أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية42%

أصول الخطابة الحسينية مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 140

أصول الخطابة الحسينية
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80333 / تحميل: 9965
الحجم الحجم الحجم
أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اُصولالخطابةالحسينيّة

كيف تكون خطيباً ناجحاً؟

تأليف: ضياء الساري

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

الإهداء

إلى السيّدة الطاهرة التي آمنت وصدّقت بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام وأوفت بأحسن الوفاء لها، بأولادها الأربع الصالحين، فاستحقت أن تكون أوّل الصادقين للولاية، والنموذج الذي يُقتدى به...

إليكِ يا سيدتي اُمّ البنين اُقدّم هذا العمل المتواضع، وأدعو الله أن يتقبّل بأحسن القبول.

٤

اللّهم كن لوليك الحجّة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليّاً وحافظاً،

وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسّلام على خيرته من خلقه محمّد وآله الأصفياء، واللّعنة الدائمة على أعدائهم وظالميهم إلى يوم الجزاء.

وبعد، فإنّ للنهضة الحسينيّة الإصلاحية أكبر الأثر في المحافظة على روح الإسلام، وصون اُصوله وفروعه، وقيمه ومُثُلِهِ، وحقائقه ومسلّماته من الانحراف والتميّع، فلولاها - والاُمور بالأسباب - لساد دين الاُمويّين، وصارت بدعهم سنناً، وأهواءهم قيماً، ورموزهم وجهاء يُتَقَرّب إلى الله (عزّ وجلّ)، ولبات الأبيض أسودَ، والناقة جملاً، واختلط الحابل بالنابل، ولخرج الناس من النور أمواجاً ولدخلوا في الظلمات أفواجاً، ولنُقض الغرض الذي لأجله بُعث خاتم النبيين؛ وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور.

فكانت الصرخة الحسينيّة المدوّية: «على الإسلام السّلام إذا بُليت الاُمّة براعٍ مثل يزيد»، فأتت على قواعد الاُمويّين، وخرّ عليهم السقف من فوقهم، وصارت أحلامهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الضمآن ماءً، وما انجلت غبرة المعركة إلاّ وقد انتصر الدم على السيف.

قال الشاعر الموالي:

لمْ أدرِ أينَ رجالُ المسلمينَ مضوا

وكيفَ صارَ يزيدٌ بينهمْ ملكا

إلى أن يقول:

٦

قد أصبحَ الدينُ منهُ يشتكي سقماً

وما إلى أحدٍ غيرِ الحسينِ شكا

فما رأى السبطُ للدّينِ الحنيفِ شفا

إلاّ إذا دمهُ في كربلا سُفكا

بقتلهِ فاحَ للإسلامِ نشرُ هدىً

فكلّما ذكرتهُ المسلمونَ ذكا

ثمّ حملوا مَنْ بقي من أهل البيت مع الأطفال والنساء - وهنّ بنات الرسول والرسالة - أسرى، فساقوهم سوق الإماء، وهم يعتبرون هذا - بزعمهم - تتمّة الانتصار، وما أدروا - لا دروا - أنّهم إنّما يحملون على النوق الموطّدين والموطّدات، والناشرين والناشرات لأهداف أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

فهذا الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام يقول في مجلس يزيد: «أيّها الناس، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردى... إلى أن قال: أنا ابن المرمّل بالدما، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء، وناحت عليه الطير في الهواء»(١) .

وتلك العقيلة زينبعليها‌السلام تقول موبخّةً يزيد في مجلسه: فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلاّ فند، وأيّامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين(٢) .

وهكذا توالت الخطب في الكوفة ودمشق وما بينهما حتّى

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام - للمقرّم / ٤٥٤.

(٢) المصدر نفسه / ٤٦٤.

٧

انقلب السحر على الساحر، وعرف الناس ما أخفاه يزيد عنهم، وأنّ الذي قُتل في كربلاء هو الإمام الحسينعليه‌السلام ريحانة رسول الله، وأنّ هؤلاء الأُسارى هم أهل بيته لا خوارج كما كانوا يقولون، فخاف يزيد انقلاب الأمر عليه فجعل الاعتذار والإحسان لأهل البيت، وأُخرجوا من الشام إلى المدينة، ولكنّهم حتّى بعد أن رجعوا إلى المدينة ما هدأت فورتهم، ولا سكنت أنّتهم، يبكون الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومَنْ استشهد معه.

فهذا الإمام السجّادعليه‌السلام - البكّاء - يمر بدور الشهداء ويبكي، وينظر إلى الطعام والشراب ويبكي، ويمشي في الأسواق وهو يبكي، وهكذا النساء في مجالس العزاء والحزن، حتّى روي أنّه ما اكتحلت علويّة وما تزيّنت حتّى قُتل ابن زياد.

ثمّ كان للشعراء والراثين بعد ذلك أبلغ الأثر في الإبقاء على حرارة الفاجعة، بعد أن رغّبهم وحثّهم على ذلك أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، حتّى جاء في الأثر: «من قال فينا بيتاً من الشعر بنى الله له بيتاً في الجنّة».

فتسابق الشعراء في النظم وأكثروا منه، حتّى صار أدبُ الطفّ وشعراء الحسينعليه‌السلام من الكثرة بحيث لا يخلو منهم زمان أو مكان، وأصبح البكاء والتباكي والتوجّع، بل التفجّع عرفاً بين أهل الإيمان، وهم الفئة التي عُرفت باتّباع أهل البيتعليهم‌السلام ؛ فألّفت الكتب، ودوّنت القصائد، وتعددت المقاصد، حتّى صار الراثي يقرأ على الناس - إضافةً إلى رثاء الإمام الحسينعليه‌السلام - بعض

٨

الفضائل وأحاديث النبي وآلهعليهم‌السلام ، وهكذا إلى أن أصبح الرثاء يمارس بشكل مستمر حتّى أنّك لا تجد محفلاً يخلو منه.

