تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد10%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106277 / تحميل: 10838
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: الأسير المخضرتا عيناه ».

ورواه جعفر بن أحمد القمّي في كتاب الغايات: عنه هكذا: « أفضل الصّدقة على الأسير المخضرتي عيناه من الجوع(١) ».

[ ٨١٩٢ ] ٢ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « افضل الصّدقة على مملوك عند مليك سوء ».

[ ٨١٩٣ ] ٣ - وبهذا الأسناد: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ المسألة كسب الرّجل بوجهه، فأبقى رجل(١) على وجهه أو ترك ».

[ ٨١٩٤ ] ٤ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « (للسّائل في كلّ حقّ له)(١) ، كأجر المصّدق عليه ».

وروى هذه الرّوايات الثلاث، السيّد الرّاوندي في نوادره(٢) ، بإسناده عن محمّد بن محمّد بن الأشعث، مثله.

[ ٨١٩٥ ] ٥ - وبهذا الأسناد: عن علي بن الحسين، عن أبيهعليه‌السلام : « أن عليّاًعليه‌السلام ، مرّ بالسّوق فنادى بأعلى

____________________________

(١) الغايات ص ٧٧ عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

٢ - الجعفريات ص ٥٦.

٣ - الجعفريات ص ٥٦.

(١) في المصدر: الرجل.

٤ - الجعفريات ص ٥٨.

(١) في المصدر: للسائل في قوله

(٢) الحديث ٣ و ٤ في نوادر الراوندي ص ٣.

٥ - الجعفريات ص ٥٨.

٢٦١

صوته إن أسوقكم هذه يحضرها ايمان فشربوا ايمانكم بالصّدقة، فإنّ الله لا يقدّس من حلف باسمه كاذباً ».

[ ٨١٩٦ ] ٦ - الشّيخ الطّبرسي في مجمع البيان: في قوله تعالى:( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا ) الآية، عن الكلبي أنّه روى، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « من تصدق بصدقة فله مثلاها في الجنّة »، فقال أبوالدّحداح الأنصاري - واسمه عمرو بن الدّحداح -: يا رسول الله، إنّ لي حديقتين، إن تصدّقت بإحديهما فإنّ لي مثليها في الجنّة؟ قال: « نعم »، قال: وأمّ الدّحداح معي؟ قال: « نعم »، قال: الصّبية معي؟ قال: « نعم »، فتصدّق بأفضل حديقته فدفعها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزلت الآية، فضاعف الله صدقته الفي ألف، وذلك قوله تعالى:( أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) قال: فرجع أبوالدّحداح فوجد أمّ الدّحداح والصّبية في الحديقة، التي جعلها صدقته، فقام على باب الحديقة وتحرج أن يدخلها، فنادى: يا أمّ الدّحداح، فقالت: لبّيك يا أبا الدّحداح، قال: إنّي [ قد ](٤) جعلت حديقتي هذه صدقة، واشتريت مثليها في الجنّة، وامّ الدّحداح معي والصّبية معي، قالت: بارك الله لك فيما شريت وفيما اشتريت، فخرجوا منها واسلموا الحديقة إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كم من نخل(٥) متدل عذوقها لأبي

____________________________

٦ - مجمع البيان ج ١ ص ٣٤٩.

(١) البقرة ٢: ٢٤٥.

(٢) في المصدر: والصّبيّة.

(٣) البقرة ٢: ٢٤٥.

(٤) أثبتناه من المصدر.

(٥) في المصدر: نخلة.

٢٦٢

الدّحداح في الجنّة ».

[ ٨١٩٧ ] ٧ - الشّيخ المفيد في الأمالي: عن الشّريف أبي محمّد الحسن بن حمزة، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمر الأفرق، وحذيفة بن منصور، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: « صدقة يحبّها الله اصلاح بين النّاس إذا تفاسدوا، وتقريب بينهم إذا تباعدوا ».

[ ٨١٩٨ ] ٨ - ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي: عن سعيد بن جبير، قال: حدّثني ابن عباس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من مشى إلى أخيه بدين ليقضيه إيّاه فله به صدقة، ومن أعان على حمل دابّة فله به صدقة، ومن أماط أذى فله به صدقة، ومن هدى زقاقاً فله به صدقة، وكلّ معروف صدقة ».

[ ٨١٩٩ ] ٩ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « ايعجز أحدكم أن يكون إليه كفلان من الأجر؟ فقيل: وكيف ذلك؟ فقال إذا أصبح يقول: اللهم إنّي تصدقت بعرضي على عبادك ». وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا انبّئكم بصدقة يسيرة يحبّها الله، فقالوا: ما هي؟ قال: إصلاح ذات البين إذا تقاطعوا ».

[ ٨٢٠٠ ] ١٠ - وفي درر اللآلي: عن أبي أسود الدّؤلي، عن أبي ذر، قال:

____________________________

٧ - أمالي الشيخ المفيد ص ١٢ ح ١٠.

٨ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٢١.

٩ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٦٤ ح ٥٤.

(١) في المصدر: له.

١٠ - درر اللآلي: مخطوط.

٢٦٣

قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذهب أهل الإيثار بالأُجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أو ليس قد جعل الله لكم ما تتصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وبكلّ تحميدة صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة »، قال: فقالوا: يا رسول الله، يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: « أرأيتم لو وضعتموها في الحرام، أكان عليكم فيها وزر؟ »، قالوا: نعم، قال: « فكذلك إذا وضعتموها في الحلال كان لكم فيها أجر ».

[ ٨٢٠١ ] ١١ - وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما تصدّق الناس بصدقة أفضل من قول حسن، الكلمة يفكّ بها الأسير، وتجرّ بها إلى أخيك خيراً، أو تدفع عنه مكروهاً أو مظلمة ».

[ ٨٢٠٢ ] ١٢ - وعن عطا قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل من أصحابه: « هل صمت اليوم؟ قال: لا يا رسول الله، قال: فتصدّقت اليوم بشئ؟ قال: لا، قال: فاذهب واصب من امرأتك، فإنّه منك عليها صدقة ».

[ ٨٢٠٣ ] ١٣ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: أنّه لمـّا نزلت الآية( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا ) (١) الآية، قال: كان رجل من الصّحابة اسمه أبوالدّحداح، جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: يا رسول الله، إنّ الله تعالى يستقرض منّا وهو غنيّ عنّا!

____________________________

١١ - ١٢ - درر اللآلي: مخطوط.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤١٨.

(١) البقرة ٢: ٢٤٥.

٢٦٤

فقال: « بلى، حتّى يدخلكم الجنّة » فقال: يا رسول الله، إن أقرضت الله تعالى، فهل تضمن لي الجنّة؟ فقال: « نعم، من تصدق بشئ فله مثله في الجنّة » فقال: يا رسول الله، وأهلي - أمّ الدّحداح - معي؟ قال: « نعم » قال: وهذه بنتي دحداحة معي؟ قال: « نعم » قال: فاعطني يدك، فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده في يده فقال: يا رسول الله، إنّ لي حديقتين: احداهما فوق المدينة، و الأُخرى في أسفلها، ما لي غيرهما قد أقرضتهما الله تعالى، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا، اقرض واحدة واطلق الأُخرى يكون عيشة لك ولعيالك »، فقال: يا رسول الله، لمـّا قلت هذا، فاشهد بأن احسن الحديقتين لله تعالى، وهي حائط فيها ستّون نخيلة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذاً يجزيك الله الجنّة » فأتى أبوالدّحداح إلى أهله وولده، وهم في الحديقة يطوفون حول الأشجار ويعملون عملاً، فنادى وانشأ يقول:

هداك ربي سبيل الرشاد

إلى سبيل الخير والسداد

يبني من الحائط لي بالزاد

فقد مضى فرضا إلى التناد

أقرضته الله على اعتمادي

بالطوع لا من ولا أنداد

إلا رجاء الضعف في المعاد

فارتحلي بالنفس والأولاد

والبر لا شك فخير زاد

قدمه المرء إلى المعاد

فقالت أمّ الدّحداح: بارك الله لك فيما اشتريت، وانشأت تقول:

بعلك أدى ما لديه ونصح

أن لك الخط إذا الخط وضح

قد منع الله عيالي ومنح

بالعجوة السوداء والزهر البلح

والعبد يسعى وله ما قد كدح

طول الليالي وله ما اجترح

وأخذت ما كان في حجور الأولاد واكمامهم وطرحه، وما كان في

٢٦٥

افواههم أخذه وطرحه، وخرجوا ودخلوا حديقة أخرى، وقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كم من عذق ورواح ودار فناح في الجنّة لأبي الدحداح ».

