فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها5%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 301944 / تحميل: 7543
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

المسلم. ونحن حتى الآن أخوة، وعلى دين واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل. فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنّا أُمّة وأنتم أُمّة...(١) .

كما إنّ هذه النهضة لم تقف حاجزاً دون تدهور المجتمع الإسلامي دينياً وخلقياً، بشرب الخمور، وظهور الفجور، واستعمال الملاهي، وأكل الحرام، والجرأة على الدماء... إلى غير ذلك.

وعلى ذلك لا بدّ من كون المكاسب الشريفة التي حصل عليها الدين الحنيف بسبب هذه النهضة العظيمة أموراً لا تتنافى مع كلّ ذلك، بل هي من الأهمية بحيث تناسب حجم التضحية، وتهون معها هذه الأمور. وتأتي محاولتنا هذه للتعرّف على تلك المكاسب وتقييمها.

والناظر في تراث أهل البيت (صلوات الله عليهم) يجد منهم التركيز على رفعة مقام الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وعلى شدّة ظلامته، وفداحة المصاب به، وإبراز الجوانب العاطفية في الواقعة، وعلى عظم الجريمة في نفسها، وشدّة النكير على القائمين بها، وكلّ مَنْ له دخل فيها من قريب أو بعيد، وخبثهم وسوء منقلبهم ونحو ذلك، ممّا يرجع إلى الإنكار عليهم ومحاولة التنفير منهم.

كلّ ذلك مع التأكيد المكثّف على أهمية إحياء الفاجعة، وتحرّي المناسبات للتذكير بها بمختلف الأساليب، من دون تركيز على الجهة التي نحن بصددها.

غاية الأمر أنّه تقدّم عن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ما يدلّ على

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٢٣ - ٣٢٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٦٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، البداية والنهاية ٨/١٩٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن، وغيرها من المصادر.

١٤١

أنّ نتيجة نهضته وشهادته هي الفتح(١) ، كما تقدّم عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) ما يدلّ على أنّ بقاء الصلاة شاهد على انتصار الإمام الحسين (عليه الصلاة والسّلام)(٢) من دون أن يوضحا (عليهما السّلام) منشأ الفتح والشهادة المذكورين.

الزيارات المتضمّنة أنّ الهدف إيضاح معالم الدين

نعم، ورد في إحدى زيارات الإمام الحسين (صلوات الله عليه) المروية عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه) قوله عنه (عليه السّلام): «فأعذر في الدعاء، وبذل مهجته فيك؛ ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة، والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى»(٣) .

وفي زيارته (عليه السّلام) في يوم الأربعين عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أيضاً قال: «فأعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك؛ ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة...»(٤) .

وقريب منه ما ورد في زيارته (عليه السّلام) ليلة عيد الفطر، وفي عيد الأضحى(٥) .

وذلك صريح في أنّ الهدف من النهضة الشريفة هو التعريف بالدين على حقيقته، وإيضاح معالمه، ووضوح الحجّة عليه، ورفع الارتياب والحيرة فيه،

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/٤٥ - ٤٦.

٢ - تقدّمت مصادره في/٤٦.

٣ - كامل الزيارات/٤٠١، واللفظ له، تهذيب الأحكام ٦/٥٩، المزار للمفيد/١٠٨، وغيرها من المصادر.

٤ - مصباح المتهجد/٧٨٨، واللفظ له، تهذيب الأحكام ٦/١١٣، إقبال الأعمال ٣/١٠٢، وغيرها من المصادر.

٥ - مصباح الزائر/٣٣٢، المزار - لمحمد بن المشهدي/١٦٠، بحار الأنوار ٩٨/٣٥٤.

١٤٢

بغض النظر عن تطبيقه عملياً في الواقع الإسلامي أو عدمه.

وقد يناسب ذلك ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث له مع أُبيّ بن كعب، وأنّه قال له: «إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض؛ فإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله: مصباح الهدى، وسفينة النجاة...»(١) .

فإنّ الأئمّة (صلوات الله عليهم) وإن كانوا كلّهم هداة لدين الله تعالى وسفن نجاة الأُمّة، إلّا إنّ تخصيص الإمام الحسين (عليه السّلام) بذلك يناسب تميّزه في هداية الناس، ونجاتهم من هلكة التيه والحيرة والضلال.

كما ورد عن الإمام الحسين نفسه (صلوات الله عليه) أنّه ذكر في كلام له طويل دواعي خروجه وتعرّضه للقتل، وقال في آخره: «...( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) »(٢) .

وربما تشير إلى ذلك العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السّلام) فيما تقدّم من قولها في أواخر خطبتها - في التعقيب على الأبيات التي أنشدها يزيد متشفياً، وهو ينكت ثنايا الإمام الحسين (عليه السّلام) بمخصرته: فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك؛ فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أمدنا...(٣) .

وذلك يكشف عن أنّ دين الإسلام الخاتم للأديان قد تعرّض بسبب انحراف السلطة لخطر التحريف والتشويه، بحيث تضيع معالمه، ولا يتيسّر الوصول والتعرّف عليه لمَنْ يريد ذلك، كما حصل في الأديان السابقة، وأنّ

____________________

١ - بحار الأنوار ٣٦/٢٠٥، واللفظ له، عيون أخبار الرضا ٢/٦٢، كمال الدين وتمام النعمة/٢٦٥، وغيرها من المصادر.

٢ - اللهوف في قتلى الطفوف/٤٢.

