العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 186281
تحميل: 7600

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186281 / تحميل: 7600
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

مثال:

إنّ تعظيم الصديق بصورة عامة فعل حسن، ولكنه قد يصبح قبيحاً فيما لو عرض عليه عنوان آخر، كما لو أصبح هذا التعظيم سبباً لإيذاء هذا الصديق من قبل الآخرين.

وفي المقابل فإنّ تحقير الصديق بصورة عامة فعل قبيح، ولكنه قد يصبح حسناً فيما لو عرض عليه عنوان آخر، كما لو أصبح هذا التحقير سبباً لإنقاذه من أيدي الظالمين، ومثله الصدق والكذب.

٣ - يكون الفعل لا علّية له ولا اقتضاء في نفسه للاتّصاف بالحسن أو القبح، وإنّما يتبع الوجوه والجهات الطارئة والعناوين المنطبقة عليه.

مثال:

الضرب، فإنّه حسن للتأديب وقبيح للإيذاء.

٤١

المبحث الرابع

إطلاقات الحسن والقبح

الإطلاق الأوّل:

إطلاق "الحسن" على ما هو "كمال"، وإطلاق "القبيح" على ما هو "نقص"(١) (٢) .

مثال:

إنّ العلم والشجاعة والكرم من الأُمور الحسنة، لأ نّها كمال لمن يتّصف بها.

وإنّ الجهل والجبن والبخل من الأُمور القبيحة، لأ نّها نقصان لمن يتّصف بها.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية(٣) والأشاعرة.

ولا إشكال في أنّ العقل يدرك هذا النمط من الحسن والقبح، لأنّ هذا الإطلاق من القضايا اليقينية التي لها واقع خارجي يطابقها، ولا يتعلّق هذا الحسن والقبح بالشرع.

تنبيه:

____________________

١- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٥، ٢٤٧.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الأوّل، ص١٠٤.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٦٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٤.

كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٦٩.

٢- "كمال الشيء: حصول ما فيه الغرض منه" والنقص ما يقابله.

انظر: مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (كمل).

٣- العدلية لقب يطلق على الشيعة والمعتزلة، لأنّهم يقولون بالعدل الإلهي.

٤٢

لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح - في بعض الأحيان - على ما هو كمال أو نقص، ولكن الخلاف يكمن في أ نّنا:

عندما نقول: تحصيل الكمال حسن، فإنّ هذا "الحُسن" هل يعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع؟

وعندما نقول الرجوع إلى النقصان قبيح، فإنّ هذا "القُبح" هل يُعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع؟(١)

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

الإطلاق الثاني:

إطلاق "الحسن" على ما يلائم "الطبع"، وإطلاق "القبيح" على ما "ينافر الطبع".

ويرجع هذا المعنى من الحسن والقُبح - في الواقع - إلى معنى اللذة والألم(٢) .

مثال:

يقال: هذا المنظر حسن، وهذا الصوت حسن، لأ نّهما يلائمان الطبع.

ويقال: ذلك المنظر قبيح، وذلك الصوت قبيح، لأنّهما ينافران الطبع.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، لأنّ هذا الإطلاق نابع من أعماق شعور النفس البشرية، كما أنّ طبائع الناس مختلفة فيما بينها، وليس في هذا الصعيد ميزان مشخّص لتوحيد الطبائع البشرية.

تنبيه:

قيل: "إنّ الملائمة والمنافرة جهتان تقتضيان الحبّ والبغض والرضا والسخط، لا

____________________

١- انظر: صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، ص١٥٣.

٢- انظر: مصادر الإطلاق السابق.

٤٣

الحسن والقبح العقليان، فلا معنى لعدّهما من معاني الحسن والقبح"(١) .

الإطلاق الثالث:

إطلاق "الحسن" على ما "يوافق الغرض والمصلحة"، وإطلاق "القبيح" على "ما يخالف الغرض والمصلحة"(٢) .

