العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 186317
تحميل: 7600

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186317 / تحميل: 7600
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

المبحث الأوّل

خصائص مسألة القضاء والقدر

١ - إنّ مسألة القضاء والقدر لا تختص بالدين الإسلامي دون بقية الأديان السماوية، بل هي مسألة لها جذور زمنية ممتدة وتوغّل عميق في الفكر الديني والإنساني.

٢ - إنّ مسألة القضاء والقدر كانت ولا تزال من أعقد المسائل الكلامية التي شاع النزاع حولها في الأوساط الإسلامية، وقد تشعّبت فيها الآراء واختلفت مناهج تناولها من قبل الباحثين.

٣ - لقد أخذت هذه المسألة حيّزاً هاماً في بحوث ودراسات مفكري الإسلام، وشغلت الكثير من رجال الدين نتيجة تأثيرها البالغ في أوساط الحياة الاجتماعية.

٤ - لا تزال مسألة القضاء والقدر - رغم البحوث المكثّفة والمعمّقة التي أُجريت حولها - مسألة تكتنف بنيانها النظري العديد من الملابسات والنقاط الغامضة.

٥ - إنّ الفهم الخاطئ لمعنى القضاء والقدر، وتصوّر البعض بأ نّها مرادفة للجبر، هو السبب الذي أدّى إلى تشويه هذين المفهومين.

٦ - إنّ الإشكالية الأساسية التي تكمن في مسألة القضاء والقدر، تعودإلى الالتباس الناشئ عن تصوّر التعارض بين الاختيار والإيمان بالقضاء والقدر.

٧ - إنّ مسألة القضاء والقدر ليست مجرّد فكرة نظرية فحسب، بل لها تأثير مباشر على الواقع الاجتماعي، ولهذا ينبغي تصحيح أفكار المجتمع إزاء هذه المسألة، لئلا يترك الفهم الخاطئ لها أثراً سلبياً في الصعيد الاجتماعي.

٨ - تعتبر مسألة القضاء والقدر - نتيجة خطأ البعض في فهم معناها الصحيح - من

١٤١

أهم العوامل الفكرية التي تُطرح على طاولة البحث عند دراسة أسباب التخلّف والركود والانحطاط الفردي والاجتماعي.

٩ - لقد وجّه أعداء الإسلام سهامهم وضرباتهم العنيفة نحو مسألة القضاء والقدر للإطاحة بالإسلام، وعلّلوا فشل المسلمين بها، وقالوا بأنّ هذه المسألة هي التي بسببها اتّجه المسلمون نحو الكسل انتظاراً لما يأتيهم من الغيب!

١٠ - إنّ مسألة القضاء والقدر لها صلة وثيقة بمسألة الجبر والاختيار، لأنّ هذه المسألة قائمة على نفس الأُسس التي تقوم عليها مسألة الجبر والاختيار.

١٤٢

المبحث الثاني

النهي عن الخوض في القضاء والقدر وأسباب ذلك

النهي عن الخوض في القضاء والقدر:

١ - قال الإمام علي(عليه السلام) لمن سأله عن القضاء والقدر: "... بحر عميق فلا تلجه.. طريق مظلم فلا تَسلُكه... سرُّ اللّه فلا تكلّفه..."(١) .

٢ - قال الإمام علي(عليه السلام) بعد أن قيل له: أنبئنا عن القدر: "سرّ اللّه فلا تفتّشوه"(٢) .

٣ - قال الإمام علي(عليه السلام) في القدر: "ألا إنّ القدر سرّ من أسرار اللّه، وحرز من حرز اللّه، مرفوع في حجاب اللّه، مطوي عن خلق اللّه، مختوم بخاتم اللّه، سابق في علم اللّه، وضع اللّه عن العباد علمه ورفعه فوق شهاداتهم..."(٣) .

٤ - قال الإمام علي(عليه السلام) لقوم رآهم يخوضون في أمر القدر وغيره في بعض المساجد وقد ارتفعت أصواتهم:

"يا معاشر المتكلّمين ألم تعلموا أنّ للّه عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم، وأ نّهم هم الفصحاء البلغاء الألباء..."(٤) .

