التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 209268
تحميل: 8913

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209268 / تحميل: 8913
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المبحث الثالث :صلة الادراك بالحياة

الرأي الأوّل :

إنّه تعالى مدرك لأنّه حي، وكلّ من كان حيّاً فهو مدرك(١) .

الرأي الثاني :

إدراك الله لا يستند إلى كونه حيّاً.

دليل ذلك :

١ - إنّ " الإدراك " من صفات الله الفعلية.

لكن " الحياة " من صفات الله الذاتية.

ولا يصح أن تكون " صفة لفعل " بعينها " صفة الذات "(٢) .

قال الشريف المرتضى : " لا يجوز أن [ ترجع صفة الإدراك ] إلى كونه حيّاً ؛ لأنّ كونه حيّاً قد كان حاصلاً ، فلم يجد نفسه على هذا الأمر [ أي : الإدراك ] "(٣) .

قال الشيخ الطوسي : [ الإدراك ] لا يستند إلى كونه حياً ؛ لأنّه كان حيّاً قبل ذلك ولم يجد نفسه كذلك [ أي : لم يكن مدركاً للمعدومات ؛ لأنّ الإدراك لا يتعلّق

____________________

١- انظر : الباب الحادي عشر ، العلاّمة الحلّي : الفصل الثاني : الصفة الخامسة ، ص٤١.

٢- انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي ، ص ٩٤.

المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات ، ص ٥٦.

٣- شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى مدركاً ، ص ٥٣.

٢٠١

بالمعدومات ، وإنّما يتعلّق بالموجودات ] "(١) .

٢ - يتطلّب " الإدراك " مُدركات مختلفة ، كالسمع والبصر وغيرهما ،

ولا تتطلّب " الحياة " إلى شيء من ذلك.

فيثبت أنّ الإدراك مغاير للحياة ، ووصفه تعالى بكونه مدركاً أمر زائد على كونه حيّاً(٢) .

____________________

١- الاقتصاد ، الشيخ الطوسي ، القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، الإدراك ، ص ٥٦.

٢- انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي ، ص ٩٥.

٢٠٢

المبحث الرابع :خصائص صفة الادراك عند الله تعالى

١ - " الإدراك " من صفات الله الفعلية ؛ لأنّ الإدراك لا يكون إلاّ بعد وجود " المُدرَك " في الواقع الخارجي ، فلهذا لا يتّصف الله بهذه الصفة إلاّ بعد خلقه تعالى للأشياء ، والخالقية - كما لا يخفى - من صفات الله الفعلية(١) .

٢ - يدرك الله الأشياء بذاته ومن دون الاستعانة بشيء ، وهو تعالى بخلاف الإنسان الذي يدرك الأشياء عن طريق حواسه ؛ لأنّه تعالى منزّه عن الاحتياج ، وهو لا يفتقر أبداً إلى الآله في الإدراك(٢) .

٣ - لا يصح وصفه تعالى بأنّه :

" ذائق " لإدراكه الطعوم.

" شام " لإدراكه الروائح.

" لامس " لإدراكه الحرارة والبرودة ؛

لأنّ " الذوق " و " الشمّ " و " اللمس " ليست إدراكات ، وإنّما هي طرق للإدراك.

والمطلوب بالنسبة إلى الله إثبات حقيقة الإدراك دون طرقها(٣) .

____________________

١- انظر : غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الرابع ، ص ٤٠.

٢- انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٥.

المنقذ من التقليد ، ابن زهرة الحلبي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات ، ص ٥٨.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الخامسة ، ص ٤٠٣.

٣- انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي ، ص ٩٠.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات ، ص ٦٠.

٢٠٣

٤ - لا يصح وصفه تعالى بصفة الملتذ والمتألّم على الرّغم من إدراكه للذّة والألم ؛ لأنّ اللذّة والألم من خصائص الأشياء المادية ، والله تعالى منزّه عنها(١) .

____________________

١- انظر : المصدر السابق، الملخص، ص ١٠٠.

الذخيرة الشريف المرتضى : باب الكلام في الآلام ، ص ٢١٢.

