علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)0%

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام) مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 82

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علي محمد علي دخيل
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 82
المشاهدات: 15122
تحميل: 6806

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 82 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15122 / تحميل: 6806
الحجم الحجم الحجم
علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

علي الأكبر ابن الإمام الحسينعليهما‌السلام

(أبطال الهاشميّين)

بقلم: علي محمّد علي دخيل

١

السلسلة: أبطال الهاشميّين

العدد: ٤

الكتاب: علي بن الحسين الأكبرعليه‌السلام

المؤلّف: علي محمّد علي دخيِّل

الناشر: دار الكتاب الإسلامي بيروت - لبنان

التاريخ: ١٤٠٠ - هـ ١٩٧٩ م

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

٢

الإهداء

سيدي أبا عبد الله، هذه صفحة غرّاء من حياة ولدك (علي الأكبر)، وشعلة وضّاءة من سيرته، واستعراض لموقفه المشرّف يوم عاشوراء، اُقدّم يا سيدي هذا الكتاب مشاطرة مني لمصيبتك العظيمة فيه، ومؤمّلاً أن يجد فيه شبابنا دروساً في التضحية والجهاد في سبيل الإسلام وإعلاء كلمته؛ فينهجوا هذا النهج، ويسلكوا هذا الطريق.

علي محمّد علي دخيِّل

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الكتاب

قرأت فيما سبق من هذه السلسلة بعض الجوانب التاريخيّة لمأساة كربلاء، وتقرأ في هذا الكتاب جانباً جديداً منها قام به بطل من الأبطال لم يتجاوز العقد الثالث من عمره، فكان أسمى مثال للشباب، وأفضل مقتدى للجيل المسلم.

لقد سبق علي الأكبر شهداء كثيرون، كما تأخر عنه شهداء كثيرون، ولكن هناك مميزات كثيرة بينه وبين غيره من الشهداء؛ فالسائرون إلى الحرب يتأرجحون بين النصر والفوز، وبين الشهادة والخلود، فهم وإن قابلوا جيوش الأعداء وجحافل الكفر والضلال لم يفتهم الأمل بالظفر وكسب الحرب ونيل المغانم؛ وعلي الأكبر كان يعلم بأنه سائر إلى الشهادة، وأنها هي النصر والفتح المبين.

وهناك مميزات له عن غيره من الشهداء، منها: حصول الإذن له من الحسينعليه‌السلام بالإنصراف، والأمان الذي عرضه عليه ابن سعد، وقبل هذا وذاك تصميمه على الموت

٥

بشكل غريب أعجب به سيد الشهداءعليه‌السلام .

ولعلك تحسبني أيها القارئ الكريم أني أطلب منك أن تكون مثل علي الأكبر في إيمانه وتفانيه في سبيل الحق، وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وتقول: كيف يتسنى لي أن أكون كذلك وقد رُبي علي في حجر ثلاثة من الأئمة الهداةعليهم‌السلام ، وتخلَّق بأخلاقهم، وتأدّب بآدابهم، فنهج نهجهم في طلب مرضاة الله تعالى والجهاد في سبيله ؟

وأنا يا أخي معك أنّ منزلة علي الأكبر لا يبلغها كبار العلماء فضلاً من أن أبلغها أنا وأنت، ولكن الذي اُريده لي ولك أن نسير في الطريق الذي سلكه، وننهج النهج الذي نهجه؛ فنسعد حينئذ بوحدة الهدف ورضى الله سبحانه وتعالى.

أخذ الله بأيدينا للسير في طريق الشهداء والصالحين، وجعلنا ممن يهتدي بهم، ويتبع آثارهم إنه ولي حميد.

٦

في سطور

* جدّه: الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

* جدّته: فاطمة بنت رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

* أبوه: الإمام الحسينعليه‌السلام .

* عمّه: الإمام الحسنعليه‌السلام وبقيّة أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام .

* عمّته: زينب، أُمّ كلثوم، وبقيّة بنات أمير المؤمنينعليه‌السلام .

