التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 209307
تحميل: 8913

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209307 / تحميل: 8913
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

البداء الثالث : تغيير مدّة ميقات النبي موسىعليه‌السلام

قال تعالى :( وَ وَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) [ الأعراف : ١٤٢ ]

خطوات تحقّق هذا البداء :

١ - قدّر الله أن يستدعي النبي موسىعليه‌السلام لميقاته مدّة ثلاثين ليلة.

٢ - أخبر النبي موسىعليه‌السلام قومه بأنّه سيغيب عنهم ثلاثين ليلة ، وقال لهم : " إنّ ربّي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه "(١) .

٣ - ذهب النبي موسىعليه‌السلام إلى ميقات ربّه وناجى الله ثلاثين ليلة.

٤ - غيّر الله تقديره الأوّل في خصوص مدّة بقاء النبي موسىعليه‌السلام في الميقات ، واستبدله بتقدير آخر ، وهو أن يزيد الميقات عشرة ليال أخرى.

٥ - قد يكون سبب هذا التغيير ما ظهر لله من أحوال قوم موسىعليه‌السلام ، فأراد أن يختبرهم ويرى ما هو موقفهم عند تأخير عودة النبي موسىعليه‌السلام من الميقات.

البداء الرابع : إبعاد الله الموت عن العروس

روي أنّ المسيح عيسى بن مريم مرّ بقوم مُجلَبين(٢) .

فقال : ما لهؤلاء ؟

قيل : يا روح الله، إنّ فلانة بنت فلان تُهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.

قال : يجلبون اليوم ويبكون غداً.

فقال قائل منهم : ولِمَ يارسول الله ؟

قال : لأنّ صاحبتهم ميّتة في ليلتها هذه

فلمّا أصبحوا جاؤوا ، فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء.

____________________

١ - الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ،ج ٧ ، تفسير آية ١٤٢ من سورة الأعراف ، ص ١٧٥.

٢ - مجلبين ، أي : في حالة صياح وصخب.

٣٠١

فقالوا : ياروح الله إنّ التي أخبرتنا أمس أنّها ميّته لم تمت !

فقال عيسىعليه‌السلام : يفعل الله ما يشاء ، فاذهبوا بنا إليها.

قالت : كان يعترينا سائل في كلّ ليلة جمعة ، فننيله ما يقوته إلى مثلها ، وأ نّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري ، وأهلي بمشاغيل ، فهتف فلم يجبه أحد ، ثمّ هتف فلم يجب حتّى هتف مراراً ، فلمّا سمعت مقالته قمت متنكّرة حتّى أ نَلْتهُ كما كنّا نُنيله.

فقال [ عيسىعليه‌السلام ] لها : تنحّي عن مجلسك ، فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جَذَعة عاض على ذنبه.

فقالعليه‌السلام : بما صنعتِ صرف الله عنكِ هذا "(١) .

البداء الخامس : إبعاد الله الموت عن اليهودي

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، قال :

( مرّ يهودي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : السّام عليك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليك !

فقال أصحابه : إنّما سلّم عليك بالموت ، قال : الموت عليك ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكذلك رددت.

ثمّ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله ، قال : فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً ، فاحتمله ثمّ لم يلبث أن انصرف ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ضعه.

فوضع الحطب ، فإذا أسود في جوف الحطب عاضّ على عود.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا يهودي ما عملت اليوم ؟

قال : ما عملت عملاً إلاّ حطبي هذا احتملته فجئت به ، وكان معي كعكتان ، فأكلت واحدة وتصدّقت بواحدة على مسكين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بها دفع الله عنه.

____________________

١- الأمالي ، الشيخ الصدوق : المجلس ٧٥ ، ح ٨١٦ / ١٣ ، ص ٥٨٩ - ٥٩٠.

٣٠٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان )(١) .

البداء السادس : التأجيل والتأخير في النصر الإلهي

ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

( كان في بني إسرائيل نبي وعده الله أن ينصره إلى خمس عشرة ليلة ، فأخبر بذلك قومه ،

فقالوا : والله إذا كان ليفعلن وليفعلن !

