الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة14%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108439 / تحميل: 6623
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ولعلّ هذه الجملة إشارة إلى القيامة الوارد ذكرها آنفا ، أو أنّها إشارة إلى القرآن ، لأنّه ورد التعبير عنه بـ «الحديث» في بعض الآيات كما في الآية ٣٤ من سورة الطور ، أو أنّ المراد من «الحديث» هو ما جاء من القصص عن هلاك الأمم السابقة أو جميع هذه المعاني.

ثمّ يقول مخاطبا :( وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ) أي في غفلة مستمرّة ولهو وتكالب على الدنيا ، مع أنّه لا مجال للضحك هنا ولا الغفلة والجهل ، بل ينبغي أن يبكى على الفرص الفائتة والطاعات المتروكة ، والمعاصي المرتكبة ، وأخيرا فلا بدّ من التوبة والرجوع إلى ظلّ الله ورحمته!

وكلمة سامدون مشتقّة من سمود على وزن جمود ـ ومعناه اللهو والانشغال ورفع الرأس للأعلى تكبّرا وغرورا ، وهي في أصل استعمالها تطلق على البعير حين يرفل في سيره ويرفع رأسه غير مكترث بمن حوله.

فهؤلاء المتكبّرون المغرورون كالحيوانات همّهم الأكل والنوم ، وهم غارقون باللذائذ جاهلون عمّا يحدق بهم من الخطر والعواقب الوخيمة والجزاء الشديد الذي سينالهم.

ويقول القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث ـ وهي آخر آية من سورة النجم أيضا ـ بعد أن بيّن أبحاثا متعدّدة حول إثبات التوحيد ونفي الشرك :( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) .

فإذا أردتم أن تسيروا في الصراط المستقيم والسبيل الحقّ فاسجدوا لذاته المقدّسة فحسب ، إذ لله وحده تنتهي الخطوط في عالم الوجود ، وإذا أردتم النجاة من العواقب الوخيمة التي أصابت الأمم السالفة لشركهم وكفرهم فوقعوا في قبضة عذاب الله ، فاعبدوا الله وحده.

الذي يجلب النظر ـ كما جاء في روايات متعدّدة ـ أنّ النّبي عند ما تلا هذه الآية وسمعها المؤمنون والكافرون سجدوا لها جميعا.

٢٨١

ووفقا لبعض الرّوايات أن الوحيد الذي لم يسجد لهذه الآية عند سماعها هو «الوليد بن المغيرة» [لعلّه لم يستطع أن ينحني للسجود] فأخذ قبضة من التراب ووضعها على جبهته فكان سجوده بهذه الصورة.

ولا مكان للتعجّب أن يسجد لهذه الآية حتى المشركون وعبدة الأصنام ، لأنّ لحن الآيات البليغ من جهة ، ومحتواها المؤثّر من جهة اخرى وما فيها من تهديد للمشركين من جهة ثالثة ، وتلاوة هذه الآيات على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرحلة الاولى من نزول الآيات عن لسان الوحي من جهة رابعة كلّ هذه الأمور كان لها دور في التأثير والنفوذ إلى القلوب حتّى أنّه لم يبق أيّ قلب إلّا اهتزّ لجلال آيات الله وألقى عنه. ستار الضلال وحجب العناد ـ ولو مؤقتا ـ ودخله نور التوحيد المشعّ!.

وإذا تلونا الآية ـ بأنفسنا ـ وأنعمنا النظر فيها بكلّ دقّة وتأمّل وحضور قلب وتصوّرنا أنفسنا أمام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي جوّ نزول الآيات وبقطع النظر ـ عن اعتقادنا الإسلامي ـ نجد أنفسنا ملزمين على السجود عند تلاوتنا لهذه الآية وأنّ نحني رؤوسنا إجلالا لربّ الجلال!

وليست هذه هي المرّة الاولى التي يترك القرآن بها أثره في قلوب المنكرين ويجذبهم إليه دون اختيارهم ، إذ ورد في قصّة «الوليد بن المغيرة» أنّه لمّا سمع آيات فصّلت وبلغ النّبي (في قوله) إلى الآية :( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) قام من مجلسه واهتزّ لها وجاء إلى البيت فظنّ جماعة من المشركين أنّه صبا إلى دين محمّد.

فبناء على هذا ، لا حاجة أن نقول بأنّ جماعة من الشياطين أو جماعة من المشركين الخبثاء حضروا عند النّبي ولمّا سمعوا النّبي يتلو الآية :( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) بسطوا ألسنتهم وقالوا : تلك الغرانيق العلى!! ولذلك انجذب المشركون لهذه الآيات فسجدوا أيضا عند تلاوة النّبي آية السجدة!

٢٨٢

لأنّنا كما أشرنا آنفا في تفسير هذه الآيات. انّ الآيات التي تلت هذه الآيات عنّفت المشركين ولم تدع مجالا للشكّ والتردّد والخطأ لأي أحد (في مفهوم الآية) [لمزيد الإيضاح يراجع تفسير الآيتين ١٩ و٢٠ من هذه السورة].

وينبغي الالتفات أيضا إلى أنّ الآية الآنفة يجب السجود عند تلاوتها ، ولحن الآية التي جاءت مبتدئة بصيغة الأمر ـ والأمر دالّ على الوجوب ـ شاهد على هذا المعنى.

وهكذا فإنّ هذه السورة ثالثة السور الوارد فيها سجود واجب ، أي هي بعد سورة الم السجدة ، وحم السجدة وإن كان بعضهم يرى بأنّ أوّل سورة فيها سجود واجب نزلت على النّبي من الناحية التاريخية ـ هي هذه السورة.

اللهمّ أنر قلوبنا بأنوار معرفتك لئلّا نعبد سواك شيئا ولا نسجد إلّا لك.

اللهمّ إنّ مفاتيح الرحمة والخير كلّها بيد قدرتك ، فارزقنا من خير مواهبك وعطاياك ، أي رضاك يا ربّ العالمين.

اللهمّ ارزقنا بصيرة في العبر ـ لنعتبر بالأمم السالفة وعاقبة ظلمها وأن نحذر الاقتفاء على آثارهم

آمين يا ربّ العالمين.

* * *

انتهت سورة النجّم

٢٨٣
٢٨٤

سورة

القمر

مكّية

وعدد آياتها خمس وخمسون آية

٢٨٥
٢٨٦

«سورة القمر»

محتوى السورة :

تحوي هذه السّورة خصوصيات السور المكيّة التي تتناول الأبحاث الأساسيّة حول المبدأ والمعاد ، وخصوصا العقوبات التي نزلت بالأمم السالفة ، وذلك نتيجة عنادهم ولجاجتهم في طريق الكفر والظلم والفساد ممّا أدّى بها الواحدة تلو الاخرى إلى الابتلاء بالعذاب الإلهي الشديد ، وسبّب لهم الدمار العظيم.

ونلاحظ في هذه السورة تكرار قوله تعالى :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) وذلك بعد كلّ مشهد من مشاهد العذاب الذي يحلّ بالأمم لكي يكون درسا وعظة للمسلمين والكفّار.

ويمكن تلخيص أبحاث هذه السورة في عدّة أقسام هي :

١ ـ تبدأ السورة بالحديث عن قرب وقوع يوم القيامة ، وموضوع شقّ القمر ، وإصرار وعناد المخالفين في إنكار الآيات الإلهيّة.

٢ ـ والقسم الثاني يبحث بتركيز واختصار عن أوّل قوم تمرّدوا على الأوامر الإلهيّة ، وهم قوم نوح ، وكيفيّة نزول البلاء عليهم.

٣ ـ أمّا القسم الثالث فإنّه يتعرّض إلى قصّة قوم «عاد» وأليم العذاب الذي حلّ بهم.

٤ ـ وفي القسم الرابع تتحدّث الآيات عن قوم «ثمود» ومعارضتهم لنبيّهم صالحعليه‌السلام وبيان معجزة الناقة ، وأخيرا ابتلاؤهم بالصيحة السماوية.

٥ ـ تتطرّق الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن قوم «لوط» ضمن بيان واف

٢٨٧

لانحرافهم الأخلاقي ثمّ عن السخط الإلهي عليهم وابتلائهم بالعقاب الرّباني.

٦ ـ وفي القسم السادس تركّز الآيات الكريمة ـ بصورة موجزة ـ الحديث عن آل فرعون ، وما نزل بهم من العذاب الأليم جزاء كفرهم وضلالهم.

٧ ـ وفي القسم الأخير تعرض مقارنة بين هذه الأمم ومشركي مكّة ومخالفي الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمستقبل الخطير الذي ينتظر مشركي مكّة فيما إذا استمرّوا على عنادهم وإصرارهم في رفض الدعوة الإلهيّة.

وتنتهي السورة ببيان صور ومشاهد من معاقبة المشركين ، وجزاء وأجر المؤمنين والمتّقين.

وسورة القمر تتميّز آياتها بالقصر والقوّة والحركية.

