الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة9%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108513 / تحميل: 6635
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

(وجّهتُ وجهيَ للذي فطرَ السموات والأرض على ملّة إبراهيم، ودين محمّد صلّى الله عليه وآله، ومنهاج علي حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين، أعوذُ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم) (١) ، وقال الصدوق في ذيلها: (وإن شئتَ كبّرتَ سبع تكبيرات ولاءً، إلاّ أنّ الذي وصفناه تعبّد، وإنّما جَرَت السنّة في افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات؛ لمَا رواه زرارة...).

ي - ما رواه الطوسي أيضاً في مصباح المتهجّد بنفس (٢) اللفظ.

وهناك روايات في دعاء افتتاح الصلاة يؤتى به أيضاً بين الإقامة وتكبيرة الإحرام، ومن هذه الروايات:

٢ - ما وردَ في دعاء التوجّه قبل تكبيرة الإحرام:

أ - صحيحة معاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قُمت إلى الصلاة فقل: اللهمّ إنّي أُقدّم إليك محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم بين يدي حاجتي، وأتوجّه به إليك فاجعلني به وجيهاً عندك في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين، واجعل صلاتي به مقبولة، وذنبي به مغفوراً، ودعائي به مستجاباً، إنّك أنت الغفور الرحيم) (٣).

____________________

(١) الفقيه: ج١، ص٣٠٢ - ٣٠٤، طبعة جماعة المدرّسين.

(٢) مصباح المتهجّد: فصل في سياقه الصلوات الإحدى والخمسين ركعة في اليوم والليلة، ص٤٤ مؤسّسة الأعلمي.

(٣) أبواب القيام: الباب ١٥، استحباب الدعاء المأثور عند القيام إلى الصلاة، ح٣.

٢٠١

ب - الصحيح إلى علي بن النعمان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: مَن قال هذا القول كان مع محمّد وآل محمّد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة: اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بمحمّد وآل محمّد وأُقدّمهم بين يدي صلاتي، وأتقرّبُ بهم إليك فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين، مَننتَ عليّ بمعرفتهم فاختِم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم؛ فإنّها السعادة، اختم لي بها؛ فإنّك على كلّ شيء قدير، ثُمّ تُصلّي، فإذا انصرفتَ قلتَ: اللهمّ اجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ عافية وبلاء، واجعَلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ مثوى ومنقلب، اللهمّ اجعَل محياي محياهم ومماتي مماتهم، واجعَلني معهم في المواطن كلّها، ولا تُفرِّق بيني وبينهم أبداً، إنّك على كلّ شيء قدير) (١).

وقد أفتى بذلك ابن برّاج في المهذّب (٢) ، وابن زهرة (٣)، والديلمي (٤).

اللسانُ الرابع: الروايات الواردة في تشهّد وتسليم الصلاة

ما وردَ في التشهّد وتسليم الصلاة، فقد روى الصدوق في الفقيه (٥) في السلام قال: (قل في تشهّدك: (بسم الله وبالله والحمد لله.... وأشهد أنّ ربّي نِعمَ الرب، وأنّ محمّداً نِعمَ الرسول أُرسل، وأشهدُ أنّ ما على الرسول إلاّ البلاغ المبين، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيين، السلام على الأئمّة الراشدين المهديين، السلام على جميع أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) ويجزيك في التشهّد الشهادتان.

____________________

(١) أبواب القيام: الباب ١٥، ح٢.

(٢) المهذّب: ج١، ص٩٢.

(٣) غُنية النزوع: ص٨٣.

(٤) المراسم العَلَويّة: ٧١.

(٥) الفقيه: ج١، باب وصف الصلاة من فاتِحتها إلى خاتِمتها، ص٣١٩.

٢٠٢

وروى في المقنعة (١) نظير ذلك، وروى في الفقه الرضوي علي بن بابويه قال: (فقل في تشهّدك: (بسم الله وبالله والحمد لله.... أشهدُ أنّك نِعم الربّ، وأنّ محمّداً نِعم الرسول، وأنّ عليّاً نِعم المولى، وأنّ الجنّة حق، والنار حق..... اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين، وعلى الأئمّة الراشدين من آل طه وياسين.

اللهمّ صلِّ على نورك الأنور، وعلى حبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الأكرم، وعلى جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط، وعلى مسلك الهاديين المهديّين الراشدين الفاضلين الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار.... السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيّبين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (٢).

وقد اعتمدَ رواية علي بن بابويه النراقي في المستند سواء في صيغة التشهّد أو صيغة الصلاة منه، وكذا صيغة السلام، فلاحظ ما ذكره في المستند (٣) .

وكذلك اعتمد الميرزا النوري رواية علي بن بابويه في المستدرك (٤) ، ولم يرد عليها بشيء.

____________________

(١) المقنعة: ص٩٦، طبعة قم.

(٢) فقه الرضا: ص١٠٨.

(٣) مستند الشيعة: ج٥، ص٣٣٤ - ٣٣٦.

(٤) مستدرك الوسائل: أبواب التشهّد، باب ٢، ج٥، ص٦.

٢٠٣

وفي موثّقة (١) أبي بصير وغيرها - حيث أفتى بمضمونها المشهور، كما أشار إلى ذلك النراقي في المستند (٢) - حيث ورد فيها: (اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، وبارِك على محمّد وعلى آل محمّد، وسلِّم على محمّد وعلى آل محمّد، وترحّم على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد).

والتقابل بين آل محمّد وآل إبراهيم إشارة إلى الاصطفاء، ونيل عهد الإمامة المشار إليه في الآيات (٣) الكريمة، وقد تقدّم في الطائفة الأولى بعض الصِحاح، كصحيح الحَلَبي الذي استظهرَ منه النراقي أنّه وارد في التشهّد في الصلاة على النبيّ وآله، وذَكر أسمائهم بالتفصيل، وقد اعتمدَ في الفتوى كما مرّ.

اللسانُ الخامس: الروايات الواردة في قنوت صلاة العيد

ما ورد في دعاء قنوت صلاة العيد، ممّا رواه الشيخ في التهذيب عن بشير بن سعيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (تقول في دعاء العيدين بين كلّ تكبيرتين: الله ربّي أبداً، والإسلام ديني أبداً، ومحمّد نبيّي أبداً، والقرآن كتابي أبداً، والكعبة قبلتي أبداً، وعلي وليّي أبداً، والأوصياء أئمّتي أبداً، وتُسميّهم إلى آخرهم، ولا أحد إلاّ الله) (٤).

____________________

(١) الوسائل: أبواب التشهّد، باب ٣، ح٢.

(٢) مستند الشيعة: ج٥، ص٣٣٤- ٣٣٦.

(٣) آل عمران: آية ٣٣ - ٣٤، البقرة: ١٢٤ - ١٢٨، إبراهيم: ٣٧ - ٤.

(٤) أبواب صلاة العيد: الباب ٢٦، ح٤.

٢٠٤

أقول: يَعضد مضمون هذه الرواية، ما ورد في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما، قال: سألتهُ عن الكلام الذي يتكلّم به فيما بين التكبيرتين في العيد قال: (ما شئتَ من الكلام الحسن) (١).

فإنّه يدلّ على أنّه ليس في قنوت العيدين شيء مؤقّت، معتضداً بما في صحيح أبي الصباح وغيره، من ذِكر مُجمل العقائد الحقّة من دون الاقتصار على الشهادتين فقط.

____________________

(١) أبواب صلاة العيد: الباب ٢٦، ح١.

٢٠٥

الطائفةُ الثامنة

الرواياتُ العامّة لاستحباب اقتران الشهادات الثلاث

وهي على طوائف عديدة جدّاً متكاثرة بعدد كبير، سيأتي استعراضها في الفصل الثاني في طوائف الروايات العامّة؛ لبيان الوجه الثاني والثالث في الشهادة الثالثة في الأذان، وهو: بيان الندبيّة الخاصّة أو العامّة، وتلك الطوائف من الروايات وإن كانت محطّ الدلالة فيها ابتداءً هو رجحان الاقتران بين الشهادات الثلاث، ومن ثُمّ تُصاغ فذلكة دلالتها للندبيّة الخاصّة أو العامّة، إلاّ أنّه - بضميمة جملة من القرائن الأخرى - يمكن صياغة فَذلكة الدلالة فيها، بتقريبٍ يجعلها من الطوائف الخاصّة الدالّة على الشهادة الثالثة في الأذان.

والذي يَعنينا في المقام ليس استعراض متون تلك الروايات؛ فإنّها آتية إنشاء الله في الفصل الثاني، بل المهمّ في المقام هو بيان فذلكة دلالتها، مع القرائن في صياغة الدلالة الخاصّة لها على الشهادة الثالثة في الأذان، بعد الفراغ من مفادها الأوّلي من كونها دالّة على رجحان الاقتران بين الشهادات الثلاث، والفراغ من كون الاقتران متعلّقاً للطلب الشرعي الأكيد، والذي سيأتي بيانه في الفصل اللاحق.

