أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية0%

أصول الخطابة الحسينية مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 140

أصول الخطابة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ضياء الساري
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 140
المشاهدات: 75191
تحميل: 8851

توضيحات:

أصول الخطابة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75191 / تحميل: 8851
الحجم الحجم الحجم
أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اُصولالخطابةالحسينيّة

كيف تكون خطيباً ناجحاً؟

تأليف: ضياء الساري

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

الإهداء

إلى السيّدة الطاهرة التي آمنت وصدّقت بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام وأوفت بأحسن الوفاء لها، بأولادها الأربع الصالحين، فاستحقت أن تكون أوّل الصادقين للولاية، والنموذج الذي يُقتدى به...

إليكِ يا سيدتي اُمّ البنين اُقدّم هذا العمل المتواضع، وأدعو الله أن يتقبّل بأحسن القبول.

٤

اللّهم كن لوليك الحجّة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليّاً وحافظاً،

وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسّلام على خيرته من خلقه محمّد وآله الأصفياء، واللّعنة الدائمة على أعدائهم وظالميهم إلى يوم الجزاء.

وبعد، فإنّ للنهضة الحسينيّة الإصلاحية أكبر الأثر في المحافظة على روح الإسلام، وصون اُصوله وفروعه، وقيمه ومُثُلِهِ، وحقائقه ومسلّماته من الانحراف والتميّع، فلولاها - والاُمور بالأسباب - لساد دين الاُمويّين، وصارت بدعهم سنناً، وأهواءهم قيماً، ورموزهم وجهاء يُتَقَرّب إلى الله (عزّ وجلّ)، ولبات الأبيض أسودَ، والناقة جملاً، واختلط الحابل بالنابل، ولخرج الناس من النور أمواجاً ولدخلوا في الظلمات أفواجاً، ولنُقض الغرض الذي لأجله بُعث خاتم النبيين؛ وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور.

فكانت الصرخة الحسينيّة المدوّية: «على الإسلام السّلام إذا بُليت الاُمّة براعٍ مثل يزيد»، فأتت على قواعد الاُمويّين، وخرّ عليهم السقف من فوقهم، وصارت أحلامهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الضمآن ماءً، وما انجلت غبرة المعركة إلاّ وقد انتصر الدم على السيف.

قال الشاعر الموالي:

لمْ أدرِ أينَ رجالُ المسلمينَ مضوا

وكيفَ صارَ يزيدٌ بينهمْ ملكا

إلى أن يقول:

٦

قد أصبحَ الدينُ منهُ يشتكي سقماً

وما إلى أحدٍ غيرِ الحسينِ شكا

فما رأى السبطُ للدّينِ الحنيفِ شفا

إلاّ إذا دمهُ في كربلا سُفكا

بقتلهِ فاحَ للإسلامِ نشرُ هدىً

فكلّما ذكرتهُ المسلمونَ ذكا

ثمّ حملوا مَنْ بقي من أهل البيت مع الأطفال والنساء - وهنّ بنات الرسول والرسالة - أسرى، فساقوهم سوق الإماء، وهم يعتبرون هذا - بزعمهم - تتمّة الانتصار، وما أدروا - لا دروا - أنّهم إنّما يحملون على النوق الموطّدين والموطّدات، والناشرين والناشرات لأهداف أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

فهذا الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام يقول في مجلس يزيد: «أيّها الناس، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردى... إلى أن قال: أنا ابن المرمّل بالدما، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء، وناحت عليه الطير في الهواء»(1) .

وتلك العقيلة زينبعليها‌السلام تقول موبخّةً يزيد في مجلسه: فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلاّ فند، وأيّامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين(2) .

وهكذا توالت الخطب في الكوفة ودمشق وما بينهما حتّى

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام - للمقرّم / 454.

(2) المصدر نفسه / 464.

