الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة9%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108498 / تحميل: 6631
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وقال أيضاً في مستمسكه (قدِّس سرّه) - بعد أن نقلَ كلام الشيخ في المبسوط، وكلام الصدوق في الفقيه، واستعراضه لطوائف الروايات التي أوردها الصدوق، ونقلَ كلام العلاّمة في المنتهى -: (لكنّ هذا المقدار لا يمنع من جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميّتها في نفسها، وردّ الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق الموجِب لاحتمال المطلوبيّة، كما أنّه لا بأس بالإتيان بقصد الاستحباب المطلق؛ لمَا في خبر الاحتجاج - نَقل الخبر - بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيّع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً لكن لا بعنوان الجزئيّة من الأذان، ومن ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ، والعلاّمة، والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها، وأيّد ذلك بخبر القاسم بن معاوية المروي عن احتجاج الطبرسي.

٦- قال الشيخ مرتضى آل ياسين (قدِّس سرّه): (ومنه يظهر لك وجه القول بجواز ذِكر الشهادة الثالثة في الصلاة، فضلاً عن الأذان والإقامة) (١).

٧- قال السيّد الخوئي (قدِّس سرّه): (نعم، قد يقال: إنّ رواية الاحتجاج تدلّ عليه بصورة العموم، فقد روى الطبرسي في الاحتجاج عن القاسم بن معاوية عن الصادق (عليه السلام) أنّه: (إذا قال أحدكم لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل علي أمير المؤمنين)، لكنّها لضعف سندها غير صالحة للاستدلال إلاّ بناءً على قاعدة التسامح، ولا نقول بها كما عرفتَ.

____________________

(١) رسالة سرّ الإيمان: ص٧٨، السيّد عبد الرزاق المقرّم.

٢٦١

ولعلّ ما في البحار من كون الشهادة من الأجزاء المستحبّة، مستند إلى هذه الرواية، وما عرفتهُ من شهادة الصدوق، والشيخ، وغيرهما بورود النصوص الشاذّة.

هذا، ولكنّ الذي يهوِّن الخَطب أنّنا في غنىً من ورود النص، إذ لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة في نفسها، بعد أن كانت الولاية من مُتمّمات الرسالة ومقوّمات الإيمان، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، بل من الخَمس التي بُني عليها الإسلام، ولاسيّما قد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعار، وأبرز رموز التشيّع وشعائر مذهب الفرقة الناجية، فهي إذاً أمر مرغوب فيه شرعاً وراجح قطعاً في الأذان وغيره، وإن كان الإتيان بها فيه بقصد الجزئيّة بدعة باطلة، وتشريعاً محرّماً حسبما عرفتَ) (١).

أقول: ويستفاد من قوله جملة أمور:

أوّلاً: إلفاته (قدِّس سرّه) كون ما أورده الصدوق في الفقيه، هي روايات محذوفة السند إلاّ أنّها في الأصل الذي نَقل عنه الصدوق هي مسندة متصلة، وإنّ عبارة كلّ من الصدوق، والشيخ في المبسوط والنهاية، شهادة لوجود تلك النصوص وورودها في الأصول الروائيّة.

الثاني: إنّ تقييمه لاعتبار تلك النصوص، أنّه وَصفها بالشذوذ بمعنى غير المعمول به لا بمعنى ضعف السند.

____________________

(١) مستند العروة الوثقى: ج١٣، ص٢٥٩ - ٢٦٠.

٢٦٢

الثالث: تقريره (قدِّس سرّه) بكون الأذان شعيرة إيمانيّة أو محلاً للشعائر الإيمانيّة، وهذا مطابق لمصحّح (١) الفضيل بن شاذان في رواية العِلل المتقدّمة، وابن أبي عمير، وابن سنان، خلافاً لمَا ذهبَ إليه الشيخ جعفر كاشف الغطاء من أنّ الأذان شعار للإسلام، وقد مرّ أن قد ذهبَ إلى أنّ الأذان شعيرة إيمانيّة أو محلاً للإيمان جملة من العلماء: كالشهيد الأوّل (٢) ، والثاني (٣) ، وصاحب الرياض (٤).

بل اعتبرها من أجلى الشعائر الدينيّة، وأبرز رموز التشيّع ومذهب أهل البيت (عليهم السلام).

الرابع: أنّه قد استفاد قطعيّة رجحان ذِكر الشهادة الثالثة في الأذان وغيره، من خلال كون الولاية من مُتمّمات الرسالة ومقوّمات الإيمان، ومن كمال الدين بمقتضى آية الغدير، وبمقتضى الروايات المستفيضة في أنّ الإسلام بُني على خمس أعظمهنّ الولاية، كما مرّت الإشارة إلى ذلك في طوائف الروايات العامّة، فما أبعدَ ما بين ما ذهبَ إليه المشهور من قطعيّة رجحان ذِكر الشهادة الثالثة - كما صرّح بذلك المجلسي الأوّل والمجلسي الثاني كما تقدّم - وبَين مَن يستعصي عليه فهمّ رجحان ذِكر الشهادة الثالثة التي هي من أصول الدين.

____________________

(١) أبواب الأذان والإقامة: باب ١٩، ح١٤ - ١٥ - ١٦.

(٢) الدروس: ح١، ص ١٦٢ طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي.

(٣) الروضة البهيّة في بحث الأذان.

(٤) رياض المسائل: ج١، ص ١٥١.

٢٦٣

وقفةٌ أو محاكمة مع الحُكم بالبدعيّة

إنّ ما قاله (قدِّس سرّه) (١) ببدعيّة مَن قَصد الجزئيّة وكونه تشريعاً محرّماً، لا يتمّ مع ذهاب الشيخ الطوسي، والعلاّمة الحلّي، والشهيد الأوّل إلى أنّ العامل بالنصوص الشاذّة التي شهد بورودها الصدوق، والشيخ وغيرهما العامل بمضمونها - أي العمل بكون الشهادة جزءاً، لا بمجرّد التأذين بها بعنوان الرجحان العام، إذ هو ليس عملاً بمضمونها - غير آثم عند الأعلام الثلاثة، ومع وجود المَدرك المحتمل كيف يحكم بالبدعيّة، بل قد مرّ فتوى السيّد المرتضى أنّ المؤذِّن بها كذلك - أي كفصل - لا شيء عليه، كما مرّت (٢) فتوى ابن برّاج (٣) ، والشهيد الأوّل (٤) باستحباب مضمون أحد تلك الطوائف التي شهد بورودها الصدوق، بل قد تقدّم استظهار فتوى الشيخ في المبسوط بجواز العمل بها.

وبعبارةٍ أخرى: إنّ البدعيّة لا يَحكم بها أحد المجتهدين على الآخر بمجرّد اختلاف النظر والاجتهاد، وإلاّ لكان اللازم أن يحكم المجتهدون بالبدعيّة على بعضهم البعض في كلّ ما اختلفوا فيه من الفروع الفقهيّة، ومجرّد عدم نهوض الدليل في نظر جماعة ولو المشهور، لا يوجب نفي الدليليّة لدى البعض الآخر والحكم بالبدعيّة، وقد مرّ أنّ الطوائف الثلاث مع الشواهد العديدة من كلام: الصدوق، والشيخ الطوسي، وكلام السيّد المرتضى، وابن برّاج، والشهيد، والعلاّمة ما يصلح لوثوق صدور تلك الروايات،

____________________

(١) مستند العروة الوثقى: ج١٣، ص٢٥٩ - ٢٦٠، تقريراً لأبحاث السيّد الخوئي.

(٢) الفصل الأوّل: الجهة الأولى، البحث عن الطوائف الأولى.

(٣) المهذّب: ج١، ص ٩٠ طبعة جماعة المدرّسين.

(٤) الذكرى: ج٣، ص ٢٤١ طبعة قم.

٢٦٤

ومن ثُمّ نفى الشيخ الطوسي الإثم عمّن عملَ بمضمون هذه الروايات - أي قال بالجزئيّة الواجبة وضعاً في الأذان؛ لأنّه مضمون تلك الطوائف الثلاث التي رواها الصدوق - ولكن خطّأه أي بالتخطئة الاجتهاديّة من دون أن يَحكم بالبدعيّة، بل حَكم بمعذوريّة العامل بتلك الروايات.

