السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام16%

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 343

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192433 / تحميل: 8579
الحجم الحجم الحجم
السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

معه طوال المدّة التي اعتقلتهم فيها طغاة قريش في (الشِّعب)، وكانت تهوّن على النبي (صلّى الله عليه وآله) المصاعب والمصائب التي كان يعانيها من جهّال قريش وأوغادها.

وكان النبي (صلّى الله عليه وآله) يشكر أياديها البيضاء، وما أسدته عليه من عظيم اللطف والفضل؛ فكان يذكرها دوماً بعد وفاتها ويترحّم عليها، وكان إذا ذبح شاة بعث بأطيب ما فيها إلى صديقاتها؛ وفاءً لها.

وكانت عائشة يثقل عليها ذلك، فكانت تندّد بها وتقول لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيراً منها؟! فيردّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ويقول:«ما أبدلني الله خيراً منها؛ آمنت بي حين كفر بي الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورُزقتُ منها الولد وقد حُرمته من غيرها» .

لقد رزقه الله منها سيّدة نساء العالمين الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) التي هي نفحة من روح الله تعالى. إنّ السيّدة خديجة أسمى امرأة مجاهدة في الإسلام، هي جدّة الصدّيقة زينب (عليها السّلام).

وقد ورثت صفات جدّتها التي منها الاندفاع في نصرة الحقّ، والذبّ عن المثل العليا، وقد ظهرت هذه الصفات بوضوح عند العقيلة؛ فقد وقفت إلى جانب أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام)، فهي شريكته في نهضته وجهاده، وهي التي أمدّت ثورته الجبّارة الخالدة بعناصر البقاء والخلود.

الاُمّ

أمّا اُمّ السيدة زينب فهي البتول الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، سيّدة نساء العالمين في فضلها وعفّتها وطهارتها من الزيغ والرجس، وهي بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته، وأعزّ أبنائه وبناته عنده.

وبلغ من عظيم حبّه لها أنّه إذا سافر جعلها آخر مَنْ يودّعها؛ لتكون صورتها ماثلة أمامه، كما أنّه إذا قدِم من سفره كان أوّل مَنْ يستقبلها(١) ؛ وذلك لسموّ مكانتها وعظيم شأنها.

وقد عنى بها عناية بالغة، فغذّاها

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٢٧٥، مستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٦، سنن البيهقي ١ / ٢٦.

٢١

بمكرماته، وأفاض عليها أشعة من روحه التي ملأ سناها الكون، وغرس في نفسها عناصر حكمته وفضائله، فكانت صورة تحكيه ومثالاً صادقاً عنه، ويقول الرواة: إنّها كانت من أشبه الناس به هدياً وحديثاً ومنطقاً(١) .

وكانت فيما أجمع عليه الرواة من أشفق الناس وأخلصهم لأبيها وأبرّهم به؛ فإذا رأته متأثراً أو حزيناً ذابت أسى وموجدة.

ومن أمثلة ذلك ما رواه أبو نعيم بسنده عن أبي ثعلبة، قال: قَدِم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من غزاة له المسجد، فصلّى فيه ركعتين - وكان يعجبه إذا قَدِم أن يدخل المسجد فيصلّي فيه ركعتين - ثمّ خرج فأتى فاطمة (عليها السّلام)، فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فجعلت تقبّل وجهه وعينيه وتبكي، فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«ما يبكيك؟» .

قالت:«أراك قد شحب لونك» .

فقال لها:«يا فاطمة، إنّ الله عزّ وجلّ بعث أباك بأمر لم يبقَ على ظهر الأرض مدر ولا شعر إلاّ أدخله به عزّاً أو ذلاً (٢) ، حيث سطع الليل» (٣) .

تكريم وتعظيم

وأحاط النبي (صلّى الله عليه وآله) بضعته الطاهرة بهالة من التقديس والتكريم؛ إظهاراً لعظيم شأنها، وسموّ مكانتها عند الله تعالى وعنده، وقد نقل الرواة عنه كوكبة من الأحاديث في ذلك، كان منها ما يلي:

____________________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٣١٩ رواه بسنده عن عائشة، ورواه الحاكم في مستدرك الصحيحين بسنده عنها ٣ / ١٥٤، ورواه البخاري في الأدب المفرد / ١٤١، ورواه أبو عمرو في الاستيعاب ٢ / ٧٥١.

(٢) معنى الحديث أنّ البيوت التي دخلها العزّ هي التي آمنت بالإسلام، وأمّا البيوت التي دخلها الذلّ فهي التي لم تؤمن بالإسلام وبقيت على كفرها وضلالها.

(٣) حلية الأولياء ٢ / ٣٠، كنز العمّال ١ / ٧٧، مجمع الزوائد ٨ / ٢٦٢.

٢٢

١ - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«يا فاطمة، إنّ الله عزّ وجلّ يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك» (١) .

٢ - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة:«إنّ الربّ يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك» (٢) .

٣ - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«يا فاطمة، إنّ الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (٣) .

ومعنى هذه الأحاديث التي تقاربت في مؤدّاها أنّ لسيّدة النساء (سلام الله عليها) منزلة سامية عند الله؛ فقد أناط رضاه برضاها، وأناط غضبه بغضبها، وهذه أسمى وأرفع منزلة يصل إليها القدّيسون من عباد الله. لقد انتهت سيّدة النساء إلى هذه المكانة عند الله تعالى؛ وذلك لِما تتمتّع به من طاقات هائلة من الإيمان والتقوى حتّى كان ذلك من عناصرها ومقوماتها.

٤ - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«فاطمة بضعة منّي، فمَنْ أغضبها أغضبني» (٤) .

٥ - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، ويصيبني ما أصابها» (٥) .

٦ - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«فاطمة بعضة منّي، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما

____________________

(١) ذخائر العقبى / ٣٩، ومثله رواه الحاكم في مستدرك الصحيحين وعلّق عليه: (هذا حديث صحيح الإسناد) كما جاء في اُسد الغابة ٥ / ٥٢٢، الإصابة ٨ / ١٥٩.

(٢) ميزان الاعتدال - الذهبي ٢ / ٧٢.

(٣) كنز العمال ٦ / ٢١٩.

(٤) صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق في باب مناقب قرابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ٣ / ١٣٦١، ح ٣٥١٠، ط ٥.

(٥) صحيح الترمذي ٢ / ٣١٩، مسند أحمد بن حنبل ٤ / ٥.

٢٣

آذاها» (١) .

٧ - قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«إنّ فاطمة شجن منّي، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها» (٢) .

وحكت هذه الأحاديث بصورة واضحة أنّ مَنْ يخدش عاطفة الزهراء (عليها السّلام)، أو يُسيء إليها بأيّ لون من ألوان الإساءة فقد واجه أباها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك؛ لأنّها كنفسه، وأنّها بمقتضى هذه الأحاديث نسخة لا ثاني لها في فضائلها ومواهبها.

٨ - روت عائشة أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي توفّي فيه لفاطمة (عليها السّلام):«يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الاُمّة، وسيّدة نساء المؤمنين؟» (٣) .

٩ - روى عمران بن حصين أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال:«ألا تنطلق بنا نعود فاطمة؛ فإنّها تشتكي؟».

فقلت: بلى. فانطلقنا حتّى إذا انتهينا إلى بابها فسلّم واستأذن، فقال:«أدخل أنا ومَنْ معي؟» .

قالت:«نعم. ومَنْ معك يا أبتاه، فوالله ما عليّ إلاّ عباءة؟» .

فقال:«اصنعي بها كذا» . فعلّمها كيف تستتر، فقالت:«والله ما على رأسي من خمار» . فأخذ ملاءة كانت عليه فقال:«اختمري بها» .

ثمّ أذنت لهما فدخلا، فقال:«كيف تجدينك يا بُنيّة؟» . قالت:«إنّي لوجعة، وإنّه ليزيدني أنّه ما لي طعام آكله» .

قال:«يا بُنيّة، أما ترضين إنّك سيدة نساء العالمين؟» .

قالت:«يا أبتِ، فأين مريم ابنة عمران؟» .

قال:«تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيّدة نساء العالمين. أما والله زوّجتك سيّداً في الدنيا والآخرة» (٤) .

____________________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٣١٩. صحيح مسلم.

(٢) كنز العمّال ٦ / ٢١٩. مستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٤.

(٣) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٦.

(٤) حلية الأولياء ٢ / ٤٢. مشكل الآثار ١ / ٥٠. ذخائر العقبى / ٤٣.

٢٤

١٠ - روى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لفاطمة (سلام الله عليها):«ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة، وابنيك سيّدا شباب أهل الجنّة؟» (١) .

١١ - روى أنس بن مالك أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال:«خير نساء العالمين أربع؛ مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله)» (٢) .

وكثير من أمثال هذه الروايات دُوّنت في الصحاح والسنن وغيرهما، وهي تشيد بفضل سيّدة النساء، وأنّ الله تعالى قد قلّدها أسمى أوسمة الشرف، وفضّلها على جميع نساء العالمين.

وهذه البتول سيّدة نساء العالمين هي اُمّ السيّدة زينب (سلام الله عليها)، وهي التي تولّت تربيتها ونشأتها؛ فغذّتها بمعارف الإسلام وحكمه وآدابه، وغرست في أعماق نفسها الإيمان بالله والانقطاع إليه حتّى صار ذلك من مقوّماتها وذاتياتها، فكانت نسخة لا ثاني لها في فضائلها وصفاتها، فلم يُرَ مثلها في نساء المسلمين وغيرهم في كمالها وآدابها وسائر نزعاتها.

