التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)8%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220434 / تحميل: 9823
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

المبحث الثالث :صلة الادراك بالحياة

الرأي الأوّل :

إنّه تعالى مدرك لأنّه حي، وكلّ من كان حيّاً فهو مدرك(١) .

الرأي الثاني :

إدراك الله لا يستند إلى كونه حيّاً.

دليل ذلك :

١ - إنّ " الإدراك " من صفات الله الفعلية.

لكن " الحياة " من صفات الله الذاتية.

ولا يصح أن تكون " صفة لفعل " بعينها " صفة الذات "(٢) .

قال الشريف المرتضى : " لا يجوز أن [ ترجع صفة الإدراك ] إلى كونه حيّاً ؛ لأنّ كونه حيّاً قد كان حاصلاً ، فلم يجد نفسه على هذا الأمر [ أي : الإدراك ] "(٣) .

قال الشيخ الطوسي : [ الإدراك ] لا يستند إلى كونه حياً ؛ لأنّه كان حيّاً قبل ذلك ولم يجد نفسه كذلك [ أي : لم يكن مدركاً للمعدومات ؛ لأنّ الإدراك لا يتعلّق

____________________

١- انظر : الباب الحادي عشر ، العلاّمة الحلّي : الفصل الثاني : الصفة الخامسة ، ص٤١.

٢- انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي ، ص ٩٤.

المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات ، ص ٥٦.

٣- شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى مدركاً ، ص ٥٣.

٢٠١

بالمعدومات ، وإنّما يتعلّق بالموجودات ] "(١) .

٢ - يتطلّب " الإدراك " مُدركات مختلفة ، كالسمع والبصر وغيرهما ،

ولا تتطلّب " الحياة " إلى شيء من ذلك.

فيثبت أنّ الإدراك مغاير للحياة ، ووصفه تعالى بكونه مدركاً أمر زائد على كونه حيّاً(٢) .

____________________

١- الاقتصاد ، الشيخ الطوسي ، القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، الإدراك ، ص ٥٦.

٢- انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي ، ص ٩٥.

٢٠٢

المبحث الرابع :خصائص صفة الادراك عند الله تعالى

١ - " الإدراك " من صفات الله الفعلية ؛ لأنّ الإدراك لا يكون إلاّ بعد وجود " المُدرَك " في الواقع الخارجي ، فلهذا لا يتّصف الله بهذه الصفة إلاّ بعد خلقه تعالى للأشياء ، والخالقية - كما لا يخفى - من صفات الله الفعلية(١) .

٢ - يدرك الله الأشياء بذاته ومن دون الاستعانة بشيء ، وهو تعالى بخلاف الإنسان الذي يدرك الأشياء عن طريق حواسه ؛ لأنّه تعالى منزّه عن الاحتياج ، وهو لا يفتقر أبداً إلى الآله في الإدراك(٢) .

٣ - لا يصح وصفه تعالى بأنّه :

" ذائق " لإدراكه الطعوم.

" شام " لإدراكه الروائح.

" لامس " لإدراكه الحرارة والبرودة ؛

لأنّ " الذوق " و " الشمّ " و " اللمس " ليست إدراكات ، وإنّما هي طرق للإدراك.

والمطلوب بالنسبة إلى الله إثبات حقيقة الإدراك دون طرقها(٣) .

____________________

١- انظر : غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الرابع ، ص ٤٠.

٢- انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٥.

المنقذ من التقليد ، ابن زهرة الحلبي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات ، ص ٥٨.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الخامسة ، ص ٤٠٣.

٣- انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي ، ص ٩٠.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات ، ص ٦٠.

٢٠٣

٤ - لا يصح وصفه تعالى بصفة الملتذ والمتألّم على الرّغم من إدراكه للذّة والألم ؛ لأنّ اللذّة والألم من خصائص الأشياء المادية ، والله تعالى منزّه عنها(١) .

____________________

١- انظر : المصدر السابق، الملخص، ص ١٠٠.

الذخيرة الشريف المرتضى : باب الكلام في الآلام ، ص ٢١٢.

٢٠٤

الفصل العاشر :سمع اللّه تعالى وبصره

حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير

الصلة بين " السمع والبصر " وبين " العلم "

الأدلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

٢٠٥

٢٠٦

المبحث الأوّل :حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير

قال تعالى : ( إنّه هو السميع البصير ) [ البقرة : ٢٤٤ ] [ المجادلة : ١ ]

وقال تعالى لموسى وهارونعليهما‌السلام : ( إنّي معكما أسمع وأرى ) [ طه : ٤٦ ]

سبب تسميته تعالى بالسميع والبصير :

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( إنّما يُسمّى تبارك وتعالى بهذه الأسماء ؛ لأنّه لا تخفى عليه خافية ، ولا شيء مما أدركته الأسماع والأبصار )(١) .

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( وسمّى ربّنا سميعاً أخبر أنّه لا يخفى عليه الأصوات الله بصير لا يجهل شخصاً منظوراً إليه )(٢) .

النتيجة :

إنّ الله تعالى سميع ، أي : لا يخفى عليه شيء من المسموعات.

إنّ الله تعالى بصير ، أي : لا يغيب عنه شيء من المبصرات.

الله سميع وبصير بذاته :

المخلوقات تسمع وتبصر عن طريق الحواس وآلتي السمع والبصر ، ولكنّ الله تعالى لا يسمع ولا يبصر عن طريق الحواس ، وإنّما يسمع ويبصر بذاته ؛ لأنّه تعالى منزّه عن الحواس ، ومنزّه عن الاحتياج إلى آلة أو أداة في هذا المجال.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

____________________

١- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٣ ، كتاب التوحيد ، باب ٥ ، ص ١٩٤.

٢- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ح ٢ ، ص ٣٨٣.

٢٠٧

( هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ،

بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه.

ليس قولي : إنّه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً ، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً )(١) .

السميع والبصير من صفات الله الذاتية :

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( لم يزل الله تعالى سميعاً بصيراً )(٢) .

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام حول الله تعالى : ( إنّه واحد ، صمد ، أحدي المعنى ، ليس بمعاني كثيرة مختلفة).

فسأله الراوي : جعلت فداك ! يزعم قوم من أهل العراق ، أنّه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع.

[ أي : إنّ السمع صفة زائدة على ذاته تعالى ،

وإنّ البصر صفة زائدة على ذاته تعالى.