ويعبّر عن هذا الحسن والقبح بالمصلحة والمفسدة، فيقال: الحسن ما فيه مصلحة، والقبيح ما فيه مفسدة.

مثال:

إنّ قتل العدو حسن، لأ نّه موافق لغرض ومصلحة تعود للقاتل، ولكن قتل هذا الشخص قبيح للمقتول وأهله لمخالفته لغرضهم ومصلحتهم.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، لأنّ هذا الحسن والقبح بإجماع الطرفين أمر يدركه العقل، كما أنّ الأغراض والمصالح الشخصية لا تصحّح توصيف الفعل بالحسن والقبح دائماً، وذلك لاختلافها، فربّ فعل كالقتل حسن عند فرد أو جماعة، ولكنه قبيح عند الآخرين.

تنبيه:

لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح - أحياناً - على ما فيه الصلاح أو الفساد، ولكن الخلاف يكمن في أنّ العقل هل يتمكّن بنفسه ومن دون الاستعانة بالشرع من معرفة صلاح أو فساد بعض الأفعال، أم أ نّه غير متمكّن من ذلك أبداً، ولابدّ من الرجوع في هذه القضية إلى الشرع فقط؟

____________________

١- دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، المسألة ٣، المبحث ١١، المطلب ٢، مناقشة المظفر، ص٣٧٦.

٢- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثاني، ص٨٥.

الالهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١ / ٢٣٣ - ٢٣٤.

المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٦٩.

٤٤

الإطلاق الرابع:

إطلاق الحسن في أفعال العباد على ما تعلّق به مدح الشارع.

وإطلاق القبيح في هذه الأفعال على ما تعلّق به ذم الشارع.

وذلك في الموارد التي لا يستطيع العقل فيها الحكم بالحسن والقبح.

وهذا ما يسمّى بالحسن والقبح الشرعي.

مثال:

حسن الصلاة والصوم، وقبح أكل لحم الميتة والربا وفق بيان الشارع.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، وذلك لعدم وجود شكّ بأنّ العقل البشري غير قادر في هذه الموارد على معرفة الحسن والقبح، وأنّ السبيل إلى هذه المعرفة هو الشرع فقط(١) .

الإطلاق الخامس:

إطلاق الحسن على ما يستحق فاعله "المدح" عقلا.

وإطلاق القبيح على ما يستحق فاعله "الذم" عقلا.

تنبيهات:

١ - إنّ الفعل الحسن بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح عقلا، سواء كان هذا الفاعل هو اللّه تعالى أو العبد.

٢ - إنّ الفعل القبيح بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم عقلا، فلهذا ينبغي تنزيه اللّه تعالى عن هذا الفعل.

٣ - إنّ تطبيق هذا الإطلاق على أفعال اللّه تعالى ليس من باب سراية حكم الإنسان على الباري عزّ وجلّ، بل هو من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية

____________________

١- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة في الحسن والقبح، ص٩٨.

٤٥

وبديهية تشمل كلّ فاعل مختار من غير فرق بين الخالق والمخلوق.

٤ - إنّ هذا الإطلاق للحسن والقبح هو الذي وقع الخلاف فيه بين العدلية والأشاعرة، وسنبيّن تفصيل ذلك في المبحث القادم.

٤٦

المبحث الخامس

محل الخلاف بين العدلية والأشاعرة

حول حسن وقبح الأفعال

الاختلاف الأوّل:

هل لبعض الأفعال حُسن أو قبح ذاتي، أم أنّ الحُسن والقبح مجرّد صفات اعتبارية لكلّ الأفعال، بحيث توجد هذه الصفات عندما يتمّ الاتفاق عليها وتنعدم عندما يزول هذا الاتفاق؟

رأي الأشاعرة:

إنّ الحسن والقبح مجرّد صفات اعتبارية لجميع الأفعال "لأنّ الأفعال كلّها سواسية ليس شيء منها في نفسه حسناً أو قبيحاً بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه، ولا ذم فاعله وعقابه، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها"(١) .

