اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)25%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125431 / تحميل: 7028
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المتوكل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثين ألف درهم إلى الإمام فحملت له ، ولما جاء الأعرابي قال له الإمامعليه‌السلام :( خذ هذا المال واقضِ منه دينك ، وانفق الباقي على عيالك وأهلك واعذرنا ) .

وأكبر الأعرابي ذلك ، وقال للإمام : إنّ ديني يقصر على ثلث هذا المبلغ .

فأبى الإمامعليه‌السلام أن يستردّ منه من الثلاثين شيئاً ، فولّى الأعرابي وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته (١) .

٢ ـ الزهد :

لقد عزف الإمام الهادي عليه‌السلام عن جميع مباهج الحياة ومتعها وعاش عيشةً زاهدة إلى أقصى حدّ ، لقد واظب على العبادة والورع والزهد ، فلم يحفل بأي مظهر من مظاهر الحياة ، وآثر طاعة الله على كل شيء ، وقد كان منزله في يثرب وسُرّ مَن رأى خالياً من كل أثاث ، فقد داهمت منزله شرطة المتوكل ففتّشوه تفتيشاً دقيقاً فلم يجدوا فيه شيئاً من رغائب الحياة ، وكذلك لما فتّشت الشرطة داره في سُرّ مَن رأى ، فقد وجدوا الإمام في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر وهو جالس على الرمل والحصى ، ليس بينه وبين الأرض فراش (٢) .

٣ ـ العمل في المزرعة :

وتجرّد الإمام العظيم من الأنانية ، حتى ذكروا أنّه كان يعمل بيده في أرض له لإعاشة عياله ، فقد روى عليّ بن حمزة حيث قال : ( رأيت أبا

ــــــــــــــ

(١) الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٧٦ والفصول المهمّة لابن الصباغ : ٢٧٤ والصواعق المحرقة : ٣١٢ .

(٢) أصول الكافي : ١/٤٩٩ وعنه في الإرشاد : ٢/٣٠٢ ، ٣٠٣ وعن الكليني في إعلام الورى : ٢/١١٩ والفصول المهمّة : ٣٧٧ .

٢١

الحسن الثالث يعمل في أرض وقد استنقعت قدماه من العرق فقلت له : جُعلت فداك أين الرجال ؟ فقال الإمام : يا علي قد عمل بالمسحاة مَن هو خير منّي ومن أبي في أرضه قلت : مَن هو ؟ قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء الصالحين ) (١) .

٤ ـ إرشاد الضالين :

واهتمّ الإمام الهادي عليه‌السلام اهتماماً بالغاً بإرشاد الضالين والمنحرفين عن الحق وهدايتهم إلى سواء السبيل ، وكان من بين مَن أرشدهم الإمام وهداهم : أبو الحسن البصري المعروف بالملاح ، فقد كان واقفياً يقتصر على إمامة الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ولا يعترف بإمامة أبنائه الطاهرين ، فالتقى به الإمام الهادي فقال له : ( إلى متى هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها ؟! ) وأثّرت هذه الكلمة في نفسه فآب إلى الحقّ ، والرشاد (٢) .

٥ ـ التحذير عن مجالسة الصوفيّين :

وحذّر الإمام الهاديعليه‌السلام أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بالصوفيين والاختلاط بهم ؛ لأنّهم مصدر غواية وضلال للناس ، فهم يظهرون التقشّف والزهد لإغراء البسطاء والسذّج وغوايتهم.

فلقد شدّد الإمام الهاديعليه‌السلام في التحذير من الاختلاط بهم حتى روى

ــــــــــــــ

(١) كتاب مَن لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٦٢ .

(٢) إعلام الورى : ٢/١٢٣ عن كتاب الواحدة للعمي ، وعن الأعلام في بحار الأنوار : ٥٠/١٨٩ .

٢٢

الحسين بن أبي الخطاب قال : كنت مع أبي الحسن الهاديعليه‌السلام في مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري ، وكان بليغاً وله منزلة مرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية المسجد فجلسوا في جانب منه ، وأخذوا بالتهليل ، فالتفت الإمام إلى أصحابه فقال لهم :( لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين فإنّهم حلفاء الشياطين ، ومخرّبو قواعد الدين ، يتزهّدون لإراحة الأجسام ، ويتهجّدون لصيد الأنعام ، يتجرّعون عمراً حتى يديخوا للايكاف (١) حمراً ، لا يهللون إلاّ لغرور الناس ، ولا يقلّلون الغذاء إلاّ لملء العساس واختلاس قلب الدفناس (٢) ، يكلّمون الناس بإملائهم في الحبّ ، ويطرحونهم بإذلالهم في الجب ، أورادهم الرقص والتصدية ، وأذكارهم الترنّم والتغنية ، فلا يتبعهم إلاّ السفهاء ، ولا يعتقد بهم إلاّ الحمقاء ، فمَن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً أو ميتاً ، فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومَن أعان واحداً منهم فكأنّما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان ) .

فقال أحد أصحابه : وإن كان معترفاً بحقوقكم ؟ .

فزجره الإمام وصاح به قائلاً :( دع ذا عنك ، مَن اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدري أنّهم أخسّ طوائف الصوفية ، والصوفية كلّهم مخالفونا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلاّ نصارى أو مجوس هذه الأُمّة ، أُولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ) (٣) .

ــــــــــــــ

(١) يديخوا : أي يذلوها ويقهروها .

(٢) الدفناس : الغبيّ والأحمق ، كما في مجمع البحرين : ٤/٧١ .

(٣) حديقة الشيعة للأردبيلي : ٦٠٢ ، ٦٠٣ عن المرتضى الرازي في كتاب الفصول ، وابن حمزة في كتاب الهادي إلى النجاة ، كلاهما عن الشيخ المفيد ، وعنه في روضات الجنّات : ٣/١٣٤ .

٢٣

٦ ـ تكريمه للعلماء :

وكان الإمام الهاديعليه‌السلام يكرم رجال الفكر والعلم ويحتفي بهم ويقدّمهم على بقية الناس ؛ لأنّهم مصدر النور في الأرض ، وكان من بين مَن كرّمهم أحد علماء الشيعة وفقهائهم ، وكان قد بلغه عنه أنّه حاجج ناصبياً فأفحمه وتغلّب عليه فسرّ الإمامعليه‌السلام بذلك ، ووفد العالم على الإمام فقابله بحفاوة وتكريم ، وكان مجلسه مكتظّاً بالعلويين والعباسيين ، فأجلسه الإمام على دست ، وأقبل عليه يحدّثه ، ويسأل عن حاله سؤالاً حفياً ، وشقّ ذلك على حضّار مجلسه من الهاشميين فالتفتوا إلى الإمام ، وقالوا له : كيف تقدّمه على سادات بني هاشم ؟ فقال لهم الإمام :( إيّاكم أن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (١) أترضون بكتاب الله عزّ وجلّ حكماً ؟ ) فقالوا جميعاً : بلى يا ابن رسول الله(٢) .

وأخذ الإمام يقيم الدليل على ما ذهب إليه قائلاً :أليس الله قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ ـ إلى قوله ـ :وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (٣) فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم ، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع على مَن ليس بمؤمن ، أخبروني عنه قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات ) أو قال : يرفع الله

ــــــــــــــ

(١) آل عمران (٣) : ٢٣ .