وقد سمّيت هذه السورة بـ (سورة القمر) لأنّ الآية الاولى منها تتحدّث عن شقّ القمر.

فضيلة تلاوة سورة القمر :

ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«من قرأ سورة اقتربت الساعة في كلّ غبّ بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر ، ومن قرأها كلّ ليلة كان أفضل وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق»(١) .

ومن الطبيعي أن تكون النورانية التي تتّسم بها هذه الوجوه تعبيرا عن الحالة الإيمانية الراسخة في قلوبهم نتيجة التأمّل والتفكّر في آيات هذه السورة المباركة والعمل بها بعيدا عن التلاوة السطحية الفارغة من التدبّر في آيات الله.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ (بداية سورة القمر).

٢٨٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) )

التّفسير

شقّ القمر!!

يتناول الحديث في الآية الاولى حادثتين مهمّتين :

أحدهما : قرب وقوع يوم القيامة ، والذي يقترن بأعظم تغيير في عالم الخلق ، وبداية لحياة جديدة في عالم آخر ، ذلك العالم الذي يقصر فكرنا عن إدراكه نتيجة محدودية علمنا واستيعابنا للمعرفة الكونية.

والحادثة الثانية التي تتحدّث الآية الكريمة عنها هي معجزة انشقاق القمر العظيمة التي تدلّل على قدرة البارئعزوجل المطلقة ، وكذلك تدلّ ـ أيضا ـ على صدق دعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى :( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) .

٢٨٩

وجدير بالذكر أنّ سورة النجم التي أنهت آياتها المباركة بالحديث عن يوم القيامة( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) تستقبل آيات سورة القمر بهذا المعنى أيضا ، ممّا يؤكّد قرب وقوع اليوم الموعود رغم أنّه عند ما يقاس بالمقياس الدنيوي فقد يستغرق آلاف السنين ويتوضّح هذا المفهوم ، حينما نتصوّر مجموع عمر عالمنا هذا من جهة ، ومن جهة اخرى عند ما نقارن جميع عمر الدنيا في مقابل عمر الآخرة فانّها لا تكون سوى لحظة واحدة.

إنّ اقتران ذكر هاتين الحادثتين في الآية الكريمة : «انشقاق القمر واقتراب الساعة» دليل على قرب وقوع يوم القيامة ، كما ذكر ذلك قسم من المفسّرين حيث أنّ ظهور الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو آخر الأنبياء ـ قرينة على قرب وقوع اليوم المشهود قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين»(١) مشيرا إلى إصبعيه الكريمين.

ومن جهة اخرى ، فإنّ انشقاق القمر دليل على إمكانية اضطراب النظام الكوني ، ونموذج مصغّر للحوادث العظيمة التي تسبق وقوع يوم القيامة في هذا العالم ، حيث اندثار الكواكب والنجوم والأرض يعني حدوث عالم جديد ، استنادا إلى الرّوايات المشهورة التي ادّعى البعض تواترها.

قال ابن عبّاس : اجتمع المشركون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فلقتين ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن فعلت تؤمنون؟» قالوا : نعم ، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فلقتين ورسول الله ينادي : «يا فلان يا فلان ، اشهدوا»(٢) .

ولعلّ التساؤل يثار هنا عن كيفية حصول هذه الظاهرة الكونية : (انشقاق هذا الجرم السماوي العظيم) وعن مدى تأثيره على الكرة الأرضية والمنظومة

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٩.

(٢) ذكر في مجمع البيان وكتب تفسير اخرى في هامش تفسير الآية مورد البحث.

٢٩٠

الشمسية ، وكذلك عن طبيعة القوّة الجاذبة التي أعادت فلقتي القمر إلى وضعهما السابق ، وعن كيفيّة حصول مثل هذا الحدث؟ ولماذا لم يتطرّق التاريخ إلى ذكر شيء عنه؟ بالإضافة إلى مجموعة تساؤلات اخرى حول هذا الموضوع والتي سنجيب عليها بصورة تفصيليّة في هذا البحث إن شاء الله.

والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ بعض المفسّرين الذين تأثّروا بوجهات نظر غير سليمة ، وأنكروا كلّ معجزة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدا القرآن الكريم ، عند ما التفتوا إلى وضوح الآية الكريمة محلّ البحث والرّوايات الكثيرة التي وردت في كتب علماء الإسلام في هذا المجال ، واجهوا عناءا في توجيه هذه المعجزة الربّانية ، وحاولوا نفي الظاهرة الإعجازية لهذا الحادث

والحقيقة أنّ مسألة «انشقاق القمر» كانت معجزة ، والآيات اللاحقة تحمل الدلائل الواضحة على صحّة هذا الأمر كما سنرى ذلك إن شاء الله.

لقد كان جديرا بهؤلاء أن يصحّحوا وجهات نظرهم تلك ، ليعلموا أنّ للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة أيضا.

وإذا أريد الاستفادة من الآيات القرآنية لنفي المعجزات فإنّها تنفي المعجزات المقترحة من قبل المشركين المعاندين الذين لم يقصدوا قبول دعوة الحقّ من أوّل الأمر ولم يستجيبوا للرسول الأكرم بعد إنجاز المعجز ، لكن المعجزات التي تطلب من الرّسول من أجل الاطمئنان إلى الحقّ والإيمان به كانت تنجز من قبله ، ولدينا دلائل عديدة على هذا الأمر في تأريخ حياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) .

والمراد من قوله تعالى «مستمر» أنّهم شاهدوا من الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة ، وشقّ القمر هو استمرار لهذه المعاجز ، وأنّهم كانوا يبرّرون إعراضهم عن الإيمان وعدم الاستسلام لدعوة الحقّ وذلك بقولهم : إنّ هذه المعاجز كانت «سحر مستمر».

٢٩١

وهنالك بعض المفسّرين من فسّر «مستمر» بمعنى «قوي» كما قالوا : (حبل مرير) أي : محكم ، والبعض فسّرها بمعنى : الطارئ وغير الثابت ، ولكن التّفسير الأنسب هو التّفسير الأوّل.

أمّا قوله تعالى :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) فإنّه يشير إلى سبب مخالفتهم وعنادهم وسوء العاقبة التي تنتظرهم نتيجة لهذا الإصرار.

إنّ مصدر خلاف هؤلاء وتكذيبهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تكذيب معاجزه ودلائله ، وكذلك تكذيب يوم القيامة ، هو اتّباع هوى النفس.

إنّ حالة التعصّب والعناد وحبّ الذات لم تسمح لهم بالاستسلام للحقّ ، ومن جهة اخرى فإنّ المشركين ركنوا للملذّات الرخيصة بعيدا عن ضوابط المسؤولية ، وذلك إشباعا لرغباتهم وشهواتهم ، وكذلك فإنّ تلوّث نفوسهم بالآثام حال دون استجابتهم لدعوة الحقّ ، لأنّ قبول هذه الدعوة يفرض عليهم التزامات ومسئوليات الإيمان والاستجابة للتكاليف

نعم إنّ هوى النفس كان وسيبقى السبب الرئيسي في إبعاد الناس عن مسير الحقّ

وبالنسبة لقوله تعالى :( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) ، يعني أنّ كلّ إنسان يجازى بعمله وفعله ، فالصالحون سيكون مستقرّهم صالحا ، والأشرار سيكون مستقرّهم الشرّ.

ويحتمل أن يكون المراد في هذا التعبير هو أنّ كلّ شيء في هذا العالم لا يفنى ولا يزول ، فالأعمال الصالحة أو السيّئة تبقى مع الإنسان حتّى يرى جزاء ما فعل.

ويحتمل أن يكون تفسير الآية السابقة أنّ الأكاذيب والاتّهامات لا تقوى على الاستمرار الأبدي في إطفاء نور الحقّ والتكتّم عليه ، حيث إنّ كلّ شيء (خير أو شرّ) يسير بالاتّجاه الذي يصبّ في المكان الملائم له ، حيث إنّ الحقّ سيظهر وجهه الناصح مهما حاول المغرضون إطفاءه ، كما أنّ وجه الباطل القبيح سيظهر قبحه كذلك ، وهذه سنّة إلهيّة في عالم الوجود.

٢٩٢

وهذه التفاسير لا تتنافى فيما بينها ، حيث يمكن جمعها في مفهوم هذه الآية الكريمة.

* * *

بحوث

١ ـ شقّ القمر معجزة كبيرة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع ذلك فإنّ بعض الأشخاص السطحيين يصرّون على إخراج هذا الحادث من حالة الإعجاز ، حيث قالوا : إنّ الآية الكريمة تحدّثنا فقط عن المستقبل وعن أشراط الساعة ، وهي الحوادث التي تسبق وقوع يوم القيامة

لقد غاب عن هؤلاء أنّ الأدلّة العديدة الموجودة في الآية تؤكّد على حدوث هذه المعجزة ، ومن ضمنها ذكر الفعل (انشقّ) بصيغة الماضي ، وهذا يعني أنّ (أشقّ القمر) شيء قد حدث كما أنّ قرب وقوع يوم القيامة قد تحقّق ، وذلك بظهور آخر الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بالإضافة إلى ذلك ، إن لم تكن الآية قد تحدّثت عن وقوع معجزة ، فلا يوجد أي تناسب أو انسجام بينها وبين ما ورد في الآية اللاحقة حول افترائهم على الرّسول بأنّه (ساحر) وكذلك قوله :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) والتي تخبر الآية هنا عن تكذيبهم للرسالة والرّسول ومعاجزه.