رأي العدلية:

إنّ من الأفعال ما هي حسنة في ذاتها.

وإنّ من الأفعال ما هي قبيحة في ذاتها.

ويكون الشارع عند تحسينه أو تقبيحه لهذه الأفعال كاشفاً لحسنها أو قبحها لا موجباً وسبباً لها(٢) .

____________________

١- المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٧٠.

٢- سنذكر مصادر هذا الرأي لاحقاً.

٤٧

الاختلاف الثاني:

هل يستطيع العقل من صميم ذاته، ومن دون الرجوع إلى الشرع أن يدرك ويكشف حسن وقبح الأفعال، أم أ نّه لا يستطيع ذلك إلاّ بمساعدة الشرع؟

رأي الأشاعرة:

لا يستطيع العقل ذلك أبداً، "ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها"(١) ، وينبغي الرجوع إلى الشرع من أجل معرفة حسن وقبح جميع الأفعال.

رأي العدلية:

دور العقل في إدراك حسن وقبح الأفعال(٢) :

أوّلاً: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالضرورة والبداهة.

مثال:

حسن العدل وشكر المنعم والصدق النافع والتكليف حسب الطاقة.

وقبح الظلم وكفران المنعم والكذب الضار وتكليف ما لا يطاق.

ثانياً: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالتفكّر والتأمّل.

مثال:

حسن فعل أمر الشرائع وقبح تركها.

ثالثاً: لا يدرك العقل حسن وقبح جملة من الأفعال لا ضرورة ولا بالتفكّر والتأمّل، فلا يكون للعقل سبيل لمعرفة هذا الحسن والقبح إلاّ عن طريق تحسين وتقبيح الشارع.

____________________

١- المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٦٨.

٢- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الثاني، ص ١٠٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص ٢٥٥.

٤٨

مثال:

تحسين الشارع صوم شهر رمضان، وتقبيحه صوم يوم عيد الفطر.

تنبيه:

ينبغي الالتفات إلى أنّ هذا التحسين والتقبيح من الشارع يدل على وجود جهة محسّنة ومقبّحة في هذه الأفعال، وقد تكون هذه الجهة غير ذاتية، بل هي مجرّد اختبار لمعرفة مدى امتثال الإنسان لأوامر ونواهي اللّه تعالى.

الاختلاف الثالث:

هل أوامر ونواهي الشرع هي السبب والموجب لحسن وقبح جميع الأفعال، أم توجد أفعال لها حسن وقبح ذاتي بحيث يكون تحسين وتقبيح الشارع لها وسيلة للكشف عن الحسن والقبح الذي تتصف به بذاتها؟

رأي الأشاعرة:

"الأمر والنهي عندنا من موجبات الحسن والقبح [لجميع الأفعال] بمعنى: أنّ الفعل أُمر به فحَسُن، ونُهي عنه فقَبُح"(١) .

رأي العدلية:

إنّ بعض الأفعال لها حسن وقبح ذاتي، بحيث:

لا يكون أمر الشرع بها ونهيه عنها "موجباً وسبباً" لحسنها وقبحها.

وإنّما يكون أمر الشرع بها ونهيه عنها "كاشفاً ومبيّناً" لحسنها وقبحها الذاتي.

أي: أنّ الفعل حَسَنٌ بذاته، فلهذا أُمر به، لا لأنّه أُمر به فأصبح حسناً.

وإنّ الفعل قبيح بذاته، فلهذا نُهي عنه، لا لأنّه نُهي عنه فأصبح قبيحاً(٢) .

مثال:

____________________

١- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٣، ص٢٨٣.

٢- سنذكر مصادر هذا الرأي لاحقاً.

٤٩

إنّ "العدل" حسن في نفسه، ولحسنه أمر اللّه تعالى به، لا أ نّه صار حسناً بعد أن أمر اللّه تعالى به.