أمّا تقريب فَذلكة الدلالة الخاصّة مع القرائن فهي على نحوين:

الأوّل: أنّ هذه الطوائف بمجموعها مؤدّاها: أنّ التشهّد والإقرار حقيقة شرعيّة في الشهادات الثلاث مقترنة - مضافاً إلى أنّ الأصل في الأشياء وجودها الحقيقي الواقعي لا الظاهري التنزيلي - والحال في التشهّد كذلك؛

٢٠٦

فإنّ عموم حقيقته ذلك إلاّ ما استثنيَ في مورد الدخول في الإسلام الظاهري من الاكتفاء بالشهادتين، وإنّ هذا الاقتران في معنى الإقرار بالشهادة قد صدرَ في جملة من الموارد، أبانها وأبلغها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لجملة من الصحابة، وعلى ذلك فتكون تلك الطوائف مفسِّرة لعنوان التشهّد والشهادة المأخوذ في الأذان، بل وكذلك في التشهّد المأتي به في وسط الصلاة.

الثاني: أنّ الحثّ الشديد على الاقتران بين الشهادات الثلاث في مواطن متعدّدة عام لكلّ حال، وأهمّ تلك الأحوال: هو الأذان؛ لأنّه وجهَ العبادة ومحورها، كما يشهد لذلك استحباب اقتران الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما ذَكره ذاكر، وأبرز تلك الأحوال: هو الأذان، كما دلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: (وصلِّ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما ذكرتهُ، أو ذَكره ذاكر في أذان أو غيره) (١)، وكما في الصحيحة إلى صفوان بن يحيى عن الحسين بن يزيد (زيد)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم الله عزّ وجل، ولم يصلّوا على نبيّهم، إلاّ كان ذلك المجلس حسرةً ووبالاً عليهم) (٢) .

ولا ريبَ أنّ مكان الإقامة هو مجلس يشمله هذا العموم، وبهذا التقريب يُقرّب مفاد موثّق أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما اجتمعَ قوم في مجلس لم يذكروا الله عزّ وجل ولم يذكرونا، إلاّ كان ذلك المجلس حسرةً عليهم يوم القيامة، ثُمّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ ذِكرنا من ذِكر الله، وذِكر عدوّنا من ذِكر الشيطان) (٣) .

____________________

(١) أبواب الأذان والإقامة: الباب ٤٢، الحديث ١.

(٢) أبواب الذكر: الباب ٣، ح٢.

(٣) أبواب الذكر: ٣، حديث ٣.

٢٠٧

وهذا الموثّق في الدلالة يُبرز اقتران ذِكرهم بذكر الله في المجالس، وأبرزها الأذان كما في صحيح زرارة المتقدّم.

ومن القرائن التي يُفهم منها اللحن والإيماء إلى ذِكرها في الأذان والإقامة: أنّه يُفهم من تلك الطوائف أنّ السُنّة الإلهيّة في دوام مقارنة الولاية، وإمرة أمير المؤمنين بالتهليل والرسالة في كلّ المواطن البالغة الشرف والمنزلة: كخلق العرش، والكرسي، واللوح، والقلم، والسماوات، والأرض، والبحار، والجبال، وأبواب الجنّة، وعلى الصراط، والمسألة في القبر، وعند الميزان، ونشر الكتب، وأخذ العهد والإقرار من النبيّين والمرسلين بثلاثة أمور، أي: الشهادات الثلاث، والدعاء والتوسّل في المِحن والابتلاءات حتّى من الأنبياء وأولي العزم، ونَدب عامّة المكلّفين إلى ذلك.

وكذا ميثاق الفطرة التي فطرَ الناس عليها بخلقهم عليها وعالَم الذرّ، وأخْذَ الرسول الإقرار بالشهادة الثالثة مقترنة بالشهادتين في مواطن متعدّدة من المسلمين، كغدير خُم وغيره، وكلّ ذلك يشهد بالسنّة الإلهيّة في اقتران الشهادات الثلاث في الموارد الشعاريّة، فهذا اللسان المؤكِّد على هذه السُنّة الإلهيّة الراسخة، بضميمة حكومة التقيّة على ظروف صدور النص، بحيث يخشى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من البوح بأصل الإمامة في واقعة الغدير كمنصب إلهي، فضلاً عن التصريح بها في الأذان والإقامة على الظاهر المكشوف، مع توصيتهم شيعتهم بالتقيّة، ومن ثُمّ ورد في بعض الروايات في الشهادة الثالثة في الأذان - التي أشار إليها الصدوق والشيخ - ذِكر الولاية سرّاً في النفس عند الأذان، كما أفتى بذلك ابن برّاج في المهذّب، والشهيد في الذكرى كما مرّ.

٢٠٨

فيتحصّل: أنّ التأكيد في السُنّة الإلهيّة في اقتران الشهادات الثلاث تعريض بذكرها، بالخصوص في مثل شعيرة الأذان والإقامة، بل إنّ في بعضها ذَكر أنموذج منه مشتمل على ندب تكرار الشهادة الثالثة بعد تكرار الشهادتين، وعلى أن يكون تكرارها بعد الفراغ من تكرارهما، كما هو الحال في صورة فصول الأذان، وهذا التماثل في الصورة تعريض في إتيانهما في الأذان، ومثل ذلك التعبير في جملة منها بالنداء في الشهادات الثلاث، والنداء هو معنى الأذان بلفظ مرادف لغةً.

وقفةٌ مع كاشف الغطاء (قدِّس سرّه)

قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه (١): (وليس من الأذان قول: أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّ محمّداً وآله خير البريّة، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً مرّتين مرّتين؛ لأنّه من وَضع المفوِّضة (لَعنهم الله) على ما قاله الصدوق، ولمَا في النهاية، وما روي من أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّ محمّداً وآله خير البشر أو البريّة، من شواذ الأخبار لا يُعمل عليه، وما في المبسوط، وحكى قوله وقول المنتهى، ثُمّ قال: (ثُمّ إنّ خروجه من الأذان، من المقطوع به لإجماع الإماميّة من غير نكير، حتّى لم يذكره ذاكر بكتاب ولا فاه به أحد من قُدماء الأصحاب؛ ولأنّه وضِع لشعائر الإسلام دون الإيمان، ولذا تُرك فيه ذِكر باقي الأئمّة (عليهم السلام)؛

____________________

(١) كشف الغطاء: الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج٣، ص١٤٣ - ١٤٥، طبعة مكتب الإعلام الإسلامي، فرع مشهد.

٢٠٩

ولأنّ أمير المؤمنين حين نزوله كان رعيّة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا يُذكر على المنابر؛ ولأنّ ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوّة فقط، على أنّه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان الختام، ومَن حاول جعله من شعائر الإيمان، فألزمَ به لذلك يلزم ذِكر الأئمّة (عليهم السلام)، وقد أُمرَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكرّراً من الله في نصبه للخلافة، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستعفي حذراً من المنافقين حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين؛ ولأنّه لو كان من فصول الأذان لنُقل بالتواتر في هذا الزمان، ولم يُخف على أحد من آحاد نوع الإنسان؛ وإنّما هو من وَضع المفوّضة الكفار المستوجبين الخلود في النار.

ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالى فوّض الخلق إلى علي (عليه السلام) فساعَده على الخلق، فكان وليّاً ومُعيناً فمَن أتى بذلك قاصداً به التأذين، فقد شرّعَ في الدين، ومَن قصده جزءاً من الأذان في الابتداء بطل أذانه بتمامه، وكذا كلّما انضمّ إليه في القصد صحّ ما عداه، ومَن قَصد ذِكر أمير المؤمنين (عليه السلام) لإظهار شأنه، أو لمجرّد رجحانه لذاته، أو مع ذِكر ربّ العالمين، أو ذِكر سيّد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمّة، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين، أُثيبَ على ذلك، لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة لكثرة معانيها، فلا امتياز لها إلاّ مع قرينة إرادة معنى التصرّف والتسلّط فيها، كالاقتران مع الله ورسوله والأئمّة في الآية الكريمة ونحوه؛ لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدّل بالخليفة بلا فصل - أو بقول أمير المؤمنين، أو يقول حجّة الله تعالى، أو يقول أفضل الخلق بعد رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونحوها - كان أولى وأبعد عن توهّم الأعوام (العامّة) أنّه من فصول الأذان.

٢١٠

ثُمّ قول: وأنّ عليّاً وليّ الله مع ترك لفظ أشهد، أبعد عن الشبهة، ولو قيل بعد ذِكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): صلّى الله على محمّد سيّد المرسلين، وخليفته بلا فصل عليّ وليّ الله أمير المؤمنين، لكانَ بعيداً عن الإيهام وأجمع لصفات التعظيم والاحترام، ثُمّ الذي أنكرهُ المنافقون يوم الغدير ومَلأ من الحسد قلوبهم، النصّ من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه بإمرة المؤمنين، وعن الصادق (عليه السلام): (مَن قال لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فليقل علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويجري في وصفه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان)).