٣ - راجع ملحق رقم ٤.

١٤٣

الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) قد واجه ذلك الخطر، ودفعه بنهضته المقدّسة، وما استتبعها من تضحيات جسام.

أهمية بقاء معالم الدين ووضوح حجّته

ومن الظاهر أنّ ذلك من أهمّ المقاصد الإلهية؛ فإنّ الله (عزّ وجلّ) لا بدّ أن يوضح الدين الحق، ويتم الحجّة عليه؛ ليتيسّر لطالب الحق الوصول إليه، والتمسّك به، و( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) .

وقد قال الله (عزّ وجلّ):( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) (٢) ، وقال تعالى:( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُول ) (٣) ، وقال سبحانه:( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٤) ... إلى غير ذلك.

تميّز الإسلام بما أوجب إيضاح معالمه وبقاء حجّته

وحقيقة الأمر: إنّ ذلك لم يستند لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وحدها، بل هو نتيجة أمرين امتاز بهما دين الإسلام العظيم:

الأوّل: بقاء القرآن المجيد في متناول المسلمين جميعاً، واتّفاقهم عليه، وحفظ الله (عزّ وجلّ) له من الضياع على عامّة الناس، ومن التحريف كما حصل في الكتب السماوية الأخرى.

الثاني: جهود جميع الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، فإنّهم لما أُقصوا عن مراتبهم التي رتّبهم الله تعالى فيها، نتيجة انحراف مسار السلطة في

____________________

١ - سورة الأنفال/٤٢.

٢ - سورة التوبة/١١٥.

٣ - سورة الإسراء/١٥.

٤ - سورة النساء/١٦٥.

١٤٤

الإسلام، تعرّض دين الإسلام القويم لخطر التحريف والتشويه والضياع، كما تعرّضت لذلك جميع الأديان؛ فكان مقتضى ائتمان الله تعالى لهم (عليهم السّلام) على الدين، وجعلهم رعاة له أن يتحمّلوا مسؤوليتهم في درء الخطر المذكور.

فجدّوا وجهدوا في إيضاح الدين الحق، وإقامة الحجّة عليه بحيث لا يضيع على طالبه، رغم المعوّقات الكثيرة، والجهود المضادّة من قبل السلطات المتعاقبة وأتباعها.

وقد تظافرت جهودهم (عليهم السّلام) في خطوات متناسقة حقّقت هذا الهدف العظيم على النحو الأكمل، على ما سوف يظهر في محاولتنا هذه إن شاء الله تعالى.

غاية الأمر أنّ لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي انتهت بفاجعة الطفّ - بأبعادها المتقدّمة - أعظم الأثر في ذلك، على ما سيتضح بعون الله (عزّ وجلّ).

ما يتوقّف عليه بقاء معالم الدين الحق ووضوح حجّته

هذا وقيام الحجّة على الدين الحق ووضوح معالمه مع ما مُني به الإسلام - كسائر الأديان - من الخلاف بين الأُمّة وتفرّقها، وشدّة الخصومة والصراع بينها يتوقف:

أوّلاً: على وجود مرجعية في الدين سليمة في نفسها متّفق عليها بين جميع الأطراف تنهض بإثبات الحق، والاستدلال عليه.

وثانياً: على وجود فرقة ظاهرة تدعو إلى الحق، وتنبّه الغافل؛ لوضوح أنّه مع الغفلة المطلقة لا يكفي وجود الدليل في قيام الحجّة ورفع العذر في حق الجاهل والمخطئ.

والظاهر إنّ لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أعظم الأثر في

١٤٥

كلا هذين الأمرين الدخيلين في قيام الحجّة على الحق ووضوحه، كما يتّضح ممّا يأتي من الحديث عمّا جناه دين الإسلام العظيم من ثمرات هذه النهضة المباركة والملحمة الإلهية المقدّسة.

إذا عرفت هذا فالكلام:

تارة: فيما كسبه الإسلام بكيانه العام.

وأُخرى: فيما كسبه الإسلام الحق المتمثّل بخط أهل البيت (صلوات الله عليهم) الذين جعلهم الله تعالى ورسوله مع الكتاب المجيد مرجعاً للأُمّة يعصمها من الضلال، وهو مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية (رفع الله تعالى شأنهم)، فهنا مطلبان:

١٤٦

المطلب الأوّل

فيما كسبه الإسلام بكيانه العام

تمهيد:

شرع الله (عزّ وجلّ) الأديان جميعاً؛ لتؤدّي دورها في إصلاح البشرية، وتقويم مسيرتها في الفترة الزمنية التي يشرع فيها الدين.

يجب بقاء الدين الحق واضح المعالم ظاهر الحجّة

وحيث كان المشرع للدين هو الله (عزّ وجلّ) الحكيم الأكمل، ذو العلم المطلق، المحيط بكلّ شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، فمن الطبيعي أن يكون الدين الذي يشرعه في فترة زمنية معينة، ويفرض على عباده الالتزام به في تلك الفترة، واجداً تشريعياً لمقوّمات بقائه، واضح المعالم، مسموع الدعوة، ظاهر الحجّة( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) ، بحيث يكون الخروج عنه خروجاً بعد البيان والحجّة، كما قال (عزّ من قائل):( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) (٢) ؛ لئلاّ يقولوا:( رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ) (٣) .

____________________

١ - سورة الأنفال/٤٢.

٢ - سورة التوبة/١١٥.

٣ - سورة طه/١٣٤.