وإنّ "الظلم" قبيح في نفسه، ولقبحه نهى اللّه تعالى عنه، لا أ نّه صار قبيحاً بعد أن نهى اللّه تعالى عنه.

٥٠

المبحث السادس

رأي العدلية (القائلين بالحسن والقبح العقلي)

أقسام الفعل(١) :

القسم الأوّل:

إنّ من الأفعال ما هي حسنة في ذاتها.

وإنّ من الأفعال ما هي قبيحة في ذاتها.

ويكون الشارع عند تحسينه وتقبيحه لهذه الأفعال كاشفاً عن حُسن هذه الأفعال أو قبحها لا موجباً وسبباً لها.

قدرة العقل على معرفة الحسن والقبح الذاتي لهذه الأفعال:

١ - يتمكّن العقل - في بعض الأحيان - من اكتشاف ومعرفة حسن أو قبح هذه الأفعال، مع غض النظر عن حكم الشارع، ويكون حكم الشارع في هذه الحالة مجرّد تنبيه ليلتفت الإنسان إلى حكم العقل.

٢ - لا يتمكّن العقل - في بعض الأحيان - من اكتشاف ومعرفة حسن أو قبح هذه الأفعال، وذلك لخفاء ملاكاتها عليه، فيكشف الشارع له ذلك.

تنبيه:

يعود هذا الخفاء إلى قصور العقل في تلك الحالات عن إدراك المحاسن

____________________

١- انظر: الياقوت في علم الكلام، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل، ص٤٥.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص ٢٤٨.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الأوّل، ص٢٢٩.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٥.

٥١

والمصالح الكامنة في تلك الأفعال.

القسم الثاني:

إنّ من الأفعال ما ليس لها حسن أو قبح في ذاتها، فيقف العقل عند الحكم على حسنها أو قبحها، ويكون الشارع في هذه الحالة هو المصدر الوحيد لبيان حسن وقبح هذه الأفعال.

مثال:

حسن العمل بالشرايع وقبح تركه، من قبيل: الطهارة والنجاسة والأعمال العبادية.

تنبيه:

إنّ العقل يدرك - أحياناً - الجهة الداعية لأمر اللّه تعالى والجهة الباعثة على نهيه، وقد تخفى عليه هذه الجهات غير أنّ العقل يحكم حكم اليقين بأ نّه لو اطّلع على ما خفي عليه لكان حكمه موافقاً تماماً لحكم الشرع.

خلاصة رأي العدلية:

إنّ العقل البشري قادر من صميم ذاته - على إدراك "حُسن" أو "قبح" بعض الأفعال من دون الاستعانة بحكم الشرع.

ويكون الشرع عند تحسينه وتقبيحه لهذه الأفعال كاشفاً عما يدرك العقل ومرشداً إليه، وليس للشرع في هذه الأفعال أن:

يحسّن ما هو قبيح ذاتاً.

أو يقبّح ما هو حسن ذاتاً.

ولهذا فإنّ الشكّ بالنبوّة يؤدّي إلى الشك بقبح أكل أموال الربا دون الشكّ بقبح الظلم.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

٥٢

"بالعقل عرف العباد خالقهم... وعرفوا به الحسن من القبيح"(١) .

تنبيهات:

١ - إنّ مقتضى التحسين والتقبيح العقليين هو أنّ العقل بنفسه يدرك أنّ بعض الأفعال - بنفسها ومن دون لحاظ شيء آخر - حسنة أو قبيحة ذاتاً، بحيث يكون وصف الحسن والقبح ثابتاً وغير متغيّر لهذه الأفعال بصورة مطلقة(٢) .

مثال:

إنّ العدل حسن ذاتاً.

وإنّ الظلم قبيح ذاتاً.

ولهذا يحكم العقل بتحسين العدل وبتقبيح الظلم من خلال ملاحظة نفس موضوع العدل والظلم، ومن دون تصوّر كون العدل يشتمل على الصلاح أو أنّ الظلم يشتمل على الفساد.