أقول: في كلامه (قدِّس سرّه) عدّة مواضع للنظر:

الأوّل: قوله: (إنّه - أي الأذان - وضِع لشعائر الإسلام دون الإيمان، ولذا تُرك فيه ذِكر باقي الأئمّة (عليهم السلام)).

ففيه:

أ - إنّه قد تقدّم في مصحّح الفضل بن شاذان فيما ذُكر من عِلل الأذان عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّما أُمرَ الناس بالأذان لعِلل كثيرة... ويكون المؤذِّن... مُقرّاً له بالتوحيد، تجاهراً بالإيمان، مُعلناً بالإسلام... وجَعل بعد التكبير الشهادتان؛ لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة... ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان؛... لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله ورسوله) (١) .

ففي هذا المصحّح: تصريح بأنّ الأذان نداء وشعار للإيمان أيضاً، لا خصوص ظاهر الإسلام، كما أنّ التعبير المتكرِّر فيها بأنّ الشهادتين أوّل وأصل الإيمان، صريح في إرادة معنى الإيمان المقابل لظاهر الإسلام،

____________________

(١) أبواب الأذان والإقامة: باب ١٧، ح ١٤.

٢١١

وبالتالي فيندرج فيه الشهادة الثالثة بعد كون الأذان جهراً بالإيمان، ونظيره مصحّح محمّد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) - في حديث -: (لأنّ التهليل إقرار لله تعالى بالتوحيد، وخلع الأنداد من دون الله، وهو أوّل الإيمان وأعظم من التسبيح والتحميد).

وأيضاً ما رويَ في العِلل عن محمّد بن أبي عمير، أنّه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن حيّ على خير العمل لِمَ تُركت من الأذان؟ قال: (تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً، فقال: أمّا العلّة الظاهرة فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة؛ فإنّ خير العمل الولاية، فأرادَ من أمْر بترك حيّ على خير العمل من الأذان أن لا يقع حثٌ عليها ودعاء إليها) (١) .

وهذه المصحّحة صريحة أيضاً في أنّ الأذان دعاءً ونداءً للولاية والإيمان.

ب - إنّه قد تقدّم (٢) أنّ كمال الدين، وشرط الإخلاص، وشرط التهليل، وشرط الشهادتين: هو الإقرار بالشهادة الثالثة وكما في قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (٣).

ج - إنّ ذِكر أمير المؤمنين مفتاح ذِكر الأئمّة (عليهم السلام)، كما أنّ في جملة من روايات الفريقين والآيات الدالّة على ولاية أهل البيت، اقتُصر فيها على أمير المؤمنين لا من باب الحصر؛ وإنّما هو رمز لأهل البيت الإثنى عشر.

الثاني: قوله: (ولأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حين نزوله كان رعيةً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يُذكر على المنابر).

____________________

(١) أبواب الأذان والإقامة: الباب ١٩، ح ١٦.

(٢) في طوائف الروايات العامّة.

(٣) المائدة: ٣.

٢١٢

ففيه: كونه رعيةً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا ينافي ذلك، أليس قد جاءت الآيات: ( أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وقوله تعالى: ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ الله وَرَسُوله وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وغيرها من الآيات التي مفادها ولايته (عليه السلام) ووجه ذلك: أنّ الخطاب هو للأمّة في طول طاعة وولاية الله ورسوله.

الثالث: قوله (قدِّس سرّه): (ولأنّ ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوّة فقط).

ففيه: أنّ ذلك مبنيّ على عدم تكليف الكفار بالفروع، وإلاّ فلا توقّف للتكليف في الفروع على الشهادتين، مضافاً إلى أنّ صحّة الصلاة عند المشهور أو قبولها مبنيّ على الولاية كما هو مقتضى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) .

الرابع: قوله (قدِّس سرّه): (إنّه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان في الختام - إلى أن قال - ولأنّه لو كان من فصول الأذان، لنُقل بالتواتر في هذا الزمان ولم يُخف الخ).

ففيه: أنّه قد اعترف بممانعة المنافقين والحاسدين عن تنصيبه (صلوات الله عليه وآله) له (عليه السلام) في عدّة مواطن ومواقف، وهو السبب في عدم الأمر بها في الأذان، لاسيّما وأنّه يؤتى به في اليوم خمس مرّات، ومع ذلك لم يسلم الأذان كغيره من سُنن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قِبَل الثلاثة وبني أميّة، كما قد حَذفوا منه حيّ على خير العمل، فقد قال ابن الجنيد: (رويَ عن سهل بن حنيف، وعبد الله بن عمر، والباقر، والصادق (عليهما السلام) أنّهم كانوا يؤذِّنون بـ (حيّ على خير العمل).

٢١٣

وفي حديث ابن عمر، أنّه سمعَ أبا محذورة ينادي بـ (حيّ على خير العمل) في أذانه عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعليه شاهَدنا آل الرسول، وعليه العمل بطبرستان، واليمن، والكوفة ونواحيها، وبعض بغداد) (١) .

وقال الصدوق في الفقيه (٢) ، قال الصادق (عليه السلام): (كان اسم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأذان، وأوّل مَن حَذفه ابن أروى).

وحديث الدار (٣) رواه الفريقان عند نزول قوله تعالى: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ، وهو حديث نَصب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً (عليه السلام) أخاً، ووارثاً، ووزيراً، ووصياً، وخليفةً في بدء النبوّة، دال على نصبه (عليه السلام) منذ مبدأ الإسلام، ثُمّ إنّنا قد ذكرنا في المدخل في مبدأ السيرة على التأذين، أنّ بِدءها عند الصحابة، ثُمّ من بعدها عند رواة الأئمّة، وسيأتي في الفصل اللاحق استعراض لتلك السيرة.

الخامس: قوله (قدِّس سرّه): (ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالى فوّض الخلق إلى علي (عليه السلام)، فَساعَده على الخلق، فكان وليّاً ومُعيناً).

ففيه: إنّ دعوى إرادة ذلك المعنى عند الرواة لروايات جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان، تحكّم بارد، وإلاّ لكان القارئ للآيات الناصّة على ولايته منهم بالتفويض أيضاً، وهذا توجيه عليل؛ لمَا ذَكرنا من احتمال التقيّة في كلام الصدوق، ولذلك شواهد قد تقدّمت.

السادس: قوله (قدِّس سرّه): (لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة؛ لكثرة معانيها...).

____________________

(١) الذكرى: ج٣، طبعة مؤسّسة أهل البيت.

(٢) الفقيه: ج١، ص ١٩٥، ح ٩١٣.

(٣) البحار: ج١٨، ص ١٧٨.

٢١٤

ففيه: إنّ المروي المشار إليه في كلامَي الصدوق، والشيخ، والفاضلين، والشهيد، ليس خصوص ذلك، بل بالإمرة للمؤمنين أيضاً، مضافاً إلى أنّ الولاية بقول مطلق تعني المتابعة المطلقة بأيّ معنى فُسّرت، لازم الإطلاق في كلّ تلك المعاني، هو السلطة والطاعة والإمامة، كما هو الحال في آيات الولاية المشار إليها.

السابع: إنّ قوله: (إنّ خروجه من الأذان من المقطوع به لإجماع الإماميّة من غير نكير، حتّى لم يذكره ذاكر بكتاب، ولا فاهَ به أحد من قُدماء الأصحاب).

ففيه: إنّ ما زَعمهُ (قدِّس سرّه) بسبب عدم وقوفه مليّاً بتدبّر، وعدم استقصاء لكلّ كلمات المتقدّمين، فقد عرفتَ فتوى السيّد المرتضى في المبافارقيات، وابن برّاج في المهذّب، والشهيد في الذكرى بذلك، بل عرفتَ بالتدقيق فتوى الشيخ في المبسوط، بمضمون روايات الجزئيّة بعين لفظ فتواه بروايات اختلاف عدد فصول الأذان، مضافاً إلى اعتراف الشيخ والصدوق - كما مرّ تفسير كلامهما - برواية طبقات الرواة لهذه الروايات، ممّا يعني تبنّيهم لمضمونها، كما هو ديدن الرواة للرواية إذا رووها من دون ردّ لها ولا تعقيب، وكذلك يظهر ذلك من العلاّمة والشهيد، وأنّ فتاوى القدماء هو دعم للسيرة المعاصرة لهم من الشيعة، الذين كانوا في اصطدام حادّ مع جماعة سنّة الخلافة في بغداد وغيرها من المُدن الإسلاميّة في البلدان.

٢١٥

الجهةُ الثانية

البحثُ في مقتضى قاعدة شرطيّة الولاية والإيمان

في صحّة الأعمال والعبادات لشرطيّة الشهادة الثالثة في الأذان.

أمّا مفاد القاعدة فالبيان الأوّل في تقريرها: فهو أنّ إتيان العبادات لابدّ في صحّته من شرطيّة اعتناق ولاية أهل البيت، وأنّ مَن لا يعرف الإمام منهم (عليهم السلام)؛ فإنّما يعرف ويعبد غير الله، كما في معتبرة (١) جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، وأنّه لا حجّ ولا صوم إلاّ للموالي لهم (عليهم السلام)، كما في جملة من الروايات (٢) .

