العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 186309
تحميل: 7600

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186309 / تحميل: 7600
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

٢ - "اتّفق كلّ أهل العدل على أنّ أفعال العباد من تصرّفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأنّ اللّه عز وجل أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم"(١) .

٣ - "إنّ تصرفاتنا محتاجة إلينا ومتعلّقة بنا لحدوثها"(٢) .

____________________

١- المغني في أبواب التوحيد والعدل، القاضي عبد الجبار: ج٨، الكلام في المخلوق، ص٣.

٢- شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار، الأصل الثاني، فصل: في خلق الأفعال، ص٣٦٣.

٢٢١

المبحث العاشر

التفويض عند المعتزلة

معنى التفويض (في اللغة):

التفويض هو إيكال فعل الشيء إلى الآخرين على وجه الاستقلال في التصرّف دون أن يكون للمفوِّض (بكسر الواو) سلطان في فعل المفوَّض إليه (بفتح الواو)، وورد: فوّض إليه الأمر: "صيّره إليه وجعله الحاكم فيه"(١) .

معنى التفويض (في الاصطلاح العقائدي):

إنّ اللّه تعالى فوّض أفعال العباد إليهم وتركهم لحالهم يفعلون على وجه الاستقلال التام دون أن يكون له تعالى سلطان على أفعالهم(٢) .

نظرية التفويض(٣) :

١ - خلق اللّه تعالى العالم على أساس نظام الأسباب، وأتمّ عمله بذلك، وكلّ مايحدث بعد ذلك في العالم لا علاقة له باللّه تعالى أبداً.

____________________

١- لسان العرب: مادة (فوض).

٢- انظر: المصطلحات الإسلامية، مرتضى العسكري: ١٤٨.

٣- المشهور نسبة هذه النظرية إلى المعتزلة.

تنبيه: لم أجد في كلام القاضي عبد الجبار المعتزلي مايدل على نفي إضافة أفعال العباد إلى اللّه تعالى بصورة مطلقة، بل قال القاضي عبد الجبار:

"لا يجوز إضافتها [أي: إضافة أفعال العباد] إلى اللّه تعالى إلاّ على ضرب من التوسّع والمجاز، وذلك بأن تقيّد بالطاعات، فيقال أنّها من جهة اللّه تعالى ومن قبله، على معنى أنّه أعاننا على ذلك، ولطف لنا ووفّقنا، وعصمنا عن خلافه".

شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الخامس، فصل: في القضاء والقدر، ص٧٧٨ - ٧٧٩.

وهذا مايدل على اعتقاد القاضي عبد الجبار بتدخّل اللّه في أفعال العباد الحسنة عن طريق إعانتهم وتوفيقهم واللطف بهم وعصمتهم عن خلافه.

٢٢٢

٢ - نقل اللّه تعالى القدرة من سلطانه القاهر إلى سلطان الإنسان، وقطع كلّ علاقة بينه وبينها، كما تنقل ملكية المتاع من البائع إلى المشتري، إلاّ أنّه تعالى طلب من الإنسان أن يستعمل قدرته في الخير لا في الشر.

٣ - خلق اللّه تعالى الإنسان وأقدره على خلق أفعاله وفوّض إليه الاختيار والإرادة، فالعبد مستقل في إيجاد أفعاله وفق مشيئته وإرادته، وتستند أفعاله إليه بشكل تامّ ومستقل(١) ، ولا توجد أيّة صلة بين فعل الإنسان وبينه تعالى سوى القوة التي أودعها في العبد للمرّة الأُولى.

من أقوال القاضي عبد الجبار:

١ - قال في تفسيره لقوله تعالى:( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) [الكهف: ٢٩]: "فقد فوّض الأمر في ذلك إلى اختيارنا"(٢) .

٢ - "إنّ هذه التصرفات محتاجة إلينا ومتعلّقة بنا في الاحتياج إلى محدث وفاعل، وإنّما احتاجت إلينا لحدوثها"(٣) .

من دوافع القول بالتفويض:

١ - الحرص على حريم العدل الإلهي، وتنزيه اللّه تبارك وتعالى عما يصدر من العباد من ظلم وقبائح.

