تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد10%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106155 / تحميل: 10831
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

(٣٥) المولى محمد الاردبيلى

محمد بن علي الاردبيلى الغروي الحائري أصله من " اردبيل " وسكن بالنجف وكربلا طول حياته الا بعض أسفاره إلى ايران وبقائه مدة باصبهان للاستفادة من دروس علمائها.

ولد نحو سنة ١٠٥٨.

قرأ على العلامة المجلسي كثيرا من العلوم الديننية والمعارف اليقينية وخاصة كتب الاخبار، فأجازه باجازة مبسوطة في ١٧ ذي القعدة سنة ١٠٩٨.

وتتلمذ أيضا على الشيخ جعفر بن عبدالله القاضي الكمرئي، كما صرح بذلك في كتابه جامع الرواة ١/١٥٣.

له كتاب " جامع الرواة " الذي صنفه في خمس وعشرين سنة، و " تصحيح الاسانيد ".

توفي في شهر ذي القعدة سنة ١١٠١ بكربلا.

(مقدمة جامع الوراة، الفيض القدسى ص ٨٥، الكواكب المنتثرة - مخطوط، زندگينامه علامه مجلسى ٢/٨٧)

١٢١

[٥٢] بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله خيرة الورى.

أما بعد، فقد قرأ علي وسمع مني المولى الفاضل الكامل الصالح الفالح التقي النقي المتوقد الزكي الالمعي مولانا حاجى محمد الاردبيلي وفقه الله تعالى للعروج على أعلى مدارج الكمال في العلم والعمل وصانه عن الخطأ والخطل، كثيرا من العلوم الدينية والمعارف اليقينية، لاسيما كتب الاخبار المأثورة عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم أجمعين، ثم استجازني فاستخرت الله سبحانه وأجزت له أن يروي عني كل ما صحت لي روايته وجازت لي اجازته مما صنف في الاسلام من مؤلفات الخاص والعام في فنون العلوم من التفسير والحديث والدعاء والكلام والاصول والفقه والتجويد والمنطق والصرف والنحو واللغة والمعاني والبيان، بحق روايتي واجازتي عن مشايخي الكرام وأسلافي الفخام رضوان الله عليهم.

ولما كان طرقي إلى مؤلفيها جمة لاتحصى أثبت له هنا ما هو عندي أوثق وأقوى: (فمن ذلك) ما أخبرني به عدة من الافاضل الكرام وجماعة من العلماء الاعلام ممن قرأت عليهم أو سمعت منهم أو استجزت منهم، منهم والدي العلامة، وشيخه الافضل الاكمل مولانا حسن علي التستري، وسيد الحكماء المتألهين الامير، رفيع

١٢٢

الدين محمد بن الامير حيدر الحسيني الحسني الطباطبائي النائيني، والسيد البارع الفاضل الزكي الامير محمد قاسم بن الامير محمد الطباطبائي القهبائي، والفاضل الكامل الرضي الزكي مولانا محمد شريف الرويدشتى - أفاض الله على مراقدهم الزكية شآبيب الرحمة والغفران.

بحق روايتهم واجازتهم عن شيخ الاسلام والمسلمين بهاء الملة والحق والدين محمد العاملي قدس الله روحه، عن والده الفقيه النبيه عزالدين الحسين بن عبدالصمد الحارثي نور الله ضريحه، عن الشيخ الاعلم الاعظم السعيد الشهيد زين الملة والدين ابن علي بن احمد الشامي رفع الله درجته، عن شيخه الاجل نور الدين علي بن عبدالعالي الميسىرحمه‌الله ، عن الشيخ شمس الدين محمد بن المؤذن الجزينىقدس‌سره ، عن الشيخ الاكمل ضياء الدين علي روح الله روحه، عن والده السعيد الشهيد العلامة أفقه الفقهاء المتبحرين شمس الدين محمد بن مكي حشره الله مع الشهداء الاولين، عن الشيخ المدقق الفهامة فخرالدين أبى طالب محمد نور الله مرقده، عن والده العلامة المشتهر في الافاق جمال الملة والحق والدين الحسن بن يوسف ابن المطهر الحلي نور الله ضريحه، عن شيخه المحقق السعيد السديد نجم الملة والدين ابى القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد قدس الله نفسه، عن السيد الجليل النسابة شمس الدين فخار بن معد الموسوي طهر الله رمسه، عن الشيخ الجليل النبيل ابى الفضل شاذان بن جبرئيل القمي برد الله مضجعه، عن الشيخ الفقيه العماد ابى جعفر محمد بن ابى القاسم الطبري قدس الله سره، عن الشيخ الانجب الاكرم ذي المكارم والمنن ابى علي الحسن رحمة الله تعالى عليه، عن والده الاجل شيخ الطائفة المحقة ومعاذها وملاذها في جميع الاعصار والامصار حشره الله مع مواليه الاخيار، عن الشيخ المحقق المدقق السديد المفيد محمد بن محمد بن النعمان

١٢٣

طيب الله تربته، عن الشيخ الثقة إلى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه طاب ثراه، عن الشيخ التمام ثقة الاسلام المقبول بين الخاص والعام ابى جعفر محمد بن يعقوب الكليني شكر الله مساعيه في الاسلام.

وبالاسناد المتقدم عن الشيخ المفيد قدس الله روحه الزكية، عن الشيخ الفقيه رئيس المحدثين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القميرضي‌الله‌عنه .

(ومنها) ما أخبرني به العدة المتقدم ذكرهم قدس الله أرواحهم بحق روايتهم عن شيخهم العالم العابد الزاهد المدقق الرضي التقي المولى عبدالله بن الحسين التستري روح الله روحه، عن شيخه الجليل النبيل نعمة الله بن احمد بن محمد ابن خاتون العاملي، عن أبيه النبيه احمد، عن جده الامجد محمد رحمة الله عليهم عن الشيخ جمال الدين احمد بن الحاجي علي العيناثي، عن زين الدين، جعفر بن الحسام، عن السيد الاجل الحسن بن أيوب الشهير بابن نجم الدين، عن أفضل العلماء المتورعين الشيخ السعيد الشهيد محمد بن مكي قدس الله أسرارهم - إلى آخر مازبر في اجازته المشهورة وسائر اجازات من تأخر عنه من الافاضل الكرام.

(ومنها) ما أخبرني به السيد الحسيب النسيب الفاضل الكامل الامير شرف الدين علي بن حجة الله الحسني الحسيني الشولستاني المجاور بالمشهد المقدس الغروي حيا وميتاقدس‌سره في ذلك المشهد الشريف في داره، اجازة عن السيد الاجل الامير فيض الله بن الامير عبدالقاهر الحسيني التفرشي قدس الله روحهما، عن شيخه المدقق الفهامة الشيخ محمد، عن والده العلامة أفقه الفقهاء المتأخرين الشيخ حسن بن الشهيد الثاني، عن والده المعظم نور الله ضرائحهم.

وعن جماعة من الافاضل، منهم السيد شرف الدين علي، عن قدوة العلماء المتبحرين السيد السند ميرزا محمد بن الامير علي الاسترابادي، عن الشيخ السعيد

١٢٤

الرضي ابراهيم بن علي بن عبدالعالي الميسي، عن والده العلامة برد الله مضجعهم - إلى آخر السند المذكور.

(ومنها) ما أخبرني عدة من الثقات والافاضل عن السيد الامجد السيد نور الدين علي بن علي بن الحسين بن ابى الحسن الموسوي العاملي المجاور لبيت الله الحرام حيا وميتا طيب الله تربته، وقد كان أجاز لي هذا السيدقدس‌سره بالمراسلة مع الشيخ الثقة علي بن السندي البحراني، عن شيخيه العالمين العاملين جمال الدين ابى منصور الحسن بن الشهيد الثاني والسيد شمس الدين محمد بن علي الحسيني الشهير بابن ابى الحسن قدس الله أسرارهم، بحق روايتهما عن السيد علي بن ابى الحسن والشيخ عزالدين الحسين بن عبدالصمد الحارثي والسيد العابد الزاهد علي بن السيد فخر الدين الهاشميرضي‌الله‌عنهم ، بحق رواية الجميع عن العالم الرباني الشهيد الثاني طيب الله روحه.