وفي صحيح بُريد بن معاوية العِجلي أنّ: (كلّ عملٍ عمله وهو في حال نَصبه وضلالته، ليس عليه قضاؤه، إذا منَّ الله عليه وعرّفه بالولاية فإنّه يؤجر عليه، إلاّ الزكاة فإنّه يعيدها؛ لأنّه وَضعها في غير موضعها) (٣).

فهي من الشرائط العامّة في صحّة العبادات، كما ذهب إلى ذلك المشهور شهرةً عظيمة، بل إنّ بعض مُتأخّري العصر المُحتملين لكون الولاية شرط قبول الأعمال، لم يُسوّغوا نيابة غير المؤمن في الحجّ وقضاء الصلاة والصيام وغيرها مِن العبادات عن المؤمن،

____________________

(١) أبواب مُقدّمة العبادات: باب ٢٩، حديث ٦.

(٢) نفس الباب من أبواب مُقدّمة العبادات.

(٣) أبواب مُقدّمة العبادات: باب ٣١، ح١.

٢١٦

بل في خصوص المقام في مُوثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (قال سُئل عن الأذان هل يجوز أنْ يكون من غير عارف؟ قال: (لا يستقيم الأذان، ولا يجوز أنْ يؤذِّن به إلاّ رجلٌ مُسلمٌ عارف، فإن عَلم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفاً، لم يُجزِ أذانه، ولا إقامته، ولا يُقتدى به) (١).

أقوالُ العُلماء:

قال العلاّمة الحلّي في المُنتهى (٢) بعد أنْ أوردَ هذا الموثّق: (وهذا حُكمٌ مُتّفق عليه بين أهل العِلم، مع أنّ الغلام غير البالغ يُجتزأ بأذانه، ذهب إليه العُلماء أجمع كما في المنتهى أيضاً، ودلّت عليه النصوص كما في صحيحة (٣) عبد الله بن سنان.

وقال في الدروس: (ويُعتدّ بأذان المُميّز لا غيره، وبأذان الفاسق خلافاً لابن جُنيد، لا بأذان المُخالف) (٤).

أقول: فمضافاً إلى ما تقدّم مِن روايات الأصحاب، أنّ الولاية لعليّ (عليه السلام) والأئمّة شرطٌ في صحّة الأذان، كما هو الحال في سائر العبادات، والنصّ المُتقدّم آنفاً صريحٌ في نفي الصحّة وعدم الاعتداد، والتولّي مِن سنخ النيّة؛ وذلك لكونه فعلاً قلبيّاً، والنيّة - كما هو مُحرّر في بحث التعبُّدي والتوصُّلي في مباحث الأصول - هي روح العبادة، وبمنزلة الصورة والفصل كمادّة العبادة وجسمها،

____________________

(١) أبواب الأذان والإقامة: باب ٢٦، ح١.

(٢) مُنتهى المطلب: ج٤، ص٣٩٥.

(٣) أبواب الأذان والإقامة: باب ٣٢، ح١.

(٤) الدروس: ج١، ص١٦٤.

٢١٧

فهي التي تُنوّع الفعل وتُصيّره عبادة وطاعة لله، وذلك يقتضي أنّ الإقرار بالتكبير والتشهّد بالشهادتين، الذين هما طبيعتان مأخوذتان كجزء في رتبة سابقة على ماهيّة الأذان، وهاتان الطبيعتان لا تتحقّق طبيعتهما كعبادة ذاتيّة في رتبة سابقة على طبيعة الأذان، إلاّ بالاقتران بولاية علي وولده والتولّي له (عليه السلام)، وكما يتقوّم بعقد القلب يتقوّم بالإقرار اللساني، وبالتالي يتبيّن أنّ عباديّة الشهادتين في الأذان مأخوذة فيها الاقتران بالشهادة الثالثة.

وببيان ثانٍ: إنّ التصريح والإيجاد والإنشاء للشرط في ضمن المشروط، ليس يخلّ بصحّة المشروط، بل يزيده صحّةً وتماميّة، نظير التلفظ بالنيّة؛ فإنّه إبراز للشرط وتأكيد في وجوده الدخيل في صحّة المشروط، ومقتضى وفاق الأصحاب على شرطيّة الولاية في صحّة الأذان وعباديّته: هو مشروعيّة التصريح به مع المشروط، ولك أن تقول: إنّ الأذان متكوّن من أجزاء متعدّدة فيها التكبير والتهليل والإقرار بالشهادتين، وهُنّ عبادات قد أُخذت الولاية في صحّتها، والموجِد للولاية حدوثاً وبقاءً وتأكيداً هو: الإقرار بالولاية وبالتالي يقترن مع الشهادتين.

إن قلتَ:

١- إنّ غاية هذا الوجه شرطيّة الشهادة الثالثة لا جزئيّتها.

٢- إنّ الولاية عند جماعة من متأخّري العصر، شرط في القبول لا شرط في الصحّة.

٣- إنّ الشرط هو الولاية القلبيّة لا الإقرار اللساني، وغاية كون الإقرار باللسان من مقوّمات الولاية هو جواز التلفّظ لا استحبابه، كما هو الحال بالتلفّظ بالنيّة.

٢١٨

قلتُ:

أمّا الأوّل: لا ضيرَ في الشرطيّة بعد كونها نحو دخالة للشيء في ضمن المركّب، وبالتالي يكون الشرط جزءاً عقليّاً.

وأمّا الثاني: فلا ضيرَ في كونها شرط القبول أيضاً؛ لأنّه لا يقل عن شرط الكمال كالأجزاء المستحبّة، بل هو شرط مُلزم وإن لم يكن شرط صحّة بمقتضى لزوم الولاية، مع أنّ الصحيح هو ما عليه المشهور من كون الولاية شرطاً في الصحّة؛ لأنّ الصحّة تُلازم أدنى درجات القبول، فمعَ نفي طبيعة القبول بجميع أفرادها تنتفي الصحّة، وتفصيل الكلام في ذلك حرّرناه في مسألة (اشتراط إيمان النائب في الحج) (١)، مضافاً إلى خصوص الأدلّة في المقام الدالّة على شرطيّة الإيمان في صحّة الأذان.

وأمّا الثالث: فالتلفّظ بالنيّة قد ثبتَ رجحانه في أعمال الحج بالنصّ الخاص (٢) ، وكذا في النيابة في الحج، وقد استفاد جماعة من ذلك رجحان التلفّظ بها في بقيّة العبادات، لاسيّما وأنّه موجِب لتأكيد حضور النيّة واستحضار الداعي، والجواز في العبادات لا ينفك عن الرجحان العام وإن لم يكن خاص، بل في المقام أنّ التلفّظ بالشهادة الثالثة سببٌ لإنشاء الولاية التي هي شرط، وإن كان بنحو التأكيد بقاءً بعد الفراغ عن الاكتفاء بحدوثه ولو مرّة، إلاّ أنّ الأفراد المتكرّرة منه مؤكِّدة لبقاء الوجود للولاية، كما هو الحال في تكرّر الإقرار بالشهادتين، فتحصّل وجه مستقل عن النصوص الخاصّة والعامّة لبيان دخالة الشهادة الثالثة في الأذان، بحسب مقتضى القاعدة بعد شرطيّة الولاية في صحّة الأذان لكون الإقرار بها مقوِّم لها.

____________________

(١) لاحظ سند العروة: كتاب الحج، ج١، ص٢٣٥.

(٢) الوسائل: أبواب الإحرام، باب ١٦ - ١٧.

٢١٩

وببيان ثالث: بعد اتّفاق المشهور على أنّ التلفّظ بالشهادة الثالثة من أحكام الإيمان، وأنّ دخالة سببيّتها للإيمان كدخالة سببيّة الشهادتين في الإسلام، هذا بضميمة ما ذهبَ إليه مشهور علماء الإماميّة: من أنّ الولاية والإيمان شرط في صحّة العبادات والثواب على سائر الأعمال، وهو شرط في قبولها، كما مالَ إليه جملة من متأخّري العصر.

ومقتضى النقطتين المتقدّمتين: كون الشهادة الثالثة شرطاً وضعيّاً في الأذان والإقامة كعملٍ عباديٍّ، إمّا شرط صحّةٍ أي: شرط وضعي لزومي في صحّتهما على قول المشهور، وإمّا شرط في القبول أي: شرط وضعيٌّ كماليٌّ فيهما، وهذا الشرط لابدّ في تحقّقه من الإقرار باللسان، وهو التلفّظ بالقول بالشهادة الثالثة، ومن ثَمّ عبّر الفقهاء عن الشهادة الثالثة في الأذان بأنّها من أحكام الإيمان أي سببٌ للإيمان، ولو في ضمن الأفراد المكرّرة المتلاحقة من الإقرار بالولاية، كما هو الحال في التهليل والإقرار بالرسالة كوِردٍ متكرّر بالنسبة للإسلام.

