العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 186278
تحميل: 7600

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186278 / تحميل: 7600
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

المبحث الثالث

أقسام الجبر

١ - الجبر الديني:

يتمّ تصويره عن طريق جعل الفعل البشري محكوماً بإرادة إلهية تتحكّم به كيفما تشاء.

٢ - الجبر الفلسفي:

يتمّ تصويره عن طريق طرح مجموعة شبهات فلسفية تؤدّي إلى القول بالجبر.

٣ - الجبر المادي:

يتم تصويره عن طريق جعل الفعل البشري محكوماً بالعلل المادية من قبيل الوراثة والتعليم والعوامل المحيطيّة و....

توضيح الجبر المادي:

إنّ ملاحظة العوامل المكوّنة لشخصية الإنسان تفرض الحكم بأنّ الإنسان ليس له سوى الانقياد لما تملي عليه هذه العوامل.

العوامل المكوّنة لشخصية الإنسان:

١ - الوراثة:

إنّ الإنسان يتلقّى عن طريق الوراثة السجايا والصفات الحسنة أو الدنيئة لتكون العامل الأساس في بلورة سلوكه في المستقبل.

٢ - الثقافة والتعليم:

إنّ التعليم يحدّد للإنسان زاوية رؤيته إلى الحياة، فيكون سلوكه بعد ذلك وفق هذه الرؤية المفروضة عليه.

١٨١

٣ - المحيط والبيئة:

إنّ الأجواء التي يترعرع فيها الإنسان هي التي تحدّد نفسيته، وتحدّد له الطريق الذي ينبغي السير فيه.

يلاحظ عليه:

لا يوجد شكّ في تأثير هذه العوامل على تكوين شخصية الإنسان، ولكن لا يبلغ تأثير هذه العوامل درجة سلب الاختيار من الإنسان، بل تبقى لإرادة الإنسان واختياره القدرة على مواجهة هذه العوامل وعدم الانقياد لها عن طريق:

١ - التفكّر والتدبّر في صالح أعماله وطالح أفعاله وما يترتّب عليهما من آثار.

٢ - ترك الأجواء السلبية التي يعيش فيها، والهجرة إلى أجواء إيجابية(١) .

بعبارة أُخرى:

إنّ هذه العوامل ليس لها أي أثر في سلب اختيار الإنسان، لأ نّها لا تشكّل العلّة التامّة في صدور الفعل البشري، بل هي عوامل تحفّز الإنسان على القيام ببعض الأفعال، ويبقى الإنسان قادراً على مخالفة هذه العوامل والصمود أمام ضغوطاتها.

____________________

١- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ٢ / ٣١٧ - ٣١٨.

١٨٢

المبحث الرابع

الأدلة المبطلة للجبر والمثبتة للاختيار

الأدلة المبطلة للجبر:

١ - بطلان الشرايع والتكليف:

إنّ من وظائف الأنبياء إرشاد الناس إلى التكاليف الإلهية، ولا يمكن أداء هذه التكاليف إلاّ إذا كان الإنسان قادراً على فعل الشيء وتركه، ولهذا يكون مجيئ الأنبياء وإتيانهم بالشرائع والتكاليف دليلا على نفي الجبر عن ساحة أفعال وسلوك الإنسان، لأنّ القول بالجبر يؤدّي إلى القول ببطلان الشرائع والتكليف.

٢ - سقوط الثواب والعقاب:

لا يصح إثابة شخص أو معاقبته على فعل ليس من صُنعه، فإذا كان الإنسان مجبوراً في أفعاله وليس له دور في الفعل الذي يصدر عنه، فكيف يمكن إثابته على طاعة لم يفعلها، أو معاقبته على معصية لم يرتكبها.

٣ - التساوي بين المحسن والمسيئ:

لو كان الإنسان مجبراً في أفعاله لم يكن للمحسن ميزة على المسيء، ولم يكن فرقٌ بين المؤمن والكافر، بل سيكونان متساويين لأ نّهما ليسا إلاّ أداة تعكس ما أُجبرا عليه، فلهذا لا يصح بعد ذلك مدح أو ذم أحد على أفعاله.

٤ - عبثية الترغيب والتخويف:

إنّ ترغيب العباد على الأعمال الصالحة وتخويفهم من تركها لا داعي له فيما لو كان الإنسان مجبوراً في أفعاله، لأنّ الترغيب والترهيب لا ينفعان إلاّ إذا كان

١٨٣

الإنسان مختاراً وقادراً على فعل أو عدم فعل ما يؤمر به أو يُنهى عنه.