٢ - رد فعل إزاء انتشار التيار الفكري القائل بالجبر، بحيث أدّى هذا الأمر إلى الإفراط في الدفاع عن اختيار الإنسان، والمبادرة إلى قطع العلاقة بين الإنسان وبين اللّه تعالى.

٣ - التأكيد على القدرة البشرية وتحمّل مسؤولية الاختيار من أجل استنهاض

____________________

١- ورد هذا المعنى في: المواقف، عضد الدين الايجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢١٤.

٢- شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الثاني: العدل، ص٣٦٢.

٣- المصدر السابق: ص٣٤٠.

٢٢٣

المظلومين ومواجهتهم للحكومات الجائرة لاسترداد حقوقهم.

٢٢٤

المبحث الحادي عشر

مناقشة نظرية التفويض

أدلة التفويض:

لولا استقلال العبد بالفعل على سبيل الاختيار(١) :

١ - بطل التكليف بالأوامر والنواهي، لأنّ العبد إذا لم يكن موجداً لفعله، مستقلاً في إيجاده، لم يصح عقلاً أن يقال له: افعل كذا ولا تفعل كذا.

٢ - بطل التأديب الذي ورد به الشرع، إذ لا معنى لتأديب من لا يستقل بإيجاد فعله.

٣ - ارتفع المدح والذم والثواب والعقاب عن العبد، إذ ليس الفعل مستنداً إليه مطلقاً حتّى يمدح به أو يذم، أو يثاب عليه أو يعاقب.

يرد عليه:

لا يشترط في صحة التكليف والتأديب والمدح والذم والثواب والعقاب أن يكون الإنسان مستقلاً في فعله، بل الملاك في صحة جميع هذه الأمور هو صدور الفعل من الإنسان بقدرته واختياره فحسب.

أساس نظرية التفويض:

إنّ الإنسان يحتاج إلى اللّه تعالى في أصل وجوده وقدرته، ثمّ يكون مستقلاً في استخدام هذه القدرة في الفعل والترك.

____________________

١- انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢٢٢.

٢٢٥

معنى ذلك:

إنّ الممكن يحتاج إلى الواجب عند حدوثه فقط، ثم يستغني عنه في البقاء، لأنّ "الحدوث" شيء و"البقاء" شيء آخر، وإنّ الأشياء لا تحتاج في بقاء ذاتها إلى العلّة الموجدة لها.

مثال حاجة الممكن إلى العلة حدوثاً واستغنائه عنها بقاءً:

البيت المشيّد، فإنّه بحاجة إلى البنّاء ليبنيه ويقيم جدرانه في بداية أمره، فإذا وُجد البيت، استغنى البيت عن البنّاء، وسيستمر وجوده وإن مات البنّاء، لأنّ ذلك لا يؤثّر على وجود البيت المشيّد.

يرد عليه:

تنقسم العلل إلى قسمين:

أ - العلّة الحقيقية: وهي العلّة التي تخلق الوجود من العدم.

ب - العلّة المعدّة: وهي العلّة التي ليس من شأنها سوى تحقّق عدد من المقدّمات.

وإنّ البنّاء هو "علّة معدّة" وليس "علّة حقيقية"، ومهمته تجميع الأجزاء من موضع إلى آخر، فيكون اجتماع الأجزاء واستقرارها في مواضعها علّة لحدوث شكل البناء، ثمّ تكون الخصائص الماديّة الكامنة في مادة البناء من قابلية التماسك ونحوها هي العلّة المبقية للبناء إلى مدّة معيّنة.

بعبارة أُخرى:

إنّ عمل البنّاء في الفعل هو ضمّ بعض الأجزاء إلى بعض، والحركة تنتهي بانتهاء عمله، وأمّا بقاء المبنى فهو مرهون بالقوّة الكامنة التي أودعها اللّه تعالى في أجزائه، وليس للبنّاء أيّ صنع فيها(١) .

____________________

١- للمزيد راجع: الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، صدر الدين الشيرازي: ج١، فصل ١٤، احتياج الممكن إلى العلة حدوثاً وبقاءً، ص٢١٥ - ٢٢١.