إضافة إلى ذلك فإنّ الرّوايات العديدة المذكورة في الكتب الإسلامية ، والتي بلغت حدّ التواتر نقلت وقوع هذه المعجزة ، وبذلك أصبحت غير قابلة للإنكار.

ونشير هنا إلى روايتين منها :

الاولى : أوردها الفخر الرازي أحد المفسّرين السنّة ، والاخرى للعلّامة الطبرسي أحد المفسّرين الشيعة.

يقول الفخر الرازي : «والمفسّرون بأسرهم على أنّ المراد أنّ القمر انشقّ

٢٩٣

وحصل فيه الإنشقاق ، ودلّت الأخبار على حديث الإنشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة والقرآن أدلّ دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشكّ فيه ، وقد أخبر عنه الصادق فيجب إعتقاد وقوعه»(١) .

أمّا عن نظرية بطليموس والقائلة بأنّ (الأفلاك السماوية ليس بإمكانها أن تنفصل أو تلتئم) فإنّها باطلة وليس لها أي أساس أو سند علمي ، حيث إنّه ثبت من خلال الأدلّة العقليّة أنّ انفصال الكواكب في السماء أمر ممكن.

ويقول العلّامة الطبرسي في (مجمع البيان) : لقد أجمع المفسّرون والمحدّثون سوى عطاء والحسين والبلخي الذين ذكرهم ذكرا عابرا ، أنّ معجزة شقّ القمر كانت في زمن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل أنّ حذيفة ـ وهو أحد الصحابة المعروفين ـ ذكر قصّة شقّ القمر في جمع غفير في مسجد المدائن ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين ، مع العلم أنّ كثيرا منهم قد عاصر زمن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ونقل هذا الحديث في هامش الآية المذكورة في الدرّ المنثور والقرطبي).

وممّا تقدّم يتّضح جيّدا أنّ مسألة شقّ القمر أمر غير قابل للإنكار ، سواء من الآية نفسها والقرائن الموجودة فيها ، أو من خلال الأحاديث والرّوايات ، أو أقوال المفسّرين ، ومن الطبيعي أن تطرح أسئلة اخرى حول الموضوع سنجيب عنها إن شاء الله فيما بعد.

٢ ـ مسألة شقّ القمر والعلم الحديث :

السؤال المهمّ المطروح في هذا البحث هو : هل أنّ الأجرام السماوية يمكنها أن تنفصل وتنشقّ؟ وما موقف العلم الحديث من ذلك؟

__________________

(١) التّفسير الكبير ، الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٨ ، أوّل سورة القمر.

٢٩٤

وللإجابة على هذا السؤال وبناء على النتائج التي توصّل إليها العلماء الفلكيون ، فإنّ مثل هذا الأمر في نظرهم ليس بدرجة من التعقيد بحيث يستحيل تصوّره إنّ الاكتشافات العلمية التي توصّل إليها الباحثون تؤكّد أنّ مثل هذه الحوادث مضافا إلى أنّها ليست مستحيلة فقد لوحظت نماذج عديدة من هذا القبيل ولعدّة مرّات مع اختلاف العوامل المؤثّرة في كلّ حالة.

وبعبارة اخرى : فقد لوحظ أنّ مجموعة انفجارات وانشقاقات قد وقعت في المنظومة الشمسية ، بل في سائر الأجرام السماوية.

ويمكن ذكر بعض النماذج كشواهد على هذه الظواهر

أ ـ ظهور المنظومة الشمسية :

إنّ هذه النظرية المقبولة لدى جميع العلماء تقول : إنّ جميع كرات المنظومة الشمسية كانت في الأصل جزءا من الشمس ثمّ انفصلت عنها ، حيث أصبحت كلّ واحدة منها تدور في مدارها الخاصّ بها غاية الأمر هناك كلام في السبب لهذا الانفصال

يعتقد (لا پلاس) أنّ العامل المسبّب لانفصال القطع الصغيرة من الشمس هي : (القوّة الطاردة) التي توجد في المنطقة الإستوائية لها ، حيث أنّ الشمس كانت تعتبر ولحدّ الآن كتلة ملتهبة ، وضمن دورانها حول نفسها فإنّ السرعة الموجودة في المنطقة الإستوائية لها تسبّب تناثر بعض القطع منها في الفضاء ممّا يجعل هذه القطع تدور حول مركزها الأصلي (الشمس).

ولكن العلماء الذين جاءوا بعد (لا پلاس) توصّلوا من خلال تحقيقاتهم إلى فرضية اخرى تقول : إنّ السبب الأساس لحدوث الانفصال في الأجرام السماوية عن الشمس هو حالة المدّ والجزر الشديدين التي حدثت على سطح الشمس نتيجة عبور نجمة عظيمة بالقرب منها.

٢٩٥

الأشخاص المؤيّدون لهذه النظرية الذين يرون أنّ الحركة الوضعية للشمس في ذلك الوقت لا تستطيع أن تعطي الجواب الشافعي لأسباب هذا الانفصال ، قالوا : إنّ حالة المدّ والجزر الحاصلة في الشمس أحدثت أمواجا عظيمة على سطحها. كما في سقوط حجر كبير في مياه المحيط ، وبسبب ذلك تناثرت قطع من الشمس الواحدة تلو الاخرى إلى الخارج ، ودارت ضمن مدار الكرة الامّ (الشمس).

وعلى كلّ حال فإنّ العامل المسبّب لهذا الانفصال أيّا كان لا يمنعنا من الإعتقاد أنّ ظهور المنظومة الشمسية كان عن طريق الإنشقاق والانفصال.

ب ـ (الأستروئيدات):

الأستروئيدات : هي قطع من الصخور السماوية العظيمة تدور حول المنظومة الشمسية ، ويطلق عليها في بعض الأحيان بـ (الكرات الصغيرة) و (شبه الكواكب السيارة) يبلغ قطر كبراها (٢٥) كم ، لكن الغالبية منها أصغر من ذلك.

ويعتقد العلماء أنّ «الأستروئيدات» هي بقايا كوكب عظيم كان يدور في مدار بين مداري المريخ والمشتري تعرّض إلى عوامل غير واضحة ممّا أدّى إلى انفجاره وتناثره.

لقد ثمّ اكتشاف ومشاهدة أكثر من خمسة آلاف من (الأستروئيدات) لحدّ الآن ، وقد تمّ تسمية عدد كثير من هذه القطع الكبيرة ، وتمّ حساب حجمها ومقدار ومدّة حركتها حول الشمس ، ويعلّق علماء الفضاء أهميّة بالغه على الأستروئيدات ، حيث يعتقدون أنّ بالإمكان الاستفادة منها في بعض الأحيان كمحطّات للسفر إلى المناطق الفضائية النائية.

كان هذا نموذج آخر لانشقاق الأجرام السماوية.

٢٩٦

ج ـ الشهب :

الشهب : أحجار سماوية صغيرة جدّا ، حتّى أنّ البعض منها لا يتجاوز حجم (البندقة) ، وهي تسير بسرعة فائقة في مدار خاصّ حول الشمس وقد يتقاطع مسيرها مع مدار الأرض أحيانا فتنجذب إلى الأرض ، ونظرا لسرعتها الخاطفة التي تتميّز بها ـ تصطدم بشدّة مع الهواء المحيط بالأرض ، فترتفع درجة حرارتها بشدّة فتشتعل وتتبيّن لنا كخطّ مضيء وهّاج بين طبقات الجوّ ويسمّى بالشهاب.

وأحيانا نتصوّر أنّ كلّ واحدة منها تمثّل نجمة نائية في حالة سقوط ، إلّا أنّها في الحقيقة عبارة عن شهاب صغير مشتعل على مسافة قريبة يتحوّل فيما بعد إلى رماد.

ويلتقي مداري الشهب والكرة الأرضية في نقطتين هما نقطتا تقاطع المدارين وذلك في شهري (آب وكانون الثاني) حيث يصبح بالإمكان رؤية الشهب بصورة أكثر في هذين الشهرين.

ويقول العلماء : إنّ الشهب هي بقايا نجمة مذنّبة انفجرت وتناثرت أجزاؤها بسبب جملة عوامل غير واضحة وهذا نموذج آخر من الإنشقاق في الأجرام السماوية.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الإنفجار والإنشقاق في الكرات السماوية ليس بالأمر الجديد ، وليس بالأمر المستحيل من الناحية العلمية ، ومن هنا فلا معنى حينئذ للقول بأنّ الإعجاز لا يمكن أن يتعلّق بالحال.

