٢١٠

حرب الأعصاب ٢١١

هزيمة جيش مسلم (عليه السّلام) ٢١٢

في ضيافة طوعة (رضي الله عنها) ٢١٣

الهجوم على مسلم (عليه السّلام) ٢١٥

أسره (عليه السّلام) ٢١٨

إلى العراق ٢٢١

خطاب الحسين (عليه السّلام) في مكة ٢٢٣

السفر إلى العراق ٢٢٥

مع أبي هرّة ٢٢٦

فزع السيدة زينب (عليه السّلام) ٢٢٦

٣٣٩

النبأ المروّع بشهادة مسلم (عليه السّلام) ٢٢٧

رؤيا الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢٢٨

الالتقاء بالحرّ ٢٢٩

خطاب الإمام (عليه السّلام) ٢٣٠

خطبة الإمام (عليه السّلام) ٢٣٢

مع الطرمّاح ٢٣٣

رسالة ابن زياد للحرّ ٢٣٤

في كربلاء ٢٣٧

خطبة ابن مرجانة ٢٣٨

انتخاب ابن سعد للقيادة العامة ٢٣٩

الإمام (عليه السّلام) مع ابن سعد ٢٤٠

المأساة الخالدة ٢٤١

الإمام (عليه السّلام) يأذن لأصحابه بالتفرّق ٢٤٣

لوعة السيدة زينب (عليها السّلام) ٢٤٤

إحياء الليل بالعبادة ٢٤٥

رؤيا الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢٤٦

فزع عقائل الوحي ٢٤٧

العقيلة (عليها السّلام) مع الهاشميّين والأصحاب ٢٤٧

يوم عاشوراء ٢٤٩

خطاب الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢٤٩

استجابة الحرّ ٢٥١

الحرب ٢٥٣

مصارع أصحاب الإمام (عليه السّلام) ٢٥٤

مصارع أهل البيت (عليهم السّلام) ٢٥٤

عليّ الأكبر (عليه السّلام) ٢٥٥

مصارع آل البيت (عليهم السّلام) ٢٥٨

٣٤٠

341

342

343