١٤٧

لا بدّ من رعاية المعصوم للدين

وذلك لا يكون إلّا بأن يكون الأمين على الدين، والمرجع للأُمّة فيه في فترة تشريعه معصوماً لا يزيغ عن الدين، ولا يخطأ فيه، نبيّاً كان أو وصيّاً لنبي.

وعلى ذلك جرت الأديان السماوية فيما روي عن النبي والأئمّة من آله (صلوات الله عليهم أجمعين) مستفيضاً، بل متواتراً.

وروى الجمهور كثيراً من مفردات ذلك في الأديان السابقة(١) ، بل ورد في بعض روايات الجمهور أنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السّلام): «إنّي قد استكملت نبوّتك وأيّامك، فانظر الاسم الأكبر، وميزان علم النبوّة فادفعه إلى ابنك شيث؛ فإنّي لم أكن لأترك الأرض إلّا وفيها عالم يدلّ على طاعتي، وينهى عن معصيتي»(٢) .

وهو عين ما يبتني عليه مذهب الإمامية الاثني عشرية - رفع الله تعالى

____________________

١ - مجمع الزوائد ٩/١١٣ كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، باب فيما أوصى به (رضي الله عنه)، فضائل الصحابة - لابن حنبل ٢/٦١٥ ومن فضائل علي (رضي الله عنه) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله، تاريخ دمشق ٢٣/٢٧١ في ترجمة شيث، ويُقال شيث بن آدم واسمه هبة الله، و٥٠/٩ في ترجمة كالب بن يوقنا بن بارص، و٦١/١٧٥ في ترجمة موسى بن عمران بن يصهر، و٦٢/٢٤١ في ترجمة نوح بن لمك بن متوشلخ، تهذيب الأسماء ١/٢٣٦، مسائل الإمام أحمد ١/١٢ ذكر ترتيب كبار الأنبياء، العظمة ٥/١٦٠٢، ١٦٠٤، المعجم الكبير ٦/٢٢١ في ما رواه أبو سعيد عن سلمان (رضي الله عنه)، تفسير القرطبي ٦/١٤٠، و١٥/١١٥، تفسير البغوي ٢/٣٠ - ٣١، تفسير الطبري ٢/٨٠٨، الدرّ المنثور ١/٣١٤، الطبقات الكبرى ١/٣٧ - ٣٨، ٤٠ ذكر من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأنبياء، تاريخ الطبري ١/١٠٢ - ١٠٣ ذكر ولادة حواء شيث، وص ١٠٧، ١١٠ - ١١١ ذكر وفاة آدم (عليه السّلام)، وص ٣٢٢، ٣٢٤ ذكر أمر بني إسرائيل والقوم الذين كانوا بأمرهم، و٢/٣١ - ٣٢ ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر بعض أخبار آبائه وأجداده، الكامل في التاريخ ١/٤٧ ذكر الأحداث التي كانت في عهد آدم (عليه السّلام) في الدنيا، ذكر ولادة شيث، وغيرها من المصادر.

٢ - العظمة ٥/١٦٠٢.

١٤٨

شأنهم - من أنّ الأرض لا تخلو من إمام وحجّة، تبعاً لما استفاض - بل تواتر - عن النبي والأئمّة من آله (صلوات الله عليهم أجمعين)(١) : «ما اختلفت أُمّة بعد نبيّها إلّا غلب أهل باطلها أهل حقّها».

إلاّ إنّ الأديان جميعاً قد ابتُليت بالاختلاف بعد أنبيائها. ومن الطبيعي - إذا لم تتدخّل العناية الإلهية بوجه خاص - أن يكون الظاهر في آخر الأمر هو الباطل، وتكون الغلبة والسلطة له:

أوّلاً: لأنّ مبدئية صاحب الحقّ المعصوم تجعله يحمل الناس على مرّ الحقّ، ولا يُهادن فيه، وذلك يصعب على أكثر الناس، كما قال الإمام الحسين (صلوات الله عليه): «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون»(٢) . وحينئذٍ يخذلونه ويتفرّقون عنه، بل كثيراً ما يتحزّبون ضدّه.

وثانياً: لأنّ مبدئية المعصوم تمنعه من سلوك الطرق الملتوية وغير المشروعة، والمنافية للمبادئ الإنسانية السامية في صراعه مع الباطل. وهي

____________________

١ - تذكرة الحفاظ ١/١٢ في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، حلية الأولياء ١/٨٠ في ترجمة علي بن أبي طالب، تذكرة الحفّاظ ٢٤/٢٢١ في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك، كنز العمّال ١٠/٢٦٣ - ٢٦٤ ح ٢٩٣٩١، تاريخ دمشق ١٤/١٨ في ترجمة الحسين بن أحمد بن سلمة، و٥٠/٢٥٤ في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك، المناقب للخوارزمي/٣٦٦ الفصل الرابع والعشرون في بيان شيء من جوامع كلمه وبوالغ حكمه، ينابيع المودّة ١/٨٩، جواهر المطالب ١/٣٠٣، وغيرها من المصادر.

وأمّا المصادر الشيعية: فقد رويت في نهج البلاغة ٤/٣٧ - ٣٨، والمحاسن ١/٣٨، وبصائر الدرجات/٥٧، والإمامة والتبصرة/٢٦، والكافي ١/١٧٨ - ١٧٩، والخصال - للصدوق/٤٧٩، وكمال الدين وتمام النعمة/٢٢٢، ٣١٩، ٤٠٩، ٤٤٥، ٥١١، وكفاية الأثر/١٦٤، ٢٩٦، وبحار الأنوار ٢٣/١ - ٦٥، وغيرها من المصادر.