وما يحتاج الله إليه في خارج ذاته عند السمع مغاير لما يحتاجه في خارج ذاته عند البصر ].

فقالعليه‌السلام : ( كذبوا وألحدوا وشبّهوا ، تعالى الله عن ذلك ، إنّه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع ).

[ أي : إنّ صفة السمع والبصر من صفات الله الذاتية ، والله تعالى يسمع بذاته ، ويبصر بذاته.

وذاته هي التي يسمع بها وهي التي يبصر بها.

وهذا معنى قولهعليه‌السلام : يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع ](٣) .

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٣٦، ح ١ ، ص ٢٣٩.

٢- الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١، كتاب التوحيد، باب أدنى المعرفة ، ح ٢ ، ص ٨٦.

٣- المصدر السابق : باب آخر من الباب الأوّل ، ح ١ ، ص ١٠٨.

٢٠٨

الفرق بين " السميع " و " السامع" وبين " البصير " و " المبصر " :

" السميع " و " البصير " من صفات الله الذاتية ،

ويصح القول بأنّه تعالى لم يزل سميعاً وبصيراً ؛ لأنّ معنى ذلك أنّه تعالى متمكّن من السمع والبصر فيما لو وُجدت المسموعات والمبصرات.

أمّا " السامع " و " المبصر " فهما من صفات الله الفعلية.

ولا يصح القول بأنّه تعالى لم يزل سامعاً ومبصراً ؛ لأنّه تعالى لا يوصف بالسامع والمبصر إلاّ بعد وجود المسموعات والمبصرات(١) .

____________________

١- انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ص ١٩٢.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً ، ص ٥٦.

الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، السمع والبصر ، ص ٥٧.

٢٠٩

المبحث الثاني :الصلة بين " السمع والبصر " و بين " العلم "

الرأي الأوّل :

السمع والبصر معناهما العلم ،(١) وكشف الأشياء بالسمع والبصر نوع من العلم.

والله تعالى سميع ، أي : عالم بالمسموعات.

والله تعالى بصير ، أي : عالم بالمبصرات(٢) .

الرأي الثاني :

السمع والبصر لا يرجعان إلى العلم ،

والانكشاف بالسمع والبصر يغاير الانكشاف بالعلم.

والله تعالى سميع ، أي : أ نّه تعالى على صفة يدرك المسموعات إذا وجدت.

والله تعالى بصير ، أي : أنّه تعالى على صفة يدرك المبصرات إذا وجدت(٣) .

____________________

١- انظر : أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : قول ٢٠ ، ص ٥٤.

٢- انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٤.

المسلك في أصول الدين ، الرسالة الماتعية ، المحقّق الحلّي : الفصل الأوّل ، ص ٢٩٦.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩٠.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الثاني ، ص ٢٠٢.

٣- انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ص ١٩٢.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً ، ص ٥٥.

غنية النزوع ، ابن زهرة : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الثالث ، ص ٣١.

وأشار العلاّمة الحلّي إلى هذين الرأيين في كتابه كشف المراد : المقصد الثالث ، الفصل الثاني : المسألة الخامسة ، ص ٤٠٣.

٢١٠

توضيح الرأي الأوّل :

السمع والبصر معناهما العلم.

وحقيقة كونه تعالى سميعاً ، أي : أنّه عالم بالمسموعات ،

وحقيقة كونه تعالى بصيراً ، أي : أنّه عالم بالمبصرات.

دليل تفسير السمع والبصر بالعلم :

حقيقة السمع والبصر عند المخلوقات مشروطة بوجود الحواس والأدوات ، وبما أنّه تعالى منزّه عن ذلك ، فلهذا يلزم القول بأنّ صفة " السمع " و " البصر " له تعالى مجازية ، ويراد منهما العلم بالمسموعات والمبصرات(١) .

المقصود من " العلم " في علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات :

إنّ تفسير السمع والبصر بالعلم لا يعني مطلق العلم ، بل المقصود من العلم في هذا المقام هو علم خاص ، وهو عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات بعد وجودها.

وهذا النمط من العلم يختلف مفهوماً عن العلم العام ، الذي يشمل العلم بالمسموعات والمبصرات قبل وجودها.

تنبيه :

حقيقة علم الله بالأشياء ( من قبيل : المسموعات والمبصرات ) هو نفس حقيقة علمه تعالى بها قبل كونها ، وعلم الله واحد لا يتعدّد ولا يتغيّر ، وإنّما الاختلاف الموجود هنا في " المفهوم " فقط دون " المصداق ".

ولهذا قال الإمام عليعليه‌السلام حول علمه تعالى :

( أحاط بالأشياء علماً قبل كونها، فلم يزدد بكونها علماً ،

علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها )(٢) .

____________________

١- انظر : كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي الطرابلسي : ج ١ ، القول في سميع وبصير ، ص ٨٥.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩٠.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الثاني ، ص ٢٠٢.

٢- الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب جوامع التوحيد ، ح ١ ، ص ١٣٥.

٢١١

دور علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات في توصيفه بالسميع والبصير :

ليس " علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات " هو السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير ، ليُقال : لماذا لا يصح توصيفه تعالى بأنّه لامس وذائق وشام ؛ لأنّه عالم بالملموسات والمذوقات والمشمومات ؟

بل السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير هو ذكرهما في الكتاب والسنة ، وكما لا يخفى أنّ صفات الله وأسمائه توقيفية ، ولا يصح وصفه تعالى إلاّ بما وصف به نفسه.

والسبب في أنّنا لا نصف الله باللمس والذوق والشم - على الرغم من علمه واحاطته بها - هو عدم ذكر هذه الصفات في الكتاب والسنة(١) .

تنبيه :

قد يكون السبب في تأكيد الشارع على وصفه تعالى بالسمع والبصر هو ردع المكلّفين عن المعاصي ؛ لأنّ علم المكلّف بأنّ الله يراه ويسمعه يدفعه إلى المزيد من التحرّز عن ارتكاب الذنوب والمعاصي.

توضيح الرأي الثاني :

السمع والبصر للّه وصفان لهما خصائصهما الذاتية ، ولهما معناهما الخاص ، ولا تعود حقيقتهما إلى العلم ، وبل لهما حقيقة خاصّة بهما.

ومعنى قولنا الله سميع وبصير : أنّه على صفة يدرك المسموعات والمبصرات إذا وجدت(٢) .

وليس معنى قولنا : الله سميع وبصير : أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات.