[ ٨٢٠٤ ] ١٤ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ذبح شاة في حجرة عائشة، فاطلع عليها فقراء المدينة، فجاؤوا وسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يعطيهم، فلمّا دخل اللّيل لم يبق منها إلّا رقبتها، فسأل عن عائشة ما بقي منها؟ فقالت: لم يبق منها إلّا رقبتها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قولي: بقي كلها إلّا رقبتها ».

[ ٨٢٠٥ ] ١٥ - الشيخ شاذان بن جبرئيل القمّي في كتاب الرّوضة والفضائل: باسناده عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لمـّا أسري بي إلى السّماء - وذكرصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما رآه مكتوباً على أبواب الجنّة والنّار - إلى أن قال - وعلى الباب الثّاني مكتوب: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله، بكلّ شئ حيلة، وحيلة السّرور في الآخرة أربع خصال: مسح رؤوس ليتامى، والتّعطف على الأرامل، والسّعي في حوائج المؤمنين(١) ، والتّفقد للفقراء والمساكين - إلى أن قال - وعلى الباب الثّامن مكتوب: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله، من أراد الدخول في هذه الأبواب(٢) ، فليتمسّك بأربع خصال: السّخاء، وحسن الخلق، والصّدقة، والكفّ عن أذى(٣) عباد الله - إلى أن قال - فيما رأى مكتوباً

____________________________

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ١ : ١٨٤.

١٥ - كتاب الروضة: وكتاب الفضائل ص ١٥٢.

(١) في الفضائل: المسلمين.

(٢) وفيه: الأبواب الثمانية.

(٣) وفيه: وكف الأذى عن.

٢٦٦

على أبواب النّار - وعلى الباب الثّاني مكتوب: من أراد أن لا يكون عرياناً يوم القيامة، فليكس الجلود العارية في الدّنيا، ومن أراد أن لا يكون عطشاناً يوم القيامة، فليسق في الدّنيا ومن أراد أن لا يكون يوم القيامة جائعاً، فليعطم البطون الجائعة - إلى أن قال - وعلى الباب السّادس مكتوب: أنا حرام على المجتهدين(٤) ، (أنا حرام على المتصدّقين)، أنا حرام على الصّائمين ».

[ ٨٢٠٦ ] ١٦ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: عن أبي بكر الشّيرازي، باسناده عن مقاتل، عن مجاهد، عن ابن عبّاس: إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أعطى عليّاًعليه‌السلام ، يوماً ثلاثمائة دينار أهديت إليه، قال عليعليه‌السلام : « فأخذتها وقلت: والله لأتصدّقن اللّيله من هذه الدّنانير صدقة يقبلها الله منّي، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة فاعطيتها الدّنانير، فأصبح النّاس بالغد يقولون: تصدق عليعليه‌السلام اللّيلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غمّاً شديداً، فلمّا صلّيت اللّيله القابلة صلاة العتمة، أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، وقلت: والله لأتصدّقن الليلة بصدقة يتقبّلها ربّي منّي، فلقيت رجلاً فتصدقت عليه بالدّنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدّق عليعليه‌السلام البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غمّاً شديداً وقلت: والله لأتصدّقن الليلة صدقة يتقبلها منّي، فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ خرجت من المسجد ومعي مائة دينار،

____________________________

(٤) وفيه: المتهجدين.

(٥) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٦ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢٦٧

فلقيت رجلاً فاعطيته إيّاها، فلمّا أصبحت قال أهل المدينة: تصدّق عليعليه‌السلام البارحة بمائة دينار على رجل غني، فاغتممت غمّاً شديداً، فأتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخبرته، فقال لي: يا علي، هذا جبرئيل يقول لك: إنّ الله عزّوجلّ قد قبل صدقاتك وزكى عملك، إنّ المائة دينار الّتي تصدّقت بها أوّل ليلة، وقعت في يدي امرأة فاسدة، فرجعت إلى منزلها وتابت إلى الله عزّوجلّ من الفساد، وجعلت تلك الدّنانير رأس مالها، وهي في طلب بعل تتزوّج به، وأنّ الصّدقة الثّانية وقعت في يدي سارق، فرجع إلى منزله وتاب إلى الله من سرقته، وجعل الدّنانير رأس ماله يتجرّ بها، وأنّ الصّدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزكّ ماله منذ سنين، فرجع إلى منزله ووبّخ نفسه وقال: شحّا عليك يا نفس، هذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، تصدّق عليّ بمائة دينار ولا مال له، وأنا فقد(١) أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزكّه، فحسب ماله [ وزكاه ](٢) وأخرج زكاة ماله كذا وكذا ديناراً، وأنزل الله فيك:( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ ) (٣) » الآية.

[ ٨٢٠٧ ] ١٧ - وفيه: وسأله - أي أمير المؤمنينعليه‌السلام - اعرابي شيئاً، فأمر له بألف، فقال الوكيل: من ذهب أو فضّة؟ فقال: « كلاهما عندي حجران، فاعط الاعرابي انفعهما له ».

[ ٨٢٠٨ ] ١٨ - علي بن إبراهيم في تفسيره: في قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ

____________________________

(١) في المصدر: قد.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) النور ٢٤: ٣٧.

١٧ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ١١٨.

١٨ - تفسير القمي ج ٢ ص ٣٩٨.

٢٦٨

الطَّعَامَ ) (١) حدّثني أبي، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عند فاطمةعليها‌السلام شعير، فجعلوه عصيدة فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم، جاء مسكين فقال المسكين: رحمكم الله، اطعمونا ممـّا رزقكم الله فقام عليعليه‌السلام فأعطاه ثلثها، (ولم يلبث)(٢) أن جاء يتيم، فقال اليتيم: رحمكم الله [ أطعمونا ممـّا رزقكم الله ](٣) فقال عليعليه‌السلام فأعطاه ثلثها [ الثاني ](٤) ، ثمّ(٥) جاء أسير، فقال الأسير: رحمكم الله [ أطعمونا ممـّا رزقكم الله ](٦) (فأعطاه عليعليه‌السلام )(٧) الثّلث الباقي، وما ذاقوها، فأنزل الله فيهم هذه الآية إلى قوله:( وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) (٨) في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي جارية في كلّ مؤمن فعل مثل ذلك [ لله تعالى ](٩) ».

[ ٨٢٠٩ ] ١٩ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن سعيد بن عبد العزيز: أنّ الحسنعليه‌السلام ، سمع رجلاً يسأل ربّه تعالى أن يرزقه عشرة

____________________________

(١) الإنسان ٧٦: ٨.

(٢) في المصدر: فما لبث.

(٣ و ٤) أثبتناه من المصدر.

(٥) في المصدر: فما لبث أن.

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر: فقام عليعليه‌السلام فأعطاه.

(٨) الإنسان ٧٦: ٢٢.

(٩) أثبتناه من المصدر.

١٩ - بل الاربلي في كشف الغمة ج ١ ص ٥٥٨، كما حكاه المجلسي عنه في البحار ج ٤٣ ص ٣٤٧، وقد وجدنا نحو هذا الحديث في المناقب ج ٤ ص ١٧.

٢٦٩

آلاف درهم، مانصرف الحسنعليه‌السلام إلى منزله، فبعث بها إليه.

[ ٨٢١٠ ] ٢٠ - علي بن عيسى في كتاب كشف الغمّة: أن رجلاً جاء إليه - يعني الحسنعليه‌السلام - فسأله حاجة، فقال له: « يا هذا، حقّ سؤالك يعظم لدي، ومعرفتي بما يجب لك يكبر لدي، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله عزّوجلّ قليل، وما في ملكي وفاء لشرك، فإن قبلت الميسور، ورفعت عنّي مؤونة الاحتفال والاهتمام بما(١) أتكلّفه من واجبك فعلت » فقال: يا ابن رسول الله، اقبل القليل، وأشكر العطيّة، واعذر على المنع، فدعا الحسنعليه‌السلام بوكيله، وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها، قال: « هات الفاضل من الثلاثمائة الف درهم » فاحضر خمسين الفاً، قال: « فما فعل الخمسمائة دينار » قال: [ هي ](٢) عندي، قال: « احضرها » فاحضرها فدفع الدّراهم والدّنانير إلى الرّجل، وقال: « هات من يحملها لك » فأتاه بحمّالين، فدفع الحسنعليه‌السلام إليه رداءه لكرى الحمّالين، فقال مواليه: والله ما [ بقي ](٣) عندنا درهم، فقالعليه‌السلام : « لكنّي أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم ».