الأب

أمّا أبو الصدّيقة الطاهرة زينب (عليها السّلام) فهو الإمام أمير المؤمنين، رائد الحكمة والعدالة في الإسلام، أخو النبي (صلّى الله عليه وآله)، وباب مدينة علمه، ومَن كان منه بمنزلة هارون من موسى، وهو - فيما أجمع عليه الرواة - أوّل مَنْ آمن برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، واعتنق مبادئه

____________________

(١) كنز العمّال ٧ / ١١١.

(٢) تفسير ابن جرير ٣ / ١٨٠.

٢٥

وأهدافه، وقام إلى جانبه قوّة ضاربة يحمي دعوته ويصون رسالته، ويخمد بسيفه نار الحروب التي أشعلتها قريش لتطفئ نور الله، وتقضي على الإسلام في مهده، فوهب (سلام الله عليه) روحه لله تعالى، فحصد ببتّاره رؤوس الطغاة من القرشيّين وأنصارهم المشركين.

لقد كان الإمام أبرز بطل في جيوش المسلمين نازل ببسالة وصمود قوى الكفر والإلحاد، وأنزل بها الخسائر حتّى فُلّت وشُلّت جميع فعاليتها العسكرية، وباءت بالهزيمة والخسران. ولولا جهاد الإمام وكفاحه لما قام الإسلام على سوقه عبل الذراع، مفتول الساعد، فما أعظم عائدته على الإسلام والمسلمين!

وكان من عظيم إيمان الإمام ونصرته للإسلام مبيته على فراش النبي (صلّى الله عليه وآله) ووقايته له بنفسه حينما أجمعت قريش على قتله، وكانت هذه المواساة الرائعة أعظم نصر للإسلام؛ فقد نجا النبي (صلّى الله عليه وآله) من أقسى مؤامرة دُبّرت لاغتياله، فقد فشلت وأنقذ الله تعالى نبيّه من تلك الوحوش الكاسرة التي أرادت أن تطفئ نور الإسلام وتعيد الظلام للأرض.

لقد صحب الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) منذ نعومة أظفاره النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتخلّق بطباعه وأفكاره، وتغذّى بحِكَمه وعلومه، فكان باب مدينة علمه، وقد أثرت عنه من العلوم ما يبهر العقول.

يقول العقاد: إنّه فتح ما يربو على ثلاثين علماً لم تكن معروفة قبله؛ كعلم الكلام والفلسفة والقضاء والحساب وغيرها، وهو القائل:«سلوني قبل أن تفقدوني» . ولم يفه أحدٌ بمثل هذه الكلمة غيره.

وقد أخبر عن علمه وإحاطته بأسرار الكون والفضاء، فقال:«سلوني عن طرق السماء، فإنّي أعرف بها من طرق الأرض» . كما تحدّث عن درايته بما احتوت عليه الكتب السماويّة من أحكام قائلاً:«لو ثُنيت لي الوسادة لأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الزبور بزبورهم، وأهل الفرقان بفرقانهم،

٢٦

وأهل القرآن بقرآنهم)) .

لقد كان الإمام (عليه السّلام) أعظم عملاق في الميادين العلميّة عرفته الإنسانيّة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويدلّ على طاقاته العلميّة الهائلة كتابه نهج البلاغة الذي هو من أعظم ما تملكه الإنسانيّة من تراثٍ بعد القرآن الكريم.

ومن مظاهر شخصيّة الإمام (عليه السّلام) زهده في الدنيا وعدم احتفائه بأيّ زينةٍ من زينة الحياة، فقد تقلّد الحكم وتشرفت الدولة الإسلاميّة بقيادته، فزهد في جميع مظاهر السلطة، وجعل الحكم وسيلة لإقامة الحقّ والعدل ونشر المساواة بين الناس، ولم يستخدم السلطة لتنفيذ رغباته والظفر بالثراء العريض.

ومن المقطوع به إنّه ليس في تأريخ الشرق العربي وغيره حاكم كالإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد عنى بالصالح العام، وتجرّد عن كلّ منفعة شخصية له، وهو القائل لابن عباس، وكان يصلح نعله الذي هو من ليف:«يابن عباس، ما قيمة هذا النعل؟» .

[ قال ابن عباس: ] لا قيمة له يا أمير المؤمنين.

[ فقال الإمام (عليه السّلام) ]:«والله، لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلاّ أن اُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً» .

لقد تبنّى العدل الخالص والحقّ المحض في جميع مراحل حكمه؛ فالقريب والبعيد عنده سواء، والقوي عنده ضعيف حتّى يأخذ منه الحقّ، والضعيف عنده قوي حتّى يأخذ له بحقّه. وقد أوجد في أيام خلافته وعياً سياسياً أصيلاً وهو التمرّد على الظلم، ومقارعة الجبابرة والطغاة.

وكان أبرز مَنْ تغذّى بهذا الوعي ولده أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السّلام)، وبطلة الإسلام ابنته سيدة النساء زينب (عليها السّلام)، وكوكبة من مشاهير أصحابه؛ كحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وميثم التمّار، وغيرهم من بُناة المجد الإسلامي الذين ثاروا على الظالمين.

وعلى أي حال، فهذا العملاق العظيم هو أبو الصدّيقة الطاهرة زينب (عليها السّلام)، فقد غذّاها بمثله ومكوّناته النفسية، وأفرغ عليها أشعة من روحه الثائرة على الظلم

٢٧

والطغيان، فكانت تحكيه في انطباعاته واتجاهاته، فقارعت الظالمين، وناجزت الطغاة المستبدّين، وأذلّت الجبابرة المتكبّرين وألحقت بهم الخزي والدمار.

لقد وقفت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ومفخرة الإسلام إلى جانب أخيها أبي الأحرار حينما فجّر ثورته الكبرى التي هي أعظم ثورة إصلاحية عرفها التأريخ الإنساني. وقد شابهت بذلك أباها رائد العدالة الاجتماعية حينما وقف إلى جانب جدّها الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) حينما أعلن دعوته الخالدة الهادفة إلى تحرير الفكر البشري من عوامل الانحطاط والتأخّر، وإنارته بالعلوم والعرفان، ودفعه إلى إقامة مجتمع متوازن في سلوكه وإرادته.

لقد كانت هذه السيّدة العظيمة في سيرتها وسلوكها من أشبه الناس بأبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)؛ فقد تبنّت بصورة إيجابية جميع أهدافه ومخطّطاته ومواقفه التي منها نصرته للإسلام في أيام محنته وغربته.

وكذلك هذه السيّدة العملاقة نصرت الإسلام حينما عاد غريباً في ظلّ الحكم الاُموي الذي استهدف قلع جذور الإسلام ولفّ لوائه، وإعادة الحياة الجاهليّة بأوثانها وأصنامها، ولكنّها مع أخيها (سلام الله عليها) قد أفسدت مخطّطات الاُمويِّين، وأعادت للإسلام نضارته ومجده.

جدّها لأبيها

أمّا جدّ السيدة الزكية زينب لأبيها فهو حامي الإسلام وبطل الجهاد المقدّس، أبو طالب (مؤمن قريش) الذي نافح عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وجاهد في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد، ولولا حمايته للنبي وقيامه بدور مشرق في الذبّ عنه لأتت عليه قريش وقضت على الدعوة في مهدها.

لقد كان أبو طالب من أوثق المسلمين إيماناً، ومن أكثرهم إخلاصاً لدين

٢٨

التوحيد، وهو القائل:

ولقد علمتُ بأنّ دينَ محمّدٍ = من خيرِ أديانِ البريةِ دينا

وحكى هذا البيت إيمانه العميق بأنّ دين النبي (صلّى الله عليه وآله) من خير أديان البرية؛ ولهذا اندفع كأعظم قوّة ضاربة إلى حماية النبي (صلّى الله عليه وآله) وحراسته من ذئاب الاُسر القرشية التي أجمعت أن تلفّ لواء الإسلام وتطوي رسالته.

لقد وقف هذا العملاق العظيم محامياً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو القائل:

واللهِ لن يصلوا إليكَ بجمعهم = حتى أُوسّد في الترابِ دفينا

وظلّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحت حراسة أبي طالب وحمايته ينشر دعوته ويذيع مبادئه آمناً عزيزاً مُهاباً، وقد جنّد أولاده لخدمة النبي (صلّى الله عليه وآله) وألزمهم بالذبّ عنه، فكان ولده الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أقوى حرسه، ومن أكثرهم دفاعاً عنه، فخاض أعنف الحروب وأقساها لحمايته ونشر مبادئه وأهدافه.

ولمّا انتقل هذا الصرح العظيم إلى حضيرة القدس حزن عليه النبي (صلّى الله عليه وآله) كأعظم ما يكون الحزن؛ فلقد فَقَدَ بموته المحامي والناصر، وأعزّ ما كان يحنو عليه ويعطف، وأطلق على العام الذي توفي فيه مع اُمّ المؤمنين خديجة (عام الحزن)(١) .