فأخّره الله إلى خمس عشرة سنة ،

وكان فيهم من وعده الله النصرة إلى خمس عشرة سنة ،

فأخبر بذلك النبي قومه.

فقالوا : ما شاء الله ،

فعجّله الله لهم في خمس عشرة ليلة )(٢) .

البداء السابع : تأجيل الله أجل المَلِك

قال الإمام علي بن موسىعليه‌السلام : لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

( إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبي من أنبيائه : أن أخبر فلان المَلِك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا ،

فأتاه ذلك النبي فأخبره ، فدعا الله المَلك وهو على سريره حتّى سقط من السرير ، فقال : ياربّ أجّلني حتّى يشبّ طفلي وأقضي أمري ،

فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبي : أن ائت فلان المَلِك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله ، وزدت في عمره خمس عشرة سنة.

فقال ذلك النبي : ياربّ إنّك لتعلم أنّي لم أكذب قطّ !

____________________

١ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج١ ، باب أنّ الصدقة تدفع البلاء ، ح٣ ، ص٥.

٢ - الإمامة والتبصرة ، الشيخ الصدوق : ح ٨٦ ، ص ٩٥.

بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج٤ ، كتاب التوحيد، باب ٣ ، ح ٣٢ ، ص ١١٢.

٣٠٣

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : إنّما أنت عبد مأمور ، فأبلغه ذلك ، والله لا يسأل عمّا يفعل(١) .

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٦٦ ، ح١ ، ص ٤٣٠ - ٤٣١.

٣٠٤

المبحث العاشر :أسباب أهمية البداء

١ - التأكيد على حرّية الله في أفعاله.

إنّ الله تعالى غير مقيّد بحدود معيّنة مقدّرة منه تعالى منذ الأزل ، بحيث يكون الله تعالى - والعياذ بالله - عاجزاً عن تخطّيها أو تجاوز حدّها ، بل الله تعالى قادر على تغيير ما قدّره مسبقاً بتقدير آخر ، ومجرّد تقديره لشيء لا يحدّد أفعاله ولا يمنعه من تغيير ذلك.

بعبارة أخرى :

إذا قدّر الله شيئاً فإنّه غير مقيّد بالعمل وفق ما قدّره مسبقاً ، بل له الحرّية والقدرة على تغيير هذا التقدير واستبداله بتقدير آخر.

٢ - التأكيد على هيمنة الله وسلطانه على أمور العالم كلّها ، وتصرّفه المباشر فيها حسب مشيئته وإرادته الحكيمة.

٣ - التأكيد على مسألة اختيار الإنسان ودوره في تغيير مصيره بأفعاله وأعماله.

وهذا ما يحثّ الإنسان على الجدّ والاجتهاد ، لرفع مستواه والوصول إلى ما هو الأفضل عن طريق تمسّكه بالأسباب المادّية المتاحة له والأسباب المعنوية ، كالدعاء والتوسّل والصدقات وأنواع البرّ والطاعات.

وهذا بعكس ما لو كانت عقيدة الانسان بأنّ التقدير كلّه بيد الله من دون أن يكون للإنسان أيّ أثر في ذلك ، وقد كُتب مصير كلّ إنسان ، وجفّ القلم ، والإنسان غير قادر على تغيير ما قُدّر له.

فهذه العقيدة تبعث الإنسان نحو الإحباط واليأس والقنوط ، وتشلّ قدرته

٣٠٥

وتسلب منه القوّة والعزم والإرادة على تغيير مصيره نحو الأفضل.

وبصورة عامّة :

الاعتقاد بالبداء يعني الاعتقاد بامتلاك القدرة على تغيير المصير المقدّر من قبل الله تعالى ، وهذا ما يحثّ الإنسان على العمل الدؤوب والجاد من أجل تغيير مصيره بيده نحو الأفضل.

٤ - التأكيد على أنّ إرادة الله حادثة وليست قديمة.