دليل خطأ تفسير السمع والبصر بالعلم :

إنّا نجد فرقاً - معلوماً لنا بالضرورة - :

____________________

١- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

٢- انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً ، ص ٥٥.

٢١٢

بين إدراكنا حين فتح أعيننا ومشاهدة المرئي ، وبين إدراكنا حين تغميض أعيننا مع وجود العلم بالمرئي.

ومن هنا يثبت لنا بأنّ السمع والبصر لهما سماتهما الخاصة ، وأنّ صفتهما مغايرة لصفة العلم(١) .

____________________

١- انظر : إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي ، المقصد الخامس ، المسألة الخامسة ، ص ٢١١.

٢١٣

المبحث الثالث :الادلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

الدليل الأوّل :

إنّ الله تعالى عالم بجميع المعلومات التي من جملتها المسموعات والمبصرات ، فلهذا يصح اتّصافه تعالى بأنّه سميع بصير(١) .

يلاحظ عليه :

ينسجم هذا الدليل فقط مع الرأي الأوّل الذي يفسّر السمع والبصر ، بأنّهما عبارة عن العلم بالمسموعات والمبصرات ، ولا ينسجم مع الرأي الثاني القائل بوجود تغاير بين حقيقة السمع والبصر وبين حقيقة العلم.

الدليل الثاني :

كلّ حيّ يصح اتّصافه بالسمع والبصر ،

والله تعالى حي.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(٢) .

يلاحظ عليه :

أوّلاً : لا يصح القول بأنّ كلّ حي سميع وبصير ، لوجود كائنات حيّة فاقدة للسمع والبصر.

____________________

١- انظر : النكتب الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٤.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الصفات الثبوتية ، السمع والبصر ، ١٨٥ - ١٨٧.

٢- انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه سميعاً بصيراً ، ص ٥٥.

الملخص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ الله تعالى مدرك للمدركات سميع بصير ، ص ٩٩.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل التوحيد ، مسألة في كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، ص ٨٤ الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، السمع والبصر ، ص ٥٧.

٢١٤

مثال ذلك:

أكثر الهوام والسمك لا سمع لها.

العقرب والخُلد(١) لا بصر لهما(٢) .

ثانياً : لو سلّمنا بأنّ حياة الإنسان توجب اتّصافه بالسمع والبصر.

فإنّ حياته تعالى مخالفة لحياتنا.

فلهذا لا يلزم الاشتراك بيننا وبين الله في كلّ ما يلازم حياتنا.

ومثال ذلك : إنّ حياتنا تستلزم الشهوة دون حياته تعالى(٣) .

الدليل الثالث :

لو لم يتّصف الله بالسمع والبصر ، لزم أن يتّصف بضدّهما.

وضدّهما نقص ، والنقص على الله محال ، فيثبت بالضرورة كونه تعالى سميعاً بصيراً.

يلاحظ عليه :

ليس كلّ من لا يتّصف بصفة يتّصف بضدّ تلك الصفة.

بل الاتّصاف بضدّ الصفة يكون لمن شأنه الاتّصاف بها ، ولكنّه لا يتّصف بها ، كالإنسان الذي من شأنه أن يكون سميعاً وبصيراً ، فإذا لم يتّصف بهما اتّصف بضدّهما ، أي : بالصمم والعمى.

ولم يثبت عقلاً أنّه تعالى من شأنه الاتّصاف بالسمع والبصر ، ولا سيما إذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مشروطة بوجود الحواس ، فيكون السمع والبصر من لوازم

____________________

١- الخُلد : الفارة العمياء المعجم الوسيط : مادة ( خلد ) ، ص ٢٤٩.

الخلد نوع من القواضم يعيش تحت الأرض وهو ليس له عينان ولا أذنان المنجد ، مادة ( خلد ) ، ص ١٩١.

٢- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

٣- انظر : إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة الخامسة ، ص ٢١٠.

٢١٥

الكائنات الجسمانية ، والله تعالى منزّه عن ذلك(١) .

الدليل الرابع :

إنّ السميع والبصير أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر ،

والواحد منا سميع بصير.

فلو لم يكن الله سميعاً ، لكان الواحد منّا أكمل من الله ، وهذا محال.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(٢) .

يلاحظ عليه :

ليس كلّ ما كان كمالاً في حقّنا يكون كمالاً في حقّه تعالى.

مثال ذلك : إنّ الماشي منّا أكمل ممّن لا يمشي.

فهل يمكننا القول بأنّه تعالى لو لم يكن ماشياً لكان أحدنا أكمل منه.

وقد يُقال : إنّ المشي صفة كمال في الأجسام ، والله تعالى ليس بجسم.

ولكن السمع والبصر غير مختصّان بالأجسام ، ولهذا يصح نسبتهما إليه تعالى.

والجواب : لا يوجد دليل عقلي على أنّ السمع والبصر غير مختصّان بالأجسام ، والواقع يكشف أنّهما ملازمان للجسمانية ، ومفتقران إلى الحواس والجوارح(٣) .

أضف إلى ذلك :

لو جاز عقلاً وصفه تعالى بالسميع والبصير ، لجاز عقلاً وصفه تعالى باللمس والذوق والشم ؛ لأنّ من يتصّف منّا بهذه الصفات أفضل ممن لا يتّصف بها ، ولكنّنا نجد أنّ الشارع لم يجوّز لنا وصفه تعالى بهذه الصفات.

____________________

١- انظر : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩١ ، إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة الخامسة ، ص ٢١٥.

٢- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

٣- انظر : تلخيص المحصل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩٢.

٢١٦

تنبيه مهم :

هذه الردود الواردة على أدلة إثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، لا تعني إنكار كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، بل تعني عدم وجود دليل عقلي لهذا الإثبات ، وأنّ السبيل الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو النقل ( الكتاب والسنة ) فحسب.

النتيجة :

إذا قلنا بأنّ الله سميع وبصير بمعنى أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات ، فالدليل العقلي الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو إثبات علمه تعالى.

وإذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مغايرة لحقيقة العلم ، فلا يبقى دليل عقلي محكم لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، ويكون الدليل النقلي والاعتماد على القرآن والسنة ، هو السبيل الوحيد لإثبات ذلك.

٢١٧

الفصل الحادي عشر :قدرة اللّه تعالى

معنى القدرة ( لغة واصطلاحاً )

أقسام القادر

خصائص قدرة الله تعالى

سعة قدرة الله تعالى

أدلة عموم قدرة الله تعالى

٢١٨

٢١٩

المبحث الأوّل :معنى القدرة ( لغةً واصطلاحاً )

معنى القدرة ( في اللغة ) :

القدرة تعني التمكّن من الفعل وتركه.