[ ٨٢١١ ] ٢١ - البحار، عن الحسن بن أبي الحسن الدّيلمي في كتاب اعلام الدّين: عن أبي امامة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال ذات يوم لأصحابه: « ألا أحدّثكم عن الخضر؟ » قالوا: بلى، يا رسول

____________________________

٢٠ - كشف الغمّة ج ١ ص ٥٥٨.

(١) في المصدر: لما.

(٢ و ٣) أثبتناه من المصدر.

٢١ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

٢٧٠

الله، قال: « بينا هو يمشي في سوق من أسواق بني اسرائيل، إذ بصر به مسكين فقال: تصدّق عليّ بارك الله فيك، قال الخضر: آمنت بالله، ما يقضي الله يكون، ما عندي من شئ أعطيكه، قال المسكين: بوجه الله لمـّا تصدقت عليّ؟ إنّي رأيت الخير في وجهك، ورجوت الخير عندك، قال الخضر: آمنت بالله، إنّك سألتني بأمر عظيم، ما عندي شئ أعطيكه، إلّا أن تأخذني فتبيعني، قال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: الحقّ أقول لك، إنّك سألتني بأمر عظيم، سألتني بوجه ربّي عزّوجلّ، أما إنّي لا أخيبك في مسألتي بوجه ربّي فبعني، فقدّمه إلى السّوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شئ، فقال الخضرعليه‌السلام : إنّما ابتعتني التماس خدمتي فمرني بعمل، قال: إنّي اكره أن أشقّ عليك، إنّك شيخ كبير، قال: لست تشقّ عليّ، قال: فقم وانقل هذه الحجارة، قال: وكان لا ينقلها دون ستّة نفر في يوم، فقام فنقل الحجارة في ساعة، فقال له: أحسنت وأجملت، وأطقت ما لم يطقه أحد، قالعليه‌السلام : ثمّ عرض للرّجل سفر، فقال: إنّي أحسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، وإنّي أكره أن أشق علكيك، قال: لست تشق عليّ، قال: فاضرب من اللّبن شيئاً حتّى ارجع إليك، قال: فخرج الرّجل لسفره ورجع وقد شيّد بناؤه فقال له الرّجل: إسأله(١) بوجه الله، ما حسبك؟ وما أمرك؟ قال: إنّك سألتني بأمر عظيم، بوجه الله عزّوجلّ، ووجه الله عزّوجلّ أوقعني في العبوديّة، وسأخبرك من أنا أنا الخضر الّذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، ولم يكن عندي شئ أعطيه، فسألني بوجه الله عزّوجلّ فأمكنته من رقبتي فباعني، فأخبرك أنّه من سئل بوجه

____________________________

(١) في المصدر : أسألك.

٢٧١

الله عزّوجلّ فردّ سائله وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم [ ولا دم ](٢) إلّا عظم يتقعقع، قال الرّجل: شققت عليك ولم أعرفك، قال: لا بأس أبقيت وأحسنت، قال: بأبي أنت وأمّي، أحكم في أهلي ومالي بما أراك الله عزّوجلّ، أم اخيرّك فأخلي سبيلك، قال: احب أن تخلّي سبيلي، فا عبدالله على سبيله، فقال الخضرعليه‌السلام : الحمد الله الّذي أوقعني في العبودية، فأنجاني منها ».

[ ٨٢١٢ ] ٢٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام ، يقول: « بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أصحابه، راكب على دابّته، إذ نزل فخرّ ساجداً، فقيل له: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئاً لم تكن(١) تصنعه قبل اليوم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني ملك من عند ربّي فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرأك السّلام، ويقول: يا محمّد، إنّي أسرّك في امّتك، فلم يكن عندي مال أتصدّق(٢) به ولا عبد أعتقه، فسجدت لله شكراً ».

[ ٨٢١٣ ] ٢٣ - العلّامة الحلّي في الإيضاح: وجدت بخطّ السيّد صفيّ الدّين محمّد بن معد الموسوي رحمه الله: يحيى بن بوش، أخبرنا عبد القادر بن يوسف، أخبرنا أبو محمّد الحريري، أخبرنا أبو محمّد سهل بن عبدالله الدّيباجي، حدّثنا عليّ بن الحسين بن علي بالرّملة، حدّثنا

____________________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٣٧.

(١) في المصدر: تك.

(٢) وفيه: أصدق.

٢٣ - الإيضاح ص ١٠٢.

٢٧٢

عبد الرّحمن بن عبدالله بن قريب، وزيد بن أخزم، قال حدّثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام : أنّه دخل على أبي جعفر المنصور، وعنده رجل من ولد زبير بن العوام، وقد سأله وقد أمر له بشئ، فسخط الزّبيري واستقلّه، فأغضب المنصور ذلك من الزّبيري، حتّى بان فيه الغضب، فأقبل عليه أبو عبداللهعليه‌السلام ، فقال: « يا أمير المؤمنين، حدّثني أبي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطى عطيّة طيّبة بها نفسه، بورك للمعطى والمعطي » فقال أبو جعفر: والله لقد أعطيت وأنا غير طيب النّفس بها، ولقد طابت بحديثك هذا، ثمّ أقبل على الزّبيري، فقال: « حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه أمير المؤمنينعليهم‌السلام ، أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من استقلّ قليل الرّزق حرمه الله كثيره » فقال الزّبيري: والله لقد كان قليلاً، ولقد كثر عندي بحديثك هذا، قال سفيان: فلقيت الزّبيري فسألته عن تلك العطيّة، فقال: لقد كانت قليلة، فبلغت في يدي خمسين الف درهم، وكان سفيان بن عينية يقول: مثل هؤلاء القوم مثل الغيث، حيث وقع نفع.

٢٧٣

٢٧٤

كتاب الخمس

٢٧٥

فهرست أنواع الأبواب إجمالاً:

أبواب ما يجب فيه الخمس.

أبواب قسمة الخمس.

أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام.

٢٧٦

أبواب ما يجب فيه الخمس

١ -( باب وجوبه)

[ ٨٢١٤ ] ١ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن أبي بصير، قال: قالت لأبي جعفرعليه‌السلام : أصلحك الله، ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ قال: « من أكل [ من ](١) مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم ».

[ ٨٢١٥ ] ٢ - وعن أبي جميلة، عن بعض أصحابه، عن أحدهماعليه‌السلام ، قال: « قد فرض الله في الخمس نصيباً لآل محمّدعليهم‌السلام ، فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم حسداً وعداوة، وقد قال الله:( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (١) » الخبر.

[ ٨٢١٦ ] ٣ - وعن سدير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قال:

____________________________

أبواب ما يجب فيه الخمس

الباب - ١

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٢٥ ح ٤٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٢٥ ح ١٣٠.

(١) المائدة ٥: ٤٧.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٢ ح ٥٧.

٢٧٧

« يا أبا الفضل، لنا حقّ في كتاب الله في الخمس، فلو محوه فقالوا: ليس من الله أو لم يعملوا به، لكان سواء ».

[ ٨٢١٧ ] ٤ - وعن إسحاق بن عمّار، قال: سمعتهعليه‌السلام يقول: « لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً، أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي، حتّى يأذن له أهل الخمس ».

[ ٨٢١٨ ] ٥ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن أبي هاشم، باسناده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: « قال الله تعالى لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني اصطفيتك(١) وانتجبت عليّاًعليه‌السلام ، وجعلت منكما ذرية [ طيبة ](٢) جعلت لهم الخمس ».

[ ٨٢١٩ ] ٦ - الشّيخ شرف الدّين النّجفي في تأويل الآيات: عن تفسير محمّد بن العبّاس الماهيار، عن أحمد بن إبراهيم، عن عباد، باسناده إلى عبدالله بن بكير، يرفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، في قوله عزّوجلّ:( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ) (١) « يعني النّاقصين لخمسك يا محمّد( الّذين إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) (٢) أي إذا صاروا إلى حقوقهم من الغنائم يستوفون( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (٣) أي إذا سألوهم خمس آل محمّدعليهم‌السلام نقصوهم ».

____________________________

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٣ ح ٦٠، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٩٣ ح ١٣.

٥ - المناقب ج ١ ص ٢٥٦، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٨٧ ح ١٤.

(١) في الطبعة الحجرية « إصطفيت » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٦ - تأويل الآيات ص ١٢٦ ب، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٨٩.

(١ و ٢ و ٣) المطففين ٨٣: ١، ٣.