أسباب النهي عن الخوض في القضاء والقدر:

الرأي الأوّل:

إنّ هذا النهي خاص بضعيفي العلم الذين يفسدهم الخوض في القضاء والقدر،

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦٠: باب القضاء والقدر و...، ح٣، ص٣٥٥.

٢- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٣: القضاء والقدر و...، ج٧٠، ص١٢٣.

٣- المصدر السابق: ح٢٣، ص٩٧.

٤- المصدر السابق: ج٣، كتاب التوحيد، باب٩، ح٣٠، ص٢٦٥.

١٤٣

وليس هذا النهي عاماً لكافة المكلّفين(١) .

سبب النهي:

إنّ الخوض في هذه المسألة يثير في نفوس ضعيفي العلم جملة من الشبهات التي تؤدّي بهم إلى التيه والانحراف والوقوع في أودية الضلال.

توضيح ذلك:

١ - تعتبر مسألة القضاء والقدر من المسائل الشائكة التي يحيطها الغموض النظري، ولها من الألغاز ما لا يمكن حلّها بسهولة، ولهذا ينبغي لذوي المستويات العلمية الضعيفة أن يحذروا من التعمّق فيها خشية الوقوع والتورّط في بعض المنزلقات الفكرية.

٢ - إنّ تحذير النصوص الروائية من الخوض في غمار مبحث القضاء والقدر يعود إلى العمق الذي ينطوي عليه هذا المبحث، وهو الأمر الذي يملي على الإنسان عدم الخوض في هذا المبحث إلاّ بعد التسلّح بأقصى حالة من الدقّة والحذر عند دراسة هذا البحث.

٣ - إنّ مسألة القضاء والقدر فيها الكثير من دقائق الأُمور، فمن استطاع فهمها بصورة لائقة فبها ونعمت، وإلاّ فيجب على الإنسان في هذه الحالة أن يترك التكلُّف في فهمها والتدقيق فيها ليصون نفسه من الوقوع في فساد العقيدة.

٤ - إنّ الذي يجد نفسه في مأمن من الوقوع في المحذور، فلا إشكال في عدم شمول النهي الوارد في الأخبار له، لأ نّه يستطيع الخوض في هذا المبحث ليتمكّن من الوصول إلى معرفة الحقّ، ومن ثمّ المبادرة إلى تعليم غيره والرد على من أراد الطعن بعقيدة الإسلام.

الرأي الثاني:

إنّ النهي عن الكلام في القضاء والقدر ناظر إلى "النهي عن الكلام فيما خلق اللّه

____________________

١- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: مبحث تفسير أخبار القضاء والقدر، ص٥٧.

١٤٤

تعالى، وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبّد، وعن القول في علل ذلك إذا كان طلب علل الخلق والأمر محظوراً، لأنّ اللّه تعالى سترها عن أكثر خلقه"(١) .

بعبارة أُخرى:

إنّ المقصود من النهي عن الخوض في القضاء والقدر هو النهي عن الخوض لمعرفة الأسرار والعلل الغيبية المرتبطة بالخلق والتشريع الإلهي.

سبب النهي:

إنّ العقول مهما بلغت في نضجها وإدراكها فهي عاجزة عن إدراك الأبعاد الغيبية المرتبطة بشؤون الخلق والتشريع، ولهذا يؤدّي تكلّفها في هذا المجال إلى ازدياد حيرتها بحيث يدفعها ذلك إلى التيه والانحراف.

النتيجة:

ينبغي للعباد أن يكتفوا بما جاء في الشريعة الإلهية حول علل الخلق وحكمة التشريع، وأن يقتصر تفكيرهم في هذا المجال على الحدود التي بيّنها اللّه تعالى لهم.