وتنقسم إرادة الله إلى قسمين :

أوّلاً : إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.

ثانياً : إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.

فالقسم الأوّل : إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.

تتجسّد هذه الإرادة عن طريق تحقّق الفعل المقصود في الواقع الخارجي.

قال تعالى :( إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ‌ ) [ يس : ٨٢ ]

والقسم الثاني : إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.

تتجسّد هذه الإرادة عن طريق الكتابة في الألواح ،

فتتجسّد إرادة الله الحتمية في لوح أم الكتاب ،

وتتجسّد إرادة الله غير الحتمية في لوح المحو والإثبات.

٣٠٦

المبحث الحادي عشر :البداء والردّ على مقولة اليهود

قال الشيخ الصدوق : " البداء هو ردّ على اليهود ؛ لأنّهم قالوا : إنّ الله قد فرغ من الأمر ، فقلنا : إنّ الله كلّ يوم في شأن ، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء "(١) .

عقيدة اليهود :

ذهب اليهود إلى أنّ الله قدّر أمور العالم منذ الأزل ، وفرغ من الأمر ، فلا تغيير ولا تبديل فيما قدّر الله ، فقد " جفّ القلم ".

ولازم هذا القول أن يكون الله عاجزاً عن تغيير ما جرى به قلم التقدير فيما سبق.

ردّ عقيدة اليهود :

جاءت عقيدة " البداء " ردّاً على ماذهب إليه اليهود لتؤكّد بأنّ الأمر بيد الله ، وأنّه تعالى لم يفرغ من الأمر ، بل يمكن إيقاع التغيير في كلّ قضاء وقدر إلهي غير حتمي.

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام حول قول الله عزّ وجلّ :( وَ قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) [ المائدة : ٦٤ ]

قالعليه‌السلام : ( قالوا قد فرغ من الأمر ، فلا يزيد ولا ينقص ،

فقال الله جلّ جلاله تكذيباً لقولهم :( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ کَيْفَ يَشَاءُ ) [ المائدة : ٦٤ ] ، ألم تسمع الله عزّ وجلّ يقول :( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ‌ ) [ الرعد: ٣٩ ] )(٢) .

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٤ ، ذيل ح ٩ ، ص ٣٢٧.

٢ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٥ ، ح ١ ، ص ١٦٣.

٣٠٧

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( قالت اليهود ( يد الله مغلولة ) يعنون : أنّ الله تعالى قد فرغ من الأمر ، فليس يحدث شيئاً ،

فقال الله عزّ وجلّ : ( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) )(١) .

( فكيف قال تعالى : ( يزيد في الخلق ما يشاء )

وقال عزّ وجلّ : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب )

وقد فرغ من الأمر ؟ ! )(٢) .

ولهذا قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام لأحد أصحابه :

( ادع ولا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه )(٣) .

____________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، الشيخ الصدوق : ج٢ ، باب ١٣ ، ح ١ ، ص ١٦١.

٢ - المصدر السابق : ص ١٦٧.

٣ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ٢ ، كتاب الدعاء ، باب فضل الدعاء والحثّ عليه ، ح ٣ ، ص ٤٦٦.

٣٠٨

المبحث الثاني عشر :البداء ومشكلة عدم تحقّق اخبار الانبياء بالمغيّبات

قد يشكل البعض على البداء ، ويقول بأنّه يستلزم تكذيب الأنبياء والرسل وعدم الوثوق بهم ؛ لأنّ هؤلاء قد يخبروا عن تحقّق حدث معيّن ، ثمّ لا يتحقّق ذلك نتيجة وقوع البداء الإلهي فيه.

الجواب :

تنقسم الأمور التي يريد الله تحقّقها في المستقبل إلى قسمين :

١ - أمور حتمية

وهي الأمور التي تعلّقت إرادة الله بها على أن تقع حتماً ، وهي من القضاء والقدر الإلهي الذي لم يجعل الله فيه قابلية المحو والإثبات والتبديل والتغيير.