وقد أجمعت قريش بعد موت أبي طالب على قتل النبي (صلّى الله عليه وآله)،

____________________

(١) من العجيب ما ذكره بعض السذّج من المؤلّفين أنّ أبا طالب حامي الإسلام مات غير مسلم، وليس ذلك إلاّ من وضع الاُمويّين الذين كادوا للإسلام وطعنوا في أعظم حماته ورجاله. ولو مات غير مسلم لما حزن عليه النبي (صلّى الله عليه وآله)؛ فإنّه لا يخضع بأيّ حالٍ من الأحوال لأي مؤثّر لا يمتّ إلى الحقّ والواقع بصلة. فحزنه عليه مع كونه غير مسلم موجب للطعن بشخصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولولاه لأقبرت قريش الدعوة الإسلاميّة من أوّل بزوغها، فجزاه الله عن الإسلام خيراً، وأجزل له المزيد من رحمته.

٢٩

فاضطر (صلّى الله عليه وآله) إلى [الخروج] من مكّة في غلس الليل البهيم بعد أن ترك أخاه وابن عمّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في فراشه، فرحم الله أبا طالب، فما أعظم عائدته على الإسلام والمسلمين، وما أكثر ألطافه وأياديه على النبي (صلّى الله عليه وآله)!

إنّ هذا العملاق العظيم هو جدّ سيّدة النساء زينب (عليها السّلام) لأبيها، وقد ورثت منه خصائصه وذاتياته التي من أبرزها التفاني في الحق ونكران الذات.

جدّتها لأبيها

وجدّة السيدة زينب (عليها السّلام) لأبيها هي السيدة الزكية فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف زوجة أبي طالب، وهي من سيّدات النساء في إيمانها وطهارتها، وقد برّت بالنبي (صلّى الله عليه وآله)، وتولّت تربيته، وكانت ترعاه وتعطف عليه أكثر ممّا تعطف على أبنائها، وقدّمت له أعظم الخدمات.

وقد قطع (صلّى الله عليه وآله) شوطاً من حياته تحت رعاية هذه السيدة الزكية التي ما تركت لوناً من ألوان الرعاية والبرّ إلاّ قدّمتها إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وكانت من أعزّ الناس عنده، ولمّا فُجع بوفاتها ألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها، فبُهر أصحابه وقالوا له: يا رسول الله، ما رأيناك صنعت بأحدٍ ما صنعت بهذه؟!

فأخبرهم النبي (صلّى الله عليه وآله) عن عظيم برّها ومعروفها قائلاً:«إنّه لم يكن أحدٌ بعد أبي طالب أبرّ بي منها، إنّما ألبستها قميصي لتُكسى من حلل الجنّة، واضطجعت معها في قبرها ليهوّن عليها» (١) .

هذه الاُصول العملاقة التي اتّسمت بالإيمان والشرف والكرامة، وبكلّ ما

____________________

(١) توجد ترجمتها في طبقات ابن سعد، الاستيعاب، أعيان الشيعة، أعلام النساء، تنقيح المقال، وغيرها.

٣٠

يسمو به الإنسان من القيم والمبادئ الكريمة، قد تفرّعت منها بطلة الإسلام وصانعة التأريخ زينب (عليها السّلام)، فقد ورثت جميع نزعات آبائها وخصائصهم وصفاتهم حتّى صارت صورة مشرقة عنهم.

إخوانها

ويجدر بنا بعد هذا العرض الموجز لشؤون الاُسرة الكريمة التي تفرّعت منها سيّدة النساء زينب (عليها السّلام) أن نذكر - بإيجاز - إخوانها الذين عاشرتهم، وهم الذين ملؤوا فم الدنيا بفضائلهم ومآثرهم، وفيما يلي ذلك:

١ - الإمام الحسن (عليه السّلام)

هو ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنّة وسبطه الأوّل، وكانت ولادته في النصف من شهر رمضان المبارك للسنة الثالثة من الهجرة(١) ، وقد شوهدت في طلعته شمائل النبوّة وأنوار الإمامة، وهو أوّل مولود سعدت به الاُسرة النبوية، فقد عمّها السرور بهذا المولود المبارك.

وقد سارع النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى بيت بضعته وحبيبته السيدة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فهنّأها بوليدها، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعيّة فأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فكان أوّل صوت اخترق سمعه صوت جدّه العظيم داعية الله في الأرض، واُنشودة ذلك الصوت:«الله أكبر، لا إله إلاّ الله» .

وهل في دنيا الوجود كلمات هي أسمى وأعظم من هذه الكلمات، وقد غرسها النبي (صلّى الله عليه وآله) في قلب وليده لتكون منهجاً له في حياته؟

وفي اليوم السابع من ولادته عقّ عنه النبي (صلّى الله عليه وآله) بكبش، وحلق رأسه،

____________________

(١) الإصابة ١ / ٣٣٨، الاستيعاب ١ / ٣٦٨، حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٥٩.

٣١

وتصدّق بزنة شعره فضّة على المساكين(١) ، وكان ذلك سنّة في الإسلام لكلّ وليد.

تسميته

وأقبل النبي (صلّى الله عليه وآله) على الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فقال له:«هل سمّيت الوليد المبارك؟» .

فأجابه الإمام بأدبٍ واحترام قائلاً:«ما كنت لأسبقك يا رسول الله..» . وانبرى النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً:«ما كنت لأسبق ربّي» .

وهبط الوحي على النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو يحمل تسميته من السماء، قائلاً:«سمّه حسناً» (٢) .

وكفى بهذا الاسم جمالاً وعظمةً أنّ الخالق العظيم هو الذي اختاره لسبط النبي وريحانته.

كنيته وألقابه

وكنّاه النبي (صلّى الله عليه وآله) (أبا محمّد)، ولا كنية له غيرها. أمّا ألقابه فهي: السبط، الزكي، المجتبى، السيّد، التقي(٣) .

ملامحه

أمّا ملامحه فكانت تحكي ملامح جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله)، تقول عائشة: مَنْ أحبّ

____________________

(١) حياء الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٦٤.

(٢) تأريخ الخميس ١ / ٤٧.

(٣) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٦٥.

٣٢

أن ينظر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلينظر إلى هذا الغلام، يعني الحسن (عليه السّلام)(١) .

ويقول أنس بن مالك: لم يكن أحد أشبه بالنبي (صلّى الله عليه وآله) من الحسن بن علي(٢) .

لقد كان الإمام الحسن (عليه السّلام) صورة مشرقة عن جدّه الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لا في ملامحه وصورته فحسب، وإنّما كان يحكيه في نزعاته وصفاته، ومعالي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيّين.

مظاهر شخصيّته

ونتحدّث - بإيجاز - عن بعض مظاهر شخصية الإمام الحسن (عليه السّلام)، وهي:

الحلم: من ذاتيات الإمام السبط (الحلم)، فقد كان من أحلم الناس، وقد تعرّض لموجات عاتية من الإساءة من الاُسرة الاُمويّة التي اُترعت نفوسها بالحقد والكراهية لآل النبي (صلّى الله عليه وآله)، فما قابل الإمام أحداً بإساءة، وإنّما كظم غيظه.

وقد شهد مروان بن الحكم وهو من أخبث الناس وأشدّهم عداوة للإمام الحسن (عليه السّلام) بعظيم حلمه، فقد أسرع بعد وفاته إلى حمل جثمانه، فقيل له: أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟! فأجاب: إنّي أحمل جثمان مَنْ كان يوازي حلمه الجبال.

لقد كان الحلم من أبرز عناصره النفسيّة، وقد أجمع الرواة على أنّه كان من أوسع الناس صدراً، وأنّه ما جازى مَنْ أذنب في حقّه، وإنّما قابله بالبرّ والإحسان؛ شأنه في ذلك [شأن] جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) الذي وسع الناس جميعاً بمعالي أخلاقه.

الجود: وكان الإمام السبط من أندى الناس كفاً، ومن أكثرهم برّاً وإحساناً للفقراء، وكان لا يرى للمال قيمة سوى ما يرد به جوع جائع أو يكسو عريانَ.

وقد حفلت مصادر التأريخ والتراجم بذكر بوادر كثيرة من كرمه وسخائه، وقد لُقّب (عليه السّلام)

____________________

(١) الفتوح ٢ / ٣٤٠.

(٢) فضائل الأصحاب / ١٢٦، حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٦٦.

٣٣

بـ (كريم أهل البيت)، وهم من معادن الكرم والجود.

سمو الأخلاق: ومن عناصر الإمام الحسن (عليه السّلام) سمو الأخلاق، فكان آية من آيات الله العظام في هذه الظاهرة الفذة.

ومن معالي أخلاقه أنّه كان يوقّر ويحترم كلّ مَنْ قصده، ولا يُفرّق بين القريب والبعيد، وكان يواسي الناس في مصائبهم، ويشاركهم في مسرّاتهم، ويوقّر الكبير، ويحنو على الصغير، ويعطف على الضعيف، وكان للمسلمين أباً رؤوفاً، وكهفاً حصيناً، يلجأ إليه غارمهم، ويفزع إليهم مظلومهم.

وقد شابه جدّه الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في سموّ أخلاقه التي مدحه الله تعالى بها، قال الله عزّ وجلّ:( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (١) .

هذه بعض صفات الإمام الحسن (عليه السّلام)، وقد ألمحنا إلى الكثير منها في كتابنا (حياة الإمام الحسن).

مع السيدة زينب (عليها السّلام)

نشأت سيدة النساء زينب (عليها السّلام) مع أخيها الإمام الحسن (عليه السّلام)، وقطعت شوطاً من حياتها مع هذا الإمام العظيم ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنّة، وتطبّعت بأخلاقه وآدابه، وكان يجلّها كثيراً، ويحدب عليها ويقابلها بمزيد من الرعاية والعناية؛ فقد رأى جدّه وأبويه قد أحاطوها بكلّ تبجيل واحترام، وأشادوا بمواهبها وفضائلها، وقدّموها على بقيّة السيّدات من نساء أهلها وقومها.