وكذلك موقف العلاّمة الحلّي، والشهيد الأوّل، بل السيّد المرتضى قد أفتى بنفي البأس عمّن يؤذِّن بها بقصد الجزئيّة، كما مرّ في رسالته المبافارقيات، وكذلك القاضي ابن برّاج قد أفتى باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان، وظاهره الجزئيّة، ولكن يأتي بها بإخفات أي مستسراً، وقد أفتى بذلك الشهيد الأوّل أيضاً كما مرّ، كما أنّ الشيخ الطوسي في المبسوط والمحقّق وغيرهم، قد أفتوا باستحباب الشهادة الثالثة في حكاية الأذان، مع أنّ اللازم في الحكاية المطابقة مع فصول الأذان المسموع.

إلى غير ذلك من صنوف الفتاوى المستندة إلى صنوف ألسن طوائف الروايات الواردة التي مرّ ذكرها.

أقول: هذا مضافاً إلى السيرة المتقدّمة من الصحابة إلى الرواة من أصحاب الأئمّة، إلى سيرة الطائفة المتصلة بالغيبة الصغرى وسيرة الدول الشيعيّة، والتي قد دَللنا على وجودها في المصادر التاريخيّة المتعدّدة المتسالمة على وقوعها، بنحوٍ لا يقلّ عن سائر السيَر المتشرّعيّة المعتمدة في الفروع الفقهيّة، بل إنّهم يعتمدون على سِيَر هي دون هذه السيرة الضاربة المنتشرة في البلدان، المتواجدة فيها الطائفة الشيعيّة بنحو متّصل بالغيبة الصغرى.

٢٦٥

هذا، فضلاً عن إمكان توظيف الطوائف العامّة بقرائن تقريبيّة خاصّة تجعلها بمثابة الطوائف الخاصّة، فمع كلّ هذا الكم من وجوه الأدلّة إن لم يصلح لإثبات الجزئيّة، فهو صالح قطعاً للمعذريّة لمَن يبني على تماميّة هذه الوجوه، فلا أقلّ من كون هذه الوجوه رافعه ومزيلة لموضوع قاعدة البدعيّة، وإلاّ كان اللازم الحكم ببدعيّة ما ذَهب إليه المتقدّمون في المقام ممّا مرّ فتاواهم بالشهادة الثالثة في الأذان.

قول إفراطي:

ثُمّ إنّ الأغرب في المقام، مَن شَذّ وحَكم بالبدعيّة في المقام أي: في ذِكر الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، وإن لم يقصد بها الجزئيّة فيما إذا أُتي بها مكرّرة مرّتين كهيئة فصول الأذان والإقامة، أي قَصد بها الندبيّة العامّة، والحري أن يُحكم عليه بالبدعيّة في حكمه هذا؛ لأنّه حَكم بالبدعيّة بلا مستند ولا ميزان، بل على خلاف المستند، فإنّه لم يرتاب أحد من المشهور بقطعيّة الندب - كما مرّت كلماتهم - فكم فرق شاسع بين دعوى المشهور بقطعيّة الندبيّة العامّة الشاملة للأذان وبين دعوى قطعيّة العدم، ولربّما بنى القائل المزبور قطعه بعدم الندبيّة العامّة على عدم إيمانه بثبوت أدلّة إمامة أمير المؤمنين، وأنّ الإقرار بها باللسان لا صلة له بالإيمان، أو أنّ الإقرار بالإيمان لا صلة له بالإسلام، هذا، وقد يستدلّ للحرمة:

أوّلاً: بأنّها بدعة وزيادة في العبادة التوقيفيّة الموظّفة من الشارع.

ثانياً: بحصول الإيهام بالجزئيّة وهو تغيّر لرسم الأحكام الدينيّة؛ وذلك بسبب تشاكل وتماسك صورة التكرار عدواً لفصول الأذانين.

٢٦٦

ثالثاً: بلزوم جواز الشهادة الثالثة في الصلاة أيضاً، واللازم ممنوع فمقدّم الملزوم مثله.

وفيه:

أوّلاً: ما مرّ من تماميّة المستند لدى جملة من المتقدّمين للجزئيّة الوصفيّة، فضلاً عن الندبيّة العامّة، بل قد ذكرنا جملة من المشهور حصول القطع من الأدلّة على الندبيّة العامّة، كيف لا؟ والولاية هي تمام الدين وشرط رضى الرب بالإسلام كدين توحيد، ومعاد، ونبوّة، ثُمّ لو تعامينا عن كلّ ذلك فإنّ اتخاذ الشهادة الثالثة في الأذان كشعار لولاية أهل البيت، ليس من الإحداث في الدين بعد عدم قصد الجزئيّة، وأيّ إيهام للجزئيّة مع تصريح الأكثر بعدم الجزئيّة في الكتب الفقهيّة.

وأمّا تخيّل الجاهل المقصّر - لتعلّم الأحكام من الكتب المعدّة لمعرفة الفقه والوسائل المنصوبة وأهل العلم - فلا وقعَ له ولا يُحسب له حساب، وإلاّ للزمَ أن نغيّر عمّا هي عليه بحسب تهاون الجاهل في تعلّم الأحكام، واطّرد ذلك في جملة من الأبواب، والتكلّم في الأثناء بذكر الله وما هو بحكمه سائغ في الأذان، بل التكلّم بالكلام العادي في الأثناء - كما تقدّم - مكروه لا محرّم وضعيّاً يُبطل الأذان والإقامة، فضلاً عمّا نحن فيه؛ لأنّ الكراهة غير شاملة.

ثانياً: إنّ عدم الجزئيّة كما عرفتَ ليس من المسلّمات القطعيّة، بل هي مسألة اجتهاديّة، كما قد عرفتَ أنّه ومرّ إفتاء جملة من القدماء بها، حتّى أنّ الشيخ في قوله: (ومَن عَمل بمضمونها لم يأثم) يشير إلى وجود بعض الأصحاب العاملين بها، وقد أفتى الشيخ بعدم حرمة العمل بها بقصد الجزئيّة، وإن وَصفَ ذلك في النهاية بأنّه مخطئ، ومعنى التخطئة هو الاختلاف في الاجتهاد لا الحكم بالبدعيّة، كما توهّم القائل المزبور، وقد حرّر كلام الشيخ كلّ من: العلاّمة في المنتهى، والشهيد في الدروس.

٢٦٧

هذا، مضافاً إلى اعتراف الشيخ، والصدوق، والعلاّمة، والشهيد بورود الروايات، بل في الفقيه روى وأوردَ طوائف الروايات الثلاث لتلك الروايات، وإن غفلَ عن ذلك جملة من متأخّري المتأخّرين، وقد مرّ مفصّلاً أنّ الاختلاف في الاجتهاد لا يؤدّي إلى نسبة أحد الاجتهادين إلى البدعة، كما لا يخفى على المتفّقه فضلاً عن الفقيه، ولذلك قال الشيخ في النهاية بأنّ العامل بتلك الروايات الدالّة على الجزئيّة مخطئ، وهو معنى التخطئة والتصويب في الاجتهاد عند الاختلاف لا الحكم بالبدعة، كما توهّم القائل المزبور، وكذا تابعهُ العلاّمة في المنتهى، والشهيد في الدروس، وقد عرفتَ فتوى ابن برّاج في المهذّب ببعض مضمونها.

ثالثاً: بل لو سلّمنا التقصير في اجتهاد مَن ذهبَ إلى الجزئيّة؛ فإنّ ذلك لا يستلزم البدعة، كما هو الحال في سائر الموارد والاختلافات في الاجتهادات الظنيّة، والحاصل أنّ الزيادة القطعيّة في الدين هي البدعة، أو ما ليس عليه دليل أصلاً، لا ما عليه دليل ولو بحسب الأنظار الأخرى.

رابعاً: إنّك عرفتَ ممّا تقدّم من العديد من الروايات، استحباب تكرار الشهادة الثالثة بعدد تكرار الشهادتين، وبنحوٍ منفصل عنهما غير متداخل كهيئة فصول الأذان، فمعَ مسلّميّة الاستحباب المطلق في الأذان وغيره لإكمال وإقرار الشهادتين بالثالثة، لنا أن نبني على استحباب هذه الهيئة الخاصّة المماثلة لفصول الأذان، سواء في الأذان وغيره، وعلى كلّ حال الإقرار بحصول الإيهام من المستشكل، شاهد على وجود الدلالة في تلك الروايات المشار إليها على جزئيّة الشهادة الثالثة ندباً في الأذان؛ لأنّ المفروض أنّها تدلّ على هيئة مماثلة لهيئة فصول الأذان، والمفروض في حصول الإيهام فليس ذلك إلاّ للإيماء للأذان، فتدبّر، وقد أشرنا إلى هذه الدلالة سابقاً فراجع.