٢٠٤

الفصل العاشر :سمع اللّه تعالى وبصره

حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير

الصلة بين " السمع والبصر " وبين " العلم "

الأدلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

٢٠٥

٢٠٦

المبحث الأوّل :حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير

قال تعالى : ( إنّه هو السميع البصير ) [ البقرة : ٢٤٤ ] [ المجادلة : ١ ]

وقال تعالى لموسى وهارونعليهما‌السلام : ( إنّي معكما أسمع وأرى ) [ طه : ٤٦ ]

سبب تسميته تعالى بالسميع والبصير :

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( إنّما يُسمّى تبارك وتعالى بهذه الأسماء ؛ لأنّه لا تخفى عليه خافية ، ولا شيء مما أدركته الأسماع والأبصار )(١) .

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( وسمّى ربّنا سميعاً أخبر أنّه لا يخفى عليه الأصوات الله بصير لا يجهل شخصاً منظوراً إليه )(٢) .

النتيجة :

إنّ الله تعالى سميع ، أي : لا يخفى عليه شيء من المسموعات.

إنّ الله تعالى بصير ، أي : لا يغيب عنه شيء من المبصرات.

الله سميع وبصير بذاته :

المخلوقات تسمع وتبصر عن طريق الحواس وآلتي السمع والبصر ، ولكنّ الله تعالى لا يسمع ولا يبصر عن طريق الحواس ، وإنّما يسمع ويبصر بذاته ؛ لأنّه تعالى منزّه عن الحواس ، ومنزّه عن الاحتياج إلى آلة أو أداة في هذا المجال.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

____________________

١- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٣ ، كتاب التوحيد ، باب ٥ ، ص ١٩٤.

٢- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ح ٢ ، ص ٣٨٣.

٢٠٧

( هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ،

بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه.

ليس قولي : إنّه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً ، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً )(١) .

السميع والبصير من صفات الله الذاتية :

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( لم يزل الله تعالى سميعاً بصيراً )(٢) .

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام حول الله تعالى : ( إنّه واحد ، صمد ، أحدي المعنى ، ليس بمعاني كثيرة مختلفة).

فسأله الراوي : جعلت فداك ! يزعم قوم من أهل العراق ، أنّه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع.

[ أي : إنّ السمع صفة زائدة على ذاته تعالى ،

وإنّ البصر صفة زائدة على ذاته تعالى.

وما يحتاج الله إليه في خارج ذاته عند السمع مغاير لما يحتاجه في خارج ذاته عند البصر ].

فقالعليه‌السلام : ( كذبوا وألحدوا وشبّهوا ، تعالى الله عن ذلك ، إنّه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع ).

[ أي : إنّ صفة السمع والبصر من صفات الله الذاتية ، والله تعالى يسمع بذاته ، ويبصر بذاته.

وذاته هي التي يسمع بها وهي التي يبصر بها.

وهذا معنى قولهعليه‌السلام : يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع ](٣) .

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٣٦، ح ١ ، ص ٢٣٩.

٢- الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١، كتاب التوحيد، باب أدنى المعرفة ، ح ٢ ، ص ٨٦.

٣- المصدر السابق : باب آخر من الباب الأوّل ، ح ١ ، ص ١٠٨.

٢٠٨

الفرق بين " السميع " و " السامع" وبين " البصير " و " المبصر " :

" السميع " و " البصير " من صفات الله الذاتية ،

ويصح القول بأنّه تعالى لم يزل سميعاً وبصيراً ؛ لأنّ معنى ذلك أنّه تعالى متمكّن من السمع والبصر فيما لو وُجدت المسموعات والمبصرات.

أمّا " السامع " و " المبصر " فهما من صفات الله الفعلية.

ولا يصح القول بأنّه تعالى لم يزل سامعاً ومبصراً ؛ لأنّه تعالى لا يوصف بالسامع والمبصر إلاّ بعد وجود المسموعات والمبصرات(١) .

____________________

١- انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ص ١٩٢.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً ، ص ٥٦.

الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، السمع والبصر ، ص ٥٧.

٢٠٩

المبحث الثاني :الصلة بين " السمع والبصر " و بين " العلم "

الرأي الأوّل :

السمع والبصر معناهما العلم ،(١) وكشف الأشياء بالسمع والبصر نوع من العلم.

والله تعالى سميع ، أي : عالم بالمسموعات.

والله تعالى بصير ، أي : عالم بالمبصرات(٢) .