(ومنها) ما أخبرني العدة المتقدم ذكرهم أولا نور الله تربتهم، عن المولى الجليل مولانا عبدالله التستري، عن شيخه الاعلم الاكمل الاورع الصفي الزكي مولانا احمد بن محمد الاردبيلي حشرهما الله مع مواليهما، عن السيد علي بن الصائغرحمه‌الله ، عن الشهيد الثاني أعلى الله مقامه.

(ومنها) ما أخبرني به الشيخ الثقة عبدالله بن الشيخ جابر العاملي، عن جد والدي من قبل أمه الشيخ الفاضل المحدث مولانا درويش محمد بن الشيخ حسن برد الله مضاجعهم، عن العالم المدقق النحرير مروج مذهب الامامية الحبر العلامة نور الدين علي بن عبدالعالي الكركي شكر الله سعيه وجزاه عن أهل الايمان خير الجزاء، عن الشيخ نور الدين علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ العارف جمال الدين أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخين الجليلين علي بن الخازن الحائري والشيخ علي

١٢٥

ابن عبدالحميد النيلي، عن الشيخ الشهيد السعيد محمد بن مكي حشرهم الله مع الائمة الطاهرين.

وطرقي إلى الكتب المشهورة كثيرة، أوردت جلها في الخامس والعشرين من كتاب " بحار الانوار ".

فليرو دام تأييده كل ما علم أنه من مقروء‌اتي أو مسموعاتي أو مجازاتي بتلك الاسانيد وغيرها وجميع مؤلفات مشايخى المتقدم ذكرهم عني عنهم، لاسيما مؤلفات والدي طيب الله لطيفه من شرحي الفقيه وكتاب حديقة المتقين وغيرها.

وليرو عني كلما أفرغته في قالب التصنيف أو نظمته في سلك التأليف، خصوصا كتاب " بحار الانوار " المشتمل على جل أخبار الائمة الاطهار وشرحها، وكتاب " الفرائد الطريفة في شرح الصحيفة الشريفة "، وكتاب " مرآة العقول " شرح الكافي، وكتاب " ملاذ الاخيار لشرح تهذيب الاخبار "، وكتاب " شرح الاربعين "، وكتاب " عين الحياة "، وكتاب " حلية المتقين "، وكتاب " تحفة الزائر "، وكتاب " جلاء العيون "، و " ترجمة توحيد المفضل "، و " ترجمة وصية أمير المؤمنين صلوات الله عليه للاشتر "، و " ترجمة خطبة التوحيد للرضاعليه‌السلام "، و " ترجمة أعمالهعليه‌السلام في طريق خراسان " و " ترجمة دعاء المباهلة "، و " ترجمة دعاء كميل بن زياد "، و " ترجمة دعاء الجوشن "، و " رسالة العقائد "، و " رسالة الشك والسهو "، و " رسالة الاوزان "، و " رسالة الاختيارات "، و " رسالة عقود النكاح "، وسائر مؤلفاتي ورسائلي وأجوبة مسائلي.

وأخذت عليه ما أخذ علي من ملازمة التقوى واتباع ائمة الهدى صلوات الله عليهم، وبذل الجهد في نشر آثارهم وترويج أخبارهم، فانها العروة الوثقى في هذا الزمان بعد كتاب الله تعالى.

كل ذلك خالصا لوجه الله تعالى من غير رياء أو

١٢٦

مراء، أعاذنا الله وسائر المؤمنين منهما.

وألتمس منه أن لاينساني من خالص دعواته في أعقاب صلواته ومظان اجابة دعواته.

كتب بيمينة الجانية الفانية أفقر العباد إلى عفو ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي عفى الله عن جرائمهما، في سابع عشر شهر ذي القعدة الحرام من سنة ثمان وتسعين بعد الالف الهجرية، حامدا مصليا مسلما.

(جامع الرواة ٢ / ٥٤٩)

١٢٧

(٣٦) مولانا رفيع الدين محمد الجيلانى

محمد بن فرج الجيلاني المعروف بملا رفيعا،، رفيع الدين علامة جامع للفنون متبحر في مختلف العلوم أديب شاعر، أصله من جيلان وجاور مشهد الرضاعليه‌السلام ، وكان مدرسا مشهورا به اماما للجمعة والجماعة.

من تلامذة العلامة المجلسي وجمال الدين محمد الخوانساري والشيخ جعفر القاضي الكمرئى، وله منهم اجازة الحديث، واجازة المجلسي له بتارخ سابع ذي الحجة سنة ١٠٨٧.

تتلمذ عليه وروى عنه جماعة من أعلام العلماء كالشيخ يوسف البحراني والسيد عبدالله بن نور الدين الجزائري والشيخ حسين بن محمد البارباري.

له مؤلفات كثيرة منها " شرح نهج البلاعة " و " اصل الاصول في حاشية معالم " الاصول " و " كشف المدارك " و " شواهد الاسلام ".

توفي نحو سنة ١١٦٠ بعد عمر طويل ناهز المائة سنة.

(الفيض القدسى ص ٨٩، نجوم السماء ص ٢٣٢، الكواكب المنتثرة - خ، زندگينامه علامه مجلسى ٢ / ٣٢)

١٢٨

١٢٩

[٥٣] بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله الذي جعل لنا من المتقين أئمة وأعلاما، وبين لنا في الدين بهم حكما وأحكاما، وطرق لنا اليهم بالروايات والاجازات طرقا لائحة نسير فيها بأقدام اليقين من الشبه آمنين ليالي وأياما، والصلاة على من رفعه الله من الثرى إلى قاب قوسين أو أدنى تعظيما واكراما، محمد وأهل بيته الاطهرين الذين جعلهم الله للمتقين اماما.

أما بعد: فيقول الفقير إلى عفو ربه الغافر محمد بن محمد تقي المدعو بباقر أوتيا كتابهما يمينا وحوسبا حسابا يسيرا: اني لما شرفت برهة من الزمان بصحبة المولى الاولى الفاضل الكامل الصالح الناصح المتبحر النحرير المتوقد الذكي الالمعي خلاصة الفضلاء وزبدة الاذكياء جامع فنون العلم وأصناف الكمالات حائز قصبات السبق في مضامير السعادات سالك مسالك الخير والتقى مجتنب مهاوي الغي والردى، أعني الاخ في الله الرضى المرضي مولانا رفيع الدين محمد الجيلي، أدام الله تعالى بركات افاداته وزاد الله في افاضاته عليه وهداياته، واستفدت من نتائج أفكاره وانتفعت من غرائب أنظاره وفاوضته في فنون العلوم العقلية والنقلية وجاربته..

١٣٠

المؤمنين منهما، وألتمس منه أن لاينساني في حياتي وبعد وفاتي وجميع مشايخي عند خالص دعواته وأعقاب صلواته.

وكتب بيمناه الوازرة الداثرة في بلدة اصبهان حرسه الله من طوارق الحدثان، في سابع شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة سبع وثمانين بعد الالف الهجرية.

والحمدلله أولا وآخرا، وصلى الله على فخر المرسلين محمد وعترته المقدسين المطهرين.

(في مجموعة من كتاب " گنجينه خطوط " ص ٦٦٧)

١٣١

(٣٧) مولانا محمد بن لاچين

محمد بن لاچين قرأ على العلامة المجلسي كتاب " الكافي " فكتب له انهاء‌ا في آخر الاصول منه في الحادي عشر من شهر جمادي الاخرة سنة ١٠٩٢.