هذه لمحة موجزة عن علاقة الإمام الحسن بشقيقته السيدة زينب (عليها السّلام).

٢ - الإمام الحسين (عليه السّلام)

أمّا الإمام الحسين فهو الشقيق الثاني لسيّدة النساء زينب (عليها السّلام)، وقد نشأت معه وتطبّعت بطباعه، وكانت بينهما أعمق المودّة، وهو عندها أعزّ من الحياة، وكانت تشاركه في آماله وآلامه، وهي من أبرّ أهله به، وقد احتلت عواطفه

____________________

(١) سورة القلم / ٤.

٣٤

ومشاعره؛ وذلك بما تملكه من أصالة الرأي، وسمو الآداب، ومعالي الأخلاق؛ فقد تجسّدت فيها مواريث النبوّة والإمامة، وكانت صورة صادقة لاُمّها بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وسيّدة نساء العالمين السيدة الزكية فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).

لقد كانت سيدة النساء زينب (عليها السّلام) موضع أسرار أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام)، والعالمة بجميع شؤونه، وكان يستشيرها في جميع اُموره. وقد رافقته في ثورته الخالدة وأمدّتها بعناصر البقاء والخلود، ولولا جهادها وجهودها ومواقفها المشرّفة في أروقة بلاط الحكم الاُموي لضاعت ثورة أخيها وذهبت أدراج الرياح.

وبلغ من سموّ مكانتها عند الحسين (عليه السّلام) أنّه لمّا ودّعها الوداع الأخير يوم الطفّ طلب منها أن لا تنساه من الدعاء في نافلة الليل(١) .

٣ - العباس (عليه السّلام)

هو (قمر بني هاشم)، وفخر الإسلام، ومجد المسلمين، وهو أخو سيّدة النساء زينب لأبيها، واُمّه: اُمّ البنين، وهي من سيّدات نساء المسلمين في فضلها وشرفها وطهارتها، تزوّجها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد وفاة الصدّيقة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).

وقد قامت بدور إيجابي في خدمة السبطين وشقيقتهما السيّدة زينب؛ فكانت تقدّمهم في الرعاية والعطف على أبنائها؛ لأنّهم ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي ألزم الله المسلمين بمودّتهم ومحبّتهم.

وكان أوّل مولود لها أبو الفضل العباس (عليه السّلام)، وقد ترعرع ونشأ مع أخويه سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين (عليهما السّلام)، فغذّياه بالفضائل والآداب، وغرسا في نفسه تقوى الله، فكان من أروع أمثلة الإيمان.

وكانت علاقته مع أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) وثيقة للغاية؛ فكان منذ نعومه أظفاره يتسابق لخدمته، ويبادر لقضاء حوائجه، ولا يُفارقه في حلّه وترحاله، وكان من أشفق الناس عليه وأبرّهم به.

____________________

(١) زينب الكبرى / ٦٠.

٣٥

وكان العباس (عليه السّلام) من أحبّ الناس لاُخته العقيلة زينب (عليها السّلام)؛ فقد وجدت فيه من الرعاية والبرّ والعطف ما لم تجده في السادة من إخوتها لأبيها؛ فقد كان ملازماً لخدمتها كما كان ملازماً لخدمة أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام)، وقد قدّم لها جميع ألوان البرّ والإحسان.

ولمّا ارتحلت مع أخيها أبي الشهداء من المدينة إلى مكة ثمّ إلى كربلاء كان العباس (عليه السّلام) هو الذي يقوم بخدمتها، ولم يدع أحداً من السادة العلويِّين أن يتولّى رعايتها سواه. ولمّا استشهد (سلام الله عليه) في كربلاء ذابت نفسها عليه أسىً وحسرات، وودّت أنّ المنية قد وافتها قبله، وشعرت بالوحدة والضياع من بعده.

٤ - محمّد بن الحنفيّة

ومحمد ابن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) هو المعروف بـ (ابن الحنفيّة)(١) ، وكان من أفذاذ العلويِّين ومن ساداتهم، وكان يجلّ ويعظّم السيدة زينب (عليها السّلام)؛ لأنّها حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله)، و [ابنة] سيّدة نساء العالمين، كما كانت تُكنّ له أعظم الودّ والإخلاص.

وكان محمّد من المعارضين لابن الزبير والناقمين عليه، ولا يراه أهلاً لقيادة الاُمّة، فامتنع عن بيعته، وتبعه على ذلك بقيّة الهاشميّين، فأمر بحبسهم في (قبة زمزم)، وضرب لهم أجلاً مسمّى فإن لم يبايعوه فيه وإلاّ أحرقهم بالنار. ودلّ ذلك على تجرّده من كلّ نزعة إسلاميّة وإنسانيّة، وقد شابه بذلك قرينه يزيد بن معاوية، ولو تمّ له الأمر لزاد على جرائمه.

وأرسل محمّد رسالة إلى المجاهد العظيم بطل الإسلام المختار الثقفي عرّفه

____________________

(١) اسم اُمّه خولة بنت جعفر بن حنفيّة، ولد في خلافة أبي بكر، وقيل: في خلافة عمر. يُكنّى أبا القاسم. روى عن أبيه وعن جماعة من الصحابة، وذهب فريق من المسلمين إلى إمامته، كان منهم كثير عزّة، وله فيه أشعار. وقال بإمامته السيد الحميري، إلاّ أنه عدل عنه وقال بإمامة الإمام الصادق (عليه السّلام). توفّي سنة ٧٣ هـ، وقيل: سنة ثمانين، وقيل غير ذلك. تهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٤.

٣٦

فيها بما جرى عليه من ابن الزبير، وكتب في آخرها: يا أهل الكوفة، لا تخذلونا كما خذلتم حسيناً.

ولمّا انتهت إليه أجهش بالبكاء وقرأها على أهل الكوفة وخاطبهم قائلاً: هذا كتاب مهديّكم وسيّد أهل بيت نبيّكم، وقد تركهم الرسول ينتظرون القتل والحريق. وأخذ يتهدّد ابن الزبير قائلاً: لستُ أبا إسحاق إن لم أنصرهم، وأسرب الخيل إثر الخيل كالسيل حتّى يحلّ بابن الكاهلية الويل.

وجهّز جيشاً قوامه ألف فارس بقيادة عبد الله الجدلي، ثمّ أتبعه بثلاثة آلاف فارس، وأخذوا يجدّون السير حتّى انتهوا إلى (مكة) وهم ينادون: (يا لثارات الحسين).

وهجموا على (قبة زمزم)، فرأوا الحطب قد وضع عليها، ولم يبق من الأجل الذي حدّده الطاغية لإحراقهم سوى يومين، فأخرجوهم من القبّة وطلبوا من محمّد أن يناجزوا ابن الزبير الحرب، فأعرب له محمّد عن سموّ ذاته وطهارة نفسه قائلاً: لا أستحلّ القتال في حرم الله.

ويقول كثير عزّة - وهو من الكيسانيّة - يخاطب ابن الزبير:

يخبّرُ مَنْ لاقيت أنّك عائذٌ = بل العائذُ المظلومُ في حبسِ عارمِ

ومَنْ يرَ هذا الشيخَ في الخيفِ من منى = من الناسِ يعلم أنّه غيرُ ظالمِ

سميُّ نبي اللهِ وابنُ وصيِّهِ = وفكّاكُ أغلالٍ وأقضى المغارمِ

وتعتقد الكيسانيّة إمامته، وأنّه مقيم بجبل (رضوى). [و] إلى هذا أشار كثير عزّة بقوله:

وسبط لا يذوق الموتَ حتّى = يقود الخيلَ يقدمها اللواءُ

تغيّب لا يُرى فيهم زماناً = برضوى عندهُ عسلٌ وماءُ

توفي سنة (٨١ هـ)، وقيل غير ذلك(١) . وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض أشقّاء العقيلة.

____________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ١١٠ - ١١٣، طبقات ابن سعد، حلية الأولياء، الأعلام - الزركلي.

٣٧

٣٨

ولادتها ونشأتها

ازدهرت حياة الاُسرة النبويّة بالسبطين الكريمين الإمامين الحسن والحسين (عليهما السّلام)، فكانا كالقمرين في ذلك البيت الكريم الذي أذن الله أن يرفع ويُذكر فيه اسمه. وقد استوعبا قلب جدّهما الرسول (صلّى الله عليه وآله) مودّةً ورحمةً وحناناً، فكان يرعاهما برعايته، ويغدق عليهما بإحسانه، ويفيض عليهما من مكرمات نفسه التي استوعب شذاها جميع آفاق الوجود.

لقد كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يكنّ في دخائل نفسه أعمق الودّ لسبطيه، فكان يقول:«هما ريحانتي من الدنيا» (١) .

وبلغ من عظيم حبّه لهما أنّه كان على المنبر يخطب، فأقبل الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران، وهما يمشيان ويعثران، فنزل عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، وقال:«صدق الله إذ يقول: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (٢) . لقد نظرت إلى هذين الصبيِّين وهما يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما» (٣) .

____________________

(١) كنز العمّال ٧ / ١١٠، صحيح البخاري - كتاب الأدب، مجمع الزوائد ٩ / ١٨١. تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٣٩.