الرأي الثالث:

إنّ النهي والتحذير ناظر إلى التفتيش عن المقدّرات، واتّباع السبل غير المشروعة من قبيل "الكهانة" و"تحضير الأرواح" و"الاتّصال بالجن" من أجل اكتشاف ما ستره اللّه على عباده من قضائه وقدره(٢) .

بعبارة أُخرى:

إنّ المقصود من النهي عن الخوض في القضاء والقدر لا يعني النهي عن البحث حول حقيقة معناهما، بل يعني ذلك المبادرة العملية عن طريق السبل غير المشروعة إلى اكتشاف ما سيكون في المستقبل من أُمور تتحقق بقضاء اللّه تعالى وقدره.

____________________

١- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: مبحث تفسير اخبار القضاء والقدر ص٥٧.

٢- راجع: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٣، ح٢٣، ص٩٧.

١٤٥

سبب النهي:

أوّلا - تكلّف الاطلاع على ما ستره اللّه تعالى، يعني التجسّس في الحريم الإلهي، وهو أمر محرّم ولا ينبغي الخوض فيه.

ثانياً - إنّ هذا الطريق كما وصفه الإمام علي (عليه السلام)(١) :

١ - سرّ من أسرار اللّه.

٢ - ستر من ستر اللّه.

٣ - حرز من حرز اللّه.

٤ - مرفوع في حجاب اللّه.

٥ - مطوي عن خلق اللّه.

٦ - مختوم بخاتم اللّه.

٧ - سابق في علم اللّه.

٨ - وضع اللّه عن العباد علمه.

٩ - بحر زاخر موّاج خالص للّه تعالى.

١٠ - عمقه ما بين السماء والأرض.

١١ - عرضه ما بين المشرق والمغرب.

١٢ - أسود كالليل الدامس.

١٣ - كثير الحيّات والحيتان.

١٤ - يعلو مرّة ويسفل أُخرى.

١٥ - في قعره شمس تضيئ.

ثمّ قال (عليه السلام): "لا ينبغي أن يطّلع عليها إلاّ الواحد الفرد، فمن تطلّع عليها فقد ضادّ اللّه في حكمه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن سرّه وستره وباء بغضب من اللّه، ومأواه جهنم وبئس المصير"(٢) .

____________________

١- انظر: الاعتقادات، الشيخ الصدوق: ب٧، ص١٥ - ١٦.

٢- الاعتقادات، الشيخ الصدوق: ب٧، ص١٥ - ١٦.

١٤٦

١٤٧

المبحث الثالث

معنى القضاء والقدر (في اللغة)

معنى القضاء (في اللغة):

القضاء هو فصل الأمر(١) ، سواء كان هذا "الأمر" قولا أو فعلا، وكلّ واحد منهما على وجهين: إلهي وبشري، ومثال ذلك(٢) :

١ - القول الإلهي:( وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ) [الإسراء: ٢٣]

أي: أمر ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه.

٢ - الفعل الإلهي:( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماوات فِي يَوْمَيْنِ ) [فصّلت: ١٢]

أي: خلقهن اللّه تعالى وأوجدهن سبع سماوات في يومين.

٣ - القول البشري: من قبيل قضاء الحاكم، لأنّ حكمه يكون بالقول.

٤ - الفعل البشري:( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ ) [البقرة: ٢٠٠]

أي: فإذا أدّيتموا مناسككم، فاذكروا اللّه تعالى.

معنى القدر (في اللغة):

القدر هو كمية الشيء، وتقدير اللّه تعالى للأشياء عبارة عن جعلها على مقدار ووجه مخصوص حسب حكمته عزّ وجلّ(٣) .

أنواع التقديرات الإلهية:

١ - تقدير الخلق:

قال تعالى:( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) [الفرقان: ٢]

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (قضى).

٢- انظر: المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (قضي).

٣- انظر: المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (قدر).

١٤٨

أي: إنّ اللّه تعالى قدّر كلّ ما أراد خلقه.