٥ - عبثية مساعي المربّين:

إنّ القول بالجبر يؤدّي إلى أن تكون مساعي المربّين لإصلاح المجتمعات وحثّهم الناس على الفضيلة والأخلاق أمراً عبثياً لا فائدة منه، فتذهب جهود هؤلاء أدراج الرياح نتيجة عدم امتلاك الناس القدرة والاختيار على تغيير سلوكهم وأفعالهم.

٦ - نسبة الظلم إلى اللّه تعالى:

يلزم القول بالجبر أن يكون اللّه تعالى ظالماً - والعياذ باللّه - نتيجة جبره للعباد على المعصية ثمّ معاقبته إياهم إزاء المعاصي التي أجبرهم عليها، كما سينسب ظلم العباد بعضهم لبعض إلى اللّه فيما لو قلنا بأنّ اللّه تعالى هو الفاعل وليس للإنسان أي دور وأثر في صدور أفعاله، لأنّ فاعل الظلم يسمّى ظالماً.

٧ - احتجاج العاصي على اللّه تعالى:

لو كان الإنسان مجبوراً في أفعاله، فإنّ العاصي سيكون من حقّه الاحتجاج على اللّه تعالى حينما يريد اللّه تعالى معاقبته على معاصيه، لأ نّه سيقول: كنت مجبوراً على فعل المعاصي، فكيف تعذّبني على أمر لم يكن لي الاختيار في فعله؟ في حين لا يصح احتجاج الإنسان على اللّه تعالى.

الأدلة المثبتة للاختيار:

١ - يجد كلّ إنسان من صميم ذاته أ نّه قادر على فعل بعض الأعمال أو تركها حسب ما يراه من مصلحة أو مفسدة أو نفع أو ضرر.

٢ - يفرّق كلّ إنسان عاقل بين الفعل الاختياري الذي يصدر عنه كتحريك يده، وبين أفعاله الاضطرارية كحركة يد المرتعش وحركة الدم في العروق وعملية الهضم وإفرازات الغدد وغيرها من الأفعال التي لا اختيار له في صدورها(١) .

____________________

١- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثانية، مبحث: مكابرة الجبرية بضرورة العقل، ص١٠٢.

١٨٤

ردّ القرآن الكريم على القائلين بالجبر:

١ -( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْء كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ ) [الأنعام: ١٤٨]

توضيح:

قال الذين أشركوا: إنّ اللّه تعالى أجبرنا على الشرك، ولو شاء اللّه ما أشركنا، فردّ اللّه تعالى على مقولتهم هذه، وبيّن بأنّ هذه المقولة غير مبتنية على الأسس العلمية، وإنّما هي ناشئة من الظنون غير المعتبرة والادّعاءات الكاذبة.

٢ -( وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْم إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ ) [الزخرف: ٢٠]

توضيح:

هذه الآية تشبه الآية السابقة، وقد بيّنت بأنّ الذين أشركوا باللّه تعالى، ثمّ قالوا بأنّ اللّه أجبرهم على ما فعلوا ولو شاء اللّه ما أشركوا، فإنّهم ذهبوا إلى هذا القول نتيجة جهلهم بالواقع ونتيجة قولهم الكذب على اللّه تعالى.

٣ - إنّ إبليس أوّل من قال بالجبر، فقال كما جاء في القرآن الكريم حكاية عنه:

( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) [الحجر: ٣٩]

وكان هذا الأمر من جملة أسباب طرده عن رحمة اللّه تعالى.

بعض الآيات القرآنية النافية للجبر والمثبتة للاختيار:

إنّ القرآن الكريم مليء بالآيات البيّنات الدالة على نفي الجبر عن أفعال الإنسان وإثبات الاختيار له في سلوكه وتصرفاته، منها(١) :

الصنف الأوّل:

الآيات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد ونسبته إليه، وأ نّه يمتلك الاختيار فيما

____________________

١- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، ص١٠٥ - ١١٢.