وبهذا صار المنبر الحسيني الشريف بروّاده ركناً من أركان المجتمع الإسلامي لا يمكن بحال من الأحوال أن يُغفل أو يُتجاهل؛ كيف ومنه يستمعون إلى الحديث والتأريخ، والسيرة والأدب، ويتعلّمون مسائل الحلال والحرام، وينصتون إلى فضائل ومناقب النبي وآلهعليهم‌السلام ، ويأخذون كلّ ما به صلاح دينهم ودنياهم، حتّى إن بعض المجتمعات الإسلاميّة تنحصر ثقافتهم الدينيّة بأعواد المنبر فحسب؟

ومن هنا انبثقت الحاجة إلى تأسيس منهج واضح متكامل، يتكفّل بتعبيد الطريق للناشئة من أهل المنبر، وينقل ما في صدور الأساتذة الخطباء الكبار إلى السطور لتعمّ الفائدة.

والحقّ أنّ هذا الكتاب الذي بين يديك - عزيزي القارئ - اُصول الخطابة الحسينيّة خطوةٌ جيّدة جريئة في هذا الطريق، قام بتأليفه أحد المعنيّين بالخطابة والتبليغ، وأحد المتخرّجين الأوائل من معهد الإمامين الحسنينعليهما‌السلام ، وأحد الأساتذة الفضلاء الذين جمعوا بين الحوزة والجامعة، ذاك هو الشيخ ضياء الساري (دام علاه).

فنحن إذ نبارك له هذا الجهد الميمون النافع،

٩

نلتمسه المزيد ممّا فيه حفظ العقيدة والمذهب، وتقوية الشعائر، وجلاء البصائر، والحمد لله ربّ العالمين.

معهدُ الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للخطابة

٢٦ من ذي القعدة الحرام ١٤٢٢ هـ

١٠

مقدّمة المؤلِّف

ضرورة المنهج في الخطابة

إنّ كلَّ أمّة تحتاج في تربية أبنائها بمقوماتها السلوكية والعقائدية إلى وسائل التأثير في الجماعات، وعلى الرغم من أنّ تلك الوسائل تنوّعت وتطوّرت عبر مراحل الأزمنة المختلفة؛ فإنّ الخطابة تحتلّ المكانة البارزة فيها، إذ لا يمكن الاستغناء عنها بأيّ حالٍ من الأحوال؛ لأنّ روح الخطابة تكمن في المواجهة المباشرة بين دعاة الاُمّة والناس، فهي من وسائل التأثير الناطقة، والمعبّرة من ضمير الاُمّة.

الخطابة بمعناها العام لا تختلف عن بقية العلوم والفنون باحتياجها إلى منهج رصين يقتدي به السالكون في طريقها؛ إذ لا يتصوّر التقدّم والتطوّر في فنٍ أو علم إذا لم يكن له منهاج.

فالعشوائيّة والارتجاليّة واللامنهجيّة لا يستثمر منها شيء، وإن أعطت ثمرة فإنّها لا تبلغ الثمرة العظيمة من عطاء البرمجة ضمن منهاج متين في أصوله وقواعده، والواقع شاهد على ذلك بأنّ تطوّر العلوم الطبيعيّة جاء نتيجة التطوّر في منهاج البحث العلمي المرتبط في كلّ علم.

فالخطابة لها منهاج، وعلى الرغم من تعدد فروعها فهي تشترك في اُصول عامّة.

أمّا الخطابة الحسينيّة فهي من جهة لها خصوصيّات انفردت بها عن بقيّة أنواع الخطابة، وهي من جهة اُخرى تشترك مع الخطابة العامّة في الاُصول والقواعد العامّة؛ لهذا سعينا في هذا البحث للجمع بين الجهتين، لغرض تبلور

١١

منهاج خاصّ للخطابة الحسينيّة يعين السالكين لهذا السبيل المقدّس على استقطاب قدراتهم وقابلياتهم لبلوغ مرامهم الرسالي على أفضل وجه.

١٢

الباب الأول

الخطابة

١ - تعريف الخطابة

٢ - الغاية من الخطابة

٣ - كيف نحصل على الخطابة

١٣

تعريف الخطابة

الخطابة: مصدر خطب يخطب، أي صار خطيباً، وهي على هذه صفة راسخة في نفس المتكلّم، يقتدر بها على التصرّف في فنون القول؛ لمحاولة التأثير في نفوس السامعين، وحملهم على ما يراد منهم بترغيبهم وإقناعهم.

فالخطابة: مرامها التأثير في نفس السامع، وإثارة إحساسه للأمر الذي يراد منه، ليذعن للحكم إذعاناً، ويسلّم به تسليماً(١) .

الغاية من الخطابة

وقعت الكثير من الموجودات عنواناً لتوحيد الله تعالى وطاعته، كجعل آدمعليه‌السلام وهو بشر عنواناً لطاعته حينما أمر الباري الملائكة بالسجود له [ بقوله: ]( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (٢) .

ووقوع الناقة - وهي حيوان - عنوان لتوحيده تعالى في آية نبي الله صالحعليه‌السلام [ حيث قال تعالى: ]( وَإِلَى‏ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَكُمْ مِن إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ هذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٣) .

وتعظيم الكعبة وهي حجر، ففي جميع ذلك لم يكن امتثال الأمر

____________________

(١) الخطابة - اُصولها، تأريخها / ١٢.

(٢) سورة البقرة /٣٤.

(٣) سورة الأعراف /٧٣.

١٤

بقصد الخضوع للشيء المعنون في الأمر، إنّما هو امتثال لإرادة الله تعالى.

فالإتيان بالعمل طبق تلك الإرادة هو عنوان للتوحيد، والإعراض عنه هو عنوان للكفر والعصيان، فكلّ شيء له نسبة إلى الباري (عزّ وجلّ) يعظّم ويمجّد باعتباره عنواناً لتوحيده تعالى.

والأمر كذلك في الدعوة إلى سيّد الشهداء، فهو رمز للتوحيد وكلمة الله؛ لنسبته إليه بإمامته المنصوص عليها في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا - يعني الحسينعليه‌السلام - إمام ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمّة تسعة»(١) .

ولوظيفته الإلهية في هداية الناس إلى الحقّ المطلق في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط»(٢) .

فالمناداة باسمه، والدعوة له، والتصريح بحقّه، ونشر رسالته، وبيان مظلوميّته إنّما هي دعوة للتوحيد. [ قال تعالى: ]( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمّنْ دَعَا إِلَى اللّهِ وَعَمِلََ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٣) .

