اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)25%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125470 / تحميل: 7036
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بمرجعيّتهم الفكرية والروحية ، وكانت ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام أحد أوجه هذا التحوّل في السياسة والذي يعبّر عن ذكاء ودهاء المأمون في محاولته تلك للحد من تأثير الإمامعليه‌السلام ووضعه قريباً منه لتحديد تحرّكه وتحجيم دوره ، إضافة لرصد تحرّكه وتحرّك القواعد الشعبية المؤمنة بقيادة أهل البيتعليهم‌السلام ودورهم الريادي في الأمة ، فبعد استشهاد الإمام الرضاعليه‌السلام عمد المأمون إلى إشخاص الإمام الجواد من المدينة إلى بغداد وتزويجه بابنته أُمّ الفضل مع احتجاج الأسرة العباسية على هذا التقريب والتزويج ، فالمأمون كان بعيد النظر في تعامله هذا ، وكان يرمي من ورائه إلى أهداف تخدمه وتضفي نوعاً من الشرعية على سلطته ، وقد خدع الأكثرية من أبناء الأمة بإظهاره الحبّ والتقدير للإمام الجوادعليه‌السلام من أجل إزالة نقمتهم التي خلّفتها عهود الخلفاء قبله لاستبدادهم وبطشهم فضلاً عن إسرافهم في اللهو والترف وخروجهم عن مبادئ الإسلام الحنيف في كثير من مظاهر حياتهم الخاصة والعامة ، وممّا يؤكّد لنا وجهة النظر هذه في سياسة المأمون أنّه في عام (٢٠٤ هـ) وفي شهر ربيع الأول قدم بغداد ولباسه ولباس قوّاده وجنده والناس كلّهم الخضرة فأقام جمعة ـ أي سبعة أيام ـ ثم نزعها وأعاد لباس السواد(١) .

والذي كان قد أمر بنزعه بعد تولّيه الحكم والعهد بالولاية من بعده للإمام الرضاعليه‌السلام سنة (٢٠١هـ)(٢) والتي انتهت باستشهاد الإمام الرضاعليه‌السلام بعد دسّ السمّ له سنة (٢٠٣ هـ) .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٩٣ .

(٢) تاريخ أبي الفداء : ١ / ٣٢٨ .

٤١

زواج الإمام الجوادعليه‌السلام

واستمراراً لتوطيد علاقة المأمون بأهل البيتعليهم‌السلام كان تزويجه لابنته ـ أُمّ الفضل ـ من الإمام الجوادعليه‌السلام ، ولمّا بلغ بني العباس ذلك اجتمعوا فاحتجّوا ؛ لتخوّفهم من أن يخرج السلطان عنهم وأن ينتزع منهم ـ بحسب زعمهم ـ لباس ألبسهم الله ذلك ، فقالوا للمأمون : ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكناه الله وتنزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم من ذلك ، فالله الله أن تردّنا إلى غمٍّ قد انحسر عنّا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى مَن تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره .

فقال لهم المأمون : أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم وأمّا أبو جعفر محمد بن عليعليه‌السلام فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والأعجوبة فيه بذلك وأنا أرجو أن يظهر للناس ما عرفته منه(١) .

فخرجوا من عنده وأجمعوا رأيهم على مساءلة يحيى بن أكثم وهو يومئذٍ قاضي الزمان ، على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك واتفقوا مع المأمون على يوم تتمّ فيه المساءلة ، حيث يحضر معهم يحيى بن أكثم .

ثم كان بعد ذلك أن جلس الإمام الجوادعليه‌السلام يستمع إلى أسئلة

ــــــــــــــ

(١) الإرشاد : ٢/٢٨٢ وعنه في إعلام الورى : ٢/١٠١ بلا إسناد ، وفي كشف الغمّة : ٣/١٤٤ بالإسناد .

٤٢

يحيى بن أكثم والذي بهت حين سأل الإمام حول محرم قتل صيداً فما كان من الإمامعليه‌السلام إلاّ أن فرّع عليه سؤاله فلم يحر جواباً وطلب من الإمامعليه‌السلام أن يوضح ذلك والمأمون جالس يستمع إلى كل ذلك ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم : أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ؟ ثم أقبل على أبي جعفرعليه‌السلام وطلب منه أن يخطب ابنته فخطبها واحتفل المأمون بذلك .

ثم إنّ المأمون بعد إجراء العقد وإتمام الخطبة عاد فطلب من الإمام الجوادعليه‌السلام أن يكمل جواب ما طرحه مشكلاً به على ابن أكثم ، فأتمّ الإمامعليه‌السلام الجواب ، فالتفت المأمون إلى مَن حضره من أهل بيته فقال لهم ، هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب ؟ ويعرف القول فيما تقدّم من السؤال ؟ قالوا : لا والله ، إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأى .

فقال ـ المأمون ـ لهم : ويحكم إنّ أهل البيت خُصّوا من بين الخلق بما ترون من الفضل ، وإنّ صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال ومن ثمّ ذكر لهم أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح الدعوة بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو ابن عشر سنين وقبل منه الإسلام(١) .

ولا بد من الإشارة إلى أنّ هذا الاهتمام المبالغ فيه من قِبل المأمون تجاه الإمام الجوادعليه‌السلام كان قد سلك مثله مع أبيه الإمام الرضاعليه‌السلام حتى تمّ له أن دسّ له السمّ وقتله ، فكان المأمون يتحرّك إزاء الإمامعليه‌السلام بهدف إبعاد الإمامعليه‌السلام عن خاصّته وعامّة الناس ، حيث أشخصه من المدينة إلى بغداد ؛ ليكون قريباً منه وتحت رقابته وعيونه ، فيعرف الداخل عليه والخارج منه ظنّاً من المأمون أنّه سوف يتمكّن بذلك من تحجيم دور الإمامعليه‌السلام

ــــــــــــــ

(١) الإرشاد : ٢/٢٨١ ـ ٢٨٧ وعنه في إعلام الورى : ٢/١٠١ ـ ١٠٥ ، وفي كشف الغمّة : ٣ / ١٤٣ ـ ١٤٧ .

٤٣

وإبعاده عن التأثير فضلاً عن اكتساب الشرعية لحكمه من خلال وجود الإمامعليه‌السلام إلى جنبه ، ووفقاً لذلك كان موقف المأمون تجاه العباسيين الذين كانوا لا يرون في الإمامعليه‌السلام إلاّ صبيّاً لم يتفقّه في الدين ولا يعرف الحلال والحرام .

وهكذا قضى الإمام الجوادعليه‌السلام خمس عشرة سنة خلال حكم المأمون حيث مات المأمون سنة (٢١٨ هـ) .

الإمام الجوادعليه‌السلام والمعتصم

والمعتصم هو محمد بن هارون الرشيد ثامن خلفاء بني العباس بُويع له بالخلافة سنة (٢١٨ هـ) بعد وفاة المأمون ، وقد خرج المعتصم سنة (٢١٧ هـ) لبناء سامراء(١) .

ثم نقل عاصمة الدولة إليها ، ولم تكن المدّة التي قضاها الإمام الجوادعليه‌السلام في خلافة المعتصم طويلة فإنّها لم تتجاوز السنتين حيث استشهد الإمامعليه‌السلام بعد أن استقدمه المعتصم إلى بغداد سنة (٢٢٠ هـ) .

وكان الإمام الجوادعليه‌السلام قد خلّف ولده الإمام الهاديعليه‌السلام وهو صغير بالمدينة لمّا انصرف إلى العراق في العام الذي توفّي فيه المأمون بأرض الروم(٢) وهو عام (٢١٨ هـ) .

ونصّ الإمام الجوادعليه‌السلام قبل استشهاده على إمامة ابنه علي في أكثر من موقع .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ أبي الفداء : ١ / ٣٤٣ .

(٢) إثبات الوصية : ١٩٢ .

٤٤

نصوص الإمام الجوادعليه‌السلام على إمامة ولده الهاديعليه‌السلام

أ ـ النص الأوّل :

عن إسماعيل بن مهران قال : لمّا أخرج أبو جعفر في الدفعة الأولى من المدينة إلى بغداد فقلت له : إنّي أخاف عليك في هذا الوجه فإلى مَن الأمر بعدك ؟ قال : فكرّ بوجهه إليَّ ضاحكاً وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة ، فلمّا استدعاه المعتصم صرت إليه فقلت : جُعلت فداك أنت خارج فإلى مَن الأمر بعدك ؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ، ثم التفت إليَّ فقال : عند هذه يخاف عليّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي ) (١) .

ب ـ النص الثاني :

عن الخيراني ، عن أبيه ـ وكان يلزم أبا جعفر للخدمة التي وكل بها ـ قال : كان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري يجيء في السحر ليعرف خبر علّة أبي جعفر ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين أبي إذا حضر قام أحمد بن عيسى وخلا به أبي فخرج ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول واستدار أحمد بن محمد ووقف حيث يسمع الكلام ، فقال الرسول لأبي : إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول :( إنّي ماضٍ والأمر صار إلى ابني علي وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي ) ، ثم مضى الرسول فرجع أحمد بن محمد بن عيسى إلى موضعه وقال لأبي : ما الذي قال لك ؟ قال : خيراً ، قال : فإنّني قد سمعت ما قال لك وأعاد إليه ما سمع فقال له أبي : قد حرم الله عليك ذلك لأنّ الله تعالى يقول :( ولا تجسّسوا ) فأمّا إذا سمعت فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ، وإيّاك أن تظهرها لأحد إلى وقتها .