(٢) سورة الأنفال / ٢٨.

(٣) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦، مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٥٤، اُسد الغابة ٢ / ١٢، صحيح النسائي ١ / ٢٠١، سنن البيهقي ٣ / ٢١٨.

٣٩

وكان يقول لسيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام):«ادعي ابنيَّ» . فيشمّهما، ويضمّهما إليه(١) .

وفي تلك الفترة السعيدة التي عاشتها الاُسرة النبويّة وهي مترعة بالولاء والعطف من الرسول (صلّى الله عليه وآله) عَرَضَ للصدّيقة الطاهرة سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السّلام) حملٌ، فأخذ النبي (صلّى الله عليه وآله) ينتظره بفارغ الصبر ليبارك به لحبيبته فاطمة، ولباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام). أمّا ذلك الحمل فهو:

الوليدة المباركة

ووضعت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) وليدتها المباركة التي لم تولد مثلها امرأة في الإسلام إيماناً وشرفاً وطهارةً وعفةً وجهاداً، وقد استقبلها أهل البيت وسائر الصحابة بمزيدٍ من الابتهاج والفرح والسرور، وأجرى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) على وليدته المراسيم الشرعيّة؛ فأذّن في أذنها اليمنى، وأقام في اليسرى.

لقد كان أوّل صوت قرع سمعها هو:«الله أكبر، لا إله إلا الله» ، وهذه الكلمات اُنشودة الأنبياء، وجوهر القيم العظيمة في الأكوان.

وانطبعت هذه الاُنشودة في أعماق قلب حفيدة الرسول فصارت عنصراً من عناصرها، ومقوّماً من مقوّماتها.

وجوم النبي (صلّى الله عليه وآله) وبكاؤه

وحينما علم النبي (صلّى الله عليه وآله) بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته، وهو خائر القوى حزين النفس فأخذها ودموعه تتبلور على سحنات وجهه الكريم، وضمّها إلى صدره وجعل يوسعها تقبيلاً، وبهرت سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) من بكاء أبيها،

____________________

(١) تيسير الوصول - ابن الدبيغ ٣ / ٢٧٦.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

على البراغيث فيصلي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به ؟ فوقّععليه‌السلام :يجوز الصلاة والطهر منه أفضل (١) .

٢ ـ عن الحسن بن راشد قال: قال الفقيه العسكريعليه‌السلام :ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق (٢) .

باب الصلاة:

١ ـ عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله: هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ؟ فكتبعليه‌السلام :لا تحلّ الصلاة في حرير محض (٣) .

٢ ـ عن اسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألته عن الثوب الابريسم هل يصلي فيه الرجل ؟ قال:لا (٤) .

٣ ـ عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله: هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب ؟ فكتب:لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض فإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إنْ شاء الله (٥) .

٤ ـ عن سليمان بن حفص المروزي، عن الرجل العسكريعليه‌السلام قال:إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضيء له الدنيا فيكون ساعة ويذهب، ثم تظلم، فاذا بقي ثلث الليل الأخير ظهر بياض من قِبل المشرق فأضاءت

ــــــــــــ

(١) الكافي: ٣ / ٦٠.

(٢) الاستبصار: ١ / ١١٨، ب٧١، ح٤.

(٣) الكافي: ٣ / ٣٩٩ / ح١٠، الاستبصار: ١ / ٣٨٥ / ب٢٥٥ / ح١.

(٤) الاستبصار: ١ / ٣٨٥، ب٢٥٥، ح٢.

(٥) الاستبصار: ١ / ٣٨٣، ب٢٢٣، ح١١.

٢٠١

له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب ; وهو وقت صلاة الليل، ثم تظلم قبل الفجر، ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق ، قال:ومن أراد أن يصلّي في نصف الليل فيطول ; فذلك له (١) .

٥ ـ عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إليه ـ يعني أبا محمدعليه‌السلام ـ يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك ؟ فكتب:لا بأس به إذا كان ذكياً (٢) .

٦ ـ علي بن محمد، عن محمد بن أحمد بن مطهر أنه كتب إلى أبي محمدعليه‌السلام يخبره بما جاءت به الرواية:أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي في شهر رمضان وغيره من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعة الفجر . فكتب عليه‌السلام : فضّ الله فاه ; صلّى من شهر رمضان في عشرين ليلة، كل ليلة عشرين ركعة، ثماني بعد المغرب، واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة، واغتسل ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، وصلّى فيهما ثلاثين ركعة: اثنتي عشرة بعد المغرب، ثماني عشرة بعد عشاء الآخرة، وصلّى فيها مائة ركعة، يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد عشر مرات وصلّى إلى آخر الشهر كلّ ليلة ثلاثين ركعة، كما فسرت لك (٣) .

باب الصوم:

١ ـ محمد بن يحيى عن محمد قال: كتبت إلى الأخيرعليه‌السلام : رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً ; خمسة أيام أحد الوليين، وخمسة أيام الآخر ؟ فوقععليه‌السلام :يقضي عنه أكبر وليّه عشرة أيام ولاءاً، إن شاء الله (٤) .

ــــــــــــ

(١) التهذيب: ٢ / ١١٨، ح٤٤٥.

(٢) التهذيب: ٢ / ٣٦٢، ب١٧، ح٣٣.

(٣) الكافي: ٤ / ١٥٥، ح٦، الاستبصار: ١ / ٤٦٣، ب٢٨٧، ح١٢.

(٤) الكافي: ٤ / ١٢٤، ح٥، الإستبصار: ٢ / ١٠٨، ب٥٧، ح٤.

٢٠٢

٢ ـ وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمدعليه‌السلام : لم فرض الله الصوم ؟ فورد في الجواب:ليجد الغني مسّ الجوع ; فيحنّ على الفقير (١) .

٣ ـ روى الصدوق عن أبي الحسن علي بن الحسن بن الفرج المؤذن، قال: حدثني محمد بن الحسن الكرخي، قال: سمعت الحسن بن عليعليه‌السلام يقول لرجل في داره:ياأبا هارون من صام عشرة أشهر رمضان متواليات دخل الجنة (٢) .

٤ ـ وروى محمد بن عيسى، عن علي بن بلال، قال: كتبت الى الطيّب العسكريعليه‌السلام : هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل، وهم عشرة، أقل أو أكثر، رجلاً محتاجاً موافقاً ؟ فكتبعليه‌السلام :نعم، افعل ذلك (٣) .

باب الخمس والزكاة:

١ ـ روى الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن محمد بن الريان، قال: كتبت إلى العسكريعليه‌السلام : جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا إلاّ الخمس، فجاء الجواب:إن الدنيا وما عليها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) .

٢ ـ وقال الشيخ الطوسي: وروى الريان بن الصلت، قال: كتبت إلى أبي محمّدعليه‌السلام : ما الذي يجب عليّ يامولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة ؟

ــــــــــــ

(١) رواه الكليني في الكافي: ٤ / ١٨١، ح٦ بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٤٣، ب٢١، ح٣.

(٢) الخصال: ٥٩، أبواب العشرة.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ٢ / ١١٧.

(٤) الكافي: ١ / ٤٠٩، ص٦.

٢٠٣

فكتبعليه‌السلام :يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى (١) .

باب الحجّ:

١ ـ وكتب إليه علي بن محمد الحضيني: أنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنة، فليس يكفي: فما تأمرني في ذلك ؟

فكتبعليه‌السلام :تجعل حجتين في حجة، إن الله عالم بذلك (٢) .

باب النكاح والطلاق:

١ ـ روى الكليني عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام : امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوج إبنة هذه المرضعة، أم لا ؟ فوقّععليه‌السلام :لا، لا تحل له (٣) .

٢ ـ وكتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام في امرأة مات عنها زوجها وهي في عدة منه. وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها، وهي تعمل للناس، هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة في عدتها.قال: فوقّععليه‌السلام :لا بأس بذلك، إن شاء الله (٤) .

باب القضاء والشهادات:

١ ـ وكتب إليه في رجل قال لرجلين: إشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بحدودها كلها لفلان ابن فلان، وجميع ماله في الدار من المتاع والبنية لا تعرف المتاع ; أي شيء هو ؟.

ــــــــــــ

(١) التهذيب: ٤ / ١٣٩، ح١٦.

(٢) الكافي: ٤ / ٣١٠، ح٢، من لا يحضره الفقيه: ٢ / ٢٧٢، ب١٦٦، ح٣.

(٣) الكافي: ٥، ص٤٤٧، ح١٨، من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٣٠٦، ب١٤٦، ح٩.

(٤) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٣٢٨، ب١٥٩، ح١٢.

٢٠٤

فوقععليه‌السلام :يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك إن شاء الله (١) .

٢ ـ وكتب محمد بن الحسن الصفاررضي‌الله‌عنه إلى أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام في رجل أراد أن يشهد على إمرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد عدلان أنها فلانة بنت فلان، التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا تجوز الشهادة عليها حتى تبرزن وتثبتها بعينها ؟

فوقّععليه‌السلام :تتنقب وتظهر للشهود، إن شاء الله (٢) .

٣ ـ كتب محمد بن الحسن الصفاررضي‌الله‌عنه إلى أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام : هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟

فوقّععليه‌السلام :إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين .

٤ ـ وكتب إليه أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً بحق له على الميت أو على غيره، وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض ؟

فوقّععليه‌السلام :نعم، وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته .

٥ ـ وكتب إليه: أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل ؟

فوقّععليه‌السلام :نعم، من بعد يمين (٣) .

باب الوصية:

١ ـ وكتب محمد بن الحسن الصفاررضي‌الله‌عنه إلى أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام : رجل أوصى بثلث ماله في مواليه، الذكر والاُنثى فيه سواء ؟ أو للذكر مثل حظّ الاُنثيين من الوصية ؟

ــــــــــــ

(١) الكافي: ٧ / ٤٠٢، ذيل حديث ٤ بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: ٣ / ١٥٣، ب٧٣، ح١٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٤٠، ب٢٩، ح٢، الاستبصار: ٣ / ١٩، ب١٣، ح٢.

(٣) الكافي: ٧ / ٣٩٤، ح٣، من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٤٣، ب٣٣، ح١.

٢٠٥

فوقّععليه‌السلام :جايز للميّت ما أوصى به على ما أوصى به، إن شاء الله (١) .

٢ ـ ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى العسكريعليه‌السلام : امرأة أوصت إلى رجل، وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم، وكذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف وشعر وشبه وصفر ونحاس وكلّ مالها ; أقرّت به للموصى إليه، وأشهدت على وصيتها، وأوصت أن تحجّ عنها من هذه التركة حجتان ويعطى مولاة لها أربعمائة درهم، وماتت المرأة وتركت زوجاً فلم ندر كيف الخروج من هذا ; واشتبه الأمر علينا، وذكر كاتب: أنّ المرأة استشارته أن يكتب لها ما يصحّ لهذا الوصيّ، فقال: لا يصح تركتك إلاّ بإقرارك له بدين بشهادة الشهود وتأمرينه بعدها أن ينفذ ما توصينه به، فكتب له بالوصية على هذا وأقرّت للوصيّ بهذا الدين فرأيك أدام الله عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا وتعريفنا بذلك لنعمل به، إن شاء الله ؟

فكتب بخطهعليه‌السلام :إن كان الدين صحيحاً معروفاً مفهوماً، فيخرج الدين من رأس المال، إن شاء الله، وإن لم يكن الدين حقّاً، أنفذ لهما ما أوصت به من ثلثها ; كفى أو لم يكف (٢) .

٣ ـ كتب محمد بن الحسن الصفاررضي‌الله‌عنه إلى أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام : رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف.

فوقّععليه‌السلام :لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ويعملان على حسب ما أمرهما، إن شاء الله (٣) .

ــــــــــــ

(١) الكافي: ٧ / ٤٥، ح٢، من لا يحضره الفقيه: ٤ / ١٥٥، ب١٠٣، ح٣.

(٢) الاستبصار: ٤ / ١١٣، ب٦٨، ح٩.

(٣) الكافي: ٧ / ٤٦، ح١، بتفاوت وفيه: رجل مات وأوصى، من لا يحضره الفقيه: ٤ / ١٥١، ب٩٩، ح١، الاستبصار: ٤ / ١١٨، ب٧٣، ح١.

٢٠٦

باب الوقف:

قال محمد بن الحسن الصفار: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو ؟ فقد روي أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة، وإذا كان موقتاً فهو صحيح مُمْضى، وقال قوم: إن الموقت هو الذي يذكر فيه: أنّه وقف على فلان وعقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله عزّوجلّ الأرض ومن عليها وقال آخرون: هذا موقت اذا ذكر انه لفلان وعقبه ما بقوا، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والذي هو غير موقّت أن يقول: هذا وقف، ولم يذكر أحداً، فما الذي يصحّ من ذلك وما الذي يبطل ؟

فوقّععليه‌السلام :الوقوف بحسب ما يوقفها [أهلها]، إن شاء الله (١) .

باب الارث:

سأل الفهفكي أبا محمدعليه‌السلام : المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين ؟ قال أبو محمدعليه‌السلام : إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معلقة، إنّما ذلك على الرجال.

فقلت في نفسي قد كان قيل لي إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب، فأقبل أبو محمدعليه‌السلام عليّ فقال:نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء، والجواب منّا واحد، إذا كان معنى المسألة واحداً، جرى لآخرنا ما جرى لأولنا، وأولنا وآخرنا في العلم سواء، ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام فضلهما (٢) .

ــــــــــــ

(١) الكليني في الكافي: ٧ / ٣٧، ح٣٤ رواه الصدوق في الفقيه: ٤/١٧٦، ب١٢٨، ح١ باختصار. وفيه «.. فوقع عليه‌السلام: الوقوف تكون على حسب مايوقفها أهلها، إن شاء الله»، الاستبصار: ٤ / ١٠٠، ب٦٢، ح٢.

(٢) الكافي: ٧ / ٨٥، ح٢، كشف الغمة: ٣ / ٢١٠.

٢٠٧

باب المعيشة:

١ ـ وروي عن محمد بن علي بن محبوب قال: كتب رجل إلى الفقيهعليه‌السلام في رجل كانت له رحى على نهر قرية، والقرية لرجل أو لرجلين، فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قرية في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى ويعطل هذه الرحى، أله ذلك أم لا ؟ فوقععليه‌السلام : يتقي الله، ويعمل في ذلك بالمعروف، ولا يضارّ أخاه المؤمن.

٢ ـ وفي رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل آخر أن يحفر قناة أخرى فوقه، ما يكون بينهما في البعد حتى لا يضرّ بالأخرى في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة. فوقععليه‌السلام : عليه على حسب أن لا يضرّ أحدهما بالآخر، إن شاء الله(١) .

٣ ـ وكتب محمد بن الحسن الصفاررضي‌الله‌عنه إلى أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام يقول: رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف ويشارطونه على شيء مسمّى، أله أن يأخذه منهم أم لا ؟ فوقّععليه‌السلام : إذا واجر نفسه بشيء معروف أخذ حقّه، إن شاء الله(٢) .

٤ ـ محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك ؟ فوقّععليه‌السلام :عرّفها البايع فإن لم يكن يعرفها ; فالشيء لك، رزقك الله إيّاه (٣) .

٥ ـ محمد بن الحسن، قال: كتبت إليهعليه‌السلام في رجل باع بستاناً فيه شجر

ــــــــــــ

(١) رواه الكليني في الفروع: ٥ / ٢٩٣، ح٥ عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين قال: كتبت إلى أبي محمد... بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: ٣ / ١٥٠، ب٧١، ح١٠

(٢) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ١٠٦، ب٥٨، ح٨٨.

(٣) الكافي(الفروع): ٥ / ١٣٩، ح٩.

٢٠٨

وكرم، فاستثنى شجرة منها: هل له ممرّ إلى البستان إلى موضع شجرته التي استثناها ؟ وكم لهذه الشجرة التي استثناها من الأرض التي حولها، بقدر أغصانها ؟ أو بقدر موضعها التي هي نابتة فيه ؟ فوقععليه‌السلام : له من ذلك على حسب ما باع وأمسك، فلا يتعدى الحق في ذلك، إن شاء الله(١) .

٦ ـ وكتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمدعليه‌السلام في رجل اشترى من رجل أرضاً بحدودها الأربعة، وفيها زرع ونخل وغيرها من الشجر، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه وذكر فيه: أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها، أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض، أم لا ؟ فوقععليه‌السلام : إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها ; فله جميع ما فيها، إن شاء الله(٢) .

٧ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام : رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت، فهل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه ؟ فوقّععليه‌السلام : هو ضامن لها، إن شاء الله(٣) .

٨ ـ وروي عن محمد بن علي بن محبوب، قال: كتب رجل إلى الفقيهعليه‌السلام : في رجل دفع ثوباً إلى القصّار ليقصره، فدفعه القصار إلى قصار غيره ليقصره، فضاع الثوب، هل يجب على القصار أن يرد ما دفعه إلى غيره إن كان القصار مأموناً ؟ فوقّععليه‌السلام :هو ضامن له إلاّ أن يكون ثقة مأموناً، إن شاء الله (٤) .

ــــــــــــ

(١) التهذيب: ٧ / ٩٠، ح٢٤.

(٢) التهذيب: ٧ / ١٣٨، ح٨٤.

(٣) الكافي: ٥ / ٢٣٩، ح٩، الفقيه: ٣ / ١٩٤، ب٩٤، ح٣، بتفاوت.

(٤) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ١٦٣، ب٧٦، ح١٤.

٢٠٩

باب الأولاد:

وكتب عبد الله بن جعفر الحميري إلى أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام أنّه روي عن الصالحينعليهم‌السلام أن:اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، فإنّ الأرض تضجّ إلى الله عزَّ وجلَّ من بول الأغلف . وليس ـ جعلني الله فداك ـ لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع، عندنا حجّام من اليهود، فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين، أم لا ؟ فوقّععليه‌السلام :يوم السابع فلا تخالفوا السنن إن شاء الله (١) .

المختار من تراثهعليه‌السلام في الدعاء

١ ـ روى ابن فهد عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أنّه قال: من أنس بالله استوحش من الناس وعلامة الأنس بالله الوحشة من الناس.(٢)

٢ ـ وروى عنه قولهعليه‌السلام :ارفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فإن لكل يوم رزقاً جديداً. واعلم أن الإلحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب والعناء، فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه، فما أقرب الصنع من الملهوف والأمن من الهارب المخوف، فربما كانت الغير نوعاً من أدب الله ; والحظوظ مراتب، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك فإنما تنالها في أوانها. واعلم أن المدبر لك اعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك. ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط. واعلم أن للحياء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف، وان للحزم مقداراً فإن زاد عليه

ــــــــــــ

(١) الكافي: ٦ / ٣٥، ح٣، بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٣١٤، ب١٤٩، ح١٧.

