العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 186269
تحميل: 7599

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186269 / تحميل: 7599
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

تعالى هو الذي أعطى الإنسان القدرة على القيام بالفعل.

ولكن لا يخفى بأنّ هذه النسبة لا تصح إلاّ في الأفعال الحسنة التي يرتضيها اللّه تعالى، وأمّا الأفعال القبيحة الصادرة من الإنسان، فلا تصحُّ نسبتها إلى اللّه تعالى أبداً.

دليل ذلك:

إنّ اللّه تعالى أعطى الإنسان القدرة ليصرفها في الأُمور الحسنة، فإذا صرفها الإنسان في الأُمور القبيحة، فإنّ هذه الأفعال لا تصح نسبتها إلى اللّه تعالى، وإنّما تُنسب إلى الإنسان، ويكون الإنسان هو المتحمّل لمسؤوليتها.

آيات قرآنية أُخرى استدل بها الأشاعرة على خلقه تعالى لأفعال العباد:

الآية الأُولى:

قوله تعالى:( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) [الصّافات: ٩٦]

استدلال الأشاعرة: إنّ هذه الآية صريحة بأنّ اللّه هو الخالق للإنسان، وهو الخالق لأفعاله وأعماله وما يصدر عنه(١) .

يرد عليه:

١ - إنّ هذه الآية وردت في سياق آيات احتجاج النبي إبراهيم(عليه السلام) على قومه الذين كانوا ينحتون الأصنام، ثمّ يعبدونها من دون اللّه، فقال لهم إبراهيم(عليه السلام):( أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ * وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) .

٢ - ليس لهذه الآية أية صلة بمسألة أفعال العباد، لأنّ وحدة السياق في هذه الآية والتي قبلها تقضي كون "ما" موصولة فيكون معنى الآية: أتعبدون الأصنام التي تنحتونها واللّه خلقكم وخلق المادة التي منها تنحتون أصنامكم(٢) .

٣ - إنّ الآية في مقام محاججة إبراهيم(عليه السلام) لقومه واستنكاره على عبادتهم

____________________

١- انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢٢٦.

شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ١، ص٢٤٠ - ٢٤١.

٢- وهذه المادة هي الحجر أو الخشب أو غير ذلك مما كان يصنع المشركون منه أصنامهم.

٢٠١

للأصنام، وليس من المعقول أن يقول إبراهيم(عليه السلام) لقومه في هذا المقام: لماذا تعبدون الأصنام وقد خلق اللّه عبادتكم للأصنام؟!

الآية الثانية:

قوله تعالى:( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ) [النساء: ٧٨]

استدلال الأشاعرة: إنّ هذه الآية تدل على أنّ جميع أفعال الإنسان - حسنة كانت أو سيئة - هي من عند اللّه، وأنّ اللّه هو الذي يخلقها(١) .

يرد عليه:

إنّ "الحسنة" في اللغة لا تنحصر في معنى "الطاعة والإيمان".

كما أنّ "السيئة" في اللغة لا تنحصر في معنى "المعصية والكفر".

فمن معاني "الحسنة" في اللغة: النعم، الرحمة، الخير والشيء الحسن.

ومن معاني "السيئة" في اللغة: القحط، الكوارث، والمحن والعذاب.

معنى الحسنة والسيئة في هذا المقام:

إنّ معنى الحسنة في هذا المقام هو النعم والخير، ومعنى السيئة هو القحط والكوارث(٢) ، لأنّ النعم والخير والقحط والكوارث تصيب الإنسان من الغير.

ولكن الطاعة والمعصية والكفر والإيمان تصدر من الإنسان نفسه.

وهناك فرق بين ما "يصيب الإنسان" وما "يصدر منه".

وقد جاء في هذه الآية التعبير بكلمة "تصبهم" ولم يقل الباري عزّ وجلّ "تصدر منهم".

تتمة:

____________________

١- انظر: التفسير الكبير، الفخر الرازي: ج٤، تفسير آية ٧٨ من سورة النساء، ص١٤٥.

٢- انظر: مجمع البيان، الطبرسي: ج٣، تفسير آية ٧٨ من سورة النساء، ص١٢٠ - ١٢١.