٢ - إنّ الإمامية ذهبوا إلى إثبات الحسن والقبح العقليين استلهاماً في بحوثهم العقائدية - بعد القرآن الكريم والسنة النبوية - من إرشادات أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وإنّ المعتزلة تابعت الإمامية في هذه المسألة دون العكس.

ولهذا قال العلاّمة الحلّي:

"ذهبت الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل"(٣) .

ثمرة رأي العدلية (القائلين بالحسن والقبح العقليّين):

١ - إنّ العدل حسن بما هو عدل.

وإنّ الظلم قبيح بما هو ظلم.

____________________

١- الأصول من الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب العقل والجهل، ح٣٥، ص٢٩.

٢- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١ / ٢٨٧.

٣- نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٢.

٥٣

وإنّ العقل البشري يكشف لنا ذلك من دون اعتماده على النص الشرعي والحكم الديني.

ولهذا يكون العقل المجرّد لوحده دون غيره هو الدال على ثبوت العدل الإلهي واستحالة صدور الظلم منه تعالى.

٢ - إنّ من النتائج المترتّبة على إدراك العقل للحسن والقبح:

إنّ كلّ ما حكم العقل بحسنه، فهو محبوب شرعاً.

وإنّ كلّ ما حكم العقل بقبحه، فهو مذموم شرعاً.

ولهذا اشتهر عند الفقهاء: "كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع".

٥٤

المبحث السابع

أدلة ثبوت الحسن والقبح العقليّين

الدليل الأوّل:

يحكم كلّ عاقل - على نحو البداهة - بحسن بعض الأفعال ذاتاً ولزوم العمل بها، وقبح البعض الآخر من الأفعال ذاتاً ولزوم الانتهاء عنها.

وإذا بلغ الأمر إلى الضرورة بطل الاستدلال، ومن طلب الدليل بعد البداهة وقع في الإجحاف، ومن كابر في ذلك فقد كابر مقتضى عقله(١) .

مثال:

إنّا نعلم بالضرورة من خيّر شخصاً بين العدل والظلم، ولم يكن لهذا الشخص علم بموقف الشرائع، فإنّه سيختار العدل قطعاً، وما ذاك إلاّ لأنّ حسن العدل وقبح الظلم ذاتي وضروري عقلا.

الدليل الثاني:

لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما من ينكر الشرائع، ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين - على اختلاف فصائلهم -:

____________________

١- انظر: الياقوت في علم الكلام، أبو اسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل، ص٤٥.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثاني، ص ٨٦.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الثاني، ص١٠٤.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الأُولى، ص٤١٨.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، ص٨٣.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، مسألة (١٩٥)، ص٢٣٠.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٦٥.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٥.

٥٥

يصفون بعض الأفعال بالحسن، ويجدون أنفسهم ملزمين بفعلها.

ويصفون بعض الأفعال الأخرى بالقبح، ويعتقدون بأ نّهم ملزمون بتركها.

ويسند هؤلاء تحسينهم وتقبيحهم إلى "العقل" من غير أن يكون "للحكم الشرعي" أي أثر في هذا التحسين والتقبيح والالتزام بالفعل والترك(١) .

مثال:

يحسّن هؤلاء العدل وأداء الأمانة والصدق النافع والوفاء بالعهد وجزاء الإحسان بالإحسان ونحوها، ويرون ضرورة الالتزام بهذه الأفعال.

ويقبّح هؤلاء الظلم والخيانة والكذب الضار ونقض العهد وجزاء الإحسان بالإساءة ونحوها، ويرون ضرورة الابتعاد عن هذه الأفعال.

الدليل الثالث:

إنّ الاعتقاد بالتحسين والتقبيح العقلي هو السبيل لإثبات صحة التحسين والتقبيح الشرعي، ولا يمكن إثبات الحسن والقبح مطلقاً من دون الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي.