ولمّا كانت ثورة الإمام غير محصورة في زمن محدّد، فالدعوة له خالدة؛ لأنّ النصرة التي أرادها الإمام «أما من مغيث يغيثنا لوجه الله، أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله»(٤) ، في حاضره أن

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن علي ١ / ٩٥.

(٢) المصدر نفسه ١ / ٩٤.

(٣) سورة فصلت /٣٣.

(٤) الملهوف على قتلى الطفوف / ١٥٩.

١٥

يجرّد السيف ويُقاتل معه في سبيله، ونصرة فيما بعد أن تبيّن حقيقة ثورته الإلهية للأجيال في قبال مَنْ سعى لطمس حقيقة تلك الثورة.

فالنصرة باقية وخالدة، وغايتها حثّ الناس على التوحيد عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام ، وتكفّلت الخطابة الحسينيّة جزءاً كبيراً من هذه المسؤوليّة المقدّسة.

كيف نحصل على الخطابة

لم تكن الخطابة سهلة المنال، بل تحتاج إلى احتمال المشاق، وإلى الجدّ والسعي الحثيث والمثابرة، وبهذا يمكن بلوغ هذه النعمة العظيمة.

أمّا طريق تحصيلها تتلخّص في:

أ - قابلية تلائم الخطابة

أن يكون الخطيب خالياً من العيوب الكلاميّة، من فأفأة ونحوها، وأن يكون ثابت الجنان، ذكيّ القلب، طلق اللسان، فإذا اجتمعت فيه القابلية فلا يحتاج إلاّ إلى التعلّم والممارسة(١) .

ب - دراسة اُصول الخطابة

للخطابة الحسينيّة اُصول وقواعد يجب على الذي يسير في طريقها أن يتعرّف عليها؛ ليصل إلى غايته العظيمة. وقيل: مَنْ ترك الاُصول حُرم الوصول.

____________________

(١) الخطابة - اُصولها، تاريخها - محمد أبو زهرة / ١٧.

١٦

ج - الاطّلاع على الكثير من العلوم

ويتلخّص ذلك في جهتين:

الأولى: أن يكون الخطيب من طلبة العلوم الإسلاميّة الذين يتلقّون العلوم - علوم أهل البيتعليهم‌السلام - في المدارس والحوزات الرسميّة؛ ولاستقطاب قدراته وقابلياته، ولحفظ وصيانة وقته أن يتلقّى الدروس من أساتذة يعدّون من أهل الاختصاص. فالخطيب عليه أن يواصل دراسته الحوزويّة، وأن يتقن على نحو الاختصاص الفقه والعقائد.

الثانية: أن يوسّع الخطيب دائرة ثقافته واطلاعه على العلوم المختلفة؛ كالتعرّف على بعض أساسيات العلوم الطبيعية، وعلم النفس، والاجتماع، والتعرّف على الفرق والمذاهب الإسلاميّة، والتاريخ الإسلامي، والتعرّف أيضاً على بعض الحضارات العالميّة، وأن يتابع الأحداث العالميّة، كما عليه متابعة التطوّرات العلميّة في مختلف العلوم.

١٧

علاقة الخطابة بعلم النفس

تعلّم علوم العربية والمنطق، والإحاطة بمسائل الفقه والعقائد، وامتلاك بعض المؤهّلات لا تجدي نفعاً إذا لم يحسن الخطيب أساليب التعامل مع الفرد والمجتمع؛ فإنّ غرض الخطيب منهم هو أن يؤسس فيهم موطن الولاء للدين والمذهب، وهذا لا يأتي من مجموعة تصرّفات شخصيّة وارتجاليّة، وإنّما تحتاج إلى خطوة علميّة دقيقة نابعة من منهج مخطّط له سلفاً.

فالخطيب وهو مقبل على المجتمع يواجه أشكالاً وأنماطاً متعدّدة من السلوك والآراء، التي قد تخالف في البعض منها ما يحمله الخطيب من معتقدات ومبادئ سلوكيّة، فالخطيب يجب أن يعدّ ويهيّأ لمواجهة جميع ذلك.

علم النفس الاجتماعي يزوّد الخطيب من جهته بقواعد مهمّة، يمكنه منها تحليل سلوك الفرد وهو في المجتمع؛ فإنّ سلوكه وهو مندمج في مجتمعه غير سلوكه وهو منفرد مع ذاته، كما إنّه يقوم بدراسة السلوك الجماعي؛ فدراسة فروع علم النفس، خاصة علم النفس الاجتماعي أمر لا بدّ منه، ولا يمكن للخطيب أن يستغني عنه.

كيف يستغني عنه وهو الذي لا يستغني عنه كلّ مَنْ كان له وظيفة مباشرة مع المجتمع، كالسياسي، والمفكّر، والعسكري؟

١٨

لقد سجّل التاريخ الكثير من المواقف التي استفاد منها السياسيّون والقادة العسكريّون، والمفكّرون من الدراسات النفسيّة للمجتمع، الذي هم على مواجهة مباشرة معه، وبلغوا أهدافهم بمساعدتها.

حينما أراد نابليون بونابرت احتلال مصر عام (١٧٩٨) م، وانتزاعها من سلطنة المماليك استغل التوجيهات النفسيّة والعقائديّة للمصريين؛ فقد ادّعى إنّه قدم لينتشل المصريّين من ظلم المماليك، وخلع على نفسه لقب حامي الإسلام، بل تطرّف في تبجّحه ونفاقه فادّعى إنّه مسلم، وإنّه يحارب النصرانيّة في روما التي أرادت أن تحارب المسلمين، وحينما كان له ما أراد لم يمضِ وقت طويل حتّى كانت خيول الغزاة الآفاقين تدوس الجوامع، وتضرب الثوار بكلّ قسوة وعنف(١) .

فيجب أن تكون لدى الخطيب معرفة وثيقة بأحوال المجتمع الذي قصده بالتبليغ، المعرفة الوثيقة بعاداتهم، تقاليدهم، لغتهم، أوضاعهم الاقتصاديّة، ثقافتهم وغير ذلك.

وعلم النفس الاجتماعي يزوّده بالاُصول والقواعد والأساليب التي لا بدّ أن يأتي الخطيب بها إلى المجتمع.

والجدير بالذكر أنّ مهمّة الخطيب لا تنحصر في حدود أهل المذهب، كما إنّ وظيفة التبليغ أوسع من الخطابة.