٢٠٢

وردت "الحسنة" بمعنى النعم والخير والرخاء، ووردت "السيئة" بمعنى القحط والبلاء والعذاب في آيات قرآنية أُخرى منها:

١ -( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها ) [آل عمران: ١٢٠]

٢ -( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ) [الرعد: ٦]

٣ -( فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ) [الأعراف: ١٣١]

تكملة أدلّة الأشاعرة على خلقه تعالى لأفعال العباد:

الدليل الثاني:

إنّ القول بوجود خالق غير اللّه يستلزم إثبات خالق آخر مع اللّه تعالى، ومن ادّعى ذلك فقد أشرك في خالقيّة اللّه تعالى، لأنّ اللّه عزّ وجلّ منزّه عن الشريك في الخلق والإيجاد(١) .

يرد عليه:

١ - إنّ هذا الاشتراك في إطلاق بعض الصفات على اللّه تعالى والعبد لا يوجب الشرك، ولهذا لا يوجد أي مانع من اشتراك العبد مع الباري عزّ وجلّ في بعض الأوصاف، من قبيل: الوجود، العلم، الإرادة، القدرة والتملّك(٢) .

٢ - المذموم هو إثبات تعدّد خالقَين مستقلين بقدرتهم وتمام شؤون أفعالهم، أمّا إثبات خالق غير اللّه، وهو محتاج إلى اللّه عزّ وجلّ في أصل وجوده وقدرته وتمكّنه وفعله، فلا محذور ولا إشكال فيه أبداً(٣) .

٣ - إنّ عبيد السلطان إذا فعلوا شيئاً بمعونة السلطان، لا يقال إنّهم سلاطين مثله،

____________________

١- انظر: بحر الكلام، ميمون النسفي: الباب الثالث، الفصل الثاني، المبحث الثالث، ص١٦٧.

٢- انظر: دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، مبحث: إنّا فاعلون، مناقشة المظفر، ص٤٣٧.

٣- انظر: المصدر السابق، ص٤٣٦.

٢٠٣

ولا يكون ذلك عيباً في السلطان، فلهذا لا يوجد أي مانع أن يكون الإنسان خالقاً لشيء عن طريق القدرة التي منحها اللّه تعالى له(١) .

٤ - لو كان مجرّد إطلاق وصف الخالقية لغير اللّه تعالى شركاً، لكان عيسى - والعياذ باللّه - مشركاً في قوله:( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) [آل عمران: ٤٩] ولكان عيباً في قوله تعالى( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) [المؤمنون: ١٤]، لأنّ هذه الآية تثبت بوضوح وجود من يوصف بالخالقية غير اللّه تعالى.

الدليل الثالث للأشاعرة:

لو كان الإنسان خالقاً لأفعال نفسه، لكان عالماً بتفاصيل أفعاله، وهذا معنى قوله سبحانه:( أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك: ١٤]، وبما أنّ الإنسان غير عالم بتفاصيل أفعاله وجب القطع بأنّ الإنسان غير خالق لها(٢) .

يرد عليه:

إنّ العلم بتفاصيل الخلق يشمل الخلق من اللاشيء، ولكن الإنسان لا يقوم بخلق أفعاله من اللاشيء، بل يقوم بتركيب مجموعة أشياء للوصول إلى شيء جديد له من الخصائص ما تفترق عن خصائص أجزائه.

وكلّما يكون الإنسان أعرف بخصائص الأجزاء التي يتعامل معها لتكوين الأشياء الجديدة يكون أكثر علماً بتفاصيل ما يقوم بخلقه(٣) .

____________________

١- انظر: المصدر السابق.

٢- انظر: الأربعين في أصول الدين، فخر الدين الرازي: ج١، المسألة الثانية والعشرون، ص٣٢٣ - ٣٢٤.

كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢٠٩.

٣- قال المحقّق نصير الدين الطوسي في ردّه على إشكال الأشاعرة في هذا المقام: "الإيجاد لا يستلزم العلم إلاّ مع اقتران القصد، فيكفي الإجمال".

تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، مبحث: نفي الجبر، ص١٩٩.

٢٠٤

الدليل الرابع للأشاعرة:

لو جاز أن يكون المؤمن خالقاً للإيمان لخلقه ممتعاً مريحاً.

ولو جاز أن يكون الكافر خالقاً للكفر لخلقه حسناً.

ولكن المؤمن والكافر لا يستطيعان ذلك.

ومن هنا يثبت بأنّ للإيمان والكفر خالقاً آخر، وهو اللّه تعالى(١) .

يرد عليه:

إنّ الصفات تنقسم إلى قسمين:

١ - الصفات الواقعية: وهي الصفات التي تحتاج إلى خالق، من قبيل الحرارة والبرودة.