٢ - أمور غير حتمية

وهي الأمور التي تعلّقت إرادة الله بها على أن يكون تحقّقها مشروطاً بتوفّر بعض المتطلّبات ، وانتفاء بعض الموانع ، ولهذا فهي أمور فيها قابلية المحو والإثبات والتبديل والتغيير.

نوعية إخبارات الأنبياء :

أغلب إخبارات الأنبياء والرسل تكون من الأمور الحتمية التي لا يكون فيها البداء ، ولهذا ورد في الحديث الشريف :

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام :

" من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة

٣٠٩

ومن الأمور أمور موقوفة عند الله ، يقدّم منها ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ، ويثبت منها ما يشاء ، لم يطلّع على ذلك أحداً ، يعني الموقوفة ، فأمّا ما جاءت به الرسل ، فهي كائنة لا يكذّب نفسه ولا نبيّه ولا ملائكته "(١) .

قالعليه‌السلام أيضاً :

( العلم علمان :

فعلم عند الله مخزون لم يطلّع عليه أحداً من خلقه

وعلم علّمه ملائكته ورسله

فأمّا ما علّمه ملائكته ورسله ، فإنّه سيكون ، ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدّم فيه ما يشاء ، ويؤخّر ما يشاء ، ويثبت ما يشاء(٢) )(٣) .

تنبيه :

ليس المقصود من قولهعليه‌السلام : " لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ورسله " إنكار وقوع البداء في إخبارات الأنبياء ؛ لأنّ القرآن الكريم - كما أشرنا فيما سبق - يدل على وقوع مثل هذا البداء كقصّة النبي يونسعليه‌السلام ، بل المقصود أنّه تعالى لا يفعل البداء الذي يؤدّي إلى تكذيب نفسه أو ملائكته أو رسله ، وسنبيّن كيفية ذلك لاحقاً.

حل مشكلة إخبار الأنبياء عن الأمر غير الحتمي ووقوع البداء فيه :

وقوع البداء في ما أخبر عنه الأنبياء لا يؤدّي إلى تكذيبهم أو عدم الوثوق بهم ؛ لأنّه تعالى جعل دائماً القرائن الواضحة الدالة على صدق إخبار الأنبياء ، ولهذا نجد أكثر حالات البداء المروية في الأحاديث مقرونة بما يفيد التصديق وصحة إخبار الأنبياء ، منها :

____________________

١ - التفسير ، العياشي : ج ٢ ، تفسير سورة الرعد ، ح ٦٥ ، ص ٢١٧.

٢ - تنبيه : ليس المقصود من العلم في هذا الحديث هو العلم الإلهي الذاتي ، بل : المقصود من العلم الأوّل : ما هو مدوّن في أمّ الكتاب ، وهو الذي لا يتعلّق به البداء ؛ لأنّه مما لا يقبل المحو والتبديل والتغيير.

والمقصود من العلم الثاني : ما هو مدوّن في لوح المحو والإثبات ، وهو الذي يتعلّق به البداء ؛ لأنّه يقبل المحو والتبديل والتغيير.

٣ - المحاسن ، البرقي : ج ١ ، باب ٢٤ : باب العلم ، ح [٨٣٣] ٢٣٥ ، ص ٣٧٨.

٣١٠

١ - رفع العذاب عن قوم يونسعليه‌السلام

قرينة صحة إخبار النبي يونسعليه‌السلام بوقوع العذاب : شاهد قومه آثار العذاب الإلهي ، ويكفي هذا في صحة خبر النبي يونسعليه‌السلام .

٢ - قصّة المسيحعليه‌السلام وإخباره بموت العروس

قرينة صحّة إخبارهعليه‌السلام : وجود الأفعى تحت ثياب العروس ، ثمّ قال لهاعليه‌السلام : " بما صنعت [ أي : نتيجة مساعدتك لذلك السائل ] صرف عنك هذا ".

٣ - قصّة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وإخباره بهلاك اليهودي

قرينة صحّة إخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اليهودي بوضع الحطب ، فإذا أفعى أسود في جوف الحطب عاض على عود ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " بها [ أي : بالصدقة التي أعطيتها للمسكين ] دفع الله عنه ".

