تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد6%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106120 / تحميل: 10829
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

٢ - وهكذا حالت صلابة القشرة وضخامة سمكها - وهي صخور جبلية - دون زلزالها واهتزاز قشرتها، على أثر توهّج باطنها، لو كانت القشرة هزيلة أو ذات لين.

والى ذلك أشار الإمام (عليه السلام) بقوله: (من أن تميد بأهلها).

٣ - كما أنّ لتطويق الأرض بالسلاسل الجبلية والصخور الصلبة المحيطة بأكناف الأرض عاملاً في تماسك أشلائها وحافظاً عن تشقّقها أو تعاقب الانخسافات عليها.

وإليه أشار (عليه السلام) بقوله: (أو تسيخ بحملها).

(فسبحان مَن أمسكها بعد موجان).!

* * *

٥٢١

مسيرة الأرض والجبال

( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِي اتْقَنَ كُلّ شَيْ‏ءٍ ) (١)

الجمود: نقيض السيلان، ويقال للثلج: جمد، بهذا الاعتبار. ويقال: جمُدت العين إذا هدأت ولم يجرِ دمعها. ويقال للأرض وللسَنة: جماد، إذا أصابهما جدب، لا كلاء ولا خصب ولا مطر.

قال الفيروز آبادي: يقال: ناقة جماد إذا كانت بطيئة في سيرها شبه الواقفة.

ومن ذلك كلّه يُعرف أنّ هذه اللفظة تُستعمل في موارد، كان من طبعها السير والحركة فوقفت وقوف عارض، وصحّ إطلاق الجماد على الجبال باعتبار همودها في رأي العين؛ ومِن ثَمّ قال المفسّرون: جامدة أي واقفة لا حراك فيها، ويؤيّده التقابل بمرور السحاب أي حركتها في جوّ السماء.

فقوله تعالى: ( وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ ) أي تسير في مسيرتها الحيثيثة كمسيرة السحب في الفضاء، روي ذلك عن ابن عبّاس (٢) .

وليست حركة الجبال في مسير الفضاء سوى حركة الأرض الانتقالية في

____________________

(١) النمل: ٨٨.

(٢) مجمع البيان: ج٧ ص٢٣٦.

٥٢٢

دورتها السنوية حول الشمس، أو حركتها الوضعية حول نفسها، وعلى كلا المعنيين فيدلّ على حركة الأرض دون وقوفها وهدوئها، وهذا بالرغم من الرأي السائد ذلك الحين القائل بسكون الأرض وكونها في مركز الأفلاك الدائرة حولها.

وجاءت دلالة الآية على حركة الأرض دلالة تبعيّة، من قبل نسبتها إلى مجموعة الجبال، فجبال بمجموعتها تسير سيرها الحثيث، الأمر الذي لا يكون إلاّ بحركة كتلة الأرض كلّها.

* * *

أمّا وما هذه الحركة وما هذه المسيرة الأرضية؟

١ - قال أكثر المفسّرين : إنّها تسيير الجبال نحو الفناء، إحدى علائم قيام الساعة نظير قوله تعالى: ( وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (١) وقوله: ( يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ) (٢) . وقوله: ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً ) (٣) ، إلى غيرهنّ من آيات كثيرة بنفس المضمون (٤) .

قال الإمام الرازي: اعلم أنّ هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة، وهي تسيير الجبال (٥) .

وقال سيّدنا الطباطبائي (قدس سرّه): بما أنّ الآية واقعة في سياق آيات القيامة، ومحفوفة بها فهي تصف بعض مشاهد ذلك اليوم الرهيب، ومن جملتها تسيير الجبال. وقوله: ( وَتَرَى الْجِبَالَ ) تمثيل لتلك الواقعة، نظير قوله: ( وَتَرَى النَّاسَ

____________________

(١) الكهف: ٤٧.

(٢) الطور: ٩ و١٠.

(٣) النبأ: ٢٠.

(٤) مريم: ٩٠، الواقعة: ٥، الحاقّة: ١٤، المعارج: ٩، المزّمّل: ١٤، المرسلات: ١٠.

(٥) التفسير الكبير: ج٢٤ ص٢٢٠.

٥٢٣

سُكَارَى ) (١) أي تلك حالتها المشهودة في ذلك اليوم العصيب لو كنت شاهدها (٢) .

لكن لحن الآية ذاتها تأبى هذا الحمل، ولا سيّما مع تذييلها بقوله: ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) ، الأمر الذي يدلّ على أنّها بصدد بيان مظهر من مظاهر قدرته تعالى ولطيف صنعه، وقضية السياق موهونة - بعد ملاحظة ما قدّمنا في الجزء الأَوّل - من أنّ ترتيب الثبت الحاضر لا يدلّ على نزولها تباعاً بلا فترة زمان.

٢ - وقال بعضهم : إنّها الحركة الجوهرية، وإنّ ما في الوجود يسير قُدماً نحو الكمال المطلق، سواء أكان إنساناً ( يَا أَيّهَا الإِنسَانُ إِنّكَ كَادِحٌ إِلَى‏ رَبّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ) (٣) أم حيواناً أم نباتاً أم جماداً ( كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ) (٤) .

قال سيّدنا الطباطبائي: قد تُحمل الآية على الحركة الجوهرية، وأنّ الأشياء كلّها، ومنها الجبال، تتحرّك بجوهرها إلى غاية وجودها، وهي حشرها ورجوعها إلى الله سبحانه، قال: وهذا المعنى يناسبه التعبير بقوله: ( تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) ؛ لأنّ الجمود هو السكون المحض، في حين أنّها في تحوّل وتنقّل، هادفةً ساحة قدسه تعالى! قال: وهذا المعنى أنسب من المعنى الأوّل بإرادة قيام الساعة.

٣ - وقال آخرون: إنّها الحركة الطبيعية الكامنة في ذوات الأشياء؛ إذ كلّ موجود هو في تحوّل وتغيير دائب مستمرّ، وما من ذرّة في عالم الوجود إلاّ وهي تتبدّل إلى غيرها وتتجدّد حسب الآنات والأحوال، وكلّ شيء هو في كلّ آنٍ خَلقٌ جديد، ( إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٥) ، ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (٦) ، ما هذا السؤال المستمرّ؟ إنّها مسألة الإفاضة، إفاضة الوجود من ربّ العالمين، ومِن ثَمّ فهو تعالى في كلّ لحظةٍ من لحظات حياتنا في خلق جديد.

قال الأُستاذ محمّد تقي الجعفري: إنّ مَن في السماء والأرض من عالم

____________________

(١) الحجّ: ٢.

(٢) الميزان: ج١٥ ص٤٤٠.

(٣) الانشقاق: ٦.

(٤) الأنبياء: ٩٣.

(٥) سبأ: ٧.

(٦) الرحمن: ٢٩.

٥٢٤

الوجود، إنّما يسأله تعالى الاستمرار بالإفاضة عليه من قوى واستعداداتٍ وإبقاءٍ لوجوده خلقاً بعد خلق (١) .

٤ - إنّها حركة الأرض الوضعية والانتقالية ، ومسألة حركة الأرض أَمرٌ تنبّه له كثير من العلماء الأقدمين كـ (فيثاغورث الحكيم) عاش قبل الميلاد بخمسة قرون، وتبعه على ذلك (فلوطرخوس) و(أرخميدس)، وأيّده الحكيم (ارستر خوس) الذي جاء بعده بقرنين، وبعده (كليانثوس) الذي أثبت للأرض حركتين، يومية وسنوية.

لكن في هذا الأوان جاء الحكيم (بطلميوس) فأنكر حركة الأرض واعتقد سكونها وكونها مركز سائر الأفلاك، وساد هذا النظام الفلكي البطلميوسي - بفضل دعمه بالرأي العام - حتى القرن السادس عشر للمياد، حيث نبغ الفلكي الشهير (كوبرنيك) المتوفّى سنة ١٥٤٤م ليأخذ برأي (فيثاغورث)، وهكذا توالى بعده العلماء مؤيّدينَ لهذا الرأي، بفضل المخترعات الفَلكية الحديثة (المجاهر والنظّارات المكبّرة).