(٢) كذا ، والصحيح : ألا ترضون ، وإلاّ فالجواب بنعم وليس ببلى .

(٣) المجادلة (٥٨) : ١١ .

٢٤

الذين أُوتوا شرف النسب درجات ؟! أو ليس قال الله : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (١) .

فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله ، إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علّمه إيّاها لأشرف من كل شرف في النسب .

وسكت الحاضرون ، فقد ردّ عليهم الإمام ببالغ حجّته ، إلاّ أنّ بعض العبّاسيين انبرى قائلاً : يا ابن رسول الله لقد شرّفت هذا علينا ، وقصرتنا عمّن ليس له نسب كنسبنا ، وما زال منذ أول الإسلام يقدّم الأفضل في الشرف على مَن دونه .

وهذا منطق رخيص فإنّ الإسلام لا يخضع بموازينه إلاّ للقيم الصحيحة التي لم يعِها هذا العباسي ، وقد ردّ عليه الإمامعليه‌السلام قائلاً : سبحان الله ! أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيمي ، والعباس هاشمي ، أو ليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب ، وهو هاشمي أبو الخلفاء ، وعمر عدوي ، وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ، ولم يدخل العباس ؟! فإن كان رفعاً لمَن ليس بهاشمي على هاشمي منكراً ، فأنكروا على العباس بيعته لأبي بكر وعلى عبد الله بن عباس بخدمته لعمر ، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز (٢) .

٧ ـ العبادة :

إنّ الإقبال على الله والإنابة إليه وإحياء الليالي بالعبادة ومناجاة الله وتلاوة كتابه هي السّمة البارزة عند أهل البيتعليهم‌السلام .

أمّا الإمام الهاديعليه‌السلام فلم يرَ الناس في عصره مثله في عبادته وتقواه

ــــــــــــــ

(١) الزمر (٣٥) : ٩ .

(٢) الاحتجاج للطبرسي : ٢ / ٢٥٩ .

٢٥

وشدّة تحرّجه في الدين ، فلم يترك نافلة من النوافل إلاّ أتى بها ، وكان يقرأ في الركعة الثالثة من نافلة المغرب سورة الحمد وأوّل سورة الحديد إلى قوله تعالى : ( انّه عليم بذات الصدور ) وفي الركعة الرابعة سورة الحمد وآخر سورة الحجرات (١) .

٨ ـ استجابة دعائه :

وقد ذكرت بوادر كثيرة من استجابة دعاء الإمامعليه‌السلام عند الله كان منها :

١ ـ ما رواه المنصوري عن عمّ أبيه ، قال : قصدت الإمام عليّاً الهادي ، فقلت له : يا سيّدي إنّ هذا الرجل ـ يعني المتوكّل ـ قد اطرحني ، وقطع رزقي ، وملّني وما أُتّهم به في ذلك هو علمه بملازمتي بك ، وطلب من الإمام التوسّط في شأنه عند المتوكّل ، فقالعليه‌السلام :تُكفى إن شاء الله ، ولما صار الليل طرقته رسل المتوكل فخفّ معهم مسرعاً إليه ، فلما انتهى إلى باب القصر رأى الفتح واقفاً على الباب فاستقبله وجعل يوبّخه على تأخيره ثم أدخله على المتوكّل فقابله ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً : يا أبا موسى تنشغل عنّا ، وتنسانا ؟! أي شيء لك عندي ؟ وعرض الرجل حوائجه وصِلاته التي قطعها عنه ، فأمر المتوكّل بها وبضعفها له ، وخرج الرجل مسروراً .

وانصرف الرجل فتبعه الفتح فأسرع إليه قائلاً : لست أشكّ أنّك التمست منه ـ أي من الإمام ـ الدعاء ، فالتمس لي منه الدعاء .

ومضى ميمّماً وجهه نحو الإمامعليه‌السلام فلمّا تشرّف بالمثول بين يديه

ــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة : ٤/٧٥٠ .

٢٦

قالعليه‌السلام له :يا أبا موسى هذا وجه الرضا .

فقال الرجل بخضوع : ببركتك يا سيّدي ، ولكن قالوا لي : إنّك ما مضيت إليه ولا سألته .

فأجابه الإمام ببسمات قائلاً :إنّ الله تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه ، ولا نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه ، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا .

وفطن الرجل إلى أنّ الإمام قد دعا له بظهر الغيب ، وتذكّر ما سأله الفتح فقال : يا سيّدي إنّ الفتح يلتمس منك الدعاء .

فلم يستجب الإمام له وقال :إنّ الفتح يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ، الدعاء إنّما يدعى له إذا أخلص في طاعة الله ، واعترف برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبحقّنا أهل البيت (١) .

٢ ـ روي أنّ عليّ بن جعفر كان من وكلاء الإمامعليه‌السلام فسعي به إلى المتوكّل فحبسه ، وبقي في ظلمات السجون مدّة من الزمن ، وقد ضاق به الأمر فتكلّم مع بعض عملاء السلطة في إطلاق سراحه ، وقد ضمن أن يعطيه عوض ذلك ثلاثة آلاف دينار ، فأسرع إلى عبيد الله وهو من المقرّبين عند المتوكّل ، وطلب منه التوسّط في شأن عليّ بن جعفر ، فاستجاب له ، وعرض الأمر على المتوكل ، فأنكر عليه ذلك وقال له : لو شككت فيك لقلت : إنّك رافضي ، هذا وكيل أبي الحسن الهادي وأنا على قتله عازم .

وندم عبيد الله على التوسّط في شأنه ، وأخبر صاحبه بالأمر ، فبادر إلى عليّ بن جعفر وعرّفه أنّ المتوكّل عازم على قتله ولا سبيل إلى إطلاق

ــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي : ٢٨٥ ح ٥٥٥ وعنه في بحار الأنوار : ٥٠/١٢٧ وفي المناقب : ٤/٤٤٢ .

٢٧

سراحه ، فضاق الأمر بعليّ بن جعفر ، فكتب رسالة إلى الإمام جاء فيها : ( يا سيّدي الله الله فيَّ ، فقد خفت أن أرتاب ، فوقّع الإمام على رسالته :( أمّا إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك ) ، وأصبح المتوكّل محموماً دنفاً ، وازدادت به الحمّى فأمر بإطلاق جميع المساجين ، وأمر بإطلاق سراح علي بن جعفر بالخصوص ، وقال لعبيد الله : لِمَ لَمْ تعرض عليَّ اسمه ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً ، فأمره بأن يخلّي عنه ، وأن يلتمس منه أن يجعله في حلّ ممّا ارتكبه منه ، وأطلق سراحه ، ثم نزح إلى مكّة فأقام بها بأمر من الإمام )(١) .

هذه بعض البوادر التي ذكرها الرواة من استجابة دعاء الإمام ، ومن المؤكّد أنّ استجابة الدعاء ليس من عمل الإنسان وصنعه ، وإنّما هو بيد الله تعالى فهو الذي يستجيب دعاء مَن يشاء من عباده ، وممّا لا شبهة فيه أنّ لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام منزلة كريمة عنده تعالى ؛ لأنّهم أخلصوا له كأعظم ما يكون الإخلاص ، وأطاعوه حقّ طاعته وقد خصّهم تعالى باستجابة دعائهم كما جعل مراقدهم الكريمة من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء(٢) .

ــــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ٦٠٦ ح ١١٢٩ وعنه في بحار الأنوار : ٥٠/١٨٣ .

(١) راجع حياة الإمام علي الهادي عليه‌السلام : ٤٢ ـ ٦٢ .

٢٨

الباب الثاني : فيه فصول :

الفصل الأوّل : نشأة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثالث : الإمام الهادي في ظلِّ أبيهعليهما‌السلام .

الفصل الأوّل : نشأة الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام

١ ـ نسبه الشريف

هو أبو الحسن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام وهو العاشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

أُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية(١) وعُرفت بأُمّ الفضل (٢) .

٢ ـ ولادته ونشأته

وُلدعليه‌السلام للنصف من ذي الحجّة أو ثاني رجب سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين(٣) .

وكانت ولادتهعليه‌السلام في قرية ( صريا ) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال(٤) .

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ٢٩٨ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٣ ، وعنه في بحار الأنوار : ٥٠ / ١١٤ .

(٣) أصول الكافي : ١ / ٤٩٧ ، والإرشاد : ٣٦٨ ، والمصباح : ٥٢٣ .

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٣ ، وثلاثة أميال تعادل خمسة كيلومترات .

٢٩

٣ ـ بشارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادته

وبشرّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادته في حديث طويل حول الأئمة عليهم‌السلام بقوله : ( وإنّ الله ركّب في صلبه ـ إشارة إلى الإمام الجواد عليه‌السلام ـ نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارّة مباركة ، طيّبة طاهرة ، سمّاها عنده علي بن محمد فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم ، وكل سرّ مكتوم ، من كفّيه ، وفي صدره شيء أنبأه به ، وحذّره من عدوّه ) (١) .

٤ ـ كنيته وألقابه

يُكنّى الإمامعليه‌السلام بأبي الحسن ، وتمييزاً له عن الإمامين الكاظم والرضاعليهما‌السلام يقال له أبو الحسن الثالث .

أمّا ألقابه فهي : الهادي والنقيّ وهما أشهر ألقابه ، والمرتضى ، والفتّاح ، والناصح ، والمتوكّل ، وقد منع شيعته من أن ينادوه به لأنّ الخليفة العباسي كان يُلقّب به(٢) .

وفي المناقب ذكر الألقاب التالية : النجيب ، الهادي ، المرتضى ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتَمن ، الطيّب ، العسكري ، وقد عرف هو وابنه بالعسكريينعليهما‌السلام (٣) .

ــــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٦٢ ، ح ٢٩ .

(٢) كشف الغمّة : ٢ / ٣٧٤ .

(٣) المناقب : ٤ / ٤٣٢ .

٣٠

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الهاديعليه‌السلام

يمكن تقسيم حياة الإمام الهاديعليه‌السلام التي ناهزت الأربعين سنة إلى مراحل متعدّدة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به .

غير أنّ التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمةعليهم‌السلام ، والذي يرتكز على تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحد منهم ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهمعليهم‌السلام والذي يتمثّل في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأمة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها ومبادئها وصيانة دولة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التردّي ما أمكن والتمهيد لاستلام زمام الحكم حينما لا يتنافى مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها .

والمرحلة الأولى من حياة الإمام الهاديعليه‌السلام تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجوادعليه‌السلام وهي بين (٢١٢ هـ) إلى (٢٢٠ هـ) ويبلغ أقصاها ثمان سنوات تقريباً .

وقد عاصر فيها كلاًّ من : المأمون والمعتصم العباسيين .

والمرحلة الثانية تتمثّل في الفترة الزمنية بين تولّيهعليه‌السلام لمنصب الإمامة في نهاية سنة (٢٢٠ هـ) والى حين استشهادهعليه‌السلام في سنة (٢٥٤ هـ) وهي أربع وثلاثون سنة تقريباً .

وقد عاصر في هذه الفترة ستة من ملوك بني العباس ، وهم على الترتيب :

١ ـ المعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ) .

٢ ـ الواثق (٢٢٧ ـ ٢٣٢ هـ) .

٣ ـ المتوكّل (٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ) .

٤ ـ المنتصر (٢٤٧ ـ ٢٤٨ هـ) .

٥ ـ المستعين (٢٤٨ ـ ٢٥٢ هـ) .

٦ ـ المعتز (٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ) .

٣١

وسوف نتابع المرحلة الأولى من حياة هذا الإمام العظيم في الفصل الثالث من الباب الثاني ، ونقف عند أهم الأحداث التي ترتبط به في فترة حياته في ظل أبيهعليه‌السلام .

وأمّا المرحلة الثانية من حياته المباركة فسوف ندرس ظروفها ونقف عند ملامحها ومتطلّباتها خلال الأبواب الثلاثة الأخيرة .

الفصل الثالث : الإمام علي بن محمد الهادي في ظلّ أبيه الجوادعليهما‌السلام

لقد تقلّد الإمام محمد الجوادعليه‌السلام الزعامة الدينية والمرجعية الفكرية والروحية للشيعة بعد استشهاد الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام سنة (٢٠٢ هـ)(١) .

وكان عمره الشريف حوالى سبع سنوات وكان مع حداثته يدبّر أمر الرضاعليه‌السلام بالمدينة ويأمر الموالي وينهاهم لا يخالف عليه أحد منهم(٢) .

وقال صفوان بن يحيى : قلت للرضاعليه‌السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهب الله وأقرَّ عيوننا فلا أرانا الله يومك فإذا كان كون فإلى مَن ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفرعليه‌السلام وهو نائم بين يديه .

فقلت : جُعلت فداك هو ابن ثلاث سنين !(٣)

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام :إنّ الله بعث عيسى بن مريم قائماً بشريعته وهو في دون السنّ التي يقوم فيها أبو جعفر على شريعتنا (٤) .

وعاش بعد أبيه تسع عشرة سنة إلاّ خمساً وعشرين يوماً(٥) وهي مدّة إمامتهعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية : ١٨٤ .

(٢) إثبات الوصية : ١٨٥ .

(٣) إثبات الوصية : ١٨٥ و١٨٦ .

(٤) إثبات الوصية : ١٨٥ و١٨٦ .

(٥) الكافي : ١ / ٥٧٢ ، ح ١٢ .

٣٢

الشيعة وإمامة الجوادعليه‌السلام

بعد التحاق الإمام الرضاعليه‌السلام بالرفيق الأعلى ، كان عمر الإمام الجوادعليه‌السلام سبع سنوات وهذه الإمامة المبكّرة كانت أول ظاهرة ملفتة للنظر عند الشيعة أنفسهم فضلاً عن غيرهم .

واحتار بعض رموز الشيعة فضلاً عن غيرهم بالرغم من التمهيد لهذه الظاهرة من قِبل الإمام الرضاعليه‌السلام قبل إشخاصه إلى خراسان وبعده .