الرأي الثاني :

السمع والبصر لا يرجعان إلى العلم ،

والانكشاف بالسمع والبصر يغاير الانكشاف بالعلم.

والله تعالى سميع ، أي : أ نّه تعالى على صفة يدرك المسموعات إذا وجدت.

والله تعالى بصير ، أي : أنّه تعالى على صفة يدرك المبصرات إذا وجدت(٣) .

____________________

١- انظر : أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : قول ٢٠ ، ص ٥٤.

٢- انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٤.

المسلك في أصول الدين ، الرسالة الماتعية ، المحقّق الحلّي : الفصل الأوّل ، ص ٢٩٦.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩٠.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الثاني ، ص ٢٠٢.

٣- انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ص ١٩٢.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً ، ص ٥٥.

غنية النزوع ، ابن زهرة : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الثالث ، ص ٣١.

وأشار العلاّمة الحلّي إلى هذين الرأيين في كتابه كشف المراد : المقصد الثالث ، الفصل الثاني : المسألة الخامسة ، ص ٤٠٣.

٢١٠

توضيح الرأي الأوّل :

السمع والبصر معناهما العلم.

وحقيقة كونه تعالى سميعاً ، أي : أنّه عالم بالمسموعات ،

وحقيقة كونه تعالى بصيراً ، أي : أنّه عالم بالمبصرات.

دليل تفسير السمع والبصر بالعلم :

حقيقة السمع والبصر عند المخلوقات مشروطة بوجود الحواس والأدوات ، وبما أنّه تعالى منزّه عن ذلك ، فلهذا يلزم القول بأنّ صفة " السمع " و " البصر " له تعالى مجازية ، ويراد منهما العلم بالمسموعات والمبصرات(١) .

المقصود من " العلم " في علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات :

إنّ تفسير السمع والبصر بالعلم لا يعني مطلق العلم ، بل المقصود من العلم في هذا المقام هو علم خاص ، وهو عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات بعد وجودها.

وهذا النمط من العلم يختلف مفهوماً عن العلم العام ، الذي يشمل العلم بالمسموعات والمبصرات قبل وجودها.

تنبيه :

حقيقة علم الله بالأشياء ( من قبيل : المسموعات والمبصرات ) هو نفس حقيقة علمه تعالى بها قبل كونها ، وعلم الله واحد لا يتعدّد ولا يتغيّر ، وإنّما الاختلاف الموجود هنا في " المفهوم " فقط دون " المصداق ".

ولهذا قال الإمام عليعليه‌السلام حول علمه تعالى :

( أحاط بالأشياء علماً قبل كونها، فلم يزدد بكونها علماً ،

علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها )(٢) .

____________________

١- انظر : كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي الطرابلسي : ج ١ ، القول في سميع وبصير ، ص ٨٥.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩٠.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الثاني ، ص ٢٠٢.

٢- الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب جوامع التوحيد ، ح ١ ، ص ١٣٥.

٢١١

دور علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات في توصيفه بالسميع والبصير :

ليس " علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات " هو السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير ، ليُقال : لماذا لا يصح توصيفه تعالى بأنّه لامس وذائق وشام ؛ لأنّه عالم بالملموسات والمذوقات والمشمومات ؟

بل السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير هو ذكرهما في الكتاب والسنة ، وكما لا يخفى أنّ صفات الله وأسمائه توقيفية ، ولا يصح وصفه تعالى إلاّ بما وصف به نفسه.

والسبب في أنّنا لا نصف الله باللمس والذوق والشم - على الرغم من علمه واحاطته بها - هو عدم ذكر هذه الصفات في الكتاب والسنة(١) .

تنبيه :

قد يكون السبب في تأكيد الشارع على وصفه تعالى بالسمع والبصر هو ردع المكلّفين عن المعاصي ؛ لأنّ علم المكلّف بأنّ الله يراه ويسمعه يدفعه إلى المزيد من التحرّز عن ارتكاب الذنوب والمعاصي.

توضيح الرأي الثاني :

السمع والبصر للّه وصفان لهما خصائصهما الذاتية ، ولهما معناهما الخاص ، ولا تعود حقيقتهما إلى العلم ، وبل لهما حقيقة خاصّة بهما.