١٣٢

١٣٣

[٥٤] بسم الله الرحمن الرحيم أنهاه المولى الاولى الفاضل الصالح المتوقد الذكي الالمعي مولانا محمد بن الفاضل المغفور المبرور مولانا لاچين وفقه الله تعالى لما يحب ويرضى، سماعا وتصحيحا وتدقيقا وضبطا في مجالس عديدة آخرها حادي عشر شهر جمادى الاخرة من شهور سنة الثنتين وتسعين بعد الالف الهجرية.

فأجزت له دام تأييده أن يروي عني هذا الكتاب بجميع أبوابه وسائر كتب الحديث، لاسيما الكتب الاربعة التي عليها المدار في تلك الاعصار بأسانيدي المتكثرة المتصلة إلى مؤلفيها رضوان الله عليهم مراعيا لشرائط الرواية طالبا أقصى مدارج الفهم والدراية داعيا لي ولمشايخى في مآن الاجابة.

وكتب بيمناه الجانية الفانية أفقر العباد إلى عفو ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي عفى الله عن جرائمهما.

والحمدلله أولا وآخرا، وصلى الله على فخر المرسلين وخاتم النبيين محمد وأهل بيته الاقدسين الاكرمين.

(آخر الاصول من " الكافى " في مكتبة السيد الوزيرى بيزد - رقم ٣٠٨١)

١٣٤

(٣٨) الامير بهاء الدين محمد المختارى

محمد بن محمد باقر بن محمد (شمس الدين) بن عبدالرضا الحسينى العبيد لي المختاري السبزواري النائينى، بهاء الدين من أعلام العلماء العظام، موصوف بأنه كان من العلماء والاعيان والفقهاء الاركان أديبا حكيما متكلما.

ولد باصبهان نحو سنة ١٠٨٠.

قرأ على العلامة المجلسي سنين طويلة واستفاد منه شطرا وافيا في العلوم الدينية والمعارف اليقينية، ثم كتب في أول المجلد الاول من كتاب " مرآة العقول " رسالة أدبية ممتازة إلى أستاذه طالبا منه الاجازه فأجازه في شهر رجب سنة ١١٠٤.

كما أنه قرأ على بهاء الدين محمد بن الحسن الاصبهاني المعروف بالفاضل الهندي من الاصول الحديثية الاربعة ما استغني به، ثم استجازه ضمن رسالة أدبية جاء في نفس النسخة السابقة فأجازه في ١٩ ذي الحجة سنة ١١٠٤.

وله اجازة الحديث ايضا من الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي.

له اكثر من ستين مؤلفا، منها " شرح الزيارة الجامعة الكبيرة " و " زواهر الجواهر في نوادر الزواجر " و " شرح بداية الهداية " و " الفوائد البهية في شرح

١٣٥

الصمدية " و " أمان الايمان من أخطار الاذهان " و " حدائق المعارف في طرائق المعارف ".

توفي بعد سنة ١١٣١ التى فرغ فيها من رسالة له في المواريث، واحتمل بعض أن يكون قبره في قرية " شيخ چوپان " من قرى " فريدن " من توابع مدينة اصبهان.

(روضات الجنات ٧ / ١٢١، نجوم السماء ص ٢٢٨، الكواكب المنتثرة - مخطوط)

١٣٦

[٥٥] بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله خيرة الورى وأعلام الهدى.

أما بعد: فان السيد الايد الفاضل الكامل الحسيب النجيب اللبيب الاديب الاريب الصالح الفالح الناجح الرابح التقي الذكي الالمعي اللوذعي الامير بهاء الدين محمد الحسينى وفقه الله تعالى للعروج على أعلى مدارج الكمال في العلم والعمل وصانه عن الخطأ والخطل والزلل قد قرأ علي وسمع مني شطرا وافيا من العلوم الدينية والمعارف اليقينية على غاية التدقيق والتحقيق والاتقان والايقان.

ثم استجازني تأسيا بأسلافنا الصالحين، فاستخرت الله سبحانه وأجزت له أن يروي عني كل ما صحت لي روايته وجازت لي اجازته من مؤلفات أصحابنا رضوان الله عليهم في فنون العلوم العقلية والنقلية والادبية من التفسير والحديث والدعاء والفقه والاصولين والتجويد والرجال وغيرها مما له مدخل في تحصيل العلوم الدينية، لاسيما ما اشتمل عليه فهرس كتاب " بحار الانوار " واجازات الشهيدين والعلامة والشيخ حسن قدس الله أرواحهم، بطرقي المتعددة المتكثرة التى أوردت بعضها في مفتتح

١٣٧

شرح الاربعين وجلها في آخر مجلدات الكتاب الكبير.

وبالجملة أبحت له أن يروي عني كلما علم أنه داخل في مقرواتي أو مسموعاتي أو مجازاتي بطرقي التى أشرت اليها، وكذا أجزت له أن يروي عني مؤلفات والدي العلامة رفع الله مقامه وكل ما أفرغته في قالب التصنيف أو نظمته في سلك التأليف آخذا عليه ما أخذ علي من ملازمة التقوى واتباع آثار أئمة الهدى صلوات الله عليهم وبذل الجهد في ترويج أخبارهم ونشر آثارهم، ومراقبة الله في السر والاعلان وسلوك سبيل الاحتياط في النقل والفتوى فان المفتي على شفير النيران، وملتمسا منه أن لاينساني في مآن اجابة الدعوات، ويدعو لي ولمشايخي بحط السيئات ورفع الدرجات.

وكتب بيمينه الوازرة الداثرة أحقر العباد إلى عفو ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي عفى الله عن جرائمهما في شهر رجب الاصب من سنة أربع ومائة بعد الالف الهجرية.

والحمدلله أولا وآخرا والصلاة على سيد المرسلين محمد وعترته الاكرمين الاطهرين الانجبين.

خمتمه البيضوى " محمد باقر العلوم " (بداية نسخة من المجلد الاول من كتاب " مرآة العقول " في المكتبة الرضوية بالمشهد - رقم ٧٩٣٣)

١٣٨

(٣٩) الامير السيد محمد الخلخالى

محمد بن محمد قاسم بن محمد الحسينى (الحسني) الخلخالي قرأ على العلامة المجلسي جملة من كتب الحديث والفقه والدعاء وغيرها.

كتب نسخة من المجلد الاول من كتاب " بحار الانوار " وأتمه في ١٨ شعبان سنة ١٠٨٧ وكتب عليه تعاليق دالة على فضله وعلمه، ثم قرأه على المجلسي فكتب له انهاء‌ا في ١٣ ربيع الاول ١٠٨٨.

وكتب أيضا كتاب " من لايحضره الفقيه " ثم قابله على نسختي العلامة المجلسي ووالده المولى محمد تقي المجلسي، وقرأه على المجلسي فأجازه في آخره بتاريخ غرة جمادى الاولى سنة ١٠٨٨.

(الكواكب المنتثرة - مخطوط، زندگينا علامه مجلسى ٢ / ٨٩)

١٣٩

[٥٦] بسم الله الرحمن الرحيم أنهاه السيد الايد الفاضل الكامل التقي الذكى الامير سيد محمد الحسينى الخلخالي أيده الله تعالى قراء‌ة وتصحيحا وتدقيقا وضبطا في مجالس عديدة [آخرها] ثالث عشر ربيع الاول من شهور سنة ثمان [وثمانين] بعد الالف الهجرية.

فأجزت له زيد توفيقه [أن] يروي عني من مؤلفاتي وغيرها و [آخذ عليه] ما أخذ علي من الاحتياط في النقل [والفتوى]، وألتمس منه أن لاينساني في حياتي وبعد وفاتي.