هذا كلّه عن مسألة الإنشقاق.

أمّا موضوع رجوع القطعتين المنفصلتين إلى وضعهما الطبيعي السابق تحت تأثير قوى الجاذبية التي تربط القطعتين فهو الآخر أمر ممكن.

ورغم أنّ الإعتقاد السائد قديما في علم الهيئة القديم طبق نظرية (بطليموس) واعتقاده بالأفلاك التسعة التي هي بمثابة قشور البصل في تركيبها ـ الواحدة على

٢٩٧

الاخرى ـ فأيّ جسم لا يستطيع أن يخترقها صعودا أو نزولا ، ولذلك فانّ أتباع هذه النظرية ينكرون المعراج الجسماني واختراقه للأفلاك التسعد ، كما أنّه لا يمكن وفقا لهذه النظريات انشقاق القمر ، ومن ثمّ التئامه ، ولذلك أنكروا مسألة شقّ القمر ، ولكن اليوم أصبحت فرضية (بطليموس) أقرب للخيال والأساطير منها للواقع ، ولم يبق أثر للأفلاك التسعة ، وأصبحت الأجواء لا تساعد لتقبّل مثل هذه الآراء.

وغني عن القول أنّ ظاهرة شقّ القمر كانت معجزة ، ولذا فإنّها لم تتأثّر بعامل طبيعي اعتيادي ، والشيء الذي يراد توضيحه هنا هو بيان إمكانية هذه الحادثة ، لأنّ المعجزة لا تتعلّق بالأمر المحال.

٣ ـ شقّ القمر تاريخيّا :

لقد طرح البعض من غير المطّلعين إشكالا آخر على مسألة شقّ القمر ، حيث ذكروا أنّ مسألة شقّ القمر لها أهميّة بالغة ، فإذا كانت حقيقيّة فلما ذا لم تذكر في كتب التأريخ؟

ومن أجل أن تتوضّح أهميّة هذا الإشكال لا بدّ من الإلمام والدراسة الدقيقة لمختلف جوانب هذا الموضوع ، وهو كما يلي :

أ ـ يجب الالتفات إلى أنّ القمر يرى في نصف الكرة الأرضية فقط ، وليس في جميعها ، ولذا فلا بدّ من إسقاط نصف مجموع سكّان الكرة الأرضية من إمكانية رؤية حادثة شقّ القمر وقت حصولها.

ب ـ وفي نصف الكرة الأرضية التي يرى فيها القمر فإنّ أكثر الناس في حالة سبات وذلك لحدوث هذه الظاهرة بعد منتصف الليل.

ج ـ ليس هنالك ما يمنع من أن تكون الغيوم قد حجبت قسما كبيرا من السماء ، وبذلك يتعذّر رؤية القمر لسكّان تلك المناطق.

٢٩٨

د ـ إنّ الحوادث السماوية التي تلفت انتباه الناس تكون غالبا مصحوبة بصوت أو عتمة كما في الصاعقة التي تقترن بصوت شديد أو الخسوف والكسوف الكليين الذي يقترن كلّ منها بانعدام الضوء تقريبا ولمدّة طويلة.

لذلك فإنّ الحالات التي يكون فيها الخسوف جزئيا أو خفيفا نلاحظ أنّ الغالبية من الناس لم تحط به علما ، اللهمّ إلّا عن طريق التنبيه المسبق عنه من قبل المنجّمين ، بل يحدث أحيانا خسوف كلّي وقسم كبير من الناس لا يعلمون به.

لذا فإنّ علماء الفلك الذين يقومون بر صد الكواكب أو الأشخاص الذين يتّفق وقوع نظرهم في السماء وقت الحادث هم الذين يطّلعون على هذا الأمر ويخبرون الآخرين به.

وبناء على هذا ونظرا لقصر مدّة المعجزة (شقّ القمر) فلن يكون بالمقدور أن تلفت الأنظار إليها على الصعيد العالمي ، خصوصا وأنّ غالبية الناس في ذلك الوقت لم تكن مهتّمة بمتابعة الأجرام السماوية.

ه ـ وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الوسائل المستخدمة في تثبيت نشر الحوادث التأريخية في ذلك الوقت ، ومحدودية الطبقة المتعلّمة ، وكذلك طبيعة الكتب الخطيّة التي لم تكن بصورة كافية كما هو الحال في هذا العصر حيث تنشر الحوادث المهمّة بسرعة فائقة بمختلف الوسائل الإعلامية في كلّ أنحاء العالم عن طريق الإذاعة والتلفزيون والصحف كلّ هذه الأمور لا بدّ من أخذها بنظر الإعتبار في محدودية الاطلاع على حادثة (شقّ القمر).

ومع ملاحظة هذا الأمر والأمور الاخرى السابقة فلا عجب أبدا من عدم تثبيت هذه الحادثة في التواريخ غير الإسلامية ، ولا يمكن اعتبار ذلك دليلا على نفيها.

٢٩٩

٤ ـ تأريخ وقوع هذه المعجزة :

من الواضح أنّه لا خلاف بين المفسّرين ورواة الحديث حول حدوث ظاهرة شقّ القمر في مكّة وقبل هجرة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن الذي يستفاد من بعض الرّوايات هو أنّ حدوث هذا الأمر كان في بداية بعثة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) . في حين يستفاد من البعض الآخر أنّ حدوث هذا الأمر قد وقع قرب هجرة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي آخر عهده بمكّة ، وكان استجابة لطلب جماعة قدموا من المدينة لمعرفة الحقّ وأتباعه ، إذ أنّهم بعد رؤيتهم لهذه المعجزة آمنوا وبايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة(٢) .

ونقرأ في بعض الرّوايات أيضا أنّ سبب اقتراح شقّ القمر كان من أجل المزيد من الاطمئنان بمعاجز الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّها لم تكن سحرا لأنّ السحر عادة يكون في الأمور الأرضية(٣) . ومع ذلك فإنّ قسما من المتعصّبين والمعاندين لم يؤمنوا برغم مشاهدتهم لهذا الإعجاز ، وتتعلّلوا بأنّهم ينتظرون قوافل الشام واليمن ، فإنّ أيّدوا هذا الحادث ورؤيتهم له آمنوا ومع إخبار المسافرين لهم بذلك ، إلّا أنّهم بقوا مصرّين على الكفر رافضين للإيمان(٤) .

والنقطة الأخيرة الجديرة بالذكر أنّ هذه المعجزة العظيمة والكثير من المعاجز الاخرى ذكرت في التواريخ والرّوايات الضعيفة مقترنة ببعض الخرافات والأساطير ، ممّا أدّى إلى حصول تشويش في أذهان العلماء بشأنها ، كما في نزول قطعة من القمر إلى الأرض. لذا فإنّ من الضروري فصل هذه الخرافات وعزلها بدقّة وغربلة الصحيح من غيره ، حتّى تبقى الحقائق بعيدة عن التشويش ومحتفظة بمقوّماتها الموضوعية.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٤ حديث (٨).

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٢ حديث (١).

(٣) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٥ حديث (١٠).

(٤) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٢٣.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

عليه والآل فصلِّ لتحمدا

صلّ إذا اسم محمّد بدا

قد أكملَ الدين بها في الملّة

وأكملَ الشهادتين بالتي

عن الخصوص والعموم

وأنّها مثل الصلاة خارجة

ثُمّ قال: لولا تسالم الأصحاب لأمكنَ دعوى الجزئيّة، بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوصيّة، والأمرُ سهل) (١) ، ونصّ في كتاب نجاة العباد (يستحبّ الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية لله، وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره) (٢) .

وظاهره كظاهر العلاّمة الطباطبائي: في أنّ ضمّ الشهادة الثالثة للشهادتين من الكيفيّات المستحبّة في أدائهما مطلقاً، أي في الأذان وغيره، وقد تابعهُ على هذه الفتوى جملة المحشّين على نجاة العباد، وهم سبعة من الأعلام.

وقال الوحيد البهبهاني في حاشيته على المدارك عند ذكر الترجيع، أي التكرار في فصول الأذان: (... وردَ في العمومات: (متى ذكرتم محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاذكروا آله، ومتى قلتم محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قولوا علي أمير المؤمنين)، كما رواه في الاحتجاج، فيكون حال الشهادة في الولاية حال الصلاة على محمد وآله بعد قول المؤذّن: (أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله) في كونه خارجاً عن الفصول، ومندوباً عند ذكر محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)) (٣).

وظاهره البناء على عموم استحباب اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين مطلقاً، كالحال في الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ذكر اسمه مطلقاً، سواء في الصلاة أو غيرها.

____________________

(١) الجواهر: ج٩، ص٨٦ - ٨٧.

(٢) نجاة العباد: مبحث الأذان.

(٣) حاشية المدارك: ج٢، ص٤١٠.