٢ - تقدّمت مصادره في/٣٦.

١٤٩

نقطة ضعف مادية فيه، كثيراً ما يستغلّها الطرف المبطل في الصراع، ويقوى بسببها، فيغلب المحق ويظهر عليه.

وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قوله: «قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها مَنْ لا حريجة له في الدين»(١) .

ولعلّه لذا ورد أنّه ما اختلفت أُمّة بعد نبيّها إلّا غلب أهل باطلها أهل حقّها(٢) .

استغلال السلطة المنحرفة الدعوة ومبادئها لصالحها

ونتيجة لذلك يستولي أهل الباطل، ويتّخذون الدين ذريعة لخدمة مصالحهم وسلطانهم، ولتبرير نزواتهم، وإشباع شهواتهم، ولو بتحريفه عن حقيقته والخروج عن حدوده؛ لأنّ لهم القوّة والسطوة، وبيدهم التثقيف والدعاية والإعلام.

ومن ثمّ كان منشأ التحريف في الدين غالباً هو تحكّم غير المعصوم فيه من سلطان مبطل، أو مؤسسة منسّقة مع السلطان المذكور، بل ذلك هو منشأ التحريف في جميع الدعوات والأنظمة التي تتبنّاه

____________________

١ - نهج البلاغة ١/٩٢، واللفظ له، ربيع الأبرار ٤/٣٤٢ باب الوفاء وحسن العهد ورعاية الذمم، التذكرة الحمدونية ٣/١ الباب السابع في الوفاء والمحافظة والأمانة والغدر والملل والخيانة.

٢ - مجمع الزوائد ١/١٥٧ كتاب العلم، باب في الاختلاف، واللفظ له، المعجم الأوسط ٧/٣٧٠، فيض القدير ٥/٤١٥، حلية الأولياء ٤/٣١٣، تذكرة الحفاظ ١/٨٧ في ترجمة الشعبي، سير أعلام النبلاء ٤/٣١١ في ترجمة الشعبي، تاريخ الإسلام ٧/١٣١ في ترجمة عامر بن شرحبيل الشعبي، ذكر من اسمه شعبة/٦٨، كنز العمال ١/١٨٣ ح ٩٢٩، الجامع الصغير - للسيوطي ٢/٤٨١ ح ٧٧٩٩، وقعة صفين/٢٢٤، ينابيع المودّة ٢/٨٠، وغيرها من المصادر.

١٥٠

الجهات المتنفّذة والقوى الحاكمة؛ حيث تتّخذ منها أداة لتقوية نفوذها، وتركيز حكمها وسلطانها، ولو على حساب الأسس التي تقوم تلك الدعوات والأنظمة والتعاليم التي تتبناها.

كما يتضح ذلك بأدنى نظرة في واقع الأنظمة والدعوات التي تبنّتها الدول والحكومات عبر التاريخ الطويل وحتى عصرنا الحاضر؛ حيث لا نجد دعوة حقّ أو باطل قامت على أساسها دولة في ظلّ غير المعصوم بقيت محافظة على أصالتها ونقائها، وعلى تعاليمها ومفاهيمها التي أُسست عليها.

لكنّ الله (عزّ وجلّ) قد أخذ على نفسه أن يتمّ الحجّة على الحقّ كما سبق، بل هو اللازم عليه بمقتضى عدله وحكمته؛ أوّلاً: لقبح العقاب بلا بيان، وثانياً: لعدم تحقّق حكمة جعل الدين وإلزام الناس به إلّا بوصوله وقيام الحجّة عليه.

غلبة الباطل لا توجب ضياع الدين الحقّ وخفاء حجّته

وحينئذ لا بدّ من كون غلبة الباطل وتسلّطه بنحو لا يمنع من قيام الحجّة على بطلان دعوته، وصحّة دعوة الحقّ؛ بحيث تنبّه الغافل لذلك، وتقطع عذر الجاهل.

كما لا بدّ أن تبقى الدعوة المحقّة التي يرعاها المرجع المعصوم شاخصة ناطقة؛ بحيث لو طلبها مَنْ شاء من أهل ذلك الدين وغيرهم، ونظر في حجّتها بموضوعية تامّة، بعيداً عن التعصّب والعناد، لوصل إليها.

ونتيجة لذلك لا بدّ من كون الخلاف للحقّ، والخروج عنه ليس لقصور في بيانه وخفاء فيه، بل عن تقصير من الخارج بعد البيّنة، وقيام الحجّة الكافية على الحقّ.

كما قال الله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ

١٥١

وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاس فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) (١) .

وقال سبحانه:( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) (٢) .

وقال (عزّ وجلّ):( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٣) .

وقال تعالى:( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ) (٤) .

وفي حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك»(٥) ... إلى غير ذلك.

____________________

١ - سورة البقرة/٢١٣.

٢ - سورة آل عمران/١٩.

٣ - سورة آل عمران/١٠٥.

٤ - سورة طه/١٣٤.