النتيجة :

الأمور التي يخبر الأنبياءعليهم‌السلام بوقوعها ، ثمّ لا تقع نتيجة البداء الإلهي ، فإنّه تعالى يجعل فيها القرائن الدالة على صحّة إخبارهم ، والهدف من تبيين هذا البداء هو التأكيد على حريّة الله في أفعاله ، والتأكيد على دور الإنسان في تغيير مصيره بأفعاله ، كما بيّنا ذلك في المبحث العاشر من هذا الفصل.

٣١١

المبحث الثالث عشر :مستثينات البداء

تستلزم الحكمة الإلهية عدم وقوع البداء في موارد ، منها :

١ - الأمور التي يصرّح النبي عند إخباره عن تحقّقها أو عدم تحقّقها بأنّها من الأمور الحتمية ؛ لأنّ البداء يشمل الأمور غير الحتمية فقط ، وأمّا الأمور الحتمية فلا يشملها البداء أبداً ، ولهذا فإنّ وقوع البداء في ما يصرّح النبي بوقوعه حتماً يؤدّي إلى توصيف النبي بالكذب وخلف الوعد وغيرها من الأمور ، التي تؤدّي بالناس إلى عدم الوثوق بكلامه وإخباره.

٢ - الأمور التي يخبر النبي عن وقوعها على نحو الإعجاز ، من قبيل قول المسيحعليه‌السلام :( وَ أُنَبِّئُکُمْ بِمَا تَأْکُلُونَ وَ مَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِکُمْ إِنَّ فِي ذٰلِکَ لَآيَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‌ ) [ آل عمران : ٤٩ ] ، فإنّه يلزم أن يكون هذا الإخبار من الأمور الحتمية ، وإلاّ ينتفي الغرض فيما لو كان هذا الإخبار من الأمور غير الحتمية التي يقع فيها البداء بعد ذلك.

٣ - الأمور الأساسية المرتبطة بصميم الدين ، من قبيل الأمور المتعلّقة بالنبوّة والإمامة ؛ لأنّ وقوع البداء في هذه الأمور يؤدّي إلى إضلال العباد وإخلال نظام التشريع.

ولهذا ورد في الحديث الشريف عن أئمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( مهما بدا لله في شيء فإنّه لا يبدو له في نقل نبي عن نبوّته ، ولا إمام عن إمامته )(١) .

____________________

١ - المسائل العكبرية ، الشيخ المفيد : المسألة ٣٧ ، ص ١٠٠.

٣١٢

تنبيه :

ولهذا أخطأ من ظنّ بأنّ البداء الذي حصل لإسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ،(١) كان حول مسألة الإمامة(٢) ، بل كان هذا البداء حول مسألة أخرى بيّنها الإمام الصادقعليه‌السلام بقوله :

( كان القتل قد كتب على إسماعيل مرّتين، فسألت الله في دفعه عنه فدفعه )(٣) .

أي : كان في تقدير الله أن يُقتل إسماعيل مرّتين ، ولكن بسبب دعاء أبيه الإمام الصادقعليه‌السلام غيّر الله تعالى هذا التقدير(٤) .

____________________

١ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني ).

التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٤ ، ح ١٠ ، ص ٣٢٧.

٢ - أي : ليس المقصود أنّ الله اختار إسماعيل للإمامة ثمّ أعرض عنه واختار موسى بن جعفر لذلك.

انظر : المسائل العكبرية ، الشيخ المفيد : المسألة ٣٧ ، ص ١٠٠.

٣ - تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : فصل في معنى البداء ، ص ٦٦.

٤ - ذكر بعض العلماء تفاسير مختلفة حول هذا البداء، منها :

المقصود من هذا البداء هو : ما ظهر من الله عزّ وجلّ على خلاف ما يتوقّعه الناس كما ظهر منه في إسماعيل بن جعفر الصادق حيث كان الكثير يظن بأنّه الإمام بعد أبيه ، فلمّا قبض الله إسماعيل وتوفّاه ظهر للناس خلاف ما كانوا يتوقّعوه.