٣٦١

وقال الميرزا القمّي في الغنائم، في معرض استدلاله على الشهادة الثالثة في الأذان: (وممّا يؤيّد ذلك: ما وردَ في الأخبار المطلقة (متى ذكرتم محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاذكروا آله، ومتى قلتم محمّداً رسول الله فقولوا عليّ ولي الله)) (١).

وقال صاحب الرياض: (يُستفاد من بعض الأخبار، استحباب الشهادة الثالثة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة) (٢) .

وظاهره الإطلاق في الصلاة وغيرها.

وقال السيّد إسماعيل النوري في مبحث الشهادة الثالثة في الأذان: (المتصفِّح للروايات الواردة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، يحصل له القطع في محبوبيّة اقتران اسمه المبارك والشهادة له بولايته باسم الله تعالى واسم رسوله، كلّما تُذكران لفظاً وكتابة، وذكروا أنّه لا معنى للاستحباب إلاّ رجحانه الذاتي النفسي الأمري) (٣).

وقال السيّد علي الطباطبائي آل بحر العلوم في البرهان القاطع، عند ذِكر كيفيّة الأذان: (وبالجملة بالنظر إلى ورود تلك العمومات، يستحبّ كلّما ذُكرت الشهادتان تُذكر الشهادة بالولاية، وإن لم يُنصّ باستحبابه في خصوص المقام، إذ العموم كافٍ له... وفاقاً للدرّة - يعني منظومة السيّد بحر العلوم -) (٤).

أقول: وظاهر كلامهم أنّ كلّ مَن بنى على استحباب اقتران الشهادتين بالثالثة عموماً، مقتضاه أن يبني على استحبابه في التشهّد لا بنحو الجزئيّة، بل من باب الاستحباب العام للكيفيّة الخاصّة.

____________________

(١) الغنائم: ج٢، ص٤٢٢.

(٢) الرياض: ج١، ص١٥١.

(٣) شرح نجاة العباد لأستاذه صاحب الجواهر: مبحث الأذان.

(٤) البرهان القاطع: ج٣، عند ذكر كيفيّة الأذان.

٣٦٢

وقال الميرزا محمّد تقي الشيرازي في رسالته العمليّة: (ويستحبّ الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه الشريف، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية، وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره) (١).

وقال الشيخ محمّد حسين آل كاشف في حاشيته على العروة الوثقى: (يمكن استفادة كون الشهادة بالولاية والصلاة على النبي وآله، أجزاء مستحبّة في الأذان والإقامة من العمومات) (٢) .

ومقتضاه: البناء على عموم الاستحباب من العمومات، وأنّ الشهادة الثالثة على نسق الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه، وأنّها تستحبّ كلّما ذُكرت الشهادتان.

وقال الميرزا النائيني في وسيلة النجاة: (يستحبّ الصلاة على محمّد وآله عند ذِكر اسمه الشريف، وإسناد الشهادتين بالشهادة لعلي، وإمرة المؤمنين في الآذان وغيره) (٣).

وبنفس اللفظ أفتى السيّد حسن الصدر الكاظمي في المسائل المهمّة (٤).

وبنفس اللفظ أفتى الشيخ محمد حسين الأصفهاني الكمباني في رسالته وسيلة النجاة.

____________________

(١) رسالة سرّ الإيمان، السيّد عبد الرزاق المقرّم، ص ٧٦ نقلاً عن الرسالة العمليّة للميرزا المطبوعة في بغداد - طبعة الآداب، عام ١٣٢٨ هجري، ص٦٠.

(٢) العروة الوثقى: ج٢، مع تعليقات عدّة من الفقهاء (قدِّس سرّهم)، مبحث الأذان.

(٣) رسالة سرّ الإيمان للسيّد عبد الرزاق المقرّم، نقلاً عن وسيلة النجاة، الطبعة الحيدريّة ص٥٦، سنة ١٣٤٠هجريّة.

(٤) رسالة سرّ الإيمان للسيّد عبد الرزاق المقرّم، تحت رقم ٤٩، نقلاً عن المسائل المهمّة، طبعة صيدا سنة ١٣٣٩، ص٢٢.

٣٦٣

وقال الآخوند صاحب الكفاية في كتابه ذخيرة العباد ما ترجمته: (الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين ليست جزءاً، ولكن لا بأس بذكرها بقصد القربة المطلقة بعد ذكر الشهادة لرسول الله) (١) .

وقال آقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه: (الأَولَى أن يُشهد لعلي بالولاية وإمرة المؤمنين بعد الشهادتين، قاصداً به امتثال العمومات الدالّة على الاستحباب - كالخبر المتقدّم - لا الجزئيّة من الأذان، كما أنّ الأَولَى والأحوط الصلاة على محمّد وآله بعد الشهادة بالرسالة بهذا القصد) (٢).

وقال الميرزا الكبير السيّد محمد حسن الشيرازي في رسالته مجمع الرسائل ما ترجمته: (الشهادة بالولاية لعلي ليست جزءاً للأذان، لكن يؤتى بها إمّا بقصد الرجحان بنفسه، وإمّا بعد ذِكر الرسالة، ولا بأس) (٣) .

وقد تابعهُ على ذلك جملة تلامذته المحشّين لرسالته: كالسيّد إسماعيل الصدر العاملي، والآخوند الخراساني، والميرزا حسين الخليلي، والسيّد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي الأصفهاني المعروف بآقا نجفي، والشيخ عبد النبي النوري.

____________________

(١) رسالة سرّ الإيمان: السيّد عبد الرزاق المقرّم، نقلاً عن ذخيرة العباد، طبعة صيدا سنة ١٣٢٧ بالفارسيّة، تحت رقم ٥٢.

(٢) مصباح الفقيه: مبحث الأذان.

(٣) رسالة سرّ الإيمان: السيّد عبد الرزاق المقرّم، نقلاً عن مجمع الرسائل، طبعة بمبئي ص٩٨، وكذلك طبعة سنة ١٣١٥ هجريّة، وكذلك كتاب مجمع المسائل للسيّد الميرزا أيضاً، طبعة إيران سنة ١٣٠٩هجريّة.

٣٦٤

أقول : وقد تبعَ الميرزا الكبير في ذلك، أستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري في رسالته العمليّة (النخبة) ما ترجمته: (الشهادة بالولاية لعلي (عليه السلام) ليست جزءاً للأذان، ولكن يستحبّ أن يؤتى بها بقصد الرجحان إمّا في نفسه، أو بعد ذِكر الرسول) (١) .

وقَبلَ الشيخ الأنصاري، أفتى الشيخ جعفر كاشف الغطاء بعين هذه الفتوى فقال: (ومَن قصدَ ذكر أمير المؤمنين لإظهار شأنه، أو لمجرّد رجحانه، أو مع ذِكر ربّ العالمين، أو ذِكر سيّد المرسلين، كما رويَ ذلك فيه وفي باقي الأئمّة الطاهرين، أُثيبَ على ذلك) (٢) .

أقول: تصريح هؤلاء الأعلام بالرجحان الذاتي للشهادة الثالثة - فضلاً عن رجحان الاقتران - قد تقدّم ذهاب المجلسي في البحار إليه، أنّه من أشرف الأذكار والأدعية، وتابَعهُ على ذلك صاحب الحدائق، والحرّ العاملي إلى اثني عشر من الأعلام، وقد مرّت أسماؤهم ممّن ذهبَ إلى الرجحان الذاتي للشهادة الثالثة، أي أنّه من الأذكار فضلاً عن رجحان اقتران الشهادتين بها، أي فضلاً عن أنّها من الكيفيّات الراجحة في أداء الشهادتين، فهي على الثاني من الكيفيّة الراجحة فيما هو ذِكر من الأذكار.

____________________

(١) رسالة سرّ الإيمان للسيّد عبد الرزاق المقرّم، تحت رقم ١٢، نقلاً عن الرسالة العمليّة للشيخ الأنصاري المسمّاة بالنُخبة.

(٢) كشف الغطاء: بحث الأذان.

٣٦٥

وممّن ذهبَ إلى الرجحان الذاتي أيضاً فضلاً عن الاقتران: الشيخ جعفر الشوشتري في رسالته نهج الرشاد (١).

وممّن ذهبَ أيضاً إلى رجحان الاقتران: شيخ الشريعة الأصفهاني في الوسيلة (٢) ، والشيخ أحمد كاشف الغطاء في سفينة النجاة (٣)، وكذلك الشيخ حسن وابنه عبد الله المامقاني، والسيّد محمّد مهدي الصدر الكاظمي في نخبة المقلّدين، ووافقهُ الشيخ محمد رضا آل ياسين في حاشيته على النُخبة، وكذا السيّد أبو الحسن الأصفهاني في ذخيرة العباد، والسيّد حسين القمّي في مختصر الأحكام.