٢ - تقدير الكم والكيف:

قال تعالى:( وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَر مَعْلُوم ) [الحجر: ٢١]

أي: إنّ اللّه تعالى لا ينزّل من خزائنه شيئاً على خلقه إلاّ بعد تحديد قدر ذلك الشيء كماً وكيفاً.

وقال تعالى:( وَكُلُّ شَيْء عِنْدَهُ بِمِقْدار ) [الرعد: ٨]

أي: لا يكون شيء عند اللّه تعالى إلاّ محدّداً بمقدار معيّن من ناحية الكمية والكيفية.

٣ - تقدير الماهية والخاصية:

قال تعالى:( وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) [فصّلت: ١٢]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل السماء الدنيا على مقدار ووجه مخصوص من التزيّن بالمصابيح و...

وقال تعالى:( إِنّا كُلَّ شَيْء خَلَقْناهُ بِقَدَر ) [القمر: ٤٩]

أي: إنّ اللّه تعالى خلق كلّ شيء وفق قدر معيّن وعلى وجه مخصوص.

٤ - تقدير الزمان والأجل:

قال تعالى:( وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) [الأعراف: ٣٤]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل لكلّ أُمّة غايةً معيّنة فى الزمان بحيث إذا جاء أجلهم فإنّهم لا يسعهم أن يؤخّروا الأجل.

وقال تعالى:( أَ لَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِنْ ماء مَهِين * فَجَعَلْناهُ فِي قَرار مَكِين * إلى قَدَر مَعْلُوم ) [المرسلات: ٢٠ - ٢٢]

أي: إلى زمان محدّد ومعلوم.

وقال تعالى:( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ

١٤٩

الْعَلِيمِ) [يس: ٣٨]

أي: إنّ الشمس تجري وفق قدر زماني معيّن حدّده اللّه تعالى لها.

١٥٠

المبحث الرابع

معنى القضاء والقدر (في الاصطلاح العقائدي)

الرأي الأوّل:

القضاء والقدر عبارة عن كتابة اللّه تعالى كلّ ما سيجري في الكون بتمام خصوصياته وقدره في اللوح المحفوظ، والتي منها كتابته عزّ وجلّ ما سيجري على العباد وإخبار الملائكة بذلك.

أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي:

١ - الشيخ الصدوق: "يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى أنّ اللّه عزّ وجلّ قد علمها وعلم مقاديرها"(١) .

٢ - المحقّق الطوسي: "والقضاء والقدر إن أُريد بهما خلق الفعل لزم المحال.. والإعلام [أي: وإن اُريد بهما الإعلام والإخبار] صحّ مطلقاً"(٢) .

٣ - العلاّمة الحلّي: "أ نّه تعالى قضى أعمال العباد وقدّرها [فإذا قلنا] أ نّه تعالى بيّنها وكتبها وأعلم أنّهم سيفعلونها فهو صحيح، لأ نّه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبيّنه لملائكته.."(٣) .

خلاصة هذا الرأي:

القضاء والقدر ينقسم إلى قسمين:

١ - القضاء والقدر العلمي: وهو علم اللّه الذاتي بما سيجري من أُمور في الخلق مع علمه تعالى بالحدود والمقادير المحيطة بها، والعلم بعلّتها التامة الموجبة لها.

٢ - القضاء والقدر الفعلي (العيني): وهو تسجيل اللّه لهذا العلم في لوح المحو

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦، باب القضاء والقدر و...، ذيل ح٣٢، ص٣٧٥.

٢- كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الثامنة، ص٤٣٢ - ٤٣٣.

٣- المصدر السابق: ص٤٣٣.

١٥١

والإثبات، وتدوين كلّ فعل مقدّر بالمقادير ومستند إلى علّته التامة الموجبه له.

الحكمة من كتابة المقادير وتدوينها:

إنّ اللّه تعالى لا يحتاج إلى كتابة المقادير، وهو منزّه عن السهو والنسيان، وإنّما المقادير تدوّن لكي تتلقاها الملائكة كأوامر، فتقوم بإنجاز الأعمال الموكّلة بها وتنفيذها بإذن اللّه، ومنه قوله تعالى:( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ) [النازعات: ٥]، والمقصود من المدبرات كما ورد في التفاسير هي الملائكة التي تدبّر شؤون الخلق.