وكتب [..].

(آخر المجلد الاول من كتاب " بحار الانوار " من كتب السيد المشكاة المهداة إلى المكتبة المركزية بجامعة طهران - رقم ٥٢٧)

[٥٧] بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله خيرة الورى.

أما بعد:

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

على أنّهم قد يتعقّبون آراء الفريق الأَوّل (القائل باستمرار التحدّي والإعجاز الشامل) بالنقد، فيُعلّقون على قولهم: (إنّ هذا النوع مِن المعارف التي جاءت في سياق بيان آيات الله وحكمه كانت مجهولة للعرب أو لجميع البشر في الغالب، حتى أنّ المسلمين أنفسهم كانوا يتأوّلونها ويخرّجونها عن ظواهرها لتوافق المعروف عندهم في كلّ عصر مِن ظواهر وتقاليد أو مِن نظريّات العلوم والفنون الباطلة...) (١) ...

يُعلّقون على هذا القول، بأنّ المسلمين الذين لم يعرفوا أنّ قرآنهم جاء مؤيّداً لحقائق العلوم - التي لم يُوفّق إليها العلماء إلاّ بعد أربعة عشر قرناً - قد حَسُن إيمانهم بالقرآن، وحسُن انتفاعهم بأحكامه وآياته، فنشروا نوره وأقاموا دولته ونفّذوا أوامره وانتهوا بنواهيه وتأدّبوا بآدابه، في حين أنّ الذين يعرضون الآن علمهم وذكاءهم وقدرتهم على استنباط ما يتّفق مِن آيات القرآن مع العلم الحديث هم أقلّ الأجيال المسلمة تأثّراً بهذا القرآن في شؤون دينهم ودنياهم (٢) .

* * *

يبدو أنّ الذي دعا بالقائل بعدم الشمول واقتصار التحدّي على العرب الأوائل وفي جانب بيانه فقط هي نظرته القاصرة على آيات وقع التحدّي فيها مُوجّهاً إلى العرب بالذات، ولا شكّ أنّ تحديّاً موجَّهاً إلى العرب يومذاك لا يعني سوى جانب البيان الذي فاق أساليب العرب وأعجزهم عن أن يأتوا بمثله.

غير أنّ تحدّي القرآن لم يقتصر على فترة مِن الزمان ولا على أُمّة مِن الناس دون مَن سواهم، فنراه وجّه نداءه الصارخ إلى البشرية جمعاء في طول الزمان وعرضه، ولكلّ الأجيال ومختلف الأقوام، وما شأنه ذلك لا يعقل اقتصاره على جانب الفصاحة والبيان؛ إذ ليس كلّ الناس عرباً ولا كلّ العرب فصحاء... فلابدّ أنّ في القرآن شيئاً هو الذي تُحُدِّيَ به تحدّياً على وجه العموم، ومِن ثَمّ كان بمجموع

____________________

(١) راجع تفسير المنار: ج١ ص٢١٢.

(٢) التفسير العلمي للقرآن: ص١٣٣ - ١٣٤.

٤٦١

الكتاب، لا بسورة واحدة أو آية أو آيات بالذات (١) .

قال تعالى: ( قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنّ عَلَى‏ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (٢) .

فهذا تحدّ عامّ وقع مُوجّهاً إلى كافّة الأنام، سواء مَن عاصر نزول القرآن أو سائر الأيّام.

* * *

وبعد، فإليك بعض ما وصلت إليه أفهام البشرية حسب ما وصلت إليه مِن العلوم الطبيعة المقطوع بها تقريباً، وكان ذلك دليلاً على معجزة القرآن الخارقة للعادة في يوم كان سرّ هذه العلوم والآراء النظرية، مكتوماً على البشرية يومذاك، وأصبح اليوم مكشوفاً، وسيُكتشف حسب مرّ الأيّام.

____________________

(١) ذهب الشيخ محمد الطاهر بن عاشور إلى أنّ الإعجاز العلمي حاصل بمجموع القرآن، وهو إعجاز حاصل من القرآن، وغير واقع به التحدّي إلاّ إشارة (هامش التفسير العلمي: ١٣٣/١).

(٢) الإسراء: ٨٨.

٤٦٢

الماءُ أصلُ الحياة

( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) (١)

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (كلّ شيء خُلق مِن الماء) (٢) .

تدلّنا النصوص الشرعية الصادرة عن منابع الوحي على أنّ الماء هو أَوّل ما خَلق الله مِن الجسمانيات، فقد روى الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن جابر ابن يزيد الجعفي (تابعيّ ثقة صدوق: ١٢٨) أنّ رجلاً مِن علماء أهل الشام جاء إلى أبي جعفر الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) وقدّم إليه أسئلة زعم أنّه قدّمها إلى سائر أصناف الناس فاختلفوا ولم يَتَبين وجه الصواب، فمِن ذلك سؤاله عن بدء الخِلقة، فكان فيما أجابه الإمام (عليه السلام) قوله: (فأوّل شيء خَلَقه مِن خَلْقه الشيء الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء) (٣) .

وهكذا رواه ثقة الإسلام الكليني في روضة الكافي، قال (عليه السلام): (وخَلَق الشيء

____________________

(١) الأنبياء: ٣٠.

(٢) بحار الأنوار: كتاب السماء والعالم ج٥٤ ص٢٠٨ رقم ١٧٠، وراجع الدرّ المنثور: ج٤ ص٣١٧.

(٣) بحار الأنوار: ج٥٤ ص٦٧ رقم ٤٤ عن كتاب التوحيد ص٦٧ رقم ٢٠ باب التوحيد.

٤٦٣

الذي جَميع الأشياء منه، وهو الماء الذي خلق الأشياء منه، فجعل نسب كل شيء إلى الماء، ولم يَجعل للماء نسباً يُضاف إليه) (١) .

وأيضا بإسناده عن محمّد بن مسلم (الثقة الجليل) عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام): (كان كلّ شيء ماءً، وكان عرشه على الماء) (٢) .

* * *

وفي قوله تعالى: ( وَهُوَ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) (٣) ، دلالة على أنّ الماء وُجد قبل أن تُوجد عوالم الكون مِن سماء وأرض؛ لأنّ العرش كناية عن عرش التدبير، وهو عِلمه تعالى بمصالح الوجود على الإطلاق، فإذ لم يكن سوى الماء، فإنّ عرشه تعالى لم يكن مستوياً على شيء سوى الماء، فالآية كناية عن أنّه تعالى كان ولم يكن معه شيء، سوى أنّه خلق الماء قبل أن يخلق سائر الموجودات.

* * *

وفي القرآن الكريم أيضاً مواضع تُشير إلى أنّ أصل الحياة مِن الماء، في نشأتها وتكوينها وظهورها في عالم الوجود، قال تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) (٤) وقال ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) (٥) ، وقال في خصوص الإنسان بالذات: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً ) (٦) .

اختلف أهل التفسير في المراد مِن هذا الماء الذي هو نشأة الحياة.

قال الإمام الرازي: ذكروا في هذا الماء قولين: (أحدهما) أنّه الماء الذي خلق منه أُصول الحيوان، وهو الذي عناه بقوله: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) ، (والثاني)

____________________

(١) الكافي: ج٨ ص٩٤ رقم ٦٧، البحار: ج٥٤ ص٩٧ رقم ٨١.

(٢) الكافي ٦ ج٨ ص٩٥ رقم ٦٨ وص١٥٣ رقم ١٤٢، البحار: ج٥٤ ص٩٨ رقم ٨٢.

(٣) هود: ٧.

(٤) الأنبياء: ٣٠.

(٥) النور: ٤٥.

(٦) الفرقان: ٥٤.

٤٦٤

أنّ المراد النطفة، لقوله: ( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ) (١) ، ( مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) (٢) (٣) .