* إخوته: الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، عبد الله الرضيع.

* أخواته: فاطمة، سكينة، رقيّة.

* أُمّه: ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي.

* ولد في المدينة ١١ شعبان سنة ٣٣ هـ.

* كان يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً.

* كُنيته: أبو الحسن.

* لقبه: الأكبر.

* استشهد مع أبيه الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

٧

* دُفن عند أبيه الحسينعليه‌السلام في قبر متصل بقبره، عليه صندوق نفيس مطعّم بالعاج، وفوقه قفص فضّي يزدحم المسلمون من جميع أنحاء العالم للسلام عليه، والدعاء عند قبره الشريف.

* عمره: ٢٧ سنة.

٨

الإمام الحسينعليه‌السلام

هو سبط الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وحبيبه، وخامس أهل الكساء، ومن المخصوصين بآية التطهير، وسيّد شباب أهل الجنّة، فهو ابن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو ابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمينعليها‌السلام ، وهو أخو الإمام الحسينعليه‌السلام ، هو الإمام، ابن الإمام، أخو الإمام، أبو الأئمّة.

هو الشهيد، ابن الشهيد، أخو الشهيد، أبو الشهداء.

هو سيد أهل الإباء، ومَنْ علّم الناس على الحياة الكريمة تحت ظلال السيوف.

هو المعني بقوله تعالى:( وَجَعلَها كَلِمةً باقِيَةً في عَقِبهِ لَعَلّهم يَرجِعُون ) ، أي جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام إلى يوم القيامة(١) .

هو الذي كان يُصلّى في اليوم والليلة ألف ركعة(٢) .

هو الذي حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على القدمين ونجائبه تُقاد معه(٣) .

هو الذي دخل على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول: وا غمّاه ! فقال:(( وما غمّك يا أخي ؟ )) . قال: دَيني،

____________________

(١) ينابيع المودة / ١١٧.

(٢) أعيان الشيعة ١ / ١٢٤.

(٣) مطالب السؤول ٢ / ٢٨، أُسد الغابة ٢ / ١٢٠، الشرف المؤبد لآل محمّد / ٧، تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٢٣، تذكرة الخواصّ / ٢٤٤، العقد الفريد ٤ / ٣٨٤.

٩

وهو ستون ألف درهم. فقال الحسينعليه‌السلام :(( هو عليّ )) . قال: إنّي أخشى أن أموت. فقال الحسينعليه‌السلام :(( لن تموت حتّى أقضيها )) . فقضاها قبل موته(١) .

هو الذي وجد على ظهره يوم الطفّ أثر، فسُئل عنه زين العابدينعليه‌السلام فقال:(( هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين )) (٢) .

هو الذي وصله معاوية بمال كثير، وثياب وافرة، وكسوة وافية، فردّ الجميع عليه ولم يقبله منه، وهذه سجيّة الجواد، وشنشنة الكريم، وسمة ذي السماحة، وصفة مَنْ قد حوى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم(٣) .

هو الذي دعا بهذا الدعاء بعد أن سقط على الأرض صريعاً وجراحاته تنزف دماً:(( اللّهمّ متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعيت، مُحيط بما خلقت، قابل التوبة لمَنْ تاب إليك، قادر على ما أردت،

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠ / ١٤٣.

(٢) أعيان الشيعة ١ / ١٣٢.

(٣) إسعاف الراغبين / ١٨٣.

١٠

تُدرك ما طلبت، شكور إذا شُكرت، ذكور إذا ذُكرت. أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً، وأتوكّل عليك كافياً. اللّهمّ احكم بيننا وبين قومنا؛ فإنّهم غرّونا وخذلونا، وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين .

صبراً على حكمك يا غياث مَنْ لا غياث له، يا دائماً لا نفاد له، يا محيي الموتى، يا قائماً على كلّ نفسٍ بما كسبت، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين )) (١) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام - للمقرّم.