٢٢٦

الآثار السلبية لنظرية التفويض:

١ - تستلزم هذه النظرية الشرك في الخالقية، لأنّها توجب الاعتقاد بوجود خالقين مستقلين أحدهما اللّه تعالى والثاني الإنسان الذي يكون خالقاً مستقلاً من دون احتياجه إلى اللّه تعالى في بقائه وتأثيراته.

ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام):

"... وإن زعمت أنّك مع اللّه تستطيع، فقد زعمت أنّك شريك معه في ملكه... "(١) .

٢ - تنافي هذه النظرية أصل احتياج الإنسان إلى اللّه عز وجل، فتؤدّي بالإنسان إلى الشعور بالغنى عن ذات الخالق، والحرمان من دوام الاتّصال باللّه تعالى والتوكّل عليه والاستعانة به.

٣ - تؤدّي هذه النظرية إلى تحديد القدرة الإلهية وسلب سلطانه تعالى على عباده في مجال أفعالهم، فيؤدّي هذا الأمر إلى إنكار أن يكون للّه تعالى صنع في أفعال العباد بالتوفيق والخذلان.

رد التفويض في القرآن الكريم:

١ -( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) [فاطر: ١٥]

٢ -( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ) [البقرة: ١٠٢]

٣ -( كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ) [البقرة: ٢٤٩]

٤ -( وَما كانَ لِنَفْس أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ) [يونس: ١٠٠]

٥ -( وَما كانَ لِنَفْس أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ) [آل عمران: ١٤٥]

الآيات الدالة على تصرّفه تعالى في أمور عباده:

١ -( وَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً ) [النساء:٨٣]

٢ -( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ ) [النمل: ٦٢]

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٥٦: باب الاستطاعة، ح٢٣، ص٣٤٣.

٢٢٧

٣ -( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) [الحمد: ٥]

٤ -( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر: ٦٠]

٥ -( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [البقرة: ١٨٦]

٦ -( وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) [الأنبياء: ٧٦]

٧ -( وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنا لَهُ ) [الأنبياء: ٨٣ - ٨٤]

٨ -( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً... * فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) [الأنبياء: ٨٧ - ٨٨]

٩ -( قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) [آل عمران: ٢٦]

١٠ -( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [آل عمران: ١٦٠]

ردّ التفويض في أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام):

١ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "... ورجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليهم، فهذا وهّن اللّه في سلطانه..."(١) .

٢ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "... من زعم أنّ الخير والشر بغير مشيّة اللّه فقد أخرج اللّه من سلطانه..."(٢) .

٣ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ القدرية مجوس هذه الأمة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله فأخرجوه من سلطانه..."(٣) .

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح١٤، ص٩ - ١٠.

٢- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٥٩: باب نفي الجبر والتفويض، ح٢، ص٣٥٠.

٣- المصدر السابق: باب٦٠: باب القضاء والقدر، ح٢٩، ص٣٧٢.

٢٢٨

٤ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) سأله محمّد بن عَجْلان: فوّض اللّه الأمر إلى العباد؟ فقال(عليه السلام): "اللّه أكرم من أن يفوّض إليهم"(١) .

٥ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال للحسن البصري: "... إيّاك أن تقول بالتفويض! فإنّ اللّه جلّ وعزّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهناً منه وضعفاً..."(٢) .

٦ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "لعن اللّه المعتزلة أرادت أن توحّد فألحدت، ورامت أن ترفع التشبيه فأثبتت"(٣) .

٧ - وقال(عليه السلام): "مساكين القدرية، أرادوا أن يصفوا اللّه عزّ وجلّ بعدله فأخرجوه من قدرته وسلطانه"(٤) .

٨ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "... من زعم أ نّه يقوى على عمل لم يرده اللّه عزّ وجلّ، فقد زعم أنّ إرادته تغلب إرادة اللّه..."(٥) .

٩ - الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، سأله الوشاء: اللّه فوّض الأمر إلى العباد؟ فقال(عليه السلام): "اللّه أعزّ من ذلك"(٦) .