وحيث يكون الإيمان والولاية شرط وضعيٌّ ولزوميّ في الصحّة، أو كماليٌّ في الصحّة، كما هو طبيعة شرائط القبول، إذ هي دخيلةٌ في كمال الملاك والمصلحة المترتّبة، وهو معنى الشرط المستحبّ الوضعي والندبي في ماهيّة العمل، أي لابدّ أن يكون شرط القبول المقارن للعمل منسجماً وملائماً لماهيّته، كما هو مقرّر في المركّبات الاعتباريّة، فلابدّ أن يكون شرطاً وضعيّاً ندبيّاً، فضلاً عن امتناع كونه مانعاً عن الصحّة، هذا لو كانت الولاية شرط القبول.

وأمّا لو كانت شرط صحّة، فاشتراط الشهادة الثالثة - التي هي موجِب وسبب للولاية في العبادة، كالأذان والصلاة - أوضح وأبيَن.

٢٢٠

نعم، المجيء بهذا الفرد - من الشهادة الثالثة المُقارن للأذان بعد تحقّقه فيما سبق - يكون من باب تكرير السبب، ومنه يتّضح أنّ المشهور القائل بالجواز للشهادة الثالثة في الأذان، وأنّها من أحكام الإيمان أي: راجحة لسببيّتها للإيمان، والإيمان لديهم شرط في الصحّة، فلا محالة يستلزم ذلك القول منهم بأنّها راجحة ندبيّة بالخصوص في الصحّة على أقلّ تقدير، وكذلك الحال عند مَن قال بأنّ الإيمان شرط في القبول.

وببيانٍ رابع: إنّ مقتضى قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (1) : هو أنّ الشهادة الثالثة مُكمّلة للشهادتين، كما أنّ مقتضى اشتراط الرضا والقبول للإسلام بالولاية في الآية هو اشتراط الولاية في الرضا والقبول بالصلاة، فالأذان الذي هو نداء للصلاة ودعوة إليها، وأنّها الفلاح، وأنّها خير العمل، إذا كانت مقرونة بالولاية وإلاّ فهي مردودة، كما لو كانت بلا توحيد ولا نبوّة فإنّها مردودة أيضاً، وسيأتي في الروايات ما يشير إلى ذلك.

ورويَ في تفسير العسكري (عليه السلام) قال: (وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ العبد إذا توضّأ فَغَسل وجههُ تناثرت ذنوب وجهه... وإن قال في آخر وضوئه، أو غسله من الجنابة: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلاّ أنت، أستغفركَ وأتوبُ إليك، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأشهدُ أنّ عليّاً وليّك وخليفتك بعد نبيّك، وأنّ أوليائه خلفائك وأوصيائه...) (2) الحديث.

____________________

(1) المائدة: 3.

(2) تفسير الإمام العسكري: ص239، البحار: ج80، ص317.

٢٢١

أقول: وهذه الرواية صريحة في أنّ الإقرار بالولاية ضمن العبادات، يؤكّد شرط الصحّة، ويُعزِّز شرط القبول والكمال لها، والرواية واردة في كلّ من الوضوء والغسل، ويؤكّد مفادها الرواية التالية.

ورويَ في التفسير المنسوب إلى العسكري (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، لا يقبل الله تعالى صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول، وإنّ أعظمَ طهورُ الصلاة - التي لا تُقبل الصلاة إلاّ به، ولا شيئاً من الطاعات، مع فقده - موالاة محمّد وأنّه سيّد المرسلين، وموالاة علي وأنّه سيّد الوصيين، وموالاة أوليائهما ومعاداة أعدائهما) (1).

والموالاة والبراءة - كما تقدّم - وإن كانتا قلبيّة، إلاّ أنّ من درجاتهما النازلة اللازمة أيضاً، هو الإقرار والتولّي اللساني، والتبرّي اللساني.

وببيان خامس: إنّ الأذان المفروض فيه أنّه نداء للصلاة ودعوى لها، ليس هو لأجل الدخول في ظاهر الإسلام، وإن كان متضمّناً للإقرار بالإسلام، لذا فإن قُصرَ الإقرار بظاهر الإسلام فيه دون الإقرار بالإيمان، يلزم من ذلك أن تكون ماهيّة الأذان نداءً ودعوى لظاهر الإسلام، لا نداءً ودعوى للإيمان الذي هو واقع الإسلام، وقد مرّ في معتبرة الفضل بن شاذان في الطائفة الرابعة: أنّ ماهيّة الأذان ليس هي النداء للإسلام الظاهري، بل هو نداء الواقع وحقيقة الإسلام والإيمان.

هذا، مضافاً إلى أنّ العمل بالأركان ومنها الصلاة، ليست من أحكام ظاهر الإسلام، بل من أحكام الإيمان، إذ لظاهر الإسلام أحكام: كحقن الدم، وحُرمة المال والعَرض، ونحوها من أحكام التعايش في دار الدنيا، بخلاف الالتزام بالدين،

____________________

(1) تفسير الإمام العسكري: ص239، البحار: ج8، ص317.

٢٢٢

فإنّه من أحكام الإيمان نظير قوله تعالى: ( اتَّقُوا الله وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (1) ، فإنّه علّق الالتزام بترك الربا على الإيمان، ومثله قوله تعالى: ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ ) (2).

____________________

(1) البقرة: الآية 278.

(2) الأنعام: الآية 118.

٢٢٣

التذييلُ الأوّل

أقوال أرباب عِلم الدراية في الشاذ

1 - قال الشهيد الثاني في شرح البداية في علم الدراية - عند تقسيمه لأقسام الحديث وصفاته - في الشاذ: (الثاني عشر الشاذ: وهو ما رواه الثقة مخالفاً لمَا رواه الجمهور أي الأكثر، سُمّي شاذّاً باعتبار ما قابله، فإنّه مشهور، ثُمّ إن كان المخالِف له الراجح أحفَظ، أو أضبَط، أو أعدَل من راوي الشاذ، فشاذٌ مردود؛ لشذوذه ومرجوحيّته لفقد أحد الأوصاف الثلاث، وإن انعكسَ فكان الراوي للشاذ أحفظ للحديث، أو أضبط، أو أعدل من غيره من رواه مقابله، فلا يُرد؛ لأنّ في كلّ منهما صفة راجحة وصفة مرجوحة فيتعارضان فلا ترجيح، وكذا إن كان المُخالف، أو راوي الشاذ مثله أي: مثل الآخر في الحفظ والضبط والعدالة، فلا يُرد؛ لأنّ ما معه من الثقة يوجب قبوله ولا رجحان للآخر عليه من تلك الجهة.

ومنهم مَن ردّه مطلقاً؛ نظراً إلى شذوذه وقوّة الظن بصحّة جانب المشهور.

ومنهم مَن قَبَله مطلقاً؛ نظراً إلى كون راويه ثقة في الجملة، ولو كان راوي الشاذ المخالف لغيره غير ثقةٍ، فحديثه مُنكر مردود؛ لجمعه بين الشذوذ وعدم الثقة، ويقال لمقابلة المعروف، ومنهم مَن جَعلهما أي: الشاذ والمنكر مرادفين لمعنى الشاذ المذكور، وما ذكرناه من الفرق أضبط.

2 - قال والد الشيخ البهائي، الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي في كتابه (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار) (1) ، في تقسيم الحديث بحسب الصفات، قال:

____________________

(1) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: ص18.

٢٢٤

(الثالث عشر: الشاذ والنادر والمنكر، أمّا الشاذ والنادر: فهو عندنا وعند الشافعي ما خالفَ المشهور، وإن كان راويه ثقةً لا أن يروي ما يرويه غيره، وقد عَمل به بعضهم، كما اتّفق للشيخين في صحيحة زرارة في مَن دخل بالصلاة بتيمّم ثُمّ أحدثَ، أنّه: يتوضّأ حيث يُصيب الماء ويبني على الصلاة) (1) ، وإن خصّاها في حالة الحدث تأسيّاً، وأمّا المُنكر: فما خالفَ المشهور وكان راويه غير ثقة، وقد يُطلق (الشاذ) عندنا خاصّة على ما لم يَعمل بمضمونه العلماء، وإن صحّ إسناده ولم يعارضه غيره أو تكرّر.

وقال بعض العامّة: الشاذ ما ليس له إلاّ إسناد واحد تفرّد به ثقة أو غيره، وهو مُشكل؛ فإنّ أكثر أحاديثنا وأحاديثهم من هذا القبيل، ولم يُطلق عليها أحد اسم الشاذ.

3 - قال المامقاني في مقباس الهداية في استعراض الأقوال في العمل في الشاذ (أحدها: عدم ردّه.... ثانيها: ردّه مطلقاً؛ لأنّ نفس اشتهار الرواية من أسباب قوّة الظن بصدقها وسقوط مقابلها، مضافاً إلى تنصيص المعصوم (عليه السلام) بكون الشهرة مرجّحة، وأمْرهُ بردّ الشاذ النادر من دون استفصال.

ويمكن الجواب عن الأوّل: بمنع سببيّة الشهرة لقوّة الظن، حتّى في صورة كون الراوي الشاذ أحفظ، أو أضبط، أو أعدل، بل قد يقوى الظن حينئذٍ بصدق الشاذ، فالكليّة لا وجهَ لها، بل اللازم الإدارة مدار الرجحان في الموارد الجزئيّة.