٢ - الصفات الانتزاعية: وهي الصفات التي لا تحتاج إلى خالق، بل هي صفات تُنتزع من مقايسة شيء مع شيء آخر من قبيل صفتي الصغر والكبر.

فإنّ وصف "الصغر" أو "الكبر" للشيء لا يحتاج إلى خلق.

وإنّ ما يحتاج إلى خلق فهو "الشيء".

وأمّا "الصغر" أو "الكبر" فهو صفة تنتزع من مقايسة شيء مع شيء آخر.

وبالنسبة إلى دليل الأشاعرة:

فإنّ وصف "التعب" للإيمان لا يحتاج إلى خلق.

وإنّ وصف "القُبح" للكفر لا يحتاج إلى خلق.

وإنّ ما يحتاج إلى خلق فهو "الفعل" الذي يجعل الإنسان مؤمناً أو كافراً.

وأمّا "التعب" فهو صفة تنتزع من فعل "الإيمان" لأنّ "الإيمان" يجعل الإنسان مسؤولا أمام اللّه تعالى، فيستتبع الإتعاب.

وأمّا "القبح" فهو صفة تُنتزع من فعل "الكفر" لأنّ "الكفر" على خلاف الفطرة

____________________

١- انظر: اللمع، أبو الحسن الأشعري: الباب الخامس، ص٧١ - ٧٢.

٢٠٥

والحقيقة(١) .

توضيح ذلك:

إنّ "التعب" الذي يتّصف به الإيمان، أو "القبح" الذي يتّصف به الكفر يكون خارج الإيمان والكفر، وهو شيء خارج اختيار الإنسان، وما هو في دائرة اختيار الإنسان هو خلق العمل الذي يجعله في عداد المؤمنين أو الكافرين، وأمّا الأثر الذي سيتركه هذا العمل في الواقع الخارجي وردود الأفعال التي سيواجهها الإنسان نتيجة خلقه لهذا العمل فهي أُمور خارجة عن اختياره.

الدليل الخامس للأشاعرة:

لا شكّ في أنّ "الحركة الاضطرارية" التي تصدر من الإنسان مخلوقة للّه تعالى، فما دلّ على أنّ "الحركة الاضطرارية" مخلوقة للّه تعالى، هو الدليل على أنّ "الحركة الاختيارية" أيضاً مخلوقة للّه تعالى، وذلك لوحدة ملاكهما، وهو "الحدوث"(٢) .

يرد عليه:

إنّ اشتراك "الحركة الاضطرارية" و"الحركة الاختيارية" في الملاك إنّما يدل

على وجود خالق لكلتا هاتين الحركتين، وأمّا أن يكون خالق "الحركة الاضطرارية" هو نفس خالق "الحركة الاختيارية" فلا يوجد عليه دليل(٣) .

توضيح ذلك:

إنّ سبب نسبة "الحركة الاضطرارية" إلى اللّه تعالى هو خروجها عن اختيار

____________________

١- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ٢ / ٢٧١.

٢- انظر: اللمع، أبو الحسن الأشعري: الباب الخامس، ص٧٤ - ٧٥.

٣- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ٢ / ٢٧٢.

٢٠٦

الإنسان وإرادته، وأمّا "الحركة الاختيارية" فهي واقعة باختيار الإنسان وإرادته، فلا وجه لمقايسة إحداهما بالأخرى(١) .

____________________

١- انظر: المصدر السابق.

٢٠٧

المبحث السابع

الاستطاعة وأثر قدرة الإنسان في أفعاله عند الأشاعرة

إنّ استطاعة الإنسان عبارة عن قدرته على الفعل على أساس "إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل".

رأي الأشاعرة حول قدرة العبد في أفعاله:

١ - "إنّ أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة اللّه سبحانه وتعالى، وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل اللّه سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختياراً، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد [تعالى] فيه [أي: في العبد] فعله المقدور مقارناً لهما [أي: يخلق اللّه بقدرته فعل العبد مقارناً للقدرة غير المؤثّرة التي يخلقها في العبد]... وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري"(١) .

٢ - إنّ الاستطاعة من اللّه تعالى يخلقها في العبد مقارنة مع خلقه تعالى للفعل الذي يصدر من العبد، ولهذا تكون هذه الاستطاعة ليست متقدّمة على الفعل ولا متأخّرة عنه(٢) .