وقال - في قوله تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) -: في ذلك وجوه:

(الأَوّل) - وهو أحسنها - ما قاله القفّال: إنّ قوله (من ماء) صلة (كلّ دابة) ، وليس مِن صلة (خلق) ، والمعنى: أنّ كلّ دابة متكوّنة مِن الماء - أي متولّدة مِن انعقاد النطفة - فهي مخلوقة لله تعالى.

(الثاني) : أنّ أصل جميع المخلوقات مِن الماء؛ لأنّ الماء هو الأصل الأوّل الذي خَلَقه الله، كما ورد في الحديث: أَوّل ما خَلق الله الماء.

(الثالث) : أنّها متولّدة مِن النطفة، أو لأنّها لا تعيش إلاّ بالماء (٤) .

* * *

ولكنّ المحقّقين مِن أهل التفسير لم يزالوا على القول بأنّ المراد مِن هذا الماء هو الذي منه أصل جميع المخلوقات، فإنّ مِن الماء نَشَأة الحياة وبذرت بذرتها الأُولى، بشكل حيوان بسيط ذي خليّة واحدة (الأميبا) (٥) وارتقت إلى حيوانات معقّدة الأعضاء ذوات الخلايا العديدة، فوق الملايين.

أمّا وكيف وُجدت أَوّل ما وُجدت الحياة - في المياه: البحار والبحيرات والمستنقعات -؟ فهذا ممّا لم يجد له العلم إجابةً صحيحة صالحة للقبول على مسرح العلوم التجريبية المجرّدة.

ومِن ثَمّ فإنّ نظرية التطوّر في الحياة - على أنحائها وأشكالها - إنّما تبتدئ مِن عصر ما بعد الخليّة، أمّا عصر ما قبلها فمجهول، سوى أنّه أمرٌ تحقّق بإرادة الله المهيمن على مقدّرات هذا الكون، الأمر الذي لا محيص عن الإذعان به ما دام

____________________

(١) الطارق: ٦.

(٢) المرسلات: ٢٠.

(٣) التفسير الكبير: ج٢٤ ص١٠١.

(٤) التفسير الكبير: ج٢٤ ص١٦.

(٥) قد بسط الأُستاذ الطنطاوي الكلام حول هذا الحيوان (ذي الخليّة الواحدة) في تفسيره الجواهر (ج١٢ ص٢٢٦) عند قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً ) .

ولشيخنا الأُستاذ محمّد تقي الفلسفي أيضاً مقال لطيف حول مسألة الحياة، بَحث فيه على ضوء الآراء الحديثة عن الحياة ونشأتها وتطوّرها، على أُسلوبه الشيّق، فراجع تفسيره لآية الكرسي: ص٣٩ - ٩٨.

٤٦٥

التسلسل باطلاً وكان التولّد الذاتي مستحيلاً، وقد أَبطله العلم على أساس التجربة أيضاً.

* * *

قال سيّدنا الأُستاذ الطباطبائي (قدس سرّه) - عند قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) -: والمراد أنّ للماء دخلاً تامّاً في وجود ذوي الحياة، كما قاله: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) ، قال: وفي ظلّ البحوث العلمية الحديثة ظهرت صلة الحياة بالماء (١) معجزة قرآنية خالدة.

* * *

قال سيّد قطب: وأمّا قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) فيُقرّر حقيقةً خطيرة يَعدّ العلماء كشفَها وتقريرها أمراً عظيماً، ويُمجّدون (دارون) لاهتدائه إليها! وتقريره: أنّ الماء هو مَهد الحياة الأَوّل.

وهي حقيقة تُثير الانتباه حقاً، وإن كان ورودها في القرآن الكريم لا يُثير العَجب في نفوسنا، ولا يزيدنا يقيناً بصدق هذا القرآن، فنحن نستمدّ الاعتقاد بصدقه المطلق، في كلّ ما يُقرّره، مِن إيماننا بأنّه مِن عند الله، لا مِن موافقة النظريات أو الكشوف العلمية له، وأقصى ما يقال هنا كذلك: إنّ نظرية النشوء والارتقاء لدارون وجماعته لا تعارض مفهوم النصّ القرآني في هذه النقطة بالذات.

ومنذ أكثر مِن ثلاثة عشر قرناً كان القرآن الكريم يُوجّه أنظار الكفّار إلى عجائب صُنع الله في الكون، ويستنكر أن لا يؤمنوا بها وهم يرونها مبثوثة في الوجود (أفلا يؤمنون؟) وكلّ ما حولهم في الكون يقود إلى الإيمان بالخالق المدبّر الحكيم (٢) .

وقال أيضاً - عند قوله تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) -: وهذه الحقيقة

____________________

(١) تفسير الميزان: ج١٤ ص٣٠٥.

(٢) في ظِلال القرآن: ج٥ ص٥٣١.

٤٦٦

الضخمة التي يعرضها القرآن بهذه البساطة - حقيقة أنّ كل دابّة خُلقت مِن ماء - قد تعني وحدة العنصر الأساسي في تركيب الأحياء جميعاً، وهو الماء، وقد تعني ما يُحاول العلم الحديث أن يُثبته مِن أنّ الحياة خرجت مِن البحر ونشأت أصلاً في الماء، ثمّ تنوّعت الأنواع، وتفرّعت الأجناس.

ولكنّنا نحن - على طريقتنا في عدم تعليق الحقائق القرآنية الثابتة على النظريات العلمية القابلة للتعديل والتبديل - لا نزيد على هذه الإشارة شيئاً، مكتفين بإثبات الحقيقة القرآنية، وهي أنّ الله خَلق الأحياء كلّها مِن الماء فهي ذات أصل واحد، ثمّ هي - كما ترى العين - متنوّعة الأشكال منها الزواحف تمشي على بطنها، ومنها الإنسان والطير يمشي على قدمين، ومنها الحيوان يدبّ على أربع، كلّ ذلك وِفق سنّة الله ومشيئته، لا عن فلتة ولا مصادفة، فالنواميس والسُنن التي تعمل في الكون قد اقتضتها مشيئة الله الطليقة ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) .

* * *

____________________

(١) في ظلال القرآن: ج٦ ص١١١.

٤٦٧

منشأ تكوين الجنين

( فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَائِبِ ) (١) .

الدِفق: الدفع بشدّة، والدافق هنا بمعنى المدفوق، وقد شاع هذا الاستعمال عند العرب ولا سيّما عند أهل الحجاز، قال الفرّاء: أهل الحجاز أفعل لهذا مِن غيرهم أن يجعلوا المفعول فاعلاً إذا كان في مذهب نعت، كقول العرب: هذا سرٌّ كاتم، وهمٌّ ناصب، وليلٌ نائم، وعيشةٌ راضية، قال: وأعان على ذلك أنّها تُوافق رؤوس الآيات التي هي معهنّ (٢) .

والصُلب: العمود الفقري الممتدّ مِن الكاهل حتى العَجْب.

والترائب: جمع تريب وتريبة، أُطلق على عظام متساوية الأطراف ومترادفة التركيب في هيكل الإنسان العظمي، منها الضلوع الكائنة بين الثديين، ومنها العظم الناتئ بين الحاجبين فوق العينين، ومنها العظم المنحني المتساوي الطرفين الكائن بين أُصول الفخذين فوق العانة كما نُقل عن الضحّاك - فيما رواه ابن كثير - قال: الترائب بين الثديين والرجلين والعينين (٣) .

____________________

(١) الطارق: ٧.

(٢) معاني القرآن: ج٣ ص٢٥٥.

(٣) تفسير ابن كثير: ج٤ ص٤٩٨.