وللسيّد هبة الدين الشهرستاني كلام طويل حول استظهار هذا الرأي من الآية الكريمة نذكر ملخّصه:

قال: أَوّل مَن تفطّن إلى هذا الاستنباط من الآية الشريفة هو الفاضل علي قلي ابن فتح علي شاه القاجار، وجاء تأييده في (النخبة الأزهرية) ترجيحاً على تفسير القدماء للآية.

قال السيّد: وفي الآية دلائل على هذا الاستظهار:

أولاً: التعبير بالجمود ( تَحسَبُها جَامِدة ) ، ولا تهويل إذا كانت الجبال تُرى يوم القيامة في ظاهرها هامدة وساكنة في مستقرّاتها.

ثانياً: التعبير بالمرور مرّ السحاب، وهو يدلّ على نعومةٍ في السير، وليس ممّا

____________________

(١) راجع الحركة والتحوّل من النظرة القرآنية: ص٤٩ فما بعد.

٥٢٥

يهول.

وثالثاً: التشبيه بالسحب، ولا هول في مشاهدة مسيرة السحاب (١) .

فصحّ أنّ الآية لا تتناسب وكونها من أشراط الساعة أو إشارة إلى أهوال يوم القيامة.

وقال سيّدنا الطباطبائي: حمل الآية على إرادة حركة الأرض الانتقالية معنى جيّد لولا منافاته للسياق (٢) .

وقد قدّمنا أنّ سياق الآية ذاتها - بقرينة الإشارة إلى إحكام الصنع - ترجّح إرادة التفسير الأَوّل المتقدّم.

( وَالأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا ) (٣) :

الدحو: الدحرجة. يقال: دحا الشيء بمعنى دحرجه، كما يُدحرج الصبيان المداحي، وهي أحجار صغار أمثال القرصة، يحفرون حفيرة فيدحون بها إليها، وتُسمّى المسادي والمراصيع، والدحو: رمي الملاعب بالجوز وشبهه (٤) .

فمعنى دحو الأرض: دحرجتها وزحلقتها على بسيط الفضاء لتأخذ شكلها الكريّ في التدوير (٥) .

____________________

(١) الهيئة والإسلام: ص٩٧ - ٩٩.

(٢) الميزان: ج١٥ ص٤٤٢.

(٣) النازعات: ٣٠.

(٤) الفائق للزمخشري: ج١ ص٤١٨.

وقال الفيروز آبادي: مرصاع - كمحراب -: دوّامة الصبيان، وكل خشبة يُدحى بها، والدوّامة لعبة من خشب يلفّ الصبي عليها خيطاً ثمّ ينقضه بسرعة فتدوم أي تدور على الأرض، (انظر الشكل في المنجد)، وعندنا في العراق كانت تُسمّى (المُرصَع) كمُلجَم. وهي تشبه وفي قطبها السافل حديدة محدّدة بها تدور على الأرض، ولعلّ تسمية البيضة دحية في الديار المصرية كانت من جهة هذا التشابه، قال مصطفى محمود في كتابه (محاولة لفهم عصريّ للقرآن): ص٢٥٥: الدحية: البيضة.

(٥) قال الأُستاذ محمّد مصطفى الشاطر: ترجمة الدحو بمعنى البسط ضياع للمعنى الذي يُؤخذ =

٥٢٦

فدحو الأرض إذاً ليس مجرّد بسطها، كما زعمه أُناس، وإنّما هو بسط مع تكوير، يشبه الدوّامة في جسمها الكريّ يتداحى بها الصبيان في ألاعيبهم.

وهي اللفظة العربية الوحيدة التي تفيد معنى البسط والتكوير في ذات الوقت، وتكون من أدلّ الألفاظ على شكل الأرض المنبسطة في ظاهرها، المتكوّرة في الحقيقة، الأمر الذي يوافقه أحدث الآراء الفَلكية عن شكل الأرض: إنّها مفرطحة من جانبي قطبيها، ومنبعجة على خطّ الاستواء، فيزيد قطرها الاستوائي عن قطرها القطبي بمقدار (٦/٤٢) كيلو متراً (١) .

وهذا منتهى الإحكام والدقة في اختيار اللفظ المناسب للتعبير.

* * *

____________________

= من الدحو وهو التكوير غير التامّ - كتكوير البيضة - مع الدوران، ولا يزال أهل الصعيد و - أكثرهم من أصل عربي - يعبّرون عن البيض بالدحو أو الدحي أو الدح. (القول السديد: ص ٢١ - ٢٢).

(١) قطر الأرض الاستوائي: ٨ / ١٢٧٥٤. وقطرها القطبي: ٢ / ١٢٧١٢. راجع بصائر جغرافية لرشيد رشدي البغدادي: ص١٥٧.

٥٢٧

مدّ الظلّ وقبضه

( أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ) (١)

إنّ الظلّ الوريف اللطيف الذي يُوحي إلى النفس المجهودة المكدودة بالراحة والنداوة والسكن والأمان هو الظلّ الذي يبدأ بروحه ونسيمه فور تحوّل الشمس هبوطاً من قبّة السماء (دائرة نصف النهار)، تكاد تمتدّ وتنبسط نفحتها كلّما أخذت الشمس تقترب من أُفق مغربها، وإذا هي تبزغ أشعّتها عند الصباح، وإذا بالأضلّة تبدو على أطولها، ثمّ تأخذ في التناقص كلّما ارتفعت الشمس وسط السماء.

فهذا الظلّ يتحرّك مع حركة الأرض في مواجهة الشمس، فتتغيّر أوضاعه وامتداداته وأشكاله، والشمس يدلّ عليه بضوئها وحرارتها وتميّز مساحته وامتداده وارتداده.

وهذا المدّ والقبض إنّما هي بفعل حركة الأرض حول محورها تجاه عين الشمس الوهّاجة، وهي تحصل في كلّ ٢٤ ساعة يوماً كاملاً.

____________________

(١) الفرقان: ٤٥ و٤٦.

٥٢٨

وشيء آخر: أنّ محور الأرض - في دورتها حول نفسها - ينحرف قليلاً عن مستوى فَلكها (أي مدارها السنوي) ويكون انحرافه بزاوية قدرها ٥/٢٣ درجة، الأمر الذي يُسبّب تعاقب الفصول الأربعة، وكلّما ابتعدت الشمس عن خطّ الاستواء شمالاً أو جنوباً فإنّ الظِلال تختلف امتداداً وتقلّصاً، فلا يستوي الظلّ في الشتاء مع الظّل في الصيف أو الخريف أو الربيع، سواء في مناطق الاعتدال أو غيرها.

وعلى أيّ تقدير، فإنّ مدّ الظلّ وقبضه قبضاً يسيراً ممّا يُنبئك عن حركةٍ للأرض، إمّا محورية أو مدارية (وضعية أو انتقالية) أو كلتيهما جميعاً.

وكيف كان فهو ظلّ النهار، يزداد وينقص، حسب الأيّام والشهور.

أمّا الليل، فهي نعمة أُخرى جاء ذكرها في الآية التالية لما سبق: ( وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليلَ لِبَاساً وَالنّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النّهَارَ نُشُوراً ) (١) .

وهي رحمة إلهية كبرى، إذ جعل الأرض تدور حول محورها يومياً، طول سنتها التي هي ٣٦٥ يوماً، وبذلك أمكنت الحياة على وجه الأرض من كلّ جوانبها على سواء.

أمّا كرة عطارد فإنّها تدور حول محورها بنفس دورتها حول الشمس، في ٨٨ يوماً، كما حقّقه الفَلكي (شياپرلي) (٢) . ومعنى ذلك أنّ طول يومها يساوي سنتها أي دورتها حول الشمس، ونتيجةً على ذلك فإنّ وجهاً واحداً منه يتّجه نحو الشمس بصورة دائمية، ولا يتجه النصف الآخر نحوها مطلقاً.