____________________

(١) الحرب النفسيّة معركة الرأي والمعتقد ١ / ٧٥.

١٩

د - التعرّف على أساليب الخطباء

ينبغي للخطيب المبتدئ الإكثار من الاستماع إلى أساليب الخطباء المتميّزين في نهجهم الخطابي، وأن يكون في مراسه الخطابي محاكياً لأساليبهم، أو مقتبساً منهم، أو سائراً في مثل دربهم؛ فهو إذا فعل ذلك ستجتمع عنده أساليب كثيرة متغايرة يستطيع الاستفادة منها عند الحاجة إليها.

ﻫ - المران والممارسة

إنّ الفطرة والاطّلاع، والعلم باُصول الخطابة، والتعرّف على أساليب الخطباء لا تكفي في تكوين الخطيب؛ لأنّ الخطابة ملكة وعادة نفسيّة لا تتكّون دفعة واحدة، بل لا بدّ لمريدها من المعاناة والممارسة والمران؛ لكي ينمّي مواهبه إن كانت فيه فطرتها، ولكي يطبّ لعيوبه إن كان فيه عيوبها(١) .

فعلى المريد للخطابة أن يروّض نفسه على الخطابة الجيّدة حتّى تصير له شأناً وطبيعة، فإذا صار له ذلك فليحذر من إهمال المران، والمواصلة، والممارسة؛ فإنّ ذلك آفة تستولي على الطبيعة، وتخلّ في القابليّة.

أمّا ما يتعرّض له الخطيب المبتدئ من مكاره؛ كمقابلة الناس له بالسخرية والاستهزاء، أو يكون المخاطبون ممّنْ يتقصون عوراته، ويتسقّطون هفواته، فليست هذه أسباباً واقعيةً تصدّه

____________________

(١) المصدر نفسه / ٢٠.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وفيه أيضاً في أوائل الكتاب: محمد بن قولويه، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن سليمان بن داود الرازي، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، قال قال أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمد بن عبد الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا اليه؟

فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.

ثم ينادي المنادي: أين حواري علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقوم عمرو بن الحمق، ومحمد بن أبي بكر، وميثم التمار مولى بني أسد، وأويس القرني... الحديث. راجع أيضاً:معجم رجال الحديث: ٤/١٥٤

وقد نقل عن أويس أنه في بعض الليالي يقول: هذه ليلة الركوع ويتم الليلة بركوع واحد، وفي الليلة الأخرى يقول: هذه ليلة السجود ويتمها بسجدة، فقيل له: يا أويس كيف تطيق على مضي الليالي الطويلة على منوال واحد؟

فقال أويس: أين الليلة الطويلة؟ فياليت كان من الأزل الى الأبد ليلة واحدة حتى نتمها بسجدة واحدة، ونتوفر على الأنين والبكاء الى آخرها.

أويس ختام المسك الموعود في حرب الجمل

قال المفيد في الارشاد: ١/٣١٥:

نقلاً عن ابن عباس أن أمير المؤمنينعليه‌السلام جلس بذي قار لأخذ البيعة فقال:

يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً يبايعونني على الموت.

قال ابن عباس: فجزعت لذلك أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، فيفسد الأمر علينا، ولم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتى ورد أوايلهم فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعماة وتسعة وتسعون رجلاً، ثم انقطع مجيء القوم فقلت: إنا لله وإنا اليه راجعون، ماذا حمله على ماقال؟!

٦١

فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتى إذا دنا وإذا هو رجل عليه قباء صوف معه سيفه وترسه وإداوته، فقرب من أميرالمؤمنينعليه‌السلام فقال له: أمدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : على م تبايعني؟ قال: على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتى أموت، أو يفتح الله عليك.

فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

قال: أنت أويس القرني؟

قال: نعم.

قال: الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر.

قال ابن عباس: فسرى والله عني. انتهى.

ورواه في الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠، وإعلام الورى/١٧٠، والثاقب في المناقب/٢٦٦، وبحار الأنوار: ٣٧/٢٩٩

وفي مناقب آل أبي طالب: ٢/١٠٤:

ابن عباس أنه قالعليه‌السلام يوم الجمل: لنظهرن على هذه الفرقة، ولنقتلن هذين الرجلين. وفي رواية: لنفتحن البصرة وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلاً، فكان كما قال. وفي رواية ستة آلاف وخمسة وستون.

وقال المفيد في الجمل/٤٩:

ونحن نذكر الأن جملة من بايع أمير المؤمنينعليه‌السلام الراضين بإمامته الباذلين أنفسهم في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم ممن يعترف المنصف بوقوفه على أسمائهم تحقيق ما وصفناه، من غنايتهم في الدين وتقدمهم في الإسلام، ومكانهم

٦٢

من نبي الهدى، وأن الواحد منهم لو ولي العقد لامام لانعقد الأمر به، خاصة عند خصومنا فضلا عن جماعتهم، وعلى مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الإمامة بالاختيار وآراء الرجال، وتضمحل بذلك عنده شبهات الأموية فيما راموه من القدح في دليلنا، بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا.

ومن بايع أمير المؤمنين بغير ارتياب ودان بامامته على الاجماع والاتفاق، واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته، والحاضرون معه في حرب البصرة ألف وخمسماية رجل، من وجوه المهاجرين الأولين والسابقين الى الإسلام والأنصار البدريين العقبيين، وأهل بيعة الرضوان، من جملتهم سبعمائة من المهاجرين وثمانمائة من الأنصار، سوى أبنائهم وخلفايهم ومواليهم، وغيرهم من بطون العرب والتابعين بإحسان، على ماجاء به الثبت من الأخبار... الى أن قال:

بيعة باقي الشيعة:

ومن يلحق منهم بالذكر من أوليائهم وعلية شيعتهم، وأهل الفضل في الدين والايمان والعلم والفقه والقرآن، المنقطعين الى الله تعالى بالعبادة والجهاد، والتمسك بحقائق الايمان: محمد بن أبي بكر، ربيب أمير المؤمنين وحبيبه. ومحمد بن أبي حذيفة وليه وخاصته المستشهد في طاعته.

ومالك ابن الحرث الاشتر النخعي، سيفه المخلص في ولايته.

