التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 209322
تحميل: 8913

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209322 / تحميل: 8913
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١٦١

المبحث الأوّل :معنى الحياة

مفهوم " الحياة " واضح وبديهي ، يدركه الإنسان بالوجدان إدراكاً فطرياً ، ويمكن القول بأنّ كثرة وضوح وظهور هذا المفهوم أدّى إلى عسر تعريفه بالبيان.

وقد ذكر العلماء في بيان مفهوم الحياة عدّة معاني أهمّها :

المعنى العام للحياة :

الحياة صفة تجعل المتّصف بها مبدءاً للآثار المتوقّع صدورها منه.

مثال ذلك :

حياة الأرض كونها نابتة ومخضرة، وموتها خلافه.

حياة العمل عبارة عن انتهائه إلى الغرض المبتغى منه ، وموته خلافه.

حياة القلب عبارة عن ازدهار الفضائل الأخلاقية فيه ، وموته خلافه.

المعنى الخاص للحياة :

الحياة صفة توجب صحة الاتّصاف بالعلم والقدرة.

أي : لا تتصف أيّة ذات بصفة العلم والقدرة إلاّ بعد اتّصافها بصفة الحياة.

والضرورة تقضي بأنّ كلّ عالم وقادر حي(١) .

____________________

١- انظر : النكتب الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٤.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : وجوب كونه تعالى حياً ، ص ٥١.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل التوحيد ، مسألة : في كونه حيّاً ، ص ٧٤.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ، ص ٤٥.

قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، حياته تعالى ، ص ٥٥.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : القول في كونه تبارك وتعالى حيّاً ، ص ٤١.

كشف المراد العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الثالثة ، ص ٤٠١.

الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد ، مقداد السيوري : في صفات الله تعالى ، ص ٦٠.

١٦٢

تنبيه :

ذكر البعض(١) بأنّ الحي هو " المدرك الفاعل " أو " الدرّاك الفعّال " أو " الفعّال المدبّر ".

ولكن لا يخفى بأنّ نسبة هذا المعنى من الحياة إلى الله تعالى يستلزم القول بقدم العالم ؛

لأنّ " الحياة " من صفات الله الذاتية.

و " الفعل والتدبير " من صفات الله الفعلية.

وجعل " الحياة " وهي صفة ذاتية ملازمة " للخلق والتدبير " وهي صفة فعلية يستلزم القول بأنّه تعالى خالق ومدبّر مادام حيّاً ، فيؤدّي هذا الأمر إلى القول بقدم العالم.

ولكن هذه النظرية - كما بيّنا سابقاً - باطلة ، وكلّ ما سوى الله تعالى حادث.

تتمّة :

يمكن القول بأنّ المقصود من تعريف الحي بالفعّال المدبّر ، أنّه تعالى متمكّن من الفعل دائماً وله القدرة على التأثير ؛ لأنّ ما يقابل الحي هو الميّت ، والميّت هو الذي

____________________

١- ينسب هذا القول إلى الفلاسفة.

انظر : بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : كتاب التوحيد ، أبواب الصفات ، باب ١ ، ذيل ح ١٢ ، ص ٦٨ - ٦٩.

ونسب العلاّمة الحلّي هذا التعريف إلى الأوائل في كتابه مناهج اليقين ، وصرّح به في كتابه الأبحاث المفيدة.

انظر : مناهج اليقين : المنهج الرابع ، البحث السادس ، ص ١٧٠.

الأبحاث المفيدة : الفصل الرابع ، المبحث السادس ، ص ٣٣.

والغريب أنّ الشيخ الصدوق على رغم اعتقاده ببطلان قدم العالم ( انظر : التوحيد : باب ٤٢ ) ، فإنّه قال : الحي معناه أنّه الفعّال المدبّر ( التوحيد : باب ٢٩ ، ص ١٩٥ ) وهذا المعنى يستلزم القول بقدم العالم ؛ لأنّ الفعل والتدبير والخلق أمور متأخّرة عن وجود الذات الإلهية ، والقول بأنّ الحي فعّال ومدبّر يستلزم القول بأنّ الفعل والتدبير الإلهي صفة ذاتية فيكون الخلق قديماً بقدم الذات الإلهية ، وقد بيّن الشيخ الصدوق بطلان قدم العالم في باب ٤٢ من كتابه التوحيد.