ومعنى قولنا الله سميع وبصير : أنّه على صفة يدرك المسموعات والمبصرات إذا وجدت(٢) .

وليس معنى قولنا : الله سميع وبصير : أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات.

دليل خطأ تفسير السمع والبصر بالعلم :

إنّا نجد فرقاً - معلوماً لنا بالضرورة - :

____________________

١- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

٢- انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً ، ص ٥٥.

٢١٢

بين إدراكنا حين فتح أعيننا ومشاهدة المرئي ، وبين إدراكنا حين تغميض أعيننا مع وجود العلم بالمرئي.

ومن هنا يثبت لنا بأنّ السمع والبصر لهما سماتهما الخاصة ، وأنّ صفتهما مغايرة لصفة العلم(١) .

____________________

١- انظر : إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي ، المقصد الخامس ، المسألة الخامسة ، ص ٢١١.

٢١٣

المبحث الثالث :الادلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

الدليل الأوّل :

إنّ الله تعالى عالم بجميع المعلومات التي من جملتها المسموعات والمبصرات ، فلهذا يصح اتّصافه تعالى بأنّه سميع بصير(١) .

يلاحظ عليه :

ينسجم هذا الدليل فقط مع الرأي الأوّل الذي يفسّر السمع والبصر ، بأنّهما عبارة عن العلم بالمسموعات والمبصرات ، ولا ينسجم مع الرأي الثاني القائل بوجود تغاير بين حقيقة السمع والبصر وبين حقيقة العلم.

الدليل الثاني :

كلّ حيّ يصح اتّصافه بالسمع والبصر ،

والله تعالى حي.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(٢) .

يلاحظ عليه :

أوّلاً : لا يصح القول بأنّ كلّ حي سميع وبصير ، لوجود كائنات حيّة فاقدة للسمع والبصر.

____________________

١- انظر : النكتب الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٤.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الصفات الثبوتية ، السمع والبصر ، ١٨٥ - ١٨٧.

٢- انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه سميعاً بصيراً ، ص ٥٥.

الملخص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الأوّل ، باب الكلام في الصفات ، فصل في الدلالة على أنّ الله تعالى مدرك للمدركات سميع بصير ، ص ٩٩.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل التوحيد ، مسألة في كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، ص ٨٤ الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، السمع والبصر ، ص ٥٧.

٢١٤

مثال ذلك:

أكثر الهوام والسمك لا سمع لها.

العقرب والخُلد(١) لا بصر لهما(٢) .

ثانياً : لو سلّمنا بأنّ حياة الإنسان توجب اتّصافه بالسمع والبصر.

فإنّ حياته تعالى مخالفة لحياتنا.

فلهذا لا يلزم الاشتراك بيننا وبين الله في كلّ ما يلازم حياتنا.

ومثال ذلك : إنّ حياتنا تستلزم الشهوة دون حياته تعالى(٣) .

الدليل الثالث :

لو لم يتّصف الله بالسمع والبصر ، لزم أن يتّصف بضدّهما.

وضدّهما نقص ، والنقص على الله محال ، فيثبت بالضرورة كونه تعالى سميعاً بصيراً.

يلاحظ عليه :

ليس كلّ من لا يتّصف بصفة يتّصف بضدّ تلك الصفة.

بل الاتّصاف بضدّ الصفة يكون لمن شأنه الاتّصاف بها ، ولكنّه لا يتّصف بها ، كالإنسان الذي من شأنه أن يكون سميعاً وبصيراً ، فإذا لم يتّصف بهما اتّصف بضدّهما ، أي : بالصمم والعمى.

ولم يثبت عقلاً أنّه تعالى من شأنه الاتّصاف بالسمع والبصر ، ولا سيما إذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مشروطة بوجود الحواس ، فيكون السمع والبصر من لوازم

____________________

١- الخُلد : الفارة العمياء المعجم الوسيط : مادة ( خلد ) ، ص ٢٤٩.

الخلد نوع من القواضم يعيش تحت الأرض وهو ليس له عينان ولا أذنان المنجد ، مادة ( خلد ) ، ص ١٩١.

٢- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

٣- انظر : إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة الخامسة ، ص ٢١٠.

٢١٥

الكائنات الجسمانية ، والله تعالى منزّه عن ذلك(١) .