٢٧٨

[ ٨٢٢٠ ] ٧ - فقه الرّضاعليه‌السلام : « وقيل للعالم: ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ قال: أن يأكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم - إلى أن قال - فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالاً فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدّى حقّ الله ما عليه، وتعرّض للمزيد وحلّ له باقي ما له وطاب، وكان الله أقدر على إنجاز ما وعده العباد، من المزيد والتّطهير من البخل(١) ، على أن يغني نفسه ممـّا في يديه من الحرام الّذي بخل(٢) فيه، بل قد خسر الدّنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فاتّقوا الله وأخرجوا حقّ الله ممـّا في أيديكم، يبارك الله لكم في باقيه ويزكو، فإنّ الله عزّوجلّ الغنيّ ونحن الفقراء، وقد قال الله:( لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ) (٣) فلا تدعوا التقرّب إلى الله عزّوجلّ، بالقليل والكثير على حسب الإمكان، وبادروا بذلك الحوادث، واحذروا عواقب التّسويف فيها، فإنّما هلك من هلك من الأمم السّالفة بذلك، وبالله الاعتصام ».

[ ٨٢٢١ ] ٨ - علي بن إبراهيم في تفسيره: في قوله تعالى:( وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) (١) قال: أي لا ترعون(٢) ، وهم الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم، وأكلوا أموال أيتامهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم، وفي

____________________________

٧ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٠، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٩١ ح ٩.

(١) في الطبعة الحجرية « الخير »، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: يحل.

(٣) الحج ٢٢: ٣٧.

٨ - تفسير القمي ج ٢ ص ٤٢٠.

(١) الفجر ٨٩: ١٨.

(٢) في المصدر: تدعوهم.

٢٧٩

قوله تعالى(٣) :( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) (٤) قال: حقوق آل محمّدعليهم‌السلام من الخمس، لذوي القربي واليتامى والمساكين وابن السّبيل، وهم آل محمّد صلوات الله عليهم،

[ ٨٢٢٢ ] ٩ - أحمد بن محمّد السّياري في كتاب التّنزيل والتّحريف: عن محمّد بن أورمة، عن الرّبيع بن زكريّا، عن رجل، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث - قال: « من أعطى الخمس، واتّقى ولاية الطّواغيت، وصدقّ بالحسنى بالولاية،( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ) قال: لا يريد شيئاً من الخير إلّا تيسر له( وَأَمَّا مَن بَخِلَ ) بالخمس( وَاسْتَغْنَىٰ ) برأيه(١) عن أولياء الله( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ ) (٢) الولاية، فلا يريد شيئاً من اليسر إلّا تعسّر له » الخبر.

٢ -( باب وجوب الخمس في غنائم دار الحرب، وفي مال الحربي والنّاصب، وعدم وجوبه في غير الأشياء المخصوصة، وإنّه يجب مرّة واحدة)

[ ٨٢٢٣ ] ١ - الجعفريات: باسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب

____________________________

(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٣٩٥.

(٤) المدثر ٧٤: ٤٤.

٩ - التنزيل والتحريف ص ٦٧.

(١) في الطبعة الحجرية « براءة » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الليل ٩٢: ٧ - ٩.

الباب - ٢

١ - الجعفريات ص ٢٤٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وعدّوا هذا النوع من الاستعارة (التكنية والتخييل) من أبدع أنواع الاستعارات روعةً وجمالاً؛ حيث موضع ذلك التصوّر النفسي البديع، وكلّما كان ما تصوّره الوهم أوفى بواقعية الأمر وأبلغ كانت الاستعارة أبهى وأجمل.

قال السكاكي: الاستعارة بالكناية أن تَذكر المشبّه وتضيف إليه شيئاً من لوازم المشبّه به على سبيل الاستعارة التخييلية. فتقول: مخالب المنيّة نَشبت بفلان، طاوياً لذكر المشبّه به، فقد شَبّهت المنيّة بالسبُع في اغتيال النفوس وانتزاع أرواحها بالقهر والغَلبة، من غير تفرقة بين نفّاعٍ وضرّارٍ، ولا رقّة لمرحوم ولا بُقيا على ذي فضيلة، تشبيهاً بليغاً حتى كأنّها سبُع من السباع، فيأخذ الوهم في تصويرها في صورة السبع واختراع ما يلازم صورته ويتمّ بها مشاكلته من أعضاء وجوارح، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع للنفوس بها، وتمام افتراس الفرائس بها، من الأنياب والمخالب، ثمّ تُطلق على مخترعات و همك أسامي من المتحقق؛ لتفيض عليها تلك الصورة الوهمية.

وهكذا إذا شبّهت الحال في دلالتها على أمر بإنسان يتكلّم، فيعمل الوهم في الاختراع للحال ما يكون قِوام التكلّم به، وهو تصوير صورة اللسان، ثمّ تُطلق عليه اسم اللسان المتحقق وتضيفه إلى الحال، قائلاً: لسان الحال ناطق بكذا.

أو أن تُشبّه ولاية أمر صادفتها واقعة تحت مشيئة امرؤ، وتابعة لرأيه يتصرّف فيها كيف يشاء، بالناقة المنقادة التابعة لمستتبعها كيف أراد، فتُثبت لها في الوهم ما هو قِوام ظهور انقياد الناقة به، وهو صورة الزِمام، فتُطلق عليها اسم الزِمام المتحقق، قائلاً: زِمام الحُكم بيد فلان.

قال: وقد ظهر أنّ الاستعارة بالكناية لا تنفكّ عن الاستعارة التخييلية أبداً (١) .

____________________

(١) مفتاح العلوم: ص١٧٨ - ١٧٩.

٣٦١

٦ - الاستعارة التمثيلية:

قال جلال الدين السيوطي: التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها، واتّفق البلغاء على أنّ الاستعارة أبلغ من التشبيه، فالاستعارة أعلى مراتب الفصاحة، وكذا الكناية أبلغ من التصريح، والاستعارة أبلغ من الكناية، فقد تصدّرت الاستعارة أعلى مراتب بلاغة البيان وأفصحها.

وأبلغ أنواع الاستعارة هي التمثيلية؛ لأنّها تنفث في التشبيه روح الحقيقة، وتُفضي عليها الحركة والحياة، فيتناسى التشبيه، وكأنّ الحقيقة بذاتها ظهرت وأبدت معالمها... (١) .

والاستعارة التمثيلية هي من المجاز المركّب، وحقيقتها: أن تُشبّه إحدى الصورتين المنتزعتين من متعدّد بالأُخرى، ثمّ تتخيّل أنّ الصورة المشبّه بها عين الصورة المشبّهة، فتُطلق تلك على هذه إطلاقاً بالاستعارة.

كما يقال لمَن يتردّد في أمر: أراك تُقدّم رِجلاً وتُؤخّر أُخرى، فقد شبّه صورة تردّده النفسي في الإقدام والإمساك بمَن قام ليذهب فتردّد في الذهاب، فتارةً يتقدّم وأُخرى ينصرف فيتأخر (٢) .

فهذا أبلغ تشبيه في تصوير حالته النفسية المضطربة، لا يستطيع الجزم والبتّ فيما يريد.

وهذا النوع من الاستعارة بل التمثيل في القرآن كثير، وقد تقدّم كثير من أمثلتها في حقل التصوير الفنّي في القرآن.

* * *

____________________

(١) معترك الأقران: ج١ ص٢٨٢.

(٢) المطوّل: ص٣٧٩.

٣٦٢

٩ - لطيف كنايته وظريف تعريضه

الكناية بمعنى الستر، تقول: كنّيت الشيء إذا سترته، ومنه الكُنية، لستر اسمه تفخيماً لمقامه.

قال السكاكي: هي ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه لينتقل منه إلى ملزومه (١) .

قال ابن الأثير: الكناية إذا وردت تجاذبها حقيقة ومجاز، وجاز حملها على الجانبين معاً، أَلا ترى أنّ اللمس في قوله تعالى: ( أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ ) (٢) كناية عن الجماع، يجوز حمله على الحقيقة وعلى الجاز، وكل منهما يصحّ به المعنى ولا يختلّ؛ لأنّ اللمس خارجاً لازم الجماع لا محالة.

والفرق بينها وبين التعريض: أنّ التعريض هو اللفظ الدالّ على الشيء من طريق المفهوم وإن لم يكن من لوازمه، كما إذا قلت لمَن تتوقع صلته: والله إنّي لَمحتاج، فإنّه تعريض بالطلب، وليس موضوعاً له لا حقيقةً ولا مجازاً، بخلاف دلالة اللمس على الجماع دلالة باللازم على الملزوم؛ ومِن ثَمّ كان التعريض أخفى من الكناية، وأبرع منها إذا وقع موقعه؛ لأنّ دلالة الكناية لفظية (دلالة الإشارة)

____________________

(١) مفتاح العلوم: ص١٨٩.

(٢) النساء: ٤٣، المائدة: ٦.

