الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة14%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108490 / تحميل: 6630
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ومنها : أنّ الواجب (تعالى) لا تُنال ذاته المقدّسة بالمعرفة ، وإنّما الذي تَناله المعرفة شيء من صفاته ، وقد تقدّمت الإشارة منهعليه‌السلام إلى ذلك بقوله :(دليله آياته) ، وقوله :(ليس بإله مَن عرف بنفسه) .

ومنها : أن الواجب (تعالى) مستغنٍ عن الإثبات ، بل يمتنع ذلك فيه ؛ إذ إنّه تعالى له الوجود الحقّ الذي لا يحدّه شيء ، ومَن كان هذا شأنه يمتنع أن تناله الأذهان ، ويحيط به العقل ، فيكون وجوده الخارجي وإثباته شيئاً واحداً ، ويتّحد فيه الثبوت والإثبات ، فهو متعال عن العلم والجهل الذهنيّين فإمّا أن يكون معلوماً بالذات لا يجهل بحالٍ ، ولا يغيب عن شيء ولا يفقده شيء وإمّا أن يكون مجهول الذات ، جهلاً تامّاً لكنهه تعالى ، لا يغيب عن شيء ، ولا يفقده شيء ، فهو معلوم غير مجهول وقد بيّنعليه‌السلام هذه الحقيقة في كلام آخر له ، فقال :

(المعروف بغير كيفيّة ، ولا يُدرك بالحواسّ ، ولا يُقاس بالناس ، ولا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به الأفكار ، ولا تقدّره العقول ، ولا تقع عليه الأوهام فكلّ ما قدّره عقل ، أو عرّف له مثل ، فهو محدود) (١) .

ـــــــــــــ

(١) توحيد الصدوق : ٧٦ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، الحديث ٣٤ .

٢٨١

وممّا ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المعنى قوله :

(التوحيد : ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره ظاهره موصوف لا يُرى ، وباطنه موجود لا يخفى يُطلب بكلّ مكان ، ولا يخلو منه مكان طرفة عين حاضر غير محدود وغائب غير مفقود)(١) .

وهذا هو السرّ في أنّنا لا نجده (تعالى) يقيم في كتابه المجيد برهاناً على أصل الذات ، وإنّما يبرهن على الصفات ، فيبرهن مثلاً على أنّ للعالم صانعاً وربّاً وخالقاً ومرجعاً ونحو ذلك .

ومنها : أنّ البرهان على وجود الواجب تعالى برهان على توحيده ، فإنّ الذي يدلّ عليه صريح البرهان على وجوده ، هو أنّ الواجب تعالى هو الوجود الحقّ ، غير المحدود بأي حدٍّ على الإطلاق ، وهذا هو بعينه التوحيد فإنّ مَن كان هذا شأنه ، لا يتصوّر له العقل ثانياً ؛ فإنّ حرف الشيء لا يحتمل التعدّد ، وإليه الإشارة بقولهعليه‌السلام :(وعرفته توحيده) .

ومنها : أنّ وحدة الواجب تعالى ليست عددية ، حتّى يتميّز في الوجود عن غيره ، وينفصل عنه بحدٍّ يؤدّي التعدّد بل إنّ وحدته بمعنى : أنّه تعالى لا يشاركه شيء في معنى من المعاني ، فهو ربّ خالق ، منه كلّ شيء ، وبه كلّ شيء ، وإليه كلّ شيء ، وغيره مربوب مخلوق ، منه وبه وإليه وجوده .

وهذه المسألة وأمثالها هي من المسائل التي بقيت مجهولة ، لم تحل منذ دُوّنت في الفلسفة الإلهيّة ، حتّى وُفِّق إلى حلِّها بعض فلاسفة المسلمين المتأخّرين ، مستفيداً من كلامهعليه‌السلام ومهتدياً بنور علمه.

ـــــــــــــ

(١) معاني الأخبار : ١٠ ، باب معنى التوحيد والعدل ، الحديث ١ .

٢٨٢

في علمه تعالى بغيره ، وعلم الغير به ، وتقدّمه على الأشياء

ومن كلامهعليه‌السلام :

(الحمد لله الذي أعجز الأوهام عن أن تنال إلاّ وجوده ، وحجب العقول عن أن تتخيّل ذاته ، في امتناعها عن الشبه والشكل ، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته ، ولم يتبعّض بتجزئة العدد في كماله فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ، وتمكّن منها لا على الممازجة ، وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلاّ بها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره إن قيل : كان ، فعلى تأويل أزليّة الوجود ، وإن قيل : لم يزل ، فعلى تأويل نفي العدم ، فسبحانه وتعالى عن قول مَن عَبَدَ سواه ، واتّخذ إلهاً غيره علوّاً كبيراً) (١) .