الدليل الرابع :

إنّ السميع والبصير أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر ،

والواحد منا سميع بصير.

فلو لم يكن الله سميعاً ، لكان الواحد منّا أكمل من الله ، وهذا محال.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(٢) .

يلاحظ عليه :

ليس كلّ ما كان كمالاً في حقّنا يكون كمالاً في حقّه تعالى.

مثال ذلك : إنّ الماشي منّا أكمل ممّن لا يمشي.

فهل يمكننا القول بأنّه تعالى لو لم يكن ماشياً لكان أحدنا أكمل منه.

وقد يُقال : إنّ المشي صفة كمال في الأجسام ، والله تعالى ليس بجسم.

ولكن السمع والبصر غير مختصّان بالأجسام ، ولهذا يصح نسبتهما إليه تعالى.

والجواب : لا يوجد دليل عقلي على أنّ السمع والبصر غير مختصّان بالأجسام ، والواقع يكشف أنّهما ملازمان للجسمانية ، ومفتقران إلى الحواس والجوارح(٣) .

أضف إلى ذلك :

لو جاز عقلاً وصفه تعالى بالسميع والبصير ، لجاز عقلاً وصفه تعالى باللمس والذوق والشم ؛ لأنّ من يتصّف منّا بهذه الصفات أفضل ممن لا يتّصف بها ، ولكنّنا نجد أنّ الشارع لم يجوّز لنا وصفه تعالى بهذه الصفات.

____________________

١- انظر : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩١ ، إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة الخامسة ، ص ٢١٥.

٢- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

٣- انظر : تلخيص المحصل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، القول في الصفات الثبوتية ، مسألة : الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين ، ص ٢٨٨.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الخامس ، ص ٩٢.

٢١٦

تنبيه مهم :

هذه الردود الواردة على أدلة إثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، لا تعني إنكار كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، بل تعني عدم وجود دليل عقلي لهذا الإثبات ، وأنّ السبيل الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو النقل ( الكتاب والسنة ) فحسب.

النتيجة :

إذا قلنا بأنّ الله سميع وبصير بمعنى أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات ، فالدليل العقلي الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو إثبات علمه تعالى.

وإذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مغايرة لحقيقة العلم ، فلا يبقى دليل عقلي محكم لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً ، ويكون الدليل النقلي والاعتماد على القرآن والسنة ، هو السبيل الوحيد لإثبات ذلك.

٢١٧

الفصل الحادي عشر :قدرة اللّه تعالى

معنى القدرة ( لغة واصطلاحاً )

أقسام القادر

خصائص قدرة الله تعالى

سعة قدرة الله تعالى

أدلة عموم قدرة الله تعالى

٢١٨

٢١٩

المبحث الأوّل :معنى القدرة ( لغةً واصطلاحاً )

معنى القدرة ( في اللغة ) :

القدرة تعني التمكّن من الفعل وتركه.

ورد في " مجمع البحرين " : قدرت على الشيء : قويت عليه وتمكّنت منه(١) .

ورد في " لسان العرب " : يقال : قدر على الشيء ، أي : ملكه ، فهو قادر(٢) .

ورد في " مصباح الكفعمي " : القادر هو الموجد للشيء اختياراً من غير عجز ولا فتور(٣) .

وقال الشيخ الصدوق : قَدِر ، أي : ملك ، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له(٤) .

تنبيه :

" القدير " هو الذي لا تتناهى قدرته ، فهو أبلغ من " القادر " ، ولهذا لا يوصف بصفة القدير إلاّ الله تعالى.

و " المقتدر " هو التام في القدرة الذي لا يمنعه شيء عن مراده(٥) .

____________________

١- مجمع البحرين ، الشيخ الطريحي : ٣ / ٤٦٦.

٢- لسان العرب ، ابن منظور : ١١ / ٥٧ مادة ( قدر ).

٣- مصباح الكفعمي ، الشيخ الكفعمي : ج ١ ، في الأسماء الحسنى وشرحها ، ص ٣٨٢.

٤- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ذيل ح ٩ ، ص ١٩٢.

٥- مصباح الكفعمي ، الشيخ الكفعمي : ج ١ ، في الأسماء الحسنى وشرحها ، ص ٣٨٣.

٢٢٠