٢٦٨

خامساً: وأمّا لزوم الجواز للشهادة الثالثة في الصلاة أيضاً ففيه:

ألف: عدم معلوميّة انتفاء ذلك، فقد ذهبَ إليه جماعة من هذه الأعصار، كما أشار إلى هذا القول في المستمسك، ويمكن أن يُستدلّ له بما ورد في التشهّد بطُرق معتبرة من اختلاف الصيَغ المندوبة فيه، المتضمّنة للتشهّد بالعديد من الأمور الاعتقاديّة الحقّة، ممّا يُستشفَ منه ندب التشهّد بالأصول الاعتقاديّة الحقّة، ويدلّ على مشروعيّة ذِكرها في التشهّد، العموم في رواية بكر بن حبيب قال، قلتُ لأبي جعفر: أيّ شيء أقول في التشهّد والقنوت؟ قال: (بأحسن ما عَلمتَ؛ فإنّه لو كان موقتاً لهلكَ الناس) (١).

وقد تقدّمت رواية الفقه الرضوي المتضمّنة لذلك في التشهّد، وكذا يُستشفَ ممّا وردَ في دعاء التوجّه من ذِكر آل محمّد (عليهم السلام)، في بعض كيفيّاته التي يؤتى بها بعد تكبيرة الإحرام، وأيضاً يمكن أن يُستدلّ بما ورد من جواز الصلاة على النبي وآله في الصلاة؛ فإنّ فيه ذِكرهم (عليهم السلام)، وكذا يُستدلّ بعموم ما ورد من أنّ ذكرهم (عليهم السلام) ذِكر الله، فيندرج فيه فيسوّغ في الصلاة، ولا ريبَ في الاندراج بعد كون إمامتهم وولايتهم فعل الله تعالى وجعله كالرسالة، فهي وجهة الله وشطره، ووجهه وعلم نَصَبه لصراطه.

باء: عدم لزوم ذلك، حيث إنّ الصلاة يُمنع فيها من التكلّم بغير ذكر الله تعالى أو قراءة الأذان، ولاسيّما الكلام الحقّ فيه.

____________________

(١) أبواب التشهّد: الباب ٥، ح١، ٣.

٢٦٩

ج: بورود الروايات في الأذانين التي تقدّم إمكان اعتبارها فيهما دون الصلاة.

وأمّا القول بالكراهة: فقد يُستدلّ له بالكراهة للتكلّم في الأذان ويشتدّ في الإقامة، فيكون مكروهاً وإن كان راجحاً ذاتاً.

وفيه: إنّك عرفتَ من صحيح زرارة الوارد في الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما ذُكر - وإن كان في الأذان - دلالته على انصراف الكراهة عن الكلام الحق الذي هو من مستحبّات الشهادة الثانية، وكلّ من الصلوات والشهادة الثالثة من المستحبّات المشخّصة المفردة للشهادة الثانية.

قال السيّد عبد الأعلى السبزواري (قدِّس سرّه) تعليقاً على متن العروة: أنّ الشهادة الثالثة ليست بجزء؛ لعدم التعرّض لها في النصوص الواردة في كيفيّة الأذان والإقامة، ولكن الظاهر أنّه لوجود المانع لا لعدم المقتضي، ويكفي في أصل الرجحان جملة من الأخبار - ثُمّ ذَكر خبر الاحتجاج، وخبر أنّهم أوّل الخلقة، وأنّهم نُوّه بأسمائهم بالشهادات الثلاث، والرواية الواردة في الوضوء أنّ من مستحبّات أذكار الوضوء الخاصّة الشهادات الثلاث، وأشار إلى غيرها من الأخبار - إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبّع الواردة في الموارد المتفرّقة، التي يستفاد من مجموعها تلازم تشريع الشهادات الثلاثة - مع استظهار جمع من الأساطين - كالشهيد، والشيخ، والعلاّمة - رجحانه في الأذان، وهذا المقدار يكفي بعد التسامح في أدلّة السُنن، وهم يتسامحون في الحكم بالاستحباب - في جملة من الموارد - بأقلّ قليل من ذلك، كما لا يخفى، وقد صارت الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة من شعار الإماميّة خَلَفاً عن سلف من العلماء، وطريق الاحتياط الإتيان بها رجاءً.

٢٧٠

ويستفاد من قوله (قدِّس سرّه) جملة أمور:

الأوّل: إنّ من مجموع الطوائف يستفاد رجحان تلازم الشهادات الثلاث مطلقاً ولو في الأذان.

الثاني: استظهاره من كلام الشيخ، والعلاّمة، والشهيد إفتائهم برجحان الشهادة الثالثة في الأذان، وقد مرّ في الفصل الأوّل وفي الجهة الأولى عند البحث في الطوائف الثلاث، ذِكر الشواهد لهذا الاستظهار من كلامهم.

الثالث: إشارته إلى قاعدة التسامح في أدلّة السُنن، وأنّ ديدن المشهور على إجرائها في روايات أضعف صدوراً بالقياس إلى الروايات المتضافرة في المقام المدّعى ضعفها.

وذَكر السيّد اليزدي في العروة، في تعقيبات الصلاة في فصل استحباب الصلاة على النبي حيثما ذُكر، أو مَن ذُكر عنده، ولو كان في الصلاة وفي أثناء القراءة، بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها.

وقال في مسألة ٧: إذا أراد أن يصلّي على الأنبياء، أوّلاً يصلّي على النبي وآله، ثُمّ عليهم، ففي الخبر عن معاوية بن عمّار قال: ذَكرت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) بعض الأنبياء، فصلّيتُ عليه، فقال (عليه السلام): (إذا ذُكر أحد من الأنبياء، فابدأ بالصلاة على محمّد وآله ثُمّ عليه).

أقول: ويظهر من كلامه، أنّ ذِكر النبي وآله يندرج في أذكار الصلاة، ومن ثُمّ لا يُمانع من الصلاة على النبي وآله في كلّ الأحوال حتّى في حال الصلاة، ثُمّ لا يخفى أنّ فيه تقديم للصلاة على الآل قبل الصلاة على الأنبياء فتدبّر.

٢٧١

وقال أيضاً في العروة مسألة ٤٣: ربّما يقال بجواز البكاء على سيّد الشهداء أرواحنا فداه في حال الصلاة وهو مشكل، وعلّق على هذه المسألة جملة من أعلام العصر ومنهم:

١- السيّد الخوئي: أظهره الجواز فيما إذا قَصد به التقرّب إلى الله، والأحوط تأخيره إلى خارج الصلاة.

٢- الميلاني: الأظهر أنّه من أفضل الأعمال المتقرّب بها إليه سبحانه، فالأقرب جوازه.

٣- القمّي: إذا كان بقصد التقرّب إلى الله ولم يكن ماحياً لصورة الصلاة، فلا إشكال فيه.

٤- الشاهرودي: الظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال فيه إذا كان لرجحانه شرعاً وأنّه من أفضل القُربات، نعم، الأحوط الترك إذا كان البكاء عليهم من أجل الرحميّة وغيرها من الأمور الغير دينيّة، ولم يكن ماحياً لاسم الصلاة، كما أنّ منع الموجبة للمحو المذكور لا يُعاقد بما أتي به مطلقاً، وإن لم يكن عن تعمّد واختيار.

٥- آل ياسين: لا ينبغي الإشكال، بل هو من أفضل الطاعات.

٦- الجواهري: والأقوى الجواز.

٧- كاشف الغطاء: لا ينبغي الإشكال؛ لأنّه من أفضل القُربات فلا تشمله الأخبار الناهية.

٨- النائيني: الظاهر أنّه ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

أقول: والوجه في بنائهم على جواز البكاء على سيّد الشهداء حال الصلاة، هو كون ذكرهم (عليهم السلام) عبادة لله تعالى،

٢٧٢

حيث إنّ ذِكرهم ذِكر لله تعالى، سواء كان الذكر الحالي أو القولي.

هذا، وقد جمعَ المحقّق المتتبّع السيّد عبد الرزاق المقرّم في رسالته سرّ الإيمان، ما يقرُب من مائة فتوى لعلماء من عهد المجلسيين إلى يومنا هذا، وهذا يعطي معنى التسالم الفقهي عند علمائنا في الاستحباب العام للشهادة الثالثة.