٤٦٨

وأصله مِن (تِرب) بمعنى تساوي الشيئين، وهو أصل في اللغة، كما قال أحمد ابن فارس (١) ، ومنه الأتراب - جمع التِرب - بمعنى الخِدن، ومنه التريب أي الصدر عند تساوي رؤوس عظامه، ومنه التربات وهي الأنامل لتساوي أطرافها، والواحدة تِربة.

قوله: ( يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَائِبِ ) أي صُلب الرجل وترائبه؛ لأنّ الوَلد إنّما يتكوّن مِن ماء الرجل، أي نطفته لا غير كما قال تعالى: ( خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ ) (٢) والنطفة ماء الرجل ومنيّه يُنزله بشهوة ودِفق، صرّح بذلك أهل اللغة. والأصل: سلالة الماء وزلاله، والأكثر استعماله في النَزر منه؛ وبذلك خُصّ إطلاقه على منيّ الرجل.

قال الراغب: النطفة الماء الصافي، ويُعبّر عن ماء الرجل.

وفي قوله تعالى: ( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ) (٣) ، وقوله: ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ) (٤) تصريحُ بأنّه مخلوقٌ مِن ماء الرجل يُنزله في رِحم المرأة، والآيات بهذا الشأن كثيرة (٥) .

وقوله: ( إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ) (٦) أي أخلاط مِن عناصر شتّى.

قال الإمام الرازي: لا شكّ أنّ أَعظم الأعضاء معونةً في توليد المني هو الدماغ، وللدماغ خليفة وهي النخاع، وهو في الصُلب، وله شُعب كثيرة نازلة إلى مقدم البدن، وهو التريبة، فلهذا السبب خصّ الله تعالى هذين العضوين بالذِكر (٧) .

* * *

____________________

(١) معجم مقاييس اللغة: ج١ ص٣٤٦.

(٢) النحل: ٤.

(٣) القيامة: ٣٧.

(٤) النجم: ٤٥ و٤٦.

(٥) راجع الكهف: ٣٧، والحجّ: ٥، والمؤمنون: ١٣، وفاطر: ١١، ويس: ٧٧، وغافر: ٦٧، والإنسان: ٢، وعبس: ١٩.

(٦) الدهر: ٢.

(٧) التفسير الكبير: ج٣١ ص١٢٩ - ١٣٠.

٤٦٩

دور الصُلب والترائب في إفراز المني:

النطفة تتكوّن عند الرجل في أنابيب الخصية، ثمّ بعد كمال تكوينها ونضجها تنتقل بالحبل المنوي، إلى الحويصلينِ المنويينِ، ومنهما إلى القناتين الدافقتين، فالإحليل، فإلى خارج الجسم.

والصُلب - حسب علم التشريح - يشمل: العمود الفقري الظهري، والعمود الفقري القطني، وعظم العَجز، ويشتمل مِن الناحية العصبيّة على المركز التناسلي الآمر بالانتعاظ ودفق المني وتهيئة مستلزمات العمل الجنسي، كما أنّ الجهاز التناسلي تعصبه ضفائرُ عصبية عديدة ناشئة مِن الصُلب، منها الضفيرة الشمسية، والضفيرة الخثلية، والضفيرة الحويضية، وتشتبك في هذه الضفائر الجملتان الودّية ونظيرة الودّية، المسؤولتان عن انقباض الأوعية وتوسّعها، وعن الانتعاظ والاسترخاء وما يتعلّق بتمام العمل الجنسي.

أمّا الترائب فقد عرفت أنّ مِن معانيها ما يتّفق مع الحقيقة العلمية، وهي عظام أُصول الأرجل أو العظام الكائنة ما بين الرجلين، كما ذكره ابن كثير نقلاً عن الضحّاك.

وأصبح تفسير الآية - على ضوء هذا التوضيح، كما ذكره الدكتور كنعان الجابي، في كتابه (موجز علم النسج) -: إنّ الماء الدافق الذي هو ماء الرجل. أي المني - يخرج مِن بين صُلب الرجل وترائبه - أي أصول أرجله - وذلك؛ لأنّ معظم الأمكنة والممرّات التي يخرج مها السائل المنوي تقع من الناحية التشريحية بين الصُلب والترائب، فالحويصلان المنويّان - وهما الغدّتان المُفرِزتان - يُشكّل إفرازهما قسماً مِن السائل المنوي، ويقعان خلف غدّة الموثة (البروستات) وإفرازهما ذو لون غنيّ بالفركتوز، كما أنّ لهما دوراً إيجابياً في عملية قذف السائل

٤٧٠

المنوي على شكل دفقات، بسبب تقلّص العضلات الموجودة بهما (١) .

وقال الدكتور حسن هويدي: إنّ في تعبير الآية الكريمة دلالة على تعاون الصُلب والترائب في هذا الإفراز وإخراج السائل المنوي، كعاملينِ لإخراج المني مِن مستقرّه ليؤدّي وظيفته؛ وذلك لأنّه يخرج من بين صُلب الرجل - كمركز عصبي تناسلي آمر - وترائبه - كمناطق للضفائر العصبية المأمورة بالتنفيذ، حيث يتمّ بهذا التناسق بين الآمر والمأمور خروج المني إلى القناتين الدافقتين، وهذا ثابت من الناحية العلمية، ومُوضّح لدور الجملة العصبية، ولابدّ مِن تعاون الجانبين لتدفّق المني، فإنّ تعطّل أحدهما توقّف العمل الجنسي الغريزي (٢) .

* * *

____________________

(١) مع الطبّ في القرآن الكريم: ص٣٣.

(٢) مجلّة حضارة الإسلام: العدد الأوّل سنة عشرين.

٤٧١

الرجع والصدع وأثرهما الهائل في تكييف الحياة

( وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ ) (١)

الفضاء المحيط بالأرض له خاصّة ارتجاعية، بسبب حالتها الانحنائية الحاصلة لها بفعل الجاذبة الأرضية، وهذا الوضع الدائري للسماء هو الذي أكسبها هذه الخاصّة الارتجاعية، فتُرجع كلّ ما يصعد إليها بشدّة ودفق.

وقد فَهم المفسّرون الأوائل: أنّها تُرجع البخار الصاعد إليها مطراً.

والآن فقد علمنا أنّ الأمواج اللاسلكية والتليفزيونية ترتدّ هي الأُخرى من السماء إذا أُرسلت إليها، بسبب انعكاسها على الطبقات العليا الآيونية، ولهذا نستطيع أن نلتقط ما تذيعه المذاييع البعيدة بعد انعكاسها ونستمع إليها ونشاهدها، ولولا ذلك لضاعت وتشتّتت ولم نعثر عليها، فالسماء أشبه بمرآة عاكسة تُرجع ما يُبثّ إليها، فهي السماء ذاتُ الرجع.

وهي أيضاً تعكس الأشعة الحرارية تحت الحمراء فتُرجعها إلى الأرض؛ لتدفئها.

* * *

____________________

(١) الطارق: ١١ - ١٢.

٤٧٢

والأرض تتصدّع ليخرج منها النبات ونافورات الغاز الطبيعي والبترول وينابيع المياه الكبريتية ونفث البراكين، وتنصدع مع كلّ هزّة زلزالية.

إنّنا مرّةً بعد أُخرى نجد أنفسنا أمام ألفاظ دقيقة، جامعة في معانيها، ومختارة بدقّة، ومصفوفة بإحكام.

وإنّها علمٌ الهيّ نافذ إلى أعماق الطبيعة، وليس علماً بشريّاً مقصوراً على مظاهر الكون دون الوصول إلى أسرارها الكامنة.

فنحن أمام دقّةٍ وإعجاز وعلمٍ شامل.