وأمّا تنصيص المعصوم (عليه السلام) بردّ الشاذ، فمنصرف إلى غير صورة حصول الرجحان له، فتأمّل جيّداً) (2).

____________________

(1) التهذيب: ج1، ص205.

(2) مقباسُ الهداية: ص255.

٢٢٥

4 - وقال الملاّ علي كني في توضيح المقال: (إنّ المشهور قد يُطلق على ما اشتهرَ في الفتوى به وإن لم يَشتهر نقله، فكذا الشاذ قد يُطلق على ما يندر الفتوى به وإن اشتهرَ نقله، ومن هنا يظهر لو شملَ قوله (عليه السلام) - (خُذ بما اشتهرَ بين أصحابك) - ما اشتهرَ في النقل والفتوى أيضاً، فكذا الشاذ يشمل ما شذّ نقله من الفتوى به) (1).

وقال أيضاً: (وكيف كان، يقال لمقابله الذي هو المشهور المحفوظ، فإن كان راوي المحفوظ في كل مرتبة أحفظ، أو أضبط، أو أعدل من الراوي الشاذ، فذاك شاذ مردود، وإلاّ فلا يُرد بل يُرجّح) (2).

____________________

(1) توضيح المقال: ص271، طبعة دار الحديث، قم.

(2) المصدر السابق: ص271.

٢٢٦

التذييلُ الثاني

وفيه أمران:

1- الأمرُ الأوّل: الشاذ في كلام الشيخ الطوسي في كتابيه: التهذيب، والاستبصار

كتابُ التهذيب:

1- في التهذيب: باب الأحداث الموجِبة للطهارة، ج1، ص18:

قال الشيخ عن صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام)، المتضمّن للأمر بالوضوء في المذي قال (قدِّس سرّه): (وهذا خبر ضعيف شاذ، والذي يكشف عن ذلك....)، ثُمّ ذَكر خبر إسحاق بن عمّار النافي للوضوء، وفي هذا المورد استعملَ الشيخ الشاذ كوصف للمتن لا للضعف في الطريق؛ لمعارضته للروايات الأخرى.

2 - التهذيب: باب الحيض، ج1، ص15:

أوردَ الشيخ صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، المتضمّنة لكون أكثر الحيض ثمانية، ثُمّ قال: (فهذا الحديث شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل به، ولو صحّ كان معناه....)، ثُمّ ذَكر تأويلاً للرواية، وفي هذا المورد أيضاً استعمال الشاذ صفةً للمتن لا للطريق.

3 - التهذيب: باب المياه، ج1، ص218:

أوردَ الشيخ رواية عن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام)، المتضمّنة لجواز الوضوء بماء الورد، وليس في طريقها مَن يُتوقف فيه إلاّ سهل بن زياد، والأمرُ فيه سهل كما هو معروف،

٢٢٧

مع أنّ الشيخ عَمل بروايته في أبواب عديدة، ثُمّ قال الشيخ: (فهذا خبرٌ شاذ شديد الشذوذ، وإن تكرّر في الكُتب والأصول؛ فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) ولم يرويه غيره، وقد أجمَعتْ العصابة على ترك العمل بظاهره، وما يكون هذا حكمه لا يُعمل به)، وفي هذا المورد أيضاً استعملَ الشيخ الشاذ وصفاً لمتن الخبر لا لطريقه؛ لكونه مخالفاً لمضمون الروايات الأخرى ولإجماع الطائفة.

4 - ما قاله فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس، أمّا ما رواهُ محمّد بن محمّد بن أبي يحيى، عن أحمد بن محمد عن داود الصرمي، قال: سألتهُ عن الصلاة في الخز... الحديث: (فهذا حديث شاذ ما رواه غير داود الصرمي، ومع تفرّده بروايته تختلف ألفاظه؛ لأنّ في هذه الرواية.....)، فترى في هذا المقام وصَفَ الشيخ الحديث بالشذوذ؛ لتضمّن الحديث جواز الصلاة في وبر الأرانب، فلم يكن الطعن في السند، وداود الصرمي وإن لم يوثّق، ولكن لم يُطعن عليه، وقد روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وأخوه، وبنان، ومحمّد بن عيسى اليقطيني في طريق المشيخة في الصدوق، وهي قرائن على حُسن حاله، ج2، ص213، الحديث 833.

5 - ما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وساقَ الحديث الذي تضمّن تأخير المغرب الفائتة عن العشاء عند حضور وقت العِتمة فقال: (هذا الخبر شاذ، والأصل ما قدّمناه من أنّه إذا كان الوقت واسعاً ينبغي أن يبدأ بالفائتة)، فترى أنّ الشيخ أطلقَ وَصف الشاذ على الخبر الموثّق، ممّا يُعزِّز أنّ هذا الوصف وصف للمضمون لا للطريق، ج2، ص271، الحديث 1079.

6 - ما رواه الشيخ في الموثّق، عن عمّار بن موسى الساباطي، المتضمّن لعدم قضاء النافلة والفريضة في النهار، قال عنه: (فهذا خبر شاذ، لا يُعارَض به الأخبار التي قدّمناها مع مطابقتها لظاهر القرآن)، ج2، ص272، الحديث 1081.

٢٢٨

7 - ما رواه الشيخ بطريق الزيديّة المعروف، عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام)، عن علي (عليه السلام) المتضمّن لصحّة الصلاة بزيادة ركعة مع السجود لسجدتي السهو، فقال: (هذا خبر شاذ لا يُعمل عليه؛ لأنّا قد بيّنا أنّ مَن زاد في الصلاة وعَلمَ ذلك، يجب عليه استئناف الصلاة)، فترى الشيخ يصرِّح بأنّ علّة الشذوذ ليس ضُعف السند، بل مخالفة المضمون لمَا هو ثابت، ج2، ص350، الحديث 1449.

8 - ما رواه في الصحيح الأعلائي عن العلاء، حيث تضمّن عدم إعادة الصلاة لناسي النجاسة، قال: (فإنّه خبر شاذ لا يُعارض فيه الأقوال التي ذكرناها)، ج2، ص360، الحديث 1492.

9 - ما رواه في الصحيح عن عبد الرحمان العزرمي، أو الرزمي عن أبيه، المتضمّن لإعادة المأمومين في صلاة الجماعة إذا كان إمام الجماعة على غير طهر (قال: هذا خبر شاذ مخالف للأخبار كلّها، وما هذا حكمه لا يجب العمل به على أنّ فيه ما يبطله، وهو أنّ أمير المؤمنين أدّى فريضة على غير طهر ساهياً عن ذلك، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته).

10 - الباب 24، وهناك موارد عديدة في كتابه التهذيب يستطيع المتتبّع ملاحظتها، ونورد قائمة لجملة منها:

التهذيب: ج3 ص235، ج4 ص273، ج6 ص254، ج6 ص256، ج7 ص253، ج7 ص278، ج7 ص318، ج9 ص253، ج7 ص278، ج7 ص318، ج9 ص119، ج9 ص345، ج10 ص73، ج10 ص92، ج10 ص96.

٢٢٩

كتابُ الاستبصار:

1 - وفي الاستبصار روى الشيخ في المصحّح عن يونس، جواز الاغتسال والوضوء بماء الورد، فقال: (فهذا خبر شاذ شديد الشذوذ وإن تكرّر في الكُتب؛ فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) ولم يرويه غيره، وقد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره، وما يكون هذا حكمه لا يُعمل به، ولو ثبتَ لاحتُمل أن يكون المراد بالوضوء في الخبر التحسين، وقد بيّنا ذلك في كتاب تهذيب الأحكام، إلى أن قال: ويحتمل أن يكون المراد بالماء الورد، الماء الذي وقعَ فيه الورد؛ لأنّ ذاك الذي يسمّى الورد وإن لم يكن مُعتصراً منه).

فترى أنّ الخبر مع أنّه شاذ شديد الشذوذ، تكلّف الشيخ في توجيه مضمونه، ج1، الباب الخامس من أبواب المياه، ج2، ص14.

2 - وفي الاستبصار ما رواه في الموثّق عن إسحاق بن عمّار، المتضمّن لعدد نزح البئر من موت الدجاجة ومثلها، قال: (فلا ينافي ما قدّمناه؛ لأنّ هذا الخبر شاذ وما قدّمناه مطابق للأخبار كلّها، ولأنّا إذا عَملنا على تلك الأخبار نكون قد عَملنا على هذه الأخبار؛ لأنّها داخلة فيها، وإنْ عَملْنا على هذا الخبر، احتجنا أن نُسقط تلك جملة؛ ولأنّ العلم يحصل بزوال النجاسة مع العمل بتلك الأخبار، ولا يحصل مع العمل بهذا الخبر).

فترى أنّ الشيخ لا يمنع من العمل بالخبر الشاذ مطلقاً، بل فيما إذا امتنعَ العمل بكلّ منه وما يقابله أي: يمتنع الجمع في العمل، ويُعزِّز كون الشاذ حجّة في نفسه عند الشيخ بنحو الاقتضاء: أنّه يرتكز الترجيح بينه وبين ما يقابله الأخبار، إذ الترجيح فرع الحجيّة الاقتضائيّة في الطريق، ج1، ص38، الباب 2، أبواب حكم الآثار أو المياه ص38، ح9.