٣ - "إنّ المؤثّر في حصول هذا الفعل [فعل العبد] هو قدرة اللّه تعالى، وليس لقدرة العبد في وجوده أثر، وهذا قول أبي الحسن الأشعري"(٣) .

خلاصة رأي الأشاعرة:

إنّ اللّه تعالى هو الذي يخلق أفعال الإنسان، وهو الذي يخلق في نفس الوقت القدرة في الإنسان.

____________________

١- المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢١٤.

٢- انظر: بحر الكلام، ميمون النسفي: الباب الثالث، الفصل الثاني، المبحث الثالث، ص١٦٦ - ١٦٧.

٣- القضاء والقدر، فخر الدين الرازي: خلق الأفعال، ص٣١.

٢٠٨

ولكن هذه القدرة التي يخلقها اللّه تعالى في الإنسان هي قدرة معطّلة ومشلولة لا يستند إليها فعل أو ترك، وليس للإنسان أي قدرة أو استطاعة في حدوث أفعاله، وإنّما هو مجرّد وعاء للفعل الذي يخلقه اللّه تعالى فيه.

يرد عليه:

١ - إنّ إنكار تأثير قدرة العبد على فعله الاختياري مكابرة وإنكار لأوضح الواضحات.

٢ - إنّ الضرورة كما تحكم بوجود القدرة في أفعال الإنسان الاختيارية، فهي تحكم بتأثيرها في هذه الأفعال.

٣ - إذا لم يكن لقدرة الإنسان أي تأثير في أفعاله الاختيارية، فسوف يكون خلق اللّه تعالى لهذه القدرة في العبد أمراً عبثاً لا فائدة فيه.

٤ - إنّ إثبات القدرة بلا تأثير يشبه إثبات الباصرة للأعمى بلا إبصار، وإثبات السامعة للأصم بلا سمع!

٥ - إذا لم يكن لقدرة الإنسان أي تأثير في أفعاله الاختيارية، فمن أين يعلم وجود هذه القدرة، إذ لا دليل عليها غيره؟

٦ - قال أبو المعالي الجويني (ت ٤٧٨هـ):

"أمّا نفي هذه القدرة والاستطاعة فمما يأباه العقل والحس، وأمّا إثبات قدرة لا أثر لها بوجه فهو كنفي القدرة أصلا... فلابدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة... فالفعل يستند وجوده إلى القدرة، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر... حتّى ينتهي إلى سبب الأسباب [وهو اللّه تعالى]"(١) .

٧ - قال سعد الدين التفتازاني (ت ٧٩١هـ):

"بالضرورة إنّ لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعال، كحركة البطش دون

____________________

١- الملل والنحل، الشهرستاني: ج١، الباب الأوّل، الفصل الثالث: الصفاتية، ١ - الأشعرية، ص٩٨ -٩٩.

٢٠٩

البعض كحركة الارتعاش"(١) .

أدلة الأشاعرة على نفي تأثير قدرة العبد:

الدليل الأوّل:

إنّ فعل العبد لا يقع بقدرته، بل يقع بقدرة اللّه عزّ وجلّ، وذلك لشمول قدرته تعالى، فلهذا لا تؤثّر قدرة العبد في أفعاله، لامتناع اجتماع قدرتين مؤثّرتين على مقدور واحد(٢) .

يرد عليه:

١ - إنّ عموم قدرته عزّ وجلّ لا تعني قيامه تعالى بكلّ شيء بصورة مباشرة وبلا واسطة، بل اللّه سبحانه شاء أن يمنح بعض مخلوقاته القدرة على التأثير بإذنه.

٢ - إنّ قدرة الإنسان تستمد وجودها من قدرة اللّه تعالى، فإذا أراد اللّه شيئاً وأراد الإنسان نقيضه، وقع مراد اللّه تعالى دون مراد الإنسان، لأنّ قدرة اللّه تعالى فوق قدرة الإنسان، فلا يقع أي تعارض بين القدرتين.

الدليل الثاني للأشاعرة:

إذا كان الإنسان موجداً لفعله بقدرته، فلابدّ أن يتمكّن من فعله وتركه، ويتوقف هذا التمكّن على وجود سبب يرجّح أَحد طرفي الفعل أو الترك، وهذا السبب:

١ - إذا كان من الإنسان: لزم التسلسل، لأنّ إيجاد هذا السبب أيضاً يحتاج إلى سبب آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهو باطل.

٢ - إذا كان من اللّه عزّ وجلّ، فيلزم:

حصول الفعل عند خلق اللّه تعالى للسبب.