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١/٣٢٣ ، بحار الأنوار : ٥٠/١١٨ باب النصوص على الخصوص عليه ، الإرشاد ، للمفيد : ٣٠٨ .

٤٥

فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها .

قال : فلمّا مضى أبو جعفرعليه‌السلام لبث أبي في منزله فلم يخرج حتى اجتمع رؤساء الإمامية عند محمد بن الفرج الرخجي يتفاوضون في القائم بعد أبي جعفر ويخوضون في ذلك ، فكتب محمد بن أبي الفرج إلى أبي يعلمه باجتماع القوم عنده وأنّه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه وسأله أن يأتيه ، فركب أبي وصار إليه فوجد القوم مجتمعين عنده فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر ؟ فقال أبي لمَن عنده الرقاع أحضروها .

فأحضروها وفضّها وقال : هذا ما أُمرت به .

فقال بعض القوم : قد كنّا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر فقال لهم أبي : قد أتاكم الله ما تحبون ، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة ، وسأله أن يشهد فتوقّف أبو جعفر فدعاه أبي إلى المباهلة وخوّفه بالله فلمّا حقّق عليه القول قال : قد سمعت ذلك ولكنّني توقّفت لأنّي أحببت أن تكون هذه المكرمة لرجل من العرب فلم يبرح القوم حتى اعترفوا بإمامة أبي الحسن وزال عنهم الريب في ذلك )(١) .

ج ـ النص الثالث :

عن محمد بن الحسين الواسطي أنّه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنّه أشهده على هذه الوصية المنسوخة ( شهد أحمد ابن أبي خالد مولى أبي جعفر أنّ أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أشهده أنّه أوصى إلى علي ابنه بنفسه وإخوته وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه ، وجعل عبد الله بن المساور قائماً على تركته من الضِياع والأموال والنفقات والرقيق وغير

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١/٣٢٤ ، بحار الأنوار : ٥٠/١٢٠ باب النصوص على الخصوص عليه ، الإرشاد ، للمفيد : ٣٠٨ .

٤٦

ذلك إلى أن يبلغ علي بن محمد .

صيّر عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه ، يقوم بأمر نفسه وإخوانه ويصير أمر موسى إليه ، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدّق بها ، وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجّة سنة عشرين ومائتين وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطّه وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو الجوائي على مثل شهادة أحمد بن خالد في صدر هذا الكتاب وكتب شهادته بيده وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده (١)

د ـ النص الرابع :

حدثنا محمد بن علي ، قال حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار ، قال حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال حدثنا حمدان بن سليمان ، قال حدثنا الصقر بن أبي دلف ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام يقول :الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي (٢) . والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه .

ثم سكت فقلت له : يا بن رسول الله فمَن الإمام بعد الحسن ؟ فبكىعليه‌السلام بكاءً شديداً ثم قال :إنّ بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر ، فقلت له : يا ابن رسول الله ولم سُمّي القائم ؟ قال :لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته .

فقلت له : ولم سُمّي المنتظر ؟ قال :لأنّ له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ به الجاحدون ويكذب فيها الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلّمون )(٣) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ٣٨٣ .

(٢) في طبعة : ثم سكت فقلت يا ابن رسول الله فمَن الإمام بعد علي قال ابنه الحسن قلت : بعد الحسن فبكىعليه‌السلام بكاءً شديداً ثم قال : إنّ محمداً من بعد الحسن ابنه .

(٣) إكمال الدين : ٢/٢٧٨ وإعلام الورى : ٤٣٦ .

٤٧

هـ ـ النص الخامس :

حدثنا علي بن محمد السندي ، قال محمد بن الحسن ، قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن هلال ، عن [ أُمية بن علي ] القيسي ، قال : قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام مَن الخلف من بعدك ؟ قال :ابني علي .

ثم قال :إنّه سيكون حيرة .

قال : قلت والى أين ؟ فسكت ثم قال :إلى المدينة .

قلت : والى أي مدينة ؟ قال :مدينتنا هذه ، وهل مدينة غيرها (١) ؟

و ـ النص السادس : قال أحمد بن هلال : فأخبرني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنّه حضر أُمية بن علي وهو يسأل أبا جعفر الثانيعليه‌السلام عن ذلك ، فأجابه بمثل ذلك الجواب .

وبهذا الإسناد عن أُمية بن علي القيسي ، عن أبي الهيثم التميمي ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا توالت ثلاثة أسماء كان رابعهم قائمهم محمد وعلي والحسن (٢) .

ز ـ النص السابع :

روى الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه أنّ أبا جعفرعليه‌السلام لمّا أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها أجلس أبا الحسن في حجره بعد النصّ عليه وقال له :ما الذي تحبّ أن أُهدي إليك من طرائف العراق ؟ فقالعليه‌السلام :سيفاً كأنّه شعلة نار ، ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له :ما تحبُّ أنت ؟ فقال :فرساً ، فقالعليه‌السلام :أشبهني أبو الحسن ، وأشبه هذا أُمّه (٣) .

ــــــــــــــ

(١) غيبة النعماني : ١٨ باختلاف ما في اللفظ وزيادة .

(٢) إكمال الدين : ٢/٣٣٤ وكذا فيه : إذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن كان رابعهم قائمهم .

(٣) بحار الأنوار : ٥٠/١٢٣ باب النصوص على الخصوص عليهعليه‌السلام .

٤٨

استشهاد الإمام الجوادعليه‌السلام

إنّ تقريب الإمام الرضاعليه‌السلام والعهد إليه بولاية الأمر من قِبل المأمون العباسي ، وكذا ما كان من المأمون تجاه الإمام الجوادعليه‌السلام يعبّر عن دهاء سياسي في التعامل مع أقوى معارضي الدولة ، حيث يمتلك الإمامان القواعد الشعبية الواسعة ممّا كان يشكّل خطراً على كيان الدولة ، فكان تصرّف المأمون معهما من أجل تطويق الخطر المحدق بالكيان السياسي للدولة العباسية ؛ وذلك من خلال عزل الإمامعليه‌السلام عن قواعده للحدّ من تأثيره في الأمة ، فتقريبه للإمامعليه‌السلام يعني إقامة جبرية ، ومراقبة دقيقة تحصي عليه حتى أنفاسه وتتعرّف على مواليه ومقرّبيه ، لمتابعتهم والتضييق عليهم .

قال محمد بن علي الهاشمي : دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام صبيحة عرسه ببنت المأمون ـ أي أُمّ الفضل ـ وكنت تناولت من أوّل الليل دواء فأوَّل مَن دخل في صبيحته أنا وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء ، فنظر أبو جعفر عليه‌السلام في وجهي وقال : أراك عطشاناً قلت : أجل قال : يا غلام اسقنا ماء فقلت في نفسي : الساعة يأتونه بماء مسموم ، واغتممت لذلك ، فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسّم في وجهي ثمَّ قال : يا غلام ناولني الماء فتناول وشرب ، ثمَّ ناولني الماء وشربت (١) .

فقال محمد بن علي الهاشمي لمحمد بن حمزة : والله إنّي أظن أنّ أبا جعفرعليه‌السلام يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة(٢) .

فالهاشمي هذا ليس من شيعة الإمامعليه‌السلام ، غير أنّه كان يدرك ما يدور

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ٤٩٥ و٤٩٦ .

(٢) أُصول الكافي : ١/٤٩٥ ح ٦ ب ١٣٢ وعنه في الإرشاد : ٢/٢٩١ .

٤٩

في خلد العباسيين ويعرف وسائلهم في التخلّص من معارضيهم ، وربّما يستفاد من قوله هذا تأكيد أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام قد مضى مسموماً من قِبل المأمون .

وروى المسعودي : أنّ المعتصم وجعفر بن المأمون دبّرا حيلة للتخلّص من الإمام الجوادعليه‌السلام ، فاتفق جعفر مع أُخته أُمّ الفضل ـ زوج الإمام الجوادعليه‌السلام ـ أن تقدّم له عنباً مسموماً ، وقد فعلت ذلك وأكل منه الإمامعليه‌السلام ، فندمت وجعلت تبكي فقال لها الإمامعليه‌السلام :ما بكاؤك ! والله ليضربنك الله بفقر لا ينجلي وبلاء لا ينستر .

فبليت بعلّة فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس ـ أي معونتهم ـ وقد تردّى أخوها جعفر في بئر فأُخرج ميتاً وكان سكراناً .

ويروى أنّ ابن أبي داود القاضي كان السبب لقتل الإمامعليه‌السلام وكان سبب وشايته : أنّ سارقاً جاء إلى الخليفة ، وأقرّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة أن يطهّره بإقامة الحد عليه ، فجمع المعتصم الفقهاء وسألهم عن مكان قطع اليد لإقامة الحد على السارق هذا فاختلفوا في مكان القطع فالبعض قال من المرفق ، وآخر قال من الكرسوع ، واستشهدوا بآيات من القرآن الكريم تأوّلاً بغير علم ، فالتفت المعتصم إلى الإمامعليه‌السلام وقال : ما تقول يا أبا جعفر ؟ قال :قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين .

قال : دعني ممّا تكلّموا به ، أي شيء عندك ؟ قال :أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين قال : أقسمت عليك بالله لما أخبرتني بما عندك فيه ، فقال :إذا أقسمت عليّ بالله ، إنّي أقول : إنّهم أخطأوا فيه السنّة ، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل الأصابع فيترك الكف .