٢٧٣

الجهةُ الثانية

روايات الندبيّة الخاصّة

وافتراق هذا الوجه عن الوجه الأوّل: أنّ في الأوّل كان البحث هو عن جزئيّة الشهادة الثالثة في فصول الأذان على حذو بقيّة الفصول، أي تكون الشهادة الثالثة وجوبها وضعيّاً في الأذان، أي دخيلة في صحّته، وممّا لابدّ منها في صحّة الأذان، بخلاف الوجه الثاني فإنّه غير دخيل في الصحّة؛ وإنّما هو بيان المشخّصات المفردة الدخيلة في كمال ماهيّة الأذان الواردة بالخصوص فيه، كما هو الحال في الجزء الندبي بالأمر الخاص في كلّ مركّب.

كما أنّ الوجه الثاني يُغاير الوجه الثالث، وهو الندبيّة العامّة إثباتاً وثبوتاً، فإنّ الأمر بالندبيّة الخاصّة لابدّ أن يكون أمراً خاصّاً وارداً في ماهيّة المركّب، وأمّا الأمر في الندب العام فلا يكون خاصّاً، بل عامّاً شاملاً لماهيّات متعدّدة ولموارد كثيرة.

ومن ثَمّ قد يقال في الأمر العام باحتياجه إلى مقدّمة وضميمة تبيّن مشروعيّة ضمّه إلى الماهيّة الخاصّة، نظراً لكون الماهيّات ذات وحدة ارتباطيّة خاصّة، وهذا بخلاف الأمر الخاص بالفعل الندبي؛ فإنّه لا يحتاج إلى تلك المقدّمة لوروده بالخصوص فيها، كما أنّ الجزء الندبي الخاص دخيل في كمال الماهيّة، من حيث هي هي أي بعنوانها الذاتي الخاص بها، وأمّا الندب العام فهو دخيل في كمال الماهيّة بعنوان عام، كعنوان أنّ الأذان ذِكر ومجلس ونحو ذلك.

٢٧٤

الطوائفُ الروائيّة الخاصّة

وقد تقدّم جملة وافرة منها، وهي الطائفة السادسة من الفصل الأوّل لبيان الوجه الأوّل، وقد كانت على ألسن متعدّدة نظير ما ورد من تسميتهم (عليهم السلام) في الصلاة، كصحيحة الحَلَبي وغيرها، ممّا دلّ على أنّ ذِكر أسمائهم مع وصفهم بالإمامة هو من الأذكار الصلاتيّة الخاصّة.

وقد تقدّمت فتوى: العلاّمة، والصدوق، والمفيد، والطوسي، والنراقي، والأردبيلي وغيرهم بها، وكذلك في التشهّد، وصلاة التشهّد، والتسليم، ودعاء التوجّه، وخطبة الجمعة المتضمّنة لذكر أسمائهم مع كونها جزء الصلاة، حيث قد مرّ تقريب دلالتها بنحو ينطبق مع الوجه الأوّل، وهو الجزئيّة بنحو الوجوب الوضعي وإن لم يكن مفادها ذلك ابتداءً مطابقة، إلاّ أنّه بقرائن منضمّة تتكوّن الدلالة الالتزاميّة لها، وإلى هذه الفذلكة الصناعيّة وهي تقريب الدلالة المطابقيّة العامّة وتنزيلها على مفاد الدلالة الالتزاميّة الخاصّة، أشار صاحب الجواهر في المقام بقوله: (لولا تسالم الأصحاب لأمكنَ دعوى الجزئيّة بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوصيّة، والأمر سهل) (١) .

وعلى تقدير غضّ النظر عن تلك الفذلكة والتقرير المتقدّم، فدلالتها المطابقيّة الابتدائيّة هو كون الشهادة الثالثة من الأذكار الخاصّة بالصلاة وتوابعها، وقد مرّ بيان ذلك مفصّلاً من أنّ مفادها المطابقي هو الندبيّة الخاصّة، أي الجزء الندبي الذي هو شرط في الكمال، بخلاف الجزء الوجوبي الوضعي؛ فإنّه شرط في صحّة المركّب وإن كان المركّب برمّته مستحبّاً فلاحظ.

____________________

(١) الجواهر: ج٩/ ٨٦ - ٨٧.

٢٧٥

الجهةُ الثالثة

عناوينُ الطوائف الروائيّة العامّة

وهي جملة من الطوائف العديدة التي لسانها المطابقي ابتداءً ينطبق على الوجه الثالث وهو الندبيّة العامّة، إلاّ أنّه بضميمة جملة من القرائن تأتلف دلالتها على الندبيّة الخاصّة، بل قد مرّ في الفصل السابق تقريب دلالتها في جملة من القرائن على الوجه الأوّل، وهي الجزئيّة بنحو الوجوب الوضعي، إلاّ أنّ الكلام في المقام - مع غضّ النظر عن ذلك التقريب المتقدّم، وملاحظة سياق آخر للقرائن - لتقريب الندبيّة الخاصّة، وأهمّ تلك القرائن عمدةً، هي أنّ هذه الطوائف المستفيضة بل المتواترة معنىً، تُركّز في مجموعها وتصبّ في بيان أنّ للإقرار بالشهادة والتشهّد حقيقة شرعيّة، هي مجموع الشهادات الثلاث مقترنة، فيعمل الاستعمال الشرعي عليه.

وفي البدء نُسرد نُبذاً من متون هذه الطوائف، ونذكر في طيّاتها تلك القرائن الخاصّة المنضمّة، ثُمّ ننتهي إلى تلخيص الدلالة، مع العلم بأنّها متواترة سنداً ودلالة، فالتوقّف في دلالتها الإجماليّة - على رجحان الاقتران للشهادات الثلاث، أو التوقّف في صدورها المستفيض المتواتر - ناشئ من عدم التتبّع، وعدم التأمّل والتدبّر حقّه.

٢٧٦

٢٧٧

الطائفةُ الأولى

ندبيّة اقتران الشهادات الثلاث

وهي الدالّة بالصراحة على استحباب التلازم والتقارن بين الشهادات الثلاث مطلقاً، والغريب من جملة من الأعلام أنّهم اكتفوا برواية الاحتجاج في استحباب التقارن، ولم يذكروا الجمّ الغفير من الروايات الأخرى الدالّة على نفس المضمون وبنحو أصرح.

الأولى: رويَ عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن قال (لا إله إلاّ الله) تفتّحت له أبواب السماء، ومَن تلاها بـ (محمّد رسول الله) تهلّل وجه الحقّ سبحانه واستبشر بذلك، ومَن تلاها بـ (عليّ وليّ الله) غفرَ الله له ذنوبه، ولو كانت بعدد قطر المطر) (١).

وهذه الرواية وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّ مدلولها في بالغ الأهميّة، حيث إنّ الراوي لهذه الرواية هو الهاشمي الصحابي عبد الله بن عبّاس، وعلى تقدير تماميّة السند - ولو بالانجبار والتعاضد مع الرواية الأخرى المُسندة عن عبد الله بن عبّاس أيضاً، والتي رواها فرات الكوفي في تفسيره، والتي تقدّمت في الطائفة الرابعة من الفصل الأوّل، حيث تضمّنت تقارن الشهادات الثلاث في نداء المَلَك المقارن لأذان وإقامة جبرائيل لصلاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)في ليلة المعراج، فعلى تقدير تعاضد هذه الرواية ولو بما صدر عن أهل البيت (عليهم السلام) - يُحكم بندبيّة تقارن الشهادات الثلاث.

____________________

(١) الفضائل لابن شاذان: ص ٩٣، البحار: ج٣٨، ص ٣١٨.

٢٧٨

تنبيه

هذه الرواية دالّة على أنّ الحثّ النبوي على تقارن الشهادات الثلاث، كان في الصدر الأوّل إيعازاً إلى ذِكر الشهادة الثالثة، وفتحاً لباب النداء بها في الأذان.

الثانية: موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما اجتمعَ في مجلس قوم لم يذكروا الله، ولم يذكرونا، إلاّ كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة)، ثُمّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (إنّ ذِكرنا من ذِكر الله، وذكر عدوّنا من ذِكر الشيطان) (١).

وفي هذه الموثّقة لم يُقصر على التحريض على ذِكر الله في كلّ مجلس، بل قَرنهُ لذكرهم (عليهم السلام)، فلا تنتفي الحسرة يوم القيامة إلاّ باقتران الذِكرين، وفي هذا تحريض أكيد على الاقتران في الشهادات الثلاث والحثّ البالغ على ذلك، وفي هذا النمط من لسان الأمر بالاقتران، فُتح لباب الاقتران في الأذان أيضاً ودُفع لممارسته فيه.