وللسبب نفسه يكون أحد وجهيه ساخناً جدّاً، إذ تبلغ درجة الحرارة عليه نحو ٢٦٠ درجة مئوية، كما يكون الوجه المعاكس بارداً جدّاً، وتبلغ درجة البرودة فيه نحو ٨٠ درجة تحت الصفر المئوي، فهناك نهار سرمد، وليل سرمد، ولذا لا يتوقّع

____________________

(١) الفرقان: ٤٧.

(٢) راجع مبادئ العلوم: ص٣٧، وهامش الهيئة والإسلام: ص٦١.

٥٢٩

وجود حياة على سطح هذا الكوكب السيّار (١) .

ونظير عطارد (القمر) في دورته حول الأرض؛ إذ تكمل دورته حول الأرض في مدّة تساوي حول نفسه في ٢٨ يوماً، ويصبح نصف سطح القمر مواجهاً للأرض أبداً، ونصفه الآخر مختفياً عن الأرض أبداً (٢) .

فليس من ناموس الطبيعة أن تختلف دورة كلّ كرة دائرة حول كرة أُخرى عن دورتها حول نفسها، وإنّما هو شيء يتبع مصلحة يراها الصانع تعالى فيما يراه في الخلق والتدبير.

فانظر إلى آثار رحمة الله كيف جعل الظلّ في الكوكب الأرضي متحرّكاً غير ساكن، ولم يجعله سرمداً كما جعله في كوكب عطارد، ذي الليل والنهار السرمدين.

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ اللّيْلَ سَرْمَداً إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ النّهَارَ سَرْمَداً إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِن رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٣) .

الحمد لله الّذي جعل لنا الأرض مهداً وسلك لنا فيها سبلاً.

* * *

____________________

(١) مبادئ العلوم: ص٣٦.

وهكذا قيل عن الزهرة، فدورتها حول محورها تساوي دورتها حول الشمس في ٢٢٤ يوماً من أيّام الأرض (بصائر جغرافية: ص٢٦١).

(٢) ولمّا كان للقمر دورة ثالثة مع الأرض حول الشمس وفي هذه الدورة تدور حول محورها في ٢٨ يوما يكون نهاره ١٤ يوماً من أيّام الأرض وليله ١٤ يوماً، ومِن ثَمّ فالليل منه قارس البرودة، والنهار منه شديد الحرّ، وعندما تصل الشمس عمودية تبلغ الحرارة فيه إلى درجة الغليان. بصائر جغرافية: ص٢٦٠.

(٣) القصص: ٧١ - ٧٣.

٥٣٠

تسوية البنان

( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى‏ قَادِرِينَ عَلَى‏ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ ) (١)

هذا كلام صدر في مقام التحدّي، مشيراً بأنّ هناك معجزة كبرى في تسويته للبَنان وبعثه على صورته الأُولى يكون أكبر من إحياء العظام البالية، الأمر الذي لم يُكشف سرّه إلاّ بعد نزول الآية بأكثر من ألف سنة، حينما عُرف أنّ لكلّ إنسان بصمة خاصّة رُسمت على بنانه، لا يتّفق اثنان في بصمة واحدة، منذ أن خلق الله آدم حتّى التوائم. وهذا سرٌّ غريب في الخليقة أَوّلاً، وفي إشارة القرآن إليه ثانياً، سبحانه وتعالى من عظيم القدرة وعجيب البيان!.

ولكن لماذا خصصّ الله البَنان دون سائر أجزاء البدن؟ وهل البَنان أشدّ تعقيداً من العظام؟

لقد توصّل العلم إلى سرّ البصمة في القرن التاسع عشر، وبيّن أنّ البصمة تتكوّن من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العَرَقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوّى، وتتفرّع عنها تغصّنات

____________________

(١) القيامة: ٣ و٤.

٥٣١

وفروع، لتأخذ في النهاية وفي كلّ شخص شكلاً مميّزاً، وقد ثبت أنّه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم، حتّى في التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة.

يتمّ تكوّن البَنان في الجنين في الشهر الرابع، وتظلّ ثابتة ومميّزة له طول حياته، ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل تقارباً، ولكنّهما لا تتطابقان البتة؛ ولذلك فإنّ البصمة تعدّ قاطعاً ومميّزاً لشخصية الإنسان، معمولاً به في كلّ بلاد العالم، ويعتمد عليه القائمون على تحقيق القضايا الجنائية لكشف المجرمين واللصوص (١) .

( وَمِن كُلّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) (٢) :

لم يقل من الأحياء، بل من كلّ شيء... فالكهرباء فيها الشحنة السالبة والموجبة. والمغنطيسية فيها الاستقطاب إلى قطبين. وفي الذرّة الإليكترون والبوزيترون، والبروتون والنيوترون، وفي الكيمياء العضوية: الجُزيء اليساري والجُزيء اليميني، ونعرف الآن المادّة والمادّة المضادّة، والثنائية والازدواجية في تركيب الأحياء والجمادات، يكشف لنا العلم أسرارها كلّ يوم (٣) .

ولعلّ اللقاح والتزاوج في النبات أصبح مشهوداً بعد ضرورة اللقاح والتزاوج في الأحياء (الإنسان والحيوان)، قال تعالى: ( وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) (٤) ، والآيات بشأن أزواج النبات كثيرة (٥) .

وظاهرة التزواج واللقاح مفروضة على كلّ موجود، نباتاً كان أم إنساناً، أم ممّا لا يعلمون ( الّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلّهَا مِمّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمّا لاَ

____________________

(١) مع الطب: ص٢٣.

(٢) الذاريات: ٤٩.

(٣) محاولة لفهم عصريّ للقرآن: ص٧٣.

(٤) الرعد: ٣.

(٥) الحجّ: ٥، الشعراء: ٧، لقمان: ١٠، ق: ٧، الرحمن: ٥٢، طه: ٥٣.

٥٣٢

يَعْلَمُونَ ) (١) .

قال سيّد قطب: وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخَلق في هذه الأرض - وربّما في هذا الكون؛ إذ أنّ التعبير لا يُخصّص الأرض - قاعدة الزوجية في الخَلق، وهي ظاهرة في الأحياء. ولكن كلمة (شيء) تشمل غير الأحياء أيضاً.والتعبير يُقرّر أنّ الأشياء كالأحياء مخلوقة على أساس الزوجية.

وحين نتذكّر أنّ هذا النصّ عرفه البشر (المسلمون) منذ أربعة عشر قرناً، وأنّ فكرة عموم الزوجية - حتى في الأحياء ولا سيّما النبات - لم تكن معروفة حينذاك، فضلاً عن عموم الزوجية في كلّ شيء... حين نتذكّر هذا نجد أنّا أمام أمر عجيب عظيم.. وهو يُطلعنا على الحقائق الكونية في هذه الصورة العجيبة المبكّرة كلّ التبكير:

كما أنّ هذا النصّ (القرآني المعجز) يجعلنا نرجّح أنّ البحوث العلمية الحديثة سائرة في طريق الوصول إلى الحقيقة، وهي تكاد تُقرّر أنّ بناء الكون كلّه يرجع إلى الذرّة، وأنّ الذرّة مؤلّفة من زوج من الكهرباء: موجب وسالب! فقد تكون تلك البحوث إذاً على طريق الحقيقة في ضوء هذا النصّ العجيب (٢) .

* * *

وعن أكثر القدامى تفسير الزوجين هنا بالجنسين المتقابلين، كالأرض والسماء، والبرّ والبحر، والليل والنهار، والسهل والجبل، والشمس والقمر، والجنّ والإنس، والنور والظلمة... وما إلى ذلك... وهكذا المعنويّات كالسعادة والشقاء، والخير والشرّ، والهدى والضلال... ونحو ذلك.

سوى ابن زيد، فإنّه فسّره بالذكر والأُنثى، وهو عجيب (٣) .

____________________

(١) يس: ٣٦.

(٢) في ظِلال القرآن: ج٢٧ مجلّد ٧ ص٥٨٧ - ٥٨٨.

(٣) راجع مجمع البيان للطبرسي: ج٩ ص١٦٠.