٥ - مسند أحمد ٤/١٢٦ حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واللفظ له، تفسير القرطبي ٧/١٣٨ - ١٣٩. سنن ابن ماجة ١/١٦ باب اتّباع الخلفاء الراشدين المهديين، المستدرك على الصحيحين ١/٩٦ كتاب العلم، السنة - لابن أبي عاصم ١/١٩، ٢٦ - ٢٧، المعجم الكبير ١٨/٢٤٧ في ما رواه عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية، وص ٢٥٧ في ما رواه حبير بن نفير عن العرباض، مسند الشاميين ٣/١٧٣، الترغيب والترهيب - للمنذري ١/٤٧، مصباح الزجاجة ١/٥ كتاب اتّباع السُنّة، وغيرها من المصادر الكثيرة.

هكذا روي الحديث في هذه المصادر. لكن رواه الشيخ الجليل الحسن بن أبي الحسن الديلمي كما بلي: «قال العرباض بن ساربة: وعظنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) موعظة ذرفت العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال: لقد تركتكم على الحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعدها إلا هالك. ومن يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي بعدي، وسنة الخلفاء الراشدين =

١٥٢

لا ملزم بوضوح معالم الدين بعد نسخه

نعم، إنّما يلزم على الله (عزّ وجلّ) إبقاء الحجّة ووضوح معالم الحقّ في الدين الذي يقع الاختلاف فيه مادام ذلك الدين مشروعاً نافذاً على الناس، بحيث يجب عليهم التديّن به، والعمل بأحكامه.

أمّا إذا انتهى أمده، ونُسخ بدين جديد - يجب على الناس التدين به، والعمل بأحكامه - فلا ملزم ببقاء الحجّة الواضحة على دعوة الحقّ في الدين المنسوخ، ولا محذور في ضياع معالمه.

بل لا أثر عملي لظهور دعوة الحقّ في الدين المنسوخ ووضوح حجّته بعد عدم وجوب اعتناقه، والتدين به، ولا محذور في انفراد دعوة الباطل من ذلك الدين في الساحة؛ إذ يكفي في تحقّق حكمة جعل الدين، ودفع محذور العقاب بلا بيان، سماع دعوة الدين الجديد الناسخ - الذي يجب التديّن به واتّباعه - ووضوح معالمه، وقيام الحجّة عليه، كما هو ظاهر.

كون الإسلام خاتم الأديان يستلزم بقاء معالمه ووضوح حجّته

وبذلك يظهر اختلاف دين الإسلام العظيم عن بقيّة الأديان؛ إذ حيث كان هو الدين الخاتم الذي ليس بعده دين، والذي يجب على الناس اعتناقه والتديّن به مادام الإنسان يعمر الأرض، فلا بدّ من بقاء دعوة الحقّ فيه مسموعة الصوت، ظاهرة الحجّة ما بقيت الدنيا.

وهو ما حصل بتسديد الله (عزّ وجلّ) ورعايته، وبجهود وتضحيات أهل

____________________

= من أهل بيتي، فعضوا عليهم بالنواجذ، وأطيعوا الحق ولو كان صاحبه عبداً حبشياً، فإن المؤمن كالجمل الآلوف حيثما قيد استقاد». إرشاد القلوب ج: ١ ص: ٣٧ الباب الخامس: في التخويف والترهيب.

١٥٣

البيت (صلوات الله عليهم) الذين ائتمنهم تعالى على دينه، وجعلهم - مع كتابه المجيد - مرجعاً للأُمّة فيه، وما استتبع ذلك من جهود وتضحيات شيعتهم ومواليهم الذين آمنوا بقيادتهم، وتفاعلوا معهم دينياً وعاطفياً.

وكان لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وتضحياته الجسيمة أعظم الأثر في ذلك، كما نرجو إيضاحه في حديثنا هذا بعون من الله تعالى وتوفيقه وتسديده.

هذا وسوف يتّضح إن شاء الله تعالى أنّ الخطر الذي تصدى الإمام الحسين (عليه السّلام) لدفعه لم ينشأ من استيلاء الأمويين على الحكم، أو استيلاء يزيد عليه خاصة، غاية الأمر أن يكون الخطر قد تفاقم بذلك، أو أنّ الفرصة قد سنحت للتصدّي لذلك الخطر، ولم تسنح قبل ذلك.

وكيف كان فالحديث:

أوّلاً: في اتّجاه مسيرة الإسلام بعد الانحراف عن خطّ أهل البيت (صلوات الله عليهم)، واستيلاء غيرهم على السلطة، وما من شأنه أن يترتّب على الانحراف المذكور لو لم يكبح جماحه.

وثانياً: في جهود أهل البيت (صلوات الله عليهم) في كبح جماح الانحراف من أجل خدمة دعوة الإسلام بكيانه العام. فالكلام في مبحثين:

١٥٤

المبحث الأوّل

فيما من شأنه أن يترتّب على انحراف مسار

السلطة في الإسلام لو لم يكبح جماحها

من الطبيعي أن يجري الله (عزّ وجلّ) في دين الإسلام القويم تشريعاً على سنن الأديان السابقة، فلا يتركه بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرفيق الأعلى عرضة للاختلاف والاجتهادات المتضاربة، بل يوكله للمعصومين الذين يؤمن عليهم الخطأ والاختلاف.

بل هو أولى من الأديان السابقة بذلك بعد أن كان هو الدين الخاتم الذي لا ينتظر أن يشرّع بعده دين ونبوّة تصحّح الأخطاء والخلافات التي تحصل بين معتنقيه، كما تصدّى هو لتصحيح الأخطاء والخلافات التي حصلت بين معتنقي الأديان السابقة عليه.

قال الله (عزّ وجلّ):( تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (١) .

وقال تعالى:( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (٢) .

____________________

١ - سورة النحل/٦٣ - ٦٤.