١٨٥

يفعله من خير أو شر، منها:

١ -( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ ) [البقرة: ٧٩]

٢ -( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد: ١١]

٣ -( قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) [يوسف: ١٨]

٤ -( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ ) [المائدة: ٣٠]

٥ -( كُلُّ نَفْس بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [المدّثّر: ٣٨]

٦ -( كُلُّ امْرِئ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) [الطور: ٢١]

٧ -( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ ) [فصّلت: ٤٦]

٨ -( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) [البقرة: ٢٨٦]

الصنف الثاني:

الآيات الدالة على نسبة أفعال العباد إليهم، ونفي الظلم عن اللّه تعالى، منها:

١ -( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ ) [آل عمران: ١٨٢]

٢ -( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ ) [الحجّ: ١٠]

٣ -( الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) [غافر: ١٧]

٤ -( إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّة وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) [النساء: ٤٠]

١٨٦

٥ -( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [النحل: ١١٨]

٦ -( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) [النساء: ٤٩]

٧ -( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [يس: ٥٤]

الصنف الثالث:

الآيات الدالة على وجود الإرادة والاختيار في العباد على إحداث أفعالهم، وأ نّهم مخيّرون في ما يعملونه من خير أو شر، منها:

١ -( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [فصّلت: ٤٠]

٢ -( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) [المدّثّر: ٣٧]

٣ -( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً ) [الكهف:٢٩]

٤ -( كَلاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) [المدّثّر: ٥٤ - ٥٥]

٥ -( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) [المزمل: ١٩]

الصنف الرابع:

الآيات الدالة على ذمّ المخالفين لأوامر اللّه تعالى، ومعاتبتهم عن طريق الاستفهام الإنكاري، وهذا مايدل على أنّ الإنسان يمتلك الاختيار في أفعاله، لأ نّه لو كان مجبوراً لما صح ذمه أو معاتبته إزاء مخالفته لأوامر اللّه تعالى، ومن هذه الآيات:

١ -( وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً ) [الإسراء: ٩٤]

٢ -( وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) [النساء: ٣٩]

٣ -( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [البقرة: ٢٨]

٤ -( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) [المدّثّر: ٤٩]

١٨٧

٥ -( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [آل عمران:٧١]

الصنف الخامس:

الآيات الدالة على أنّ اللّه تعالى يجزي العباد على أعمالهم وما كسبته أيديهم، وهذا ما يدل على أ نّهم أصحاب اختيار في أفعالهم، لأ نّهم لو كانوا مجبورين لما صحّت مجازاتهم، ومن هذه الآيات:

١ -( الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) [غافر: ١٧]

٢ -( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [الجاثية: ٢٨]

٣ -( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) [الأنعام: ١٦٠]

٤ -( لِتُجْزى كُلُّ نَفْس بِما تَسْعى ) [طه: ١٥]

٥ -( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ) [الأنعام: ٩٣]

٦ -( لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْس ما كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) [إبراهيم: ٥١]

٧ -( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ) [طه: ١٢٤]

الصنف السادس:

الآيات الدالة على المسارعة إلى الأعمال الخيرية لطلب المغفرة من اللّه تعالى، وتلبية أوامره وتعاليمه، وهذا ما يدل على إثبات الاختيار للإنسان، لأ نّه لو كان مجبوراً لما صح تشجيعه على عمل الخير وطلب المغفرة، لأنّ هذا التشجيع سيكون عبثاً فيما لو لم يستطع الإنسان القيام بتلبيته، ومن هذه الآيات:

١ -( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ ) [آل عمران: ١٣٣]

٢ -( وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِز فِي الأَرْضِ ) [الأحقاف: ٣٢]

٣ -( وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) [الزمر: ٥٤]

١٨٨

٤ -( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) [الزمر: ٥٥]

الصنف السابع:

الآيات الدالة على اعتراف المجرمين بذنوبهم في يوم القيامة، وهذا ما يدل على أ نّهم كانوا أصحاب اختيار حين ارتكابهم للذنوب، لأ نّهم لو كانوا مجبورين لأنكروا فعلهم للذنب، ونسبوا ذلك إلى اللّه تعالى، ومن هذه الآيات:

١ -( كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللّهُ مِنْ شَيْء إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلال كَبِير ) [الملك: ٨ - ٩]

٢ -( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحابِ السَّعِيرِ ) [الملك: ١١]

٣ -( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتّى أَتانَا الْيَقِينُ * فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ ) [المدّثّر: ٤٢ - ٤٨]

الصنف الثامن:

الآيات الدالة على ندم المجرمين وطلبهم العودة إلى الدنيا ليعملوا الصالحات عندما يحدق بهم العذاب، واعترافهم بذنوبهم وما عملوا من سيّئات، وهذا ما يدل على أ نّهم كانوا يعلمون بأ نّهم أصحاب اختيار في أفعالهم، لأ نّهم لو كانوا مجبورين لما ندموا، بل كان موقفهم تبرئة أنفسهم مما أجبروا عليه، ومن هذه الآيات:

١ -( قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوج مِنْ سَبِيل ) [غافر: ١١]

٢ -( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً ) [المؤمنون: ٩٩ - ١٠٠]

٣ -( وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ ) [السجدة: ١٢]

٤ -( أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [الزمر: ٥٨]

١٨٩

٥ -( رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ ) [فاطر: ٣٧]

الصنف التاسع:

الآيات الدالة على الاستعانة باللّه وطلب الرحمة والهداية منه على الأعمال الخيّرة، فلو كان الإنسان مجبوراً في أفعاله لم يصح تشجيعه على الاستعانة باللّه، لأنّ التشجيع يكون لمن يمتلك الاختيار في الفعل والترك، فيتم تشجيعه ليكون ذلك محفزّاً له للقيام بفعل معيّن أو ترك فعل معين، ومن هذه الآيات:

١ -( اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوا ) [الأعراف: ١٢٨]

٢ -( وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الأعراف: ٢٠٠]

٣ -( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) [النحل: ٩٨]

٤ -( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) [الحمد: ٥]

الصنف العاشر:

الآيات الدالة على طلب العباد المغفرة من اللّه تعالى إزاء مخالفتهم لأوامره تعالى، فلو كان هؤلاء مجبورين في أفعالهم، فلا داعي لهم لطلب المغفرة، لأنّ ذلك يكون لمن يشعر بالتقصير، والمجبور لا يشعر بذلك. ومن هذه الآيات:

١ -( قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) [الأعراف: ٢٣]

٢ -( وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) [البقرة: ٢٨٥]

٣ -( فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ) [ص: ٢٤]

٤ -( وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ) [آل عمران: ١٣٥]

١٩٠

بعض الأحاديث الشريفة المبطلة للجبر والمثبتة للاختيار:

١ - قال الإمام علي(عليه السلام) ردّاً على نظرية الجبر في الأفعال: "... لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من اللّه، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن..."(١) .

٢ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "... اللّه أعدل من أن يجبرهم [أي: يجبر العباد] على المعاصي ثمّ يعذبّهم عليها..."(٢) .

٣ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "... إنّ اللّه عزّ وجلّ أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثمّ يعذّبهم عليها..."(٣) .

٤ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "... رجل يزعم أنّ اللّه عزّ وجلّ أجبر الناس على المعاصي، فهذا قد ظلم اللّه في حكمه..."(٤) .

٥ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه خلق الخلق، فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلاّ بإذن اللّه"(٥) .

أثر الاختيار في أفعال الإنسان:

١ - تكمن قيمة الإنسان وأفضليته على سائر الخلق في كونه كائناً يمتلك العقل والاختيار، فلو قلنا بأنّ الإنسان مجبور في أفعاله، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى سلب قيمته وجعله بمثابة الجمادات في هذا العالم.

٢ - إنّ الاختيار هو الذي يجعل الإنسان مسؤولا عن أفعاله وتصرّفاته.

٣ - إنّ الاختيار هو الذي يجعل الإنسان مستحقاً للمدح والذم والثواب والعقاب.

____________________

١- الأصول من الكافي، الكليني: ج١، كتاب التوحيد، باب: الجبر والقدر و...، ح١، ص١٥٥.

٢- الأصول من الكافي، الكليني: ج١، كتاب التوحيد، باب: الجبر والقدر و...، ح١١، ص١٥٩.

٣- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب نفي الجبر والتفويض، ح٣، ص٣٥٠.

٤- المصدر السابق: ح٥، ص٣٥١.

٥- الأصول من الكافي، الكليني: ج١، كتاب التوحيد، باب: الجبر والقدر و...، ح٥، ص١٥٨.

١٩١

١٩٢

المبحث الخامس

أدلة القول بالجبر والردّ عليها

الدليل الأوّل:

إنّ إرادة الإنسان لا تمتلك القوام الذاتي، ولا يمتلك الإنسان القدرة على إيجاد إرادته بنفسه، بل هو محتاج في إيجاد إرادته إلى إرادة اللّه تعالى، ولا تحدث ارادة الإنسان إلاّ بإرادة اللّه تعالى(١) .