٥٣٣

قال الرازي - توجيهاً لِما قاله الأقدمون -: والزوجان: إمّا الضدان فإنّ الذكر والأُنثى كالضدّين والزوجان منهما كذلك، وإمّا المتشاكلان فإنّ كلّ شيء له شبيه ونظير وضدّ وندّ، قال المنطقيون: المراد بالشيء الجنس، وأقلّ ما يكون تحت الجنس نوعان، فمن كلّ جنس خلق نوعين من الجوهر، مثلاً المادّي والمجرد، المادّي النامي والجامد، ومن النامي المُدرِك والنبات، ومن المُدرِك الناطق والصامت (١) .

* * *

____________________

(١) التفسير الكبير: ج٢٨ ص٢٢٧.

٥٣٤

العسل

( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنّاسِ )

قال تعالى: ( وَأَوْحَى‏ رَبّكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنّاسِ ) (١) .

قال الدكتور نزار الدقر: النصوص القرآنية التي وردت في العسل هي أوضح وأرسخ النصوص القديمة على الإطلاق، كما أنّها تُعتبر من أوائل النصوص التي جزمت بالفائدة المطلقة، وبالخصوص العلاجية الثابتة لهذه المادّة القديمة (٢) .

ولأصحاب النظر في الطبّ والعلاج - قديماً وحديثاً - مقالات ضافية بشأن أهمّية العسل وفوائده الكثيرة وأنّه النافع غير الضارّ على الإطلاق؛ نقطف منها ما يلي:

____________________

(١) النحل: ٦٨.

(٢) مع الطبّ في القرآن الكريم: ص١٨٢ نقلاً عن كتاب (العسل فيه شفاء للناس) للدكتور نزار الدقر.

٥٣٥

مكوّنات العسل:

يحوي العسل أكثر من سبعين مادّة مختلفة، فهو:

١ - أهمّ منبع للموادّ السكّرية الطبيعية، حيث اكتُشفت فيه إلى الآن حوالي ١٥ نوعاً من السكاكر، أهمّها: سكّر الفواكه (فركتوز) بنسبة ٤٠% وسكّر العنب (غلوكوز) بنسبة ٣٠%، أمّا سكّر القصب فبنسبة ٤%، وأنّ كيلو غراماً واحداً من العسل يُعطي طاقة تقدّر بـ (٣٢٥٠) حرارية.

٢ - يقف في الصفّ الأَوّل بين الأغذية الكاملة، من حيث احتوائه على بعض الخمائر (الأنزيمات) التي تساعد في عمليات الاستقلاب والهضم، وأهّمها: خميرة الشعير التي تُحوّل النشاء إلى سكّر، والقلابين التي تقلب السكّر العادي إلى سكر عنب وسكر فواكه، والكاتازالا، والبيروكسيداز، والليباز.

٣ - يحوي مجموعة من الفيتامينات، أهمها: فيتامين ب، وب ٢، وب ٣ (أو حمض البانتوثيني)، وب ٥ (أو حمض النياسين)، وب ٦ (أو البيرودكسين)، وفيتامين ث، وآثار من البيوتين، وفيتامين ك، وفيتامين ي، وفيتامين أ.

وهذه الفيتامينات توجد بمقادير غير مرتفعة، ولكنّها مفيدة؛ لأنّ العسل وسط ممتاز لحفظها، أمّا نسبة وجودها فمرتبط بنسبة غبار الطلع الذي تجمعه النحلة، كراتب غذائي لها.

٤ - يحوي العسل أنواعاً من البروتينات والحموض الأمينية، والحموض العضوية، كحمض النحل، ومشتّقات الكلوروفيل: وعلى منشطات حيوية، وعلى روائح عطرية وغيرها.

٥ - الأملاح المعدنية، وأهمّها: أملاح الكلس، والصوديوم، والبوتاسيوم، والمنغنيز، والحديد، والكلور، والفوسفور، والكبريت، واليود.

وتُشكّل هذه الأملاح اثنين بالألف من وزن العسل.

٥٣٦

٦ - يؤكّد الكثير من الباحثين على وجود موادّ مضادّة لنموّ الجراثيم في العسل، كما يُعتقد بوجود هرمون نباتي ونوع من الهرمونات الجنسية (من مشتقّات الاستروجين).

إذاً فالعسل مادّة شديدة التعقيد، تتباين أنواعه قليلاً بتراكيبها باختلاف الزهور التي جُنيت منها.

ولعلّ السرّ في احتوائه على هذه المواد المختلفة - التي لم تُجمع في أيّ مادة غذائية أُخرى على الإطلاق - هو جني النحل رحيق كلّ الأزهار والثمرات، استجابة لنداء خالقها يوم أوحى لها: ( ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ) .

ميزات العسل:

١ - مقاومته دون تسرّب الفساد إليه إلى سنين عديدة، بل أحقاب متطاولة، بشرط ابتعاده عن فعل الرطوبة به.

٢ - مضادّته للعفونة، وقد أكّد أكثر الباحثين أنّ الجراثيم المُمرضة للإنسان لا يمكن لها أن تعيش في العسل، وأنّ العسل فعلاً مبيدٌ لها.

وسبب ذلك احتواؤه على حمض النحل، وهو من الموادّ المضادّة للعفونة، ولارتفاع تركيز السكاكير التي تصل إلى ٨٠% من تركيب العسل، رغم أنّ الأوساط ذات السكّريّ الخفيف تزيد نشاط الجراثيم، وهكذا التمر الذي يحوي نسبة عالية من السكاكر لا تنمو فيه الجراثيم.

٣ - وقايته لنخر الأسنان، على عكس سائر السكاكر الصناعية التي هي قابلة للتخمّر بوجود العصيات اللبنية، أمّا العسل ففيه قدرة واضحة في الحثّ على نموّ العظام وبزوغ الأسنان وفي التكلّس العظمي والسنّي، وبالتالي يزيد نموّ الطفل ويبعده عن خطر الكساح.

٥٣٧

٤ - يزيد خضاب الدم وعدد الكريات الحمر.

وتُشير الإحصائيات إلى ندرة إصابة النحّالين بداء السرطان بالنسبة إلى أصحاب المهن الأُخرى.

٥ - يسرع التئام الجروح وينظّفها؛ لأنّه يزيد محتوى الجروح من مادة الفلوتاثيون التي تُسرع عملية التعمير، الالتئام النسيجي.

٦ - إنّه علاج جيد لتقرّحات الجلد المزمنة، وخاصّة إذا طُبّق المزيج المؤلّف من ٥/٤ عسل + ٥/١ فازلين.

٧ - علاج جيّد للتقيّحات الجلدية.

٨ - يؤدّي لشفاء سريع للجروح الواهنة.

٩ - ضماد معقّم لعمليات تحتمل التلوّث بالجراثيم.

قال الدكتور بولمان - الجرّاح النسائي -: وعندي كلّ المعطيات الايجابيّة كي أُفكر بهذه المادّة البسيطة التي تجيب على كلّ الأسئلة حول مشاكل الجروح والقروح المتقيّحة.. فهي مادّة غير مخرّشة، وغير سامّة، وعقيمة بذاتها، مضادّة للجراثيم، مغذّية للجلد، رخيصة، سهلة التحضير، سهلة الاستعمال.. وفوق كلّ ذلك فهي مادة جداً فعّالة (١) .

فسبحانه عزّ من قائل: ( فِيهِ شفاءٌ للناس ) !!

١٠ - يساعد على الهضم بفعّالية الأنزيمات التي يحويها، ويُخفض الحموضة المعدية الزائدة، وفعّال في معالجة استطلاق البطن (الإسهال)، ويمنع حدوث الإمساك أيضاً، كما يُفيد في معظم أمراض الكبد والصفراء، وفي السلّ والسعال، والتهاب القصبات، ومعالجة الربو وذات الرئة، والتهاب حواف الأجفان، والقرنية، وحروق العين، والنزلات الشعبية في الأنف، والتهاب اللوزات والبلعوم المزمن.

____________________

(١) مع الطبّ في القرآن: ١٩١.

٥٣٨

وفوق ذلك فإنّ العسل يزيد إرواء العضلة القلبية ويمدّها بالطاقة بشكل ممتاز، وغير ذلك كثير، يطول شرحها.