الثالثة: روى عبد الله التميمي عن الرضا عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَن كان آخر كلامه الصلاة عليّ وعلى عليّ دَخل الجنّة) (٢).

الرابعة: روى عبد الله بن عبد الله الدهقان، قال: دخلتُ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال لي: (ما معنى قوله: ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى ) ؟ فقلت:

____________________

(١) الوسائل: أبواب الذكر باب ٣٦، ح١.

(٢) الوسائل: أبواب الذكر باب ٣٨، ح١.

٢٧٩

كلّما ذَكر اسم ربّه قام فصلّى، فقال لي: لقد كلّف الله عزّ وجل هذا شططا؟ فقلتُ: جُعلت فداك، وكيف هو؟ فقال: كلّما ذَكرَ اسم ربّه صلّى على محمّد وآله) (١).

ودلالة هذه الرواية تشير إلى أنّ الآية تريد استحباب اقتران ذكره بذكرهم (عليهم السلام)، وأنّ تشريع استحباب الاقتران تشريع قرآني.

الخامسة: روى علي بن إبراهيم في تفسيره، وفي ذيل تفسير آية ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ ) من سورة فاطر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (الكلِمُ الطيّب قول المؤمن: (لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله وخليفة رسول الله)، وقال: (والعمل الصالح، الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند الله، لا شكّ فيه من ربّ العالمين) (٢)، ورواها في تفسير العسكري (عليه السلام) (٣) عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام).

وفي هذه الرواية تحديد الكلم الطيّب، وأنّه يتقوّم باقتران الشهادات الثلاث، وأنّ الشهادتين من دون الشهادة الثالثة لا تصعد إليه، وإن كانت في الأذان والإقامة.

السادسة: روى الطبري في دلائل الإمامة عن عبد الله بن محمد، عن عمارة بن زيد قال، قلتُ لأبي الحسن: أتقدر أن تصعد إلى السماء حتّى تأتي بشيء ليس في الأرض حتّى نعلم ذلك؟ فارتفع في الهواء وأنا أنظر إليه، حتّى غاب، ثُمّ رجعَ ومعه طير من ذهب، في أذنه أشنِفة من ذهب، وفي منقاره درّة وهو يقول: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله، فقال: (هذا طير من طيور الجنّة) ثُم سيّبه، فرجعَ (٤).

____________________

(١) الوسائل: أبواب الذكر باب ٤١، ح١.

(٢) تفسير القمّي: ح٢، ص ٢٠٨.

(٣) تفسير الإمام العسكري: ص ٣٢٨.

(٤) دلائل الإمامة للطبري: ص ٤١٣.

٢٨٠

وهي دالّة على أنّ اقتران الشهادات الثلاث من الأوراد والأذكار التي هي من كنوز الجنّة.

السابعة: ما رواه الفضل بن شاذان في كتابه الفضائل، بإسناد يرفعه لابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لمّا أُسريَ بي إلى السماء قال لي جبرائيل: قد أُمرتُ بعرض الجنّة والنار عليك، فرأيتُ الجنّة وما فيها من النعيم، ورأيت النار وما فيها من عذاب أليم، والجنّة لها ثمانية أبواب على كلّ باب منها أربع كلمات، كلّ كلمة فيها خير من الدنيا ومَن فيها لمَن يعرفها ويعمل بها... فعلى الباب الأوّل مكتوب (لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، لكلّ شيء حيلة...).

ثُمّ ذَكر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتابة الشهادات الثلاث على كلّ باب من الأبواب الثمانية، والكلمات والحِكم الأربع على كلّ باب، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ضمن ذلك: (وعلى الباب الخامس مكتوب لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله، فمَن أراد أن لا يُشتم، ومَن أراد أن لا يُذل، ومَن أراد أن لا يُظلم ولا يَظلِم، ومَن أراد أن يستمسك بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة، فليقل: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله...) (1) الحديث.

الثامنة: في كتاب الفضائل لابن شاذان، روى عن سليمان بن مهران الأعمش قال، حدّثنا جابر عن مجاهد قال، حدّثنا عبد الله بن عبّاس قال، حدّثنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (لمّا عُرجَ بي إلى السماء رأيتُ على باب الجنّة لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله، والحسن والحسين سبطا رسول الله، وفاطمة الزهراء صفوة الله، وعلى ناكرهم وباغضهم لعنةُ الله...) (2) الحديث.

وروى الصدوق هذه الرواية في الخِصال (3) مسندةً.

____________________

(1) الفضائل لابن شاذان: ص 153.

(2) الفضائل لابن شاذان: ص 83.

(3) الخصال: ج1، ص 323- 334

٢٨١

وهذه رواية ثالثة عن عبد الله بن عبّاس، وهو الهاشمي الصحابي، وهي مسندة بإسناد عن الفضل بن شاذان إليه، والسند وإن اشتملَ على بعض العامّة كما هو، إلاّ أنّه أدعى للاحتجاج؛ لأنّ المضمون على خلاف مرامهم، وهذه الرواية عن ابن عبّاس مع الرواية السابقة عنه، يُعزِّز أنّ اقتران الشهادات الثلاث حرّض عليها النبي في عدّة مواطن، لدفع المسلمين على الاعتياد عليها كلّما ذكروا الشهادتين، وهو بدوره دَفعٌ لهم لذكرها في الأذان، وجَعْلها شعاراً لهم في كلّ المواطن والشعائر العباديّة الشريفة.

التاسعة: وفي تأويل الآيات الظاهرة، روى الكليني بإسناده عن مولانا علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم) في حديث قال: (ولقد سمعتُ حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)... يقول: مَن قال لا إله إلاّ الله بإخلاص فهو بريء من الشرك، ومَن خرجَ من الدنيا لا يشرك بالله شيئاً دخلَ الجنة، ثُمّ تلا هذه الآية ( إِنّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ ) وهم شيعتك ومحبّوك يا علي... وإنّهم ليخرجون من قبورهم وهم يقولون لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله...) (1) الحديث.

____________________

(1) تأويل الآيات الظاهرة: ص 147.

٢٨٢

وهذا الحديث الشريف يدلّ على أنّ كلمة التوحيد والإخلاص، هي اقتران الشهادات الثلاث، وهذا المفاد حكومة تفسيريّة على كافّة الموارد التي يرد فيها الأمر التشريعي بقراءة كلمة الإخلاص.

وروى الصدوق في التوحيد، وعيون أخبار الرضا، وثواب الأعمال، ومعاني الأخبار، عن ابن المتوكّل، عن الأسدي، عن محمد بن الحسين الصوفي، عن يوسف بن عقيل، عن إسحاق بن راهويه قال: لمّا وافى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) نيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون، اجتمعَ عليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا بن رسول الله، ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعدَ في العماريّة، فأطلعَ رأسه وقال: (سمعتُ أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جلّ جلاله يقول: لا إله إلاّ الله حِصني، فمَن دخلَ حصني أمنَ عذابي، [ قال ]: فلمّا مرّت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها) (1).

وقريب منه ما رواه الصدوق بسند متّصل في كتاب عيون أخبار الرضا، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه.

____________________

(1) التوحيد: ص 25. ثواب الأعمال: ص6. عيون أخبار الرضا: ص 135، ج2. معاني الأخبار: ص370- 371.

٢٨٣

العاشرة: ما رواه الفضل بن شاذان أيضاً في الفضائل بإسناده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لمّا خَلق الله تعالى آدم... فرفعَ رأسه، فرأى في العرش مكتوباً عليه لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبيّ الرحمة، وعلي أمير المؤمنين مقيم الحجّة فيمَن عَرف...) (1) الحديث.

وعبد الله بن مسعود من الصحابة، يروي ندبيّة الاقتران بين الشهادات الثلاث، ممّا يُعزِّز تقادم السيرة منذ زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

الحادية عشرة: محسّنة الهيثم بن عبد الله الرمّاني، عن علي بن موسى، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى: ( فِطْرَتَ اللهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا ) قال: (هو لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ أمير المؤمنين وليّ الله إلى هاهنا التوحيد) (2).