يشيرعليه‌السلام في هذا الكلام إلى مسألة : أنّه تعالى معلوم لغيره علماً حضوريّاً لا حصوليّاً ؛ وإلاّ لو كان العلم به حصوليّاً ، فإنّ ذاته تتبعّض إذا عرض له الحصول في الذهن والخارج ، هذا ينافي وحدته ، وتميّزه عن غيره .

ويشير أيضاًعليه‌السلام إلى مسألة أنّه تعالى عالم بغيره علماً حضوريّاً ، من غير توسّط صورة علميّة بينه وبين معلومه ؛ وإلاّ لاحتاج في علمه إلى الصورة ، التي هي الأداة .

ويشيرعليه‌السلام كذلك إلى مسألة تقدّمه على الأشياء بإطلاق وجوده ، المنزّه عن التقييد ، بأي حدٍّ عدلي ، وهو تفسير لأزليّته تعالى .

ـــــــــــــ

(١) توحيد الصدوق : ٧١ ، باب التوحيد ، ونفي التشبيه ، الحديث ٢٧ روضة الكافي : ٢٠ ، الحديث ٤ ، خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي خطبة الوسيلة ، باختلاف يسير .

٢٨٣

في بيان معنى صفاته (تعالى) العليا

فمن كلام لهعليه‌السلام في الباب قوله :

(مستشهد بكليّة الأجناس على ربوبيّته ، وبعجزها على قدرته ، وبفطورها على قِدمته ، وبزوالها على بقائه ، فلا لها محيصٌ عن إدراكه إيّاها ، ولا خروجٌ من إحاطته بها ، ولا احتجابٌ عن إحصائه لها ، و امتناعٌ من قدرته عليها كفى بإتقان الصنع لها آية ، وبمركّب الطبع عليها دلالة ، وبحدوث الفِطْر عليها قِدْمَة ، وبإحكام الصَّنعَة لها عِبرة فلا إليه حدّ منسوب ، ولا له مثل مضروب ، ولا شيء عنه محجوب ، تعالى عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة علوّاً كبيراً) (١) .

توضيح صفاته الثبوتيّة والسلبيّة

فمن كلامهعليه‌السلام في هذا الخصوص قوله :

(مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ ، ولا حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ ، ولا إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ ولا صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وتَوَهَّمَهُ كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ ، وكُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ فَاعِلٌ لا بِاضْطِرَابِ آلَةٍ ، مُقَدِّرٌ لا بِجَوْلِ فِكْرَةٍ ، غَنِيٌّ لا بِاسْتِفَادَةٍ لا تَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ ، ولا تَرْفِدُهُ الْأَدَوَاتُ سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ ، والْعَدَمَ وُجُودُهُ ، والِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ .

بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لا مَشْعَرَ لَهُ ، وبِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لَا ضِدَّ لَهُ ، وبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا قَرِينَ لَهُ ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ ، والْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ ، والْجُمُودَ بِالْبَلَلِ ، والْحرُورَ بِالصَّرَدِ مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا ، مُقَارِنٌ بَيْنَ مُتَبَايِنَاتِهَا ، مُقَرِّبٌ بَيْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا ، مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا لَا يُشْمَلُ بِحَدٍّ ، ولا يُحْسَبُ بِعَدٍّ ، وإِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا ، وتُشِيرُ الْآلَاتُ إِلَى نَظَائِرِهَا ، مَنَعَتْهَا (مُنْذُ) الْقِدْمَةَ ، وحَمَتْهَا (قَدُ) الْأَزَلِيَّةَ ، وجَنَّبَتْهَا (لَوْلَا) التَّكْمِلَةَ بِهَا تَجَلَّى صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ ، وبِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُيُونِ ولا يَجْرِي عَلَيْهِ السُّكُونُ والْحَرَكَةُ ، وكَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ ، ويَعُودُ فِيهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ ، ويَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ ؛ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ ولَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ ، ولَامْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ ، ولَكَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ ، ولَالْتَمَسَ التَّمَامَ إِذْ لَزِمَهُ النُّقْصَانُ ، وإِذاً لَقَامَتْ آيَةُ الْمَصْنُوعِ فِيهِ ولَتَحَوَّلَ دَلِيلاً بَعْدَ أَنْ كَانَ مَدْلُولاً عَلَيْهِ ، وخَرَجَ بِسُلْطَانِ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ مَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهِ ، الَّذِي لَا يَحُولُ ولا يَزُولُ ولا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأُفُولُ) .

ـــــــــــــ

(١) توحيد الصدوق : ٦٩ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، الحديث ٢٦ بحار الأنوار : ٤ / ٢٢١ ، الحديث ٢ ، تتمّة كتاب التوحيد ، أبواب أسمائه تعالى وصفاته ، باب ٤ ـ جوامع التوحيد ، باختلاف يسير جدّاً .