ورد في " مجمع البحرين " : قدرت على الشيء : قويت عليه وتمكّنت منه(١) .

ورد في " لسان العرب " : يقال : قدر على الشيء ، أي : ملكه ، فهو قادر(٢) .

ورد في " مصباح الكفعمي " : القادر هو الموجد للشيء اختياراً من غير عجز ولا فتور(٣) .

وقال الشيخ الصدوق : قَدِر ، أي : ملك ، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له(٤) .

تنبيه :

" القدير " هو الذي لا تتناهى قدرته ، فهو أبلغ من " القادر " ، ولهذا لا يوصف بصفة القدير إلاّ الله تعالى.

و " المقتدر " هو التام في القدرة الذي لا يمنعه شيء عن مراده(٥) .

____________________

١- مجمع البحرين ، الشيخ الطريحي : ٣ / ٤٦٦.

٢- لسان العرب ، ابن منظور : ١١ / ٥٧ مادة ( قدر ).

٣- مصباح الكفعمي ، الشيخ الكفعمي : ج ١ ، في الأسماء الحسنى وشرحها ، ص ٣٨٢.

٤- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ذيل ح ٩ ، ص ١٩٢.

٥- مصباح الكفعمي ، الشيخ الكفعمي : ج ١ ، في الأسماء الحسنى وشرحها ، ص ٣٨٣.

٢٢٠

معاني القدرة ( في الاصطلاح العقائدي ) :

المعنى الأوّل :

قال الشيخ الصدوق : " إنّ الله لم يزل قادراً ، إنّما نريد بذلك نفي العجز عنه ، ولا نريد إثبات شيء معه ؛ لأنّه عزّ وجلّ لم يزل واحداً لا شيء معه "(١) .

وهذا المعنى مقتبس من قول الإمام محمّد بن علي الجوادعليه‌السلام حيث قال لأحد أصحابه :

( فقولك : إنّ الله قدير خبّرت أنّه لا يعجزه شيء ، فنفيت بالكلمة العجز ، وجعلت العجز سواه )(٢) .

المعنى الثاني :(٣)

القدرة هي " الفعل " عند " المشيئة " ، و " ترك الفعل " عند " عدم المشيئة " والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.

بعبارة أخرى : إذا شاء أن يفعل فعل ، وإذا شاء أن يترك ترك.

المعنى الثالث :(٤)

القدرة تعني صحّة الفعل والترك(٥) .

والقادر هو الذي يصح أن يفعل ويصح أن يترك ( أي : لا يفعل ).

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٩ ، ذيل حديث ١٢ ، ص ١٢٧.

٢- المصدر السابق : باب ٢٩ ، ح ٧ ، ص ١٨٨.

٣- انظر : الرسائل العشر ، الشيخ الطوسي : مسائل كلامية ، مسألة (٥ ) ، ص ٩٤.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الأوّل ، ص ٨٣.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الرابع ، ص ١٦١ ، وقد نسب العلاّمة الحلّي هذا المعنى للأوائل.

٤- انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، قدرته تعالى ، ص ٤٨.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : القول في الصفات الثبوتية ، ص ٢٦٩.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ، ص ٤٢.

عجالة المعرفة ، محمّد بن سعيد الراوندي : فصل في الصانع وصفاته ، ص ٣٠.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في صفات المحدث ، ص ٣٥.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الرابع ، ص ١٦٠.

٥- إذا كان الفعل ممكناً ولم يمنع منه مانع.

انظر : المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ، ص ٤٢.

٢٢١

بعبارة أخرى : القادر هو الذي يصح أن يصدر عنه الفعل ، ويصح أن لا يصدر عنه الفعل.

تنبيه :

إنّ الله تعالى قادر على الأشياء كلّها على ثلاثة أوجه :

أوّلاً : على المعدومات بأن يوجدها.

ثانياً : على الموجودات بأن يفنيها أو يتصرّف فيها بجمعها أو تفريقها أو تحويلها أو نحو ذلك.

ثالثاً : على مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه(١) .

أسماء الله التي تعود إلى صفة قدرة الله تعالى(٢)

١ - القوي

أي : ذو القوّة الكاملة ، فلا يعجزه أمر ممكن في إيجاد أو إعدام ، ولا يمسّه نَصَب ، ولا يلحقه ضعف.

قال تعالى :( إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [ هود : ٦٦ ]

٢ - المتين

أي : ذو المتانة الكاملة ، والمتانة أبلغ من مطلق القوّة ؛ لأنّها القوّة الزائدة.

فمعنى المتين : هو الذي له كمال القوّة التي لا تعارضها ولا تشاركها ولا تدانيها قوّة ، كما لا يعرض لها عجز ولا تعب ولا تناقض في التصرّف بكلّ أمر ممكن.

قال تعالى :( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [ الذاريات : ٥٨ ]

٣ - القادر

أي : ذو القدرة الكاملة ، وقد مرّ معنى القدرة قبل قليل.

قال تعالى :( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْکُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِکُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِکُمْ ) [ الأنعام : ٦٥ ]

____________________

١- انظر : مجمع البيان ، الشيخ الطبرسي : ج ١ ، تفسير آية ٢٠ من سورة البقرة ص ١٥٢.

٢- العقيدة الإسلامية ، عبدالرحمن حسن جنكة الميداني : ١٦١ - ١٦٣ ( بتصرّف ).

٢٢٢

٤ - المقتدر

أي : ذو القدرة الكاملة ، والمقتدر أبلغ من القادر.

قال تعالى :( وَ کَانَ اللَّهُ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ مُقْتَدِراً ) [ الكهف : ٤٥ ]

٥ - الواجد

أي : ذو الجدّة الكاملة ، والجدة هي الغنى مع امتلاك قدرة التصرّف وعدم الاحتياج إلى مساعد ومعين فمعنى الواجد : القادر على التصرّف بكلّ شيء وفق مراده ، ولم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم.

٦ - العزيز

أي : ذو العزّة الكاملة ، والعزّة هي القدرة على التغلّب.

قال تعالى :( إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [ هود : ٦٦ ]

٧ - المُ-قيت

أي : الحافظ للشيء والشاهد والمقتدر ، وبعبارة أخرى : المُقيت يعني المستولي القادر على كلّ شيء ، وهذا المعنى هو أحد معاني هذا الاسم.