وثابت بن قيس النخغي.

وعبد الله بن أرقم.

وزيد بن الملفق.

وسليمان بن صرد الخزاعي.

وقبيصة وجابر وعبد الله ومحمد بن بديل الخزاعي.

وعبد الرحمن بن عديس السلولي.

وأويس القرني...

٦٣

أويس ختام المسك الموعود في حرب صفين

في خصائص الأئمة/٥٣:

وبإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً، ثم قال: أين تمام المائة؟ فقد عهد إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( أنه ) يبايعني في هذا اليوم مائة رجل!

قال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين فقال: هلم يدك أبايعك.

فقال: على م تبايعني؟

قال: على بذل مهجة نفسي دونك!

قال: ومن أنت؟

قال: أويس القرني، فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل، فوجد في الرجالة مقتولاً.

وفي اختيار معرفة الرجال: ١/٣١٥:

وروى الحسن بن الحسين القمي، عن علي بن الحسن العرني، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال كنا مع عليعليه‌السلام بصفين، فبايعه تسعة وتسعون رجلا، ثم قال: أين المائة لقد عهد اليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبايعني في هذا اليوم مائة رجل. قال: إذ جاء رجل عليه قباء صوف متقلداً بسيفين فقال: أبسط يدك أبايعك.

قال عليعليه‌السلام : على م تبايعني؟ قال: على بذل مهجة نفسي دونك.

قال: من أنت؟ قال: أنا أويس القرني.

قال: فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل، فوجد في الرجالة.

وفي رواية اُخرى، قال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : كن أويساً.

قال: أنا أويس.

قال: كن قرنياً قال: أنا أويس القرني.

٦٤

وإياه يعني دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها على نزار، وينقض على الكميت بن زيد قصيدته التي يقول فيها:

ألا حييت عنا يـا مدينا

أويس ذو الشفاعة كان منا

فيوم البعث نحن الشافعونا

راجع أيضاً: الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠ والثاقب في المناقب/٢٦٦ وجامع الرواة: ١/ ١١٠، ومدينة المعاجز: ٢/٢٩٩، ومعجم رجال الحديث (ط. ج ): ٤/١٥٤

وفي بحار الأنوار: ٢٩/٥٨٣:

وبرز عبد الله بن جعفر في ألف رجل، فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص. وأتى أويس القرني متقلداً بسيفين ويقال: كان معه مرماة ومخلاة من الحصى، فسلم على أمير المؤمنينعليه‌السلام وودعه، وبرز مع رجالة ربيعة، فقتل من يومه، فصلى عليه أمير المؤمنينعليه‌السلام ودفنه. انتهى.

وفي المناقب/٢٤٩:

وفي رواية: قتل من أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام في ذلك اليوم والليلة ألفا رجل وسبعون رجلاً، وفيهم أويس القرني زاهد زمانه، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ذوالشهادتين، وقتل من أصحاب معاوية في ذلك اليوم سبعة آلاف رجل. انتهى.

**

وتدل هذه النصوص على أن أويساًرضي‌الله‌عنه ملهم من الله تعالى، حيث قال في بيعته لأمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمل ( على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتى أموت، أو يفتح الله عليك ) فكان الفتح.

وقال يوم صفين ( على بذل مهجة نفسي دونك ) ولم يذكر الفتح!

وتدل على مقادير الله تعالى لهذا الولي الكبير أن يكون تمام الألف في حرب الجمل، ثم تمام المئة في صفين، مبايعاً على الموت في سبيل الله تعالى.

٦٥

وتدل هي وغيرها على أنه وجماعته كانوا فوجاً مقاتلاً، وأنهم قاتلوا قتال الأبطال المستميتين، فقد كسر أويس جفن سيفه، ووجد فيه أربعون طعنة، وصلى عليه ودفنه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وليس كما ذكر أسير بن جابر أنه سرعان ماجاءه سهم فقتل، وأنه هو دفنه.. الخ.

متفرقات عن أويس

في طرائف المقال: ٢/٥٩٢:

وفي رجال الكشي: علي بن محمد بن قتيبة قال: سئل أبو محمد عن الزهاد الثمانية فقال: الربيع بن خيثم، وهرم بن حيان، وأويس القرني، وعامر بن عبد قيس، وكانوا مع عليعليه‌السلام ومن أصحابه، وكانوا زهاداً أتقياء.

وأما أبو مسلم أهبان بن صيفي، فإنه كان فاجراً مرائياً، وكان صاحب معاوية، وهو الذي كان يحث الناس على قتال علي فقال لعليعليه‌السلام : إدفع الينا المهاجرين والأنصار حتى نقتلهم بعثمان، فأبى علي ذلك، فقال أبومسلم: الآن طاب الضراب إنما! كان وضع فخاً ومصيدة.

وأما مسروق، فانه كان عشاراً لمعاوية، ومات في عمله ذلك بموضع أسفل من واسط على دجلة يقال له الرصافة، وقبره هناك.

والحسن كان يلقي كل فرق بما يهوون، ويتصنع للرئاسة، وكان رئيس القدرية.

وأويس القرني مفضل عليهم كلهم.

قال أبومحمد: ثم عرف الناس بعد.

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصحبه، بل آمن به في الغياب، ولعدم المكنة وتفرق الحال والاشتغال على خدمات أمه لم يدرك صحبته، وكان شغله رعي الجمال وأخذ الأجرة. انتهى.

راجع أيضاً: خلاصة الاقوال/٢٤، والتحرير الطاووسي/٧٤، ووسائل الشيعة: ٢٠/١٤٤، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٥٤، ولسان الميزان: ١/٤٧١

٦٦

وفي بحار الأنوار: ٦٣/٣٩٠:

قال أويس لهرم بن حيان: قد عمل الناس على رجاء، فقال: بل نعمل على الخوف والخوف خوفان ثابت وعارض، فالثابت من الخوف يورث الرجاء، والعارض منه يورث خوفاً ثابتاً.

والرجاء رجاءان: عاكف وباد، فالعاكف منه يقوى نسبة العبد، والبادي منه يصحح أمل العجز والتقصير والحياء.