قال : لِمَ ؟ قال :لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله تبارك وتعالى : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله ) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ( فلا تدعوا مع الله أحداً ) وما كان لله لم يقطع ، قال : فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف .

٥٠

قال زرقان : إنّ ابن أبي داود قال لي : صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت : إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة ، وأنا أُكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النار قال : ما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيّته وعلماءهم لأمر واقع من أُمور الدين فسألهم عن الحكم فيه ، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك .

وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزراؤه ، وكتّابه وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء .

قال ابن أبي داود : فتغيّر لونه ـ أي المعتصم ـ وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً(١) .

من هنا نُدرك أنّه كيف اندفع المعتصم للتآمر على الإمام الجوادعليه‌السلام مع جعفر ابن المأمون وأخته أم الفضل فلا تعارض بين هاتين الروايتين والحال هذه .

ــــــــــــــ

(١) تفسير العياشي : ١ / ٣١٩ ، مدينة المعاجز : ٧/٤٠٣ ، بحار الأنوار : ٧٦/١٩١ .

٥١

الباب الثالث : وفيه فصول :

الفصل الأول : المسيرة الرسالية لأهل البيتعليهم‌السلام منذ عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عصر الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثاني : عصر الإمام علي بن محمّد الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثالث : ملامح عصر الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الأوّل : المسيرة الرسالية لأهل البيتعليهم‌السلام منذ عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عصر الإمام الهاديعليه‌السلام

تعتبر الرسالة الإسلامية الكون مملكة لله سبحانه ، والإنسان خليفة له وأميناً من قِبله ، ينبغي له أن يقوم بأعباء المسؤولية التي حمّله الله إيّاها .

ومادامت الحياة الدنيا تعتبر شوطاً قصيراً في مسيرة الإنسان الطويلة فالأهداف التي ينبغي للمشرِّع الحكيم وللإنسان المشرَّع إليه أن يستهدفها لا تتلخّص في تحقيق مآرب هذه الحياة الدنيا الفانية ، وإنّما تمتد بامتداد حياته الباقية في عالم الآخرة .

والإسلام يريد للإنسان أن يتربّى على هذه الثقافة التي تصنع منه كائناً متكاملاً سويّاً دؤوباً في تحقيق الأهداف الرسالية الكبرى .

وقد كان التخطيط الربّاني لتربية الإنسان في هذا الاتجاه حكيماً ومتقناً حين تزعّم الرسول الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المجتمع الإنساني وهيمن على كل العلاقات الاجتماعية وغيرها ليصوغ من هذا الإنسان نموذجاً فريداً .

ولم يكن الطريق أمام عملية التغيير الجذري التي بدأها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المجتمع الإنساني طريقاً قصيراً يمكن تحقّقه خلال عقد أو عقدين من الزمن ، بل كان طريقاً ممتداً بامتداد الفواصل المعنوية الضخمة بين الجاهلية والإسلام .

٥٢

ولم يكن كل ما حقّقه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه البرهة المحدودة كافياً لاجتثاث كل الجذور الجاهلية من عامة أبناء الجيل الأوّل ، وإيصاله إلى الدرجة اللازمة من الوعي والموضوعية ، والتحرّز من كل رواسب الماضي الجاهلي بحيث يؤهّله للقيمومة على خط الرسالة .

وتكفي الأحداث المرّة التي أعقبت وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جرى بين صحابة الرسول من سجالات سجّلها المؤرّخون في المصادر التي بأيدينا لتشهد على أنّ جيل الصحابة لم يرتقِ إلى درجة الكفاءة اللازمة ليخلف الرسول على رسالته .

من هنا كان منطق العمل التغييري يفرض على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصون تجربته الرائدة ، التي كان يريد لها الخلود والبقاء ، وهو الذي أعلن بأنّه خاتم المرسلين وأنّه لا نبي بعده .

كان يفرض عليه أن يصون تجربته من كل ما يؤدّي إلى ضعفها أو انهيارها ؛ وذلك بإعطاء القيمومة والوصاية على تجربته لقيادة كفوءة معصومة قد أعدّها بنفسه كما يريد وكما ينبغي ; لتقوم بالمهمة التغييرية الشاملة خلال فترة طبيعية من الزمن بحيث تحقق للرسالة أهدافها التي كانت تنشدها من إرسال الرسل وتقديم منهج ربّاني كامل للحياة .

عقبات وأخطار أمام عملية التغيير الشاملة

لم يكن الإسلام نظرية بشرية لكي تتحدَّد فكرياً من خلال ممارسة تجارب الخطأ والصواب في التطبيق ، وإنّما هو رسالة الله التي حُدّدت فيها الأحكام والمفاهيم وزوّدت ربّانياً بكلّ التشريعات العامّة ، فلا بدّ لزعامة هذه التجربة من استيعاب الرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي كامل لأحكامها ومفاهيمها ، وإلاّ كانت مضطرّة إلى استلهام مسبقاتها الذهنية ومرتكزاتها القَبْلية ؛ وذلك يؤدّي إلى نكسة في مسيرة التجربة وبخاصة إذا لاحظنا أنّ الإسلام كان هو الرسالة الخاتمة لرسالات السماء التي تمتد مع الزمن وتتعدّى كل

٥٣

الحدود الإقليمية والقومية ، الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته تجارب الخطأ والصواب التي تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من الزمن حتى تشكّل ثغرة تهدّد التجربة بالسقوط والانهيار(١) .

وقد برهنت الأحداث التي جرت على آل الرسولعليهم‌السلام بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استئثاراً بالخلافة دونهم على هذه الحقيقة المرّة وتجلّت آثارها السلبيّة بوضوح بعد نصف قرن أو أقلّ من ممارسة الحكم من قِبل جيل المهاجرين الذين لم يُرشّحوا من قبل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمامة ولم يكونوا مؤهّلين للقيمومة على الرسالة .

فلم يمض ربع قرن حتى بدأت الخلافة الراشدة تنهار تحت وقع الضربات الشديدة التي وجّهها أعداء الإسلام القدامى ; إذ استطاعوا أن يتسلّلوا إلى مراكز النفوذ في قيادة التجربة بالتدريج حتّى صادروا بكل وقاحة وعنف تلك القيادة وأجبروا الأمة وجيلها الطليعي الرائد على التنازل عن شخصيّته وقيادته وتحوّلت الزعامة إلى ملك موروث يستهتر بالكرامات ويقتل الأبرياء ويبعثر الأموال ويعطّل الحدود ويجمّد الأحكام ويتلاعب بمقدّرات الناس ، وأصبح الفيء والسواد بستاناً لقريش ، والخلافة كرة يتلاعب بها صبيان بني أُمية(٢) .

ــــــــــــــ

(١) بحث حول الولاية : ٥٧ ـ ٥٨ .

(٢) بحث حول الولاية : ٦٠ ـ ٦١ .

٥٤

مضاعفات الانحراف بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد واجه الإسلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انحرافاً خطيراً في صميم التجربة الإسلامية التي أنشأها هذا النبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأُمّته .

وهذا الانحراف في التجربة الاجتماعية والسياسية للأمّة والدولة الإسلامية كان بحسب طبيعة الأشياء من المفروض أن يتسع ليتعمّق بالتدريج على مرّ الزمن ; إذ الانحراف يبدأ بذرة ثمّ تنمو هذه البذرة ، وكلّما تحقّقت مرحلة من الانحراف ; مهّدت هذه المرحلة لمرحلة أوسع وأرحب .

فكان من المفروض أن يصل هذا الانحراف إلى خطٍّ منحنٍ طوال عملية تاريخية زمنية طويلة المدى يصل به إلى الهاوية حين تستمر التجربة الإسلامية في طريق منحرف لتصبح مليئة بالتناقضات من كل جهة ، وتصبح عاجزة عن تحقيق الحدّ الأدنى من متطلبات الأمة ومصالحها الإسلاميّة وحينما يتسلسل الانحراف في خط تصاعدي فمن المنطقي أن تتعرّض التجربة لانهيار كامل ولو بعد زمن طويل .

إذن فالدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية كان من المفروض أن تتعرّض كلّها للانهيار الكامل ; لأنّ هذه التجربة حين تصبح مليئة بالتناقضات وحين تصبح عاجزة عن مواجهة وظائفها الحقيقية ، تصبح عاجزة عن حماية نفسها ; لأنّ التجربة تكون قد استنفدت إمكانية البقاء والاستمرار على مسرح التاريخ ، كما أنّ الأمة ليست على مستوى حمايتها ; لأنّ الأمة لا تجني من هذه التجربة الخير الذي تفكّر فيه ولا تحقق عن طريق هذه التجربة الآمال التي تصبو إليها فلا ترتبط بأيّ ارتباط حياتي حقيقي معها ، فالمفروض أن تنهار هذه التجربة في مدى من الزمن كنتيجة نهائية حتمية لبذرة الانحراف التي غرست فيها .

انهيار الدولة الإسلامية ومضاعفاته

ومعنى انهيار الدولة الإسلامية أن تسقط الحضارة الإسلامية وتتخلّى عن قيادة المجتمع ويتفكّك المجتمع الإسلامي ، ويُقصى الإسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للأمة ، لكن الأمة تبقى طبعاً ، حين تفشل تجربة المجتمع والدولة ، لكنّها سوف تنهار أمام أوّل غزو يغزوها ، كما انهارت أمام الغزو التتري الذي واجهته الخلافة العباسية .