____________________

١- شرح العقائد النسفية، سعد الدين التفتازاني: القول في أنّ للعباد أفعالا اختيارية، ص٥٨.

٢- انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢٠٩.

شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ١، ص٢٢٧.

٢١٠

وعدم حصول الفعل عند عدم خلقه تعالى لهذا السبب.

فلا يكون لقدرة الإنسان أي أثر في إيجاد الفعل(١) .

يرد عليه:

١ - لو كانت إرادة الإنسان متوقفة على وجود إرادة ثانية، فإنّ هذا الكلام أيضاً ينطبق على إرادة اللّه عزّ وجلّ، فيلزم فيها التسلسل والاحتياج إلى إرادات لا نهاية لها، وهو باطل.

٢ - إنّ وجود الفعل يتوقّف على وجود العلّة التامة لإيجاده، وصدور فعل الإنسان يتوقّف على مجموعة مقدّمات وعلى إرادة غير مسبوقة بإرادة أُخرى، بل هي إرادة مستندة إلى الاختيار الذاتي الثابت للنفس الإنسانية.

الدليل الثالث للأشاعرة:

استدلّت الأشاعرة على نفي استطاعة الإنسان بقوله تعالى:( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاّ ما شاءَ اللّهُ ) [الأعراف: ١٨٨](٢) .

يرد عليه:

١ - إنّ الاستثناء الموجود في هذه الآية يدلّ على بطلان مذهب الأشاعرة، لأنّ هذا الاستثناء يدل على أنّ الإنسان يمتلك الاستطاعة، ولكن هذه الاستطاعة مستثناة بشرط وهو المشيئة الإلهية، في حين يرى الأشاعرة بأنّ الإنسان لا يمتلك الاستطاعة أبداً.

٢ - إنّ الآية تدل على أنّ الإنسان يمتلك لنفسه الاستطاعة، ولكن هذه الاستطاعة إنّما تكون في إطار مشيئة اللّه تعالى، وهو معنى "لا حول ولا قوة إلاّ باللّه" وعبارة "إلاّ باللّه" تفيد ثبوت حول وقوة للإنسان، ولكن هذا "الحول" لا يكون إلاّ بعد أن يمكّن اللّه تعالى الإنسان منه.

____________________

١- انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢١٧.

٢- انظر: التفسير الكبير، الفخر الرازي: ج٥، تفسير آية ١٨٨ من سورة الأعراف، ص٤٢٥ - ٤٢٦.

٢١١

٢١٢

المبحث الثامن

الكسب عند الأشاعرة

الكسب في اللغة: هو السعي والعمل(١) .

الكسب عند الأشاعرة:

المراد من "كسب العبد للفعل" هو مقارنة خلق اللّه تعالى لفعل العبد مع القدرة التي يمنحها اللّه للعبد، من غير أن يكون لقدرة العبد أي تأثير أو مدخل في وجود الفعل، لأنّ العبد ليس إلاّ محلاً للفعل الذي يخلقه اللّه تعالى فيه، وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري(٢) .

توضيح ذلك:

١ - إذا قصد الإنسان فعلاً من الأفعال، فسيخلق اللّه تعالى في تلك اللحظة شيئين:

الأوّل: ذلك الفعل المقصود.

الثاني: قدرة للإنسان تقترن بذلك الفعل.

فالموجد لفعل الإنسان في الواقع هو اللّه تعالى، وليس لقدرة الإنسان أي أثر في إيجاد فعله سوى اقترانها بذلك الفعل، وهذا الاقتران هو الكسب.

٢ - الكسب هو "الاقتران العادي بين القدرة المحدثة [أي: قدرة الإنسان]والفعل، فاللّه تعالى أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته، لا بقدرة العبد وإرادته، فهذا الاقتران هو الكسب"(٣) .

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (كسب).

٢- انظر: المواقف، عضد الدين الايجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢١٤.

٣- ضحى الإسلام، أحمد أمين: ج٣، الفصل الأوّل: المعتزلة، العدل ص٥٧.

٢١٣

خلاصة رأي الأشعري حول أفعال العباد:

١ - أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى.

٢ - يخلق اللّه في العبد قدرة عند خلقه تعالى لفعل العبد.

٣ - هذه القدرة التي يخلقها اللّه تعالى غير مؤثّرة.

٤ - ليس للعبد أي تأثير في إيجاد فعله.

٥ - فعل العبد يخلقه اللّه تعالى ويكسبه العبد.