للمزيد راجع :

التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٤ ، ذيل ج ١٠ ، ص ٣٢٧.

الاعتقادات ، الشيخ الصدوق : باب ١٠ ، ص ٤١.

وقد ناقشنا ضعف نسبة هذا المعنى للبداء في المبحث الخامس من هذا الفصل.

٣١٣

المبحث الرابع عشر :المشابهة والفرق بين البداء والنسخ

تعريف النسخ :

النسخ عبارة عن زوال حكم شرعي واستبداله بحكم شرعي آخر.

قال تعالى :( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) [ البقرة : ١٠٦ ]

أمثلة للنسخ :

١ - تعلّقت إرادة الله بأن يحلّ الطيّبات لبني إسرائيل ، ثمّ تغيّرت إرادة الله في هذا المجال ، فحرّم الطيّبات عليهم ، وتبيّن الآية التالية أسباب هذا التغيير :

قال تعالى :( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ کَثِيراً * وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَکْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ) [ النساء : ١٦٠ - ١٦١ ]

٢ - كتب الله على المسلمين الاتّجاه نحو بيت المقدس حين الصلاة ، ثمّ نسخ الله هذا الحكم ، وأبدله بالاتّجاه نحو الكعبة.

٣ - قال تعالى :( إِنْ يَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَکُنْ مِنْکُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ کَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ‌ ) [ الأنفال : ٦٥ ]

ثمّ نسخ الله هذا الحكم بقوله تعالى :( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْکُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيکُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَکُنْ مِنْکُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَکُنْ مِنْکُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [ الأنفال : ٦٦ ]

٣١٤

بيان أهم موارد الشبه والفرق بين البداء والنسخ

المورد الأوّل :

في البداء : تتعلّق إرادة الله التكوينية أن يفعل " الله " كذا ، ثمّ تتغيّر هذه الإرادة ، وتأتي مكانها إرادة أخرى(١) .

في النسخ : تتعلّق إرادة الله التشريعية أن يفعل " العبد " كذا ، ثمّ تتغيّر هذه الإرادة ، وتأتي مكانها إرادة أخرى.

المورد الثاني :

في البداء : يكون تغيير الإرادة والقدر والقضاء الإلهي في التكوينات.

في النسخ : يكون تغيير الإرادة والقدر والقضاء الإلهي في التشريعات.

المورد الثالث :

يكون البداء في قضايا تكوينية قدّر الله لها أن تتحقّق ، ثمّ يمحو الله ما قدّره ويستبدله بقدر آخر ،

يكون النسخ في قضايات شرعية تحقّقت ( أي : أحكام تمّ تشريعها ) ، ثمّ يزيلها الله تعالى ويستبدلها بحكم آخر.

أقوال العلماء حول المشابهة بين البداء والنسخ :

قال الشيخ الصدوق :

" يجب علينا أن نقرّ لله عزّ وجلّ بأنّ له البداء ، ومعناه لا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلاّ وهو يعلم أنّ الصلاح لهم في ذلك الوقت أن يأمرهم بذلك ، ويعلم أنّ في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به ، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم.

____________________

١- لا يخفى بأنّ إرادة الله حادثة ، والمقصود من إرادته فعله ، والمراد من استبدال الله إرادة مكان إرادة أخرى ، أي : استبدال فعل مكان فعل آخر.

٣١٥

فمن أقرّ لله عزّ وجلّ بأنّ له أن يفعل ما يشاء ، ويَعْدم ما يشاء ، ويخلق مكانه ما يشاء ، ويقدّم مايشاء ، ويؤخّر ما يشاء ، ويأمر بما يشاء كيف يشاء فقد أقرّ بالبداء "(١) .

قال الشيخ المفيد :

" أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله ، من الافتقار بعد الإغناء ، والإمراض بعد الإعفاء ، والإماته بعد الإحياء ، وما يذهب إليه أهل العدل خاصّة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال "(٢) .