قال تعالى :( وَ کَانَ اللَّهُ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ مُقِيتاً ) [ النساء : ٨٥ ]

٨ - مالك المُلك

أي : الذي تنفذ مشيئته في ملكه كيف يشاء ، لا مردّ لقضائه ، ولا يكون ذلك إلاّ من كمال القوّة والمتانة والقدرة والعزّة والغنى.

قال تعالى :( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِکَ الْمُلْکِ تُؤْتِي الْمُلْکَ مَنْ تَشَاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْکَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ ) [ آل عمران : ٢٦ ]

٩ - المِلك ( بكسر الميم )

أي : المتصرّف بالأمر والنهي التكويني في كلّ شيء ، فإذا قال لشيء : كُن ، وُجد ذلك الشيء حسب مشيئته تعالى ، وهذا يرجع إلى كمال القدرة على التصرّف

٢٢٣

بالممكنات.

قال تعالى :( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِکُ الْحَقُّ ) [ طه : ١١٤ ]

٢٢٤

المبحث الثاني :أقسام القادر

١ - القادر المختار

مثاله : الله سبحانه وتعالى ، الإنسان في أفعاله الاختيارية.

٢ - القادر الموجب ( المضطر )

مثاله : الشمس بالنسبة إلى الإشراق ، والنار بالنسبة إلى الإحراق.

الفرق بين " القادر المختار " و " القادر الموجب " :

١ - القادر المختار هو المتمكِّن من الفعل والترك ،

القادر الموجب هو المتمكِّن من الفعل فقط دون الترك(١) .

٢ - القادر المختار يصح منه أن لا يفعل ،

القادر الموجب يمتنع منه أن لا يفعل(٢) .

٣ - القادر المختار يصح منه أن يفعل الفعل ،

القادر الموجب يجب أن يصدر عنه الفعل(٣) .

٤ - القادر المختار هو الذي يفعل مع شعوره بفعله.

القادر الموجب هو الذي يصدر منه الفعل مع عدم شعوره به(٤) .

____________________

١- انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٢.

الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد ، مقداد السيوري : في صفات الله تعالى ، ص ٥٦.

٢- انظر : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الأوّل ، ص ٩٣.

٣- انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، ص ٤٩.

٤- انظر : المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في صفات المحدث ، ص ٣٥.

٢٢٥

٥ - القادر المختار هو الذي يعلم بأثره ،

القادر الموجب هو الذي لا يعلم بأثره(١) .

وبصورة عامّة :

القادر المختار هو الذي يؤدّي فعله بإرادته واختياره ،

القادر الموجب هو الذي يصدر منه الفعل من دون إرادته واختياره(٢) .

تنبيهان :

١ - اشتهر عن بعض الفلاسفة القول بأنّ الله تعالى " قادر موجب " لا " قادر مختار "(٣) .

ولهذا قال هؤلاء بقدم العالم(٤) ، وأثبتوا لله إرادة وقدرة لا بالمعنى الذي أثبته المتكلّمون ، بل شبّهوا الله تعالى بجهاز مبرمج يعمل من دون إرادة واختيار ، وفق ما يملي عليه علمه بالنظام الأحسن تعالى الله عن ذلك ، وسبحانه عمّا يصفه هؤلاء(٥) .

٢ - القادر المختار أشرف وأسمى من القادر الموجب ؛

لأنّ القادر الموجب لا فضل له في ألطافه وتفضّله على العباد ؛ لأنّه يفعل من دون

____________________

١- انظر : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الأوّل ، ص ٨٣.

٢- انظر : الأنوار الجلالية ، مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٧٥.

٣- انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، قدرته تعالى ، ص ٤٧.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني ، الصفات الثبوتية ، القدرة ، ص ١٥٩.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، إثبات القدرة للباري ، ص ١٨٢.

الأنوار الجلالية ، مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٧٥.

٤- لأنّ الموجب هو الذي لا يتخلّف أثره عنه بالضرورة ، وهو الذي لا ينفك عنه فعله ، والذين يقولون بأنّه تعالى قادر موجب ، يعتقدون بأنّ العالم بالنسبة إلى الله كالنور بالنسبة إلى الشمس ، وبما أنّه تعالى كان من الأزل ، فالعالم أيضاً كان معه من الأزل ؛ لأنّ العالم لا ينفك عن الله; وهو كالنور بالنسبة إلى الشمس ، فمادامت الشمس موجودة فالنور موجود معها.

انظر : الباب الحادي عشر ، العلاّمة الحلّي : الفصل الثاني ، ص ٣٢.

الاعتماد ، مقداد السيوري : في صفات الله تعالى ، ص ٥٧.

وإثبات حدوث العالم ( أي : وجود العالم بعد عدمه ) يثبت بأنّ الله تعالى قادر مختار لا قادر موجب.

انظر : الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، ص ٥٣ - ٥٤.

تجريد الاعتقاد ، نصيرالدين الطوسي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، ص ١٩١.

٥- لمعرفة أدلة تنزيه الله عن الاتّصاف بالقادر الموجب راجع :

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الرابع ، ص ١٦٠ - ١٦١.

٢٢٦

إرادته واختياره.

ولكن القادر المختار ، فإنّه متفضّل في تقديم الطافه ومواهبه ؛ لأنّه إن شاء منح هذه الألطاف والمواهب وإن شاء منعها.

أضف إلى ذلك :

القادر الموجب أشبه ما يكون بجهاز مبرمج ، يعمل وفق البرمجة الموجودة فيه ، وهكذا ذات لا تستحق العبادة والإطاعة ؛ لأنّها فاقدة للاختيار ، ولهذا من المستحيل أن نقول بأنّه تعالى - والعياذ بالله - قادر موجب ومضطر !

٢٢٧

المبحث الثالث :أدلة اثبات قدرة الله تعالى

الدليل الأوّل :

إنّ " الفعل " كما يكشف عن وجود " الفاعل " ، فإنّه يكشف أيضاً عن اتّصاف الفاعل بالقدرة التي مكّنته من أداء هذا الفعل.

ومن هذا المنطلق :

فإنّنا كما نكتشف من خلال النظر في هذا العالم بأنّ لهذا العالم خالقاً فإنّنا نكتشف أيضاً من خلال هذا النظر بأنّ خالق هذا العالم متّصف بالقدرة ؛ لأنّ "الفعل لا يصح أن يصدر إلاّ من قادر "(١) (٢)

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( العجب كلّ العجب للشاك في قدرة الله ، وهو يرى خلق الله )(٣) .