من هنا اجتمع جملة من كبار الشيعة في بيت أحدهم يتداولون في أمر الإمامة ، وكان من بين هؤلاء المجتمعين ، الريّان بن الصلت ، ويونس ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، فجعلوا يبكون ، فقال لهم يونس : دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي ـ أي الإمام الجوادعليه‌السلام ـ فردّ عليه الريان بن الصلت قائلاً :

( إن كان أمر من الله جلّ وعلا ، فابن يومين مثل ابن مائة سنة ، وإن لم يكن من عند الله فلو عمَّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه ، وهذا ممّا ينبغي أن ينظر فيه )(١) .

ويتّضح من النص السابق تأكيد الريّان على مفهوم الإمامة باعتبارها منصباً إلهياً كالنبوّة من حيث الاختيار والانتخاب لهذا المنصب .

فإنّه بيد الله سبحانه ، قال تعالى :( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) وليس للناس فيها أمر واختيار .

ــــــــــــــ

(١) دلائل الإمامة : ٢٠٥ .

٣٣

عصر الإمام الجواد

عاصر الإمام الجوادعليه‌السلام من خلفاء بني العباس المأمون (١٩٨ ـ ٢١٨ هـ) والمعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ) ، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجوادعليه‌السلام ، وزوّجه ابنته أم الفضل ، ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضاعليه‌السلام وولاّه عهده وقرّب العلويين(١) .

أمّا حكم المعتصم فكان حكماً استبدادياً مقروناً بشيء من العطف وحسن التدبير ، وقد وصفه المسعودي(٢) بحسن السيرة واستقامة الطريقة .

وقد اعتمد الخلفاء العباسيون الأوائل في إنشاء حكومتهم واستمرارها على الفرس دون العرب وأسندوا إليهم المناصب المدنيّة والعسكرية ، ممّا أدّى إلى سيادة الفرس في مختلف الميادين وضمور دور العرب في الدولة العباسية ومؤسّساتها المختلفة ، وأثمرت هذه الظاهرة التنافس بين العرب والفرس ، حتى جاء المعتصم ـ وكانت أُمّه تركيّة ـ فاعتمد على العنصر التركي واتّخذهم حرساً له ، وأسند إليهم مناصب الدولة وقلّدهم ولاية الأقاليم البعيدة عن مركز الخلافة وأخرج العرب من ديوان العطاء وأحلّ محلّهم الترك فحقد العرب والفرس عليهم جميعاً .

ولم يقتصر الصراع على ما كان بين العرب والفرس والترك بل تعدّاه إلى قيام المنافسة بين العنصر العربي نفسه ، فاشتعلت نيران العصبية بين عرب الشمال المضريين ، وعرب الجنوب اليمنيين(٣) .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٦٦ ـ ٦٧ للدكتور حسن إبراهيم حسن .

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٤٧٦ .

(٣) تاريخ الإسلام : ٣٩٥ .

٣٤

وهذا يوضح لنا شدّة

الصراع داخل الأسرة الحاكمة نفسها .

فكان شعب الدولة العباسية في نهاية العصر الأوّل يتكوّن من :

١ ـ العرب ( المضريين واليمنيين ) .

٢ ـ الفرس ( الخراسانيين ) الذين ساعدوا العباسيين في إنشاء حكومتهم .

٣ ـ الترك ، الذين آلت إليهم إدارة الدولة .

٤ ـ أهل الذمّة ( أهل الكتاب ) وهم : اليهود والنصارى .

وكانت الطوائف الدينية منفصلة بعضها عن بعض تمام الانفصال ، وكان لا يجوز للمسيحي أن يتهوّد ولا لليهودي أن يتنصّر ، واقتصر تغيير الدين على الدخول في الإسلام ، وكان الرقيق يكوّنون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع الإسلامي ، وكانت سمرقند تُعدّ من أكبر أسواق الرقيق ؛ إذ كان أهلها يتخذون ذلك صناعة لهم يعيشون منها .

وكان لاتساع رقعة الدولة العباسية ، ووفرة ثرواتها ، ورواج تجارتها أثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل حتى لقد غدا الناس جميعاً من الخليفة إلى العامة طلاّباً للعلم أو على الأقلّ أنصاراً للأدب ، وكان الناس في عهد هذه الدولة يجوبون ثلاث قارّات سعياً إلى موارد العلم والعرفان ليعودوا إلى بلادهم وهم يحملون أصنافاً من العلم ، ثم يصنّفون ما بذلوه من جهد متصل بمصنّفات هي أشبه شيء بدوائر المعارف ، والتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم إلينا بصورة لم تكن متوقّعة من قبل(١) .

هذا في الشرق الإسلامي ، وأمّا في الغرب فقد نافست قرطبة بغداد والبصرة والكوفة ودمشق والفسطاط فأصبحت حاضرة الأندلس حتى جذبت مساجدها الأوربيين الذين وفدوا لارتشاف العلم من مناهله والتزوّد من الثقافة الإسلامية ، ومن ثم ظهرت فيها طائفة من العلماء والشعراء والأُدباء والفلاسفة والمترجمين والفقهاء وغيرهم .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٣ .

٣٥

ولم يقتصر اهتمام العلماء المسلمين على العلوم النقلية مثل علم التفسير ، والقراءات وعلم الحديث والفقه والكلام ، بل شمل اهتمامهم العلوم العقلية ، كالفلسفة ، والهندسة ، وعلم النجوم ، والطب ، والكيمياء ، وغيرها .

وفي العصر العباسي الأوّل اشتغل الناس بالعلوم الدينية وظهر المتكلّمون وتكلّم الناس في مسألة خلق القرآن ، وتدخّل المأمون في ذلك ، فأوجد مجالس للمناظرة بين العلماء في حضرته ؛ ولهذا عاب الناس عليه تدخّله في الأمور الدينية كما عابوا عليه تفضيل علي بن أبي طالبعليه‌السلام على سائر الخلفاء(١) .

وفي هذا العصر ظهر صنفان من العلماء :

الصنف الأول : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم النقل والاستيعاب ويسمون أهل علم .

والصنف الثاني : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم الابتداع والاستنباط ويسمون أهل عقل(٢) .

كما نشطت في هذا العصر أيضاً ، في ميدان الفقه مدرستان : مدرسة أهل الحديث في المدينة ومدرسة الرأي في العراق .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٣ .

(٢) تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٢٤ .

٣٦

الحالة السياسية

كانت تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع والصراع على السلطة بين ولاة العهد ؛ لأنّ أحدهما كان يرى أن يولّي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون(١) .

وقد كان الأمين شديد البطش لكنّه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير وتجلّى ضعف تدبيره في الاضطرابات التي نشأت نتيجة صراعه مع المأمون على السلطة ، والتي استمرت من سنة (٩٣ ـ ٩٨هـ) حيث تمكّن أعوان المأمون من قتل محمد الأمين والاستيلاء على بغداد ، ومن ثمّ تفرّد المأمون في إدارة الحكم وعزل قوّاد وولاة أخيه الأمين ، وأبدلهم بأنصاره وأعوانه الذين مكّنوه من الانتصار على الأمين .