عمل الملائكة:

إنّ لكلّ حدث في هذا العالم - إضافة إلى العلل والأسباب المادية - علل وأسباب غيبية خافية علينا، بحيث لا يمكننا معرفتها بالحس ورصدها بالتجربة، وتعتبر الملائكة من هذه الأسباب الغيبية حيث إنّها تقوم بمهمات خاصة في هذا العالم.

الرأي الثاني حول معنى القضاء القدر اصطلاحاً:

القضاء: إنّ القضاء الإلهي في أفعال العباد يعني أ نّه تعالى:

قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها.

وقضى في أفعالهم السيئة بالنهي عنها.

القدر: إنّ القدر الإلهي في أفعال العباد يعني أ نّه تعالى بيّن مقادير أوامره ونواهيه للعباد، ووضّح لهم تفاصيل هذه التكاليف(١) .

أدلة هذا الرأي:

١ - قال علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "... ما من فعل يفعله العباد من خير وشرّ إلاّ وللّه فيه قضاء".

فسأله الراوي: فما معنى هذا القضاء؟

قال(عليه السلام): "الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا

____________________

١- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: تفسير آيات القضاء والقدر، ص٥٦.

١٥٢

والآخرة"(١) .

٢ - فسّر الإمام علي(عليه السلام) القضاء والقدر لمن سأله عنهما بأ نّهما الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية.

فلما سُئل (عليه السلام): فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟

قال(عليه السلام): "الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد والترهيب. كلّ ذلك قضاء اللّه في أفعالنا وقدره لأعمالنا..."(٢) .

٣ - قال الإمام علي(عليه السلام) للشخص الذي فهم معنى الجبر من القضاء والقدر:

"... لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حاتماً! ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً ولم يكلّف عسيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يطع مُكرِهاً، ولم يرسل الأنبياء لعِباً، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا:( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ ) [ص: ٢٧] "(٣) .

أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي:

١ - قال الشيخ الصدوق حول القضاء والقدر: "اعتقادنا في ذلك قول الصادق(عليه السلام)لزرارة حين سأله حول ما تقول ياسيدي في القضاء والقدر؟ قال(عليه السلام): "أقول: إنّ اللّه تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم(٤) ولم يسألهم عما قضى عليهم"(٥) .

توضيح ذلك:

إذا جمع اللّه تعالى العباد يوم القيامة، فإنّه لا يسألهم إلاّ عن أعمالهم التي عهد

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح١٨، ص١٢.

٢- المصدر السابق: باب ٣: القضاء والقدر...، ح٢٠، ص٩٦.

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضي، باب المختار من حكم أمير المؤمنين، حكمة ٧٨، ص٦٦٦.

٤- أي: عمّا كلّفهم به.

انظر: نور البراهين، نعمة اللّه الجزائري: ج٢، باب ٦٠: باب القضاء، ص٣١٢ هامش حديث ٢.

٥- الاعتقادات، الشيخ الصدوق، باب٦: الاعتقاد في الارادة والمشيئة، ص١٠.

١٥٣

إليهم، فأمرهم بالحسن منها، ونهاهم عن القبيح منها(١) .

٢ - قال الشيخ الصدوق: "يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى...:

له عزّ وجلّ في جميعها حكم من خير أو شر. فما كان من خير، فقد قضاه بمعنى أ نّه أمر به وحتمه وجعله حقاً، وعلم مبلغه ومقداره.

وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه، ولكنه عزّ وجلّ قد قضاه وقدّره بمعنى أ نّه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه"(٢) .

الرأي الثالث حول معنى القضاء والقدر اصطلاحاً:

تفسير القضاء والقدر وفق نظام الأسباب، وسنبيّن هذا التفسير بصورة مفصّلة في المبحث القادم.