* * *

ومعنى آخر لعلّه أدقّ وأنسب لِما بين صدع الأرض ورجع السماء من رابطة طبيعية، وهو أن يكون المراد - والله العالم - تراجع السماء في دورة الفَلَك السنوية، بسبب انحراف محور الأرض في دورتها حول الشمس قليلاً عن العمود على مستوى فَلكها (مدارها) ويكون انحرافه بزاوية قدرها (٥/٢٣ درجة) ولذلك تأثير على تغيّر مناخ الأرض بنتيجة دورانها حول الشمس، ويؤدّي إلى ما نُسمّيه بتبدّل الفصول الأربعة، فتتصدّع الأرض أي تنفلق - لتُخرج نباتها كلّما تراجعت السماء من فصل إلى فصل، مِن شتاء إلى ربيع فإلى صيف والى خريف، وهكذا بسبب هذا التراجع السماوي وتبدّل الفصول، تتفجّر عيون الأرض وتتدفّق مياهها فتفيض بغزارة الأمطار، أو تغور وتنضب وتجدب الأرض إذا أمسكت السماء قَطرَها.

هكذا يرتبط اختلاف مناخ الأرض باختلاف حركات السماء ربطاً وثيقاً، ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) ، ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (٢) .

* * *

ومعنى ثالث أعمق وأخفى هي: رجعة الاعتدالين في دورة تستغرق ٢٦ ألف سنة، ومِن جرّائها يَطرأ على الأرض كلّ ١٣ ألف سنة عظيم في المناخ وفي

____________________

(١) النمل: ٨٨.

(٢) القمر: ٤٩.

٤٧٣

سطح القشرة الأرضية مِن صدوع وشقوق وفوالق وجيوب، بسبب ما يحصل مِن تغيير في باطن الأرض مِن هذا التحوّل.

فقد دلّت البحوث الفَلكية على أنّ القطب الشمالي الأرضي لا يتّجه اتّجاهاً ثابتاً إلى نقطة في السماء (النجمة القطبية) بل له دورة حول دائرة متصوّرة في السماء قطرها الظاهري ١٨ متراً، وتستغرق هذه الدورة ٢٦ ألف سنة.

فإذا تصوّرنا مدّ المحور الأرضي عن القطب الشمالي إلى الفضاء فالخطّ الوهمي هذا ينحرف عن النجمة القطبية اليوم درجةً ونصفاً، فإذا أخذ هذا الخطّ بالاقتراب من النجمة القطبية حتى إذا ما بلغ الانحراف عنها بنصف درجة أخذ بالابتعاد عنها، وهكذا يبتعد ويقترب منها في دائرة تستغرق دورتها ستاً وعشرين ألف سنة، وتُسمى هذه الظاهرة الفَلكية عندهم برجعة الاعتدالين، مطابقة لما جاء في تعبير القرآن ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ) !.

وسبب هذه الدورة أو الرجعة تأثير جاذبتي الشمس والقمر، على القسم المنبعج من سطح الأرض (منطقة خطّ الاستواء الدائري)، كلّ منهما يُحاول إرجاع الأرض إلى مستوى مداره.

فتأخذ نقطة الاعتدال (وهي نقطة الملتقى بين مدار الأرض والدائرة الاستوائية المائلة عن المدار) بالرجوع مِن جرّاء ذلك.

ورجعة الاعتدالين هذه لها أثر عظيم على حياة سكّان الأرض؛ إذ أنّ مِن جرّائها يطرأ على الأرض كلّ ثلاثة عشر ألف سنة تغيير عظيم في المناخ، فنصف الكرة الشمالي يحلّ الصيف فيه الآن والأرض أبعد ما تكون عن الشمس في دورتها حولها، ولذلك كان الصيف معتدلاً، وبالعكس في النصف الجنوبي الذي يكون الصيف فيها شديد الحرّ؛ لقرب الشمس منها، والشتاء في النصف الشمالي الآن معتدلٌ أيضاً لقرب الشمس منه، والعكس في النصف الجنوبي.

لكن بعد ١٣ ألف سنة يتحوّل المناخان، ويكون اتّجاه الأرض عكس اتّجاهها

٤٧٤

اليوم، فالصيف في النصف الشمالي شديد الحرّ وهو معتدل في النصف الجنوبي، والشتاء على العكس، كلّ ذلك بسبب تبديل المناخ الحاصل بارتجاع نقطة الاعتدالين.

وأمّا الصدع فهو يَنشأ من هذا الرجع أيضاً؛ إذ أنّ دلائل العلم الحديث برهنت على أنّ الزلازل الأرضية تكون صدوعاً وشقوقاً وفوالق في القشرة، بعوامل طبيعية أهمّها رجعة الاعتدالين - أي عدم ثبات القطب الشمالي -. ولا تزال الزلازل تنتاب الأرض كلّ يوم عشرات المرّات العنيفة وأكثرها الخفيفة، تسجّلها مقاييس الزلازل مِن حيث لا يشعر الإنسان بها، وهذه الزلازل كثيراً مّا تحدث شقوقاً وصدوعاً في قشرة الأرض كما هو معروف.

قال رشيد رشدي (مدرّس الجغرافية في المدارس العالية ببغداد): انظر إلى هذا الانسجام والاتّساق، والإعجاز في تعبير الرجع والصدع، والربط الوثيق الطبيعي بينهما، فلو حاول كلّ عباقرة البيان ونوابغ علوم الطبيعة ليأتوا بكلمتين تخلفان هاتين اللفظتين بمعناهما المتّسع الشامل لَما قدروا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً (١) .

* * *

٤٧٥

الفضاء يتمدّد توسّعاً مطّرداً مع تضاعف الزمان

( وَالسّماءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ ) (١)

يقال: آدَ يَأيد أيداً، وزان: باع يبيع بيعاً، بمعنى اشتدّ وقوى وصَلُب. أي بَنَينا السماء بقوّة وإحكام. والإيساع: الإكثار مِن الذهاب بالشيء في الجهات (٢) .

وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى حقيقة كونية ظلّت خافية ثلاثة عشر قرناً، حتى ظهرت معالمها في القرن الرابع عشر للهجرة (أوائل القرن العشرين للميلاد) حيث عثر العِلم على ظاهرة التوسّع في عالم النجوم.

إنّ فسحة الفضاء لا تزال تتمدّد وتتوسّع اطّراداً مع توالي الأحقاب، وإنّ مجموعة المجرّات غير العديدة تزداد تلوّياً وانفلاتاً عن بعضها، كأنّها في حركاتها اللولبية أو الحلزونية آخذة بالفرار مِن مراكز دوائرها - إن صحّ هذا التعبير - وبذلك تتوسّع دائرة الوجود المتكوّن مِن هذه الأنجم المتكدّسة في ضلوع المجرّات.

هذا مضافاً إلى ما تتولّد من كواكب على إثر انفجارات هائلة في كرات عظيمة كادت تُشكّل مجموعات شمسية في أحضان المجرّات:

____________________

(١) الذاريات: ٤٧.

(٢) مجمع البيان: ج٩، ص١٦٠.

٤٧٦

عن ابن عبّاس في تفسير الآية: قادرون على خَلق ما هو أعظم منها، أي سماوات هي أعظم ممّا تَرون فوق رؤوسكم بأعين مجرّدة.

لكن الآية نصّت على فعليّة هذا الاتّساع ولا يزال، وليس مجرّد القدرة عليه فحسب (١) .

وأَوّل مَن تنبّه لمطّاطية السماء هو العالم الفَلَكي (آبه جرج لومتر) البلجيكي المتولّد سنة ١٨٩٤ م، وذلك عام ١٩٢٧ م. كان أُستاذاً بجامعة (لوون) أبدى نظرته هذه ردّاً على نظرة (أينشتاين) المتوفّى سنة ١٩٥٥ م، المادّية المحضة للكون، كانت تفرض مِن شكل العالم اسطوانياً محدوداً مِن جوانبه الأربعة: اليمين واليسار والخلف والأمام. أمّا الفوق والتحت فلا نهائيان. هكذا كان (أينشتاين) يفرض شكل العالم.