الدليل الثاني :

فقدان " القدرة " يثبت " العجز " ، و " العجز " نقص لا يليق بالذات الإلهية ، والله تعالى مستجمع لجميع الصفات الكمالية ، ومنزّه عن جميع النقائص والصفات الجلالية.

الدليل الثالث :

لو لم يكن الله قادراً ، لكان محتاجاً إلى غيره ، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

____________________

١- الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، ص ٥٣.

٢- انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٩ ، ذيل ح ١٧ ، ص ١٢٩.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل التوحيد ، مسألة في كونه تعالى قادراً ، ص ٧٣.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الأولى ، ص ٣٩٣.

٣- المحاسن ، أبو جعفر البرقي : ج ١ ، باب ٢٣ : باب جوامع من التوحيد ، ح [٨٣١] ٢٣٣.

٢٢٨

٢٢٩

المبحث الرابع :خصائص قدرة الله تعالى

١ - " القدرة " من صفات الله الذاتية الكمالية ،

والله تعالى قادر فيما لم يزل(١) .

ولا يصحّ - في جميع الأحوال - سلب القدرة من الله ، ونسبة " العجز " إليه تعالى ؛ لأنّ هذا السلب يوجب احتياجه تعالى في الخلق إلى شيء غير ذاته ، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وقع القدرة على المقدور )(٢) .

سُئل الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة ؟ فقالعليه‌السلام : ( لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة ؛

لأنّك إذا قلت : خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئاً غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء ، وهذا شرك.

وإذا قلت : خلق الأشياء بغير قدرة ، فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة ، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره ، بل هو سبحانه قادر لذاته لا بالقدرة )(٣) .

٢ - قدرة الله غير مقيّدة بالقوانين والأسباب الطبيعية ، بل الله تعالى قادر على فعل الأشياء من دون توسّط هذه القوانين والأسباب ، كما أنّه تعالى قادر على إلغاء هذه

____________________

١- انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : وجوب كونه تعالى قادراً فيما لم يزل ، ص٦٣. تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل التوحيد ، مسألة في كونه تعالى قادراً فيما لم يزل ، ص ٨١.

٢- الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب صفات الذات ، ح ١ ، ص ١٠٧.

٣- عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، الشيخ الصدوق : ج ١ ، باب ١١ ، ح ٧ ، ص ١٠٨.

٢٣٠

القوانين والأسباب والعمل بمشيئته وفق قوله تعالى : ( إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : ٤٠ ](١)

إذن :

لا تنحصر قدرة الله في المجالات العادية ، بل لله تعالى أن يجري الأمور من طرق أخرى كالإعجاز.

٣ - امتلاك " القدرة " على فعل شيء لا يعني لزوم فعل ذلك الشيء ؛ لأنّ " القدرة " لا تؤثّر لوحدها ، وإنّما يكون منها التأثير عند مقارنتها مع الإرادة.

فنستنتج بأنّ قدرة الله على جميع الممكنات لا يلزم وجود جميع هذه الكائنات ، وإنّما تحقّق أيّ كائن يكون بعد إرادة الله تعالى له.

وبعبارة أخرى : إنّ الله تعالى قادر على كلّ الممكنات ، ولكنّه غير مؤثّر في كلّها ، وإنّما يؤثّر على بعضها وفق ما يريد(٢) .

٤ - مفهوم " القدرة " أوسع من مفهوم " الإرادة ".

مثال ذلك :

" القدرة " تتعلّق بالفعل والترك ،

ولكن " الإرادة " لا تتعلّق إلاّ بواحدة من " الفعل " أو " الترك ".

توضيح ذلك :

قدرة الله تتعلّق بأن " يفعل " وأن " لا يفعل " ، ولهذا يكون نطاق قدرته تعالى واسع وشامل للفعل وترك الفعل.

ولكن إرادة الله لا تتعلّق إلاّ بواحد من " أن يفعل " أو أن " لا يفعل " ، والله تعالى إمّا أن يريد الفعل وإمّا أن لا يريده.

____________________

١- هذا بخلاف قدرة الإنسان التي مهما تعاظمت فإنّها تبقى في إطار الأسباب الطبيعية ، وغاية ما يستطيع الإنسان فعله عبارة عن تسخير القوانين الطبيعية ، وتنفيذ إرادته في دائرة لا تتجاوز حدود هذه القوانين.

٢- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، مسألة : الله تعالى قادر على كلّ المقدورات ، ص ٢٩٩.

٢٣١

ولا يمكن تعلّق الإرادة بالفعل والترك في آن واحد ؛ لأنّ تعلّق الإرادة بكليهما مستحيل ، ويلزم منه التناقض ،

ولهذا يكون نطاق تعلّق " القدرة " أوسع من نطاق تعلّق " الإرادة ".

٥ - لا يوجد في قبال قدرة الله قدرة مضاهية أو معارضة أو مانعة من نفوذها ؛ لأنّ كلّ ما سوى الله فهو " ممكن الوجود " وكلّ " ممكن الوجود " لا " استقلالية " له بذاته في الوجود ، بل هو مقهور له تعالى ، فلهذا ليس بإمكان هذا الممكن أن يزاحم القدرة الإلهية أو يمنعها من نفوذها.

٢٣٢

المبحث الخامس :سعة قدرة الله تعالى

قدرة الله تعالى قدرة مطلقة وشاملة وغير محدودة.

دليل ذلك :

قدرة الله - كما ثبت في المبحث السابق - هي عين ذات الله ، وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية ، فنستنتج بأنّ القدرة الإلهية أيضاً غير متناهية ، ولا تعرف حدّاً، ولا تقف عند نهاية.

ولهذا :

لا تكون قدرة الله مختصّة ببعض المقدورات دون بعض ، بل تكون هذه القدرة شاملة ومتعلّقة بكلّ ما هو ممكن ومقدور.

موارد تعلَّق القدرة الإلهية :

لا تتعلّق قدرة الله إلاّ بالأمور الممكنة والمقدورة.

ولا تتعلّق هذه القدرة أبداً بالأمور المستحيلة والممتنعة بالذات.

تنبيه :

عدم تعلّق قدرة الله بالأمر المستحيل والممتنع بالذات ليس من جهة عجز أو قصور في قدرته تعالى ، بل هو من جهة القصور في جانب الأمر المستحيل وعدم امتلاكه قابلية الإيجاد.