____________________

١- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: تفسير أخبار القضاء والقدر ص٥٩.

٢- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب٦٠: باب القضاء والقدر و...، ذيل ح٣٢، ص٣٧٥.

١٥٤

المبحث الخامس

تفسير القضاء والقدر وفق نظام الأسباب

إنّ تحقّق كلّ شيء في هذا العالم بحاجة إلى وجود مجموعة أسباب وعلل تسبقه، ومن مجموع هذه "العلل الناقصة" تتكوّن "العلة التامة" التي تؤدّي إلى تحقّق ذلك الشيء(١) .

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

"أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بأسبابها، فجعل لكلّ شيء سبباً..."(٢) .

معنى القضاء:

"القضاء" عبارة عن حتمية وقوع الشيء ووصوله إلى مرتبة ضرورة التحقّق عند اجتماع علله الناقصة وتكوين علّته التامة التي تؤدّي إلى تحقّقه.

مثال:

إنّ عملية احتراق الخشب بالنار لا تتحقّق إلاّ بعد:

١ - توفّر الشروط المطلوبة، من قبيل: تماس النار بالخشب ووجود الأوكسجين و..

٢ - ارتفاع الموانع من قبيل: وجود بلل أو رطوبة في الخشب و...

فإذا وجدت النار، وتوفّرت الشروط المطلوبة، وارتفعت الموانع، فحينئذ تتكوّن "العلّة التامة"، فيصل الأمر إلى مرتبة "القضاء"، فيتحقّق الاحراق.

____________________

١- انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١٢، تفسير سورة الحجر، آية ١٦ - ٢٥، ص١٤٠، وج١٣، تفسير سورة الإسراء، آية ٩ - ٢٢، ص٧٢ - ٧٣.

٢- الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب الحجّة، باب معرفة الإمام والردّ عليه، ح٧، ص١٨٣.

١٥٥

وأمّا إذا انتفى جزء من هذه الأجزاء المكوّنة للعلّة التامة، فإنّ المعلول ينتفي في الخارج، فلا يصل الأمر إلى مرتبة "القضاء"، ولا يتحقّق الاحراق.

معنى القدر:

"القدر" عبارة عن الحدود والخصائص التي يتّصف بها الشيء حين تحقّقه من جهة الزمان والمكان والكمية والكيفية والأُمور الأخرى التي بها يتعيّن الشيء ويتميّز عن غيره.

بعبارة أُخرى:

"القضاء" يعني بلوغ أسباب وقوع كلّ فعل إلى حدّ "العلّة التامة" المؤدّية إلى تحقّق الفعل. أي: وصول الفعل بعد اجتماع جميع "علله الناقصة" وتكوين "علّته التامة" إلى مرتبة "التحقّق".

و"القدر" يعني: أنّ الأسباب المكوّنة للعلّة التامة لا تعمل إلاّ في إطار المقادير التي حدّدها اللّه تعالى لها.

معنى القضاء والقدر الإلهي في أفعال العباد:

إنّ كلّ شيء في هذا العالم ومنها أفعال العباد لا تتحقّق إلاّ في إطار الأسباب التي جعلها اللّه تعالى في هذا العالم.

معنى القضاء الإلهي في أفعال العباد:

إنّ معنى قولنا: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ بقضاء اللّه تعالى، أي: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ من خلال العلل والأسباب.

وكلّ فعل من أفعالنا إذا اجتمعت "العلل الناقصة" لتحققه، وبلغت مرحلة "العلّة التامة"، فإنّ تحقّق هذا الفعل يصل إلى مرحلة "القضاء".

فيقال: تحقّق هذا الفعل بقضاء اللّه.

أي: تحقّق هذا الفعل نتيجة النظام السببي الذي جعله اللّه تعالى وسيلة لتحقّق هذا الفعل.

١٥٦

تنبيه:

لا يصل فعل الإنسان إلى مرحلة التحقّق (أي: مرحلة القضاء) إلاّ بعد اجتماع جميع العلل الناقصة المؤدّية إلى تكوين العلّة التامة التي تكون السبب الأساسي لتحقّق الفعل.