٢٣٠

3 - الباب 24 من أبواب المياه، ج3، ص45 في الاستبصار، ما رواه الشيخ في الصحيح عن كردويه (وهو حَسن الحال)، المتضمّنة لتقدير النزح عن البئر لسقوط بعض النجاسات فيها، قال: (فهذا خبر شاذ نادرٌ، وقد تكلّمنا عليه فيما تقدّم؛ لأنّه تضمّن ذِكر الخمر والنبيذ المسكر الذي يوجِب نزح جميع الماء، مضافاً إلى ذِكر الدم، وقد بيّنا الوجه فيه، ويمكن أن يُحمل فيما يتعلّق بقطرة دم أن نحمله على ضربٍ من الاستحباب، وما قدّمناه من الأخبار على الوجوب لئلاّ تتناقض الأخبار).

فترى أنّ الشيخ يتكلّف وجه الجمع بين الخبر الشاذ النادر وبقيّة الأخبار المعمول بها، ممّا يدلّ على أنّ الشاذ متّصف بالحجيّة الاقتضائيّة، غاية الأمر أنّه وصِفَ بالشذوذ بسبب المعارضة لأخبار كثيرة معمول بها، وهذا يوقفنا على تعريفٍ أدق وأعمق لمعنى الشاذ.

4 - الباب 57 من أبواب ما ينقص الوضوء وما لا ينقص ج5، ص96 من الاستبصار، ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطي، من تضمّنه إعادة الصلاة لترْك المسح بالماء لمَن مسّ الحديد، قال: (فالوجه في هذا الخبر أن نحملهُ على ضربٍ من الاستحباب دون الإيجاب؛ لأنّه خبر شاذ مخالف للأخبار الكثيرة، ما يجري هذا المجرى لا يُعمل عليه على ما بيّنا).

والتقريب في هذا الكلام ما سبق.

واليك قائمة بموارد استعمال الشاذ في الاستبصار لمزيد الاطلاع.

5 - 14ص22، ج1 ح2، ج1 ص289 ح8، ج2 ص83 ح، ج3 ص161 ح7، ج4 ص239 ح9، ج1 ص288 ح6، ج1 ص367 ح2، ج3 ص59 ح6، ج 3 ص198 ح23، ج4 ص233 ح2.

٢٣١

الأمرُ الثاني: كلامُ الشيخ المفيد

وفيه عدّة أمور:

الأوّل: إنّ الشاذ قد توصَف به مجموعة من الأحاديث، أي: أنّ مجموع جملتها يوجِب الوثوق بالصدور، وإن لم يوجِب الاستفاضة، إلاّ أنّها مع ذلك توصَف بالشذوذ من جهة مضمونها.

الثاني: إنّ الشيخ الصدوق وإن ذَكر حديثاً مع حذف إسناده، إلاّ أنّ مُعوله ومُعتمده - كما نبّه على ذلك الشيخ المفيد - هو على جملة أحاديث شاذّة لا على خصوص الحديث المفرد الذي ذكرهُ.

الثالث: إنّ الصدوق يعمل بالأخبار الشاذّة في نظر الشيخ المفيد.

الرابع: إنّ الأحاديث الشاذّة قابلة للحمل والتوجيه والتصوير بما يلائم بقيّة الأخبار، فينتهي ذلك إلى العمل بها.

الخامس: إنّ الأخبار الشواذ لا تُنافي وصف إسنادها بالصحّة والثبوت.

1 - ما ورد في شرح اعتقادات الصدوق في بحث القضاء والقدر (فصل، قال الشيخ أبو جعفر في القضاء والقدر: والكلام في القدر منهي عنه)، وروى حديثاً لم يَذكر له إسناداً، قال الشيخ المفيد: (عَمل أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذ، لها وجوه يعرفها العلماء، متى صحّت وثبتَ إسنادها ولم يقل فيه قولا محصّلاً) (1).

2 - قال الصدوق في تصحيح الاعتقاد في نزول الوحي: (اعتقادنا في ذلك أنّ بين عَيني إسرافيل...) (2).

قال الشيخ المفيد: (أخذهُ أبو جعفر من شواذ الحديث، وفيه خلاف لمَا قدّمه من أنّ اللوح مَلَك من ملائكة الله تعالى).

____________________

(1) تصحيح اعتقادات الإماميّة للشيخ المفيد: ص54، طبعة دار المفيد، بيروت.

(2) المصدر السابق: ص120.

٢٣٢

وهذا موضع آخر عند الشيخ المفيد: أنّ الصدوق يعمل بالأخبار الشاذة، وفيه يتّضح أنّ العمل بالشاذ عندهم ليس ممتنعاً إذا وجَد العامل به لذلك وجهاً أو سبيلاً.

3 - قال المفيد في كتابه الإفصاح ص125: (فإن قالوا: كيف يصحّ إكفار أهل البصرة والشام؟ وقد سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: (إخواننا بَغوا علينا)، لم ينفي عنهم الإيمان، ولا حَكمَ عليهم بالشرك والاكفار قيل لهم: هذا خبرٌ شاذ لم يأتِ به التواتر من الأخبار، ولا أجمعَ على صحّته رواة الآثار، وقد قابله ما هو أشهر منه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأكثر نَقَلة وأوضح طريقاً في الإسناد:

وهو أنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين بالبصرة والناس مُصطفون للحرب، فقال له: علامَ تقاتل هؤلاء القوم يا أمير المؤمنين ونستحلّ دمائهم، وهم يشهدون شهادتنا ويُصلّون إلى قبلتنا؟ فتلا (عليه السلام) هذه الآية رافعاً بها صوته: ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) ، فقال الرجل حين سمعَ ذلك: كفّار وربّ الكعبة، وكسرَ جفن سيفه، ولم يزل يقاتل حتى قُتل.

وتظاهرَ الخبر عنه (عليه السلام) أنّه قال يوم البصرة: (والله، ما قوتلَ أهل هذه الآية حتّى اليوم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ).

4 - ما ذكرهُ المفيد (رحمه الله) في كتابه الفصول المختارة ص274، عندما أوردَ رواية استدلّ بها العامّة قال: (أوّل ما في هذا الكلام أنّ الأخبار لا تتقابل ويحكم ببعضها على بعض، حتّى تتساوى في الصفة، فيكون الظاهر المستفيض مقابلاً لمثله في الاستفاضة، والمتواتر مقابلاً لمثله من التواتر، والشاذ مقابلاً لمثله في الشذوذ، وما ذكرناه عن مولانا (عليه السلام) مستفيض قد تواتر به الخبر على التحقيق، وما ذكره هذا الرجل عنه (عليه السلام) من الحديثين.

٢٣٣

أحدهما: شاذ وارد من طريق الآحاد، غير مرضي الإسناد.

والآخر: ظاهر البطلان؛ لانقطاع إسناده وعدم وجوده في نقل معروف في الثقات، وليس يجوز المقابلة في مثل هذه الأخبار، بل الواجب إسقاط الظاهرَ منها الشاذ، وإبطال المتواتر ما ضادّه من الآحاد.

وها هنا استعملَ الشيخ المفيد في قبال المتواتر تارة، وأخرى بمعنى الشذوذ في المضمون، وقد غايرَ بين معنى الشاذ ومعنى ضعيف الإسناد، فَجَعلهما وَصفين متعدّدين لا وصفاً واحد لمعنى واحد.

وغيرها من الموارد من هذا القبيل، ولم يَطلق على الضعيف أحد اسم الشاذ.

5 - ما ذكرهُ الشيخ المفيد ردّاً على الشيخ الصدوق في رسالته (1) العدديّة في الردّ عليه، حيث اعتمدَ الصدوق الحديث النادر أو الشاذ لترادفهما في مسألة: (أنّ شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقص)، فقال (رحمه الله): إنّ النوادر هي التي لا عَمل عليها، أشار بذلك إلى رواية حذيفة، كما يكشف عن ذلك وعن ترادفهما، قول الشيخ في التهذيب في هذه المسألة أنّه: (لا يصلح العمل بحديث حذيفة؛ لأنّ متنها لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة، بل هو موجود في الشواذ من الأخبار ) (2).

____________________

(1) لاحظ مقباس الهداية: ج1، ص253.

(2) تهذيب الأحكام: ج4، ص169.