(٢) عدة الداعي: ١٩٤.

٢١٠

فهو تهور. واحذر كل زكي ساكن الطرف، ولو عقل أهل الدنيا خربت (١) .

٣ ـ سأل أبو محمّد عبد الله بن محمّد العابد بالدالية أبا محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام في منزله بسرّ من رأى سنة خمس وخمسين ومأتين أن يملي عليه من الصّلاة على النّبي وأوصيائه عليه وعليهم السّلام وأحضر معه قرطاساً كبيراً فأملى عليه من غير كتاب:

اللّهمّ صلّ على محمّد كما حمل وحيك وبلّغ رسالاتك.

وصلّ على محمّد كما أحلّ حلالك وحرّم حرامك وعلّم كتابك.

وصلّ على محمّد كما أقام الصّلاة وآتى الزّكاة ودعَا إلى دينك.

وصلّ على محمّد كما صدّق بوعدك وأشفق من وعيدك.

وصلّ على محمد كما غفرت به الذُّنوب وسترت به العيوب وفرّجت به الكروب وصلّ على محمد كما دفعت به الشقاء وكشفت به الغماء وأجبت به الدُّعاء ونجّيت به من البلاء.

وصلّ على محمّد كما رحمت به العباد وأحييت به البلاد وقصمت به الجبابرة وأهلكت به الفراعنة.

وصلّ على محمّد كما أضعفت به الأموال وأحرزت به من الأهوال وكسرت به الأصنام ورحمت به الأنام.

وصلّ على محمّد كما بعثته بخير الأديان وأعززت به الإيمان وتبّرْت به الأوثان وعظّمت به البيت الحرام.

وصلّ على محمّد وأهل بيته الطّاهرين الأخيار وسلّم تسليماً.

اللّهمّ صلّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أخي نبيّك ووصيّه ووليّه وصفيّه ووزيره ومستودع علمه وموضع سرّه وباب حكمته والنّاطق بحجّته والدّاعي إلى شريعته وخليفته في أمته ومفرّج الكرب عن وجهه قاصم الكفرة ومرغم الفجرة الّذي جعلته من

ــــــــــــ

(١) عدة الداعي: ١٢٤.

٢١١

نبيّك بمنزلة هرون من موسى.

اللّهمّ وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والعن من نصب له من الأولين والآخرين وصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوصياء أنبيائك ياربّ العالمين.

اللّهمّ صلّ على الصّدّيقة فاطمة الزّكيّة حبيبة حبيبك ونبيّك وأم أحبّائك وأصفيائك الّتي انتجبتها وفضّلتها واخترتها على نساء العالمين اللّهمّ كن الطّالب لها ممّن ظلمها واستخفّ بحقّها وكن الثّائر اللّهمّ بدم أولادها اللّهمّ وكما جعلتها أم أئمّة الهدى وحليلة صاحب اللّواء والكريمة عند الملأ الأعلى فصلّ عليها وعلى أمها خديجة الكبرى صلاةً تكرم بها وجه أبيها محمّد صلّى اللّه عليه وآله وتقرُّ بها أعين ذرّيّتها وأبلغهم عنّي في هذه السّاعة أفضل التّحيّة والسّلام.

اللّهمّ صلّ على الحسن والحسين عبديك ووليّيك وابني رسولك وسبطي الرّحمة وسيّدي شباب أهل الجنّة أفضل ما صلّيت على احد من أولاد النّبيّين والمرسلين.

اللّهمّ صلّ على الحسن بن سيّد الوصيّين ووصيّـ أمير المؤمنين عليه‌السلام السّلام عليك يابن رسول اللّه السّلام عليك يابن سيّد الوصيّين أشهد انّك يابن أمير المؤمنين أمين اللّه وابن أمينه عشت مظلوماً ومضيت شهيداً وأشهد أنّك الأمام الزّكيُّ الهادي المهديُّ اللّهمّ صلّ عليه وبلّغ روحه وجسده عنّي في هذه السّاعة أفضل التّحيّة والسّلام.

اللّهمّ صلّ على الحسين بن عليّ المظلوم الشّهيد قتيل الكفرة وطريح الفجرة السّلام عليك ياأبا عبد اللّه السّلام عليك يابن رسول اللّه السلام عليك يابن أمير المؤمنين أشهد موقناً أنّك أمين اللّه وابن أمينه قتلت مظلوماً ومضيت شهيداً وأشهد أن اللّه تعالى الطّالب بثارك ومنجزٌ ما وعدك من النّصر والتّأييد في هلاك عدوّك وإظهار دعوتك وأشهد أنّك وفيت بعهد اللّه وجاهدت في سبيل اللّه وعبدت اللّه مخلصاً حتّى أتاك اليقين لعن اللّه اُمّة قتلتك ولعن اللّه اُمّة خذلتك ولعن اللّه اُمّة ألّبت عليك وأبرء إلى اللّه تعالى ممن أكذبك واستخف بحقّك واستحلّ دمك بأبي أنت وأمي ياأبا عبد الله لعن الله قاتلك ولعن الله خاذلك ولعن اللّه من سمع واعيتك فلم يجبك ولم ينصرك ولعن اللّه من سبا نساءك أنا إلى اللّه منهم بريء وممّن ولاّهم ومالاهم وأعانهم عليه، أشهد أنّك والأئمّة من ولدك كلمة التقوى وباب الهدى والعروة الوثقى والحجّة على أهل الدُّنيا وأشهد أنّي بكم مؤمن وبمنزلتكم موقن ولكم تابع بذات نفسي وشرايع ديني وخواتيم عملي ومنقلبي في دنياي وآخرتي.

٢١٢

اللّهمّ صلّ على عليّ بن الحسين سيّد العابدين الّذي استخلصته لنفسك وجعلت منه أئمّة الهدى الّذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون اخترته لنفسك وطهّرته من الرّجس واصطفيته وجعلته هادياً مهديّاً اللّهمّ فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من ذرّيّة أنبيائك حتّى يبلغ به ما تقرُّ به عينه في الدُّنيا والآخرة إنّك عزيز كريم.

اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليّ باقر العلم وإمام الهدى وقائد أهل التّقوى والمنتجب من عبادك اللّهمّ وكما جعلته علماً لعبادك ومناراً لبلادك ومستودعاً لحكمتك ومترجماً لوحيك وأمرت بطاعته وحذّرت من معصيته فصلّ عليه ياربّ أفضل ما صلّيت على أحد من ذرّيّة أنبيائك وأصفيائك ورسلك وأمنائك ياربّ العالمين.

اللّهمّ صلّ على جعفر بن محمّد الصّادق خازن العلم الداعي إليك بالحقّ النُّور المبين اللّهمّ وكما جعلته معدن كلامك ووحيك وخازن علمك ولسان توحيدك ووليّ أمرك ومستحفظ دينك فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على احد من أصفيائك وحججك انّك حميد مجيد.

اللّهمّ صلّ على الأمين المؤتمن موسى بن جعفر البرّ الوفيّ الطّاهر الزّكيّ النُّور المبين المجتهد المحتسب الصّابر على الأذى فيك اللّهمّ وكما بلّغ عن آبائه ما استودع من أمرك ونهيك وحمل على المحجّة وكابد أهل العزّة والشّدّة فيما كان يلقى من جهّال قومه ربّ فصلّ عليه أفضل وأكمل ما صلّيت على احد ممّن أطاعك ونصح لعبادك إنّك غفور رحيم.

اللّهمّ صلّ على عليّ بن موسى الّذي ارتضيته ورضيت به من شئت من خلقك اللّهمّ وكما جعلته حجّة على خلقك وقائماً بأمرك وناصراً لدينك وشاهداً على عبادك وكما نصح لهم في السّرّ والعلانية ودعا إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وخيرتك من خلقك انّك جواد كريم.

اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليّ بن موسى التقي ونور التقى ومعدن الهدى وفرع

٢١٣

الأزكياء وخليفة الأوصياء وأمينك على وحيك اللّهمّ فكما هديت به من الضّلالة واستنقذت به من الحيرة وأرشدت به من اهتدى وزكّيت به من تزكّى فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وبقيّة أوليائك إنّك عزيز حكيم.

اللّهمّ صلّ على عليّ بن محمّد وصيّ الأوصياء وإمام الأتقياء وخلف أئمة الدّين والحجّة على الخلائق أجمعين اللّهمّ كما جعلته نوراً يستضيء به المؤمنون فبشّر بالجزيل من ثوابك وأنذر بالأليم من عقابك وحذّر بأسك وذكّر بأيّامك وأحلّ حلالك وحرّم حرامك وبيّن شرائعك وفرائضك وحضّ على عبادتك وأمر بطاعتك ونهى عن معصيتك فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وذرّيّة أنبيائك ياإله العالمين.

اللّهمّ صلّ على الحسن بن عليّ بن محمّد البرّ التّقيّ الصّادق الوفيّ النُّور المضيء خازن علمك والمذكر بتوحيدك ووليّ أمرك وخلف أئمة الدّين الهداة الرّاشدين والحجّة على أهل الدُّنيا فصلّ عليه ياربّ أفضل ما صلّيت على احد من أصفيائك وحججك وأولاد رسلك ياإله العالمين.