١٦٣

لا يصدر منه فعل ، ولا أثر له على الواقع الخارجي.

١٦٤

المبحث الثاني :أدلة ثبوت صفة الحياة للذات الالهية

١ - الضرورة تحكم باتّصاف كلّ عالم وقادر بصفة الحياة ،

وحيث ثبت اتّصافه تعالى بالعلم والقدرة ، فلهذا يلزم كونه تعالى حيّاً(١) .

٢ - " الحياة " صفة كمالية ، وبما أنّ لله الكمال كلّه ، فلهذا يثبت كونه تعالى حياً.

٣ - وهب الله الحياة لبعض مخلوقاته ، وقد ذكرنا بأنّ " الحياة " صفة كمالية ، فلهذا يثبت من منطلق " معطي الكمال غير فاقد له " بأنّه تعالى حيّ وغير فاقد لهذه الصفة الكمالية.

____________________

١- انظر : النكت الاعتقادية : ص ٢٤ ، تقريب المعارف : ص ٧٤ ، المسلك في أصول الدين : ص ٤٥ ، وقد أشرنا إلى هذه المصادر قبل قليل.

وانظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ صانع الأجسام حيّ ، ص ٨٢.

غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، الفصل الرابع ، ص٣٦.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث السادس ، ص ١٧٠.

١٦٥

المبحث الثالث :خصائص حياة الله تعالى

١ - " الحياة " صفة من صفات الله الذاتية ، والله حيّ بذاته ، ولا يصح أبداً سلب هذه الصفة عنه تعالى(١) .

٢ - " الحياة " التي تطلق على الله مغايرة تماماً عن " الحياة " التي تطلق على غيره تعالى من الكائنات الحية ، ومن أوجه التغاير :

أوّلاً : حياة الله أزلية وباقية ولا تفنى.

حياة ما سوى الله مسبوقة دائماً بالعدم.

ثانياً : حياة الله منزّهة عن الخصائص الجسمانية.

حياة ما سوى الله ممزوجة بالكيفات النفسانية والمزاجية ، ومقترنة بالجذب والتماسك والنمو والإحساس وغيرها من الأمور الجسمانية أو الأمور المحدودة.

ثالثاً : حياة الله عين ذاته ، وليست هذه الصفة زائدة على ذاته تعالى.

حياة ما سوى الله تعالى صفة زائدة على الذات.

تنبيه :

ما نتصوّره بصورة عامة من " الحياة " ، هي الحياة المرتبطة بالمخلوقات الحيّة ، وحياة الله مغايرة لحياة المخلوقات ، فلهذا يلزم علينا عند نسبة صفة الحياة إلى الله ، أن نقوم بتنزيه هذه الصفة عن كلّ نقص وشائبة ، ليكون ما ننسبه إلى الله تعالى لائقاً بمقامه الأسمى ومنزلته العليا.

____________________

١- انظر : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الثالث ، ص ٨٧.

١٦٦

المبحث الرابع :حياة الله في القرآن وأحاديث أهل البيتعليهم‌السلام

حياة الله في القرآن الكريم :

١ - قال تعالى :( اللَّهُ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) [ البقرة : ٢٥٥ ]

٢ - قال تعالى :( هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [ غافر : ٦٥ ]

٣ - قال تعالى :( وَ تَوَکَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ ) [ الفرقان : ٥٨ ]

حياة الله في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام :

١ - قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره حيّاً لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً )(١) .

٢ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( والله حي لا موت له حيّ الذات )(٢) .