٢٣٤

الأمر الثالث: كلامُ السيّد ابن طاووس

قال السيّد ابن طاووس في فتح الأبواب ص287، طبعة آل البيت، بعدما نقل روايات استخارة ذات الرقاع تعرّض لمناقشة حول رواياتها في كتاب المقنعة فقال: (وهذا آخر ما تضمّنته نسخته المشار إليها، ولم يُذكر عن شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان طعناً عليها، وهي أقرب إلى التحقيق؛ لأنّ جدّي أبا جعفر الطوسي لمّا شرحَ المقنعة بتهذيب الأحكام، لم يَذكر عند ذكره لهذه الرواية أنّ المفيد طعن، وإنّما وجدنا بعض نِسخ المقنعة فيها زيادة، ولعلّها كانت من كلام غير المفيد على حاشية المقنعة فنقلها بعض الناسخين فصارت في الأصل، ونحن نذكر الزيادة في بعض نِسخ المقنعة ونجيب عنها، وهذا لفظ الزيادة:

(وهذه الرواية شاذّة، ليست كالذي تقدّم، لكنّا أوردناها على وجه الرخصة، دون تحقيق العمل بها)، هذا آخر ما وجدناه عنه في بعض نِسخ المقنعة رضي الله جلّ جلاله عنه وأرضاه.

أقول: اعتَبِر هذه الرواية واعتَبر ما قيّد به قوله (رحمه الله)، أنّها شاذّة وقد ظهر لك حقيقة الحال ومعنى المقال، (هذه الرواية شاذّة) فإنّه لم يقل: كلّ رواية وردت في الاستخارة شاذّة، ولا قال: إنّ سبب شذوذها كونها يُعمل فيها بالرقاع، ولا قال: إنّ العمل بها شاذ، فقد ظهر بذلك أنّ قوله (هذه الرواية شاذّة) مُحتمل لعدّة وجوه:

الوجهُ الأوّل: لعلّ مراده (رحمه الله) أنّ هذه شاذّة؛ لأجل أنّه عَرف أنّ راويها عن الأئمّة (صلوات الله عليهم) لم يروِ غيرها عنهم، فإنّه ما ذَكر اسم رواتها.

الوجهُ الثاني: لعلّ مراده أنّ هذه الرواية شاذّة؛ لأجل أنّ راويها خاصّة كان رجلاً مجهولاً، لا يعرف بالرواية عن أهل البيت (عليهم السلام).

٢٣٥

الوجهُ الثالث: لعلّ مراده أنّ هذه الرواية شاذّة؛ لأجل كونها تضمّنت لفلان بن فلان ولم تتضمّن فلان بن فلانة، فإذا ذَكر فلان بن فلانة هو المألوف المعروف.

الوجهُ الرابع: لعلّ المراد أنّ هذه الرواية شاذّة، أنّها تضمّنت بسم الله الرحمن الرحيم....

الوجهُ الخامس: لعلّ المراد أنّ هذه الرواية شاذّة، كونهُ ذَكر فيها أوّلاً: (فإن خَرَجت....)، فإنّه كشفَ بذلك أنّ قوله (رحمه الله): (هذه الرواية شاذّة، وليست كالتي تقدّمت) مُحتمل لهذه الوجوه كلّها ولغيرها من التأويلات التي تدخل تحت الاحتمالات.

وأمّا قوله رضوان الله عليه: (لكنّا أوردناها على سبيل الرخصة، دون تحقيق العمل بها)، فاعلَم أنّ المفهوم من قوله (على سبيل الرخصة): أنّ العمل بها جائز وأنّها ليست كالروايات التي قدمّها قبلها، وهذا الجواز كافٍ مع ما ذكرناه من وجوه احتمالات شذوذها وضُعف نقلها، فإنّه لو لم يكن العمل بها جائزاً كانت بدعة وزيادة في شريعة الإسلام، وحاشا ذلك الشيخ العظيم المقام أن يودِع كتابه بدعة ليست من الشريعة المحمديّة، بل كان يُسقطها أصلاً ويحرِّمها على عادته في المجاهرة وترك التقيّة؛ ولأنّ الشيخ المفيد ذَكر في خطبة كتاب المقنعة أنّه ألّف ذلك، ليكون إماماً للمسترشدين ودليلاً للطالبين) انتهى.

ويظهر من كلام كلّ من المفيد، وابن طاووس عدّة أمور:

الأمرُ الأوّل: إنّ معنى الشاذ في الغالب هو غرابة المضمون، أو منافاته لمضامين بقيّة الأخبار، وقد يُستخدم فيما إذا قلّت رواية الراوي عن الأئمّة أو تفرّد هو بها، والوجوه الثلاثة الأخيرة التي ذكرها هي من الشذوذ في المضمون، بخلاف الوجهين الأوّليين، ومراده من كون الرجل مجهولاً أنّه لا يعرف بالرواية عنهم (عليهم السلام).

٢٣٦

الأمرُ الثاني: إنّه قد صرّح كلّ من المفيد وابن طاووس، أنّ الرواية الشاذّة يُرخّص في العمل بها والعمل بها جائز، ولا يكون العمل بها لزوماً تعينيّاً، وهذا الذي ذكره الشيخ المفيد، وشرحهُ ابن طاووس ووافَقهُ عليه، ينطبق بالدقّة على الذي صرّح به الشيخ الطوسي في المبسوط في روايات الشهادة الثالثة في الأذان، وهو ينطبق بالدقّة أيضاً على ما ذهبَ إليه العلاّمة الحلّي، والشهيد الأول.

الأمرُ الثالث: قد استدلّ السيّد ابن طاووس بقوله (يُرخّص العمل به): بأنّ الشيخ المفيد قد أودعَ في كتابه المقنعة رواية الرقاع وأوردها فيه، وذلك يدلّ على جواز العمل بها بنحو الرخصة، إذ لو لم يكن حُكم ذلك كذلك، كان بدعة وزيادة في الشريعة، وللزمَ إسقاطها وتحريم العمل بها، هذا مع أنّ الشيخ المفيد في المقنعة لم يَذكر سند الرواية، وإنّما قال: (ورويَ)، ثُمّ ذَكر مضمون الرواية ووَصَفها بالشاذّة في بعض النِسخ، وهذه الصورة بعينها قد أتى بها الشيخ الصدوق في الفقيه، والشيخ الطوسي في المبسوط، والعلاّمة في كتبه، والشهيد الأوّل في كتبه، ممّا يُعزِّز أنّ إيرادهم وإيداعهم لمضمون الروايات لا رواية واحدة في كتبهم، يقتضي الرخصة في العمل بها، كما صرّح بذلك الشيخ في المبسوط حيث قال: (فأمّا قول أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين، وآل محمّد خير البريّة، على ما ورد في شواذ الأخبار، فليس بمعوّل عليه في الأذان، ولو فعلهُ الإنسان لم يأثم به).

أقول: يُلاحظ في كلام المفيد (قدِّس سرّه)، أنّه استعملَ الخبر الشاذ في قبال المتواتر، وفي مقابل ما أُجمِع على صحّته، وفي مقابل ما هو أشهر وأكثر نَقَلة،

٢٣٧

وفي مقابل ما هو أوضح طريقاً (أي: أصحّ طريقاً)، فهذه أربعة معاني للشاذ، بل ولو قسّمنا الشهرة إلى العمليّة والروائيّة، لأصبحت المعاني خمسة، ويطابق بعض هذه المعاني ما وردَ في مصحّحة عمر بن حنظلة في قوله (عليه السلام): (المُجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حُكمنا، ويُترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المُجمع عليه لا ريب فيه) الكافي: ج1، ص67.

الأمرُ الرابع: كلامُ الشيخ المامقاني

قال الشيخ المامقاني في كتابه مقباس الهداية: ج1، ص255: (الشاذ: وهو على الأظهر الأشهر بين أهل الدراية والحديث هو ما رواه الثقة، مخالفاً لمَا رواه جماعة ولم يكن له إلاّ إسناد واحد، فخرج بقيد الثقة المُنكر والمردود، وبقيد المخالفة المفرد بأوّل معنييه المزبورين،... وهناك أقوال أُخر شاذّة ساقطة، وما ذكرناه تبَعاً للأكثر هو الفصل).

ويلاحَظ ممّا ذُكِر عن عبارات وأقوال أرباب علم الدراية:

1 - أنّ التعريف الشاذ لديهم، هو ما رواه الثقة مخالفاً لمَا رواه الأكثر.

2 - ذهاب الشهيد الثاني إلى العمل بقسمين من الأقسام الثلاثة للشاذ، وهناك مَن ردّ الشاذ مطلقاً، ومنهم مَن قبله مطلقاً.

3 - أنّه قد حصلَ الخلط بين الشاذ والمنكر، وقد أوجب تسرية أحكام المنكر إلى الشاذ ممّا سبب الخلط في صفة الحجيّة، مع أنّ الشاذ أقرب إلى النادر منه إلى المنكر.

4 - أنّه قد اتّفق وحصلَ لجملة من أعلام الطائفة العمل بالخبر الشاذ، كما حصل للصدوق في روايات العدد في شهر رمضان، والمفيد، والشيخ الطوسي كما في رواية التوضؤ في أثناء الصلاة والبناء على ما سبق.

٢٣٨

5 - أنّ أحد معاني الشاذ عدم وجوده في الأصول الروائيّة المصنّفة المشهورة، وإن كان فرديّاً بطريق الثقاة.

6 - قد صرّح جملة منهم بحجيّة العمل بالشاذ إذا تحلّى بصفات مرجّحة، وبعض منهم بنى على العمل به إن لم يكن فيه صفات المزبورة.

٢٣٩

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420