٥٥

وهذا الانهيار يعني : أنّ الدولة والتجربة قد سقطت وأنّ الأمة بقيت ، لكن هذه الأمة أيضاً بحسب تسلسل الأحداث من المحتوم أن تنهار كأمة تدين بالإسلام وتؤمن به وتتفاعل معه ; لأنّ هذه الأمة قد عاشت الإسلام الصحيح زمناً قصيراً جداً وهو الزمن الذي مارس فيه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زعامة التجربة وبعده عاشت الأمة التجربة المنحرفة التي لم تستطع أن تعمّق الإسلام وتعمّق المسؤولية تجاه عقيدتها ولم تستطع أن تثقّفها وتحصّنها وتزوّدها بالضمانات الكافية ، لئلاّ تنهار أمام الحضارة الجديدة والغزو الجديد والأفكار الجديدة التي يحملها الغازي إلى بلاد الإسلام .

ولم تجد هذه الأمة نفسها قادرة على تحصين نفسها بعد انهيار التجربة والدولة والحضارة بعدما أُهينت كرامتها وحُطِّمتْ إرادتها وغُلّت أياديها عن طريق الزعامات التي مارست تلك التجربة المنحرفة ، وبعد أن فَقَدتْ روحها الحقيقية ؛ لأنّ تلك الزعامات كانت تريد إخضاعها لزعامتها القسريّة .

٥٦

إنّ هذه الأمة من الطبيعي أن تنهار بالاندماج مع التّيار الكافر الذي غزاها وسوف تذوب الأمة وتذوب الرسالة والعقيدة أيضاً وتصبح الأمة خبراً بعد أن كانت أمراً حقيقياً على مسرح التاريخ وبهذا ينتهي دور الإسلام نهائياً(١) .

لقد كان هذا هو التسلسل المنطقي لمسيرة الدولة والأمة والرسالة ، بقطع النظر عن دور الأئمّة المعصومين الذين أُوكِلت إليهم من قِبل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهمّة صيانة التجربة والدولة والأمة والرسالة جميعاً .

دور الأئمّة الراشدين

إنّ دور الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم وعلى إمامتهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخلفهم لصيانة الإسلام من أيدي العابثين الذين كانوا يتربّصون به الدوائر ، وحمّلهم مسؤولية تطبيقه وتربية الإنسانية على أساسه وصيانة دولة الرسول الخاتم من الانهيار والتردّي يتلخّص في أمرين مهمّين وخطّين أساسيين :

١ ـ خط تحصين الأمة ضدّ الانهيار بعد سقوط التجربة ، وإعطائها من المقوّمات القدر الكافي لكي تبقى واقفة على قدميها بقدم راسخة وبروح مجاهدة وبإيمان ثابت .

٢ ـ خط محاولة تسلّم زمام التجربة وزمام الدولة ومحو آثار الانحراف وإرجاع القيادة إلى موضعها الطبيعي لتكتمل عناصر التربية الثلاثة ـ أعني الأمة والشريعة والمربّي الكفوء ـ ولتتلاحم الأمة والمجتمع مع الدولة وقيادتها الرشيدة(٢) .

أمّا الخط الثاني فكان على الأئمّة الراشدين أن يقوموا بإعداد طويل المدى له ، من أجل تهيئة الظروف الموضوعية اللازمة التي تتناسب وتتفق مع

ــــــــــــــ

(١) راجع : أهل البيتعليهم‌السلام تنوّع أدوار ووحدة هدف : ١٢٧ ـ ١٢٩ .

(٢) أهل البيتعليهم‌السلام تنوّع أدوار ووحدة هدف : ٥٩ .

٥٧

مجموعة القيم والأهداف والأحكام الأساسية التي جاءت بها الرسالة الإسلامية وأريد تحقيقها من خلال الحكم وممارسة الزعامة باسم الإسلام القيّم وباسم الله المشرّع للإنسان كل ما يوصله إلى كماله اللائق .

ومن هنا كان رأي الأئمّة المعصومين من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في استلام زمام الحكم أنّ الانتصار المسلّح الآنيّ غير كافٍ لإقامة دعائم الحكم الإسلامي المستقر ، بل يتوقّف ذلك على إعداد جيش عقائدي يؤمن بالإمام وبعصمته إيماناً مطلقاً بحيث يعيش أهدافه الكبيرة ويدعم تخطيطه في مجال الحكم ويحرس كل ما يحققه للأمة من مصالح وأهداف ربّانية .

وأمّا الخط الأوّل فهو الخط الذي لا يتنافى مع كل الظروف القاهرة ، وكان يمارسه الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام حتى في حالة الشعور بعدم توفّر الظروف الموضوعية التي تهيّئ الإمامعليه‌السلام لخوض معركة يتسلّم من خلالها زمام الحكم من جديد .

إنّ هذا الدور وهذا الخط هو خط تعميق الرسالة فكرياً وروحيّاً وسياسياً في ضمير الأمة بغية إيجاد تحصين كافٍ في صفوفها ليؤثّر في تحقيق مناعتها وعدم انهيارها بعد تردّي التجربة وسقوطها ، وذلك بإيجاد قواعد واعية في الأمة وإيجاد روح رسالية فيها وإيجاد عواطف صادقة تجاه هذه الرسالة في صفوف الأمة(١) .

واستلزم عمل الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام في هذين الخطّين قيامهم بدور رسالي إيجابي وفعّال على مدى قرون ثلاثة تقريباً في مجال حفظ الرسالة والأمة والدولة وحمايتها باستمرار .

وكلّما كان الانحراف يشتد ، كان الأئمة الأبرار يتخذون التدابير اللازمة ضد ذلك ، وكلّما وقعت محنة للعقيدة أو التجربة الإسلامية وعجزت الزعامات المنحرفة من علاجها ـ بحكم عدم كفاءتها ـ بادر الأئمّة المعصومون إلى تقديم الحلّ ووقاية الأمة من الأخطار التي كانت تهددّها .

ــــــــــــــ

(١) أهل البيتعليهم‌السلام تنوّع ادوار ووحدة هدف : ١٣١ ـ ١٣٢ و١٤٧ ـ ١٤٨ .

٥٨

فالأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام كانوا يحافظون على المقياس العقائدي في المجتمع الإسلامي بشكل مستمر إلى درجة لا تنتهي بالأمة إلى الخطر الماحق لها (١) .

المهامّ الرساليّة للأئمّة الطاهرين

من هنا تنوّعت مهامّ الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام في مجالات شتّى باعتبار تعدّد العلاقات وتعدّد الجوانب التي كانت تهمّهم كقيادة واعية رشيدة تريد تطبيق الإسلام وحفظه وضمان خلوده للإنسانية جمعاء .

لأنّ الأئمّة مسؤولون عن صيانة تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأعظم وثمار جهوده الكريمة المتمثّلة في :

١ ـ الشريعة والرسالة التي جاء بها الرسول الأعظم من عند الله والمتمثّلة في الكتاب والسنّة الشريفين .

٢ ـ الأمة التي كوّنها وربّاها الرسول الكريم بيديه الكريمتين .

٣ ـ المجتمع السياسي الإسلامي الذي أوجده النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الدولة التي أسّسها وشيّد أركانها .

٤ ـ القيادة النموذجية التي حقّقها بنفسه وربّى لتجسيدها الأكفّاء من أهل بيته الطاهرين .

لكنّ استئثار بعض الصحابة بالمركز القيادي الذي رُشّح له الأئمّة

ــــــــــــــ

(١) أهل البيتعليهم‌السلام تنوّع أدوار ووحدة هدف : ١٤٤ .

٥٩

المعصومون من قِبل الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونصّ عليهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستلامه ولتربية الأمة من خلاله ، لم يكن ليمنعهم ذلك من الاهتمام بالمجتمع الإسلامي السياسي وصيانة الدولة الإسلامية من الانهيار ، بالقدر الممكن لهم بالفعل وبمقدار ما كانت تسمح به الظروف الواقعية المحيطة بهم .

كما أنّ سقوط الدولة الإسلامية لا يحول دون الاهتمام بالأمة كأُمّة مسلمة ودون الاهتمام بالرسالة والشريعة كرسالة إلهيّة وصيانتها من الانهيار والاضمحلال التام .

وعلى هذا الأساس تنوّعت مجالات عمل الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام جميعاً بالرغم من اختلاف ظروفهم من حيث نوع الحكم القائم ، ومن حيث درجة ثقافة الأمة ومدى وعيها وإيمانها ومعرفتها بالأئمّة عليهم‌السلام ومدى انقيادها للحكام المنحرفين ، ومن حيث نوع الظروف المحيطة بالكيان الإسلامي والدولة الإسلامية ، ومن حيث درجة التزام الحكّام بالإسلام ، ومن حيث نوع الأدوات التي كان يستخدمها الحكّام لدعم حكمهم وإحكام سيطرتهم .

موقف أهل البيتعليهم‌السلام من انحراف الحكّام

كان للأئمّة المعصومينعليهم‌السلام نشاط مستمر تجاه الحكم القائم والزعامات المنحرفة وقد تمثّل في إيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف ، بالتوجيه الكلامي تارة ، أو بالثورة المسلّحة ضد الحاكم حينما كان يشكّل انحرافه خطراً ماحقاً ـ كثورة الإمام الحسين عليه‌السلام ضد يزيد بن معاوية ـ وإن كلّفهم ذلك حياتهم وقد عملوا للحدّ من انحراف الحكّام عن طريق إيجاد المعارضة المستمرّة ودعمها بشكل وآخر من أجل زعزعة القيادة المنحرفة بالرغم من دعمهم للدولة الإسلامية بشكل غير مباشر حينما كانت تواجه خطراً ماحقاً أمام الكيانات الكافرة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

مانع من القول بأن العبارتين تنطبقان على مجموعة واحدة (كما يوضح ذلك ظاهر الآية ، لأنّ ضمير (والذي ذكر مرّة واحدة فقط).