فسبحانه من عظيم، حيث وكلّ حشرة صغيرة لإعداد هكذا مركّب عجيب كثير الخاصّية كبير الفائدة خطير الشأن.

وتمضي الأبحاث بغزارة على العسل، والكلّ يشعر أنّه ما زال في هذا العجين الغريب، الكثير من الأسرار ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) (١) .

* * *

____________________

(١) الإسراء: ٨٥.

٥٣٩

دقائق هي روائع في التعبير

جاء في القرآن كثير من دقائق تعبير قد لا يلمس القارئ أثناء تلاوته ما يلفت نظره إلاّ إذا تدبّرها بإمعان، وتوقّف لديها متسائلاً: هل وراءها نكتة خافية؟ أم هناك سر مستتر عميق؟

فإذا ما لجّ فيها وتعمّق النظر فيها وجدها ظرائف ولطائف تُشرف الباحث على خضم بحر متلاطم وفيض بحر موّاج.. وإليك طرفاً منها:

( وَازْدَادُوا تِسْعاً ) :

قال تعالى: ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) (١) هذا الذي نقرأُه عن رقدة أصحاب الكهف، كانت ثلاثمئة سنة كاملة حسب التقويم الشمسي، الذي كان العالم المتحضّر، من عدا الأُمّة العربية، حيث لم يكن لها علم بحركة الفَلك الشمسي، وكان تقويهما قائماً على دورة الفلك القمري، وهي تنقص عن دورة الشمس سنوياً بأحد عشر يوماً وربع يوم تقريباً (٢) ، فكان لابدّ أن

____________________

(١) الكهف: ٢٥.

(٢) أيّام السنة القمرية تتراوح بين ٣٥٣ و٣٥٤ و٣٥٥ يوماً. بينما أيّام السنة الشمسية هي: ٣٦٥ =

٥٤٠

تزيد سنوات الرقدة - لو حاسبناها على السنين القمرية - بتسعة سنين بالضبط، بالأيّام والساعات والدقائق والثواني.

فقد لزم أن يقول القرآن: إنّ سنوات الرقدة تزيد تسعاً على التقويم الذي عندكم، وهذا سرٌّ ربّما خفي لحدّ الآن... معجزة باقية.

( قُلْ أَنزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ ) (1) .

تقديم السمع على البصر:

من الدقائق في تعبير القرآن الكريم أنّك تجده يذكر السمع مُقدماً على البصر في أكثر من خمسة وعشرين موضعاً (2) ، وهي مسألة يعرف سرّها الآن علماء التشريح (الفسيولوجيا) ويُدركون أنّ جهاز السمع أرقى وأعقد وأدق وأرهف من جهاز الأبصار، ويمتاز عليه بإدراك المجرّدات كالموسيقي، وإدراك التداخل مثل حلول عدّة نغمات داخل بعضها بعضاً، مع القدرة على تمييز كلّ نغمة على انفرادها، كما تميّز الأُمّ صوت بكاء وَلدها من بين زحام هائل من أصوات متداخلة، يتم هذا في لحظة من الزمن... أمّا العين فهي تتوه في زحام التفاصيل ولا تعثر على ضالّتها.

____________________

= يوماً و6 ساعات و9 دقائق و9 ثوانٍ بالضبط، إلاّ شيئاً قليلاً (595/. الثانية) تنقص كلّ سنة.

فتزيد السنة الشمسية على السنة القمرية بمقدار 11 يوماً وهي مضروبة في (300) تساوي (3300) يوماً وتساوي (9سنوات وثلاثة أشهر ونصفاً: 105). بالتقسيم على عدد أيّام السنة القمرية، حساباً بالتقريب، حيث عدم انضباط السنة القمرية تماماً. فصحّ تعبير القرآن بزيادة تسعة أعوام تعبيراً بالدقّة.

راجع: التفهيم لأبي ريحان البيروني: ص235، ودهخدا: ص163 حرف س.

(1) الفرقان: 6.

(2) البقرة: 7 و20، النساء: 58 و140، الأنعام: 46. يونس: 31، هود: 20، النحل: 78 و108. الإسراء: 1 و36، طه: 46، الحجّ: 61 و75، المؤمنون: 24، لقمان: 28، السجدة: 9، غافر: 20 و56، فصّلت: 20 و22، الشورى: 11، الأحقاف: 26، المجادلة: 1. الملك: 23، الإنسان: 2.

٥٤١

يتوه الوَلد عن عين أُمّه في الزحام ولا يتوه عن سمعها، والعلم يمدّنا بألف دليل على تفوّق معجزة السمع على معجزة البصر.. ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتّى‏ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ ) (1) .

وقد مرّ بعض الكلام عن ذلك في الجزء الخامس (2) ضمن دقائق ونكات رائعة من القرآن الكريم.

( يَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ) (3) :

ما أرقّه من تعبير عن حالة المرأة أيّام طمثها، لا شقاءً كشقاء أحكام اليهود بشأنها، ولا جفاءً كجفاء جاهلية العرب بحقّها.. إنّه تعبير ينم عن واقعية هي حالة مَرَضية تعتري المرأة في محيضها، فيجب مراعاة حالها والمداراة مع ضعفها الجسمي، وهي لا تطيق ما تطيقه في حالتها العادية.

وقد كان اليهود يُشدّدون في مسائل الحيض، كما جاء في الفصل الخامس عشر من التوراة: إنّ كلّ مَن مسّ الحائض في أيّام طمثها يكون نجساً إلى المساء، وكلّ مَن مسّ فراشها يغسل ثيابه بماء ويستحمّ ويكون نجساً إلى المساء، وكلّ مَن مسّ متاعاً تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويكون نجساً إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه، يكون نجساً سبعة أيّام، وكلّ فراش يضطجع عليه يكون نجساً (4) .

وكانت العرب في الجاهلية لا يساكنون الحُيَّض، ولا يؤاكلونهنّ، كما كانت تفعل اليهود والمجوس أيضاً.

لكن القرآن دفع عنها الرجس وجعلها في إطارها الخاصّ من الرِفق بحالها والعطف عليها والحنان، لا هجرها ونبذها ومتاركتها أو إحراجها بالخروج عن

____________________

(1) فصّلت: 53.

(2) الجزء الخامس من ص 54 - 55.

(3) البقرة: 222.

(4) سِفر اللاويين: إصحاح 15 عدد 19 - 24.

٥٤٢

مساكنها، كما كانت العادة عند المجوس.

قال تعالى: ( هو أذىً ) أي حالة مرض يعتريها لا أكثر ولا أقلّ، والأذى المرض الخفيف المؤونة، فهي حاله مؤذية دون إيذاء المرض والضرّ الشديد كما في قوله تعالى: ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذَىً مِن مَطَرٍ أَوْ كُنتُم مَرْضَى ) (1) ، وقوله تعالى: ( فَمَن كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ ) (2) ، وقوله تعالى: ( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً ) (3) .

وقد ورد في شريعة الإسلام جواز مراودتها دون الجماع فقط، قال (صلّى الله عليه وآله): (اصنعوا كلّ شيء إلاّ الجماع) ، وفي حديث آخر: (لك ما فوق الإزار) .

فالحكم الإسلامي بشأنها هو اعتزالها في المحيض فحسب، أي اعتزال موضع حيضها.

وفي ذلك أيضاً لطف بيان وأناقة كلام: بيّنَ أوّلاً سبب الحكم ثمّ رتّب الحُكم عليه، ليكون المكلّف على بصيرة من أمره، أن ليست أحكام الشرعية تحميلاً أو مجرّد تعبّدٍ محض، بل لكلّ أمر سبب ولكلّ حكم وتكليف مصلحة، تعود إلى صالح المكلّفين في نهاية الأمر.

والخلاصة: الواجب هو ترك غَشيان النساء مدّة الحيض؛ لأنّه سبب للأذى والضرر أحياناً، وقد أثبت الطبّ الحديث مفاسد غشيانهنّ في تلك الحالة، وأنّ الوقاع في زمن الحيض ربّما يؤدى إلى الأضرار التالية - حسبما أورده المراغي في تفسيره -:

آلام أعضاء التناسل في المرأة، وربّما أحدث التهابات في الرحم في المبيضين أو في الحوض، تضرّ صحتها ضرراً بليغاً، وربّما أدّى ذلك إلى تلف المبيضين وأحدث العقم، وربّما دخل موادّ الحيض في عضو التناسل عند الرجل،

____________________

(1) النساء: 102.