مستدرك الوسائل: ١٦/٧٣:

مجموعة الشهيدرحمه‌الله : نقلاً من كتاب قضايا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن أويس القرني قال: كنا عند أمير المؤمنين إذ أقبلت امرأة متشبثة برجل، وهي تقول: يا أ مير المؤمنين لي على هذا الرجل أربعمائة دينار، فقالعليه‌السلام : للرجل: ما تقول المرأة؟

فقال: ما لها عندي إلا خمسون درهماً مهرها.

فقالت: يا أمير المؤمنين، أعرض عليه اليمين، فقالعليه‌السلام : تقول باركاً وتشخص ببصرك الى السماء:

اللهم إن كنت تعلم أن لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها وطلب نشوها وأنكر ما ذكر ته من مهرها، فلا استعنت بك من مصيبة، ولا سألتك فرج كربة، ولا احتجت اليك في حاجة، وإن كنت أعلم أنك تعلم أن ليس لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها فلا تقمني من مقامي هذا حتى تريها نقمتها منك.

فقال: والله يا أمير المؤمنين لا حلفت بهذا اليمين أبداً، وقد رأيت أعرابياً حلف بها بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسلط الله عليه ناراً فأحرقته من قبل أن يقوم من مقامه، وأنا أوفيها ما ادعته علي. انتهى.

ورواه في الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠، والثاقب في المناقب/٢٦٦، ومدينة المعاجز: ٢/٢٩٩

٦٧

من الأدعية المروية عن أويس

في مستدرك الوسائل: ٥/٤٨:

السيد رضي الدين علي بن طاووس في مهج الدعوات: عن موسى بن زيد، عن أويس القرني، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث أنه قال: من دعا بهذا الدعاء في منامه، فيذهب به النوم وهو يدعو بها، بعث الله جل ذكره، بكل حرف منه سبعين ألف ملك من الروحانية، وجوهم أحسن من الشمس بسبعين ألف مرة، يستغفرون الله، ويدعون له، ويكتبون له الحسنات... الخبر.

الدعاء: يا سلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر، الطاهر المطهر، القاهر القادر المقتدر، يا من ينادى من كل فج عميق، بألسنة شتى ولغات مختلفة، وحوائج أخرى، يا من لا يشغله شأن عن شأن، أنت الذي لا تغيرك الازمنة، ولا تحيط بك الامكنة، ولا تأخذك نوم ولا سنة، يسر لي من أمري ما أخاف عسره، وفرج من أمري ما أخاف كربه، وسهل لي من أمري ما أخاف حزنه، سبحانك لا الَه إلا أنت، إني كنت من الظالمين، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: ٨٨/٣٩٠

وفي حلية الأولياء: ٨/٥٦:

سفيان الثقفي الكوفي، ثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الوزان، ثنا أبو سعيد عمران بن سهل، ثنا سليمان بن عيسى، عن سفيان الثوري، عن ابراهيم بن أدهم، عن موسى بن يزيد، عن أويس القرني عن عمر بن الخطاب عن علي بن أبي طالب قالا:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له دعاه. والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الأسماء على صفائح من الحديد لذابت بإذن الله، ولو دعا بها على ماء جار لسكن بإذن الله.

٦٨

والذي بعثني بالحق إنه من بلغ اليه الجوع والعطش، ثم دعا بهذه الأسماء أطعمه الله وسقاه، ولو دعا بهذه الأسماء على جبل بينه وبين الموضع الذي يريده الآن الله له شعب الجبل، حتى يسلك فيه إلي الموضع الذي يريده.

وإن دعا به على مجنون أفاق من جنونه، وإن دعا به على امرأة قد عسر عليها ولدها هون الله عليها، ولو أن رجلاً دعا به والمدينة تحرق وفيها منزله أنجاه الله ولم يحترق منزله.

وإن دعا أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل، ولو أن رجلاً دعا على سلطان جائر لخلصه الله من جوره.

ومن دعا بها عند منامه بعث الله اليه بكل اسم منها سبعين ألف ملك مرة يكتبون له الحسنات ومرة يمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات الى يوم ينفخ الصور.

فقال سلمان: يا رسول الله فكل هذا الثواب يعطيه الله؟

قال: نعم يا سلمان، ولولا أني أخشي أن تتركوا العمل وتقتصروا على ذلك لأخبرتك بأعجب من هذا!

قال سلمان: علمنا يا رسول الله.

قال: نعم، قل:

اللهم إنك حي لا تموت، وغالب لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وقهار لا تقهر، وأبدي لا تنفد، وقريب لا تبعد، وشاهد لا يغيب، والَه لا تضاد، وقاهر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومحتجب لا ترى، وجبار لا تضام، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وجبار لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وكنز لا تنفد، وحكم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، ووتر لا تستشار، وفرد لا يستشير، ووهاب لا ترد وسريع لا تذهل، وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وعليم لا تجهل، وحافظ لا تغفل، وقيوم لا تنام، ومجيب لا تسأم، ودائم لا تفنى، وباق لا تبلى، وواحد لا تشبه، ومقتدر لا تنازع .

٦٩

هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه، وموسى بن يزيد ومن دون ابراهيم وسفيان فيهم جهالة.

وفي حلية الأولياء: ١٠/٣٨٠:

ثنا عبد الله بن عبيدة العامري، ثنا سورة بن شداد الازهد، عن سفيان الثوري، هو عن ابراهيم بن أدهم عن موسى بن يزيد عن أويس القرني عن علي بن أبي طالب، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد، ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة، إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إلَه إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام.. الى قوله الرشيد الصبور.. مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة حديث الأعرج عن أبي هريرة صحيح متفق عليه، وحديث الثوري عن ابراهيم فيه نظر لا صحة له.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: ٣/١٧٥:

دعاء منقول: أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي، أنبأنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة، أنبأنا أبي، أنبأنا ابراهيم بن محمد بن رجاء الوراق، حدثنا ابراهيم بن محمد بن يزيد بن خالد المروزي، حدثنا محمد بن موسى السلمي، حدثنا أحمد بن عبد الله النيسابوري، عن شقيق البلخي، عن ابراهيم بن أدهم، عن موسى بن يزيد، عن أويس القرني، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له:

اللهم أنت حي لا تموت، وخالق لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وصادق لا تكذب، وقاهر لا تغلب، وندى لا تنفذ، وقريب لا تبعد، وغافر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، وجبار لا تقهر، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وعليم لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وحكيم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، وغالب