وبهذا الشكل فإنّ الآية تتحدّث عن أناس هم من حملة الرسالة ومن العاملين به ، وتتحدّث عن أولئك الذين ينشرون في العالم ما ينزل به الوحي من كلام البارئعزوجل وهم يؤمنون به ويعملون به ، وهكذا فإنّ الآية تضم الأنبياء والأئمّة المعصومين والدعاء لنهج الأنبياء.

والملفت للنظر أنّ الاية عبّرت عن الوحي «بالصدق» وهو اشارة إلى أن. الكلام الوحيد الذي لا يحتمل وجود الكذب والخطأ فيه هو كلام الله الذي نزل به الوحي ، فإن سار الإنسان في ظلّ تعليمات نهج الأنبياء وصدقها فإنّ التقوى سوف تتفتح في داخل روحه.

الآية التالية تبيّن أنّ هناك ثلاث مثوبات بانتظار أفراد هذه المجموعة ، أي المصدقين ، إذ تقول في البداية :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ) .

لهذه الآية مفهوم واسع بحيث يشمل كلّ النعم المادية والمعنوية التي يمكن تصورها والتي لا يمكن تصورها.

وعلى ضوء هذه الآية يطرح البعض السؤال التالي : إذا طلب أحدهم أن يكون مقامه أرفع من مقام الأنبياء والأولياء ، فهل يعطى ذلك؟

علينا أن لا نغفل عن كون أهل الجنّة يدركون عين الحقيقة ، ولهذا لا يفكر أحد منهم بأمر يخالف الحقّ والعدالة ، ولا يتناسب مع أساس توازن اللياقات والكفاءات.

بعبارة اخرى : لا يمكن أن يحصل أشخاص لهم درجات مختلفة في الإيمان والعمل على نفس الجزاء ، فكيف يأمل أصحاب الجنّة في تحقيق أشياء مستحيلة؟! وفي نفس الوقت فإنّهم يعيشون في حالة روحية خالية من الحسد والغيرة ، وهم راضون بما رزقوا به.

٨١

وكما هو معلوم فإنّ المكافاة الإلهية في الآخرة وحتى التفضيل الإلهي للبعض دون البعض الآخر إنّما يتمّ على أساس اللياقة التي حصل عليها الإنسان في هذه الدنيا ، فالذي يعرف أنّ إيمانه وعمله في هذه الدنيا لم يصل إلى درجة إيمان وعمل الآخرين لا يأمل يوما ما أن يكون بمرتبتهم ، لإنّ ذلك أمل ورجاء غير منطقي.

وعبارة :( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) تبيّن عدم انقطاع اللطف الإلهي عن أولئك وكأنّهم ضيوف الله على الدوام ، وكلّ ما يطلبونه يوفر لهم.

وعبارة :( ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ) أقيم فيها الظاهر مقام ضمير الإشارة ، اشارة الى أن إحسانهم وعملهم الصالح كانا سببا في حصولهم على الأجر المذكور.

أمّا المكافأتان الثانية والثّالثة اللتان يمنحهما البارئعزوجل للمصدقين ، فيقول القرآن المجيد بشأنهما :( لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) .

كم هي عبارة جميلة ولطيفة! فمن جانب يدعون الله سبحانه وتعالى ليكفّر عنهم أسوأ ما عملوا بظلّ لطفه ، ويطهرهم من تلك البقع السوداء بماء التوبة ، ومن جهة اخرى يدعون الله ليجعل أفضل وأحسن أعمالهم معيارا للمكافأة ، وأن يجعل بقية أعمالهم ضمن ذلك العمل.

إنّ ما يتّضح من الآيات الكريمة هو أنّ الله استجاب لدعواهم ، عند ما غفر لهم وعفا عن أسوأ أعمالهم ، وجعل أفضل الأعمال معيارا للمكافأة.

من البديهي ، عند ما يشمل العفو الإلهي الزلّات الكبيرة ، فإنّ الزلات الصغيرة أولى بالشمول ، لأنّ الزلات الكبيرة هي التي تقلق الإنسان أكثر من أيّ شيء آخر ،

__________________

(١) في عودة قوله تعالى :( لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ ) ذكر المفسّرون آراء شتى بهذا الشأن ولكن التّفسير الذي يبدو أنسب هو أنّها تعود على الفعل (أحسنوا) ويفهم ذلك من كلمة المحسنين ، والتقدير (ذلك جزاء المحسنين أحسنوا ليكفر الله عنهم) نعم إنّهم عمدوا إلى عمل الإحسان كي يكفر الله عهم سيئاتهم ويغفر زلاتهم ويعطيهم أفضل الثواب.

٨٢

ولهذا السبب فإنّ المؤمنين كثيرا ما يفكرون بها.

وثمة سؤال يطرح نفسه هنا : إذا كانت الآيات السباقة تخص الأنبياء والمؤمنين من أتباعهم ، فكيف اقترف هؤلاء تلك الزلات الكبيرة؟

الجواب على هذا السؤال يتّضح من خلال الانتباه إلى أنّه عند ما ينسب عمل ما إلى مجموعة ، فهذا لا يعني أنّ الجميع قاموا بذلك العمل ، وإنّما يكفي أن تقوم به مجموعة صغيرة منهم ، فمثلا عند ما نقول : إن بني العباس خلفوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون أيّ حق ، فإنّ هذا لا يعني أنّ الكل اعتلوا كرسي الخلافة ، وإنّما مجموعة منهم.

الآية المذكورة أعلاه تبيّن أنّ مجموعة من حملة الرسالة وأتباع نهجهم كانوا قد ارتكبوا بعض الأخطاء والزلّات ، وأنّ البارئعزوجل صفح عنهم وغفر لهم بسبب أعمالهم الصالحة والحسنة. على أيّة حال فإنّ ذكر الغفران والصفح قبل ذكر الثواب ، يعود إلى هذا السبب ، وهو أنّ عليهم في البداية أن يغتسلوا ويتطهروا ، ومن ثمّ الورود الى مقام القرب الالهي. يجب عليهم في البداية أن يريحوا أنفسهم من العذاب الإلهي كي يتلذذوا بنعم الجنّة.

* * *

مسألة :

الكثير من المفسّرين المسلمين من الشيعة والسنة نقلوا الرّواية التالية بشأن تفسير هذه الآية ، وهي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المقصود في( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ ) وأن الإمام عليعليه‌السلام هو المقصود في( صَدَّقَ بِهِ ) .

المفسّر الإسلامي الكبير العلّامة «الطبرسي» نقل ذلك في تفسيره (مجمع البيان) عن أهل البيت الأطهار ، ونقلها كذلك أبو الفتوح الرازي في تفسير (روح الجنان) عن نفس المصدر السابق. كما نقلت مجموعة من المفسّرين السنة ذلك عن أبي هريرة نقلا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن طرق اخرى ، ومن جملة من نقله

٨٣

العلّامة ابن المغازلي في (المناقب) و (العلّامة الگنجي) في (كفاية الطالب) والقرطبي في تفسيره والعلّامة السيوطي في (الدر المنثور) وكذلك (الآلوسي) في (روح المعاني)(١) .

ومثلما أشرنا من قبل فإنّ نقل مثل هذه التفاسير هو بيان أوضح المصاديق ، ومن دون أيّ شكّ فإنّ الإمام عليّعليه‌السلام يقف في مقدمة الصفّ الأوّل لأتباع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمصدّقين به ، وإنّه هو أول من صدّق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يوجد أحد من العلماء من ينكر هذه الحقيقة.

والاعتراض الوحيد الذي صدر عن بعض المفسّرين هو أنّ الإمام عليعليه‌السلام آمن بالرّسول وكان عمره ما بين (١٠) إلى (١٢) عاما ، وأنّه لم يكن مكلّفا في هذا السّن ولم يبلغ بعد سنّ الحلم.

هذا الكلام عجيب جدّا ، فكيف يمكن أن يكون مثل هذا الاعتراض صحيحا ، في الوقت الذي قبل فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسلام عليعليه‌السلام ، وقال له بأنّه (وزيره) و (وصيه) وأكّد مرارا وتكرارا في كلماته على أنّ عليا هو (أول المؤمنين) أو (أوّلكم إسلاما) وقد أوردنا في نهاية الآية (١٠) من سورة التوبة أدلة متعددة من كتب علماء أهل السنة وبصورة مفصلة.

* * *

__________________

(١) لمن يرغب الاطلاع أكثر عليه مراجعة كتاب إحقاق الحق ، المجلد الثّالث ، الصفحة ١٧٧ فما بعد ، وكتاب المراجعات ، الصفحة ٦٤ (المراجعة ١٢).

٨٤

الآيتان

( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧) )

سبب النّزول

الكثير من المفسّرين قالوا : إنّ مشركي قريش كانوا يخوفون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آلهتهم ويحذرونه من غضبها على أثر وصفه تلك الأوثان بأوصاف مزرية ، ويوعدونه بأنّه إن لم يسكت عنها فستصيبه بالأذى ، وللرد على كلامهم نزلت الآية المذكورة أعلاه(١) .