____________________

١- المصدر السابق: باب٥٩: باب نفي الجبر والتفويض، ح٦، ص٣٥١.

٢- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٢٤، كتاب الإمامة، باب٥٩، ح١، ص٢٣٣.

٣- المصدر السابق: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٨، ص٨.

٤- المصدر السابق: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٩٣، ص٥٤.

٥- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي ج٤، كتاب التوحيد، أبواب أسمائه تعالى، باب١، ح٦، ص١٦١.

٦- المصدر السابق: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٢٠، ص١٦.

٢٢٩

المبحث الثاني عشر

القدرية

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "القدرية مجوس هذه الأمة"(١) .

من هم القدرية؟

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "اعلم أنّ القدرية عندنا إنّما هم المجبرة والمشبّهة، وعندهم المعتزلة، فنحن نرميهم بهذا اللقب وهم يرموننا به"(٢) .

أدلة نسبة القدرية إلى القائلين بالقدر (الجبرية):

١ - إنّ اسم القدرية هو اسم إثبات، ولا يستحقه إلاّ المثبت للقدر، والمجبرة هم الذين يثبتون القدر، ويقولون كلّ شيء بقدر اللّه(٣) .

٢ - إنّ الجبرية هم الذين يولعون بالإكثار من قولهم: لا يكون شيء إلاّ بقضاء اللّه تعالى وقدره، وهم أشدّ الناس حرصاً على استخدام مصطلح القدر، فلهذا يجب أن يكونوا هم القدرية(٤) .

٣ - إنّ المتبادر من القدرية هم القائلون بالقدر، كما أنّ المتبادر من العدلية أ نّهم مثبتو العدل لا منكريه، لأنّ تفسير القدرية بمنكري القدر بعيد جدّاً وهو غير مأنوس في اللغة العربية.

____________________

١- عوالي اللئالي،ابن أبي جمهور الاحسائي، ج١، الفصل الثامن، ح١٧٥، ص١٦٦.

بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، باب ١، ذيل ح٤، والنص المروي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "القدرية مجوس أمتي".

المعجم الأوسط، الطبراني: ٣/٦٥.

كنز العمال، المتقي الهندي: الفصل الأوّل، ح٥٥٣، ص١١٨.

٢- شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الرابع، ص٧٧٢.

٣- انظر: المصدر السابق: ص٧٧٥ - ٧٧٦.

٤- شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الرابع، ص٧٧٥ - ٧٧٦.

٢٣٠

٤ - ذكر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ القدرية خصماء الرحمن، والمجبرة هم الذين يخاصمون اللّه تعالى إذا عاقبهم على المعاصي، فيقولون: إنّك أنت الذي خلقت فينا المعصية وأردتها منّا، فمالك تعذّبنا وتعاقبنا على ذلك(١) .

أدلة نسبة القدرية إلى النافين للقدر (المفوّضة):

١ - إنّ القدري هو الذي يثبت القدر لنفسه دون ربّه عزّ وجلّ، ويقول بأ نّه هو الخالق والمقدّر لأفعاله دون اللّه تعالى.

٢ - إنّ المفوّضة هم القدرية لأ نّهم أفرطوا وبالغوا في نفيه(٢) .

٣ - إنّ من يضيف القدر إلى نفسه، ويدّعي كونه الفاعل والمقدّر أولى باسم القدري ممن يضيفه إلى ربّه(٣) .

٤ - ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ القدرية خصماء الرحمن، والمفوّضة يسلبون حقّ اللّه تعالى في خلقه لأفعال العباد، وينسبون هذا الخلق إلى أنفسهم، ومن يكون كذلك فهم المخاصمون للّه تعالى.

وجه تشبيه المجبرة بالمجوس:

١ - قال المجوس بأنّ اللّه تعالى يخلق ثمّ يتبرّأ ممّا خلق، وقال المجبرة بأنّ اللّه تعالى يخلق القبائح ثمّ يتبرّأ منها(٤) .