وفي عهد المأمون قد حدثت عدّة ثورات وحركات مسلّحة تمكّن منها جيش الدولة ، وأعاد الأمصار التي حصلت فيها تلك الثورات وانفصلت عن الدولة إلى الخضوع إلى سلطان الخليفة ، وكان بعد استقرار الوضع واستتباب السيطرة للمأمون أن قام بغزو بلاد الروم عام (٢١٧ هـ)(٢) .

ويصوّر أحد شعراء العصر العباسي الأوّل ـ من أهل بغداد وهو يُعرف بعلي ابن أبي طالب الأعمى ـ الحالة السياسية والاجتماعية في هذه الفترة من زمن الدولة العباسية فيما أنشده بقوله :

ــــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٤ / ٣٥٠ ـ ٣٥٣ .

(٢) تاريخ الطبري ، تاريخ الأُمم والملوك ، أحداث السنين (١٩٩ ـ ٢١٧ هـ) .

٣٧

أضاع الخلافة غِشُّ الوزير

وفِسقُ الإمام ورأي المشير

وما ذاك إلاّ طريق الغرور

وشرّ المسالك طُرقُ الغرور

فعال الخليفة أعجوبة

وأعجب منه فعال الوزير

وأعجب من ذا وذا أنّنا

نبايع للطفل فينا الصغير

ومَن ليس يُحسن مسح انفه

ولم يخل من متنه حجرُ ظير

وما ذاك ، إلاّ بباغٍ وغاو

يريدان نقض الكتاب المنير

وهذان لولا انقلاب الزمان

أفي العير هذان أم في النفير

ولكنّها فتن كالجبا

ل نرتع فيها بصنع الحقير(١)

ولمّا قُتل الأمين حُمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة ، وأعطى الجند ، وأمر كل مَن قبض رزقه أن يلعنه ، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس ، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : العن هذا الرأس فقال : لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أُمّهاتهم ، فقيل له : لعنت أمير المؤمنين ! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل ، وأمر بحطّ الرأس وردّه إلى العراق(٢) .

وجابه حكم المأمون تحدّيات عديدة وخطيرة كادت أن تسقط دولته وأهم الأحداث التي كانت أيام حكومته هي :

١ ـ ثورة ابن طباطبا(٣) سنة (١٩٩ هـ) بقيادة أبي السرايا .

وهي من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام الجوادعليه‌السلام وقد رفعت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكادت

ــــــــــــــ

(١) مروج الذهب : ٣ / ٣٩٧ .

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٤١٤ .

(٣) هو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .

٣٨

أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية ؛ إذ استجاب لها الكثير من أبناء الشعب المسلم واستطاع أبو السرايا بعقله الملهم أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ويجعلهم قادة في جيشه ممّا أدّى إلى اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى الانضمام لثورته .

ووجّه إليه المأمون ، زهير بن المسيب على عشرة آلاف مقاتل ، ولكنّ زهيراً انهزم جيشه واستبيح عسكره ، وقد قوي شأنهم بعد ذلك وهزموا جيشاً آخر أرسله المأمون إليهم ، واستولوا على ( واسط ) .

ثم التقى بهم جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين ، فهرب أبو السرايا إلى القادسية ، ودخل هرثمة إلى الكوفة ، ثم قتل أبو السرايا ، وكان ذلك في سنة (٢٠٠ هـ)(١) .

٢ ـ ولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام .

وفي سنة إحدى ومائتين فرض المأمون على الإمام علي بن موسى الرضا قبول ولاية العهد ، وأمر عمّال الدولة برمي السواد ولبس الخضرة ؛ فشقّ ذلك على العباسيين وقامت قيامتهم بإدخاله الرضاعليه‌السلام في الخلافة فخالفوا المأمون وبايعوا عمّه المنصور بن المهدي فضعف عن الأمر ، وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه إبراهيم بن المهدي فبايعوه وجرت لذلك حروب عديدة(٢) .

وبعد أن عجز المأمون عن تحقيق أغراضه من فرض ولاية العهد ـ كما يريد ـ على الإمام الرضاعليه‌السلام قام بدس السمّ إليه واغتياله وذلك في سنة ثلاث

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٢ ـ ١١٣ .

(٢) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٢ ـ ١١٣ .

٣٩

ومائتين(١) .

٣ ـ أحداث سنة ست ومائتين : وفي هذه السنة استفحل أمر بابك الخرّمي بجبال آذربيجان وأكثر الغارة والقتل وهزم عسكر المأمون وفعل القبائح(٢) .

٤ ـ أحداث سنة تسع ومائتين : وفي هذه السنة ظهر نصر بن أشعث العقيلي ، وكانت بينه وبين عبد الله بن طاهر الخزاعي قائد جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد (٣) .

٥ ـ غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدّة حصون وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر(٤) .

وامتدّت هذه الحروب أكثر من سنتين ، وقد أسرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام (٢١٧ هـ) .

الإمام الجوادعليه‌السلام والمأمون العباسي

لقد انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام تباين سياسة أسلافه من ملوك بني العباس .

ويُعد هذا التحوّل في العلاقة بين السلطة والأئمة دليلاً على اتّساع المساحة التي كان يشغلها تأثير الأئمة وسط الأمة والمجتمع الإسلامي مع انشداد الغالبية المؤثّرة بالأئمةعليهم‌السلام والقول

ــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية : ١٨١ ـ ١٨٣ .

(٢) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٤ .

(٣) تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : ١١٥ ـ ١١٧ .

(٤) تاريخ الذهبي دول الإسلام : ١١٥ ـ ١١٧ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

« هو من الأخبار المشهورة ».

* * *

__________________

ولد سنة ٢٦١ ، وتوفّي ببغداد سنة ٣٤٥ ودفن بها.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ١٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٥٦ رقم ٨٦٥ ، طبقات الحنابلة ٢ / ٥٦ رقم ٦٠٣ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٢٩ رقم ٦٣٨ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٧٣ رقم ٨٤٤ ، لسان الميزان ٥ / ٢٦٨ رقم ٩٢٢.

١٤١

١٥ ـ حديث : إنّ فيك مثلا من عيسى

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الخامس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «إنّ فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود حتّى اتّهموا أمّه ، وأحبّه النصارى حتّى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل »(٢)

وقد صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ الخوارج أبغضوا عليّاعليه‌السلام ، والنصيريّة(٣) اعتقدوا فيه الربوبيّة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٤ ح ١٠٨٧ وص ٨٨٨ ح ١٢٢١ و ١٢٢٢ ، زوائد عبد الله على المسند : ٤١٢ ح ١٩٦ ، السنّة ـ لعبد الله بن أحمد ـ ٢ / ٥٤٣ ح ١٢٦٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٣ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ رقم ٩٦٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٧٠ ح ١٠٠٤ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١١٠ ح ١٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٦ ح ٨٦٠ ـ ٨٧٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٥ ح ٣٦٣٩٩.

(٣) النصيرية ـ ويقال لها : النّميرية ـ : فرقة تنسب إلى محمّد بن نصير النميري ، وكان هو من أصحاب الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام ، ثمّ انحرف عن جادّة الحقّ وادّعى أمورا باطلة عظيمة ، كالنيابة عن الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام والقول بالتناسخ

١٤٢

وقال الفضل(١) :

الحمد لله الذي جعل أهل السنّة معتدلين بين الفريقين ؛ من المفرطة في حبّ عليّ ، كالنصيرية التي يدّعون ربوبيته ، وكالإماميّة التي يدّعون أنّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا كلّهم لمخالفة النصّ في شأنه ؛ ومن المفرطة في بغضه كالخوارج المبغضة.