٢ - سورة النمل/٧٦ - ٧٧.

١٥٥

وقال سبحانه:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (١) ... إلى غير ذلك.

وقد كان المعصومون الذين أوكل الله تعالى دينه العظيم إليهم، وجعلهم مرجعاً للأُمّة فيه، هم الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السّلام)، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم إمام العصر والزمان الحجّة بن الحسن المهدي المنتظر (صلوات الله عليهم أجمعين).

ولسنا الآن بصدد إثبات ذلك، بل هو موكول لعلم الكلام، وكتب العقائد الكثيرة، ومنها كتابنا (أصول العقيدة).

ولأهمية أمر الإمامة في الدين فقد أكّد الكتاب المجيد والسُنّة النبويّة الشريفة على أمور:

وجوب معرفة الإمام والإذعان بإمامته

الأوّل: وجوب معرفة الإمام والبيعة له؛ فقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(٢) ، أو: «مَنْ مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(٣) ، أو: «مَنْ مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة

____________________

١ - سورة المائدة/١٥.

٢ - كمال الدين وتمام النعمة/٤٠٩، كفاية الأثر/٢٩٦، إعلام الورى بأعلام الهدى ٢/٢٥٣، ينابيع المودّة ٣/٣٧٢، الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢/٤٥٧، وغيرها من المصادر.

٣ - مسند أحمد ٤/٩٦ حديث معاوية بن أبي سفيان، حلية الأولياء ٣/٢٢٤ في ترجمة زيد بن أسلم، المعجم الكبير ١٩/٣٨٨ في ما رواه شريح بن عبيد عن معاوية، مسند الشاميين ٢/٤٣٧ ما انتهى إلينا من مسند ضمضم بن زرعة، ما رواه ضمضم عن شريح بن عبيد، مجمع الزوائد ٥/٢١٨ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم، مسند أبي داود الطيالسي/٢٥٩ ما رواه أبو سلمة عن ابن عمر، كنز العمّال ١/١٠٣ ح ٤٦٤، و٦/٦٥ ح ١٤٨٦٣، علل الدارقطني ٧/٦٣ من حديث الصحابة عن معاوية (رضي الله عنه)، وغيرها من المصادر.

١٥٦

جاهلية»(١) ، أو نحو ذلك.

وجوب طاعة الإمام وموالاته والنصيحة له

الثاني: وجوب الطاعة لأولياء أمور المسلمين وأئمّتهم، وموالاتهم والنصيحة لهم. قال الله (عزّ وجلّ):( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (٢) .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته في مسجد الخيف: «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم؛ فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم...»(٣) ... إلى غير ذلك ممّا يفوق حدّ الإحصاء.

____________________

١ - صحيح مسلم ٦/٢٢ كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن، السنن الكبرى ٨/١٥٦ كتاب قتال أهل البغي، جماع أبواب الرعاة، باب الترغيب في لزوم الجماعة والتشديد على من نزع يده من الطاعة، مجمع الزوائد ٥/٢١٨ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم، السُنّة - لابن أبي عاصم/٤٨٩ ح ١٠٥٧، وص ٥٠٠ ح ١٠٨١، المعجم الكبير ١٩/٣٣٤ في ما رواه ذكوان أبو صالح السمان عن معاوية، فتح الباري ١٣/٥، كنز العمّال ٦/٥٢ ح ١٤٨١٠، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - سورة النساء/٥٩.

٣ - الكافي ١/٤٠٣، واللفظ له، سنن الترمذي ٥/٣٤ كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، باب ما جاء في الحثّ على تبليغ السماع، سنن ابن ماجة ١/٨٤ باب من بلغ علم، المستدرك على الصحيحين ١/٨٧ كتاب العلم، مسند أحمد ٤/٨٢ في حديث جبير بن مطعم، صحيح ابن حبان ١/٢٧٠ كتاب العلم، باب الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها، ذكر رحمة الله (جلّ وعلا) من بلغ الأُمّة حديثاً صحيحاً عنه، مجمع الزوائد ١/١٣٧ - ١٣٩ كتاب العلم، باب في سماع الحديث وتبليغه، الأحاديث المختارة ٦/٣٠٨ في ما رواه عقبة بن وساج عن أنس، سنن الدارمي ١/٧٥ باب الاقتداء بالعلماء، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

١٥٧

لزوم جماعة المسلمين والمؤمنين وحرمة التفرّق

الثالث: لزوم جماعة الأئمّة التي هي جماعة المؤمنين، واتّباع سبيلهم، والنهي عن الاختلاف والتفرّق، قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ) (١) .

وقال (عزّ وجلّ):( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

وقال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) (٣) .

وكذا ما سبق من خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»(٤) .

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «أنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: بالجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله؛ فإنّه مَنْ خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلى أن يرجع...»(٥) ... إلى غير ذلك.

____________________

١ - سورة آل عمران/١٠٣.

٢ - سورة آل عمران/١٠٥.

٣ - سورة الأنعام/١٥٩.

٤ - صحيح البخاري ١/٣٨ كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، و٢/١٩١ - ١٩٢ كتاب الحجّ، باب الخطبة أيام منى، و٥/١٢٦ كتاب المغازي، باب حجّة الوداع، و٧/١١٢ كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل ويلك، و٨/١٦ كتاب الحدود، باب الحدود كفّارة، وص ٣٦ كتاب الديات، وص ٩١ كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، صحيح مسلم ١/٥٨ كتاب الإيمان، باب لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، و٥/١٠٨ كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، وغيرهما من المصادر الكثيرة جدّاً.