اللّهمّ صلّ على وليّك وابن أوليائك الّذين فرضت طاعتهم وأوجبت حقّهم وأذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيراً اللّهمّ انصره وانتصر به لدينك وأنصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم، اللّهمّ أعذه من شرّ كلّ باغ وطاغ ومن شرّ جميع خلقك وأحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله واحرسه وامنعه أن يوصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك واظهر به العدل وأيده بالنّصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه واقصم به جبابرة الكفر واقتل به الكفّار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وبرّها وبحرها واملأ به الأرض عدلاً واظهر به دين نبيّك عليه وآله السّلام واجعلني اللّهمّ من انصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته وأرني في آل محمّد ما يأملون وفي عدوّهم ما يحذرون إله الحقّ آمين.(١)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ــــــــــــ

(١) مصباح المتهجد: ٢٨٠.

٢١٤

الفهرست

المقدمة ٤

الباب الأول. ١٠

فيه فصول: ١٠

الفصل الأول: الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام في سطور. ١٠

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصية الإمام عليه‌السلام. ١٠

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام عليه‌السلام. ١٠

الفصل الأول: الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام في سطور ١٠

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ١٣

١ ـ شهادة المعتمد العباسي: ١٤

٢ ـ شهادة طبيب البلاط العباسي: ١٤

٣ ـ أحمد بن عبيد الله بن خاقان: ١٥

٤ ـ كاتب الخليفة المعتمد: ١٦

٥ ـ راهب دير العاقول: ١٨

٦ ـ محمد بن طلحة الشافعي: ١٨

٧ ـ ابن الصباغ المالكي: ١٨

٨ ـ العلامة سبط بن الجوزي: ١٩

٩ ـ العلامة محمد أبو الهدى أفندي: ١٩

١٠ ـ العلاّمة الشبراوي الشافعي: ٢٠

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٢١

سماحته وكرمه ٢٢

زهده وعبادته ٢٤

علمه ودلائل إمامته ٢٥

الباب الثاني. ٢٩

فيه فصول: ٢٩

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام. ٢٩

٢١٥

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام. ٢٩

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيه عليهما‌السلام. ٢٩

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام.... ٢٩

نسبه الشريف.. ٢٩

محل الولادة وتأريخها ٢٩

ألقابه عليه‌السلام وكناه ٣٠

ملامحه ٣١

النشأة وظروفها ٣١

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٣٦

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيه عليهما‌السلام..... ٣٧

١ ـ طفولة متميّزة ٣٧

٢ ـ عصر الإمام الهادي عليه‌السلام.... ٣٨

٣ ـ مواقف الإمام الهادي عليه‌السلام تجاه الأحداث.. ٤٠

الإمام الهادي عليه‌السلام والمتوكل العباسي. ٤٢

الإمام الهادي عليه‌السلام ووزير المنتصر ٤٤

الإمام الهادي عليه‌السلام والتحدّي العلمي. ٤٤

الإمام الهادي عليه‌السلام وفتنة خلق القرآن. ٤٤

الإمام الهادي عليه‌السلام مع أصحابه وشيعته ٤٤

رعاية الإمام الهادي عليه‌السلام لشيعته وقضاء حوائجهم. ٤٤

الإمام الهادي عليه‌السلام والغلاة ٤٤

الإمام الهادي عليه‌السلام والثورات في عصره ٤٤

الإمام الهادي عليه‌السلام وأساليب مواجهة السلطة ٤٤

٤ ـ زواج الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

٥ ـ علاقة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام بأخيه محمد. ٤٤

٦ ـ علاقته بأخيه الحسين: ٤٤

٧ ـ علاقته بأخيه جعفر: ٤٤

٢١٦

٨ ـ النصوص على إمامة الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

أ ـ نصوص الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٤٤

ب ـ نصوص الأئمة المعصومين عليهم‌السلام.... ٤٤

ج ـ نصوص الإمام الهادي على إمامة الحسن العسكري عليهما‌السلام..... ٤٤

٩ ـ اغتيال الإمام الهادي عليه‌السلام واستشهاده ٤٤

١٠ ـ من دلائل إمامته بعد استشهاد أبيه عليهما‌السلام..... ٤٤

الباب الثالث.. ٤٤

فيه فصول: ٤٤

الفصل الأول: ملامح عصر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام. ٤٤

الفصل الثاني: عصر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام. ٤٤

الفصل الثالث: متطلّبات عصر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام. ٤٤

الفصل الأول: ملامح عصر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

الحالة السياسية ٤٤

الحالة الاجتماعية ٤٤

الحالة الثقافية ٤٤

الحالة الاقتصادية ٤٤

الفصل الثاني: عصر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

١ ـ المعتز العباسي(٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ ) ٤٤

٢ ـ المهتدي العباسي(٢٥٥ـ ٢٥٦ هـ ) ٤٤

سياسة المهتدي تجاه معارضيه ٤٤

أ ـ الخليفة وأمراء الجند: ٤٤

ب ـ المهتدي وأصحاب الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام: ٤٤

ج ـ سجن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام: ٤٤

٣ ـ المعتمد ابن المتوكل العبّاسي(٢٥٦ ـ ٢٧٩ هـ ) ٤٤

وأهم هذه الأحداث في عصر المعتمد: ٤٤

أ ـ ثورة الزنج: ٤٤

٢١٧

ب ـ حركة ابن الصوفي العلوي: ٤٤

ج ـ ثورة علي بن زيد في الكوفة: ٤٤

د ـ المعتمد والإمام العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

هـ ـ المعتمد وموقفه من الشيعة ٤٤

استشهاد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

الصلاة على الإمام العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

أولاد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

الفصل الثالث: متطلّبات عصر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

الباب الرابع. ٤٤

وفيه فصول: ٤٤

الفصل الأول: الإمام العسكري عليه‌السلام ومتطلّبات الساحة الإسلامية. ٤٤

الفصل الثاني: الإمام العسكري عليه‌السلام ومتطلّبات الجماعة الصالحة. ٤٤

الفصل الثالث: من تراث الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام. ٤٤

الفصل الأول: الإمام العسكري عليه‌السلام ومتطلّبات الساحة الإسلامية ٤٤

١ ـ الحكمة والدقّة في التعامل مع الحكّام ٤٤

٢ ـ الردّ على الشبهات والدفاع عن حريم الرسالة ٤٤

٣ ـ مواجهة الفرق المنحرفة ٤٤

١ ـ الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام والثنوية ٤٤

٢ ـ الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام والصوفية ٤٤

٣ ـ الدعوة إلى دين الحق. ٤٤

الفصل الثاني: الإمام العسكري عليه‌السلام ومتطلّبات الجماعة الصالحة ٤٤

البحث الأول: الإمام الحسن العسكري والتمهيد لقضية الإمام المهدي عليهما‌السلام..... ٤٤

الخطوة الأولى: ٤٤

الخطوة الثانية: ٤٤

الخطوة الثالثة: ٤٤

الخطوة الرابعة: ٤٤

٢١٨

الخطوة الخامسة: ٤٤

الخطوة السادسة: ٤٤

الخطوة السابعة: ٤٤

البحث الثاني: الإعداد لعصر الغيبة ٤٤

البحث الثالث: نظام الوكلاء في عصر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

البحث الرابع: مدرسة الفقهاء والتمهيد لعصر الغيبة: ٤٤

البحث الخامس: قيادة العلماء الأمناء على حلاله وحرامه ٤٤

البحث السادس: الإمام العسكري عليه‌السلام والفرق الضالّة ٤٤

١ ـ الإمام العسكري عليه‌السلام والواقفة ٤٤

٢ ـ الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام والمفوّضة ٤٤

البحث السابع: من وصايا الإمام العسكري عليه‌السلام وإرشاداته لشيعته ٤٤

البحث الثامن: الإمام العسكري عليه‌السلام والتحصين الأمني. ٤٤

الفصل الثالث: من تراث الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

أوّلاً: التفسير. ٤٤

نماذج من تراثه التفسيري. ٤٤

ثانياً: رسالة المنقبة ٤٤

ثالثاً: مكاتبات الرجال عن العسكريين. ٤٤

رابعاً: مجموعة وصايا الإمام العسكري وكتبه وتوقيعاته ٤٤

خامساً: اهتمامات الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام الفكرية والعلمية ٤٤

من تراثه المعرفيّ. ٤٤

١ ـ التوحيد في نصوص الإمام العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

٢ ـ أهل البيت عليهم‌السلام والإمامة عند الإمام العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

الإمام المهدي عليه‌السلام في تراث الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

السيرة النبوية في تراث الإمام العسكري عليه‌السلام.... ٤٤

المختار من تراثه الفقهي عليه‌السلام.... ٤٤

باب الطهارة: ٤٤

٢١٩

باب الصلاة: ٤٤

باب الصوم: ٤٤

باب الخمس والزكاة: ٤٤

باب الحجّ: ٤٤

باب النكاح والطلاق: ٤٤

باب القضاء والشهادات: ٤٤

باب الوصية: ٤٤

باب الوقف: ٤٤

باب الارث: ٤٤

باب المعيشة: ٤٤

باب الأولاد: ٤٤

المختار من تراثه عليه‌السلام في الدعاء ٤٤

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343