قال الشيخ الطوسي :

" إذا أضيفت هذه اللفظة [ أي : البداء ] إلى الله تعالى :

فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز

فأمّا ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه

[ وأمّا ما لا يجوز من ذلك فهو ] حصول العلم بعد أن لم يكن "(٣) .

تنبيه :

إنّ الله تعالى منزّه عن الجهل أو الندم عند نسخه لبعض الأحكام الشرعية واستبدالها بأحكام أخرى ، بل يعود سبب ذلك إلى لحاظ الله مصالح العباد في التشريع ، وقد تتغيّر مصالح العباد نتيجة حدوث بعض التغييرات في الواقع الخارجي ، فيؤدّي هذا الأمر إلى نسخ الله للحكم الشرعي واستبداله بحكم آخر أكثر انسجاماً مع المتطلّبات الجديدة.

حديث شريف :

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام :

( جاء قوم من اليهود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا محمّد ، هذه القبلة بيت المقدس قد صلّيت إليها أربعة عشر سنة ثمّ تركتها الآن ، أفحقّاً كان ما كنت عليه ؟ فقد تركته

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٤ ، ذيل ح ٩ ، ص ٣٢٧.

٢ - أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : القول ٥٨ : القول في البداء والمشيّة ، ص ٨٠.

٣ - عدّة الأصول ، الشيخ الطوسي : ج ٢، الباب السابع ، الفصل الأوّل ، ص ٤٩٥.

٣١٦

إلى باطل ، فإنّما يخالف الحق الباطل ، أو باطلاً كان ذلك ؟ فقد كنت عليه طوال هذه المدّة ، فما يؤمننا أن تكون الآن على الباطل ؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل ذلك كان حقّاً ، وهذا حقّ يقول الله :( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‌ ) [ البقرة : ١٤٢ ] إذا عرف صلاحكم - يا أيّها العباد - في استقبال المشرق أمركم به ،

وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ،

وإذا عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به ،

فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده، وقصده إلى مصالحكم )(١) .

____________________

١ - الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي : ج ١ ، فصل احتجاجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الاحتجاج رقم ٢٥ ، ص ٨٣.

ولمعرفة المزيد من الفرق بين البداء والنسخ راجع :

الذخيرة ، الشريف المرتضى : باب الكلام في النبوات ، فصل في الردّ على اليهود ، ص ٣٥٦.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب الكلام في النبوة ، جواز نسخ الشرائع السابقة ، ص ١٨٦.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل النبوّة ، في النسخ ، ص ١٦٣ - ١٦٥.

كنز الفوائد ، أبو الفتح الكراجكي : ج ١ ، مختصر من الكلام على اليهود في إنكارهم جواز النسخ ، ص ٢٢٥ - ٢٢٧.

٣١٧

الفصل الرابع عشر :كلام اللّه تعالى

خصائص مسألة كلام الله تعالى

معنى الكلام والمتكلّم وأقسام الكلام

اتّصاف الله بصفة المتكلّم

حقيقة كلام الله تعالى

قدم أو حدوث كلام الله تعالى

صدق كلام الله تعالى

٣١٨

٣١٩

المبحث الأوّل :خصائص مسألة كلام الله تعالى

١ - لا خلاف بين المسلمين في أنّ الله تعالى متكلّم ، وإنّما وقع الخلاف في حقيقة كلام الله وكونه قديماً أو حادثاً.

٢ - طرحت مسألة قدم القرآن الكريم أو حدوثه ( أي : قدم كلام الله أو حدوثه ) في أوائل القرن الثالث الهجري في أوساط المسلمين ، وأدّت هذه المسألة إلى إثارة فتن كبيرة دفعت المسلمين إلى نزاعات أريقت خلالها دماء كثيرة سجّلها التاريخ ، وعُرفت فيما بعد ب- " محنة القرآن "(١) .

____________________

١ - انظر : تاريخ الأمم والملوك ، الطبري : ج ٨ ، سنة ١٢٨ ، ص ٦٣١ - ٦٤٥.

٣٢٠