(2) البقرة: 196.

(3) آل عمران: 111.

٥٤٣

وذلك يُحدث التهاباً صديدياً يشبه السيلان، وربّما امتدّ ذلك إلى الخصيتين فآذاهما، ونشأ من ذلك عقم الرجل، وقد يُصاب الرجل بالزهري إذا كانت جراثيمه في دم المرأة، وغير ذلك (1) .

* * *

____________________

(1) راجع تفسير المراغي: ج1 ص157.

٥٤٤

٥٤٥

3 - الإعجاز التشريعي

معارفُ سامية وشرائعُ راقية

٥٤٦

الباب الثالث

في الإعجاز التشريعي

( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (1)

معارفُ سامية وشرائعُ راقية:

كانت للإنسان - ولا تزال - مسائل عن هذه الحياة، كان يحاول الإجابة عليها: من أين أتى؟ ولِمَ أتى؟ والى أين؟ وكانت محاولاته بهذا الشأن قد شكّلت مجموعة مسائل الفلسفة الباحثة عن سرّ الوجود، ولكن هل حصل على أجوبة كافية؟ أم كانت ناقصة غير مستوفاة لحدّ الآن؟ لولا إجابة القرآن عليها إجابة وافية وشافية كانت علاجاً حاسماً لِما كان يجيش في الصدور، ( يَا أيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (2) .

كان ما وصل إليه الإنسان من معارف حول سرّ الوجود ناقصاً وغير مقنع إلى حدّ بعيد، ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) (3) فكان مستطلعاً ومتعطّشاً إلى حلّ

____________________

(1) النحل: 89.

(2) يونس: 57.

(3) الإسراء: 85.

٥٤٧

مشاكله والإجابة على مسائله بشكل كامل ومستوفٍ جميع الجوانب ممّا يرتبط بالمبدأ والمعاد والغاية التي خُلق من أجلها العباد.

نعم، كان القرآن الكريم هو الذي تعرّض لحلّ معضلة الحياة وفصّل الكلام عن بدء الخليقة والغاية عن الوجود وكشف عن سرّ الحياة، تفصيلاً مستوفىً بما لم يدع مجالاً لمسارب الشكّ في مسائل الحياة في المبدأ والمعاد، وأجاب عن مسائل ممّا لم يكد يعرفه الإنسان ( وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (1) .

الأمر الذي جعل من القرآن آية باهرة ومعجزة قاهرة، دلّت على أنّه ليس كلام البشر، وإنّما هو وحي أنزله الله تعالى هدىً ورحمةً للعالمين.

* * *

كما وأتحف للبشرية جمعاء برامج لنظم الحياة وليعيش في سلامة وتؤدة وهناء، ممّا لم يسبقه - كما لم يلحقه - شريعة وضعها الإنسان.

كانت الأنظمة التي وضعها الإنسان لنظم حياته غير كافلة لسعادته، فإنّها وإن كانت راقية من جانب لكنّها سافلة وسحيقة من جوانب أُخر، كانت مناشئ الخسّة والدناءة عليها بادية.

الإنسان مهما ارتقى في مدارج الكمال فإنّه لا يمكنه الانطلاق من قيود نزعاته الهابطة التي تربطه بخسائس الأرض أكثر ممّا ترتقيه إلى آفاق السماء، الإنسان لا يستطيع التخلّص من براثن الحيوانية والبهيمية التي تتحكّم في نفسه إذا لم تكن مهذّبة تهذيباً يتناسب ومعالي الإنسانية الرفيعة.

ومِن ثَمّ فإنّ سِماته الخسيسة سوف تبدو على ما يضعه من قانون أو يعرضه من شرائع وأنظمه لتنظيم الحياة... وكلّ إناء بالذي فيه ينضح، إنّ ما يأتي به

____________________

(1) العلق: 3 - 5.

٥٤٨

الإنسان من علمٍ ومعرفةٍ إنّما هي ترشّحات نفسه وصفاته الباطنة في شخصه، إنّ فكرة الإنسان وليدة مشاعره عن هذه الحياة إنّه يفكّر حسبما يعيش، كما يعيش حسبما يفكّر؛ لأنّ الإنسان وليد جامعته ونتيجة بيئته، والبيئة هي التي تكوّن شخصية الأفراد الناشئة منها، فكيف يحاول الترقية ببيئته وهو حصيلها!!

إنّ القيم الساطية على البيئات هي التي توجّه مسيرة الإنسان في مشاعره وفي أفكاره، فلابدّ أن يكون ما يضعه من قانون وشريعة هي مسيّرة من خارج ذاته الإنسانية الرفيعة التي خلقه الله تعالى عليها حسب فطرته الأوّلية.

إنّ نزعات القومية والوطنية واللونية واللسانية - فضلاً عن القبائلية والبلدية - كانت قيوداً لا يستطيع الإنسان الانفلات منها ما دام رهن ميوله واتّجاهاته البشرية السافلة.

* * *

نعم، كانت الشرائع السماوية هي المتحررّة عن كلّ هذه القيود؛ ومِن ثَمّ جاءت صافية ونقية ونزيهة عن كلّ دنس وخسيسة بشرية ممّا افتقدته الإنسانية منذ قرون، حيث جاء القرآن الكريم بشرائعه طاهرة زكية.

كان الإنسان في عهد نزول القرآن يعيش في ظلمات الغيّ والجهالة، وفي لفيف من أنظمة كانت صبغتها الظلم والعتوّ على صنوف الإنسانية الكريمة، وكانت القوانين الحاكمة على البشرية حينذاك ضامنة للمُستعلينَ في الأرض مصالحهم دون المستضعفين - وهم أكثر هذه البسيطة المظلومون - قد هُضم حقّهم وسُحقت كرامتهم ورُبطوا ربط المواشي والأغنام.

* * *

في هذا الجوّ المظلم والبيئة الحالكة جاء القرآن الكريم بمشاعل وهّاجة بمصابيح وضّاءة، تنقشع عن البشرية سحب الظلام وتنكشف على الإنسانية كرامة

٥٤٩

ذاته الأصيلة، فقد جاء بأنظمة وقوانين ترفع بالإنسان إلى كرامته العليا وتُسعده في الحياة سعادة شاملة وكافلة لجميع البشرية العائشة على الأرض، على حدّ سواء، لا ميز لقبيلة على أُخرى، ولا لأهل بلد على آخرين، ولا للغة دون أُخرى، كلّهم بنو آدم، وآدم من تراب. ( يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (1) .

* * *

ومن جانب آخر، كانت الأنظمة التي وضعها الإنسان ذاته إنّما تنظّم جانبين من جوانب الإنسان في الحياة: جانب الفرد في ذاته، وجانبه مع بني نوعه، أي كيف يعيش في ضمان من مصالحه في الحياة ممّا يعود إلى نفسه، وفي المقدار الذي يربطه بمجتمعه.

في حين أنّ للإنسان جوانب أُخر في هذه الحياة، جانب مشاعره وأحاسيسه عن نشأة الوجود، وعن حبّه وعاطفته التي قد تفوق جانب رعاية مصلحة وقتية محدودة النطاق، وكذلك حسّه المرهف عن تلك القوّة القاهرة التي تُسيّر عالم الوجود، وهو ربّ العالمين، الإنسان في فطرة ذاته يشعر بوجود هكذا قدرة خارقة، ويحاول معرفتها ومعرفة مقدار علاقته بها، ووظيفته التي يجب عليه تأديتها تجاه تلك العظمة الباهرة.

إنّ أنظمة الإنسان الوضعية لتعجز على إمكان شمولها لهذه الجوانب من حياة الإنسان نعم، كانت الشرائع الإلهية - والتي جاء بها القرآن الكريم - هي الكافلة لجميع جوانب الحياة، والتي تضمن سعادة الإنسان في النشأتين.