نماذج من الأمور المستحيلة عقلاً :

١ - أن يخلق الله تعالى مثله.

٢٣٣

٢ - أن يفني الله تعالى نفسه.

٣ - أن يوجد الله تعالى شيئاً لا يقدر على تحريكه أو إفنائه.

٤ - أن يجعل الله تعالى الشيء الكبير ( مثل العالم ) في الشيء الصغير (مثل البيضة) من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة.

فإذا سُئل : هل الله تعالى قادر على القيام بهذه الموارد ؟

فالجواب : القدرة إنّما تتعلّق بالموارد التي يمكن وقوعها ، وهذه الموارد يستحيل وقوعها ، فلهذا لا تتعلّق القدرة بها.

والسؤال عن تعلّق القدرة بالموارد المستحيلة سؤال خاطىء.

ولهذا ورد في الحديث الشريف :

سُئل الإمام عليعليه‌السلام : هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغّر الدنيا أو يكبّر البيضة ؟ !

قالعليه‌السلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون )(١) .

مثال توضيحي :

١ - إذا سألك شخص : هل تستطيع أن تجعل نتيجة ٢ + ٢ تساوي ٥ ؟

فسيكون جوابك : من المستحيل أن تكون نتيجة ٢ + ٢ تساوي ٥.

وعدم قدرتي على الحصول على هذه النتيجة ليس لعجزي وقصور قدرتي ، بل لأنّ هذا المورد محال ولا يمكن تحقّقه.

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٩ ، ح ٩ ، ص ١٢٦.

ورد في حديث آخر :

سُئل الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة ؟

قالعليه‌السلام : ( نعم ، وفي أصغر من البيضة ، قد جعلها في عينك ، وهي أقل من البيضة ؛ لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما ، ولو شاء لأعماك عنها ).

التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٩ ، ح ١١ ، ص ١٢٦.

ولا يخفى بأنّ إجابة الإمام الرضاعليه‌السلام في هذا المقام وبهذه الصورة كانت لأجل إزالة حالة شكّ السائل في قدرة الله تعالى ، فكلّم الإمام (عليه‌السلام ) السائل على قدر عقله ، ولم يبيّن له استحالة ما سأله لئلا يشوش ذهنه ، وأجابه بجواب يصرف ذهنه إلى عظمة قدرة الله تعالى.

٢٣٤

والاستفسار عن امتلاك القدرة أو عدم امتلاكها لا يصح إلاّ في الموارد التي يصح وقوعها.

٢ - إذا سألك شخص : هل تستطيع أن تكون في وقت ومكان واحد موجوداً ومعدوماً ؟

فسيكون جوابك :

إنّ هذا الأمر مستحيل ، ولا يمكن وقوعه أبداً ؛ لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين ، والعقل يحكم باستحالة اجتماع النقيضين.

ولا يقال لمن لا يفعل المستحيل أنّه عاجز ؛ لأنّ عدم وقوع المستحيل ليس لعدم استطاعته من القيام به ، بل لعدم امتلاك ذلك الشيء المستحيل قابلة الإيجاد والتحقّق.

الفرق بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي :

المستحيل الذي لا تتعلّق به قدرة الله هو المستحيل العقلي دون المستحيل العادي ، وأمّا المستحيل العادي فهو ممّا تتعلّق به القدرة الإلهية.

توضيح ذلك :

ينقسم المستحيل إلى قسمين :(١)

١ - المستحيل العقلي :

وهو الأمر الذي يحكم العقل بعدم إمكان وقوعه وتحقّقه أبداً.

من قبيل : ما يشتمل فرضه على التناقض ( ويسمّى المستحيل ذاتاً ).

ومثاله : أن يكون الشيء الواحد موجوداً ومعدوماً في وقت ومكان واحد.

ومن قبيل : ما يشتمل وجوده في الواقع الخارجي على التناقض ( ويسمّى المستحيل وقوعاً ).

____________________

١- انظر : معارف القرآن ، محمّد تقي المصباح : ٢٠٢ - ٢٠٣.

٢٣٥

ومثاله : وجود المعلول من دون علّته الخاصة في الواقع الخارجي.

٢ - المستحيل العادي :

وهو أنّنا اعتدنا على تحقّق كلّ شيء في الواقع الخارجي من خلال علّة أو علل معيّنة ، فإذا سُئلنا : هل يمكن تحقّق هذا الشيء من دون وجود علّته المتعارفة ؟ فإنّنا سنقول : هذا الأمر مستحيل.

ولكن قد يكون لتحقّق هذا الشيء علّة أخرى نجهلها ، فإذا أدّت العلّة إلى وقوع ذلك الشيء فإنّنا نتصوّر وقوع المستحيل.

تنبيه :

تسمية هذا القسم الثاني " بالمستحيل " من باب التسامح ، وهذا المستحيل ليس من قبيل المستحيل الذي يحكم العقل باستحالة وقوعه ، وإنّما هو المستحيل الذي يحكم العرف والعادة بعدم تحقّقه.

مثال المستحيل العادي :(١)

لو سُئل أحد الأشخاص قبل اختراع الهاتف : هل تستطيع أن تتكلّم فيسمع صوتك من يبعد عنك آلاف الكيلومترات.

فإنّه سيجيب : هذا مستحيل.

وهذا المستحيل هو من قبيل المستحيل العادي ، وليس من قبيل المستحيل العقلي.

ويحكم الإنسان باستحالة الشيء عادةً لعدم علمه بالأسباب ، فإذا عرف الأسباب ، وأصبح عنده إلمام بجهاز الهاتف ، فإنّه سيدرك عدم استحالة ما حكم عليه بالاستحالة.

جميع المعاجز هي من قبيل اختراق المستحيل العادي ، وهي ظواهر لا توجد عن طريق العلل العادية ، وإنّما توجد عن طريق العلل غير العادية خارجة عن نطاق علمنا.

____________________

١- انظر : المصدر السابق.

٢٣٦

المبحث السادس :أدلة عموم قدرة الله تعالى

١ - قدرة الله عين ذات الله.

وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية ، نستنتج بأنّ قدرة الله أيضاً غير متناهية ، ولا تعرف حدّاً ، ولا تقف عند نهاية ، ( وقد ذكرنا هذا المعنى ، وبيّنا موارد تعلّق القدرة الإلهية في المبحث السابق ).

٢ - نسبة ذات الله إلى جميع المقدورات متساوية.