وهذه الرواية نصّ على كون الإقرار بالتوحيد هو مجموع الإقرار بالأمور الثلاثة، سواء بالقلب، أو التصريح بها باللسان، فإلى ذلك حدّ التوحيد، لا بحسب الظاهر للإسلام، بل بحسب واقع الإيمان الذي يقرّ به ويتشهّد به.

عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم قال: (يقول الله عزّ وجل: ولاية علي بن أبي طالب حِصني فمَن دخلَ حِصني أمِنَ من عذابي).

ومن ثُمّ جَعل الصدوق في معاني الأخبار، أنّ معنى كون كلمة الإخلاص حصناً، هو اقتران الشهادات الثلاث.

____________________

(1) الفضائل لابن شاذان: ص152.

(2) تفسير القمّي: ج2 ذيل سورة الروم.

٢٨٤

أقول: والروايات الواردة في أنّ ولايتهم هي الحصن، وهي الشرط في كلمة الإخلاص، وفي كونها حصناً وأماناً من العذاب قد وردت بكثرة في الروايات، ممّا يقضي بتلازم الشهادات الثلاث واقترانها لحصول الإخلاص، وتحقّق الإيمان، وترتّب الأمان، والنجاة من النيران، ولا ريب أنّ إتيان الشهادة بالتوحيد بنحو الإخلاص هو من أرفع كيفيّاتها، بل هو النحو الصحيح المتعيّن، إذ العبادة الخالصة هي العبادة الصحيحة، فيقتضي ذلك أنّ اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين هي من شرائط صحّة العبادة، وإن لم تكن من شرائط الشهادتين في الإقرار بظاهر الإسلام، فيظهر أنّ هذا اللسان المتكاثرة فيه الروايات (1) يمكن تقريبه على الوجه الأوّل، وهو الجزئيّة في الأذان، فضلاً عن الوجه الثاني والثالث.

الثانية عشرة: ما رواه صاحب كتاب المستدرك، عن رجل قال لعلي بن الحسين (عليه السلام): يا بن رسول الله، إنّا إذا وقفنا بعرفات وبمنى ذَكرنا الله ومجّدناه، وصلّينا على محمّد وآله الطيّبين، وذَكرنا آباءنا أيضاً بمآثرهم ومناقبهم وشريف أعمالهم، نريد بذلك قضاء حقوقهم، فقال علي بن الحسين (عليه السلام): (أوَلا أُنبئكم بما هو أبلغ في قضاء الحقوق من ذلك؟ قالوا: بلى، يا بن رسول الله، قال: أفضل من ذلك أن تُجدّدوا على أنفسكم ذِكر توحيد الله والشهادة به، وذِكر محمّد رسول الله [ والشهادة له ] بأنّه سيّد المرسلين، و [ ذكر ] عليّ ولي الله والشهادة له بأنّه سيّد الوصيّين، وذِكر الأئمّة الطاهرين من آل محمّد الطيّبين بأنّهم عباد الله المخلصين...) (2) الحديث.

____________________

(1) أمالي الشيخ الطوسي: ص 588 مجلس 25، أمالي الصدوق: المجلس 41، ص 235، بشارة المصطفى لعماد الدين الطبري: ص 269، والمتوفّى بعد سنة 553هـ.

(2) مستدرك الوسائل: ج10، ص 41.

٢٨٥

الثالثة عشرة: ما رواه القاسم بن معاوية قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم، أنّه لمّا أُسريَ برسول الله رأى على العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، فقال: (سبحان الله غيّروا كلّ شيء حتّى هذا، قلت: نعم، قال (عليه السلام)، ثُمّ ذَكر أنّ الله تعالى كتب الأمور الثلاثة لمّا خَلق كُلاً من العرش، والماء، والكرسي، واللوح، وإسرافيل، وجبرائيل، والسماوات، والأرضين، والجبال، والشمس، والقمر، ثُمّ قال (عليه السلام): فإذا قال أحدكم لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام)) (1) .

أقول: لا يخفى أنّ الرواية دالّة على أنّ الأمر بدوام اقتران الشهادتين بالإقرار بالثالثة، متفرّع على الشعار التكويني الذي كتبه الله على الخلقة، ويدلّ على أنّ الروايات التي في باب المعارف وروايات المعراج وغيرها ممّا ذُكر فيه القرن بينها هو إخبار، المراد به إنشاء الأمر باتّباع هذه السنّة الإلهيّة، وهي في الاصطلاح تسمّى حكومة تفسيريّة لتلك الروايات وقرينة عامّة عليها.

الرابعة عشرة: ما رواه جملة من محدّثي العامّة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (لمّا أُسريَ بي رأيتُ في سابق العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله صفوتي من خلقي، أيّدتهُ بعلي ونصرتهُ به) (2).

____________________

(1) الاحتجاج: ج1، ص230، طبعة طهران.

(2) ملحقات إحقاق الحق: ج 16، ص 468- 490.

٢٨٦

وقد رواه السيّد المرعشي (قدِّس سرّه) في تتمّة إحقاق الحق عن عشرة من مصادر العامّة منهم: الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (1) في ترجمة الإمام علي (عليه السلام)، ومنهم المتّقي الهندي في كنز العمّال (2) ، وغيرهم فلاحظ، وجملة منهم رووها من طريق الطبراني عن أبي الحمراء خادم الرسول وأنس بن مالك، وهذان الراويان من الصحابة، وهما يرويان استحباب اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين.

الخامسة عشرة: ما رواه في إحقاق الحق ّ (3) أيضاً عن خمسة من مصادر العامّة، عن جابر بن عبد الله عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (مكتوب على باب الجنّة لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله أيّدتهُ بعلي (عليه السلام)).

وقد رواه أيضاً عن الحافظ ابن عساكر في تاريخه (4) في ترجمة الإمام علي (عليه السلام)، وابن حجر في لسان الميزان (5) ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال (6)، وأخرجه السيوطي في الدرّ المنثور في سورة الإسراء عن ابن عدي وابن عساكر.

فهذا جابر من الصحابة يروي ندبيّة اقتران الشهادات الثلاث، ممّا يُنبئ بقِدم السيرة.

____________________

(1) تاريخ دمشق: ج2، ص 353.

(2) كنز العمّال: ج12، ص 220 طبعة حيدر آباد.

(3) ملحقات إحقاق الحق: ج16، ص 491- 493.

(4) تاريخ دمشق: ج2، ص 355.

(5) لسان الميزان: ج2، ص 484.

(6) كنز العمّال: ح12، ص 22 طبعة حيدر آباد.

٢٨٧

السادسة عشرة: ما روى ابن حجر العسقلاني في الإصابة (1) في تمييز الصحابة، في ترجمة (كدير الضبّي) بعدما ذَكر له جملة من الروايات في المسانيد قال: وقال البخاري في الضعفاء (كدير الضبّي) روى عنه أبو إسحاق، وروى عنه سميك بن سلمة، وضعّفه لمّا رواه مغيرة بن مقتم عن السمّاك بن سلمة قال: دخلتُ على كدير الضبي فوجدتهُ يصلّي وهو يقول: اللهمّ صلّي على النبي والوصي، فقلت: والله، لا أعودك أبداً، قال ابن أبي حاتم: سألتُ عنه أبي، فقال: يُحوّل من كتاب الضعفاء.

____________________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة: ج3.

٢٨٨

٢٨٩

الطائفةُ الثانية

الشهاداتُ الثلاث دين الله

أنّ التشهّد بإمامتهم المقترن بالشهادتين، هو دين الله وحقيقة الإسلام.

الأولى: ما رويَ في مصحّحة إسماعيل بن جابر قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أعرِض عليك ديني الذي أدين الله عزّ وجل به؟ قال: فقال: (هات، قال: فقلت: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وأنّ عليّاً كان إماماً فرضَ الله طاعته، ثُمّ كان بعده الحسن إماماً فرضَ الله طاعته، ثُمّ كان بعده الحسين إماماً فرضَ الله طاعته، ثُمّ كان بعده عليّ بن الحسين إماماً فرضَ الله طاعته، حتى انتهى الأمر إليه، ثُمّ قلت: أنتَ يرحمك الله؟ قال: فقال: هذا دين الله ودين ملائكته).

ونظيرها رواية عبد العظيم الحسني التي عَرضَ فيها دينه على الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام).

الثانية: محسّنة سنان بن طريف عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال: (إنّا أوّل أهل بيت نوّه الله بأسمائنا، إنّه لمّا خَلقَ الله السماوات والأرض أمرَ منادياً فنادى: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله، أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله ثلاثاً، أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ثلاثاً) (1).