* ٢ - القائلون بالمنع:

قال السيّد الخوئي في معرض جوابه عن السؤال عن الشهادة الثالثة في الأذان - بعدما ذَكر جوازها في الأذان، وأنّها اتُخذت شعاراً في الأذان؛ لأنّه قول سائغ في نفسه، بل راجح في الشريعة -: (ولا ريبَ في أنّ لكلّ أمّة أن تأخذ ما هو سائغ في نفسه، بل راجح في الشريعة المقدّسة شعاراً لها، نعم، لا يجوز ذلك فيما هو ممنوع منه في الدين، ومن هنا لا تجوز الشهادة الثالثة في الصلاة؛ لأنّ الدين مَنعَ عن كلّ كلام فيها غير القرآن والذكر والدعاء، فليس كلّ كلام مستحبّ في نفسه يجوز في الصلاة ما لم يكن قرآناً، أو ذكراً، أو دعاءً، وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه) (٤) .

____________________

(١) رسالة سرّ الإيمان للسيّد عبد الرزاق المقرّم، تحت رقم ١٧، نقلاً عن رسالة منهج الرشاد بالفارسيّة، طبعة بمبئي سنة ١٣١٣ هجريّة.

(٢) رسالة سرّ الإيمان للسيّد عبد الرزاق المقرّم، تحت رقم ٤٣ - ٤٤، نقلاً عن رسالة الوسيلة، طبعة تبريز سنة ١٣٣٧هجريّة.

(٣) سفينة النجاة: ص٢٠٦، المطبعة الحيدريّة.

(٤) شرح رسالة الحقوق: ج٢، ص٢٧.

٣٦٦

وقال الميرزا باقر الزنجاني في معرض جوابه عن الشهادة الثالثة في الأذان، وأنّها من الأمر الراجح كشعار، لا بقصد الجزئيّة كالصلاة على النبي وآله، ثُمّ قال: (نعم، للصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خصوصيّة تُفارق الشهادة بالولاية، وهي جواز الإتيان بالصلاة على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أثناء الصلاة، وأمّا الشهادة بالولاية فلا يؤتى بها في أثناء الصلاة؛ للأخبار الخاصّة الناهية عن إدخال الكلام في أثناء الصلاة، إلاّ ما كان ذكراً، أو قرآناً، أو دعاءً، والصلاة على النبي من الدعاء دون الشهادة بالولاية).

٣٦٧

أدلّةُ القائلين بالجواز

ويُستدلّ على الجواز تارة بمقتضى القاعدة وأخرى بالأدلّة الخاصّة، وبيان ذلك في وجوه:

* الوجهُ الأوّل: مقتضى القاعدة بعمومات الاقتران:

إنّ الشهادة هي من الكيفيّات المستحبّة في الشهادتين، وقد دلّت على ذلك الروايات المستفيضة إن لم نقل متواترة بمختلف الدلالات، وقد تمّ استعراضها مفصّلاً في الطوائف العامّة في بحث الأذان في الفصل الأوّل والثاني، وقد مرّ بك كلمات متأخّري الأعصار الدالّة على وضوح استفادة هذا المعنى من الروايات المستفيضة، وقد صرّح بعضهم - كما مرّ - أنّ الاستحباب في الاقتران في اللفظ والقول فقط، بل حتّى في الكتابة، فإذا تقرّر هذا المعنى من كون الشهادة الثالثة هو من الكيفيّات الراجحة لكيفيّة أداء الشهادتين، يتّضح أنّ الأمر الصلاتي في التشهّد هو أمر بطبيعة الشهادتين الشامل لكلّ أفراد الطبيعة، لاسيّما الراجح منها وهو المقرون بالشهادة الثالثة.

وهذا التقريب أمتن من تقريبه بـ: وهو أنّ العمومات الدالّة على استحباب اقتران الشهادتين بالشهادة الثالثة، دالّة بعمومها على استحباب الاقتران سواء كان في الصلاة أو غيرها، ويَعضد هذا العموم نظيره الوارد في الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه الشريف،

٣٦٨

ولقد نُصّ على العموم في رواية خاصّة (١) ، كصحيح زرارة عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: (وصلِّ على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما ذكرتهُ، أو ذكرهُ ذاكر عندك في أذان وغيره).

*الوجهُ الثاني: مقتضى القاعدة بذكريّتها، وله عدّة تقريبات:

التقريبُ الأوّل: وهو كون الشهادة الثالثة ذِكراً عباديّاً، بل من أشرف الأذكار، ومن رسوم الدعاء العظيمة، فإذا تقرّرت ذكريّته - كما سيأتي بيانه - فيسوغ الإتيان به في الصلاة؛ لجواز مطلق الذكر، وقد ذهبَ إلى ذلك: المجلسي في البحار - كما مرّ - وصاحب الحدائق، والحرّ العاملي في الهداية، ومالَ إليه النراقي في المستند، والشيخ الكبير في كشف الغطاء، وأفتى به الشيخ الأنصاري، والميرزا الكبير المجدّد والسيّد إسماعيل الصدر، والميرزا الخليلي، والآخوند الخراساني، والسيّد كاظم اليزدي، والشيخ محمّد تقي الأصفهاني المعروف بآقا نجفي، والشيخ عبد النبي النوري، والشيخ جعفر الشوشتري.

ويدلّ عليه قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) .

وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

فدلّت الآيتان على أنّ الشهادة بالولاية هي كمال الدين، وركن الإيمان، وقوام رضا الرب للإسلام، كما ورد في المستفيض من الروايات أنّها من الخَمس التي بُني عليها الإسلام، فإذا كان الإقرار بالولاية يوجِب تحقّق أصل الإيمان،

____________________

(١) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، الباب٤٢، الحديث١.

٣٦٩

والإيمان عُمدة القرب والزلفى إلى الله، بل إنّ الإيمان هو حقيقة عبادة العقل والقلب والروح، كما أشار إليه تعالى في قوله: (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون) أي: ليعرفون، فاستعملَ لفظ العبادة في معرفة العقل والقلب والروح؛ وذلك لأنّ حقيقة العبادة هي الخضوع، والإذعان، والانقياد، والتسليم، والإخبات، وهذه الأفعال إنّما يقوم بها العقل بتوسّط التصديق وإذعانه بالحق وإخباته له وتسليمه له وانقياده.

فعبادة العقل لا يقوم بها بهيئة بدنيّة، بل بالقيام بهذه الأفعال التي هي حقيقة ماهيّة العبادة، فإيمان العقل والقلب عبادة لله تعالى، بل هي أعظم درجة من عبادة البدن، وعلى ضوء ذلك: فإذا كان الإقرار بالولاية هو الموجِد والمُحقّق للإيمان، يكون هو المحقّق للعبادة أيضاً، فموجِب الإيمان ذاتَيه: التعبّد، والعبوديّة.

هذا كتقريب أوّل لهذا الوجه، وتمّ تصويره عبر ذات عباديّة نفس الشهادة الثالثة من دون توسيط عنوان الذكريّة.

التقريبُ الثاني لهذا الوجه: (وجه الذكريّة)

فهو إنّ الإقرار بالعقائد الحقّة ذِكر لساني وقلبي لاشتمالها على إضافة ذاتيّة للساحة الربوبيّة، نظير ما ذكروه وقرّروه للعبادة خوفاً من النار، أو طمعاً في الجنّة لحصول القربى: بأنّ الخوف من النار يؤول إلى الخوف من الله؛ لأنّها فعل الله، كما أنّ الطمع في الجنّة زُلفى إليه؛ لأنّها دار رضوانه، ولأجل ذلك كان ذِكر النار من ذكر الله، كما أنّ الجنّة من ذِكره أيضاً تبارك وتعالى، ويشهد لذلك: ورود التشهّد بالنار والجنّة بأنّها حقّ في تشهّد الصلاة كما سيأتي.

وعلى ضوء ذلك: فالإقرار بالولاية أمر ذكري؛ لأنّ ولاية وليّ الله الأعظم هي ولاية الله ورسوله، وقد قَرنَ ولايته بولاية الله ورسوله في جملة من الآيات،

٣٧٠

ومن أجل ذلك كان الخضوع لآدم من الملائكة خضوعاً لله وإيماناً وتسليماً؛ لأنّه خليفته ووليّه، والإباء والاستكبار على آدم كان إباءً واستكباراً على الله تعالى وكفراً، فالإقرار بولاية وليّ الله المنصوب على الخلق إقراراً لولاية الله، والتسليم لولايته تسليم لولاية الله؛ بسبب أنّه مهبط إرادات الله ومشيئته، فإرادته إرادة لله ورضاه رضاً لله تعالى.

التقريبُ الثالث لهذا الوجه: (الذكريّة)

ما ورد في موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما اجتمعَ قوم في مجلس لم يذكروا الله عزّ وجل ولم يذكرونا، إلاّ كان ذلك المجلس حسرةً عليهم يوم القيامة، ثُمّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ ذِكرنا من ذِكر الله، وذكر عدوّنا من ذكر الشيطان) (١).

وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا، وفي كتاب التوحيد عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سألَ المأمون الرضا (عليه السلام) عن قول الله: ( الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) فقال: (إنّ غطاء العين لا يمنع من الذكر، والذِكر لا يُرى بالعيون، ولكنّ الله شبّه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالعميان؛ لأنّهم كانوا يستثقلون قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه، وكانوا لا يستطيعون سمعاً) فقال المأمون: فرّجت عنّي فرّج الله عنك) (٢).

ومعتبرة أخرى لأبي بصير رواها علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ( الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي ) ،

____________________

(١) أبواب الذكر: باب٣، ج٣.

(٢) عيون أخبار الرضا: ج١/ ١٣٦، توحيد الصدوق: ص٣٥٣، ح٢٥، والاحتجاج: ج٢/ ٤١٢، بحار الأنوار: ج٥، ص٤١.

٣٧١

قال: (يعني بالذكر ولاية علي (عليه السلام) وهو قوله ( ذِكْرِي ) ، قلتُ: قوله ( لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) قال: كانوا لا يستطيعون إذا ذُكر علي (عليه السلام) عندهم أن يسمعوا ذكره؛ لشدّة بغضٍ له وعداوة منهم له ولأهل بيته) (١).

فتقتضي الموثّقة الأولى: اندراج الشهادة الثالثة في ذكر الله تعالى، وظاهر هذا الاندراج ليس تنزيل ذكرهم بمنزلة ذكر الله بلحاظ أثر خاص، بل هو بيان حقيقة طبيعة ذكرهم أنّه ذكر لله تعالى؛ لأنّهم الناطقون عن الله تعالى وسفرائه في خلقه، ومن ثُمّ أوتيَ بلفظ (من) البيانيّة، فمقتضى ذلك حينئذٍ: أنّ الشهادة الثالثة من الأذكار المرخّص بها في الصلاة، ويدلّ على ذلك أيضاً صحيحة الحَلَبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: أسمّي الأئمّة في الصلاة؟ فقال: (أجمِلهم) (٢).

وقد تقدّم اعتماد كلّ من: الصدوق، والمفيد (٣) ، والشيخ الطوسي، وجماعة من المتقدّمين على هذا الصحيح، إلاّ أنّهم قرّروا مفاده في قنوت الصلاة تارة، وأخرى في قنوت الوتر، إذ الصحيح بالصورة المتقدّمة هو برواية الصدوق في الفقيه (٤) في موضعين، وموضعين من التهذيب (٥) ، إلاّ أنّه في موضع ثالث من التهذيب عن عبيد الله الحَلَبي قال في قنوت الجمعة:

____________________

(١) تفسير القمّي: الكهف، آية ١٠١.

(٢) أبواب القنوت: باب ١٤، ح١.

(٣) المقنعة: ص١٢٥ - ١٢٦.

(٤) الفقيه: طبعة قم، ج١، ص٣١٧.

(٥) التهذيب: ج٢/ ص١٣١، ح٥٠٦ - ج٢/ ص٣٢٦، ح١٣٣٦.

٣٧٢

(اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى أئمّة المؤمنين [ المسلمين ]، اللهمّ اجعلني ممّن خلقتهُ لدينك، وممّن خلقتَ لجنّتك، قلتُ: أسمّي الأئمّة (عليهم السلام)؟ قال: سمِّهم جملة) (١).

وقد اعتمد العلاّمة في المنتهى (٢) على الصحيح، حيث قال: (المطلب الثاني عشر: لا بأس بأصناف الكلام الذي يناجي به الربّ؛ لمَا رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي ربّه؟ قال: (نعم)، وقال: وعن الحَلَبي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) أسمّي الأئمّة (عليهم السلام)؟ قال: (أجمِلهم)، ومن هذا الباب كلّ ذكر يقصد به تنبيه غيره).

كما اعتمدهُ الأردبيلي (٣) أيضاً في قنوت صلاة الجمعة، واعتمدَ عليه أيضاً النراقي (٤) في المستند، في كيفيّة الصلاة على محمّد وآل محمّد في تشهّد الصلاة.

وبمضمون صحيح الحَلَبي الصحيح إلى فضّالة بن أيوب، عن علي بن أبي حمزة قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (شيعتنا الرُحماء بينهم، الذين إذا خلوا ذكروا الله [ إنّ ذكرنا من ذكر الله ]، إنّا إذا ذُكرنا ذُكر الله، وإذا ذُكر عدوّنا ذُكر الشيطان) (٥).

____________________

(١) أبواب القنوت: ب١٤، ح٢.

(٢) المنتهى للعلاّمة: ج٥، ص٢٩٢ طبعة مشهد.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان: ج٢، ص٣٩٣ إلى ص٣٩٤/ طبعة قم.

(٤) المستند: ج٥/ ٣٢٩ - ٣٣٢.

(٥) المستند: ج٥، ص٣٢٩ - ٣٣٢، طبعة قم.

٣٧٣

ويَعضد مضمونها صحيحة الحَلَبي الأخرى أيضاً قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (كلّما ذكرتَ الله عزّ وجل به والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهو من الصلاة... الحديث) (١).

كما يؤيّد مضمونها: صحيح عبد الله بن سنان قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يذكر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو في الصلاة المكتوبة إمّا راكعاً، وإمّا ساجداً، فيصلّي عليه وهو على تلك الحالة فقال: (نعم، إنّ الصلاة على نبي الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كهيئة التكبير والتسبيح، وهي عشر حسنات يبتدرها ثماني عشر مَلَكاً أيّهم يبلغها إيّاه) (٢)، وفي هذا الصحيح إطلاق ذِكر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الصلاة عليه، مع أنّها مقرونة بالصلاة على الآل، فهي ذِكر للآل أيضاً.

ومثلها صحيح زرارة (٣) المتقدّم في الوجه الأوّل، وكذا صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في خطبة يوم الجمعة، وذَكر خطبة مشتملة على حَمد الله والثناء عليه، والوصيّة بتقوى الله، والصلاة على محمّد وآله والأمر بتسمية الأئمّة (عليهم السلام) إلى آخرهم، والدعاء بتعجيل الفرج (٤).

وموثّق سماعة (٥) كذلك.

وما رواه الصدوق في الفقيه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ذِكرُ عليّ عبادة) (٦).

____________________

(١) أبواب الركوع: باب ٢٠، ح٤.

(٢) أبواب الركوع: باب٢٠، ح١.

(٣) أبواب الأذان والإقامة: باب٤٢، ح١.

(٤) أبواب صلاة الجمعة: الباب٢٥، ح١.

(٥) أبواب صلاة الجمعة: الباب٢٥، ح٢.

(٦) الوسائل: أبواب فضل المعروف، باب٢٣، ح٩، الفقيه: ج٢، ١٣٣/ ٥٥٨، طبعة النجف، الفقيه: ج٢ ح٢١٤٦، ص٢٠٥، طبعة قم.

٣٧٤

والظاهر أنّ إسناد الصدوق جزماً إلى رسول الله، للوثوق بصدورها واستفاضتها كما سيأتي.

وأخرجهُ البحار عن المناقب (١) لمحمد بن أحمد بن شاذان، عن عائشة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وفي المناقب في تفسير قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) عن ابن عبّاس: ذِكر علي (٢).

وأخرجه العمدة لابن الطريق (٣) عن مناقب ابن المغازلي (٤) ، بسنده المتصل المذكور في مناقب ابن المغازلي عن عائشة.

وفي كشف اليقين (٥) ، ذَكر أنّ الخوارزمي روى بسنده المتصل فيه عن عائشة عن رسول الله: (ذِكرُ علي عبادة).

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٢٦، ص٢٢٩.

(٢) بحار الأنوار: ج٣٨، ص٢٨، والمناقب ٣/ ٦١.

(٣) بحار الأنوار: ج٣٨، ص١٩٩.

(٤) المناقب: ابن المغازلي، ص٢٠٦. البحار عن العمدة عن المناقب: ١/٣/١٩٩، كما أخرجهُ عن عدّة مصادر أخرى: كمناقب ابن شهرآشوب، والإبانة، والفردوس لشيرويه، وشرف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للخركوشي، فقد عَقد المجلسي في البحار: ج ٣٨، ص ٩٥، الباب ٦٤، تحت عنوان (ثواب ذِكر فضائله و... أنّ النظر إليه وإلى الأئمّة (عليهم السلام) من وِلده عبادة)، وقد ذَكر تسع مصادر ولكلّ مصدر جملة روايات، ومن تلك المصادر أمالي الصدوق وغيره.

(٥) كشف اليقين: ص٤٤٩، العلاّمة الحلّي، وقد عَقد العلاّمة في هذا الكتاب مبحثاً مستقلاً برقم (٢٨) في أنّ النظر إلى علي عبادة، وأوردَ فيه خمس روايات، البحار: ج٣٨/١٩٧.

٣٧٥

وأيضاً روى في كتاب مائة منقبة (١) بسنده المتصل فيه عن عائشة.

وروى في المناقب (٢) عن شيرويه في الفردوس عن عائشة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ورواه الشيخ عبد الصمد الحارثي والد البهائي في وصول الأخبار (٣).