____________________

(1) الحجرات: 13.

٥٥٠

والخلاصة: إنّ للإنسان علاقات في هذه الحياة، تشمل علاقته بنفسه، وعلاقته مع بني نوعه، وعلاقته مع ربّه وخالقه ومَن إليه مصيره في نهاية المطاف..

والأنظمة الوضعية إنّما تكفل ضمان العلاقتين الأُولتين بشكل ناقص، وإنّما يضمن العلاقات أجمع وبشكل كامل الشرائع الإلهية، ولا سيّما شريعة الإسلام التي جاء بها القرآن. ( لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (1) .

هكذا جاء القرآن بشرائع راقية - فاق بها شرائع وضعتها البشرية - شاملة كاملة وكافلة الإنسانية في الدارين.. فكانت معجزة خارقة، ودليلاً واضحاً على صدق رسالة الله في الأرض.

* * *

فالآية المعجزة في القرآن الكريم، إنّه أتى بمعارف تسمو معارف البشرية، وجاء بشرائع تتعالى عن خسائس الشرائع الوضعية؛ وبذلك كانت معارف القرآن وشرائعه ممتازة عن سائر الشرائع والأديان بحيث لا تشابه بين شريعة الإسلام وما كان عليه الإنسان المتحضّر في ذلك العهد.

إذاً، فكيف يزعم بعض أصحاب العقول الضعيفة: أنّ القرآن - بل الإسلام - أخذ شرائعه من شرائع وضعية كان قد وضعها الرومان، أو أخذ معارفه من معارف فرضية كان قد فرضها اليونان، أو غيرهما من أُمّم بائدة قد أكل الزمان عليها وشرب؟! حاش القرآن أن ينتهج منهجاً كان معوجّاً في أساس غير قويم.

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (2) .

____________________

(1) آل عمران: 164.

(2) الروم: 30.

٥٥١

المَثَل الأعلى في الإسلام:

عنوان عنونَ به سيد مير علي الهندي مقاله بهذا الشأن، فلنترك القلم بيده (1) :

قال: والمبادئ الأساسية التي أُنشئ النظام الإسلامي على أساسها هي:

1 - الآيات بالوحدانية، ولا مادّية الخالق وقدرته ورحمته وحبّه الشامل.

2 - المحبّة والإخاء بين الجنس البشري.

3 - قهر الشهوة وكسر صولتها والضبط من جموحها.

4 - تدفّق الشكر المتواصل من القلب، لواهب النِعم والآلاء.

5 - مسؤولية الإنسان ومحاسبته على ما قدّمت يداه في الدنيا والآخرة.

والحقّ أنّ المفاهيم الرفيعة النبيلة - التي ورد ذكرها في القرآن الكريم - فيما يتعلّق بقدرة الخالق ولطفه وإنعامه لخلقه تفوق أيّة مفاهيم أُخرى من نوعها وردت في أيّة لغة أُخرى.

فوحدانية الله ولا ماديته وجلاله ورحمته تشكّل الموضوع الثابت الذي لا ينتهي لأفصح عبارة في آيات تستثير الروح وتهيّج الوجدان، ويظلّ فيها تدفّق الحياة والروح زاخراً لا ينقطع جريانه، وليس في ذلك أيّ أثر للتحكّم أو الجمود ضمن قواعد محدّدة.

فالدعوة موجّهة إلى الضمير الداخلي للإنسان وحده، وهو الذي تناشده دعوة محمّد (صلّى الله عليه وآله).

ولإدراك واقع الحال علينا أن نقلب بعض صفحات التاريخ. فلنلتفت إلى الماضي التفاتة قصيرة لنرى المبادئ الدينية التي كانت قائمة آنذاك، أي عندما جاء نبيّ الإسلام مبشّراً برسالته.

ولنبدأ بفكرة الربوبية:

كانت هذه تختلف بين العرب الأقوياء، وفقاً لثقافة الفرد أو القبيلة، فهي ترتقي

____________________

(1) من كتابه روح الإسلام: ص157 - 185 مع شيء من التغيير والتعديل.

٥٥٢

عند بعضهم إلى درجة الإلوهية أو تأليه الطبيعة، بينما هي عند بعضهم الآخر تنحدر إلى مجرّد عبادة الأوثان وتقديس قطعة من العجين أو عصاً أو حجر.

كان بعضهم يؤمن بالحياة الأُخرى، أمّا البعض الآخر فليست لديهم أيّة فكرة عنها من أيّ نوع كان.

وكذلك فإنّ العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون غاباتهم الصغيرة وأشجار الوحي فيها - حسب زعمهم - وكان لهم كاهناتهم مثل خنيقي سوريا.

هكذا كان عالم الأعراب سابحاً في دوّامة من المبادئ التي لا يكاد يصدّقها العقل حول مثالية الإله سيّد الجميع.

* * *

أمّا اليهود - الذين حافظوا بعض الشيء على فكرة التوحيد - فإنّهم أنفسهم قد شوّهوا مقداراً من تلك الفكرة ومسخوها مسخاً (1) .

كان اليهود قد وفدوا إلى شبه جزيرة العرب على عدّة فترات، ولا شكّ أنّ الصفات المميّزة - التي قادت الإسرائيليين مراراً إلى الميل ثمّ التردّي في عبادة الأوثان في دمارهم الأصلية، قد ازدادت عند هجرتهم إلى الجزيرة بتأثّرهم بوثنية إخوانهم العرب، وكان ذلك طبيعياً، وقد كان لدى فكرة ربّ إبراهيم أن يضحّوا إليها مفهوماً مادّياً للخالق، وكانت عبادة الناموس منحرفة إلى درجة الوثنية بين آخر مجموعة يهودية وفدت إلى الجزيرة، وكانوا يحترمون الكَتَبة والأحبار ويقدّرونهم إلى حدّ تقديسهم (2) . وكان هؤلاء الأحبار ينظرون إلى أنفسهم على اعتبار أنّهم صفوة الشعب وأنّهم صلة الوصل بالله وأكثر الناس قربى من الله.

____________________

(1) ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى‏ يُؤْفَكُونَ ) . (التوبة: 30).

(2) ( اتّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) . (التوبة: 31).

٥٥٣

وبالإضافة إلى ذلك، فأنّ الجماهير اليهودية لم تترك عبادة الترافيم، وهي عبارة عن آلهة كانوا يحتفظون بها في بيوتهم، قد صنعوها على شكل بني البشر، وكانوا يستشيرون هذه الآلهة في كلّ المناسبات، على اعتبار أنّها آلهتهم الخاصّة التي تتلقى الوحي من الله، ولابدّ أن تكون هذه العبادة قد تعزّزت وارتفع شأنها عن طريق الاتّصال مع الوثنيين العرب.

ونحن نرى أنّ الفلسفة الكلدوزرادشتية قد تركت أثرها الذي لا يُمحى على التقاليد اليهودية من جهة، ومن جهة أُخرى فقد كان أعظم مفكّريهم - حين يحاولون إدخال الاعتقاد بالعلّة الأُولى إلى آراء وتصانيف فلاسفة اليونان والرومان - يشرّبون مدراس الفكر الاسكندرانية بمبادئ وأفكار لا يمكن أن تتّفق مع مذهبهم التوحيديّ الأصل.

وبالإضافة إلى هؤلاء كان هنالك الهندوس مع الحشد الضخم من آلهتهم والإهاتهم، والزرادشتيون مع توأم آلهتهم اللذين يتخاصمان دوماً في سبيل الغلبة والسيادة.

ولن يغيب عن بالنا اليونان والرومان والمصريون، مع هياكلهم التي تتراكم فيها الآلهة بأخلاقها التي لا ترقى إلى مستوى أخلاق عَبَدتها المنحلّين.

* * *

هكذا كان حال العالم المتحضّر في إبّان نشر دعوة المسيح (عليه السلام).