١١

العصمة

وعلي الأكبرعليه‌السلام من معصومي أهل البيت (صلوات الله عليهم)، إلاّ أنّ عصمته غير واجبة كالأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ؛ لأنّهم (صلوات الله عليهم) واقعون في طريق تبليغ الرسالة؛ لذا وجبت عصمتهم.

أمّا علي الأكبر، والعباس، وزينبعليهم‌السلام فهم معصومون بمعنى آخر، فهم منزّهون عن عمل القبيح، معصومون من الذنوب بملكة اكتسبوها، ومرتبة سامية حصلوا عليها؛ لطفاً من الله سبحانه وتعالى بهم، لعلمه بصحّة ضمائرهم، وصدق نيّاتهم، وإخلاصهم في طاعته، وانقيادهم لأمره جلّ شأنه.

وتُعرف هذه الملكة السامية لهؤلاء السادة بأمرين:

الأمر الأوّل: شهادة المعصوم بحقّهم، فهو لا يُعطيها اعتباطاً؛ لتنزّهه عن الخطأ في القول والعمل.

الأمر الثاني: مرورهم بالأزمات العظيمة والخطوب المذهلة، ومع ذلك لا يصدر منهم إلاّ الرضا والتسليم لأمره سبحانه وتعالى، فإذا كان هذا حالهم في أيام البؤس والمحن، فهم أولى بالشكر في حال اليسر والرخاء.

وتحقّق الأمر الأوّل لعلي الأكبر (عليه السلام) بـ:

١ - دفن الإمام زين العابدينعليه‌السلام له في قبر مستقل

١٢

محاذياً لقبر أبيه سيّد الشهداءعليه‌السلام ؛ تمييزاً له عن بقية الشهداء (رضوان الله عليهم أجمعين).

٢ - إفراد الأئمّةعليهم‌السلام له بزيارات مستقلّة؛ إشعاراً بسموّ مقامه، وعظيم درجته عند المولى سبحانه وتعالى.

٣ - كلماتهم (صلوات الله عليهم) فيه، لا سيّما في زياراته(١) .

وأنت إذا تأمّلت كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام عندما وقف على مصرعه [ فقال ]:(( قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ! )) .

ويستشف من هذه الكلمة عظمة الشهيد؛ فحرمة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تُنتهك بقتل فرد من المسلمين مهما بلغت منزلته، إلاّ أن يكون القتيل الإمام أو مَنْ يليه في السموّ والرفعة والقرب من الله سبحانه وتعالى.

وتحقّق الأمر الثاني للشهيد الأكبرعليه‌السلام - أعني الصبر في الأزمات - كلامه مع أبيه سيّد الشهداءعليه‌السلام عند قصر بني مُقاتل(٢) ، والثبات معه رغم رخصته لجيشه في الانصراف، وأهم من هذا وذاك ردّهعليه‌السلام لأمان أهل الكوفة وتصميمه على الشهادة من أجل إعلاء كلمة الحقّ، ورفع راية الإسلام خفّاقة، وسحق الطغاة الظالمين.

____________________

(١) انظر فصل كلمات الأئمّةعليهم‌السلام من هذا الكتاب.

(٢) انظر فصل (أوَلسنا على الحق) من هذا الكتاب.

١٣

( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (١) .

____________________

(١) سورة يوسف / ١١.

١٤

أوَلَسنا على الحقّ

والموت مرّ وكريه مطعمه؛ لأنّه الباب المُفضي لما بعده من الأهوال والمشاق، ولكن هناك أشخاص استعذبوه من أجل الحقّ، وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، ولأنّه يؤدي بهم إلى رضوان الله وجنانه.

وفي طليعة هؤلاء أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته، فقد كان سرورهم بالشهادة أعظم من سرور عدوّهم بالظفر والغلبة.

صحيح أنّ كلّ جندي في الجيش الإسلامي مستعدّ للموت، بل كلّ جندي في ساحة الحرب، ولكن هناك فوارق ومميّزات؛ فأصحاب الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن وطّنوا أنفسهم على الموت إيماناً بعدالة قضيّتهم وإعلاء لكلمة ربّهم، ولكنّهم كانوا يتأرجحون بين الموت والنصر، ولكن جنود سيّد الشهداءعليه‌السلام لم يكن أمامهم سوى الموت المحتّم؛ فقد خطبهم الحسينعليه‌السلام في صبيحة يوم عاشوراء قائلاً:(( إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر )) (١) ؛ وبذلك فضّلوا على غيرهم من الشهداء.