ولا يخفى بأنّ إحدى العلل المؤثّرة في تحقّق كلّ فعل من أفعال الإنسان الاختيارية هي اختياره لذلك الفعل. وهذا "الاختيار" يشكّل إحدى العلل والأسباب المؤدّية إلى تشكيل العلّة التامة للفعل الذي سيصدر منه.

إذن:

إنّ "اختيار الإنسان" سبب كباقي الأسباب، وجزء من العلل المؤثّرة في تحقّق أفعاله.

معنى القدر الإلهي في أفعال العباد:

إنّ معنى قولنا: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ بقدر اللّه، أي: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ في دائرة الحدود التي منحها اللّه للأسباب.

فمن تمسّك بسبب، فإنّ هذا السبب لا يترك أثره إلاّ بمقدار ما جعل اللّه فيه من قوّة وقدرة وغيرها من الخصوصيات.

الأدلة الروائية المؤيّدة لهذا الرأي:

١ - ورد أنّ الإمام علي(عليه السلام) عدل من عند حائط مائل ومشرف على السقوط إلى مكان آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء اللّه؟!

فقال(عليه السلام): "أفرّ من قضاء اللّه إلى قدر اللّه"(١) .

معنى الحديث:

إنّ الحائط يسقط عند توفّر علّته التامة، فإذا سقط فإنّه يسقط "بقضاء اللّه تعالى"

____________________

١- الاعتقادات، الشيخ الصدوق: باب ٧: باب الاعتقاد في القضاء والقدر، ص١٦.

١٥٧

أي: وفق نظام الأسباب الذي جعله اللّه تعالى في هذا العالم.

وبما أنّ اللّه تعالى جعل "اختيار الإنسان" من جملة الأسباب، و"قدّر" أن يكون الإنسان مختاراً ومحدداً لمصيره، فإنّ العدول عن الحائط المشرف على السقوط إلى مكان آخر أيضاً يكون من "قدر اللّه تعالى"، لأ نّه يتم عن طرق التمسّك بالأسباب التي خلقها اللّه تعالى، ومن هذه الأسباب هي كون الإنسان مختاراً.

ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام): "أفرّ من قضاء اللّه إلى قدر اللّه".

٢ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) عن الرقي(١) هل تدفع من القدر شيئاً؟ فقال (عليه السلام): "هي من القدر"(٢) .

معنى الحديث:

إنّ الأذى الذي يصيب الإنسان إنّما يصيبه عن طريق الأسباب، ولهذا يكون هذا الأذى من القدر، أي: من الأُمور التي تصيب الإنسان في إطار النظام السببي.

وبما أنّ الأسباب يسلب بعضها أثر الآخر، من قبيل: إزالة النار عن طريق صبّ الماء عليها، فإنّ الإمام(عليه السلام) يعتبر الرقية (التي يتعوّذ بها الإنسان من الآفات) سبباً من الأسباب التي تردع الآفات وتصون الإنسان من أذاها.

ولهذا اعتبر الإمام(عليه السلام) الرقية من القدر، أي: من الأسباب التي يدفع الإنسان بها أثر الأسباب الأخرى من قبيل الآفات.

بعض السنن الإلهية المذكورة في القرآن الكريم:

١ -( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأعراف: ٩٦]

٢ -( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ

____________________

١- الرقي جمع رقية، وهي ما يتعوّذ بها الإنسان من الآفات.

٢- الاعتقادات، الشيخ الصدوق، باب٧: باب الاعتقاد في القضاء والقدر، ص١٦.

١٥٨

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) [الأنفال: ٢٩]

٣ -( وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) [الطلاق: ٢ - ٣]

٤ -( ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [ ) الأنفال: ٥٣]

٥ -( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد: ١١]

٦ -( وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) [البقرة: ٢٢]

٧ -( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) [إبراهيم: ٧]

٨ -( وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ ) [القصص: ٥٩]

٩ -( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً ) [فاطر: ٤٣]

أي: من سنن اللّه تعالى ثبات سننه وعدم تبدّلها وعدم تحوّلها.