والبعض قال : عند ما عزم خالد على كسر العزى بأمر من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال المشركون : إياك يا خالد فبأسها شديد. فضرب خالد أنفها بالفأس وهشمها وقال : كفرانك يا عزى لا سبحانك ، سبحان من أهانك ، إنّي رأيت الله قد أهانك(٢) .

ولكن قصة خالد هذه التي كانت بعد فتح مكّة كما يبدو ، لا يمكن أن تكون سببا لنزول الآية لأنّ كلّ سورة الزمر (مكية) ولهذا لعلها من قبيل التطابق.

__________________

(١) تفسير الكشاف ومجمع البيان وأبو الفتوح الرازي وفي ظلال مع اختلافات جزئية.

(٢) مجمع البيان ذيل آيات البحث (هذه الرواية وردت أيضا في الكشاف والقرطبي وبصورة مختصرة).

٨٥

التّفسير

إن الله كاف!

تتمة لتهديدات البارئعزوجل التي وردت في الآيات السابقة للمشركين ، والوعد التي لأنبيائه ، تتطرق الآية الأولى في بحثنا لتهديد الكفّار( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) .

إن قدرة البارئعزوجل أقوى وأعظم من كلّ القدرات الأخرى ، وهو الذي يعلم بكلّ احتياجات ومشكلات عباده ، والذي هو رحيم بهم غاية الرحمة واللطف ، كيف يترك عباده المؤمنين لوحدهم أمام أعاصير الحوادث وعدوان بعض الأعداء؟

ومع أن سبب نزول هذه الآية ـ طبقا لما جاء في الرّوايات التي ذكرناها ـ هو للرد على التخويف والتهديد بغضب الأصنام ، لكن معنى الآية أوسع ، ويتّسع لكلّ تهديد يهدد به الإنسان بما هو دون الله.

على أية حال ، فإنّ في هذه الآية بشرى لكلّ السائرين في طريق الحقّ والمؤمنين الحقيقيين ، خاصّة أولئك الذين يعيشون أقلية في بعض المجتمعات ، والمحاطين بمختلف أشكال التهديد من كلّ جانب.

الآية تعطيهم الأمل والثبات ، وتملأ أرواحهم بالنشاط وتجعل خطواتهم ثابتة ، وتمحو الآثار النفسية لصدمات تهديدات الأعداء ، نعم فعند ما يكون الله معنا فلا نخاف غيره ، وإن انفصلنا وابتعدنا عنه فسيكون كلّ شيء بالنسبة لنا رهيبا ومخيفا.

وكتتمة للآية السابقة والآية التالية اشارة إلى مسألة (الهداية) و (الضلالة) وتقسم الناس إلى قسمين : (ضالين) و (مهتدين) وكل هذا من الله سبحانه وتعالى ، كي تبيّن أنّ جميع العباد محتاجون لرحمته ، ومن دون إرادته لا يحدث شيء في هذا العالم ، قال تعالى :( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) .

٨٦

( وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ ) .

ومن البديهي أنّ الضلالة لا تأتي من دون سبب ، وكذلك الهداية بل إن كلّ حالة منهما هي استمرار لإرادة الإنسان وجهوده ، فالذي يضع قدمه في طريق الضلال ، ويبذل أقصى جهوده من أجل إطفاء نور الحقّ ، ولا يترك أدنى فرصة تتاح له لخداع الآخرين وإضلالهم ، فمن البديهي أنّ الله سيضله ، ولا يكتفي بعدم توفيقه وحسب ، وإنّما يعطّل قوى الإدراك والتشخيص التي لديه عن العمل ، ويوصد قلبه الأقفال ويغطي عينيه بالحجب ، وهذه هي نتيجة الأعمال التي ارتكبها.

أمّا الذين يعزمون على السير إلى الله سبحانه وتعالى بنوايا خالصة ، ويخطون الخطوات الأولى في هذا المسير ، فإنّ نور الهداية الإلهية يشعّ لينير لهم الطريق ، وتهبّ ملائكة الرحمن لمساعدتهم ولتطهير قلوبهم من وساوس الشياطين ، فتكون إرادتهم قوية ، وخطواتهم ثابتة ، واللطف الإلهي ينقذهم من الزلّات.

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن المجيد كشاهد على تلك القضايا ، وما أشدّ جهل الذين فصلوا بين مثل هذه الآيات وبقية آيات القرآن واعتبروها شاهدا على ما ورد في المذهب الجبري ، وكأنّهم لا يعلمون أن آيات القرآن تفسّر إحداها الأخرى. بل إن القرآن الكريم بقول في نهاية هذه الآية :( أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ ) وهو خير شاهد على هذا المعنى.

وكما هو معروف فإنّ الانتقام الإلهي هو بمعنى الجزاء على الأعمال المنكرة التي اقترفها الإنسان ، وهذا يشير إلى أن إضلاله سبحانه وتعالى للإنسان هو بحدّ ذاته نوع من أنواع الجزاء وردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه ، وبالطبع فإن هدايته سبحانه وتعالى للإنسان هي بحد ذاتها نوع أنواع الثواب ، وهي ردّ فعل للأعمال الصالحة والخالصة التي يقوم بها الإنسان(١) .

* * *

__________________

(١) يقول الراغب في مفرداته : كلمة (نقمة) تعني العقوبة والجزاء.

٨٧

بحثان

١ ـ الهداية والإضلال من الله :

«الهداية» : في اللغة تعني التوجيه والإرشاد بلطف ودقّة(١) ، وتنقسم إلى قسمين (بيان الطريق) ، و (الإيصال إلى المطلوب) وبعبارة اخرى (هداية تشريعية) و (هداية تكوينية)(٢) .

ولتوضيح ذلك نقول : إنّ الإنسان يصف أحيانا الطريق للسائل بدقّة ولطف وعناية ويترك السائل معتمدا على الوصف في قطع الطريق والوصول إلى المقصد المطلوب. وأحيانا اخرى يصف الإنسان الطريق للسائل ومن ثمّ يمسك بيده ليوصله إلى المكان المقصود.

وبعبارة اخرى : الشخص المجيب في الحالة الأولى يوضّح القانون وشرائط سلوك الطريق للشخص السائل كي يعتمد الأخير على نفسه في الموصول إلى المقصد والهدف ، أمّا في الحالة الثانية ، فإضافة إلى ما جاء في الحالة الأولى ، فإنّ الشخص المجيب يهيء مستلزمات السفر ، ويزيل الموانع الموجود ، ويحلّ المشكلات ، إضافة إلى أنّه يرافق الشخص السائل في سلوك الطريق حتّى الوصول إلى مقصده النهائي لحمايته والحفاظ عليه.

و (الإضلال) هو النقطة المقابلة لـ (الهداية).

فلو ألقينا نظرة عامة على آيات القرآن لا تضح لنا ـ بصورة جيدة ـ أنّ القرآن يعتبر أنّ الضلالة والهداية من الله ، أي أن الاثنين ينسبان إلى الله ، ولو أردنا أن نعدد كل الآيات التي تتحدث بهذا الخصوص ، لطال الحديث كثيرا ، ولكن نكتفي بذكر ما جاء في الآية (٢١٣) من سورة البقرة :( وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ

__________________

(١) «مفردات» مادة (هدى).

(٢) نلفت الانتباه إلى أن الهدآية التكوينية هنا قد استخدمت بمعناها الواسع ، حيث تشمل كل أشكال الهدآية عدا الهدآية التي تأتي عن طريق بيان الشرائع والتوجيه إلى الطريق.

٨٨

مُسْتَقِيمٍ ) وفي الآية (٩٣) من سورة النحل :( وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . وأمثال هذه الآيات ـ الخاصة بالهداية أو الضلال أو أحدهما ـ ورد في آيات كثيرة من القرآن المجيد(١) .

وأكثر من هذا ، فقد جاء في بعض الآيات نفي قدرة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الهداية وتحديد القدرة على الهداية بالله سبحانه وتعالى ، كما ورد في الآية (٥٦) من سورة القصص :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . وفي الآية (٢٧٢) من سورة البقرة :( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) .

الدراسة السطحية لهذه الآيات وعدم إدراك معانيها العميقة أدى الى زيغ البعض خلال تفسيرهم لها وانحرافهم عن طريق الهداية ووقوعهم في فخاخ المذهب الجبري ، حتّى أنّ بعض المفسّرين المعروفين لم ينجوا من هذا الخطأ الكبير ، حيث اعتبروا الضلالة والهداية وفي كلّ مراحلها أمرا جبريا ، والأدهى من ذلك أنّهم أنكروا أصل العدالة كي لا ينتقض رأيهم ، لأنّ هناك تناقضا واضحا بين عقيدتهم وبين مسألة العدالة والحكمة الإلهية ، فإذا كنا أساسا نقول بالجبر ، فلا يبقى هناك داع للتكليف والمسؤولية وإرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية.

أمّا المعتقدون بمذهب الإختيار وأن الإنسان مخير في هذه الدنيا ـ وأن العقل السليم لا يقبل مطلقا بأن الله سبحانه وتعالى يجبر مجموعة من الناس على سلوك سبيل الضلال ثمّ يعاقبهم على عملهم ذلك ، أو أنّه يهدي مجموعة اخرى إجباريا ثم يمنحها ـ من دون أي سبب ـ المكافأة والثواب ، ويفضلها على الآخرين لأدائها عملا كانت قد أجبرت على القيام به –

فهؤلاء انتخبوا لأنفسهم تفاسير اخرى لهذه الآيات ، كان أهمها :

١ ـ إنّ المراد من الهداية الإلهية هي الهداية التشريعية التي تأتي عن طريق

__________________

(١) ومنها ما ورد في السور والآيات التالية (فاطر ـ ٨) و (الزمر ـ ٢٣) و (المدثر ـ ٣١) و (البقرة ـ ٢٧٢) و (الأنعام ـ ٨٨) و (يونس ـ ٢٥) و (الرعد ـ ٢٧) و (إبراهيم ـ ٤).