٥ - مسند أحمد ٤/٢٠٢ حديث الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واللفظ له، و٥/٣٤٤ حديث أبي مالك الأشعري، سنن الترمذي ٤/٢٢٦ أبواب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، باب ما جاء مثل الصلاة والصيام والصدقة، المستدرك على الصحيحين ١/١١٧ كتاب العلم، الحديث الرابع فيما =

١٥٨

وقد أجمع الجمهور على حرمة الخروج على الإمام العادل - فضلاً عن المعصوم - وأنّ الخارج عليه باغٍ يجب على المسلمين قتاله حتى يفيء للطاعة.

قال الله (عزّ وجلّ):( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ ) (١) .

أهمية هذه الأمور في نظم أمر الدين والمسلمين

وبالتأكيد على هذه الأمور يُقطع الطريق تشريعياً على مَنْ يحاول زرع الأشواك في طريق الإمام المعصوم وإتعابه، وعلى مَنْ يتوهّم أو يختلق المبرّرات لمخالفة أمره، فضلاً عن الخروج عليه والانحياز عن جماعته.

وهو أمر ضروري في مسيرة دولة الحقّ؛ لأنّ الدولة لا تقوم إلّا بالطاعة المطلقة، إذ كثيراً ما يخفى على الرعية وجه الحكمة في موقف الإمام المعصوم من الأحداث. نظير ما حدث للمسلمين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية وغيره.

فإذا فتح باب الاجتهاد والخلاف على الإمام عاقه ذلك عن أداء وظيفته، وتيسّر للمنحرفين والنفعيين اختلاق المبرّرات لمخالفته والخروج عليه، كما هو ظاهر، وقد حاولنا توضيح ذلك عند الاستدلال على وجوب عصمة الإمام من كتابنا (أصول العقيدة).

____________________

= يدلّ على أن إجماع العلماء حجّة، السنن الكبرى - للبيهقي ٨/١٥٧ كتاب قتال أهل البغي، باب الترغيب في لزوم الجماعة والتشديد على من نزع يده من الطاعة، صحيح ابن خزيمة ٣/١٩٦ كتاب الصيام، باب ذكر تمثيل الصائم في طيب ريحه بطيب ريح المسك إذ هو أطيب الطيب، مجمع الزوائد ٥/٢١٧ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم، المصّنف - لعبد الرزاق ٣/١٥٧ كتاب الصلاة، باب تزيين المساجد والممر في المسجد، المصنّف - لابن أبي شيبة ٧/٢٢٧ كتاب الإيمان والرؤية، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

١ - سورة الحجرات/٩.

١٥٩

طاعة الإمام المعصوم مأمونة العاقبة على الدين والمسلمين

كما إنّ الطاعة المذكورة مأمونة العاقبة على الدين والمسلمين بعد فرض عصمة الإمام، وكونه مسدّداً من قبل الله (عزّ وجلّ).

كما قالت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) في بيان حال الأُمّة لو وليها أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام): «وتالله، لو مالوا عن المحجّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم حشاشه، ولا يكِلّ سائره، ولا يمُلّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً روياً تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً»(١) .

طاعة الإمام ولزوم جماعته مدعاة للطفّ الإلهي

بل الطاعة المذكورة مدعاة للطفّ الإلهي والفيض الربّاني على الأُمّة بعد أن اجتمعت على طاعة الله (عزّ وجلّ)، وانضمّت تحت راية عدله التي رفعها له. كما قال الله (عزّ وجلّ):( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ) (٢) .

وقال سبحانه تعالى:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) (٣) .

وقال سلمان الفارسي: لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت

____________________

١ - راجع ملحق رقم ٢.

٢ - سورة الأعراف/٩٦.

٣ - سورة المائدة/٦٥ - ٦٦.

١٦٠

أرجلهم(١) .

وقال أبو ذر ّ: أما لو قدّمتم مَنْ قدّم الله، وأخّرتم من أخّر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيّكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم(٢) .

انحراف مسار السلطة في الإسلام

لكن أمر الإسلام عملياً بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجرِ على ما أراده الله (عزّ وجلّ) ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل تعثّرت الأُمّة في طريقها، وانحرفت عن خطّ أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وخرجت بالسلطة عنهم، وعن الالتزام بالنصّ على الإمام المعصوم، بل من دون نظام بديل حتى لو لم يكن إلهي.

وصار المعيار في الإمامة البيعة ولو بالقسر والقهر - مهما كانت منزلة المبايَع نسباً، وأثراً في الإسلام، وسلوكاً في نفسه ومع الناس - اعترافاً بالأمر الواقع ورضوخاً له.

إنكار أمير المؤمنين والزهراء (عليهما السّلام) لِما حصل

وقد وقف أمير المؤمنين الإمام علي (صلوات الله عليه) وخاصة أصحابه ممّن ثبت معه موقف المنكر لذلك؛ إقامة للحجّة.

كما استثمرت الصديقة سيّدة النساء فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) حصانتها نسبياً فدعمت موقفهم، وأصحرت بالشكوى والإنكار لِما حصل في خطبتيها الجليلتين(٣) ، وأحاديثها ومواقفها الصلبة في بقيّة عمرها القصير،

____________________

١ - أنساب الأشراف ٢/٢٧٤ أمر السقيفة.

٢ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٧١ في أيام عثمان.