وروى الشيخ المفيد في الاختصاص بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعتُ ابن عبّاس يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ذِكرُ الله عزّ وجل عبادة، وذكري عبادة، وذِكر علي عبادة، وذِكر الأئمّة من ولده عبادة... الخبر) (٤) .

ورويَ في التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) قال: (قال علي بن الحسين - وهو واقف بعرفات - للزهري، في حديث عمّن هو الحاجّ، فقال علي بن الحسين: أوَلا أُنبِّئكم بما هو أبلغ في قضاء الحقوق من ذلك؟ قال: بلى، يا بن رسول الله، قال: أفضل من ذلك، أن تُجدّدوا على أنفسكم ذِكر توحيد الله والشهادة به، وذِكر محمّد رسول الله، والشهادة له بأنّه سيّد المرسلين، وذِكر عليّ وليّ الله والشهادة بأنّه سيّد الوصيين، وذِكر الأئمّة الطاهرين من آل محمّد الطيبين بأنّهم عباد الله المخلصين... الحديث ) (٥).

وأخرجَ صاحب البحار عن تفسير القمّي بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) . ..: (يعني في الخِلقة... قلتُ: قوله ( الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي ) قال: يعني بالذِكر، ولاية علي (عليه السلام) وهو قوله ( ذِكْرِي ) ،

____________________

(١) مائة منقبة: ص١٢٣، المنقبة (٦٨) لابن شاذان القمّي، طبعة انتشارات أنصاريان.

(٢) البحار: ج٣٨/١٩٨-١٩٩، عن المناقب لابن شهرآشوب عن شيرويه.

(٣) وصول الأخبار: ص٥٨، طبعة مجمع الذخائر الإسلاميّة، المناقب لابن الغزالي: ص ٢٠٦.

(٤) مستدرك الوسائل: أبواب الذكر، ب١، ح١، والاختصاص: ص٢٢٣.

(٥) مستدرك الوسائل: ج١٠، ص٣٩ - تفسير العسكري، ص٦٠٦.

٣٧٦

قلتُ: قوله ( لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) قال: كانوا لا يستطيعون أن يسمعوا ذِكر علي عندهم...) (١).

وفي التفسير المنسوب إلى العسكري (عليه السلام) في قوله عزّ وجل ( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ) : (هو إقامة الصلاة بتمام ركوعها وسجودها ومواقيتها، وأداء حقوقها التي إذا لم تؤدّ لم يتقبّلها ربُّ الخلائق، أتدرونَ ما تلك الحقوق؟ فهي إتباعها بالصلاة على محمّد وعليّ وآلهما، منطوياً على الاعتقاد بأنّهم أفضل خيرة الله، والقوّام بحقوق الله، والنُصّار لدين الله) (٢) .

وأخرجَ في البحار عن كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن حميد بن شعيب عن جابر الجعفي قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إذا صلّى أحدكم ونسيَ أن يذكر محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في صلاته، سَلكَ بصلاته غير سبيل الجنّة، ولا تُقبل صلاة إلاّ أن يُذكر فيها محمّداً وآل محمّد) (٣).

وقريب منه ما رواه الديلمي في أعلام الدين (٤).

وفي تفسير العسكري (عليه السلام): (وإذا قعدَ المصلّي للتشهّد الأوّل والتشهّد الثاني، قال الله تعالى: (يا ملائكتي، قد قضى خِدمتي وعبادتي، وقعدَ يُثني عليّ، ويصلّي على محمّد نبيّي، لأُثنينّ عليه في مَلكوت السموات والأرض، ولأُصلّينّ على روحه في الأرواح، فإذا صلّى على أمير المؤمنين، قال: لأُصلّينّ عليك كما صلّيت عليه، ولأجعلنّهُ شفيعك كما استشفعتَ به) (٥).

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٢٤، ص٣٧٧.

(٢) تفسير الإمام الحسن العسكري: في ذيل الآية ٨٣ من سورة البقرة.

(٣) البحار: ج٨٥، ص٢٨٢، باب التشهّد.

(٤) البحار: ج٨٥، ص٢٨٨.

(٥) تفسير الإمام العسكري: ص٢٤٠.

٣٧٧

وروى أنّ ذكرهُ عبادة: العلاّمة الكشفي في المناقب المرتضويّة، والحافظ الشيخ يوسف النبهاني البيروتي في (الفتح الكبير) (١) ، والعلامة الحافظ ابن شيرويه الديلمي في الفردوس (٢).

وذكره ُ: (٣) العلاّمة أبو البركات في كتابه الفائق (٤) ، وكذا العلاّمة عبد الكريم القزويني في كتابه التدوين في أخبار قزوين (٥) ، والصدوق في الأمالي (٦) ، والمجلسي في البحار.

وأخرجهُ أيضاً: ابن حجر في صواعقه (٧) ، وابن عساكر في تاريخه (٨) ، في ترجمة الإمام علي (عليه السلام)، والسيوطي في الجامع الصغير (٩) ، وكنز العمّال (١٠) ،

____________________

(١) الفتح الكبير: ج٢، ص١٢٠.

(٢) الفردوس: ج٢، ص٣٦، دار الكتاب العربي، بيروت.

(٣) وقد أفردَ بعض أهل الفضل رسالة في مجلّة تراثنا في إثبات حديث (ذِكر علي عبادة)، مجلّة تراثنا: ج٤٩، ص٨٦.

(٤) الفائق: ص٧٥.

(٥) التدوين في أخبار قزوين: ج٤، ص٥٤ طبعة بيروت.

(٦) الأمالي: ص٨٤.

(٧) الصواعق المحرقة: ص١٢٤.

(٨) تاريخ دمشق: ح٢، ص٤٠٨.

(٩) الجامع الصغير: ج١، ص٦٦٥، ح٤٣٣٢.

(١٠) كنز العمّال للمتقي الهندي: ج١١، ص٦٠١، رقم الحديث ٣٢٨٩٤.

٣٧٨

والبداية والنهاية (١) ، وسُبل الهدى والرشاد (٢) ، وينابيع المودّة (٣) للقندوزي.

وقال المنّاوي في الفيض القدير في شرح حديث (ذكرُ علي عبادة) فقال: (عبادة) أي عبادة الله التي يُثيب عليها، والمراد ذكرهُ بالترضّي عنه، أو بذكر مناقبه وفضائله، أو بفضل كلامه وأذكاره وأحكامه، أو برواية الحديث عنه، أو نحو ذلك.

أقول: إذا كان ذلك ذِكر لعلي، فكيف بالشهادة له بالولاية، ورواه الخطيب الخوارزمي في كتابه (الأربعين) المعروف بالمناقب، ذَكرَ ذلك صاحب كتاب نهج الإيمان (٤) وقد أسند الحديث إلى عائشة.

وذكرَ صاحب بصائر الدرجات (٥) في تفسير قوله تعالى: ( وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ ) (٦) حيث قال: أي ذِكر عليّ (عليه السلام)، فإنّه من آيات ربّ العالمين كما هو الحال في ذِكر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

____________________

(١) البداية والنهاية: ج٧، ص٣٩٤.

(٢) سُبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ح١١، ص٢٩٣.

(٣) ينابيع المودّة: ج٨، ص٢٢٩، ص٣٢٨.

(٤) نهج الإيمان لابن جبر: ص٢٤- ٢٥.

(٥) بصائر الدرجات: باب ١٦، ح٩ بتفاوت.

(٦) الجنّ: ١٧.

٣٧٩

الشهادةُ الثالثة في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام

ويَعضد ذكريّة الشهادة الثالثة في الصلاة الذي هو مفاد موثّقة أبي بصير المتقدّمة، مكاتبة الحِميري إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن التوجّه للصلاة يقول: على ملّة إبراهيم ودين محمّد، فإنّ بعض أصحابنا ذَكر أنّه إذا قال: على دين محمّد، فقد أبدعَ؛ لأنّه لم نجده في شيء من كتاب الصلاة خلا حديثاً واحداً في كتاب القاسم بن محمد، عن جدّه الحسن بن راشد أنّ الصادق (عليه السلام) قال للحسن: (كيف تتوجّه؟ فقال: أقول لبّيك وسعديك، فقال له الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا أسألك، كيف تقول: وجّهت وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً؟ قال الحسن: أقوله، فقال الصادق (عليه السلام): إذا قلتَ ذلك فقل: على ملّة إبراهيم (عليه السلام)، ودين محمّد، ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمّد حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.

فأجاب (عليه السلام): التوجّه كلّه ليس بفريضة، والسُنّة المؤكّدة فيه التي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجّهتُ وجهيَ للذي فطرَ السماوات والأرض حنيفاً مسلماً، على ملّة إبراهيم، ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهدى علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أُمِرت وأنا من المسلمين.

اللهمّ اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمّ تقرأ الحمد) (١).

____________________

(١) الوسائل: أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح، باب ٨، حديث٣.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420