٨٩

الوحي والكتب السماوية وإرسال الأنبياء والأوصياء ، إضافة إلى إدراك العقل والشعور ، أمّا انتهاج السبيل فهو في عهدة الإنسان في كافة مراحل حياته. وبالطبع فإنّ هذا التّفسير يتطابق مع الكثير من الآيات القرآنية التي تتناول موضوع الهداية ، ولكن هناك آيات كثيرة اخرى لا يمكن تطابقها مع هذا التّفسير ، لأنّ فيها نوعا من الصراحة فيما يخص (الهداية التكوينية) و (الإيصال إلى الهدف) كما ورد في الآية (٥٦) من سورة القصص :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . في حين أنّنا نعرف أنّ الهداية التشريعية والتوجيه نحو الطريق الصحيح ، هي الواجب الرئيسي للأنبياء.

٢ ـ مجموعة اخرى من المفسّرين فسّروا الهداية والضلال اللذين لهما هنا طابع تكويني على أنّهما الثواب والعقاب ، والإرشاد إلى طريق الجنّة والنّار ، وقالوا بأن البارئعزوجل يهدي المؤمنين إلى طريق الجنّة ، ويضل عنها الكافرين.

إن هذا المعنى صحيح بالنسبة لعدّة آيات فقط ، ولكنّه لا يتطابق مع آيات اخرى تتحدث عن الهداية والإضلال بصورة مطلقة.

٣ ـ مجموعة ثالثة قالت : إنّ المراد من الهداية هو تهيئة الأسباب والمقدمات التي توصل إلى الغرض المطلوب ، والمراد من الضلالة هو عدم توفير تلك الأسباب والمقدمات أو حجبها عنهم ، والتي عبّر عنها البعض بـ (التوفيق) و (سلب التوفيق) لأنّ التوفيق يعني تهيئة المقدمات للوصول إلى الهدف ، وسلب التوفيق يعني عدم تهيئة تلك المقدمات.

ووفقا لهذا فإنّ الهداية الإلهية لا تعني أنّ البارئعزوجل يجبر الإنسان على الوصول إلى الهدف ، وإنّما يضع الوسائل المطلوبة للوصول تحت تصرفهم واختيارهم ، وعلى سبيل المثال ، وجود مربّ جيد ، بيئة سالمة للتربية ، أصدقاء وجلساء صالحين ، وأمثالها ، كلها من المقدمات ، ورغم وجود هذه الأمور فإنّه لا يجبر الإنسان على سلوك سبيل الهداية.

٩٠

وثمّة سؤال يبقى مطروحا ، وهو : لماذا يشمل التوفيق مجموعة دون اخرى؟ المنحازون لهذا التّفسير عليهم أن ينتبهوا إلى حكمة أفعال البارئعزوجل ويعطوا دلائل لهذا الاختلاف ، فمثلا يقولون : إنّ عمل الخير هو سبب التوفيق الإلهي ، وتنفيذ الأعمال الشريرة تسلب التوفيق من الإنسان.

وعلى أيّة حال فإنّ هذا التّفسير جيد ولكن الموضوع ما زال أعمق من هذا.

٤ ـ إنّ أدق تفسير يتناسب مع كلّ آيات الهداية والضلال ، ويفسرها جميعا بصورة جيدة من دون أن يتعارض أدنى تعارض مع المعنى الظاهري ، وهو أنّ الهداية التشريعية التي تعني (إراءة الطريق) لها خاصية عامّة وشاملة ، ولا توجد فيها أي قيود وشروط ، كما ورد في الآية (٣) من سورة الدهر :( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) وفي الآية (٥١) من سورة آل عمران :( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ومن البديهي أن دعوة الأنبياء هي مظهر دعوة الله تعالى. لأن كلّ ما عند النّبي هو من الله.

وبالنسبة إلى مجموعة من المنحرفين والمشركين ورد في الآية (٢٣) من سورة النجم :( وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى ) .

أمّا الهداية التكوينية فتعني الإيصال إلى الغرض المطلوب ، والأخذ بيد الإنسان في كلّ منعطفات الطريق ، وحفظه وحمايته من كلّ الأخطار التي قد تواجهه في تلك المنعطفات حتى إيصاله إلى ساحل النجاة ، وهي أي الهداية التكوينية ـ موضع بحث الكثير من آيات القرآن الأخرى التي لا يمكن تقييدها بأية شروط ، فالهداية ، هذه تخصّ مجموعة ذكرت أوصافهم في القرآن ، أمّا الضلال الذي هو النقطة المقابلة للهداية فإنه يخص مجموعة اخرى ذكرت أوصافهم أيضا في القرآن الكريم.

ورغم وجود بعض الآيات التي تتحدث عن الهداية والإضلال بصورة مطلقة ، إلا أن هناك الكثير من الآيات الأخرى التي تبيّن ـ بدقة ـ محدوديتهما ، وعند ما

٩١

تضع الآيات (المطلقة) إلى جانب (المحدودة) يتّضح المعنى بصورة كاملة ، ولا يبقى أي غموض أو إبهام في معين الآيات ، كما أنّها ـ أي الآيات ـ تؤّكد بشدة على مسألة الإختيار وحرية الإرادة عند الإنسان ولا تتعارض معهما.

الآن يجب الانتباه إلى التوضيح التالي :

القرآن المجيد يقول في إحدى آياته :( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ) وفي مكان آخر يقول البارئعزوجل :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (١) وهذا يبيّن أن الظلم مقدمة للظلال. ومن هنا يتّضح أن الفسق ، أي عدم إطاعة أوامر البارئ تعالى وهو مصدر الضلال.

وفي موضع آخر نقرأ :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) (٢) ، وهنا اعتبر الكفر هو الذي يهيء أرضية الضلال.

وقد ورد في آية اخرى :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ ) (٣) يعني أنّ الكذب والكفر هما مقدمة الضلال.

والآية التالية تقول :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٤) أي أن الإسراف والكذب يسببان الضلالة.

وبالطبع ، فإنّ ما أوردناه كان جزاء يسيرا من آيات القرآن التي تتناول هذا الموضوع ، فبعض الآيات وردت مرات عديدة في سورة القرآن المختلفة وهي تحمل المعاني والمفاهيم.

إن ما يمكن استنتاجه هو أنّ القرآن الكريم يؤكّد على أنّ الضلالة الإلهية تشمل كلّ من توفرت فيه هذه الصفات (الكفر) و (الظلم) و (الفسق) و (الكذب).

(الإسراف) فهل أن الضلالة غير لائقة بمن تتوفر فيه مثل هذه الصفات!

__________________

(١) البقرة ، ٢٥٨.

(٢) البقرة ، ٢٦٤.

(٣) الزمر ، ٣.

(٤) غافر ، ٢٨.

٩٢

وبعبارة اخرى : هل ينجو قلب من يتصف بتلك الصفات القبيحة ، من الغرق في الظلمات والحجب؟!

وبعبارة اخرى أوضح : أنّ لهذه الأعمال والصفات آثارا تلاحق الإنسان شاء أم أبى ، إذ ترمي بستائرها على عينيه وأذنيه وعقله ، وتؤدي به إلى الضلال ، ولكون خصوصيات كلّ الأشياء وتأثيرات كلّ الأسباب إنّما هي بأمر من الله ، ومن الممكن أيضا أن ينسب الإضلال إليه سبحانه وتعالى في جميع هذه الموارد ، وهذه النسبة هي أساس اختيار الإنسان وحرية إرادته.

هذا فيما يتعلق بالضلالة ، أمّا فيما يخص الهداية ، فقد وردت في القرآن المجيد شروط وأوصاف تبيّن أنّ الهداية لا تقع من دون سبب وخلاف الحكمة الإلهية.

وقد استعرضت الآيات التالية بعض الصفات التي تجعل الإنسان مستحقا للهداية ومحاطا باللطف الإلهي ، منها :( يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١) .

إذن فاتباع أمر الله ، وكسب مرضاته يهيئان الأرضية للهداية الإلهية.

وفي مكان آخر نقرأ :( إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ) (٢) إذن فالتوبة والإنابة تجعلان الإنسان مستحقا للهداية.

وفي آية اخرى ورد :( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (٣) فالجهاد ، وخاصة (الجهاد الخالص في سبيل الله) هو من الشروط الرئيسية للهداية.

وأخيرا نقرأ في آية اخرى :( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) (٤) أي أن قطع مقدار من طريق الهداية هو شرط للاستمرار فيه بلطف البارئعزوجل .

__________________

(١) المائدة ، الآية ١٦.

(٢) الرعد ، الآية ٢٧.

(٣) العنكبوت ، الآية ٦٩.

(٤) محمّد ، الآية ١٧.

٩٣

نستنتج من ذلك أنّه لو لم تكن هناك توبة وإنابة من العبد ، ولا اتباع لأوامر الله ، ولا جهاد في سبيله ولا بذل الجهد وقطع مقدار من طريق الحق ، فإن اللطف الإلهي لا يشمل ذلك العبد ، وسوف لا يمسك البارئ بيده لإيصاله إلى الغرض المطلوب.