٧

انقلب السحر على الساحر، وعرف الناس ما أخفاه يزيد عنهم، وأنّ الذي قُتل في كربلاء هو الإمام الحسينعليه‌السلام ريحانة رسول الله، وأنّ هؤلاء الأُسارى هم أهل بيته لا خوارج كما كانوا يقولون، فخاف يزيد انقلاب الأمر عليه فجعل الاعتذار والإحسان لأهل البيت، وأُخرجوا من الشام إلى المدينة، ولكنّهم حتّى بعد أن رجعوا إلى المدينة ما هدأت فورتهم، ولا سكنت أنّتهم، يبكون الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومَنْ استشهد معه.

فهذا الإمام السجّادعليه‌السلام - البكّاء - يمر بدور الشهداء ويبكي، وينظر إلى الطعام والشراب ويبكي، ويمشي في الأسواق وهو يبكي، وهكذا النساء في مجالس العزاء والحزن، حتّى روي أنّه ما اكتحلت علويّة وما تزيّنت حتّى قُتل ابن زياد.

ثمّ كان للشعراء والراثين بعد ذلك أبلغ الأثر في الإبقاء على حرارة الفاجعة، بعد أن رغّبهم وحثّهم على ذلك أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، حتّى جاء في الأثر: «من قال فينا بيتاً من الشعر بنى الله له بيتاً في الجنّة».

فتسابق الشعراء في النظم وأكثروا منه، حتّى صار أدبُ الطفّ وشعراء الحسينعليه‌السلام من الكثرة بحيث لا يخلو منهم زمان أو مكان، وأصبح البكاء والتباكي والتوجّع، بل التفجّع عرفاً بين أهل الإيمان، وهم الفئة التي عُرفت باتّباع أهل البيتعليهم‌السلام ؛ فألّفت الكتب، ودوّنت القصائد، وتعددت المقاصد، حتّى صار الراثي يقرأ على الناس - إضافةً إلى رثاء الإمام الحسينعليه‌السلام - بعض

٨

الفضائل وأحاديث النبي وآلهعليهم‌السلام ، وهكذا إلى أن أصبح الرثاء يمارس بشكل مستمر حتّى أنّك لا تجد محفلاً يخلو منه.

وبهذا صار المنبر الحسيني الشريف بروّاده ركناً من أركان المجتمع الإسلامي لا يمكن بحال من الأحوال أن يُغفل أو يُتجاهل؛ كيف ومنه يستمعون إلى الحديث والتأريخ، والسيرة والأدب، ويتعلّمون مسائل الحلال والحرام، وينصتون إلى فضائل ومناقب النبي وآلهعليهم‌السلام ، ويأخذون كلّ ما به صلاح دينهم ودنياهم، حتّى إن بعض المجتمعات الإسلاميّة تنحصر ثقافتهم الدينيّة بأعواد المنبر فحسب؟

ومن هنا انبثقت الحاجة إلى تأسيس منهج واضح متكامل، يتكفّل بتعبيد الطريق للناشئة من أهل المنبر، وينقل ما في صدور الأساتذة الخطباء الكبار إلى السطور لتعمّ الفائدة.

والحقّ أنّ هذا الكتاب الذي بين يديك - عزيزي القارئ - اُصول الخطابة الحسينيّة خطوةٌ جيّدة جريئة في هذا الطريق، قام بتأليفه أحد المعنيّين بالخطابة والتبليغ، وأحد المتخرّجين الأوائل من معهد الإمامين الحسنينعليهما‌السلام ، وأحد الأساتذة الفضلاء الذين جمعوا بين الحوزة والجامعة، ذاك هو الشيخ ضياء الساري (دام علاه).

فنحن إذ نبارك له هذا الجهد الميمون النافع،

٩

نلتمسه المزيد ممّا فيه حفظ العقيدة والمذهب، وتقوية الشعائر، وجلاء البصائر، والحمد لله ربّ العالمين.

معهدُ الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للخطابة

26 من ذي القعدة الحرام 1422 هـ

١٠

مقدّمة المؤلِّف

ضرورة المنهج في الخطابة

إنّ كلَّ أمّة تحتاج في تربية أبنائها بمقوماتها السلوكية والعقائدية إلى وسائل التأثير في الجماعات، وعلى الرغم من أنّ تلك الوسائل تنوّعت وتطوّرت عبر مراحل الأزمنة المختلفة؛ فإنّ الخطابة تحتلّ المكانة البارزة فيها، إذ لا يمكن الاستغناء عنها بأيّ حالٍ من الأحوال؛ لأنّ روح الخطابة تكمن في المواجهة المباشرة بين دعاة الاُمّة والناس، فهي من وسائل التأثير الناطقة، والمعبّرة من ضمير الاُمّة.