فلهذا تتعلّق قدرة الله بجميع المقدورات من غير استثناء.

ومن هذا المنطلق :

يكون اختصاص قدرة الله بمقدور دون آخر ترجيح بلا مرجّح ، وهو باطل(١) .

فتثبت قدرة الله على كلّ مقدور(٢) .

٣ - تجلّي القدرة الإلهية في إيجاد كائنات السماوات والأرض من اللاشيء تنبىء عن عظمة قدرته تعالى ، وتبيّن بأنّ كلّ ما نفترضه من أمور مقدورة وممكنة هي أهون عنده تعالى.

____________________

١- بعبارة أخرى : المقتضي لكون الشيء مقدوراً هو اتّصافه بصفة " الإمكان " ، وهذه الصفة متساوية بين جميع الممكنات ، فلهذا تكون صفة " المقدورية " مشتركة بين جميع " الممكنات ".

٢- انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٣.

الرسائل العشر ، الشيخ الطوسي : مسائل كلامية ، مسألة (٨) ، ص ٩٤.

المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي : ج ١ ، القول في أنّه تبارك وتعالى يقدر ، ص ٨٢.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، مسألة : الله تعالى قادر على كلّ المقدورات ، ص ٢٩٩.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ، ص ٥٣.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الثامن ، ص ٩٦ - ٩٧.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الرابع ، ص ١٦٣.

٢٣٧

قال تعالى :( أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) [يس : ٨١ ]

آيات قرآنية حول عمومية قدرة الله تعالى :

١ -( إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ ) [ البقرة : ٢٠ ]

٢ –( وَ کَانَ اللَّهُ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ مُقْتَدِراً ) [ الكهف: ٤٥ ]

٣ -( تَبَارَکَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْکُ وَ هُوَ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ ) [ الملك : ١ ]

٤ -( له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير ) [ التغابن : ١٠ ]

٥ -( وَ مَا کَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ‌ءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَ لاَ فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ کَانَ عَلِيماً قَدِيراً ) [ فاطر : ٤٤ ]

أحاديث لأهل البيتعليهم‌السلام حول عمومية قدرة الله تعالى :

١ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( الأشياء كلّها له سواء علماً وقدرة ...)(١) .

٢ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : ( إنّ الله تعالى القادر الذي لا يعجز)(٢) .

مناقشة أهم الإشكالات الواردة حول عموم قدرة الله تعالى الإشكال الأوّل :(٣)

إنّ الله غير قادر على فعل القبيح.

____________________

١- الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب الحركة والانتقال ، ح ٤ ، ص ١٢٦.

٢- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢ ، ح ٣٢ ، ص ٧٤.

٣- أشير إلى هذا الإشكال والردّ عليه في :

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، ص ١٠٠.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الثاني ، البحث الثالث ، ص ٨٩.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في العدل ، ص ١٥٤.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، ص ٣٩٦.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الرابع ، ص ١٦٢ - ١٦٣.

٢٣٨

دليل ذلك :

لو كان الله قادراً على فعل القبيح لصحّ منه فعله ، وصحّة فعل القبيح منه تعالى دليل على اتّصافه بالجهل والاحتياج ، ولكنّه تعالى منزّه عن هذه الأوصاف ، فيثبت عدم قدرته على فعل القبيح.

يرد عليه :

الاتّصاف بالجهل والاحتياج يكون مع " فعل القبيح " لا مع " امتلاك القدرة على فعله " ، وعدم فعله تعالى للقبيح ليس لعدم قدرته على فعله ، بل لأنّه تعالى حكيم، فلا يريد فعل القبيح.

أدلة قدرته تعالى على فعل القبيح :

١ - إن الله تعالى قادر على كلّ مقدور ، والقبيح مقدور ، فيثبت أنّه تعالى قادر على فعل القبيح(١) .

٢ - إنّ " الفعل الحسن " من جنس " الفعل القبيح " ، والقادر على أحد الجنسين يكون قادراً على الآخر(٢) .

٣ - لو لم يكن الله قادراً على فعل القبيح ، لم يستحق المدح إزاء عدم فعله للقبيح ؛ لأنّ " المدح " يكون لمن يقدر على فعل القبيح ثمّ لم يفعله(٣) .

____________________

١- انظر : المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الثاني ، البحث الثالث ، ص ٨٨.

٢- انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل ، ص ٨٣ - ٨٤.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل، مسألة في كونه تعالى قادراً على القبيح ، ص ٩٩ الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الثاني ، الفصل الأوّل ، ص ٨٨.

٣- الياقوت في علم الكلام ، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت : نكت في التوحيد ، ص ٥٧.

٢٣٩

الإشكال الثاني(١) :

إنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد.

أي : إنّ الله تعالى لا يقدر على القيام بمثل الأفعال التي يقوم بها الإنسان.

دليل ذلك :

إنّ مقدور الإنسان ( أي : الفعل الذي يقدر الإنسان على إيجاده ) ينقسم إلى قسمين :

أوّلاً : ليس فيه غرض ، فيوصف هذا الفعل ب- " العبث ".

ثانياً : فيه غرض.

وهذا الغرض ينقسم إلى قسمين :

أوّلاً : موافق للأوامر الشرعية ، فيوصف الفعل ب- " الطاعة "

ثانياً : غير موافق للأوامر الشرعية ، فيوصف الفعل ب- " المعصية ".

إذن ، فعل الإنسان لا يخلو عن أحد هذه الأوصاف الثلاثة ، وهي العبث والطاعة والمعصية.

فلو قلنا بأنّ الله تعالى قادر على القيام بمثل فعل الإنسان فسيكون معنى ذلك ، أنّ أفعال الله أيضاً ستوصف بالعبث أو الطاعة أو المعصية ، وهذا باطل(٢) ، فيثبت عدم قدرة الله على مثل مقدور العبد.

يرد عليه :

إنّ لكلّ فعل بُعدين :

____________________

١- أُشير إلى هذا الإشكال والردّ عليه في :

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الثامن ، ص ٩٦ - ٩٧.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الأولى ، ص ٣٩٦ - ٣٩٧.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، مذهب الكعبي ، ص ١٩١.

٢- دليل ذلك :

أوّلاً : يستلزم وصف فعل الله بالعبث نفي الحكمة عنه ، والله تعالى منزّه عن ذلك.

ثانياً : يستلزم وصف فعل الله بالطاعة والمعصية أن يكون له تعالى آمر وناهي ، وهذا محال.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473