أمّا (لومتر) فقد ردّ على هذه الفرضية التي تجعل مِن الكون مادّة هامدة لا حِراك فيها، وكذا مِن فرضية (ويليام دوستير)، المتوفّى سنة ١٩٣٤ م، القائلة بأنّ الكون حركة بلا مادّة.

قال لومتر: هاتان النظرتان لا تترجّح إحداهما على الأُخرى، بل المُترجّح في النظر أنّ هذا الكون يتشكّل مِن مادّة وحركة، ومِن ثَمّ فإنّ له أمداً ونهاية، وإنّه يشبه أن يكون ككرة قديمة ينتفّخ فيزداد توسّعاً وتضخّماً، وينبسط شيئاً فشيئاً عبر الأحقاب.

ونُشرت فرضيته هذه في مجلّة علمية سنوية في (بروكسل) ولكنّها سرعان ما تُنوسيت ولم يعرها أحد باهتمام، غير أنّ الأرصاد الأمريكية في نفس الوقت كانت تعمل في الكشف عن هذه الحقيقة لترى فرضية (لومتر) مِن عالَم الكون بعين شهود.

كان (وستوملون سليفر) مدير المرصد الأمريكي عام ١٩١٢م قد أثبت أن أطيافاً جمّة مِن سحابيات حلزونية تتغيّر من جهاتها، وكأنّها بفضل القوّة الطاردة

____________________

(١) لظهور الوصف (المشتق) في فعلية النسبة، لا شأنيّتها.

٤٧٧

آخذة بالفرار والابتعاد مِن عالَمنا الشمسي.

وحقيقة الفرار هذه لفتت مِن نظر الأُستاذ (هوبل اُودون پاول) فقام بجمع أطياف السحابيات الحلزونية، والتي كانت جميعاً تؤيّد نظرية (سليفر)، فعمّم (هوبل) النظرية وأعلن أنّ السحابيات الحلزونيّة آخذة بالفرار جميعاً بعضها من بعض، وسرعة هذا الفرار تتناسب مع الفواصل بينها؛ وبذلك احتارت أنظار العلماء بالنسبة إلى أجرام السماء.

وفي هذا الأثناء عثر الأُستاذ (ادينكتون) على مقال الأُستاذ (لومتر) الآنف، فجعل يطالعه بنَهمٍ وحرص شديد، معترفاً بصدق الحقيقة التي اكتشفها (لومتر) مِن ذي قبل، واتّضحت لديه ظاهرة التمدّد في عالم الكون، وكان ذلك تحوّلاً في فرضية عالم النجوم؛ ومِن ثَمّ قام (ادينكتون) عام (١٩٣١) بنظيم نظرة (التوسّع الكوني) وتقديمها إلى جامعة لندن كحقيقة ثابتة من عالم الوجود.

وخلاصة النظرة: أنّ عالم المجرّات - وهي تفوق الملايين - قد تحوّلت مِن حالتها الهامدة التي كان يفرضها (أينشتاين) في شكلها المنحني إلى صورة كرة دائرية تتضخّم وتتوسّع شيئاً فشيئاً، وسرعة هذا التوسّع تبلغ في شعاع مطّرد مع ضعف الزمان، ففي مدّة ملياردَي عام (عمر الأرض) ازداد هذا الشعاع بضعف، وهي سرعة هائلة يطّرد معها توسّع الكون وانبساط هذا الفضاء الرحيب (١) .

قال الأُستاذ رشيد رشدي: والكون برحبه الفسيح آخذٌ في التوسّع، كما بَرهن عليه التحقيق العلمي الحديث، ودلّت عليه الآية الكريمة ( وَالسّماءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ ) ولام التأكيد هنا لا تحتاج إلى توضيح في الدلالة على حتمية هذه التوسعة وعلى استمرارها في الأكوان والعوالم السماوية، فيا لها مِن معجزة قرآنية (٢) .

وقال سيّدنا الطباطبائي (قدس سرّه): ومِن المحتمل أن يكون (موسعون) مِن (أوسع

____________________

(١) راجع تاريخ العلوم تأليف (پى ير روسو) ترجمة حسن صفّاري بالفارسية: ص٨٦٢ - ٨٦٨.

(٢) بصائر جغرافية: ص٣٠١.

٤٧٨

في النفقة) أي كثّرها، فيكون المراد: توسعة خَلق السماء، كما تَميل إليه الأبحاث الرياضية اليوم (١) .

* * *

هذا، ولكن غالبية المفسّرين حملوا التوسعة هنا على الغنى والسعة في الرزق، كما في قوله تعالى: ( يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ ) (٢) وبقرينة قوله قبل ذلك ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) (٣) ، وقوله بعد ذلك: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (٤) .

نعم، هو معنى مجازي للتوسعة، أخذاً مِن التوسعة في المكان للتوسعة في الحال، قال الراغب: السعة تقال في الأمكنة وفي الحال وفي الفعل، كالقدرة والجود ونحو ذلك، ففي المكان نحو قوله: ( إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ) (٥) ، وفي الحال قوله تعالى: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ) (٦) ، وقوله: ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ) (٧) والوسع مِن القدرة ما يفضل عن قدر المكلف. والوسع الجدة والطاقة... وأوسع فلان: إذا كان له الغنى وصار ذا سعة.

هكذا روي عن الحسن في تفسير الآية، قال: وإنّا لموسعون الرزق على الخَلق بالمطر (٨) .

غير أنّ هذا المعنى المجازي للسعة يتوقّف على مجاز آخر في كلمة (أيد) مجازاً مِن القدرة إلى النعمة، كما ذكره سيّدنا الطباطبائي، وهو مجاز شايع أيضاً.

وسياق الآية عَرض لمظاهر قدرته تعالى في الخلق والتدبير، ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) (٩) ومِن ثَمّ جاء تعقيبها بقوله: ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) (١٠) .

____________________

(١) تفسير الميزان: ج١٨ ص٤١٤.

(٢) النساء: ١٣٠.

(٣) الذاريات: ٢٢.

(٤) الذاريات: ٥٨.

(٥) العنكبوت: ٥٦.

(٦) الطلاق: ٧.

(٧) البقرة: ٢٣٦.

(٨) مجمع البيان: ج٩ ص١٦٠.

(٩) فاطر: ١.

(١٠) الذاريات: ٥٠.

٤٧٩

تخلخل الهواء في أطباق السماء وعندها تتضايق الأنفاس

( وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كَأَنّمَا يَصّعَدُ فِي السّماءِ ) (١) .

التصعّد: محاولة أمر شاقّ بتكلّف وتحرّج، يقال: تَصعّده الأمرُ وتصاعده أي شَقّ عليه وصَعُب.

وقد ذكر المفسّرون في معنى الآية وفي وجه هذا التشبيه الغريب: أنّ مَن يرد الله خذلانه يتركه وشأنه، ومِن ثَمّ يمنعه مِن فيض ألطافه، فيقسو قلبه وينبو عن قبول الحقّ وعن الاهتداء إلى جادّة الصواب، فعنده يجد قلبه مطموساً مغلقاً عليه أبواب الرحمة ومنافذ النور، فيجد نفسه في تضايق مِن الحياة ويتحرّج عليه العيش، فحالة هكذا إنسان متعوس، تُشبه حالة مَن يُحاول أمراً ممتنعاً عليه فيتكلّفه مِن غير جدوى، كمحاولة الصعود إلى أطباق السماء، ونتيجته ضيق النفس وكربة الصدر والرهق المُضني لا غير.

وهذا التفسير كان يصحّ لو كان التعبير (كأنّما يَصّعّد إلى السماء) لكن التعبير

____________________

(١) الأنعام: ١٢٥.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579