٣٦٣

ودلالة التعريض عقلية، يجب أن يتنبّه لها العقل، لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي، وإنّما سُمّي تعريضاً؛ لأنّ المعنى منه يفهم من عرضه أي من جانبه، وعرض كل شيء جانبه (١) .

* * *

وللناس في الفَرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة:

فقال الزمخشري: الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، والتعريض أن يذكر شيئاً يدلّ به على شيء لم يذكره.

وقال ابن الأثير: الكناية ما دلّ على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز بوصف جامع بينهما، والتعريض: اللفظ الدالّ على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي، كقول من يتوقّع صلة: والله إنّي لمحتاج، فإنّه تعريض بالطلب، مع أنّه لم يُوضع له لا حقيقةً ولا مجازاً، وإنّما فُهم من عرض اللفظ، أي جانبه.

وقال السبكي في كتاب (الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض): الكناية لفظ استُعمل في معناه مراداً منه لازم المعنى، فهو بحسب استعمال اللفظ في المعنى حقيقة، والتجوّز في إرادة إفادة ما لم يُوضع له وقد لا يُراد منها المعنى، بل يُعبّر بالملزوم عن اللازم، وهي حينئذٍِ مجاز.

ومن أمثلته: ( قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ) (٢) فانّه لم يُقصد إفادة ذلك؛ لأنّه معلومٌ، بل إفادة لازمه، وهو أنّهم يَرِدونها ويجدون حرّها إن لم يجاهدوا.

وأمّا التعريض فهو لفظ استُعمل في معناه للتلويح بغيره، نحو: ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ) (٣) نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتّخذة آلهة، كأنّه غضب أن تُعبد الصِّغار معه، تلويحاً لعابيدها بأنّها لا تصلح أن تكون آلهة، لِما يعلمون - إذا نظروا بعقولهم - من عجز كبيرها عن ذلك الفعل، والإله لا يكون عاجزاً، فهو حقيقة أبداً.

____________________

(١) المَثَل السائر: ج٣ ص٥٢ و٥٦.

(٢) التوبة: ٨١.

(٣) الأنبياء: ٦٣.

٣٦٤

وقال السكاكي: التعريض ما سيق لأجل موصوف غير مذكور، ومنه أن يُخاطب واحد ويراد غيره، وسُمّي به؛ لأنّه أُميل الكلام إلى جانب مشاراً به إلى آخر، يقال: نظر إليه يعرض وجهه، أي جانبه (١) .

* * *

قال الطيّبي: وذاك يُفعل؛ إمّا لتنويه جانب الموصوف، ومنه: ( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) (٢) أي محمّد (صلّى الله عليه وآله) إعلاءً لقدره، أي أنّه العَلَم الذي لا يشتبه، وإمّا للتلطّف وبه واحترازاً عن المخاشنة، نحو: ( وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ) (٣) أي ومالكم لا تعبدون، بدليل قوله: ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ، وكذا قوله: ( أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) (٤) ووجه حسنه إسماع مَن يقصد خطابه الحقّ على وجه يمنع غضبه؛ إذ لم يصرّح بنسبته للباطل، والإعانة على قبوله، إذ لم يرد له إلاّ ما أراد لنفسه.

وإمّا لاستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم، ومنه: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٥) خوطب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأُريد غيره؛ لاستحالة الشرك عليه شرعاً.

وإمّا للذمّ نحو: ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ) (٦) ، فإنّه تعريض بذمّ الكفّار، وإنّهم في حكم البهائم الذين لا يتذكّرون.

وإمّا للإهانة والتوبيخ، نحو: ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٧) ، فإنّ سؤالها لإهانة قاتلها وتوبيخه.

قال السبكي: التعريض قسمان:

قسم يُراد به معناه الحقيقي ، ويُشار به إلى المعنى الآخر المقصود كما تقدّم.

وقسم لا يُراد ، بل يُضرب مثلاً للمعنى الذي هو مقصود التعريض، كقول

____________________

(١) معترك الأقران: ج١ ص٢٩٢.

(٢) البقرة: ٢٥٣.

(٣) يس: ٢٢.

(٤) يس: ٢٣.

(٥) الزمر: ٦٥.

(٦) الرعد: ١٩ والزمر: ٩.

(٧) التكوير: ٨ و٩.

٣٦٥

إبراهيم: ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ) (١) (٢) .

* * *

وقد جعل السكاكي التعريض قسماً من الكناية؛ إذ جعلها تعريضاً وتلويحاً ورمزاً وايماءً وإشارةً. قال: متى كانت الكناية عرضية، كقولك: المؤمن لا يؤذي أخاه المسلم، تعريضاً بمَن يتصدّى لإيذاء المؤمنين بأنّه ليس بمؤمن، فهذه كان إطلاق اسم التعريض عليها مناسباً.

وإذ لم تكن الكناية عرضية نظر، فإن كانت مسافةُ بينها وبين المكنّى عنه مسافةً متباعدةً لتوسّط لوازم كثير كما في (كثير الرماد) وأشباهه كان إطلاق اسم التلويح عليها مناسباً؛ لأنّ التلويح هو أن تُشير إلى غيرك عن بُعد.

وإن كانت ذات مسافة قريبة بقلّة اللوازم لكن مع نوع خفاء مثل قولهم (عريض القفا) و(عريض الوسادة) كان إطلاق اسم الرمز مناسباً؛ لأنّ الرمز هو أن تُشير إلى قريب منك على سبيل الخفية.

وإن كانت لا خفاء فيها كان إطلاق اسم الإيماء والإشارة عليها مناسباً (٣) .

ومن لطيف الكناية وحسنها ما يأتي بلفظة (مثل) في قولك (مثلك لا يبخل) حيث نفيت عنه القبيح بأحسن وجه؛ لأنّه إذا نفاه عمّن يُماثله فقد نفاه عنه لا محالة، إذ هو بنفي ذلك عنه أجدر، وإلاّ لم يكونا متماثلين.

وعليه ورد قوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (٤) وإن كان الله سبحانه لا مِثل له، لكنّه كناية عن نفي مشابهته لشيء بأبلغ وجه؛ لأنّ مِثله تعالى - فَرَضاً - إذا لم يكن له مثيل فهو تعالى أولى بأن لا يكون له نظير.

* * *

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ( أَيُحِبُ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً

____________________

(١) الأنبياء: ٦٣.

(٢) معترك الأقران: ج١ ص٢٩٣.

(٣) مفتاح العلوم: ص١٩٠ و١٩٤.

(٤) الشورى: ١١.

٣٦٦

فَكَرِهْتُمُوهُ ) (١) ، فإنّه كنّى عن الغِيبة بأكل الإنسان لحم إنسانٍ آخر مِثله، ولم يقتصر على ذلك حتى جعله ميّتاً، ثمّ جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبّة، قال ابن الأثير: فهذه أربع دلالات واقعة على ما قصدت له مطابقة للمعنى الذي وردت من أجله.

أمّا جعل الغِيبة كأكل لحوم الناس فهو شديد المناسبة جدّاً؛ لأنّها ذكر مثالب المغتاب والوقوع في عِرضه، بل والحطّ من كرامته بما يهدم شخصيّته وإيجاب النفرة منه، الأمر الذي يستدعي إبعاده عن الحياة العامّة، ولا سيّما الحياة العملية المبتنية على تبادل الثقة بين أفراد الجامعة، فلا يعتمده إنسان ولا يثق به غيره بعد حصول هذه النفرة بينه وبين سائر الناس؛ كل ذلك مغبّة فضحه بين الناس بسبب إبداء معايبه الخفية بالاغتياب، فكان كعضو أشلّ لهيكل الجامعة الإنسانية، وكان موته وشلله حينذاك سواء.

إذاً فالذي يفعله المغتاب يشبه تماماً بمَن قتل أخاه (العضو الفعّال الآخر للجامعة) واقتات على لحمه ميتاً، فما أشدّ كراهته؟ فهذا مثله.

فالغيبة إذا شاعت فإنّما هي قتل النفوس وتمزيق أعراضهم وهدم شخصيّاتهم، فما أبشعها وأدقّها تعبيراً ووفاءً بمقصود الكلام.

وكذلك قوله تعالى: ( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لّمْ تَطَؤُوها ) (٢) ، قال ابن الأثير: والأرض التي لم يطؤُوها كناية عن مناكح النساء، وهو من حسن الكناية ونادرها.

* * *

وقوله تعالى: ( أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السّيْلُ زَبَداً

____________________

(١) الحجرات: ١٢.

(٢) الأحزاب: ٢٧.

٣٦٧

رَابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقّ وَالْبَاطِلَ فَأَمّا الزّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمّا مَا يَنفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) (١) .