الخطابة بمعناها العام لا تختلف عن بقية العلوم والفنون باحتياجها إلى منهج رصين يقتدي به السالكون في طريقها؛ إذ لا يتصوّر التقدّم والتطوّر في فنٍ أو علم إذا لم يكن له منهاج.

فالعشوائيّة والارتجاليّة واللامنهجيّة لا يستثمر منها شيء، وإن أعطت ثمرة فإنّها لا تبلغ الثمرة العظيمة من عطاء البرمجة ضمن منهاج متين في أصوله وقواعده، والواقع شاهد على ذلك بأنّ تطوّر العلوم الطبيعيّة جاء نتيجة التطوّر في منهاج البحث العلمي المرتبط في كلّ علم.

فالخطابة لها منهاج، وعلى الرغم من تعدد فروعها فهي تشترك في اُصول عامّة.

أمّا الخطابة الحسينيّة فهي من جهة لها خصوصيّات انفردت بها عن بقيّة أنواع الخطابة، وهي من جهة اُخرى تشترك مع الخطابة العامّة في الاُصول والقواعد العامّة؛ لهذا سعينا في هذا البحث للجمع بين الجهتين، لغرض تبلور

١١

منهاج خاصّ للخطابة الحسينيّة يعين السالكين لهذا السبيل المقدّس على استقطاب قدراتهم وقابلياتهم لبلوغ مرامهم الرسالي على أفضل وجه.

١٢

الباب الأول

الخطابة

1 - تعريف الخطابة

2 - الغاية من الخطابة

3 - كيف نحصل على الخطابة

١٣

تعريف الخطابة

الخطابة: مصدر خطب يخطب، أي صار خطيباً، وهي على هذه صفة راسخة في نفس المتكلّم، يقتدر بها على التصرّف في فنون القول؛ لمحاولة التأثير في نفوس السامعين، وحملهم على ما يراد منهم بترغيبهم وإقناعهم.

فالخطابة: مرامها التأثير في نفس السامع، وإثارة إحساسه للأمر الذي يراد منه، ليذعن للحكم إذعاناً، ويسلّم به تسليماً(1) .

الغاية من الخطابة

وقعت الكثير من الموجودات عنواناً لتوحيد الله تعالى وطاعته، كجعل آدمعليه‌السلام وهو بشر عنواناً لطاعته حينما أمر الباري الملائكة بالسجود له [ بقوله: ]( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (2) .

ووقوع الناقة - وهي حيوان - عنوان لتوحيده تعالى في آية نبي الله صالحعليه‌السلام [ حيث قال تعالى: ]( وَإِلَى‏ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَكُمْ مِن إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ هذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (3) .

وتعظيم الكعبة وهي حجر، ففي جميع ذلك لم يكن امتثال الأمر

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تأريخها / 12.

(2) سورة البقرة /34.

(3) سورة الأعراف /73.

١٤

بقصد الخضوع للشيء المعنون في الأمر، إنّما هو امتثال لإرادة الله تعالى.

فالإتيان بالعمل طبق تلك الإرادة هو عنوان للتوحيد، والإعراض عنه هو عنوان للكفر والعصيان، فكلّ شيء له نسبة إلى الباري (عزّ وجلّ) يعظّم ويمجّد باعتباره عنواناً لتوحيده تعالى.

والأمر كذلك في الدعوة إلى سيّد الشهداء، فهو رمز للتوحيد وكلمة الله؛ لنسبته إليه بإمامته المنصوص عليها في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا - يعني الحسينعليه‌السلام - إمام ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمّة تسعة»(1) .

ولوظيفته الإلهية في هداية الناس إلى الحقّ المطلق في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط»(2) .

فالمناداة باسمه، والدعوة له، والتصريح بحقّه، ونشر رسالته، وبيان مظلوميّته إنّما هي دعوة للتوحيد. [ قال تعالى: ]( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمّنْ دَعَا إِلَى اللّهِ وَعَمِلََ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (3) .