وكان السيّد المسيح بالرغم من كلّ بشاراته وتعاليمه واتّجاهات فكرته فإنّه لم يدّعِ أنّه (متمّم لله) أو أنّه (جوهر الله وذاته) إطلاقاً، ومن المؤسف حقّاً أنّه حتى المسيحية الحديثة قد ظلّت عاجزة عن انتزاع نفسها وتحريرها من الأساطير القديمة التي تركتها لها العصور الغابرة ذلك؛ لأنّ أتباع المسيحية كانوا يتخلّصون جيلاً بعد جيل من كلّ ما هو بشري، في تاريخ المسيح حتّى ضاعت شخصيّته في خضّم الأساطير.

٥٥٤

وها هو (العهد الجديد) ذاته - بما تفرّع عنه خلال قرن كامل - يترك المسيح تلك الشخصية الجليلة غامضة يلفّها ضباب الشكّ والأسطورة أكثر ممّا ينيرها اليقين والتحقيق، وهكذا مع كلّ يوم يمرّ، كانت فكرة (ذاتٍ وُلدت في قلب الأزلية) تكتسب قوّة تظل تتزايد، حتّى تحوّلت إلى عقيدة في صلب الدين.

وقد كانت تعاليم المسيح حريَّةً بأن ترقى إلى مفهوم عن الله أشدّ نقاءً وأعظم مجداً، غير أنّ قروناً ستة قد مضت على عيسى (عليه السلام) ظلّت تلفه طوالها هذه الخزعبلات التي تتعارض مع رسالته، فكان أن أَضفَت عليه صفة الإلوهية، وهكذا فإنّ العبد قد احتلّ مكان مولاه في تقديس البشر.

ولمّا كانت جمهرة العامّة عاجزة عن أن تستوعب - أو حتّى تدرك - المزيج العجيب للفلسفات الفيثاغورية الجديدة والأفلاطونية واليهودية الهيلينية، وكذلك تعاليم المسيح، فقد عَبَدته كما لو كان إلهاً أصيلاً، أو انقلبوا إلى عبادة الآثار وآلهة منحوتة تمثل أُمّه البتول.

وحيث كان المدى قد طال على هذه الخزعبلات فإنّ المسيحيين قد ابتعدوا كثيراً عن بساطة تعاليم المسيح (عليه السلام). حتى لقد أصبحت عبادة الصور والقدّيسين والآثار جزءً لا يتجزأ من ديانة يسوع، وكذلك فإنّنا نرى أنّ الشرور التي شجبها عيسى (عليه السلام) نفسه والطقوس التي أنكرها قد أخذت تدخل في صلب دينه، واحدة تلو أُخرى.

* * *

وبعد، فإنّنا نرى ضدّ كلّ هذه السخافات التي كانت سائدة طول عصور والتي ظلّت مستحكمة البنيان ذلك العهد، كان هدف نبيّ الإسلام في حياته موجّهاً ومركّزاً على أُسس قويمة يدعمها العقل والفطرة السلمية، فهو إذ يخاطب الناس يخاطبهم بحقّ، وهو متأثّر باتصال وثيق مع الله، الله الذي خَلق الكون جملةً وتفصيلاً، ولم يحد محمدٌ (صلّى الله عليه وآله) عن طريق العقل الرشيد. ورغم قيام عبدة الأوثان

٥٥٥

من أبناء القبائل العربية من جهة، وأتباع المسيحية واليهودية الممسوختين من جهة أُخرى، بمحاولة إغرائه، فقد ظلّ يخاطبهم حتّى جعلهم يخجلون من فظاعة معتقداتهم.

وهكذا، فإنّ نبيّ الإسلام - الذي كان يُسمّى بحقّ (سيّد القائلين) و(سيّد المرسلين) والداعي إلى وحدانية الله - قد صمد، كما يحدّثنا التاريخ، في صراع نبيل واجهته به أول الأمر، ثمّ فرضته عليه بعد ذلك محاولات الإنسان الرجعية الرامية إلى إشراك مخلوقات أُخرى مع خالق الكون غير أنّ الدعوة قد غَلبت الجميع، وظهر الدين كلّه على الشرك كله، فقد ( جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) (1) .

وليس أوضح ولا أجزم من الآيات التالية التي وردت في القرآن الكريم في تفسير وحدانية الله إنّه يقول:

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الرّحْمنُ الرّحِيمُ * إِنّ فِي خَلْقِ السّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ وَالنّهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنَ النّاسِ مَن يَتّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبّاً للّهِ‏ِ وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنّ الْقُوّةَ للّهِ‏ِ جَمِيعاً وَأَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) (2) .

فأيّ عطف عميق تعرضه هذه الكلمات على أولئك الذين في الجهالة يعمهون! ثمّ هذه الآيات، حيث قال تعالى في كتابه الكريم:

( هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السّحَابَ الثّقَالَ * وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ

____________________

(1) التوبة: 48.

(2) البقرة: 163 - 165.

٥٥٦

فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَي‏ءٍ إِلاّ كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ * وَللّهِ‏ِ يَسْجُدُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلاَلُهُم بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * قُلْ مَن رّبّ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتّخَذْتُم مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِم نَفْعاً ولاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى‏ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُمَاتُ وَالنّورُ أَمْ جَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ ) (1) .

وقوله جلّ شأنه:

( خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقّ تَعَالَى‏ عَمّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ * وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ‏ءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى‏ بَلَدٍ لّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاّ بِشِقّ الأَنفُسِ إِنّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً لَكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ * وَسَخّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذّكّرُونَ * وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقى‏ فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلاَمَاتٍ وِبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاّ يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ * وَإِن تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ اللّهَ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ * وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا

____________________

(1) الرعد: 12 - 16.

٥٥٧

تُسِرّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ ) (1) .

و: ( اللّهُ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ ) (2) .

وكذلك: ( إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ والأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللّيْلَ النّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومَ مُسَخّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (3) .

وكذلك (سورة الإخلاص):

( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (4) .

وسورة الفاتحة:

( بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * اَلْحَمْدُ للّهِ‏ِ رَبّ الْعالَمِينَ * الرّحْمنِ الرّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلّينَ ) (5) .

( قُل لِمَن مَا فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُل للّهِ‏ِ كَتَبَ عَلَى‏ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ لَيَجْمَعَنّكُمْ إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (6) .

( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُم بِاللّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنّهَارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى‏

____________________

(1) النحل: 3 - 21.

(2) البقرة: 255.

(3) الأعراف: 54.

(4) الإخلاص: 1 - 4.

(5) الفاتحة: 1 - 7.

(6) الأنعام: 12.

٥٥٨

أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1) .

وفي مجال بيان توحيد الله سبحانه والاستدلال عليه من خلال مخلوقاته وآثار الإبداع في خلقه، وهي الطريقة الفطرية للإقناع والإتباع، يقول تعالى:

( إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَى‏ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى‏ تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ النّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنْشَأَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مِن أَعْنَابٍ وَالزّيْتُونَ وَالرّمَانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى‏ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنّ فِي ذلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ الْجِنّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏ عَمّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ أَنّى‏ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * ذلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) (2) .

( قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ‏ِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) (3) .

( أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطّيْرُ صَافّاتٍ كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللّهِ‏ِ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) (4) .

____________________

(1) الأنعام: 59 و60.

(2) الأنعام: 95 - 104.

(3) الأنعام: 162.

(4) النور: 41 و42.

٥٥٩

( اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ * يُدَبّرُ الأَمْرَ مِنَ السّماءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ * ذلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ * الّذِي أَحْسَنَ كُلّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ ) (1) .

( قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (2) .

( قُلْ هُوَ الّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (3) .

( وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النّهَارَ نُشُوراً ) (4) .

( غَافِرِ الذّنْبِ وَقَابِلِ التّوْبِ... ذِي الطّوْلِ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) (5) .

( لا شَرِيكَ لَهُ وِبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (6) .

( أَمّنْ خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلهٌ مّعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكّرُونَ ) (7) .

____________________

(1) السجدة: 4 - 9.

(2) الأعراف: 158.

(3) الملك: 23 و24.

(4) الفرقان: 47.

(5) غافر: 3.

(6) الأنعام: 163.

(7) النمل: 60 و62.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579