قال الزمخشري: هذا مَثل ضَربه الله للحقّ وأهله والباطل وحزبه، فكنّى بالماء عن العِلم، وبالأدوية عن القلوب، وبالزَبد عن الضلال.

إنّ الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية، كلٌّ بقدرها، وهو بطبيعة جريه وسيلانه يلمّ في طريقه غثاء، فيطفو على وجهه صورة زَبد، هي الشكوك الحاصلة من تضارب الآراء وحجاج الخصوم، حتى ليحجب الماء أي الحقيقة في بعض الأحيان.

وقد يكون هذا الزَبد نافشٌ رابٍ منتفخ، ليبدو فخيماً في شكله وظاهر صورته، ولكنّه في حقيقته غثاء، أمّا الماء من تحته فهو ساربٌ ساكنٌ هادئ، لكنّه الماء الحامل للخير والحياة، وسرعان ما تنصع حقيقته الصافية، وينقشع عن وجهه غبار الأوهام.

كذلك يُتصوّر في المعادن والفلزّات التي تُذاب لتصاغ منها الحُلي أو الأواني والآلات النافعة للحياة، فإنّها عند الذوبان يطفو عليها الخبث وقد يحجب وجه الفلزّ الأصيل، ولكنّه بعدُ خبثٌ يذهب جفاء، ويبقى الفلزّ نقيّاً خالصاً نافعاً في الحياة.

وذلك مثل الحقّ يُجلّله غبار الباطل أحياناً، لكنّه لا يلبث أن ينصدع فتتجلّى الحقيقة ناصعةً بيضاء لامعة. ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) ومِن ثَمّ عقّبه بقوله: ( وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) (٢) تصف ألسنتكم الكذب من تشكيك وأوهام وخرافات (٣) .

حكمة الكناية وفوائدها

للكناية فوائد وحِكم ذكرها أرباب البيان، ولخّصها جلال الدين السيوطي في

____________________

(١) الرعد: ١٧.

(٢) الأنبياء: ١٨.

(٣) الكشّاف: ج٢ ص٥٢٣، المَثل السائر: ج٣ ص٦٣، في ظِلال القرآن: ج٥ ص٨٥.

٣٦٨

ستة وجوه:

أحدها: التنبيه على عِظَم القدرة، نحو ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) (١) كناية عن آدم (عليه السلام) فإنّ إخراج الذرّ الكثير من أصل واحد دليل على عظمة الصانع تعالى وقدرته الخارقة، فلو كان صرّح باسمه (عليه السلام) لكانت إشادة بشأنه بالذات.

ثانيها: ترك اللفظ إلى ما هو أجمل، نحو: ( إِنّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ) (٢) ، فكنّى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك؛ لأنّ ترك التصريح بذِكر المرأة أجمل منه، ولهذا لم تذكر في القرآن امرأة باسمها إلاّ مريم.

قال السهيلي: وإنّما ذكرت (مريم) باسمها على خلاف عادة الفصحاء؛ لنكتة، وهي أنّ الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ، ولا يبتذلون أسماءهنّ، بل يُكنّون عن الزوجة بالفَرس والعيال ونحو ذلك، فإذا ذكروا الإماء لم يكنّوا عنهنّ ولم يصونوا أسماءهنّ عن الذِكر، فلمّا قالت النصارى في مريم ما قالوا صرّح الله باسمها، ولو لم يكن تأكيداً للعبودية التي هي صفة لها و تأكيداً لأنّ عيسى لا أب له، وإلاّ لنسب إليه.

ثالثها: أن يكون في التصريح ممّا يستقبح ذكره، ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرَفث والدخول والسرّ في قوله: ( وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً ) (٣) والغشيان في قوله: ( فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ) (٤) .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: المباشرة الجماع، ولكن الله يكنّي، وأخرج عنه، قال: إنّ الله كريم يُكنّي ما شاء، وإنّ الرفث هو الجماع.

وكنّى عن طلبه بالمراودة في قوله: ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ ) (٥) ، وعنه أو عن المعانقة باللباس في قوله: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) (٦)

____________________

(١) الأعراف: ١٨٩.

(٢) ص: ٢٣.

(٣) البقرة: ٢٣٥.

(٤) الأعراف: ١٨٩.

(٥) يوسف: ٢٣.

(٦) البقرة: ١٨٧.

٣٦٩

وبالحرث في قوله: ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) (١) .

وكنّى عن البول ونحوه بالغائط في قوله ( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ ) (٢) ، وأصله المكان المطمئنّ من الأرض.

وكنّى عن قضاء الحاجة بأكل الطعام في قوله في مريم وابنها: ( كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) (٣) .

وكنّى عن الأستاه بالأدبار في قوله: ( يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) (٤) ، أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في هذه الآية قال: يعني أستاههم، ولكنّ الله يُكنّي ما شاء.

* * *

وأورد على ذلك التصريح بالفرج في قوله: ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) (٥) .

وقوله: ( أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) (٦) .

وأُجيب بأنّ المراد به فرج القميص، والتعبير به من لطيف الكنايات وأحسنها، أي لم يعلّق بثوبها ريبة، فهي طاهرة الثوب، كما يقال: نقيّ الثوب، وعفيف الذيل كناية عن العفّة، ومنه: ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (٧) ، وكيف يُظنّ أنّ نفخ جبريل وقع في فرجها، وإنّما نَفخ في جيب درعها. ونظيره أيضاً ( وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ) (٨) .

قال الفرّاء: والفرج هاهنا: جيب درعها، وذُكر أنّ جبرائيل (عليه السلام) نفخ في جيبها. وكل ما كان في الدرع من خَرق أو غيره يقع عليه اسم الفرج، قال الله تعالى: ( وَمَا لَهَا

____________________

(١) البقرة: ٢٢٣.

(٢) المائدة: ٦.

(٣) المائدة: ٧٥.

(٤) الأنفال: ٥٠.

(٥) الأنبياء: ٩١.

(٦) التحريم: ١٢.

(٧) المدّثر: ٤.

(٨) الممتحنة: ١٣.

٣٧٠

مِنْ فُرُوجٍ ) (١) يعني السماء من فطور ولا صدوع (٢) .

وقال في موضع آخر: ذكر المفسّرون أنّه جيب درعها، ومنه نُفخ فيها (٣) ودرع المرأة قميصها، وهكذا قال السيد شبّر والطبرسي وغيرهما من أعلام المفسّرين (٤) .

قال الراغب: الفرج والفرجة: الشقّ بين الشيئين كفرجة الحائط، والفرج: ما بين الرجلين. وكنّى به عن السَوأَة، وكثُر استعماله حتى صار كالصريح فيه.

قلت: وإطلاق الفرج على الجيب باعتبار أنّه الشقّ الواقع بين جانبي الدرع، إطلاق على أصله، وكنّى به عن السَوأَة، سواء أكانت من الرجال أم من النساء، كما في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) (٥) ، (٦) ، ( وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ) (٧) .

وحفظ الفرج كناية عن التحفّظ على طهارته وأن لا يتدنّس باقتراب قذارة أو يتلوّث بارتكاب حرام، كناية بليغة عن التعفّف واجتناب الفحشاء.

وعليه فحصانة الفرج كناية عن طهارة الذيل، الذي هو بدوره كناية عن التعفّف، ومِن ثَمّ فيه كناية عن كناية نظير المجاز عن المجاز، فتدبّر، فانّه لطيف.

* * *

رابعها: قصد المبالغة والبلاغة، نحو قوله تعالى: ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) (٨) ، كنّى عن النساء بأنهنّ يَنشأنَ في الترفّه والتزيّن والشواغل عن النظر في الأُمور ودقيق المعاني، ولو أتى بلفظ النساء لم يُشعر بذلك، والمراد نفي ذلك عن الملائكة، وقوله: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) (٩) كناية عن

____________________

(١) ق: ٦.

(٢) معاني القرآن: ج٣ ص١٦٩.

(٣) معاني القرآن: ج٢ ص٢١٠.

(٤) مجمع البيان: ج٧ ص٦٢ وج١٠ ص٣١٩، تفسير شبّر: ص٣٢١ وص٥٢٤.

(٥) المؤمنون ٥، المعارج: ٢٩.

(٦) النور: ٣٠ و٣١.

(٧) الأحزاب: ٣٥.

(٨) الزخرف: ١٨.

(٩) المائدة: ٦٤.

٣٧١

سعة جوده وكرمه جدّاً.

خامسها : قصد الاختصار، كالكناية عن ألفاظ متعدّدة بلفظ (فعل)، نحو: ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (١) ، ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ) (٢) أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله.