٢ - قال المجوس بأنّ القادر على فعل الخير لا يقدر على فعل الشر وبالعكس، فوافقهم المجبرة وقالوا بأنّ الإنسان الذي يخلق اللّه فيه الإيمان لا يقدر على الكفر وبالعكس(٥) .

٣ - قال المجوس بأنّ مزاج العالم شيء واحد، وهو حَسَن من النور، وقبيح من

____________________

١- انظر: المصدر السابق: ص٧٧٤.

٢- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ١، ص٢٦٧ - ٢٦٨.

٣- المصدر السابق.

٤- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الثامنة، ص٤٣٥.

٥- انظر: المصدر السابق.

٢٣١

الظلمة، وشاركهم المجبرة وقالوا: إنّ الكفر شيء واحد، وهو يَحسُن من اللّه تعالى من حيث خلقه تعالى له ويقبح من العبد من حيث كسبه له(١) .

٤ - جوّز المجوس تكليف ما لا يطاق، وقال المجبّرة أيضاً بأنّ اللّه تعالى كلّف الكافر بالإيمان مع أ نّه لا يمكنه فعله، ونهاه عن الكفر مع أ نّه لا يتصوّر الانفكاك عنه(٢) .

٥ - إنّ الأمر الظاهر في المجوس عملهم الفواحش ثمّ إسنادها إلى اللّه تعالى، وهو ما يذهب إليه المجبرة.

وجه تشبيه المفوّضة بالمجوس:

١ - قال المفوّضة بأنّ الإنسان هو المستقل في خلق أفعاله، فأثبتوا خالقين، والمجوس أيضاً ذهبوا إلى وجود خالقين، أحدهما خالق الخير والآخر خالق الشر.

٢ - قال المفوّضة كالمجوس بأنّ اللّه تعالى خير محض وهو غير قادر على خلق الشرّ والفساد(٣) .

٣ - إنّ المفوّضة كالمجوس لم يجعلوا للّه إرادة ولا سلطاناً في بعض الأُمور(٤) .

القدرية في الأحاديث الشريفة:

وردت "القدرية" في أحاديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) تارة في القائلين بالقدر وهم "المجبّرة"، وأُخرى في النافين للقدر وهم "المفوّضة".

ويبدو أنّ المراد من القدرية عند الرسول وأهل بيته(عليهم السلام) هم الذين يقولون في القدر بخلاف الحقّ، وهو يشمل "المجبّرة" و"المفوّضة".

____________________

١- انظر: شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الرابع، فصل: في القضاء والقدر، ص٧٧٣.

٢- انظر: المصدر السابق.

٣- كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي: مسألة في ذم القدرية، ص٣١٤.

٤- المصدر السابق: ص٣١٥.

٢٣٢

الأحاديث الدالة على أنّ القدرية هم المجبّرة:

١ - قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "لُعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً"، قيل: ومن هم القدرية يا رسول اللّه؟

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): "قوم يزعمون أنّ اللّه سبحانه وتعالى قدّر عليهم المعاصي وعذّبهم عليها"(١) .

٢ - ورد أنّ رجلا قدم على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "أخبرني بأعجب شيء رأيت". قال: رأيت قوماً ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم، فإذا قيل لهم: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: قضاء اللّه تعالى علينا وقدره.

فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): "سيكون من أُمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم، أولئك مجوس أمّتي"(٢) .

٣ - قال الإمام علي(عليه السلام) عند انصرافه من صفين: "... فو اللّه ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من اللّه وقدر"، فقاله له شيخ شامي: عند اللّه أحتسب عنائي.

فقال(عليه السلام): "مهلا يا شيخ، لعلّك تظن قضاءً حتماً وقدراً لازماً... تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها"(٣) .

الأحاديث الدالة على أنّ القدرية هم المفوّضة:

١ - قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ لكلّ أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر، ويزعمون أنّ المشية والقدرة إليهم ولهم"(٤) .

٢ - قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): "... القدرية الذين يقولون: لا قدر، ويزعمون أ نّهم قادرون على الهدى والضلالة"(٥) .

٣ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ القدرية مجوس هذه الأمة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه من سلطانه..."(٦) .