٣ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : ( إنّ الله حيّاً بلا كيف حيّاً بلا حياة حادثة بل حي لنفسه )(٣) .

٤ - قيل للإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( روينا أنّ الله حياة لا موت فيه ).

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١١ ، ح ٥ ، ص ١٣٦.

٢- المصدر السابق : ح ٤ ، ص ١٣٦.

٣- المصدر السابق : ح ٦ ، ص ١٣٧.

١٦٧

قال : ( كذلك هو )(١) .

____________________

١- المصدر السابق : باب ١٠ ، ح ١٢ ، ص ١٣٣.

١٦٨

الفصل الثامن :علم اللّه تعالى

معنى العلم

أقسام العلم

خصائص علم الله تعالى

كيفية علم الله تعالى

أقسام علم الله تعالى

علم الله الذاتي

علم الله بذاته

علم الله بالأشياء قبل إيجادها

علم الله بالأشياء بعد إيجادهما

سعة علم الله تعالى

١٦٩

١٧٠

المبحث الأوّل :معنى العلم

العلم : صفة من شأنها كشف المعلومات انكشافاً تامّاً لا يحتمل الخطأ.

وتكون هذه الصفة لله تعالى من غير سبق خفاء.

قال الشيخ المفيد : " العالم بالشيء هو الذي يكون الشيء منكشفاً له حاضراً عنده غير غائب عنه "(١) .

تنبيه :

قال سديدالدين الحمصي : " قد حُدّ العلم بحدود [ أي : عُرِّف العلم بتعاريف ] لا تصلح ، فالأولى أن لا يُحدّ [ أي : لا يعرّف ] العالم والعلم "(٢) .

____________________

١- النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٣.

٢- المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه عالماً ، ص ٣٨.

١٧١

المبحث الثاني :أقسام العلم(١)

١ - العلم الحضوري

وهو عبارة عن حضور " المعلوم " عند " العالم "(٢) بواقعيته ومن دون توسّط أيّ شيء.

أي : يكون الشيء معلوماً عند العالم بنفسه لا بتوسّط صورته.

نماذج من العلم الحضوري :

١ - علم الإنسان بذاته.

٢ - علم الإنسان بأحاسيسه ومشاعره.

أقسام العلم الحضوري :

١ - أن يكون " العالِم " هو " المعلوم " ، من قبيل علم الإنسان بذاته.

٢ - أن يكون " العالم " غير " المعلوم " ، من قبيل علم الإنسان بأحاسيسه ومشاعره.

٢ - العلم الحصولي :

وهو العلم بالشيء عن طريق صورته المنتزعة منه والحاكية عنه ، ومعظم علم الإنسان من هذا القبيل ، وفيه يعلم الإنسان الأشياء عن طريق انعكاس الصورة الحاصلة منها على صفحة ذهنه.

تنبيهات حول العلم الحصولي :

١ - الأدوات الحسيّة في الإنسان كلّها ، موظّفة في خدمة هذا العلم.

____________________

١- انظر : كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الثانية ، ص ٣٩٩ - ٤٠٠.

٢- انظر : الأسرار الخفية ، العلاّمة الحلّي : الفن الثالث ، المقالة السادسة ، المبحث الأوّل ، سرّ ١٢١ ، ص ٥٦١.

١٧٢

٢ - يكون " الشيء الخارجي " في العلم الحصولي معلوماً عن طريق صورته ، وتكون الصورة معلومة بذاتها.

أي : يكون الشيء معلوماً بغيره ( بالصورة المطابقة له ) ،

وتكون الصورة معلومة بنفسها بالعلم الحضوري.

٣ - تكون الصورة المطابقة للأشياء في العلم الحصولي ، هي الوسيلة الوحيدة لإدراك الخارج ، ولولاها لانقطعت صلة الإنسان بالخارج.

٤ - العلم الحصولي في الواقع ليس بعلم حقيقة ، وإنّما هو طريق إلى الواقع لمن لم يتمكّن من العلم الواقعي والعيان الحقيقي بالأشياء.