وأمّا أهل السنّة والجماعة ـ بحمد الله ـ فيحبّونه حبّا شديدا ، وينزلونه في منزلته التي هو أهل لها ، من كونه وصيّا ، وخليفة من الخلفاء الأربع ، وصاحب ودائع العلم والمعرفة.

* * *

__________________

والغلوّ والنبوّة والإلحاد.

انظر : فرق الشيعة ـ للنوبختي ـ : ٩٣ ـ ٩٤ ، الفرق بين الفرق : ٢٣٩ و ٢٤١ ، الغيبة ـ للطوسي : ٣٩٨ ح ٣٦٩ ـ ٣٧١ ، الاحتجاج ٢ / ٥٥٢ و ٥٥٤.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٦.

١٤٣

وأقول :

هذا الحديث كما هو مذكور في مسند أحمد ، مذكور في مستدرك الحاكم ، وخصائص النسائي ، وغيرها ، كما سبق في الآية الثانية والستّين(١) .

وبمعناه ما في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تفترق فيك أمّتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى »(٢) .

ولا ريب أنّ إنزال النصارى لعيسى بغير منزلته إنّما هو لاتّخاذهم له إلها.

وبمقتضى التمثيل يكون إنزال عليّعليه‌السلام بغير منزلته هو اتّخاذه إلها كعيسى ، كما فعل النصيرية وغيرهم من الغلاة ، فلا يدخل الإماميّة في من أنزله بغير منزلته ؛ لأنّهم يقولون : إنّه عبد من عبيد الله تعالى ، أكرمه بالخلافة بالنصّ عليه.

وحينئذ ، فينحصر أمر الإماميّة بين أن يكونوا ممّن أبغضه ، ولا سبيل إليه بالضرورة ؛ وبين أن يكونوا من النمط الأوسط والمحقّ ، وهو المطلوب.

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٤ من هذا الكتاب ، وانظر : مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، خصائص الإمام عليّعليه‌السلام : ٨٤ ح ٩٨ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٠١.

١٤٤

كما ينحصر أهل السنّة بين هذين ، والمتعيّن فيهم الأوّل ؛ لأنّ النمط الأوسط لا يمكن أن يجمع الفريقين المتباينين ، ولأنّ أهل السنّة اجتهدوا في تأخيره عمّن لا يقاس به علما وعملا ، ولا يلتفتون إلى آية تدلّهم على منزلته ، ولا إلى سنّة ترشدهم إلى فضله وعلوّ محلّه ، بل يحتالون إلى نفي النصوصيّة بالأوهام والشبه البعيدة ، ويتناولون الأسانيد القويّة الكثيرة بالتضعيف بكلّ وسيلة ، بعكس ما يرد عندهم في حقّ مشايخهم!

فلا بدّ أن يكون من قال : « إنّ عليّا هو الخليفة الأوّل » محقّا ناجيا ، ومن قال : « إنّه رعيّة لغيره » مبطلا هالكا ؛ وبه يتمّ إثبات إمامته وخلافته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

وقد سبق في الآية الثانية والستّين دلالة ذلك على إمامته بوجوه أخر ؛ فراجع(١) .

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ الإماميّة يكفّرون أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإن أراد به أنّهم يقولون بشركهم أو إنكارهم الرسالة ، فباطل

وإن أراد أنّهم يقولون : إنّ أكثر الصحابة خالفوا نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ ، وألغوا أمر الله تعالى وأمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه ، فصحيح ؛ لأنّ الإمامة عندنا أصل من أصول الدين ، ومن لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ، كما مرّ تحقيقه في أوّل مباحث الإمامة(٢)

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.

وانظر : مسند أحمد ٣ / ٤٤٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٩٠ ح ١٠٥٨ ،

١٤٥

وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ، وصرّحت به السنّة المستفيضة ، كأخبار الحوض ، التي منها ما رواه البخاري في « باب الحوض » ، من أنّ الأصحاب ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النّعم(٢) ، كما مرّ(٣) ويأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما زعمه من أنّ أهل السنّة يحبّون عليّا حبّا شديدا ، فلا نعرف منه إلّا الدعوى ، ولو كشف الله سبحانه حجاب ضمائرهم لعرفت أنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

بل الوجدان يشهد بخلافه ، فهذه أقلامهم عند تلاوة آيات فضله ، وهذه أرقامهم(٤) عند سماع نصوص إمامته ، وهذا ولاؤهم لأظهر مبغضيه وأعدائه ، كمعاوية وأشباهه

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي عنك لعازب(٥)

__________________

مجمع الزوائد ٥ / ٢١٨ و ٢٢٤ ؛ علاوة على ما مرّ في مقدّمة الكتاب ص ٣١ ، وفي ج ٤ / ٢١٤ ه‍ ١ ـ ٤ ، من تخريج ألفاظ حديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢١٧ ح ١٦٦.

(٣) انظر ما تقدّم في ج ٢ / ٢٧ ه‍ ١ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ من هذا الكتاب.

(٤) الرّقم : الكتابة والختم ؛ والرّقم والتّرقيم : تعجيم الكتاب ، ورقم الكتاب يرقمه رقما : أعجمه وبيّنه ، وكتاب مرقوم أي قد بيّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٩٠ مادّة « رقم ».

والمراد هنا هو ما كتبوه ويكتبونه في إنكار إمامة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام .

(٥) البيت من بحر الطويل ، وقد نسبه ابن عبد ربّه إلى العتابي ؛ انظر : العقد الفريد ٢ / ٧٥ باب أصناف الإخوان من كتاب « الياقوتة في العلم والأدب » ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢٠ / ١٥.

١٤٦

١٦ ـ حديث : لا يحبّك إلّا مؤمن

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

السادس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وهو مذكور في « الجمع بين الصحيحين » ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق »(٢) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ وج ٦ / ٢٩٢ ، الجمع بين الصحيحين ١ / ١٧٢ ح ١٥٣ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٧ وص ٦٠١ ح ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ / ١١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٧ ، مسند الحميدي ١ / ٣١ ح ٥٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٥١ ح ٢٩١ وج ١٢ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ ح ٦٩٠٤ وص ٣٦٢ ح ٦٩٣١ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ح ٨٨٥ و ٨٨٦ ، معرفة علوم الحديث : ١٨٠ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٧٦ ح ٦٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٧ رقم ٤٥٢٣ وج ١٤ / ٤٢٦ رقم ٧٧٨٥ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٧٠ ـ ٢٨٠.

١٤٧

وقال الفضل(١) :

هذا الحديث صحيح لا شكّ فيه ، وفي رواية هذا الحديث عن عليّ ، أنّه قال : «لعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ ؛ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق »(٢) .

والحمد لله الذي جعلنا من أهل محبّته ، وملأ قلوبنا من صفو مودّته ، وبالله التوفيق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٩.

(٢) مرّ تخريج الحديث مفصّلا فى ج ١ / ١٥ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ وانظر علاوة على ذلك : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٣ وص ١٣٧ ح ٨٤٨٥ ـ ٨٤٨٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ ، شرح السنّة ٨ / ٨٥ ـ ٨٦ ح ٣٩٠٧ و ٣٩٠٨.