فهل أنّ شمول هؤلاء الذين يتحلون بهذه الصفات بالهداية هو أمر عبث ، أو أنّه دليل على هدايتهم بالإجبار؟

من الملاحظ أنّ آيات القرآن الكريم في هذا المجال واضحة جدّا ومعناها ظاهر ، ولكن الذين عجزوا عن الخروج بنتيجة صحيحة من آيات الهداية والضلال ابتلوا بمثل هذا الابتلاء و (لأنّهم لم يشاهدوا الحقيقة فقد ساروا في طيق الخيال).

إذن يجب القول بأنّهم هم الذين اختاروا لأنفسهم سبيل (الضلال).

على أية حال ، فإنّ المشيئة الإلهية في آيات الهداية والضلال لم تأت عبثا ومن دون أي حكمة ، وإنّما تتمّ بشرائط خاصّة ، بحيث تبيّن تطابق حكمة البارئعزوجل مع ذلك الأمر.

٢ ـ الاتكال على لطف الله

يعتبر الإنسان كالقشة الضعيفة في مهب الرياح العاتية التي تهب هنا وهناك في كلّ لحظة من الزمان ، ويمكن أن تتعلق هذه القشة بورقة أو غصن مكسور تأخذه الرياح أيضا مع تلك القشة الضعيفة ، ونرميهما جانبا ، وحتى إذا تمكنت يد الإنسان من الإمساك بشجرة كبيرة فإنّ الأعاصير والرياح العاتية تقتلع أحيانا تلك الشجرة من جذورها ، أمّا إذا لجأ الإنسان إلى جبل عظيم فإن أعتى الأعاصير لا تتمكن من أن تزحزح ذلك الجبل ولو بمقدار رأس إبرة من مكانه.

الايمان بالله بمثابة هذا الجبل والاعتماد والاتكال على غير الله بمثابة الاعتماد على الأشياء الواهية ، ولهذا السبب يقول البارئعزوجل في الآيات

٩٤

المذكورة أعلاه :( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ) الإعتقاد والإيمان بما جاء في هذه الآية يضيف للإنسان شجاعة واعتمادا على النفس ، وتطمئن خواطره وتهدئها ، كي يصمد ويثبت أمام الحوادث كالجبل ، ولا يخاف حشود الأعداء ، ولا يستوحش من قلّة عدد أتباعه أو أصحابه ، ولا تعبث المشاكل الصعبة بروحه الهادئة المستقرة ، وقد ورد في الحديث «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف»

* * *

٩٥

الآيات

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) )

التّفسير

هل إن آلهتكم قادرة على حل مشاكلكم؟

الآيات السابقة تحدثت عن العقائد المنحرفة للمشركين والعواقب الوخيمة التي حلّت بهم ، أمّا آيات بحثنا هذا فإنّها تستعرض دلائل التوحيد كي تكمل البحث السابق بالأدلة ، كما تحدثت الآيات السابقة عن دعم البارئعزوجل لعباده وكفاية هذا الدعم ، والآيات أعلاه تتابع هذه المسألة مع ذكر الدليل.

في البداية تقول الآية :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

٩٦

العقل والوجدان لا يقبلان أن يكون هذا العالم الكبير الواسع بكل هذه العظمة مخلوق من قبل بعض الكائنات الأرضية ، فكيف يمكن للعقل أن يقبل أنّ الأصنام التي لا روح فيها ولا عقل ولا شعور هي التي خلقت هذا العالم ، وبهذا الشكل فإنّ القران يحاكم أولئك إلى عقولهم وشعورهم وفطرتهم ، كي يثبّت أول أسس التوحيد في قلوبهم ، وهي مسألة خلق السماوات والأرض.

وفي المرحلة التالية تتحدث الآيات عن مسألة الربح والخسارة ، وعن مدى تأثيرها على نفع أو ضرر الإنسان ، كي تثبت لهم انّ الأصنام لا دور لها في هذا المجال ، وتضيف( قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ ) (١) .

والآن بعد أن اتّضح أنّ الأصنام ليس بإمكانها أن تخلق شيئا ولا باستطاعتها أن تتدخل في ربح الإنسان وخسارته ، إذن فلم نعبدها ونترك الخالق الأصلي لهذا الكون ، والذي له اليد الطولى في كلّ ربح وخسارة ، ونمد أيدينا إلى هذه الموجودات الجامدة التي لا قيمة لها ولا شعور؟ وحتى إذا كانت الآلهة ممن يمتلك الشعور كالجن أو الملائكة التي تعبد من قبل بعض المشركين ، فإنّ مثل هذا الإله ليس بخالق ولا يمكنه أن يتدخل في ربح الإنسان وخسارته ، وكنتيجة نهائية وشاملة يقول البارئعزوجل ( قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) .

آيات القرآن المجيد أكّدت ـ ولعدّة مرات ـ على أنّ المشركين يعتقدون بأنّ الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض(٢) . وهذا الأمر يبيّن أن الموضوع كان بالنسبة للمشركين من المسلّمات ، وهذا أفضل دليل على بطلان الشرك ، لأن توحيد خالق الكون والاعتراف بمالكيته وربوبيته أفضل دليل على (توحيد

__________________

(١) المفسّرون واللغويون يفسّرون (أفرأيتم) بأنّها تعطي معنى (أخبروني) في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مانع من تفسيرها بمعناها الأصلى وهو رؤية العين أو القلب.

(٢) العنكبوت (٦١) و (٦٣) ، لقمان (٣١) ، الزخرف (٩) و (٨٧).

٩٧

المعبود) ومن كلّ هذا نخلص إلى أن التوكل لا يكون إلّا على الله مع صرف النظر عن عبادة غيره.

وإذا أمعنا النظر في المواجهة التي حدثت بين إبراهيم محطم الأصنام والطاغية نمرود الذي ادعى الربوبية والقدرة على إحياء الناس وإماتتهم ، والذي أنبهت وتحير في كيفية تنفيذ طلب إبراهيمعليه‌السلام عند ما طلب منه أن يجعل الشمس تشرق من المغرب إن كان صادقا في ادعاءاته ، مثل هذه الادعاءات التي يندر وجودها حتى في أوساط عبدة الأصنام ، لا يمكن أن تصدر إلا من أفراد ذوي عقول ضعيفة ومغرورة وبلهاء كعقل نمرود.

والملفت للنظر أنّ الضمير العائد على تلك الآلهة الكاذبة في هذه الآيات ، إنّما جاء بصيغة جمع المؤنث (هن ـ كاشفات ـ ممسكات ـ) وذلك يعود لأسباب :

أوّلا : إنّ الأصنام المعروفة عند العرب كانت تسمى بأسماء مؤنثة اللات ومناة والعزى).

ثانيا : يريد البارئعزوجل بهذا الكلام تجسيد ضعيف هذه الآلهة أمامهم ، وطبقا لمعتقداتهم ، لأنّهم كانوا يعتقدون بضعف وعجز الإناث.

ثالثا : لأنّ هناك الكثير من الآلهة لا روح فيها ، وصيغة جمع المؤنث تستخدم عادة بالنسبة إلى تلك الموجودات الجامدة ، لذا فقد استفيد منها في آيات بحثنا هذا.

كما يجب الالتفات إلى أنّ عبارة( عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) تعطي معنى الحصر بسبب تقدم كلمة (عليه) وتعني أن المتوكلين يتوكلون عليه فقط.

الآية التالية تخاطب أولئك الذين لم يستسلموا لمنطق العقل والوجدان بتهديد إلهي مؤثر ، إذ تقول :( قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (١) .

__________________

(١) ما هو أصل كلمة (مكانة)؟ وماذا تعني؟ أغلب المفسّرين واللغويين قالوا : إنّها تعني المكان والمنزلة ، وهي من مادة

٩٨

ستعلمون بمن سيحل عذاب الدنيا المخزي والعذاب الخالد في الآخرة( مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ) .

وبهذا الشكل فإنّ آخر كلام يقال لأولئك هو : إمّا أن تستسلموا لمنطق العقل والشعور وتستجيبوا لنداء الوجدان ، أو أن تنتظروا عذابين سيحلان بكم ، أحدهما في الدنيا وهو الذي سيخزيكم ويفضحكم ، والثّاني في الآخرة وهو عذاب دائمي خالد ، وهذا العذاب أنتم اعددتموه لأنفسكم ، وأشعلتم النيران في الحطب الذي جمعتموه بأيديكم.

* * *

__________________

(كون) ولأنّها تستخدم كثيرا بمعنى المكان لهذا يتصور أنّ الميم فيها أصلية ، ولذا أصبح جمع تكسيرها (أمكنة) أما صاحب (لسان العرب) ، فقد ذكر أنّ أصلها (مكنة) و (تمكن) والتي تعني القدرة والاستطاعة ، وعلى أية حال فإنّ مفهوم الآية يكون في الحالة الأولى : ابقوا على مواقفكم ، وفي الحالة الثانية : ابذلوا كلّ ما لديكم من جهد وطاقة.

٩٩

الآيات

( إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) )

التّفسير

الله سبحانه يتوفى الأنفس :

بعد ذكر دلائل التوحيد ، وبيان مصير المشركين والموحدين ، تبيّن الآية الأولى ـ في هذا البحث ـ حقيقة مفادها أن قبول ما جاء في كتاب الله أو عدم قبوله إنّما يعود بالفائدة أو الضرر عليكم ، وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصرّ عليكم في هذا

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221