ورواها الكليني في الكافي (2) بطريق مصحّح.

____________________

(1) الأمالي للشيخ الصدوق: المجلس الثامن والثمانون، ح4، ص 701 طبعة مؤسّسة البعثة، قم المقدّسة.

(2) الكافي: ج1، ص441، ح8، وعنه البحار ورواه الصدوق في أماليه: 483/ ح4.

٢٩٠

أقول: وفي هذه الرواية مضافاً إلى استفادة ندب الاقتران منها، يُستفاد ندب التكرار بعدد التكرار للشهادتين بعد الفراغ من ذكرهما، كفصول الأذان عموماً في الأذان وغيره، كما يستفاد منها أنّ تكرار الشهادة الثالثة بعد تكرار الأوّلتين لا بإدخالها بينهما، كما يُدخل الصلوات بعد الشهادة الثانية، ثُمّ التعبير (منادياً فنادى) هو معنى (المؤذِّن فأذّن)؛ لأنّ الأذان هو النداء.

الثالثة: ما رواه الصدوق في كتابه ثواب الأعمال، وتحت عنوان ثواب مَن أقرّ لله بالربوبيّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوّة، ولعليّ (عليه السلام) بالإمامة، بسند حسن أو معتبر، عن المفضّل بن عمر (قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّ الله تعالى ضمّن للمؤمن ضماناً، قال: قلت: وما هو؟ قال: ضمّن له إن هو أقرّ له بالربوبيّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوّة، ولعلي (عليه السلام) بالإمامة، وأدّى ما افترضَ عليه...) (1) الحديث.

الرابعة: ما رواه الصدوق عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عن آبائه، قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنّه قال: مَن علمَ أن لا إله إلاّ أنا وحدي، وأنّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأنّ الأئمّة من ولده حُججي أُدخلهُ الجنّة برحمتي، ونجيّتهُ من النار بعفوي... ومَن لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي، أو شهدَ بذلك ولم يشهد أنّ محمّداً عبدي ورسولي، أو شهدَ بذلك ولم يشهد أنّ علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهدَ بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حُججي، فقد جحدَ نعمتي، وصغّر عظمتي، وكفرَ بآياتي وكتبي، إن قَصدني حَجبتهُ، وإن سَألني حَرَمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رَجاني خيّبته وذلك جزاؤه منّي، وما أنا بظلاّم للعبيد...) (2) الحديث.

____________________

(1) ثواب الأعمال: ص 30.

(2) كمال الدين وإتمام النعمة: ج1، ص 258 طبعة جماعة المدرّسين بقم المقدّسة.

٢٩١

أقول: وذُيّل باقتران الشهادات الثلاث وإن كان التشهّد والإقرار في مقام الاعتقاد، إلاّ أنّ ظهورها في أنّ هذا هو التشهّد التام الكامل بيّن، وأنّ الاقتران هو الذي ينبغي عليه أن يكون من صورة التشهّد، ثُمّ إنّ ما في الذيل من النداء والدعاء والرجاء صادق بعمومه على الأذان؛ لأنّ مفاد الحديث اقتران الشهادات الثلاث، هو الباب لسماع النداء، ولرفع حجاب السماء، ولنجاح الرجاء.

الخامسة: ما رواه الصدوق بسند متصل من رجال العامّة، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: (بينما نحن عنده (أي عمر بن الخطاب) جلوس يوماً، إذ جاءه يهودي من يهود المدينة وهم يزعمون أنّه من وِلد هارون أخي موسى (عليهما السلام)، حتّى وقفَ على عمر فقال له: يا أمير المؤمنين، أيّكم أعلم بعلم نبيّكم وبكتاب ربّكم، حتّى أسأله عمّا أريد، قال أشار عمر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له اليهودي: أكذلكَ أنت يا علي؟ قال: (نعم، سل عمّا تريد... إلى أن قال له علي (عليه السلام): على أنّ لي عليك إن أجبتك فيهنّ بالصواب أن تُسلم، فقال اليهودي: والله، لأَنْ أجبتَ فيهنّ بالصواب لأسلمنّ الساعة على يديك، ثُمّ سأل أسألتهُ السبعة، فأجابه (عليه السلام) في كلّ واحدة منها، واليهودي يقول بعد كلّ جواب: أشهد بالله لقد صدقت، ثُمّ وثبَ إليه اليهودي وقال: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، وأنّك وصيّ رسول الله...) (1) .

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة: ج1، ص 294 الباب السادس والعشرون، ح3.

٢٩٢

ورواه الصدوق بطريق آخر (1) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، ورواها الصدوق أيضاً بطريق ثالث (2) عن أبي الطفيل أيضاً، بل رواه الصدوق بطريقين آخرين عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في نفس الباب (3).

السادسة: ما رواه الكليني في الكافي عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديثه (عليه السلام) مع الشامي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (أُخبرك كيف كان سفرك، وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا، فأقبلَ الشامي يقول: صدقتَ، أسلمتُ لله الساعة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (بل آمنتَ بالله الساعة، إنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون).

فقال الشامي: صدقتَ، وأنا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّك وصيّ الأوصياء) (4).

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة: ج1، ص 297 الباب السادس والعشرون، ح5.

(2) كمال الدين: ج1 الباب السادس والعشرون ح6، ص 299.

(3) كمال الدين: ج1 الباب السادس والعشرون ح7، ح8.

(4) الكليني: ج1، ص171 - 173.

٢٩٣

الطائفةُ الثالثة

شهاداتُ الميثاق

وهي الروايات التي لسانها أخذُ الشهادات الثلاث في الميثاق، على الأنبياء والرسل وفي الكتب السابقة.

الأولى: ما رواه الحرّ العاملي في إثبات الهداة عن كتاب المعرفة لإبراهيم بن محمد الثقفي، بسنده عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ الله خَلق مَلَكين يكنفان العرش وأمَرَهما بشهادتين فشهدا، ثُمّ قال لهما اشهدا أنّ عليّاً أمير المؤمنين فشهدا) (1).

وروى عدّة روايات بنفس السند تفيد اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين في العرش وحول العرش.

الثانية: أيضاً ما رواه الحرّ العاملي بنفس الإسناد السابق عن أبي جعفر (عليه السلام): (إنّ عليّاً سُمّي أمير المؤمنين عند أخذ الميثاق على بني آدم) (2).

الثالثة: ما رواه أيضاً الحرّ العاملي عن كتاب ما نزلَ من القرآن في النبي والآل، لمحمّد بن العبّاس بن مروان بإسناده عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، في حديث أنّ الأنبياء قالوا له ليلة المعراج: (إنّ عليّاً أمير المؤمنين وصيّك، وأنّك سيّد النبيّين، وأنّ عليّاً سيّد الوصيين) (3).

____________________

(1) إثبات الهداة: الباب العاشر ح955، ص 193.

(2) إثبات الهداة: الباب العاشر ح958، ص 193.

(3) إثبات الهداة: الباب العاشر ح 963، ص193.

٢٩٤

الرابعة: ما رواه الحرّ العاملي عن بكير بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث الحجر الأسود: (وإنّ الله أودعهُ - يعني ذلك المَلَك - الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة؛ لأنّ الله عزّ وجل لمّا أخذ الميثاق له بالربوبيّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوّة، ولعليّ (عليه السلام) بالوصيّة، اصطكّت فرايص الملائكة، فأوّل مَن أسرعَ إلى الإقرار ذلك المَلَك، ولم يكن فيهم أشدّ حبّاً لمحمّد وآل محمّد منه، فكذلك اختارهُ الله من بينهم وألقمهُ الميثاق) (1).

الخامسة: ما رواه الصدوق بسند متّصل عن محمد بن عبد الرحمان الضبّي، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (ولايتنا ولاية الله التي لم يُبعث نبيّ قط إلاّ بها) (2).

السادسة: ما رواه الصدوق عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين: (أنّه جاء إليه رجل فقال له: يا أبا الحسن، إنّك تدّعي أمير المؤمنين فمَن أمّرك عليهم؟ قال (عليه السلام): (الله جلّ جلاله أمّرني عليهم، فجاء الرجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول الله، أيصدق علي فيما يقول إنّ الله أمّره على خلقه، فغضبَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: إنّ عليّاً أمير المؤمنين بولاية من الله عزّ وجل عَقدها له فوق عرشه، وأشهدَ على ذلك ملائكته أنّ عليّاً خليفة الله وحجّة الله، وإنّه لإمام المسلمين...) (3) الحديث.