١٤٨

وأقول :

إذا عرف صحّة هذا الحديث ، وصدّق بحمد الله على حبّه ، فما باله والى أشدّ أعدائه وأكبر مبغضيه ، كمعاوية وابن العاص ومروان ، وأشباههم ، ولم يحكم عليهم بالنفاق ، مع اتّضاح حالهم في بغض أمير المؤمنين واستمرارهم على عداوته وسبّه؟!

بل يلزمه أن لا يوالي عائشة ، بل يصفها بالنفاق ، لعلمه بعداوتها له ، واستدامتها على بغضه!

ففي « مسند أحمد »(١) عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت :

لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ميمونة ، فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيتي ، فأذنّ له ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على العبّاس وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطّان في الأرض.

وقال عبيد الله : فقال ابن عبّاس : أتدري من ذلك الرجل؟! هو عليّ ابن أبي طالب ، ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفسا.

ورواه أيضا في مقام آخر(٢) .

__________________

(١) ص ٣٤ من الجزء السادس. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٢٢٨ ج ٦. منهقدس‌سره .

وانظر : صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٢١ ـ ٢٢ كتاب الصلاة ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١٧ ح ١٦١٨ ، سنن النسائي ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ٢٩٣ ح ٩٠٨ ، سنن الدارمي ١ / ٢٠٥ ذ ح ١٢٥٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٧٩ ، مسند أبي عوانة ١ / ٤٤٢ ح ١٦٣٦ وص ٤٤٣ ح

١٤٩

فهل ترى أشدّ في البغض من أن لا تطيب نفس الشخص أن يتلفّظ باسم عدوّه؟!

ورواه الطبري في « تاريخه »(١) ، وفيه : « ولكنّها لا تقدر على أن تذكره بخير ، وهي تستطيع »!

وهو أصرح في الدلالة على بغضها لإمام المتّقين ونفس النبيّ الأمين.

ورواه البخاري في « باب الغسل والوضوء في المخضب » من كتاب الوضوء(٢)

وفي « باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة » من كتاب الأذان(٣)

وفي « باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها » من كتاب الهبة(٤)

وفي « باب مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله » في أواخر كتاب المغازي(٥) .

وفي كلّها لم تسمّ الرجل الآخر ، وإنّما سمّاه ابن عبّاس.

ولم يرو البخاري تتمّة كلام ابن عبّاس ؛ رعاية لشأن عائشة! ولم يدر أنّ تركها لاسم أمير المؤمنين مع ذكر اسم عديله كاف في الدلالة على بغضها له!!

وروى أحمد أيضا(٦) ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل فوقع في

__________________

١٦٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ٣١ وج ٣ / ٨٠ ـ ٨١ وج ٨ / ١٥١ ـ ١٥٢ ؛ وقد أسقط قوله : « ولكنّ عائشة لا تطيب له نفسا » من بعض هذه المصادر ؛ فلاحظ!

(١) ص ١٩١ من الجزء الثالث [ ٢ / ٢٢٦ ]. منهقدس‌سره .

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٠١ ح ٦١.

(٣) صحيح البخاري ١ / ٢٦٩ ح ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ / ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٢٢.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢.

(٦) ص ١١٣ ج ٦. منهقدس‌سره .

١٥٠

عليّ وعمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا! وأمّا عمّار ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الكاشفة عن بغضها له ، وإن كان لا حاجة في بيان عداوتها وبغضها له إلى دليل.

وأعظم من ذلك حربها له ، وهي تعلم أنّ حربه حرب لرسول الله(١) ، مقدمة على قتله لو قدرت ، وهي تدري أنّه أخو رسول الله ونفسه.

وعلى هذه فقس ما سواها ، إذ لم تأت ذلك عنوة بل ورثته عن أسلافها!

وأمّا وجه الدلالة في الحديث الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله ونحوه على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد تقدّم في أوّل مباحث الإمامة ، وفي الآية الثانية عشرة(٢) .

* * *

__________________

(١) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٤ / ٣٥٨ ه‍ ٤ وج ٥ / ٣٢١ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر إضافة إلى ذلك : المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٦ ح ٢٨٧٥ وج ٥ / ٣١٦ ح ٥٠١٥ وج ٧ / ٢٤٢ ح ٧٢٥٩ ، المعجم الصغير ٣ / ٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٣٧ رقم ٣٥٨٢.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١٤ وما بعدها وج ٥ / ١٧ ـ ١٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥١

١٧ ـ حديث : ولكنّه خاصف النعل

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

السابع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا .

قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا ، ولكنّه خاصف النعل.

وكان عليّ يخصف نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحجرة عند فاطمةعليها‌السلام (٢) .

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :لتنتهنّ

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٣ و ٨٢ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٧٧ ح ١٠٧١ وص ٧٩٠ ح ١٠٨٣ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٤ ح ٨٥٤١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٩ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ح ١٠٨٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٦ ح ٦٨٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٩ ح ٧٨ ، مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن أخي تبوك ؛ المطبوع بذيل مناقب ابن المغازلي ـ : ٣٤٣ ح ٢٣ ، شرح السنّة ٦ / ١٦٧ ح ٢٥٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٦ وج ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٣ ح ٣٢٩٦٧.

١٥٢

معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا منّي امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين.

قيل : يا رسول الله! أبو بكر؟

قال :لا .

قيل : عمر؟

قال :لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة (١) .

* * *

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١١٥ ح ٨٤١٦ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٨ وص ٤٩٩ ح ٣٠ وص ٥٠٦ ح ٧٤ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٤ ح ١٠٠٨ وص ٧٤٣ ح ١٠٢٤ وص ٨٠٦ ح ١١٠٥ ، مسند البزّار ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ١٠٥٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٨٥٩ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ح ٢٦١٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٩ ـ ١١١٠ ، تاريخ بغداد ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ عن الترمذي وابن جرير في « تهذيب الآثار » والضياء المقدسي في « المختارة » وص ١٧٤ ح ٣٦٥١٩ عن ابن أبي شيبة في « المصنّف » وابن جرير في « تهذيب الآثار » والحاكم في « المستدرك » ويحيى بن سعيد في « إيضاح الإشكال ».

١٥٣

وقال الفضل(١) :

صحّ الحديث ، وهذا يدلّ على أنّه يقاتل البغاة والخوارج ، وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن ، حيث كانوا يؤوّلون القرآن ، ويدّعون الخلافة لأنفسهم ، فقاتلهم أمير المؤمنين ، وعلّم الناس قتال الخوارج والبغاة ، كما قال الشافعي : إنّه لو لم يقاتل أمير المؤمنين البغاة ما كنّا نعلم كيفيّة القتال معهم(٢) .

وهذا لا يدلّ على النصّ بخلافته ، بل إخبار عن مقاتلته في سبيل الله مع العصاة والبغاة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٥٠.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ١٦ / ٣٦٠.