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٧٣، ص٤٧.

٢- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٧٤، ص٤٧.

٣- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب٦٠: باب القضاء والقدر و...، ح٢٨، ص٣٦٩ - ٣٧٠.

٤- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب٧، ح١٤، ص١٩٧.

٥- المصدر السابق: ب١، ح١٣، ص٩.

٦- المصدر السابق: ج٥، ب٣، هامش ص٩٨.

٢٣٣

٤ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) لقدري: "اقرأ سورة الحمد..." فجعل القدري يقرأ سورة الحمد حتّى بلغ قول اللّه تبارك وتعالى:( إيّاكَ نَعْبُدُ وَإيّاكَ نَسْتَعينُ ) .

فقال له الإمام الصادق: "قف، من تستعين؟ وما حاجتك إلى المعونة إن [كان] الأمر إليك؟"، فبهت الذي كفر، واللّه لا يهدي القوم الظالمين(١) .

٥ - عن علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حول قوله تعالى:( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد: ١١].

قال(عليه السلام): "إنّ القدرية يحتجون بأوّلها وليس كما يقولون، ألا ترى أنّ اللّه تبارك وتعالى يقول:( وَإِذا أَرادَ اللّهُ بِقَوْم سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ ) ..."(٢) .

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٩٢، كتاب القرآن، باب٢٩، ح٤٤، ص٢٣٩ - ٢٤٠.

٢- المصدر السابق: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٤، ص٥.

٢٣٤

المبحث الثالث عشر

أفعال العباد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

رأي مذهب أهل البيت(عليهم السلام) حول خلق أفعال العباد:

١ - سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) عن أفعال العباد: أهي مخلوقة للّه تعالى؟ فقال(عليه السلام): "لو كان خالقاً لها لما تبرّء منها، وقد قال سبحانه:( أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنّما تبرّء من شركهم وقبائحهم"(١) .

٢ - إنّ الإنسان هو الذي يخلق أفعاله بالقدرة التي منحها اللّه تعالى له، "والضرورة قاضية بإسناد الأفعال إلينا"(٢) .

٣ - قال الشيخ الحرّ العاملي: "مذهب الإمامية والمعتزلة أنّ أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها"(٣) .

تنبيه مهم:

إنّ "الخلق" ينقسم إلى قسمين:

الأوّل: إيجاد "شيء" من "لا شيء".

وهذا القسم من الخلق مختص باللّه تعالى فقط، ولا يقدر عليه إلاّ اللّه عزّ وجلّ.

____________________

١- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: ج٥، فصل في أفعال العباد، ص٤٤.

الفصول المهمة، الشيخ الحرّ العاملي: ج١، أبواب أصول الدين، باب ٤٧، ح٧ [٢٦٦]، ص٢٥٨ - ٢٥٩.

بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ١، ذيل ح٢٩، ص٢٠.

٢- تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، نفي الجبر، ص١٩٩.

٣- الفصول المهمة، الحرّ العاملي: ج١، أبواب أصول الدين، باب ٤٧، ذيل ح٤ [٢٦٣]، ص٢٥٧.

٢٣٥

من الآيات القرآنية المشيرة إلى هذا الخلق:

قال تعالى:( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) [الأعراف: ٥٤]

والخلق هنا بمعنى إيجاد "شيء" من "لا شيء"(١) .

الثاني: الخلق بمعنى التقدير والتصوير والصنع، من قبيل القيام بتركيب مجموعة أشياء للوصول إلى شيء جديد له من الخصائص ما تفترق عن خصائص أجزائه، أو من قبيل وقوع الأحداث التي تتم عن طريق تحريك جزء من مكان إلى مكان آخر.

وهذا القسم من "الخلق" يدخل في مقدور الإنسان.

من الآيات القرآنية المشيرة إلى هذا الخلق:

قوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام):( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) [آل عمران: ٤٩].

أي: أنّي أقدّر لكم وأصوّر لكم من الطين مثل صورة الطير(٢) ، وليس المراد من "الخلق" هنا "إيجاد شيء من لا شيء".