توضيح ذلك:

إنَّ إنكار تحسين وتقبيح العقل يلزم إنكار تحسين العقل للصدق وتقبيحه للكذب، فيؤدّي ذلك إلى فقدان الثقة بتحسين وتقبيح الشرع، وذلك لاحتمال كون الشارع كاذباً في إخباره، فينتفي الوثوق بالشرع، وتكون النتيجة عدم الاطمئنان بصحة تحسين وتقبيح الشرع.

وبعبارة أُخرى:

إنّ استقلال العقل في تحسينه للصدق وتقبيحه للكذب هو الذي يدفع الإنسان إلى الوثوق بقول الشرع، ولولا ذلك يبقى احتمال عدم صدق الشرع في قوله وإخباره، فينتفي الجزم بصدقه.

____________________

١- انظر: المصادر المذكورة في الهامش السابق.

٥٦

توضيح ذلك:

إنّ الكذب - حسب قول منكري الحسن والقبح العقلي - لا يقبح إلاّ إذا قبّحه الشرع، فلا يعلم قبح الكذب قبل تقبيح الشرع له، فلهذا لا يكون للإنسان قبل إيمانه بالشرع دليل على تنزيه الشرع عن الكذب، فينتفي الجزم بصدق الشرع مطلقاً.

الخلاصة:

إنّ الجزم بعدم كذب الشارع رهن حكم العقل، وهذا ما يثبت الحسن والقبح العقلي(١) .

ولهذا قال العلاّمة الحلّي:

"إنّا لو لم نعلم حسن بعض الأشياء وقبحها عقلا، لم نحكم بقبح الكذب، فجاز [أي: فيؤدّي ذلك إلى جواز] وقوعه من اللّه... فإذا أخبرنا [تعالى] في شيء أ نّه قبيح لم نجزم بقبحه، وإذا أخبرنا في شيء أ نّه حسن لم نجزم بحسنه لتجويز الكذب [فينعدم السبيل لمعرفة ما حسّنه اللّه تعالى وما قبّحه]"(٢) .

الدليل الرابع:

إنّ "المعجزة" هي الوسيلة التي بها يثق الناس بصدق دعوة الأنبياء. ولا يكون هذا الوثوق إلاّ بعد الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي المتمثّل في القاعدة التالية وهي:

إنّ إعطاء اللّه المعجزة للكاذب في دعوة النبوّة قبيح ذاتاً.

ومن هنا نثق بصدق مدّعي النبوّة فيما لو جاء بالمعجزة، لأ نّنا نؤمن بأنّ "إعطاء اللّه تعالى هذه المعجزة للكاذب في دعوة النبوّة" قبيح ذاتاً، واللّه تعالى لا يفعل القبيح. وإنّما "الحسن" إعطاء المعجزة للصادق في دعوة النبوّة.

____________________

١- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثاني، ص٨٦ - ٨٧.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الأُولى، ص٤١٨.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الأوّل، ص٢٣١.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٦٥.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٦.

٢- كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الأُولى، ص٤١٨.

٥٧

ولكن إذا أنكر الإنسان الحسن والقبح الذاتي، فإنّه لا يصل أبداً إلى مرحلة اليقين بصدق من يدّعي النبوّة ويقدّم المعجزة لإثبات مدعاه، لأ نّه يبقى دائماً في حالة شكّ بأنّ هذا الذي يمتلك المعجزة قد يكون كاذباً في دعوته للنبوّة، وإنّما أعطاه اللّه المعجزة عبثاً، لأ نّه تعالى يفعل ما يشاء!

فتنسد بذلك أبواب معرفة النبي الصادق وتمييزه عن الكاذب(١) .

بعبارة أخرى:

لو كان "الحسن" ما حسّنه الشرع، و"القبيح" ما قبّحه الشرع، لما قبح من اللّه تعالى أي شيء، حتّى لو كان ذلك إظهاره المعجزات على أيدي الكاذبين.