١٧٣

المبحث الثالث :خصائص علم الله تعالى

١ - علم الله تعالى غير حصولي.

دليل ذلك :

أوّلاً : إنّ العالِم بالعلم الحصولي ، يحتاج في علمه إلى " صورة " الشيء الذي يريد أن يعلمه.

والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

فلهذا لا يكون علمه تعالى من قبيل العلم الحصولي الذي يفتقر إلى " صورة الأشياء ".

ثانياً : إنّ العلم الحصولي علم جزئي ، وفيه تغيب بعض أجزاء المعلوم لدى العالم ، والله تعالى منزّه عن هذه الجزئية والتبعيض.

٢ - لا يوجد أيّ تشابه بين علمنا وعلم الله تعالى أبداً ؛

لأنّ علمنا مهما كان بديهياً فهو علم محدود ، حادث ، عارض وطارىء على وجودنا ،

ولكن علمه تعالى ليس كمثله شيء ، وهو علم غير محدود ، قديم ، ذاتي ولا يشوبه أيّ نقص.

٣ - إنّ " العلم " من صفات الله الذاتية.

قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : ( ليس بين الله وبين علمه حدّ )(١) .

ولهذا :

أوّلاً : لا يصح سلب صفة العلم عنه تعالى في جميع الأحوال.

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١٠ ، ح ١٦ ، ص ١٣٤.

١٧٤

دليل ذلك :

نفي العلم عن الله في أيّ حالة من الحالات ، يوجب المنقصة له تعالى ، فلهذا لا يصح نفي صفة العلم عنه تعالى في جميع الأحوال.

ثانياً : لا يصح القول بأنّ علم الله غير ذاته ، بل علمه تعالى عين ذاته.

دليل ذلك :

ألف - إذا كان علم الله غير ذاته ، فسيكون الله عند علمه بالأشياء :

١ - محتاجاً إلى شيء خارج عن ذاته.

٢ - ناقصاً بذاته ومستفيداً للكمال من غيره ،

ولكنّ الله منزّه عن الاحتياج والنقص ،

فلهذا يقتضى تنزيهه القول بأنّ علمه عين ذاته.

ب - إذا قلنا بأنّ العلم غير الله ، ثمّ قلنا لم يزل الله عالماً ، أثبتنا معه شيئاً قديماً لم يزل ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً(١) .

ولهذا قيل للإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : إنّ قوماً يقولون : إنّه عزّ وجلّ لم يزل عالماً بعلم

فقالعليه‌السلام : ( من قال ذلك ، ودان به ، فقد اتّخذ مع الله آلهة أخرى ).

ثم قالعليه‌السلام : ( لم يزل الله عزّ وجلّ عليماً... لذاته )(٢)(٣)

ثالثاً : علم الله تعالى لا حدّ له ولا نهاية.

دليل ذلك :

____________________

١- المصدر السابق : باب ١٠ ، ص ١٣١.

٢- المصدر السابق : باب ١١ ، ح ٣ ، ص ١٣٥.

٣- تنبيه : قال تعالى :( لٰکِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْکَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) [ النساء : ١٦٦ ]

لا يصح القول بأنّ هذه الآية تدلّ على أنّه تعالى عالم بعلم ؛ لأنّ " أنزله بعلمه " تعني : أنزله وهو عالم به ، ولو كان المقصود من العلم ذاتاً أخرى لوجب أن يكون العلم آلة في الإنزال ، كما يقال : " كتبت بالقلم " ، ولكن العلم ليس آله.

١٧٥

الذات الإلهية لا حدّ لها ولا نهاية ، وعلم الله عين ذاته.

ولهذا قال الإمام الصادقعليه‌السلام لأحد أصحابه : ( لا تقل ذلك [ أي : لا تقل الحمد لله منتهى علمه ] ، فإنّه ليس لعلمه [ تعالى ] منتهى )(١) .

رابعاً : علم الله لا يتغيّر ولا يتبدّل.