٢٨٤

إلى أن قال :

(وإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ لا شَيْءَ مَعَهُ ، كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا ، بِلَا وَقْتٍ ولا مَكَانٍ ، ولا حِينٍ ولا زَمَانٍ عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْآجَالُ والْأَوْقَاتُ ، وزَالَتِ السِّنُونَ والسَّاعَاتُ ، فَلا شَيْءَ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ الَّذِي إِلَيْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الْأُمُورِ) (١) .

لقد بيّنعليه‌السلام في كلماته تلك جمل الصفات الثبوتية والسلبيّة كما وأوضحعليه‌السلام أنَّ قبليّته وبعديّته تعالى إنّما هي بالنسبة إلى الخِلقة ، وليس قبليّته وبعديّته تعالى من سنخ القبليّة والبعديّة الزمانيّين وقد أشار إلى هذا في كلامه السابق بقوله :

(وإن قيل : لم يزل ، فعلى تأويل نفي العدم) (٢) .

في رؤيته تعالى

ومن كلام لهعليه‌السلام وقد خاطب به رجلاً يقال له : ذعلب ؛ إذ كان قد قال له : يا أمير المؤمنين ، هل رأيت ربّك ؟ فقالعليه‌السلام :

(ويلك !! لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ويلك يا ذعلب ! إنّ ربّي... لطيف اللّطافة فلا يوصف باللطف ، عظيم العظمة فلا يوصف بالعِظَم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكِبَر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغِلَظ قبل كلّ شيء ، فلا يقال : شيء قبله ، وبعد كل شيء ، فلا يقال : شيء بعده شائي الأشياء لا بهمّة ، درّاك لا بخديعة هو في الأشياء كلّها غير متمازج بها ، ولا بائن عنها ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجلٍّ لا باستهلال رؤية بائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة طيف لا بتجسُّم ، موجود لا بعد عدم فاعل لا باضطرار ، مقدّر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة لا تحويه الأماكن ، ولا تصحبه الأوقات ، ولا تحدّه الصفات ، ولا تأخذه السِّنات سبق الأوقات كونُه ، والعدم وجودُه ، والابتداء أزله .

ـــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : ٢٧٢ ، الخطبة ١٨٦ ، في التوحيد بحار الأنوار : ٧٤ / ٣١٢ ، باب ١٤ ـ خطبه (صلوات الله عليه) المعروفة ، الحديث ١٤ .

(٢) تقدّم في الصفحة ٣١٨ ، في علمه تعالى بغيره وعلم الغير به .

٢٨٥

بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مَشْعَر له ، وبتجهيزه الجواهر عُرف أن لا جوهر له ، ، ضادّ النور بالظلمة ، والجَسْوَ بالليل ، والصرد بالحَرُور مؤلّف بين متعادياتها ، مفرِّق بين متدانياتها ، دالّة بتفريقها على مفرّقها ، وبتأليفها على مؤلِّفها ، وقوله عزّ وجلّ : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) ، ففرّق بها بين قبل وبعد ؛ ليعلم أن لا قبل له ولا بعد شاهدة بغرائزها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها حجب بعضها عن بعض ؛ ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلْقه غير خلْقه كان ربّاً إذْ لا مربوب ، وإلهاً إذ لا مألوه ، وعالماً إذ لا معلوم ، وسميعاً إذ لا مسموع ) .

ثمَّ أنشأعليه‌السلام يقول :

(ولم يزل سيّدي بالحمدِ معروفاً

ولم يزل سيّدي بالجودِ موصوفاً) (٢)

فقد رأينا أنّهعليه‌السلام في كلماته هذه ، قد شرح معنى التشبيه والتنزيه في صفاته تعالى وبيَّنهما أروع شرح ، وأوفى بيان كما وفسّر معنى تعلّق الرؤية به تعالى ، وأنّها ليست بمباشرة الحمم ، ولا باستهلاك نظرة من العين ، ولا بإدراك توصيف من العقل ، بل يُرى بحقيقة الإيمان ويتّضح معنى قوله :(حقيقة الإيمان) من قوله :(حجب بعضها عن بعض ؛ ليُعلم أن لا حجاب بينه وبين خلْقه غير خلْقه) ؛ حيث دلّ كلامه هذا على أنّ الخلْق تحجبهم أنفسهم عنه تعالى أمّا إذا أخلص المؤمن إيمانه لربّه ، ثمّ أكمل الإخلاص له بنفي الصفات عنه (راجع قوله في الفصل الثاني :

(وكال توحيده الإخلاص له) ، ولم يعد قلبُه متعلّقاً بشيء سوى ربّه ، فحينئذٍ لا يبقى شيء يحجب ربَّه عنه ، ويراه بحقيقة الإيمان .