فينتفي بذلك إمكانية تصديق دعوى الأنبياء.

وهذه النتيجة باطلة.

لأ نّها تؤدّي إلى:

١ - غلق باب معرفة الأنبياء الصادقين.

٢ - منح الكفّار العذر في إنكارهم لنبوّة الأنبياء.

ولهذا لا يوجد سبيل سوى الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي.

الدليل الخامس:

لو لم يكن الحسن والقبح عقليين لم يكن للأنبياء أي دليل لإثبات لزوم توجّه الناس إلى البحث والنظر، ووجوب تعرّف الخلق على اللّه تعالى، وضرورة اتّباع الناس لهم.

توضيح ذلك:

إذا طلب النبي من أحد الأشخاص البحث والتعرّف على اللّه واتّباع سبيله.

فسيقول هذا الشخص للنبي: لماذا أبحث ولماذا أُتعب نفسي من أجل التعرّف

____________________

١- انظر: غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، باب الكلام في العدل، ص٧١ - ٧٢.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٨.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٦.

٥٨

على اللّه، وما هو الدليل الذي يلزمني اتّباع سبيلك؟

فإذا كان دليل ذلك هو أنّ البحث وطلب المعرفة واتّباع الرسل أُمور يحكم بها العقل لأ نّها أُمور حسنة، وينهى عن تركها لأنّ تركها قبيح، فأنا لا أعتقد بالحسن والقبح العقلي.

وإذا كان دليل ذلك هو الشرع، فأنا لا أثق بالشرع، لأ نّه من قولك، وقولك لم يثبت عندي أ نّه حجّة، لأ نّني لم أُؤمن بك لحدّ الآن، فلا يجب عليّ اتّباعك.

وبذلك لا تتمّ الحجّة على هذا الشخص، فيلزم الاعتقاد بوجوب الحسن والقبح العقلي.

النتيجة:

إنّ وجوب التوجّه إلى البحث والنظر، ووجوب التعرّف على اللّه تعالى، ووجوب اتّباع النبي أُمور "عقلية" لا "شرعية"(١) .

الدليل السادس:

لو كان الحسن ما حسّنه اللّه تعالى.

ولو كان القبيح ما قبّحه اللّه تعالى.

لم يكن فرق بين:

العدل والظلم.

فيجوز - في هذه الحالة - أن يظلم اللّه تعالى العباد.

لأنّ الظلم غير قبيح ذاتاً، بل:

يكون الظلم حسناً فيما لو أمر اللّه تعالى به.

ويكون الظلم قبيحاً فيما لو نهى اللّه تعالى عنه.

____________________

١- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٩.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٤.

الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل، المسألة السادسة، البحث الأوّل، ص٥٥.

٥٩

وهذا باطل بالضرورة(١) .

بعبارة أُخرى:

لو كان الحسن ما حسّنه اللّه تعالى فقط.

ولو كان القبيح ما قبّحه اللّه تعالى فقط.

لم يقبح من اللّه شيء.

وتكون النتيجة:

إنّ كلّ ما يفعله اللّه تعالى حسن ولو كان ذلك ظلماً.

ولكن اللّه تعالى منزّه من الظلم.

الدليل السابع:

لو كان الحُسن والقبح مستنداً إلى الشرع فقط، لم يكن فرق بين:

ما عُلم قبحه من الشرع.

وما عُلم قبحه من العقل.

ولكننا نجد:

إنّ الشخص الذي يشكّ بالشرع فهو بالطبع:

يشكّ في قبح ما علم قبحه من الشرع كقبح أكل لحم الميتة.

ولا يشكّ في قبح ما علم قبحه من العقل كقبح الظلم والخيانة(٢) .

____________________

١- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٩.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٤.

٢- انظر: الياقوت في علم الكلام، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل، ص٤٥.

إشراق اللاهوت، عميد الدين العبيدلي: المقصد السابع، المسألة الأُولى، ص ٣٠٧.

٦٠