٦ - الكسب هو اقتران قدرة العبد بخلق اللّه تعالى لذلك الفعل.

رد نظرية الكسب عند الأشاعرة:

١ - إنّ هذا الكسب لا يستطيع أن يكون ملاكاً للطاعة والعصيان أو مناطاً للثواب والعقاب، لأنّه عبارة عن المقارنة الواقعة بين خلقه تعالى لفعل العبد وبين خلقه تعالى للقدرة في العبد، وهذه المقارنة خارجة عن اختيار الإنسان، فلا تصحُّ إناطة الثواب والعقاب عليها.

٢ - إنّ القول بالكسب لا ينقذ الموقف الأشعري من الجبر، لأنّ الأصل عند الأشعري هو أنّ اللّه تعالى خالق لكلّ شيء، والكسب شيء، فيكون اللّه تعالى هو الخالق للكسب، فلا يبقى للعبد أي دور في الأفعال التي تصدر عنه(١) .

٣ - إنّ الكسب لايدل على كون الإنسان فاعلاً لفعله، لأنّ فعل الشيء عبارة عن إيجاده والتأثير في وجوده، والأشاعرة لايقولون به، وإنّما يقولون:

إنّنا محل فعل اللّه سبحانه، والمحل ليس بفاعل، فإنّ من بنى في محل بناءً، لايقال إنّ المحل بان(٢) .

٤ - من أقوال أحد علماء أهل السنّة حول الكسب(٣) :

____________________

١- وقد صرح عبد القادر الاسفراييني بذلك قائلاً: "إنّ اللّه سبحانه خالق الأجسام والأعراض خيرها وشرها، وأنّه خالق أكساب العباد، ولا خالق غير اللّه".

الفرق بين الفرق، الاسفراييني: الباب الخامس، الفصل الثالث، الركن السادس ص٣٣٨.

٢- انظر: دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، إنّا فاعلون ص٤٣٥.

٣- من العقيدة إلى الثورة، د.حسن حنفي: ج٣، الباب الثالث: الإنسان المتعيّن، الفصل السابع: خلق الأفعال، ص١١٧، ١١٨، ١٢٦، ١٢٨، ١٢٩.

٢١٤

"لفظة الكسب قد لا تعني شيئاً على الإطلاق، إنّما أُريد بها التمويه على الجمهور أنّها تفيد شيئاً غير الجبر، وهي في الحقيقة لا تفيد إلاّ الجبر".

"الكسب اسم بلا مسمى، لفظ بلا معنى... وتكشف عن مجرّد الرغبة في إثبات الجبر بطريقة ملتوية".

"الحقيقة أنّ الكسب نظرية في الجبر، لأنّ كليهما ينفي استقلال قدرة العبد وتأثيرها في العالم".

"الكسب الأشعري في ذاته غير معقول وليس له أساس نظري".

"يعتمد الكسب على عدّة حجج كلّها خاطئة، وكلّها تثبت أنّ الإنسان ليس صاحب أفعاله، وأنّ هناك قوة أُخرى مسيطرة عليها".

دور قدرة الإنسان في الكسب عند الأشاعرة:

نفي تأثير قدرة الإنسان:

"والمراد بكسبه [العبد] إيّاه [الفعل] مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه [العبد] تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاً له، وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري"(١) .

يرد عليه:

لا يمتلك الإنسان وفق هذه النظرية أي دور في حدوث أفعاله، وإذا كان اللّه خالقاً لفعل العبد من دون أن يكون لقدرة العبد أي أثر في ذلك، فكيف يصح نسبة الفعل إلى العبد، وكيف يتحمّل الإنسان مسؤولية عمله إذا لم يكن لقدرته أي تأثير في وقوع فعله.

ولهذا ناقش جماعة من أعلام الأشاعرة هذا الرأي منهم:

١ - فخرالدين الرازي:

قال: "زعم أبو الحسن الأشعري أنّه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلاً، بل

____________________

١- كتاب المواقف، عضد الدين الايجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢١٤.

٢١٥

القدرة والمقدور واقعان بقدرة اللّه تعالى".

ثم قال:

"إنّ العبد إمّا أن يكون مستقلاً بإدخال الشيء في الوجود، وإمّا لا يكون، فهذا نفي وإثبات ولا واسطة بينهما.

فإن كان الأوّل فقد سلّمتم قول المعتزلة.

وإن كان الثاني كان العبد مضطراً، لأنّ اللّه تعالى:

إذا خلقه في العبد حصل لا محالة.