يرد عليه:

١ - اختار اللّه تعالى أن يكون العباد أصحاب إرادة في أفعالهم، فأعطاهم الإرادة، ثمّ أعطاهم قدرة الاختيار لتوجيه إرادتهم كيفما يشاؤون.

بعبارة أُخرى:

إنّ اللّه تعالى هو الذي منح العباد هذه الميزة بأن تكون لهم الإرادة في أفعالهم، فالإرادة - في الواقع - آلة لصدور الفعل من العبد، وإذا كانت آلة الاختيار من اللّه تعالى، فإنّ ذلك لا يستلزم الجبر.

٢ - إنّ إرادة اللّه عزّ وجلّ لم تتعلّق بصدور أفعال العباد منه تعالى بصورة مباشرة ومن دون واسطة، بل تعلّقت إرادة اللّه تعالى في مجال أفعال الإنسان الاختيارية أن لا تصدر من الإنسان إلاّ بعد إرادة الإنسان واختياره لها(٢) .

الدليل الثاني:

إنّ اللّه تعالى يعلم بأفعال العباد التي ستقع في المستقبل.

وما علم اللّه تعالى وقوعه فهو واجب الوقوع.

____________________

١- انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢٢٣ - ٢٢٤.

٢- انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١، تفسير سورة البقرة، آية ٢٦ - ٢٧، ص٩٩ - ١٠٠.

١٩٣

وما علم اللّه تعالى عدم وقوعه فهو ممتنع الوقوع.

ودون ذلك ينقلب العلم الإلهي إلى الجهل، وهو محال.

ومن هنا يثبت بأنّ الإنسان مجبور على فعل ما هو في علم اللّه تعالى(١) .

يرد عليه:

١ - لو صحّ القول بأنّ الإنسان مجبور في أفعاله نتيجة علم اللّه تعالى بها، فسيكون اللّه تعالى أيضاً مجبوراً في أفعاله نتيجة علمه تعالى بما سيقع من أفعاله، فيلزم ذلك أن نقول بأنّ اللّه تعالى مجبور بأن يفعل ما يعلم! وهذا باطل(٢) .

٢ - إنّ اللّه تعالى لا يختار أن يعلم بأنّ الشخص الفلاني سيفعل كذا، ليكون هذا العلم علّة لذلك الفعل، وإنّما علمه تعالى عبارة عن انكشاف المعلوم عنده كما سيكون في الواقع(٣) .

٣ - يتعلّق علمه تعالى بكل شيء حسب الخصوصيات المتوفّرة في ذلك الشيء.

ومن هنا يكون تعلّق العلم الإلهي بأفعال الإنسان باعتبارها أفعال تصدر من فاعل يمتلك الاختيار، وهذا ما يؤكد وقوع أفعال الإنسان باختياره.

بعبارة أُخرى:

قال المجبّرة بأنّ ما علم اللّه وقوعه فهو واجب الوقوع.

فنقول لهم: علم اللّه تعالى بأنّ أفعال العباد لا تقع إلاّ باختيارهم، لأ نّه شاء أن يكون العباد أصحاب اختيار.

إذن يجب أن تقع أفعال العباد باختيارهم، لأنّ عدم وقوعها بهذه الصفة يوجب -

____________________

١- انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢٢٣.

٢- انظر: تلخيص المحصل، نصير الدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثالث: ص٣٤٠.

إشراق اللاهوت، عبد المطلب العُبيدلي: المقصد العاشر، المسألة الرابعة، ص٣٩٠.

٣- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، الكلام في التكليف وحسنه و...، ص٢٤٧.

إشراق اللاهوت، عبد المطلب العُبيدلي: المقصد العاشر، المسألة الثالثة، المبحث الثالث، ص٣٨٩.

١٩٤

حسب ادّعاء المجبرة - انقلاب علم اللّه إلى الجهل.

وبهذا يثبت أنّ الإنسان مختار وغير مجبور في أفعاله.

النتيجة:

إنّ "العلم" مجرّد انكشاف يحكي المعلوم ويبيّنه كما هو عليه، وليس للعلم أي تأثير على المعلوم في الواقع الخارجي.

مثال توضيحي:

إنّ نسبة المعلوم إلى العلم كنسبة الشيء إلى المرآة.