دليل ذلك :

علم الله عين ذاته ، ويلزم التغيير والتبدّل فيه التغيير والتبدّل في ذات الله تعالى ، وهذا محال ؛ لأنّه تعالى ليس محلاًّ للتغيّرات والتبدلاّت ، وإنّما التغيير والتبدّل يكون في " المعلومات " لا في " العلم ".

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١٠ ، ح ١ ، ص ١٣٠.

١٧٦

المبحث الرابع :كيفية علم الله تعالى

لا يصح السؤال أو البحث عن كيفية علم الله تعالى.

دليل ذلك :

ورد في أحاديث أئمة أهل البيتعليهم‌السلام النهي عن الكلام أو البحث عن كيفية ذات الله ، وبما أنّ العلم الإلهي من صفات الله الذاتية ، فلهذا لا يصح الكلام أو البحث عن كيفيته.

قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام :

( لا يوصف العلم من الله بكيف)(١) .

وما يجب علينا معرفته أنّه تعالى " عالم " بمعنى أنّه لا يجهل شيئاً ولهذا ورد في أحاديث أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( إنّما سُمّي [ الله تعالى ] عليماً ؛ لأنّه لا يجهل شيئاً من الأشياء ، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء )(٢) .

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( إنّما سُمّي الله عالماً ؛ لأنّه لا يجهل شيئاً )(٣) .

قال الإمام محمّد بن علي الجوادعليه‌السلام : ( قولك [ عن الله ] : عالم ، إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه )(٤) .

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١٠ ، ح ١٦ ، ص ١٣٤.

٢- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٣ ، ب ٥ ، ص ١٩٤.

٣- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ح٢ ، ص١٨٣.

الكافي ، الشيخ الكليني : ج١ باب آخر وهو من الباب الأوّل ، ح٢ ، ص١٢١.

٤- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ح٧ ، ص ١٨٨.

١٧٧

١٧٨

المبحث الخامس :أقسام علم الله تعالى

ينقسم علم الله بحسب متعلَّق العلم إلى عدّة أقسام ، منها :

١ - علم الله الذاتي.

٢ - علم الله بذاته.

٣ - علم الله بالأشياء قبل إيجادها.

٤ - علم الله بالأشياء بعد إيجادها.

وسنبيّن هذه الأقسام في المباحث القادمة.

١٧٩

المبحث السادس :علم الله الذاتي

علم الله الذاتي : هو العلم الذي يبتدع الله سبحانه وتعالى به الخلائق ،

وقد أشار الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى هذا العلم بقوله :

( سبحان من خلق الخلق بقدرته ، وأتقن ما خلق بحكمته ، ووضع كلّ شيء منه موضعه بعلمه )(١) .

أدلة اتّصافه تعالى بالعلم الذاتي :

الدليل الأوّل(٢) :

فعل الله الأفعال المحكمة المتقنة ،

وكلّ من فعل ذلك كان عالماً(٣) .

فلهذا نستنتج بأنّ الله تعالى عالم(٤) .

____________________

١- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٤ ، باب ٢ ، ح ٢٠ ، ص ٨٥.

٢- انظر : النكتب الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٣.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٧٧.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ، ص ٤٤.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الثاني ، ص ٨٥.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني : الصفات الثبوتية ، العلم ، ص ١٦٧.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الثانية ، ص ٣٩٧ ، مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الخامس ، ص ١٦٤.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، الدليل على أنّه تعالى عالم ، ص ١٩٤.

٣- أي : لا يتأتّى ذلك إلاّ من عالم.

وإنّ غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المتقن مرّة بعد أخرى.

انظر : كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الثانية ، ص ٣٩٧.

٤- إنّ هذا الدليل يثبت فقط اتّصاف الله تعالى بالعلم ، وأمّا السبيل لمعرفة سعة علم الله تعالى فهو يتطلّب بيان أدلة أخرى سنذكرها في المباحث القادمة.

١٨٠