وقولهعليه‌السلام :(حجب بعضها عن بعض ؛ ليُعلم أن لا حجاب بينه وبين خلْقه غير خلْقه) من روائع الكلام الذي لا يسبقه إليه أحد وقد بنى كلامه فيه على ما قدَّمه من كلامه في نفي الحدود التي للمخلوقات ـ نفيها ـ عن خالقها عزّ اسمه .

ـــــــــــــ

(١) سورة الذاريات : الآية ٤٩ .

(٢) توحيد الصدوق : ٣٠١ ، باب حديث ذِعلِب ، الحديث ٢ الكافي : ٢ / ١٥٩ ، باب جوامع التوحيد ، الحديث ٣٤٧ / ٤ ، باختلاف يسير .

٢٨٦

ويوجد نظير هذا البيان في كلام سابع أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام قالعليه‌السلام :

(إنّ الله تبارك وتعالى كان لم يزل بلا زمانٍ ولا مكانٍ ، وهو الآن كما كان ..) .

إلى أن قال :

(ليس بينه وبين خلْقه حجاب غير خلْقه احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور) (١) .

وقد بيّنعليه‌السلام في قوله :(كان ربّاً إذ لا مربوب ، وإلهاً إذ لا مألوه) أنّ لصفات الواجب الإضافيّة تحقّقاً في الذات قبل تحقّق المضاف إليه ، وهذا من غوامض المسائل الفلسفيّة ومعضلاتها .

وفي قوله :(ولم يزل سيّدي بالحمدِ معروفاً) دلالة على أنّ الخِلقة غير منقطعة من جهة أوّلها ، كما أنّها غير منقطعة من جهة آخرها وفيما ورد عنه وعن أبنائه من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، أخبارٌ دالّة على أنّ هذا العالم الموجود مسبوق وملحوق بعوالم أُخر لا يحصيها إلاّ الله سبحانه .

في بيان جُمل من الحقائق

ومن كلام لهعليه‌السلام في بيان جملة من الحقائق المذكورة سابقاً :

(خَلَقَ الله الخلْق فعلّق حجاباً بينه وبينهم ، فبمباينته إيّاهم مفارقته إنيّتهم ، وإبداؤه إيّاهم شاهدٌ على ألاّ أداة فيه ؛ لشهادة الأدوات بفاقة المؤدِّين وابتداؤه إيّاهم دليل على ألاّ ابتداء له ؛ لعجز كلِّ مبتدأٍ عن إبداء غيره.

أسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ، وذاته حقيقة ، وكُنهه تفرقةٌ بينه وبين خلْقه ، قد جهل اللهَ مَن استوصفه ، وتعدّاه مَن مثّله ، وأخطأه مَن اكتنهه .

فمَن قال : أين ؟ فقد بوّأه ، ومَن قال : فيمَ ؟ فقد ضمّنه ، ومَن قال : إلى مَ ؟ فقد نهاه ، ومَن قال : لِمَ ؟ فقد علّله ، ومَن قال : كيف ؟ فقد شبّهه ، ومَن قال : إذ ، فقد وقّته ، ومَن قال : حتّى ، فقد غيّاه) .

ـــــــــــــ

(١) توحيد الصدوق : ١٧٤ ، باب نفي المكان والزمان والسكون والحركة ، الحديث ١٢ بحار الأنوار : ٣ / ٣٢٧ ، كتاب التوحيد ، باب ١٤ ـ نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى ، الحديث ٢٧ .

٢٨٧

إلى أن قال :

(لا يتغيّر الله بتغيير المخلوق ، كما لا يتحدّد بتحديد المحدود أحدٌ

لا بتأويل عدد ، صمدٌ لا بتبعيض بَدَد باطنٌ لا بمداخلة ، ظاهر لا بمزايلة ، متجلٍّ لا باشتمال رؤية) (١) .

في معنى الخِلْقَة

ومن كلامهعليه‌السلام في معنى الخِلْقَة :

(لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة ، ولا من أوائل أبدية ، بل خَلَق ما خَلَق فأقام حدَّه ، وصوّر ما صوّر فأحسن صورَته ليس لشيء منه امتناعٌ ، ولا له بطاعة شيء انتفاعٌ) (٢) .

ينفيعليه‌السلام في كلامه هذا أنّ الخِلْقَة إنّما هي عمليّة تركيب وتفريق ، يقعان من الواجب تعالى على المادة القديمة الثابتة المستغنية في وجودها عن الواجب ؛ وبنى بيان ذلك على لزوم إطاعتها للفعل ، فأخر كلامه برهان على أوّله .

ـــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٦٢ ، باب ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ خطبتهعليه‌السلام في إخلاص التوحيد التوحيد : ٣٧ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، الحديث ٢ ، باختلاف يسير .

(٢) نهج البلاغة : ٢٣٣ ، الخطبة ١٦٣ ، ابتداع المخلوقين بحار الأنوار : ٤ / ٣٠٦ ، أبواب أسمائه تعالى وحقائقها وصفاتها ـ باب ٤ : جوامع التوحيد ، الحديث ٣٥ .

٢٨٨

حول ما وراء الطبيعة

ومن كلامهعليه‌السلام ـ وقد سُئل عن العالم العلوي ـ :(صور عارية عن المواد ، خالية عن القوّة والاستعداد ، تجلّى لها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت) (١) .

تكاد تجمع الأبحاث والدراسات العقليّة في الفلسفة الإلهيّة ، على إثبات موجودات متوسّطة بين الواجب تعالى وعالم المادة ، تكون نسبتها إلى الماديّات ـ من جهة ـ نسبة الكمال إلى المستكمِل ؛ إذ إنّ الأوّل الكمال فيه فعلي ، والكمال في الثاني تدريجي غير مجتمع فيه .

ومن جهة ثانية نسبتها إلى الماديات نسبة الجسم الصيقلي إلى الجسم غير الصيقلي (الخشن) ، حيث نرى أنّ الصيقلي يرد أشعة الشمس الساطعة عليه ويعكسها دون الخشن .

وهذه الموجودات المتوسّطة تتقبّل الفيوضات من الواجب تعالى ، ثمّ تعكسها وتردّها إلى ما دونها ؛ وذلك لفعليّة الكمال فيها وتدريجيّته فيما دونها .

وهذا البحث متشّعب وطويل ، مذكور في محلّه من الكتب الفلسفيّة ، وكلامهعليه‌السلام أوجز كلام ، يتضمّن الحقائق التي أثبتتها البراهين والأدلّة في هذا الباب .

ـــــــــــــ

(١) تقدّم في الصفحة ٣٠٠ ، الهامش رقم ٣ ، فراجع .

٢٨٩

الفهرست

مقدِّمة التحقيق. ٢

الميزة الأُولى : موضوعه ٣

الميزة الثانية : مؤلّفه ٥

الإنسان قبل الدنيا ٨

الفصل الأوّل : العِلَّة والمعلول. ٩

الفصل الثاني : بين الخلْق والأمر ١٠

خاتمة تناسب ما مرّ من الكلام ٢٧

الإنسان في الدنيا ٣٦

الفصل الأوّل : صُوَر علومنا الذهنيّة ٣٦

الفصل الثاني : حياة الإنسان ظرف نفسه ٤١

الإنسان بعد الدُّنيا ٤٧

الفصل الأوّل : في الموت والأجل. ٤٨

الفصل الثاني : في البرزخ. ٦٣

الفصل الثالث: في نفخ الصُّورِ ٧٤

الفصل الرابع: في صفات يوم القيامة ٨٥

الفصل الخامس: في قيام الإنسان إلى فصل القضاء ٩٧

الفصل السادس: في الصراط. ١٠١

الفصل السابع: في الميزان. ١٠٥

الفصل الثامن: في الكتب.. ١٠٨

الفصل التاسع: في الشهداء يوم القيامة ١١٨

الفصل العاشر : في الحساب.. ١٣١

الفصل الحادي عشر : في الجزاء ١٣٨

٢٩٠

الفصل الثاني عشر: في الشفاعة ١٤٤

القول في أقسام الشافعين. ١٥٣

الفصل الثالث عشر: في الأعراف.. ١٥٨

الفصل الرابع عشر: في الجنّة ١٦٦

الفصل الخامس عشر: في النار ١٧٣

الفصل السادس عشر: في عموم المعاد ١٧٧

خاتمة : ١٨٣

رسالة الولاية ١٨٣

تمهيد : ١٨٤

الفصل الأوّل : في أنّ لظاهر هذا الدين باطناً ، ولصورته الحقّة حقائق. ١٨٤

الفصل الثاني : في أنّه حيث لم يكن النظام نظام الاعتبار ، فكيف يجب أن يكون الأمر في نفسه ؟ ١٩٢