سادسها: التنبيه على مصيره، نحو قوله تعالى: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) (٣) أي جهنّميّ مصيره إلى اللهب. وقوله: ( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ ) أي نمّامة، مصيرها إلى أن تكون حطباً لجهنّم في جيدها غلّ.

* * *

قال بدر الدين ابن مالك في المصباح (٤) : إنّما يعدل عن الصريح إلى الكناية لنكتة، كالإيضاح أو بيان حال الموصوف، أو مقدار حاله، أو القصد إلى المدح أو الذم، أو الاختصار، أو الستر، أو الصيانة، أو التعمية، أو الألغاز، أو التعبير عن الصعب بالسهل، أو عن المعنى القبيح باللفظ الحسن.

* * *

واستنبط الزمخشري نوعاً من الكناية غريباً، وهو أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر، فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز، فتُعبّر بها عن المقصود، كما تقول في نحو: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (٥) . إنّه كناية عن المُلك، فإنّ الاستواء على السرير لا يكون إلاّ مع المُلك، فجُعل كناية عنه، وكذا قوله: ( وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ

____________________

(١) المائدة: ٧٩.

(٢) البقرة: ٢٤.

(٣) المسد: ١.

(٤) المصباح في تلخيص المفتاح لمحمّد بن عبد الله بن مالك الملقّب بابن الناظم أحد أئمة النحو والمعاني والبديع، توفي سنة ٦٨٦ (طبقات الشافية: ٥ - ٤١).

(٥) طه: ٥.

٣٧٢

بِيَمِينِهِ ) (١) كناية عن عظمته وجلاله من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتي الحقيقة والمجاز (٢) .

قال - عند الكلام عن آية طه -: لمّا كان الاستواء على العرش - وهو سرير المُلك - ممّا يَردف المَلِك جعلوه كناية عن المُلك، فقالوا: استوى فلان على العرش، يريدون: مَلِك، وإن لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضاً؛ لشهرته في ذلك المعنى ومساواته (مُلك) في مؤدّاه، وإن كان أشرح وأبسط وأدلّ على صورة الأمر.

قال: ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة، ويد فلان مغلولة، بمعنى أنّه جواد أو بخيل، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت، حتى أنّ مَن لم يبسط يده قطّ بالنوال أو لم تكن له يد رأساً قيل فيه: يده مبسوطة، لمساواته عندهم مع قولهم: هو جواد... ومنه قوله عزّ وجلّ: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) (٣) أي هو بخيل، ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) (٤) أي هو جواد... من غير تصوّر يد ولا غلّ ولا بسط.

قال: والتفسير بالنعمة، والتمحّل للتثنية، مِن ضيق العطن، والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام (٥) .

وقال عن آية الزمر: والغرض من هذا الكلام - إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه - تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز.

قال: وزبدة الآية وخلاصتها هي الدلالة على القدرة الباهرة، وأنّ الأفعال العظام التي تتحيّر فيها الأفهام والأذهان ولا تكتَنهها الأوهام هيّنة عليه، هواناً لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه، إلاّ إجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من

____________________

(١) الزمر: ٦٧.

(٢) الإتقان: ج٣ ص١٤٥ - ١٤٦.

(٣) المائدة: ٦٤.

(٤) المائدة: ٦٤.

(٥) الكشّاف: ج٣ ص٥٢.

٣٧٣

التخييل.

قال: ولا ترى باباً في علم البيان أدقّ ولا أرقّ ولا ألطف من هذا الباب، ولا انفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء، فإنّ أكثره وعليّته (١) تخييلات، قد زلّت فيها الأقدام قديماً، وما أتى الزالّون إلاّ من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير، حتى يعلموا أنّ في عداد العلوم الدقيقة علماً لو قدّروه حقّ قدره، لَما خفي عليهم أنّ العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه؛ إذ لا يحلّ عقدها المؤربة ولا يفكّ قيودها المكربة إلاّ هو. وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول قد ضيم وسيم الخسف بِلا تأويلات الغثّة والوجوه الرثّة؛ لأنّ مَن تأوّل ليس مِن هذا العلم في عِير ولا نفير، ولا يعرف قبيلاً منه من دبير (٢) .

* * *

ومن أنواع البديع التي تشبه الكناية: الأرادف، وهو أن يريد المتكلّم معنى فلا يُعبّر عنه بلفظه الموضوع له، ولا بدلالة الإشارة، بل بلفظ يُرادفه، كقوله تعالى: ( وَقُضِيَ الأَمْرُ ) (٣) . والأصل: وهلك مَن قضى اللهُ هلاكه، ونجا مَن قضى الله نجاته، وعدل عن لفظ ذلك إلى الأرداف؛ لِما فيه من الإيجاز والتنبيه على أنّ هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع، وقضاء مَن لا يُردّ قضاؤه يدلّ على قدرة الآمر به وقهره، وأن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يَحضّان على طاعة الآمر، ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص.

وكذا قوله: ( اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) (٤) ، حقيقة ذلك: جلست، فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى إلى مرادفه؛ لِما في الاستواء من الإشعار بجلوس متمكّن لا زيغ فيه ولا ميل، وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس.

____________________

(١) أي معظمه.

(٢) الكشّاف: ج٤ ص١٤٢ - ١٤٣.

(٣) البقرة: ٢١٠.

(٤) هود: ٤٤.

٣٧٤

وكذا قوله: ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) (١) ، أي عفيفات، وعدل عنه للدلالة على أنّهنّ مع العفّة لا تطمح أعينهنّ إلى غير أزواجهنّ، ولا يشتهينّ غيرهم، ولا يُؤخذ ذلك من لفظ العفّة.

قال بعضهم: والفرق بين الكناية والأرداف أنّ الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم، والأرداف من مذكور إلى متروك.

ومن أمثلته أيضاً: ( لِيَجْزِيَ الّذِينَ أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (٢) عدل في الجملة الأُولى عن قوله (بالسُّوأى) مع أنّ فيه مطابقة كالجملة الثانية إلى ( بِمَا عَمِلُوا ) تأدّباً أن يُضاف السوء إلى الله تعالى (٣) .

* * *

____________________

(١) الرحمن: ٥٦.

(٢) النجم: ٣١.

(٣) معترك الأقران: ج١ ص٢٨٧ - ٢٩١.

٣٧٥

١٠ - طرائف وظرائف

من روائع بدائع كلام الله المجيد:

هناك الكثير من لطائف البدائع، ترفع من شأن الكلام وتُعظم من قدره، وليست مجرّد تحسين لفظ أو تحبير عبارة، بل هي من عمود البلاغة وأُسّ الفصاحة ومن براعة البيان، وقد مُلئ القرآن من باقات زهورها وطاقات بدورها، وهي إلى الازدياد كلّما أُمعن النظر ودُقّق الفكر، أقرب منها إلى الانتهاء، وكان ينبغي التنبّه لطرائفها والتطلّع على ظرائفها، تتميماً لفوائد سبقت وتكميلاً لفرائد سلفت،كانت لا يُحصى عددها ولا ينتهي أمدها، فلله درّه من عظيم كلام وفخيم بيان، وإليك منها نماذج:

الالتفات أو التفنّن في أُسلوب الخطاب

أم هو

كرّ وفرّ وتجوال، ومداورة بعنان الكلام

بل هي

فروسة العربية وشجاعة البيان

قال ابن الأثير: هو خلاصة علم البيان التي حولها يُدَندَنُ، وإليها تستند البلاغة، وعنها يُعَنعَنُ، وحقيقته مأخوذة من التفات الإنسان يمنةً ويسرةً، فهو يُقبل بوجهه إلى جهة تارة، وإلى جهة أُخرى تارةً أُخرى، ويُسمّى أيضاً (شجاعة

٣٧٦

العربية)؛ لأنّ الشجاعة هي الإقدام، وذاك أنّ الرجل الشجاع يَركب ما لا يستطيعه غيره، ويتورّد ما لا يتورّده غيره، وكذلك الالتفات في الكلام، فإنّ اللّغة العربية - على وفرة تفانينها وسعة مفاهيمها - تحتمل هذا التجوال ما لا تحتمله غيرها من سائر اللغات (١) .

قال السكاكي: والعرب يستكثرون من الالتفات، ويرون الكلام إن انتقل من أُسلوب إلى أُسلوب كان أدخل في القبول عند السامع، وأحسن تطرية لنشاطه، وأملأ باستدرار إصغائه، قال: وأجدر بهم في هذا الصنيع، أَفتراهم يُحسنون قِرى الأضياف بتلوين الطعام، وهم أبدان وأشباح، ولا يُحسنون قِرى النفوس والأرواح بتنويع الكلام؟! والكلام كلّما ازداد طراوةً كان أشهى غذاءً للروح وأطيب قِرىً للقلوب.