١٠ -( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ) [التوبة: ١٤]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل أيدي المؤمنين سبباً لتعذيب الكفار.

ضرورة التمسّك بنظام الأسباب:

١ - إنّ أسباب التقدّم والعمران والتطوّر مبذولة للجميع، ومن يتمسّك بها يصل إليها - بإذن اللّه تعالى - سواء كان برّاً أو فاجراً، مؤمناً أو كافراً.

٢ - إنّ الذي يكتشف السنن الكونية، ويتعرّف عليها بدقّة يكون قادراً على تسييرها والتحكّم بها، ولكن الغافل عنها يكون أسيراً بيدها تتحكّم به كيفما تشاء وهو مغمض العينين!

٣ - ينبغي للإنسان الأخذ بكافة الأسباب التي أوجدها اللّه تعالى، والتعامل معها في صعيد الحياة وتطويرها والسعي للاستفادة منها بأقصى حدّ ممكن من أجل الوصول إلى النتائج المطلوبة.

٤ - يكون الإنسان بمقدار إلمامه بالسنن الكونية قادراً على تفجير طاقاته

١٥٩

الكامنة وتنمية مواهبه واستعداداته واقتحام الموانع التي تمنعه من بلوغ أهدافه السامية.

٥ - إنّ من الأُمور التي ينبغي الالتفات إليها هي أنّ كلّ سبب له من التأثير ما يختلف عن السبب الآخر، وبما أنّ الأشياء تتعرّض في كلّ آن لأسباب مختلفة، فلهذا يكون لكلّ منها اتّجاهٌ خاصٌّ يختلف عن غيرها.

٦ - إنّ سعي الإنسان لاكتشاف السنن عمل عبادي، لأنّ به يوفّر الإنسان لنفسه ولغيره الأرضية المناسبة لنيل الأهداف العبادية، من قبيل استخدام التقنية لتسهيل أعمال الخير وأدائها في نطاق واسع.

٧ - إنّ الأسباب المؤثّرة في هذا العالم لا تقتصر على "الأسباب المادية" فحسب، لأنّ العالم لا يقتصر على البُعد الحسي والمادي فقط، بل فيه بُعد غيبي ومعنوي، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يغفل عن "الأسباب الغيبية والمعنوية" الموجودة في الكون، من قبيل "الدعاء" كسبب إيجابي و"الحسد" كسبب سلبي.

٨ - إنّ الواقع الفردي أو الاجتماعي لا يتغيّر بصورة عفوية، وإنّما يتوقّف ذلك على شروط، وتعتبر إرادة الإنسان الناتجة من اختياره هي الشرط الأساس لحدوث هذا التغيير.

٩ - كلّ شيء في هذا العالم يخضع لأسبابه الواقعية ويجري ضمن قانون محكم ومخطّط دقيق، و"الصدفة" إنّما هي حدث خفيت علينا أسبابه.

١٠ - إنّ فشل الإنسان وعدم تمكّنه من الوصول إلى أهدافه في دائرة الأسباب لا يدل على أنّ اللّه تعالى لا يريد حتماً تحقّق هذه الأهداف، بل قد يكون ذلك نتيجة وجود عوامل مجهولة تقف دون وصول الإنسان إلى ما يريد، وعلى الإنسان أن يسعى لاكتشاف هذه الأسباب المجهولة.

١١ - إنّ ترك الأسباب وعدم مجاراة السنن الكونية بذريعة الاتّكال على اللّه تعالى ينشأ من قلّة العلم بالنظام الإلهي في هذا العالم، وتكون نتيجته المعيشة في دائرة الفقر والحرمان نتيجة مخالفة سنن اللّه تعالى.

١٢ - ينبغي للإنسان أن يتجنّب في مسيرة حياته من الإفراط والتفريط المتمثّل

١٦٠