الفصل الثالث : [وسائل الاتّصال بالعالم الغيبي وطرق معرفته] ١٩٩

الفصل الرابع : في أنّ الطريق إلى هذا الكمال ـ بعد إمكانه ـ ما هو؟ ٢٠٧

الفصل الخامس : فيما ناله الإنسان بكماله ٢٣٥

تتمّة : ٢٣٦

عليٌ عليه‌السلام والفلسفة الإلهية ٢٥٠

تقديمٌ : ما معنى الفلسفة الإلهية ؟ ٢٥١

الدين والفلسفة ٢٥٣

فلسفة الإسلام الإلهية ، أو كمال الفلسفة ٢٥٦

القضاء قضاءان : حقوقي وعلمي. ٢٥٨

قياس المأثور من كلامه عليه‌السلام بكلام غيره ٢٦٦

نماذج من كلامه عليه‌السلام في الفلسفة الإلهيّة ٢٧٠

٢٩١

أُسلوب التحقيق العلمي ، وطريق السير إلى الحقيقة ٢٧١

المراحل الخمس لمعرفة الله تعالى. ٢٧٣

في تحقيق معنى التوحيد. ٢٧٨

عدّة مسائل : فلسفية غامضة في كلام له عليه‌السلام في التوحيد. ٢٨٠

في علمه تعالى بغيره ، وعلم الغير به ، وتقدّمه على الأشياء ٢٨٣

في بيان معنى صفاته (تعالى) العليا ٢٨٤

توضيح صفاته الثبوتيّة والسلبيّة ٢٨٤

في رؤيته تعالى. ٢٨٥

في بيان جُمل من الحقائق. ٢٨٧

في معنى الخِلْقَة ٢٨٨

حول ما وراء الطبيعة ٢٨٩

٢٩٢

ورواه الصدوق بطريق آخر (١) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، ورواها الصدوق أيضاً بطريق ثالث (٢) عن أبي الطفيل أيضاً، بل رواه الصدوق بطريقين آخرين عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في نفس الباب (٣).

السادسة: ما رواه الكليني في الكافي عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديثه (عليه السلام) مع الشامي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (أُخبرك كيف كان سفرك، وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا، فأقبلَ الشامي يقول: صدقتَ، أسلمتُ لله الساعة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (بل آمنتَ بالله الساعة، إنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون).

فقال الشامي: صدقتَ، وأنا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّك وصيّ الأوصياء) (٤).

____________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ج١، ص ٢٩٧ الباب السادس والعشرون، ح٥.

(٢) كمال الدين: ج١ الباب السادس والعشرون ح٦، ص ٢٩٩.

(٣) كمال الدين: ج١ الباب السادس والعشرون ح٧، ح٨.

(٤) الكليني: ج١، ص١٧١ - ١٧٣.

٢٩٣

الطائفةُ الثالثة

شهاداتُ الميثاق

وهي الروايات التي لسانها أخذُ الشهادات الثلاث في الميثاق، على الأنبياء والرسل وفي الكتب السابقة.

الأولى: ما رواه الحرّ العاملي في إثبات الهداة عن كتاب المعرفة لإبراهيم بن محمد الثقفي، بسنده عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ الله خَلق مَلَكين يكنفان العرش وأمَرَهما بشهادتين فشهدا، ثُمّ قال لهما اشهدا أنّ عليّاً أمير المؤمنين فشهدا) (١).

وروى عدّة روايات بنفس السند تفيد اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين في العرش وحول العرش.

الثانية: أيضاً ما رواه الحرّ العاملي بنفس الإسناد السابق عن أبي جعفر (عليه السلام): (إنّ عليّاً سُمّي أمير المؤمنين عند أخذ الميثاق على بني آدم) (٢).

الثالثة: ما رواه أيضاً الحرّ العاملي عن كتاب ما نزلَ من القرآن في النبي والآل، لمحمّد بن العبّاس بن مروان بإسناده عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، في حديث أنّ الأنبياء قالوا له ليلة المعراج: (إنّ عليّاً أمير المؤمنين وصيّك، وأنّك سيّد النبيّين، وأنّ عليّاً سيّد الوصيين) (٣).

____________________

(١) إثبات الهداة: الباب العاشر ح٩٥٥، ص ١٩٣.

(٢) إثبات الهداة: الباب العاشر ح٩٥٨، ص ١٩٣.

(٣) إثبات الهداة: الباب العاشر ح ٩٦٣، ص١٩٣.

٢٩٤

الرابعة: ما رواه الحرّ العاملي عن بكير بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث الحجر الأسود: (وإنّ الله أودعهُ - يعني ذلك المَلَك - الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة؛ لأنّ الله عزّ وجل لمّا أخذ الميثاق له بالربوبيّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوّة، ولعليّ (عليه السلام) بالوصيّة، اصطكّت فرايص الملائكة، فأوّل مَن أسرعَ إلى الإقرار ذلك المَلَك، ولم يكن فيهم أشدّ حبّاً لمحمّد وآل محمّد منه، فكذلك اختارهُ الله من بينهم وألقمهُ الميثاق) (١).