النتيجة:

إنّ خلق الإنسان لأفعاله يكون من قبيل القسم الثاني للخلق، وهو عبارة عن القيام بتركيب مجموعة أشياء أو تحريكها للوصول إلى شيء جديد، ولا يكون خلق الإنسان من قبيل القسم الأوّل للخلق وهو خلق "شيء" من "لا شيء"، لأنّ هذا الخلق من مختصات اللّه تعالى فحسب.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

"في الربوبية العظمى والإلهية الكبرى:

لا يكوّن الشيء لا من شيء إلاّ اللّه.

____________________

١- انظر: التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي: ج٤، تفسير آية ٥٤ من سورة الأعراف، وقد عبّر الشيخ الطوسي عن معنى إيجاد شيء من لا شيء بكلمة "الاختراع".

٢- انظر: المصدر السابق: ج٢، تفسير آية ٤٩ من سورة آل عمران.

٢٣٦

ولا ينقل الشيء من جوهريته إلى جوهر آخر إلاّ اللّه.

ولا ينقل الشيء من الوجود إلى العدم إلاّ اللّه"(١) .

أقوال أئمة أهل البيت(عليهم السلام) حول أفعال العباد:

١ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين"(٢) .

٢ - الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملّكهم والقادر على ما أقدرهم عليه..."(٣) .

٣ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه، وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل اللّه"(٤) .

٤ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)، قال لأبي حنيفة عندما سأله عن مصدر المعصية:

"... لا تخلو من ثلاث:

[أوّلاً] إمّا أن تكون من اللّه وليس من العبد شيء، فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله.

[ثانياً] وإمّا أن تكون من العبد ومن اللّه، واللّه أقوى الشريكين، فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.

[ثالثاً] وإما أن تكون من العبد، وليس من اللّه شيء، فإن شاء عفى، وإن شاء عاقب"(٥) .

٥ - الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

"العمل الصالح: العبد يفعله واللّه به أمره.

والعمل الشرّ: العبد يفعله واللّه عنه نهاه".

فقال السائل: أليس فعله بالآلة التي ركّبها فيه؟

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٤، كتاب التوحيد، باب٥، ح٢، ص١٤٨.

٢- المصدر السابق: ب٣، شرح ح٢، ص١٩٧.

٣- المصدر السابق: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٢٢، ص١٦.

٤- المصدر السابق: ح١٠٩، ص٥٩.

٥- المصدر السابق: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح٣٣ ص٢٧.

٢٣٧

قال(عليه السلام): "نعم، ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه"(١) .

رأي مذهب أهل البيت(عليهم السلام) حول قدرة العبد:

١ - إنّ اللّه تعالى هو الذي منح الإنسان القدرة والاستطاعة بحيث تكون مالكية الإنسان لهذه القدرة والاستطاعة في طول مالكيته تعالى، أي: لا يكون الباري عزّ وجلّ منعزلا عن هذه القدرة والاستطاعة، بل يكون هو المالك لما ملّك الإنسان، وهو القادر على ما أقدره.

٢ - إنّ قوّة الإنسان قوّة مؤثّرة، ولكنها ليست مستقلة، بل هي قوّة تفتقر في ذاتها إلى اللّه تعالى.

أقوال أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) حول قدرة العبد:

١ - قال الإمام علي(عليه السلام) لأحد الأشخاص حول الاستطاعة التي يملكها الإنسان: " [إنّك] تملكها باللّه الذي يملكها من دونك، فإن ملّككها كان ذلك من عطائه، وإن سلبكها كان ذلك من بلائه، وهو المالك لما ملّكك والمالك لما عليه أقدرك"(٢) .

٢ - قال الإمام علي(عليه السلام) عن معنى "لا حول ولا قوة إلاّ باللّه":

"إنّا لا نملك مع اللّه شيئاً، ولا نملك إلاّ ما ملّكنا، فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا كلّفنا، ومتى أخذه منّا، وضع تكليفه عنّا"(٣) .