٧٠

لا تغلب، ووتر لا تستأمر، وفرد لا تستشير، ووهاب لا تمل، وسريع لا تذهل، وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وحافظ لا تغفل، وقائم لا تنام، ومحتجب لا ترى، ودائم لا تفنى وباق لا تبلى، وواحد لا تشبه ومقتدر لا تنازع.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني لو دعى بهذه الدعوات والأسماء على صفائح الحديد لذابت، ولو دعى بها على ماء جار لسكن، ومن أبلغ اليه الجوع والعطش ثم دعا به أطعمه الله وسقاه، ولو أن بينه وبين موضع يريده جبل لانشعب له الجبل حتى يسلكه الى الموضع الذى يريد، ولو دعى به على مجنون لافاق، ولو دعى على امرأة قد عسر عليها ولدها، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها منزله لنجا ولم يحترق منزله، ولو دعى بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر له كل ذنب بينه وبين الله عزوجل، ولو أنه دخل على سلطان جائر ثم دعى بها قبل أن ينظر السلطان اليه لخلصه الله من شره، ومن دعى بها عند منامه بعث الله عز وجل بكل حرف منها سبعمائة ألف ملك من الروحانيين، وجوههم أحسن من الشمس والقمر، يسبحون له ويستغفرون له ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات ويرفعون له الدرجات.

فقال سلمان: يا رسول أيعطى الله بهذه الأسماء كل هذا الخير؟ فقال: لا تخبر به الناس حتى أخبرك بأعظم منها، فإني أخشى أن يدعوا العمل ويقتصروا على هذا. ثم قال: من نام وقد دعا بها، فإن مات مات شهيدا وإن عمل الكبائر وغفر لأهل بيته، ومن دعى بها قضى الله له ألف ألف حاجة.

وقد رواه سليمان بن عيسى عن سفيان الثوري، عن ابراهيم بن أدهم إلا أن الألفاظ تختلف. ورواه مختصراً الحسين بن داود البلخي، عن شقيق بن ابراهيم.

هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي طرقه كلمات ركيكة يتنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثلها وأسماء لله يتعالى الحق عنها، ولم نر التطويل بذكر الطرق لأنها من جنس واحد.

٧١

وفي الطريق الأول أحمد بن عبد الله وهو الجويباري.

وفي الطريق الثاني سليمان بن عيسى.

وفي الثالث الحسين بن داود، وثلاثتهم كانوا يضعون الحديث، والله أعلم أنهم ابتدوا بوضعه، ثم سرقه الآخران وبدّلا فيه وغيّرا.

وقد روى لنا من طريق مظلم فيه مجاهيل وفيه زيادات ونقصان. انتهى.

**

ونحن لا نحكم بصحة الأدعية المروية عن أويسرحمه‌الله ، وهي أكثر من هذه النماذج التي ذكرناها، فرواياتها خاضعة للبحث العلمي وقواعد الجرح والتعديل، ولكنها تدل على المكانة العميقة لهرحمه‌الله في نفوس المسلمين من الشيعة والسنة، وأنه ثبت عندهم أن أويساً من أولياء الله الخاصين النادرين، كما ثبتت عندهم أحاديث شفاعته الواسعة..

جعلنا الله ممن تشملهم شفاعة النبي وآله، وشيعتهم المقربين.

شفاعة أويس القرني لمئات الألوف أو الملايين

تقدم ذكر شفاعة أويس القرنيرحمه‌الله في أحاديث عديدة، ومنها أحاديث صحيحة من الدرجة الأولى عند الطرفين، ونورد هنا ما يلي:

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٨:

حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبدالسلام، ثنا اسحاق بن ابراهيم، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن عبدالله بن أبي الجدعاء أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم.

قال الثقفي قال هشام: سمعت الحسن يقول إنه أويس القرني. صحيح الاسناد ولم يخرجاه.ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

٧٢

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

حدثنا أبو العباس أحمد بن زياد الفقيه بالدامغان، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا أبو بكر بن عياش، عن هشام عن الحسن قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام فأخبرني حوشب عن الحسن أنه أويس القرني.

قال أبو بكر بن عياش: فقلت لرجل من قومه: أويس بأي شيء بلغ هذا؟

قال: فضل الله يؤتيه من يشاء.

وفي تاريخ الطبري: ١٠/١٤٥:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشام، عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر: قال هشام: فأخبرني حوشب أنه قال: هو أويس القرني.

وفي تاريخ الطبري: ١١/٦٦٢:

عن هشام عن الحسن.. قال رسول الله ( ص ) ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر.. أنه قال هو أويس القرني.

وفي كنز العمال: ١٢/٧٣:

سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني، وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر ( عد، عن ابن عباس ).

وفي كنز العمال: ١٢/٧٦:

يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ( ش، ك، هق، وابن عساكر عن الحسن مرسلاً، قال الحسن: هو أويس القرني ).

وفي كنز العمال: ١٤/٨:

عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر، أما أسمي لكم ذلك الرجل؟

٧٣

قالوا: بلى.

قال: ذاك أويس القرني...

وقال: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، ثم سماك.. الحديث. وروى نحوه في ص ١٣

وفي كنز العمال: ١٢/٧٤:

سيقدم عليكم رجل يقال له أويس كان به بياض فدعا الله له فأذهبه الله، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر له ( ش، عن عمر ).

وفي كنز العمال: ١٤/٧:

مسند عمر، عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر من التابعين رجل من قرن، وإن عمر بن الخطاب قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع له في جسده ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدرك منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له ( الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة، ق، في الدلائل، كر ) راجع أيضاً: ١٤/٨ و ١٠. ونحوه في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٦

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢:

وروى هشام بن حسان عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.

أبو بكر الأعين: حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وتميم. قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: أويس القرني. هذا حديث منكر تفرد به الأعين، وهو ثقة.

ونحوه في ميزان الاعتدال: ٢/٤٤٥

٧٤

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٨:

عن عمر قال: قال رسول الله ( ص ): يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر.