فالمرآة لا تؤثّر في الشيء، وإنّما تبيّنه كما هو عليه في الواقع الخارجي.

فإذا أرتنا المرآة شيئاً بصورة قبيحة، فليس هذا القبح مفروضاً من المرآة على ذلك الشيء، بل لأنّ ذلك الشيء قبيح في نفسه، عكست المرآة ما هو عليه، فأرتنا ذلك الشيء بصورة قبيحة(١) .

أمثلة عدم تأثير العلم في المعلوم:

١ - إخبار المتخصص عن الأنواء الجوية وتقلّبات الهواء، فلو كان العلم عاملا من عوامل إيجاد الشيء، لكان هذا المخبر من جملة أسباب وقوع هذه التقلّبات الجوّية.

٢ - إخبار الفلكي عن وقوع الكسوف أو الخسوف، إذ لو كان العلم مؤثّراً في إيجاد المعلوم، لكان هذا الفلكي من جملة أسباب وقوع هذا الكسوف والخسوف.

٣ - إخبار المدرّس عن مستوى الطالب في الامتحان القادم نتيجة معرفته به خلال فترة التدريس، فإذا صدق إخبار المدرّس، فلا يعني أنّ علم المدرِّس هو السبب في وصول الطالب إلى النتيجة التي أخبرها المدرِّس.

٤ - إخبار الطبيب الحاذق عن الحالة التي سيواجهها المريض، فإذا وقع الأمر كما قال الطبيب، فلا يعني أنّ الطبيب كان سبباً فيما أصاب المريض.

____________________

١- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، الكلام في التكليف وحسنه و... ص٢٤٦.

١٩٥

١٩٦

المبحث السادس

رأي الأشاعرة حول خلق اللّه لأفعال العباد

إنّ اللّه عزّ وجلّ هو المتفرّد بالخلق والإيجاد، وهو خالق كلّ شيء بلا استثناء، ولا خالق في الكون سوى اللّه تعالى، واللّه هو الخالق لأفعال الإنسان.

من أقوال أبي الحسن الأشعري حول خلق اللّه لأفعال العباد:

١ - "... لا خالق إلاّ اللّه، وإنّ أعمال العباد مخلوقة للّه بقدرته... وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً..."(١) .

٢ - "... لا خالق إلاّ اللّه، وإنّ سيئات العباد يخلقها اللّه، وإنّ أعمال العباد يخلقها اللّه عزّ وجلّ، وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً"(٢) .

٣ - "... من قضاء اللّه تعالى هو خلق ما هو جور كالكفر والمعاصي..."(٣) .

٤ - "... أمّا أنا فأقول: إنّ الشر من اللّه تعالى بأن خلقه شراً لغيره لا له"(٤) .

أدلة الأشاعرة على خلقه تعالى لأفعال العباد:

الدليل الأوّل:

الآيات القرآنية الدالة على خلقه تعالى لكلّ شيء، فإنّ هذه الآيات تفيد العموم، فيشمل ذلك أفعال العباد، فتكون أفعال العباد مخلوقة للّه.

ومن هذه الآيات قوله تعالى:

١ -( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْء ) [الزمر: ٦٢]

____________________

١- الإبانة، أبو الحسن الأشعري: الفصل الثاني، ص٣٧.

٢- مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري: حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة، ص٢٩١.

٣- اللمع، أبو الحسن الأشعري: الباب الخامس، ص٨١.

٤- المصدر السابق: ص٨٤.

١٩٧

٢ -( ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْء ) [غافر: ٦٢]

٣ -( يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِق غَيْرُ اللّهِ ) [فاطر: ٣]

٤ -( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) [الأعراف: ٥٤]

٥ -( إِنّا كُلَّ شَيْء خَلَقْناهُ بِقَدَر ) [القمر: ٤٩]

يرد عليه:

١ - إنّ المنهج السليم يقتضي شمولية النظر إلى آيات القرآن الكريم، وعدم الاقتصار على الآيات الدالة على خلقه تعالى لكلّ شيء وإهمال الآيات التي تنسب الخالقية إلى غير اللّه تعالى، من قبيل:

أوّلاً: قوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام):( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) [آل عمران: ٤٩]

ثانياً: قوله تعالى لعيسى(عليه السلام):( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) [المائدة: ١١٠]

ثالثاً: قوله تعالى للسامري وجماعته:( وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ) [العنكبوت: ١٧]

رابعاً: قوله تعالى:( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) [المؤمنون: ١٤]

خامساً: قوله تعالى:( وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ ) [الصّافات: ١٢٥]

النتيجة:

إنّ الأشاعرة اتّبعوا منهجية التجزئة والتبعيض في التعاطي مع الآيات القرآنية، فتمسّكوا بالآيات التي تتلائم مع نظريتهم في خلق أفعال العباد، وأعرضوا عما يتغاير مع ما ذهبوا إليه.