الخامسة: ما رواه الصدوق بسند متّصل عن محمد بن عبد الرحمان الضبّي، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (ولايتنا ولاية الله التي لم يُبعث نبيّ قط إلاّ بها) (٢).

السادسة: ما رواه الصدوق عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين: (أنّه جاء إليه رجل فقال له: يا أبا الحسن، إنّك تدّعي أمير المؤمنين فمَن أمّرك عليهم؟ قال (عليه السلام): (الله جلّ جلاله أمّرني عليهم، فجاء الرجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول الله، أيصدق علي فيما يقول إنّ الله أمّره على خلقه، فغضبَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: إنّ عليّاً أمير المؤمنين بولاية من الله عزّ وجل عَقدها له فوق عرشه، وأشهدَ على ذلك ملائكته أنّ عليّاً خليفة الله وحجّة الله، وإنّه لإمام المسلمين...) (٣) الحديث.

____________________

(١) إثبات الهداة: الباب العاشر ح٦٤، ص١٦، عِلل الشرائع للصدوق: الباب ١٦٤ الحديث الأول، ص٤٢٩.

(٢) الأمالي للطوسي: المجلس السادس والثلاثون، الحديث ١٩.

(٣) الأمالي للصدوق: المجلس السابع والعشرون، الحديث ٨.

٢٩٥

السابعة: ما رواه الصدوق في العلّة التي من أجلها جُعل الميثاق في حجر الركن، عن بكير بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) لأيّ علّة وضعَ الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ قال: (.... فلعلّة العهد تجديداً لذلك العهد والميثاق، وتجديداً للبيعة، وليؤدّوا إليه في ذلك العهد الذي أُخذ عليهم في الميثاق فيأتونه في كلّ سنة، وليؤدّوا إليه ذلك العهد،... وإنّ الله عزّ وجل أودعهُ العهد والميثاق وألقمهُ إياه دون غيره من الملائكة؛ لأنّ الله تعالى لمّا أخذ الميثاق له بالربوبيّة، ولمحمّد بالنبوّة، ولعليّ (عليه السلام) بالوصيّة...) (١) .

الثامنة: روى الصدوق بالصحيح الأعلائي عن أبي هاشم داود بن قاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني محمّد بن علي (عليهم السلام) قال: (أقبلَ أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم معه الحسن بن علي (عليه السلام)، وسلمان الفارسي (رحمه الله)، وأمير المؤمنين متكئ على يد سلمان، فدخلَ المسجد الحرام فجلسَ، إذ أقبلَ رجل حَسَن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين (عليه السلام) فردّ عليه السلام، فجلسَ ثُمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتَني بهنّ علمتُ أنّ القوم قد ركبوا من أمرك ما أُقضي عليهم... - ثُمّ سألَ مسائله الثلاث - فأوعزَ أمير المؤمنين إلى أبي محمد الحسن (عليه السلام) فأجابهُ على مسائله كلّها فقال الرجل:

____________________

(١) عِلل الشرائع: ج٢، ص٤٢٩ -٤٣٠.

٢٩٦

أشهد أن لا إله إلاّ الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته بعده - وأشار بيده إلى أمير المؤمنين - ولم أزل أشهد بها، ثُمّ تشهّد بوصاية واحد واحد من أسماء الأئمّة حتّى ذكرَ أسمائهم، ثُمّ قام فمضى فقال (عليه السلام): هو الخضر...) (١).

التاسعة: ما رواه المفيد في الاختصاص عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى توحّد بمُلكه... ثُمّ قال: يا مفضّل، والله ما استوجبَ آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه، إلاّ بولاية علي (عليه السلام)، وما كلّمَ الله موسى تكليماً إلاّ بولاية علي (عليه السلام)، ولا أقامَ الله عيسى بن مريم آية للعالمين إلاّ بالخضوع لعلي (عليه السلام)، ثُمّ قال: أجملَ الأمر ما استأهلَ خلق من الله النظر إليه، إلاّ بالعبوديّة لنا) (٢).

ويراد بالعبوديّة هنا: خضوع وانقياد الطاعة لهم صلوات الله عليهم أجمعين، حيث قرنَ الله تعالى طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله.

وعقدَ المجلسي (قدِّس سرّه) في البحار (٣) في تاريخ أمير المؤمنين، باباً بعنوان ذِكره (عليه السلام) في الكتب السماويّة، وقد تضمّن ما يقرب من ثلاثة عشر حديثاً وكلّها متضمّنة لاقتران الشهادات الثلاث في الكتب السماويّة.

____________________

(١) إكمال الدين وإتمام النعمة: الباب ٢٩، ح١، ص ٣١٣ - ٣١٥.

(٢) الاختصاص: ص٢٥٠ طبعة جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

(٣) البحار: ج٣٨، باب ٥٨، ص٤١ - ٦٢.