وإذا لم يخلقه فيه فقد استحال حصوله، وكان العبد مضطراً، فتعود الإشكالات وعند هذا التحقيق يظهر أنّ الكسب اسم بلا مسمى"(١) .

٢ - الشيخ شلتوت:

قال: "إنّ هذه المقارنة الحاصلة بخلق اللّه للفعل عند قدرة العبد، ليست من مقدور العبد ولا من فعله حتّى ينسب الفعل بها إليه ويجازى عليه،...فأيّ مزيّة للقدرة بهذه المقارنة في نسبة الأفعال إلى العبد؟ وبذلك يكون العبد في واقع أمره مجبوراً لا اختيار له"(٢) .

٣ - أحمد أمين:

قال: "هو [الكسب الأشعري] شكل جديد في التعبير عن الجبر، فهو [أبو الحسن الأشعري] يرى أنّ القدرة الحادثة لا تؤثّر في المقدور، ولم ينكر أنّ هذا الذي سماه كسباً من خلق اللّه، فلِمَ هذا الدوران، والنتيجة القول بالجبر؟"(٣) .

٤ - الشيخ الشعراني:

مضمون كلامه: كان أبو الحسن الأشعري، يقول: ليس للقدرة الحادثة أثر، وإنّما

____________________

١- محصّل أفكار المتقدمين والمتأخرين، فخرالدين الرازي: القسم الثالث: في الأفعال، ص١٩٩.

٢- تفسير القرآن الكريم، الشيخ شلتوت: ص٢٤٠، نقلاً عن: بحوث في الملل والنحل، جعفر سبحاني: ٢ / ١٥٣.

٣- ضحى الإسلام، أحمد أمين: ج٣، الفصل الأوّل: المعتزلة، العدل ص٥٧.

٢١٦

تعلّقها بالمقدور مثل تعلّق العلم بالمعلوم في عدم التأثير. وقد اعتُرض عليه بأنّ القدرة الحادثة إذا لم يكن لها أثر، فوجودها وعدمها سواء، فإنّ القدرة التي لا يقع بها المقدور تكون بمثابة العجز، ولقوّة هذا الاعتراض فإنّ قول بعض أصحاب الأشعري يلزمه الجبر(١) .

آراء بعض أهل علماء السنة القائلين بتأثير قدرة العبد:

١ - رأى القاضي أبي بكر الباقلاني (ت٤٠٣هـ):

إنّ قدرة العبد الحادثة وإرادته الحادثة لها تأثير في فعله، ولكن هذا التأثير لا يكون في أصل إيجاد الفعل وحدوثه، بل يكون في صفات الفعل.

بعبارة أُخرى:

إنّ إيجاد الفعل من اللّه سبحانه، وليس للقدرة الحادثة دور في إيجاد الفعل، ولكنّها مؤثّرة في صفة الفعل من كونه حركة اختيارية(٢) .

يلاحظ عليه:

١ - إنّ التفكيك بين صفة الفعل ووجوده وإن كان صحيحاً في وعاء الذهن وعالم الاعتبار، ولكنه غير صحيح في الواقع الخارجي.

٢ - إنّ صفات الفعل لا تخلو من صورتين:

الأولى: أن تكون من الأمور الوجودية، فتكون - عندئذ - مخلوقة للّه سبحانه ولا يكون للعبد نصيب فيها.

الثانية: أن تكون من الأمور العدمية، فلا يكون - عندئذ - للكسب واقعية خارجية، بل يكون أمراً ذهنياً غنياً عن الإيجاد والقدرة. فحينئذ لا يكون العبد مصدراً لشيء حتّى يثاب أو يعاقب عليه.

____________________

١- انظر: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، عبد الوهاب الشعراني: الفصل الرابع، المبحث الرابع والعشرون: في بيان أنّ اللّه تعالى خالق لأفعال العباد كما هو خالق لذواتهم، ص٢٥١ - ٢٥٢.

٢- انظر: الملل والنحل، الشهرستاني: ج١، الباب الأوّل: المسلمون، الفصل الثالث، ص٩٧.

٢١٧

٢ - رأي الجويني (ت ٤٧٨هـ):

ذهب الجويني إلى(١) :

١ - أنّ نفي أثر قدرة الإنسان واستطاعته ممّا يأباه العقل والحس.

٢ - إنّ إثبات قدرة لا أثر لها بوجه يكون كنفي القدرة أصلا.