٣ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "ما كلّف اللّه العباد كلفة فعل، ولا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم الاستطاعة، ثمّ أمرهم ونهاهم، فلا يكون العبد آخذاً ولا تاركاً إلاّ باستطاعة متقدّمة قبل الأمر والنهي، وقبل الأخذ والترك، وقبل القبض والبسط"(٤) .

٤ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "لا يكون العبد فاعلا ولا متحرّكاً إلاّ والاستطاعة معه من اللّه عزّ وجلّ، وإنّما وقع التكليف من اللّه عزّ وجلّ بعد الاستطاعة، فلا يكون

____________________

١- المصدر السابق: ح٢٩، ص١٩.

٢- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، باب١، ح٣٠، ص٢٤.

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضي: باب المختار من حكم أمير المؤمنين(عليه السلام)، الحكمة رقم ٤٠٤، ص٧٤٢.

٤- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، باب١، ح٥٧، ص٣٨.

٢٣٨

مكلّفاً للفعل إلاّ مستطيعاً"(١) .

٥ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون فيه آخذين ولا تاركين إلاّ بإذن اللّه عزّ وجلّ"(٢) .

٦ - قال الإمام علي بن محمّد الهادي(عليه السلام): "إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يجازي العباد على أعمالهم، ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملّكهم إيّاها، فأمرهم ونهاهم..."(٣) .

خصائص قدرة الإنسان:

١ - إنّ اللّه تعالى منح الإنسان قدرة محدودة، لكي يستخدم هذه القدرة في ما طلب اللّه تعالى منه.

٢ - إنّ لكلّ إنسان دائرة محدودة من القدرة، وهذه المحدودية هي السبب في نيله الحدّ المحدود من أهدافه ومبتغياته، وهي العامل في عدم وصوله إلى تحقّق جميع آماله.

٣ - إنّ الإنسان مكلّف بالجدّ والاجتهاد واستخدام قدرته في سبيل الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد حثّه الباري عزّ وجلّ على استعمال قدرته المحدودة في أوسع نطاقها وفي أبعد مداها، فقال تعالى:( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) [النجم: ٣٩]

٤ - إذا تمكّن الإنسان بقدرته أن يصل إلى أهدافه السامية فبهاونعمت، وإن لم يتمكّن من ذلك بعد استعمال كلّ الوسائل وبذل كلّ ما في وسعه، فعليه أن يعلم بأنّ

____________________

١- المصدر السابق: ح٤٦، ص٣٥.

٢- المصدر السابق: ح٥٥، ص٣٧.

٣- تحف العقول، أبو محمّدالحسن بن علي الحرّاني: ما روي عن الإمام أبي الحسن علي بن محمّد(عليه السلام)، رسالته ؤفي الرد على أهل الجبر والتفويض، ص٣٤١.

٢٣٩

اللّه تعالى لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها.

٥ - شاءت الإرادة الإلهية أن يكون التقاعس والتواكل والكسل والخمول وعدم استعمال القوة سبباً للعجز والتسافل، وأن يكون الإقدام والسعي والمحاولة واستعمال القوة في نطاقها الصحيح سبباً إلى الإنتاج المثمر.

رأي مذهب أهل البيت(عليهم السلام) حول نسبة أفعال العبد إلى اللّه تعالى:

إنّ فعل الخير الذي يفعله الإنسان يُنسب إلى اللّه تعالى، لأ نّه منح الإنسان القدرة وأمره به، وأمّا فعل الشرّ فإنّه لا ينسب إلى اللّه تعالى، لأ نّه عزّ وجلّ نهى عنه وأمر بتركه.

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): " [جاء في الحديث القدسي]... قال اللّه: يابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك منّي، عملت المعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك"(١) .

توضيح ذلك:

السبب في أولوية نسبة سيئات الإنسان إلى نفسه:

إنّ اللّه تعالى وهب للإنسان القدرة، ونهاه عن ارتكاب السيئات، فإذا صرف الإنسان هذه القدرة في السيئات، صار أولى بها، لأ نّه صرف الشيء في ما نهاه اللّه تعالى عنه.

____________________

١- الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب التوحيد، باب: الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، ح٣، ص١٥٧.

٢٤٠