وفي بدء الإسلام لابن سلام الأباضي/٧٩:

أويس القرني... جاء في الأثر عن النبي ( ص ) قال لأبي بكر وعمر: أوصيكم أن تقرؤوا مني أويس القرني السلام، يقدم المدينة بعدي... يدخل في شفاعته يوم القيامة عدد ربيعة ومضر...

وفي ميزان الاعتدال: ١/٢٨٢:

عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي، أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام عن الحسن: هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي: حدثنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي ميزان الاعتدال: ١/٢٨٢ ولسان الميزان: ١/٤٧٤:

يونس وهشام عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي أكثر من ربيعة ومضر. قال هشام عن الحسن هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٣:

وقال أبو صالح: ثنا الليث، حدثني المقبري، عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ليشفعن رجل من أمتي في أكثر من مضر. قال تميم: ومضر، وأنه أويس القرني. انتهى.

٧٥

نتيجــة

النتيجة التي يخرج منها الباحث في أحاديث أويس وشفاعته:

أن الله تعالى أعطى هذه الكرامة العظيمة لراعي إبل من جبال اليمن، فجعله بسبب طاعته وإخلاصه له، موعوداً مبشراً به، على لسان أشرف الأنبياء والمرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل المسلمين يتبركون به ويطمعون منه بكلمة ( غفر الله لك ) فيبخل بها على أكثرهم! وينطق بها لمن أدركته الرحمة منهم.

ثم جعله يوم القيامة شفيعاً لمئات الألوف أو لملايين المذنبين، يدخلون ببركته جنة النعيم.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( يشفع في مثل ربيعة ومضر.. أكثر من مضر وتميم.. أكثر من ربيعة وبني تميم ) إنما هو إشارة الى الكثرة وتفهيمها للناس بجمهور قبائل كانت تمثل الكثرة في ذلك المجتمع.. ولذلك قد يبلغ عدد من يشفع لهم أويس الملايين..

ومما يثير العجب، أن هذا الانسان الكريم على ربه، صاحب المقام العظيم عنده، الذي لا ينطق بكلمة ( غفر الله لك ) في غير محلها.. تراه يقول لعليعليه‌السلام : مد يدك أبايعك على بذل مهجة نفسي دونك!!

فما هو مقام علي؟! الذي يتقرب كبار الأولياء الى الله بالموت دونه، ودون نصرة حقه وقضيته؟ !!

وهل يستطيع مسلم بعد هذا أن يشكك في مقام الشفاعة العظيمة لعلي وبقية أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. وهو يرى أن أويساً صاحب الشفاعة العظيمة، فدائي لهم!!

وختاماً، فإن شفيع المحشر على الاطلاق، هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .. بل يفهم من أحاديثنا أن الشفاعة بالأصل إنما هي كرامة من الله تعالى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأن الأنبياء الآخرين إنما يشفعون بما يعطيهم سيد المحشر وصاحب لوائه مما أعطاه ربه عز وجل! وهذه الشفاعة العظمى لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ملكٌ كبيرٌ.. لا بد له من مدراء

٧٦

وهذه الشفاعة العظمى لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ملكٌ كبيرٌ.. لابد له من مدراء ومفوضين يوم القيامة.. وهؤلاء إنما هم عترة النبي الذين نص عليهم أنهم يكونون معه، وهم علي وفاطمة والمعصومون من أولادهم، صلى الله على رسوله وعليهم.

ولا بد أن يكون لهم أعوان من الملائكة والصالحين.

وقد خصصنا هذا الفصل بشفاعة أويسرحمه‌الله ، لأنه شيعي ثبتت له هذه الشفاعة العظيمة بإجماع المسلمين، وكفى بها دليلاً على شفاعة أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

**

٧٧

٧٨

الفصل الخامس عشر

النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

حكم النواصب في الفقه الإسلامي

عقدنا هذا الفصل لاستعراض الأحاديث التي رواها الجميع في قرار الحرمان الالَهي من الشفاعة والجنة، لمن أبغض أهل البيت النبويعليهم‌السلام ، أو نصب العداوة والبغضاء، لهم أو لمن أحبهم، أو حمل في نفسه غلاً عليهم، أو كرهاً أو حسداً.. ولو بمقدار ذرة!!

فقد اتفقت مذاهب السنيين على أن من يعادي علياً، أو أهل البيت النبويعليهم‌السلام ، فهو منافق.

أما في فقهنا فمبغض أهل البيتعليهم‌السلام الناصب لهم، كافرٌ نجس..

ويسمى المبغض والمعادي في الفقه الإسلامي ( الناصب والناصبي )

وهو اسم مشتق من: نصب له العداوة، أي أبغضه، وتكلم عليه، أو عمل ضده، شبيهاً بقولك: نصب له الحرب!

والمبغض والمخالف والمعادي والناصب، كلمات متقاربة، ولكنها متفاوتة.. فالمخالف ناظرةٌ الى مخالفة الشخص في الرأي والمسلك.

٧٩

والمبغض ناظرة الى حالة النفرة النفسية المضادة للحب.

والمعادي ناظرة الى الموقف النفسي والعملي المضاد.

والناصب تزيد عليهما بأن البغض والعداء يصير هم الناصب!

هذا في أصل اللغة، أما في الشرع فقد وردت استعمالاتها بمعنى واحد وكأن المصطلح الإسلامي للمبغض يشملها جميعاً.

والذي يدخل في بحثنا من أحكام النواصب، أن الشفاعة النبوية الكبرى على سعتها يوم القيامة لا تنالهم، بل يؤمر بهم الى النار!!

وهذا يعني أن بغض أهل البيت جريمةٌ كبرى في نظر الإسلام، جزاؤها الطرد من الرحمة الالَهية والنبوية، واستحقاق العذاب في جهنم!

ونورد فيما يلي عدداً من أحاديث هذه المسألة، وفيها أحاديث صحيحةٌ عند الجميع:

عليعليه‌السلام ميزان الإسلام والكفر والايمان والنفاق

روى الحاكم: ٣/١٢٩:

عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه . هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

ورواه أحمد في فضائل الصحابة: ٢/٦٣٩، والدارقطني في المؤتلف والمختلف: ١٣٧٦٣، والهيثمي فيمجمع الزوائد: ٩/١٣٢

وروى الترمذي: ٤/٣٢٧، و: ٥/٢٩٣ و٢٩٨ - باب مناقب علي:

عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140