٣ - لابدّ من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة.

٤ - إنّ نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة، لا تكون على وجه الإحداث والخلق، لأنّ الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم والإنسان غير مستقل.

٥ - الفعل يستند وجوده إلى القدرة، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر حتّى ينتهي الأمر إلى مسبّب الأسباب الذي هو الخالق للأسباب ومسبباتها.

٦ - إنّ كلّ سبب مهما استغنى من وجه، فهو محتاج من وجه، والباري تعالى هو الغني المطلق الذي لا حاجة له ولا فقر.

تنبيهان:

١ - لا يصح إطلاق لفظ "الكسب" الوارد في القرآن الكريم على المعنى الذي اصطلحه الأشاعرة، لأنّ اصطلاح الأشاعرة متأخّر عن عصر النزول، فاللازم حمل هذا اللفظ الوارد في القرآن الكريم على معناه اللغوي وهو "السعي والعمل".

مثال:

قال تعالى:( وَقِيلَ لِلظّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) [الزمر: ٢٤]

فإنّ المقصود من "الكسب" في هذه الآية هو "السعي والعمل".

ولا تعني هذه الآية: ذوقوا العذاب بما كنتم محلا للفعل الذي خلقه اللّه فيكم بقدرته، لأ نّه ليس من العدل أن يذيق اللّه عباده العذاب لأ نّه جعلهم محلا لأفعاله تعالى(٢) .

٢ - ذهب بعض الأشاعرة إلى أنّ معنى "الكسب" هو أنّ اللّه تعالى يخلق

____________________

١- انظر: المصدر السابق: ص٩٨ - ٩٩.

٢- انظر: دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، مخالفة الجبرية لنصوص القرآن، ص٤٧٤.

٢١٨

بقدرته فعل العبد بعد قصد واختيار العبد لذلك الفعل، والكسب هو إجراء العادة بخلقه تعالى لفعل الإنسان عند اختيار الإنسان لذلك الفعل، وبهذا يكون الإنسان هو المسؤول في دائرة قصده واختياره(١) .

يلاحظ عليه:

إنّ القصد والاختيار من جملة الأفعال، فإذا جاز صدورهما من العبد فليجز صدور أصل الفعل منه، وأي فرق بينهما؟ وأي حاجة وضرورة إلى هذا التفريق الذي يؤدّي إلى نسبة خلق جميع الأفعال القبيحة إليه تعالى(٢) .

____________________

١- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة: في صفاته تعالى، في إبطال الكسب، ص١٢٦.

٢- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة: في صفاته تعالى، في إبطال الكسب، ص١٢٦.

٢١٩

المبحث التاسع

رأي المعتزلة حول أفعال العباد

١ - إنّ اللّه تعالى حكيم وعادل، ولا يجوز أن يضاف إليه شرٌّ ولا ظلم، والذي يخلق الظلم يقال له ظالم، واللّه تعالى منزّه عن نسبة الظلم إليه(١) .

٢ - قال تعالى:( ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُت ) [الملك: ٣]

إنّ المقصود من التفاوت في هذه الآية ليس التفاوت في أصل المخلوقات، لأنّ هذا التفاوت موجود نراه بوضوح، بل المقصود التفاوت من جهة الحكمة، ومن هنا لا يصح نسبة أفعال العباد إلى اللّه تعالى لأ نّها متفاوتة وفيها العدل والظلم(٢) .

٣ - إنّ نسبة الفعل البشري إلى اللّه تعالى تستلزم نسبة القبائح إليه تعالى، وهذا لا يتناسب مع جلالة شأنه تعالى.

٤ - المستفاد من الآيات القرآنية الكثيرة هو إسناد أفعال العباد إليهم دون اللّه عزّ وجلّ، منها قوله تعالى:

( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ) [البقرة: ٧٩]

( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد: ١١]

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي:

١ - "إنّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم، وأنّهم المحدثون لها"(٣) .

____________________

١- انظر: شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الثاني، فصل: في خلق الأفعال، ص٣٤٥.

الملل والنحل، الشهرستاني: ج١، الباب الأوّل: المسلمون، الفصل الأوّل: المعتزلة، ص٤٥ و٤٧.

٢- انظر: شرح الأصول الخمسة، القاضي عبدالجبار: الأصل الثاني، فصل: في خلق الأفعال ص٣٥٥.

٣- شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الثاني، فصل: في خلق الأفعال، ص٣٢٣.

٢٢٠