٢ - يدرك الباحث عند نظرته الشمولية إلى الآيات القرآنية بأنّ الآيات التي تنسب خلق كلّ شيء إلى اللّه عزّ وجلّ ليست إلاّ في مقام بيان إحاطته تعالى الكاملة وقدرته التامّة ونفوذ أمره الشامل لجميع الكون بلا استثناء، ولا يوجد أي

١٩٨

تناف بين هذه الشمولية وبين قدرة العباد على الخلق، لأنّ قدرة العباد تستمد وجودها من اللّه تعالى، واللّه تعالى قادر على سلبها في كلّ آن.

٣ - سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) عن أفعال العباد: أهي مخلوقة للّه تعالى، فقال (عليه السلام):

"لو كان خالقاً لها لما تبرّأ منها، وقد قال سبحانه:( أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [التوبة: ٣]، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنّما تبرّأ من شركهم وقبائحهم"(١) .

٤ - سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): هل غير الخالق الجليل خالق؟

قال(عليه السلام): "إن اللّه تبارك وتعالى يقول:( تَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) فقد أخبر أنّ في عباده خالقين وغير خالقين، منهم عيسى صلى اللّه عليه، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن اللّه، فنفخ فيه، فصار طائراً بإذن اللّه، والسامري خلق لهم عجلا جسداً له خوار"(٢) .

٥ - إنّ القول بأنّ اللّه تعالى خالق كلّ شيء لا يعني أ نّه تعالى هو السبب المباشر لخلق كلّ شيء، بل قد يكون الخلق صادراً من الإنسان، ولكنه يُنسب إلى اللّه عزّ وجلّ، لأ نّه تعالى هو الذي أعطى الإنسان القدرة على الخلق.

مثال ذلك:

يبيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة بأنّ مجرّد نسبة الفعل إلى اللّه عزّ وجلّ لا يعني كونه تعالى هو السبب المباشر لهذا الفعل، بل قد يصدر الفعل من غير اللّه، ولكنّه ينسب إلى اللّه تعالى للعلّة التي ذكرناها.

ومن هذه الموارد:

أوّلاً - فعل التوفّي:

١ - نسبته إلى ملك الموت:( قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) [السجدة: ١١]

٢ - نسبته إلى اللّه تعالى:( اللّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) [الزمر: ٤٢]

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ١، ذيل ح٢٩، ص٢٠.

٢- المصدر السابق: ج٤، كتاب التوحيد، باب٥، ح١، ص١٤٧ - ١٤٨.

١٩٩

ثانياً - فعل الرزق:

١ - نسبته إلى العباد:( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) [النساء: ٥]

٢ - نسبته إلى اللّه تعالى:( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات: ٥٨]

ثالثاً - فعل الزرع:

١ - نسبته إلى العباد:( كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ ) (١) [الفتح: ٢٩]

٢ - نسبته إلى اللّه تعالى:( أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ * أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) [الواقعة: ٦٣ - ٦٤]

رابعاً - فعل الغلبة:

١ - نسبته إلى العباد:( كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) [المجادلة: ٢١]

٢ - نسبته إلى اللّه تعالى:( كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا... ) [المجادلة: ٢١]

فنسب اللّه عزّ وجلّ فعل الغلبة لنفسه ولرسله في وقت واحد.

خامساً - فعل الخلق (وهو المرتبط بهذا المبحث)

١ - نسبته إلى العباد:( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) [آل عمران: ٤٩]

( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) [المؤمنون: ١٤]

٢ - نسبته إلى اللّه تعالى:( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْء ) [الزمر: ٦٢]

ملاحظة مهمة:

ذكرنا بأنّ الفعل الذي يصدر من الإنسان ينسب أيضاً إلى اللّه تعالى، وذلك لأ نّه

____________________

١- قوله: (الزُّرّاعَ) تتضمن نسبة فعل الزراعة إلى الإنسان.

٢٠٠