١٥٤

وأقول :

ذكر المصنّفرحمه‌الله هنا حديثين تقدّم بيان رواتهما في الآية الثانية والعشرين(١) ، وكلّ منهما دالّ على المقصود

أمّا الأوّل ، فلأنّ المراد ـ بالقتال على تأويل القرآن ـ : إمّا القتال على وفق ما أدّى إليه القرآن باجتهاد المقاتل

أو ما أدّى إليه في الواقع ؛ لعلم المقاتل به

فيكون المشبّه به على الوجهين هو : قتال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على حسب ما أنزل إليه.

وإمّا أن يكون المراد : القتال على مؤوّل القرآن يعملوا به ، كما قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإقرار بأنّه منزل من الله تعالى.

والأظهر أحد الوجهين الأخيرين ؛ لأنّهما أمكن في التشبيه.

ومن المعلوم أنّ القتال على أيّ الوجوه الثلاثة شأن خليفة الرسول ، وزعيم الأمّة ، فتثبت إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمّا نفى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك عن الشيخين مع صدور القتال منهما علم أنّهما ليسا بإمامين.

وليت شعري ، إذا لم يكن قتالهما على وفق القرآن ، ولا لأجل العمل به ، فكيف وليا أمر القتال والأمّة؟! وكيف اتّخذهم الناس أئمّة؟!

فإن قلت : لعلّ المراد بقتال عليّعليه‌السلام على التأويل : قتاله لمن تأوّل

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٥

القرآن وادّعى الخلافة لنفسه ، فلا يكون نفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا القتال عن الشيخين منافيا لإمامتهما ؛ لأنّ هذا النفي مطابق للواقع ، إذ لم يقاتلا إلّا المشركين وإن كانا إمامين.

ولعلّه إلى هذا أشار الفضل بقوله : « وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ».

قلت : لو أريد ذلك ، كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كما قاتلت على تنزيله » ـ بمقتضى المشابهة ـ أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل من تنزّل عليه القرآن ؛ وهو كما ترى.

ولا أدري أيّة آية تأوّلها البغاة والخوارج حتّى استباحوا بها قتال أمير المؤمنين ، والخروج على إمام زمانهم؟!

ومتى قاتله الخوارج مدّعين للخلافة؟! وكذا معاوية وعائشة وأنصارها؟! فإنّهم إنّما قاتلوا ـ في ظاهر أمرهم ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام طلبا بدم عثمان ، واتّخذوه ـ واقعا ـ وسيلة لبلوغ الرئاسة أو للانتقام من عليّعليه‌السلام ، عداوة له ، كما في عائشة.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فأبو بكر عندهم أيضا حارب المتأوّلين ، فلو كان إماما وحربه حقّا لما أجابه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « لا ».

ونعني بالمتأوّلين : مانعي الزكاة ؛ لأنّهم قالوا كما في « شرح النهج » لابن أبي الحديد(١) : « إنّ الله قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) .

فوصف الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس

__________________

(١) ص ١٨٥ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ٢٠٨ ]. منهقدس‌سره .

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٣.

١٥٦

بأخذها ، وبيّن أنّ صلاته سكن لهم ، وهذه الصفات لا تتحقّق في غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وأمّا الحديث الثاني : فهو ـ أيضا ـ دالّ على المدّعى ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف فيه الرجل الذي يبعثه الله تعالى بأنّه قد امتحن الله قلبه ، أي ابتلاه بأنواع المحن ، فوجده خالص الإيمان ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يصانع أحدا في دينه.

وهذا يفيد بمفهومه أنّ غير هذا الرجل ليس كذلك ، لا سيّما الشيخان ؛ للتصريح بهما ، ولأنّهما أشارا بردّ المؤمنين إلى بلاد الكفر ، وجعل السبيل للكافرين عليهم خلافا لحكم الله ورسوله ، ووفاقا لرغبة الكافرين ، لا سيّما عمر ، فإنّه وافق أبا بكر على قوله : « صدقوا » ، ولم يبال باستياء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أبي بكر وتغيّر وجهه الشريف من قوله ، كما سبق في بعض الأخبار المصحّحة عندهم ، المذكورة في الآية الثانية والعشرين(١) .

ولو كانا ممّن امتحن الله قلبه للإيمان وخالصي الإيمان لما فعلا ذلك.

بل يستفاد من وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي يبعثه الله بأنّه امتحن الله قلبه للإيمان ، ويضرب أعناقهم على الدين ، بعد موافقة الشيخين لقريش ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد التعريض بهما بأنّهما ليسا بهذا الوصف.

وبالضرورة أنّ من ليس كذلك ، ولم يبال بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مواجهة في حياته ، ولا بكتاب الله وحكمه ، أحقّ وأولى بعدم المبالاة بأحكام الله ودينه

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٦ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٧

ونبيّه بعد وفاته ، فلا يصلح للإمامة ، وإنّما الصالح لها من ثبت له ذلك الوصف الجميل الجليل.

وقد أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مع ذلك ـ إلى عصمة عليّعليه‌السلام وفضله ، بجعله منه أو مثل نفسه ، كما في رواية « الجمع بين الصحاح » وغيرها ممّا سبق في الآية المذكورة(١) ، فيتعيّن للإمامة.

* * *

__________________

(١) راجع : الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء ، وج ٥ / ٨٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٨

١٨ ـ حديث الطائر

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

الثامن عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، و « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طائر قد طبخ له ، فقال :اللهمّ ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي ؛ فجاء عليّ فأكل معه(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ١٧٥ ح ١ وص ١٧٦ ح ٤ عن مسند أحمد وسنن أبي داود ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ح ٩٤٥ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٣ ح ٦٤٩٤ عن الجمع بين الصحاح الستّة ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٥٨ رقم ١١٣٢ وج ٢ / ٢ رقم ١٤٨٨ ، مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥ ح ٤٠٥٢ ، المعجم الكبير ١ / ٢٥٣ ح ٧٣٠ وج ٧ / ٨٢ ح ٦٤٣٧ وج ١٠ / ٢٨٢ ح ١٠٦٦٧ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٣٩ ح ١٧٦٥ وج ٦ / ١٥٣ ح ٥٨٨٦ وص ٤١٨ ح ٦٥٦١ وج ٧ / ٣١٥ ح ٧٤٦٦ وج ٩ / ٢٥١ ح ٩٣٧٢ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٧٨ ، تاريخ جرجان : ١٧٦ رقم ٢٢٨ ، العقد الفريد ٤ / ٧٧ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ح ٦١٣ رقم ٤٥١ ، مروج الذهب ٢ / ٤٢٥ ، تمهيد الأوائل : ٥٤٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ ح ٤٦٥٠ و ٤٦٥١ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ١٢٢ ، حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩ ، تاريخ أصبهان ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ رقم ٤٦٨ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٥٩ رقم ٤٥٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ رقم ١٢١٥ وج ٩ / ٣٦٩ رقم ٤٩٤٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٦٣ ـ ١٧٦ ح ١٨٩ ـ ٢١٢ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٧٠ ، تاريخ دمشق ٣٧ / ٤٠٦ رقم ٤٤٢٨ وج ٤٢ / ٢٤٥ ـ ٢٥٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

١٥٩

ومنه ، أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال : اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب(١) .

* * *

__________________

(١) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٢٣ ح ١١٢٩ ، وانظر : الرياض النضرة ٣ / ١٣٠ ـ ١٣١.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221