____________________

(1) إثبات الهداة: الباب العاشر ح64، ص16، عِلل الشرائع للصدوق: الباب 164 الحديث الأول، ص429.

(2) الأمالي للطوسي: المجلس السادس والثلاثون، الحديث 19.

(3) الأمالي للصدوق: المجلس السابع والعشرون، الحديث 8.

٢٩٥

السابعة: ما رواه الصدوق في العلّة التي من أجلها جُعل الميثاق في حجر الركن، عن بكير بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) لأيّ علّة وضعَ الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ قال: (.... فلعلّة العهد تجديداً لذلك العهد والميثاق، وتجديداً للبيعة، وليؤدّوا إليه في ذلك العهد الذي أُخذ عليهم في الميثاق فيأتونه في كلّ سنة، وليؤدّوا إليه ذلك العهد،... وإنّ الله عزّ وجل أودعهُ العهد والميثاق وألقمهُ إياه دون غيره من الملائكة؛ لأنّ الله تعالى لمّا أخذ الميثاق له بالربوبيّة، ولمحمّد بالنبوّة، ولعليّ (عليه السلام) بالوصيّة...) (1) .

الثامنة: روى الصدوق بالصحيح الأعلائي عن أبي هاشم داود بن قاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني محمّد بن علي (عليهم السلام) قال: (أقبلَ أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم معه الحسن بن علي (عليه السلام)، وسلمان الفارسي (رحمه الله)، وأمير المؤمنين متكئ على يد سلمان، فدخلَ المسجد الحرام فجلسَ، إذ أقبلَ رجل حَسَن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين (عليه السلام) فردّ عليه السلام، فجلسَ ثُمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتَني بهنّ علمتُ أنّ القوم قد ركبوا من أمرك ما أُقضي عليهم... - ثُمّ سألَ مسائله الثلاث - فأوعزَ أمير المؤمنين إلى أبي محمد الحسن (عليه السلام) فأجابهُ على مسائله كلّها فقال الرجل:

____________________

(1) عِلل الشرائع: ج2، ص429 -430.

٢٩٦

أشهد أن لا إله إلاّ الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته بعده - وأشار بيده إلى أمير المؤمنين - ولم أزل أشهد بها، ثُمّ تشهّد بوصاية واحد واحد من أسماء الأئمّة حتّى ذكرَ أسمائهم، ثُمّ قام فمضى فقال (عليه السلام): هو الخضر...) (1).

التاسعة: ما رواه المفيد في الاختصاص عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى توحّد بمُلكه... ثُمّ قال: يا مفضّل، والله ما استوجبَ آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه، إلاّ بولاية علي (عليه السلام)، وما كلّمَ الله موسى تكليماً إلاّ بولاية علي (عليه السلام)، ولا أقامَ الله عيسى بن مريم آية للعالمين إلاّ بالخضوع لعلي (عليه السلام)، ثُمّ قال: أجملَ الأمر ما استأهلَ خلق من الله النظر إليه، إلاّ بالعبوديّة لنا) (2).

ويراد بالعبوديّة هنا: خضوع وانقياد الطاعة لهم صلوات الله عليهم أجمعين، حيث قرنَ الله تعالى طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله.

وعقدَ المجلسي (قدِّس سرّه) في البحار (3) في تاريخ أمير المؤمنين، باباً بعنوان ذِكره (عليه السلام) في الكتب السماويّة، وقد تضمّن ما يقرب من ثلاثة عشر حديثاً وكلّها متضمّنة لاقتران الشهادات الثلاث في الكتب السماويّة.

____________________

(1) إكمال الدين وإتمام النعمة: الباب 29، ح1، ص 313 - 315.

(2) الاختصاص: ص250 طبعة جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

(3) البحار: ج38، باب 58، ص41 - 62.

٢٩٧

الطائفةُ الرابعة

الشهاداتُ الثلاث في التلقين

تلقين المحتضر والميّت الشهادات الثلاث والإقرار بالأئمّة (عليهم السلام).

الأولى: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لو أدركتُ عكرمة عند الموت لنفعته، فقيل لأبي عبد الله (عليه السلام) بماذا كان ينفعه؟ قال: يلقّنه ما أنتم عليه) (1) .

الثانية: رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (فلقِّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ الله والولاية) (2).

الثالثة: ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (والله، لو أنّ عابد وَثن وصفَ ما تصفون عند خروج نفسه ما طَعمت النار من جسده شيئاً أبداً)، أي: وصف كلّ من الشهادات الثلاث.

الرابعة: مصحّح معاوية بن وهب في حديث، أنّ رجلاً شيخاً كان من المخالفين عَرضَ عليه ابن أخيه الولاية عند موته، فأقرّ بها وشهقَ ومات قال: فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام)، فعرضَ علي بن السري هذا الكلام على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: (هو رجل من أهل الجنّة، قال له علي بن السري: إنّه لم يعرف شيئاً من هذا غير ساعته تلك، قال: فتريدون منه ماذا؟ قد والله، دخلَ الجنّة) (3).

____________________

(1) الوسائل: أبواب الاحتضار الباب 37، الحديث 1.

(2) الوسائل: أبواب الاحتضار الباب 37، الحديث 2.

(3) أبواب جهاد النفس: الباب 93، الحديث 4.

٢٩٨

الخامسة: رواية يحيى بن عبد الله في تلقين الميّت بعد الدفن، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (ما على أهل الميت منكم أن يدرؤوا عن ميّتهم لقاء منكر،... ثُمّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان، أو يا فلانة بنت فلان، هل أنت على العهد الذي فارَقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله سيّد النبيين، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين وسيّد الوصيين...) (1) الحديث.

ومثلها رواية جابر بن يزيد (2).

السادسة: ما روي في إثبات الهداة عن إبراهيم بن إسحاق الصولي، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديث عن أبيه، عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ أوّل ما يُسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّك وليّ المؤمنين بما جعلهُ الله وجَعلته لك، فمَن أقرّ بذلك وكان يعتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له)، إلى أن قال أبو ذكوان: وهذا الحديث قد رواه الناس عن رسول الله، إلاّ أنّه ليس فيه ذِكر النعيم والآية وتفسيرها؛ إنّما رووا: أنّ أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الشهادة، والنبوّة، وموالاة علي بن أبي طالب) (3) .

____________________

(1) أبواب الدفن: الباب 35، ح1.

(2) أبواب الدفن: من الباب 35، ح2.

(3) إثبات الهداة: الباب العاشر، الحديث 129، ص 31، عيون أخبار الرضا: ج2.

٢٩٩

أقول: هذه الطائفة من الروايات دالّة بوضوح على أنّ اقتران الشهادات الثلاث في التشهّد والإقرار، هو من قوام الإقرار والتشهّد، وأنّ من دون ذلك لا يتحقّق كلّ منهما ولا يترتّب أثرهما، وأنّ الاقتران حقيقة التشهّد وحقيقة الدين الذي يُدان به الإنسان عند موته الذي هو أوّل يوم من أيّام الآخرة، وأنّه يُسأل عن ذلك قبل بقيّة أركان الدين، ممّا يقتضي عدم الاكتراث بالعمل ببقيّة الأركان مجرّدة عن اقتران الشهادات الثلاث، وأنّ مجموع الثلاث واقترانها كالعنوان لصحيفة الأعمال، كما ورد بهذا اللفظ في روايات الفريقين هذا هو المفاد المطابقي الأوّلي لهذه الروايات، وهو عين مفاد آية الغدير من إكمال الدين بولاية علي (عليه السلام).

أمّا التقريب الخاص بدلالتها، فبضميمة ما سيأتي من مجموعة قرائن لدلالة جميع هذه الطوائف، نعم، هذه الطائفة تمتاز بدفع جملة من الاستبعادات التي تثار في الأقتران في الموارد التي تقتضي الشعاريّة منذ عهد الصدر الأوّل، لاسيّما وأنّ الباقر (عليه السلام) الذي أراد أن يلقِّن عكرمة بها، قد أدركَ جملة من الصحابة ممّا يُنبّه على تقادم اتخاذ الشهادات في المواطن الحسّاسة لإقامة الدين، نظير تلقين المحتضر والميّت، وهو كيوم الدخول في الدين المشار إليه بالعهد في الروايات المتقدّمة.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420