ولمّا كانت ثورة الإمام غير محصورة في زمن محدّد، فالدعوة له خالدة؛ لأنّ النصرة التي أرادها الإمام «أما من مغيث يغيثنا لوجه الله، أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله»(4) ، في حاضره أن

____________________

(1) حياة الإمام الحسين بن علي 1 / 95.

(2) المصدر نفسه 1 / 94.

(3) سورة فصلت /33.

(4) الملهوف على قتلى الطفوف / 159.

١٥

يجرّد السيف ويُقاتل معه في سبيله، ونصرة فيما بعد أن تبيّن حقيقة ثورته الإلهية للأجيال في قبال مَنْ سعى لطمس حقيقة تلك الثورة.

فالنصرة باقية وخالدة، وغايتها حثّ الناس على التوحيد عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام ، وتكفّلت الخطابة الحسينيّة جزءاً كبيراً من هذه المسؤوليّة المقدّسة.

كيف نحصل على الخطابة

لم تكن الخطابة سهلة المنال، بل تحتاج إلى احتمال المشاق، وإلى الجدّ والسعي الحثيث والمثابرة، وبهذا يمكن بلوغ هذه النعمة العظيمة.

أمّا طريق تحصيلها تتلخّص في:

أ - قابلية تلائم الخطابة

أن يكون الخطيب خالياً من العيوب الكلاميّة، من فأفأة ونحوها، وأن يكون ثابت الجنان، ذكيّ القلب، طلق اللسان، فإذا اجتمعت فيه القابلية فلا يحتاج إلاّ إلى التعلّم والممارسة(1) .

ب - دراسة اُصول الخطابة

للخطابة الحسينيّة اُصول وقواعد يجب على الذي يسير في طريقها أن يتعرّف عليها؛ ليصل إلى غايته العظيمة. وقيل: مَنْ ترك الاُصول حُرم الوصول.

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها - محمد أبو زهرة / 17.

١٦

ج - الاطّلاع على الكثير من العلوم

ويتلخّص ذلك في جهتين:

الأولى: أن يكون الخطيب من طلبة العلوم الإسلاميّة الذين يتلقّون العلوم - علوم أهل البيتعليهم‌السلام - في المدارس والحوزات الرسميّة؛ ولاستقطاب قدراته وقابلياته، ولحفظ وصيانة وقته أن يتلقّى الدروس من أساتذة يعدّون من أهل الاختصاص. فالخطيب عليه أن يواصل دراسته الحوزويّة، وأن يتقن على نحو الاختصاص الفقه والعقائد.

الثانية: أن يوسّع الخطيب دائرة ثقافته واطلاعه على العلوم المختلفة؛ كالتعرّف على بعض أساسيات العلوم الطبيعية، وعلم النفس، والاجتماع، والتعرّف على الفرق والمذاهب الإسلاميّة، والتاريخ الإسلامي، والتعرّف أيضاً على بعض الحضارات العالميّة، وأن يتابع الأحداث العالميّة، كما عليه متابعة التطوّرات العلميّة في مختلف العلوم.

١٧

علاقة الخطابة بعلم النفس

تعلّم علوم العربية والمنطق، والإحاطة بمسائل الفقه والعقائد، وامتلاك بعض المؤهّلات لا تجدي نفعاً إذا لم يحسن الخطيب أساليب التعامل مع الفرد والمجتمع؛ فإنّ غرض الخطيب منهم هو أن يؤسس فيهم موطن الولاء للدين والمذهب، وهذا لا يأتي من مجموعة تصرّفات شخصيّة وارتجاليّة، وإنّما تحتاج إلى خطوة علميّة دقيقة نابعة من منهج مخطّط له سلفاً.

فالخطيب وهو مقبل على المجتمع يواجه أشكالاً وأنماطاً متعدّدة من السلوك والآراء، التي قد تخالف في البعض منها ما يحمله الخطيب من معتقدات ومبادئ سلوكيّة، فالخطيب يجب أن يعدّ ويهيّأ لمواجهة جميع ذلك.