٢٩٧

الطائفةُ الرابعة

الشهاداتُ الثلاث في التلقين

تلقين المحتضر والميّت الشهادات الثلاث والإقرار بالأئمّة (عليهم السلام).

الأولى: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لو أدركتُ عكرمة عند الموت لنفعته، فقيل لأبي عبد الله (عليه السلام) بماذا كان ينفعه؟ قال: يلقّنه ما أنتم عليه) (١) .

الثانية: رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (فلقِّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ الله والولاية) (٢).

الثالثة: ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (والله، لو أنّ عابد وَثن وصفَ ما تصفون عند خروج نفسه ما طَعمت النار من جسده شيئاً أبداً)، أي: وصف كلّ من الشهادات الثلاث.

الرابعة: مصحّح معاوية بن وهب في حديث، أنّ رجلاً شيخاً كان من المخالفين عَرضَ عليه ابن أخيه الولاية عند موته، فأقرّ بها وشهقَ ومات قال: فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام)، فعرضَ علي بن السري هذا الكلام على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: (هو رجل من أهل الجنّة، قال له علي بن السري: إنّه لم يعرف شيئاً من هذا غير ساعته تلك، قال: فتريدون منه ماذا؟ قد والله، دخلَ الجنّة) (٣).

____________________

(١) الوسائل: أبواب الاحتضار الباب ٣٧، الحديث ١.

(٢) الوسائل: أبواب الاحتضار الباب ٣٧، الحديث ٢.

(٣) أبواب جهاد النفس: الباب ٩٣، الحديث ٤.

٢٩٨

الخامسة: رواية يحيى بن عبد الله في تلقين الميّت بعد الدفن، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (ما على أهل الميت منكم أن يدرؤوا عن ميّتهم لقاء منكر،... ثُمّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان، أو يا فلانة بنت فلان، هل أنت على العهد الذي فارَقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله سيّد النبيين، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين وسيّد الوصيين...) (١) الحديث.

ومثلها رواية جابر بن يزيد (٢).

السادسة: ما روي في إثبات الهداة عن إبراهيم بن إسحاق الصولي، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديث عن أبيه، عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ أوّل ما يُسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّك وليّ المؤمنين بما جعلهُ الله وجَعلته لك، فمَن أقرّ بذلك وكان يعتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له)، إلى أن قال أبو ذكوان: وهذا الحديث قد رواه الناس عن رسول الله، إلاّ أنّه ليس فيه ذِكر النعيم والآية وتفسيرها؛ إنّما رووا: أنّ أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الشهادة، والنبوّة، وموالاة علي بن أبي طالب) (٣) .

____________________

(١) أبواب الدفن: الباب ٣٥، ح١.

(٢) أبواب الدفن: من الباب ٣٥، ح٢.

(٣) إثبات الهداة: الباب العاشر، الحديث ١٢٩، ص ٣١، عيون أخبار الرضا: ج٢.

٢٩٩

أقول: هذه الطائفة من الروايات دالّة بوضوح على أنّ اقتران الشهادات الثلاث في التشهّد والإقرار، هو من قوام الإقرار والتشهّد، وأنّ من دون ذلك لا يتحقّق كلّ منهما ولا يترتّب أثرهما، وأنّ الاقتران حقيقة التشهّد وحقيقة الدين الذي يُدان به الإنسان عند موته الذي هو أوّل يوم من أيّام الآخرة، وأنّه يُسأل عن ذلك قبل بقيّة أركان الدين، ممّا يقتضي عدم الاكتراث بالعمل ببقيّة الأركان مجرّدة عن اقتران الشهادات الثلاث، وأنّ مجموع الثلاث واقترانها كالعنوان لصحيفة الأعمال، كما ورد بهذا اللفظ في روايات الفريقين هذا هو المفاد المطابقي الأوّلي لهذه الروايات، وهو عين مفاد آية الغدير من إكمال الدين بولاية علي (عليه السلام).

أمّا التقريب الخاص بدلالتها، فبضميمة ما سيأتي من مجموعة قرائن لدلالة جميع هذه الطوائف، نعم، هذه الطائفة تمتاز بدفع جملة من الاستبعادات التي تثار في الأقتران في الموارد التي تقتضي الشعاريّة منذ عهد الصدر الأوّل، لاسيّما وأنّ الباقر (عليه السلام) الذي أراد أن يلقِّن عكرمة بها، قد أدركَ جملة من الصحابة ممّا يُنبّه على تقادم اتخاذ الشهادات في المواطن الحسّاسة لإقامة الدين، نظير تلقين المحتضر والميّت، وهو كيوم الدخول في الدين المشار إليه بالعهد في الروايات المتقدّمة.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420