قال: وهذا الوجه - وهو تطرية نشاط السامع - هو فائدة العامّة، وقد يختصّ مواقعه بلطائف معانٍ، قلّما تتّضح إلاّ لأفراد بلغائهم أو للحُذّاق في هذا الفنّ والعلماء النحارير، ومتى اختصّ موقعه بشيء من اللطائف والظرائف كساه فضلَ بهاءً ورونق ورواء، وأورث السامع زيادة هزّة ونشاط، ووجد عنده من القبول أرفع منزلة ومحل، إن كان ممّن يسمع ويعقل، وقليل مّا هم، أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون؟!

قال: ولأمر مّا وقع التباين الخارج عن الحدّ بين مفسّرٍ لكلام ربّ العزّة ومفسّر، وبين غوّاص في بحر فوائده وغوّاص.

وكل التفات وارد في القرآن الكريم، متى صِرت مِن سامعيه، عرّفك ما موقعه، وإذا أحببت أن تصير من سامعيه فأصخ ثمّ، ليُتلى عليك:

قوله تعالى: ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) .

أليس إذا أخذت في تعديد نِعَم المولى - جلّت آلاؤه - مستحضراً لتفاصيلها

____________________

(١) المَثل السائر: ج ٢ ص ١٧٠.

٣٧٧

أحسست من نفسك بحالة كأنّها تُطالبك بالإقبال على مُنعمِك، وتُزيّن لك ذلك، ولا تزال تتزايد ما دمت في تعديد نِعمه، حتى تَحملك من حيث لا تدري على أن تجدك وأنت معه في الكلام تُثني عليه وتدعو له وتقول: بأيّ لسان أشكر صنائعك الروائع، وبأيّة عبارة أحصر عوارفك الذوارف (١) ، وما جرى هذا المجرى...

وإذا وعيت ما قصصته عليك وتأمّلت الالتفات في ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) - بعد تلاوتك لما قبله ( اَلْحَمْدُ للّهِ‏ِ رَبّ الْعالَمِينَ * الرّحْمنِ الرّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدّينِ ) - على الوجه الذي يجب، وهو التأمّل القلبي، علمت ما موقعه، وكيف أصاب المَحزّ (٢) وطبّق مفصل البلاغة؛ لكونه منبّهاً على أنّ العبد المنعم عليه بتلك النِعم العظام إذا قدّر أنّه ماثل بين يدي مولاه، مِن حقّه إذا أخذ في القراءة أن تكون قراءته على وجه يجد معها من نفسه شبه محرّك إلى الإقبال على مَن يحمده، صائر في أثناء القراءة إلى حالة شبيهة بإيجاب ذلك عند ختم الصفات، مستدعية انطباقها على المُنزّل على ما هو عليه، وإلاّ لم يكن قارئاً.

والوجه: هو إذا افتتح التحميد أن يكون افتتاحه عن قلب حاضر ونفس ذاكرة، يعقل فيم هو؟ وعند مَن هو؟ فإذا انتقل من التحميد إلى الصفات، أن يكون انتقاله محذوّاً به حذوَ الافتتاح، فإنّه متى افتتح على الوجه الذي عرفت، مُجرياً على لسانه (الحمد لله) ، أَفلا يجد مُحرّكاً للإقبال على مَن يحمد، مِن معبود عظيم الشأن، حقيق بالثناء والشكر، مستحقّ للعبادة؟

ثمّ إذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله: (ربّ العالمين) واصفاً له بكونه ربّاً مالكاً للخلق، لا يخرج شيء من ملكوته وربوبيّته، أَفترى ذلك المحرّك لا يقوى؟

ثمّ إذا قال: (الرّحمن الرّحيم) فوصفه بما يُنبئ عن كونه مُنعماً على الخلق بأنواع النعم، جلائلها ودقائقها، مصيباً إيّاهم بكل معروف، أفلا تتضاعف قوّة ذلك

____________________

(١) العوارف: جمع العارفة بمعنى المعروف. والذوارف: جمع الذارفة، من الذرف بمعنى الانصباب.

(٢) الحزّ: القطع. والمَحزّ: موضع الذبح.

٣٧٨

المحرّك عند هذا؟

ثمّ إذا آل الأمر إلى خاتمة هذه الصفات، وهي (مالك يوم الدين) المنادية على كونه مالكاً للأمر كله في العاقبة يوم الحشر للثواب والعقاب، فما ظنّك بذلك المحرّك، أيسع ذهنك أن لا يصير إلى حدّ يوجب عليك الإقبال على مولى، شأن نفسك معه منذ افتتحت التحميد ما تصوّرت، فتستطيع أن لا تقول: (إيّاك، يا من هذه صفاته، نعبد ونستعين، لا غيرك) فلا ينطبق على المُنزل على ما هو عليه؟

وأخيراً قال: واعلم أنّ لطائف الاعتبارات المرفوعة لك في هذا الفن، من تلك المطامح النازحة من مقامك لا تثبتها حقّ إثباتها، ما لم تمترِ بصيرتك في الاستشراف لِما هنالك أطياء المجهود، ولم تختلف في السعي للبحث عنها وراءك كل حدّ معهود... وعلماء هذه الطبقة الناظرة بأنواع البصائر، المخصوصون بالعناية الإلهية المدلّلُون بما أُوتوا مِن الحكمة وفصل الخطاب.

على أنّ كلام ربّ العزّة - وهو قرآنه الكريم وفرقانه العظيم - لم يكتسِ تلك الطلاوة، ولا استودع تلك الحلاوة، وما أغدقت أسافله، ولا أثمرت أعاليه، وما كان بحيث يعلو ولا يُعلى، إلاّ لانصبابه في تلك القواليب، ولوروده على تلك الأساليب (١) .

وقيل - زيادة على ما مرّ -: إنّ من لطائفه التنبيه على أنّ مبتدأ الخلق الغيبة عنه سبحانه، وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته، وقيام حجاب العظمة عليهم، فإذا عرفوه بما هو أهله وتوسّلوا للقرب بالثناء عليه، وأقرّوا له بالمحامد، وتعبّدوا له بما يليق بهم، تقرّباً إلى ساحة قدسه الكريم، فعند ذلك تأهّلوا لمخاطبته ومناجاته عن حضور، فقالوا: إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين (٢) .

____________________

(١) مفتاح العلوم (آخر الفن الثاني من علم المعاني) ص ٩٥ - ٩٨.

(٢) معترك الأقران: ج ١ ص ٣٨٢.

٣٧٩

حدّ الالتفات وفائدته:

هو عند الجمهور: التعبير عنه بطريق من الطرق الثلاثة (التكلّم والخطاب والغيبة) بعد التعبير عنه بطريق آخر منها، وعمّمه السكاكي إلى كل تعبير وقع فيما حقّه التعبير بغيره، حسب ظاهر السياق، كالتعبير بالماضي في موضع كان حقّه الاستقبال أو الحال، أو وضع المضمر موضع المظهر أو العكس، ونحو ذلك ممّا يتحوّل وجه الكلام فجأةً على خلاف السياق (١) .

وفائدته العامّة هي تطرية نشاط السامع وصيانته عن المَلل والسآمة؛ لِما جُبلت النفوس على حبّ الانتقال وتصريف الأحوال، فتملّ من الاستمرار على منوال واحد من وجه الكلام... هذه هي فائدته العامّة السارية في جميع موارده، وتختصّ مواضعه، كلّ بنكتة وظريفة زائدة، يحلو بها البيان وتهشّ إليها النفوس وتستلذّها.

قال الزمخشري: وذلك على عادة افتنان العرب في كلامهم وتصرّفهم فيه؛ ولأنّ الكلام إذا نُقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظاً للإصغاء إليه، من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختصّ مواقعه بفوائد (٢) .

وتنظّر ابن الأثير في هذا التبرير، قال: لأنّ الانتقال في الكلام إذا كان لأجل تطرية نشاط السامع فإنّ ذلك يدلّ على أنّه يملّ من أسلوبه فيضطرّ إلى الانتقال إلى غيره ليجد نشاطاً للاستماع. وهذا قدح في الكلام لا وصف له؛ إذ لو كان حسناً لَما مُلّ، على أن هذا لو سُلّم لكان في مطنب مطولّ، لا في مثل الالتفاتات الواقعة في تعابير موجزة وآيات قصيرة من الذكر الحكيم.

____________________

(١) أنوار الربيع: ج ١ ص ٣٦٢، والمثل السائر لابن الأثير ج ٢ ص ١٧١.

(٢) تفسير الكشّاف: ج ١ ص ١٤.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579