علم النفس الاجتماعي يزوّد الخطيب من جهته بقواعد مهمّة، يمكنه منها تحليل سلوك الفرد وهو في المجتمع؛ فإنّ سلوكه وهو مندمج في مجتمعه غير سلوكه وهو منفرد مع ذاته، كما إنّه يقوم بدراسة السلوك الجماعي؛ فدراسة فروع علم النفس، خاصة علم النفس الاجتماعي أمر لا بدّ منه، ولا يمكن للخطيب أن يستغني عنه.

كيف يستغني عنه وهو الذي لا يستغني عنه كلّ مَنْ كان له وظيفة مباشرة مع المجتمع، كالسياسي، والمفكّر، والعسكري؟

١٨

لقد سجّل التاريخ الكثير من المواقف التي استفاد منها السياسيّون والقادة العسكريّون، والمفكّرون من الدراسات النفسيّة للمجتمع، الذي هم على مواجهة مباشرة معه، وبلغوا أهدافهم بمساعدتها.

حينما أراد نابليون بونابرت احتلال مصر عام (1798) م، وانتزاعها من سلطنة المماليك استغل التوجيهات النفسيّة والعقائديّة للمصريين؛ فقد ادّعى إنّه قدم لينتشل المصريّين من ظلم المماليك، وخلع على نفسه لقب حامي الإسلام، بل تطرّف في تبجّحه ونفاقه فادّعى إنّه مسلم، وإنّه يحارب النصرانيّة في روما التي أرادت أن تحارب المسلمين، وحينما كان له ما أراد لم يمضِ وقت طويل حتّى كانت خيول الغزاة الآفاقين تدوس الجوامع، وتضرب الثوار بكلّ قسوة وعنف(1) .

فيجب أن تكون لدى الخطيب معرفة وثيقة بأحوال المجتمع الذي قصده بالتبليغ، المعرفة الوثيقة بعاداتهم، تقاليدهم، لغتهم، أوضاعهم الاقتصاديّة، ثقافتهم وغير ذلك.

وعلم النفس الاجتماعي يزوّده بالاُصول والقواعد والأساليب التي لا بدّ أن يأتي الخطيب بها إلى المجتمع.

والجدير بالذكر أنّ مهمّة الخطيب لا تنحصر في حدود أهل المذهب، كما إنّ وظيفة التبليغ أوسع من الخطابة.

____________________

(1) الحرب النفسيّة معركة الرأي والمعتقد 1 / 75.

١٩

د - التعرّف على أساليب الخطباء

ينبغي للخطيب المبتدئ الإكثار من الاستماع إلى أساليب الخطباء المتميّزين في نهجهم الخطابي، وأن يكون في مراسه الخطابي محاكياً لأساليبهم، أو مقتبساً منهم، أو سائراً في مثل دربهم؛ فهو إذا فعل ذلك ستجتمع عنده أساليب كثيرة متغايرة يستطيع الاستفادة منها عند الحاجة إليها.

ﻫ - المران والممارسة

إنّ الفطرة والاطّلاع، والعلم باُصول الخطابة، والتعرّف على أساليب الخطباء لا تكفي في تكوين الخطيب؛ لأنّ الخطابة ملكة وعادة نفسيّة لا تتكّون دفعة واحدة، بل لا بدّ لمريدها من المعاناة والممارسة والمران؛ لكي ينمّي مواهبه إن كانت فيه فطرتها، ولكي يطبّ لعيوبه إن كان فيه عيوبها(1) .

فعلى المريد للخطابة أن يروّض نفسه على الخطابة الجيّدة حتّى تصير له شأناً وطبيعة، فإذا صار له ذلك فليحذر من إهمال المران، والمواصلة، والممارسة؛ فإنّ ذلك آفة تستولي على الطبيعة، وتخلّ في القابليّة.

أمّا ما يتعرّض له الخطيب المبتدئ من مكاره؛ كمقابلة الناس له بالسخرية والاستهزاء، أو يكون المخاطبون ممّنْ يتقصون عوراته، ويتسقّطون هفواته، فليست هذه أسباباً واقعيةً تصدّه

____________________

(1) المصدر نفسه / 20.

٢٠