____________________

(١) كامل الزيارات / ٧٣.

١٥

وفارق آخر بين أصحاب الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحاب الحسينعليه‌السلام ؛ فقد كان فرار الأوّلين من الحرب النار، العار،( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ ) (١) ، بينما أصحاب الحسينعليه‌السلام أذن لهم بالانصراف فأبوا، فقد خطبهمعليه‌السلام ليلة عاشوراء قائلاً:(( ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً )) (٢) .

ولم يكن هذا بأوّل إذن لهم بالتفرّق والانصراف، ففي زبالة أخرجعليه‌السلام للناس كتاباً فقرأه عليهم:(( بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّه قد أتانا خبر فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمَنْ أحبّ منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منّا ذمام )) (٣) .

كذلك الإعلام بالشهادة كان مسبقاً، فهوعليه‌السلام من حين خرج من مكّة يلهج بذكر يحيى بن زكرياعليه‌السلام وما أصابه، ويقول:(( إنّ من هوان الدنيا على الله أن يُهدى رأس يحيى بن زكريا لبغيٍّ من بغايا بني إسرائيل )) .

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٥٥.

(٢) الإرشاد / ٢٣١.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٦.

١٦

وفي طليعة الموكب الحسيني المستميت على الحقّ والعدالة ابنه علي الأكبرعليه‌السلام .

ذكر أهل المقاتل والسير عن عقبة بن سمعان قال: لمّا كان السحر من الليلة التي بات بها الحسينعليه‌السلام عند قصر بني مقاتل، أمرناعليه‌السلام بالاستسقاء من الماء، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا، فلمّا ارتحلنا عن قصر بني مقاتل خفق برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول:(( إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين )) .

ثمّ كرّرها مرتين أو ثلاثاً، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين، وكان على فرس له، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين، يا أبتِ جُعلت فداك ! ممّ استرجعت وحمدت الله ؟

فقال الحسينعليه‌السلام :(( يا بُنيّ، إنّي خفقت برأسي خفقة فعنَّ لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا )) .

فقال له: يا أبتِ، لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحقّ ؟

قال:(( بلى والذي إليه مرجع العباد )) .

قال: يا أبتِ، إذاً لا نبالي نموت محقّين.

فقال له:(( جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده )) (١) .

____________________

(١) أبصار العين / ٢٥.

١٧

( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) .

____________________

(١) سورة آل عمران / ٣٣.

١٨

أمـان

يخطب سيد الشهداءعليه‌السلام بذي حسم فيقول:(( فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً )) (١) . فكان هذا شعاره حتّى آخر لحظة من حياته، كما كان شعار الهاشميّين والأنصار.

إنّ من أهم الأسباب التي تجعل أهل الحقّ أسرع استجابة لدواعي الموت من أهل الباطل، هو علمهم بما أعدّ الله سبحانه وتعالى لهم من النعيم الدائم، [قال تعالى]:( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولاً ) (٢) .

( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ) (٣) ،( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (٤) ،( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٩.

(٢) سورة الفرقان / ١٥ - ١٦.

(٣) سورة مريم / ٦٣.

(٤) سورة آل عمران / ١٣٣

١٩

يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (١) .

( وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) (٢) ،( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) (٣) ،( أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ) (٤) .

( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) (٥) ،( فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) (٦) .

( لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً

____________________

(١) سورة الحديد / ٢١.

(٢) سورة الإنسان / ١٢.

(٣) سورة الرحمن / ٤٦.

(٤) سورة الكهف / ٣١.

(٥) سورة آل عمران / ١٥.

(٦) سورة آل عمران / ١٩٥.

٢٠