٣ - راجع ملحق رقم ١ و ٢.

١٦١

وأيّامها القليلة، مؤكدة على أن الخلافة والإمامة حق لأهل البيت (صلوان الله عليهم) جعله الله تعالى كما جعل فرائض الإسلام، وأنه لا عذر لهم في الخروج عن ذلك، ولا مجال لتبريره، بل سوف يتحملون مسؤولية ما حصل في الدنيا والآخرة. وقد أصرّت على مواقفها السبيلة منهم حتى قضت نحبها، في تفاصيل كثيرة لا يسع المقام استقصاءها.

اضطرار أمير المؤمنين (عليه السّلام) للمسالمة

ثمّ اضطر أمير المؤمنين (عليه السّلام) وخاصة أصحابه للسكوت والمسالمة بعد أن ظهر إصرار المستولين على السلطة وعنفهم؛ حفاظاً منه (صلوات الله عليه) على كيان الإسلام العام من الانهيار، وإبقاءً منه (عليه السّلام) على حياته وحياة البقيّة الصالحة؛ لتؤدّي دورها في التعريف بالدين الصحيح، والدعوة له عندما يتيسّر لهم ذلك على ما ذكرناه في خاتمة كتابنا (أصول العقيدة).

أثر الفتوح في تركز الإسلام واحترام رموز السلطة

ولم تمضِ مدّة طويلة حتى توجّه المسلمون للحروب خارج الجزيرة العربية، وكانت نتيجتها الفتوح الكبرى، وما استتبعها من الغنائم العظيمة التي لم يكونوا يحلمون بها، ثمّ الشعور بالعزّة والرفعة؛ فتركز الإسلام وحسن في نفوسهم، وفرض احترامه على العالم، واتّسعت رقعته، وتوطّدت أركانه في الأرض، ودخلت فيه الشعوب المختلفة.

ومن الطبيعي - بعد ذلك - أن لا يُعرف من الإسلام ولا يُحترم إلّا الإسلام الذي تحقّق به الفتح الذي ابتنت الخلافة والحكم فيه على الخروج على النظام الإلهي، واعتماد القوّة؛ فصار له ولرموزه المكانة العُليا في النفوس، ومنها تؤخذ

١٦٢

أصوله وثوابته العقائدية، ويرجع إليها في فروعه وأحكامه وإرشاداته وآدابه وتاريخه وأمجاده وجميع شؤونه. فهي المرجع للإسلام والمسلمين في السياسة والإدارة والعلم والثقافة، كما يظهر بمراجعة التراث المتعلق بتلك الفترة. وربما يأتي بعض مفردات ذلك.

وأكّد ذلك الخطوات التي خطتها السلطة في سبيل فرض احترامه، وتثبيت شرعيته، بل تقديسه، ممّا يأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى.

غياب الإسلام الحقّ ورموزه عن ذاكرة المسلمين

وصار الإسلام الحقّ غريباً على جمهور المسلمين، وجُهل مقام رموزه وحملته، بالرغم ممّا لهم من مقام ديني رفيع نوّه عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصورة مكثفة، وأنّ لهم أعظم الأثر في الإسلام.

وحتى في تلك الحروب - التي كانت نتيجتها الفتوح الكبرى - دعماً وتوجيهاً ومشاركة؛ اهتماماً منهم بكيان الإسلام العام من أجل أن تصل دعوته إلى العالم، وتتعرّف عليه الأُمم المختلفة، ويأخذ موقعه من نفوسها، وإن استغلّت السلطة الرسمية القائمة ذلك كلّه لصالحها، وتثبيت موقعها، وفرض احترامها.

دعم أمير المؤمنين (عليه السّلام) السلطة اهتماماً بكيان الإسلام

فمثلاً يظهر من بعض الروايات أنّ شعور جمهور الصحابة بعدم شرعية الانحراف الذي حصل جعلهم يتوقّفون عن الحرب في ظلّ السلطة الجديدة في حروب الردّة في الجزيرة العربية، فضلاً عن غزو الكفّار فيها وفي خارجها؛ وقد أوجب ذلك توقّف النشاط العسكري الإسلامي، وتعرّض الإسلام للخطر.

فاضطر أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) لدعم السلطة؛ من

١٦٣

أجل إضفاء الشرعية على القتال تحت ظلّها.

فقد روى المدائني عن عبد الله بن جعفر بن عون قال: لما ارتدّت العرب مشى عثمان إلى علي، فقال: يابن عم، إنّه لا يخرج أحد إليّ. فقال: [إلى قتال. صح] هذا العدو، وأنت لم تُبايع؟ فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر، فقام أبو بكر إليه واعتنقه، وبكى كلّ واحد إلى صاحبه، فبايعه. فسرّ المسلمون، وجدّ الناس في القتال، وقطعت البعوث(١) .

وقال (صلوات الله عليه) في كتابه إلى أهل مصر: «فما راعني إلّا انثيال الناس على فلان يُبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم...؛ فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدين وتنهنه»(٢) .

وقال اليعقوبي: وأراد أبو بكر أن يغزو الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقدّموا وأخّروا. فاستشار علي بن أبي طالب فأشار أن يفعل، فقال: «إن فعلت ظفرت». فقال: بشرت بخير(٣) .

وكان (صلوات الله عليه) يسعفهم بتوجيهاته وصائب رأيه.

فمثلاً لما استشاره عمر في الخروج لحرب الروم أشار عليه بترك الخروج(٤) . وكذا لما استشاره في الخروج لحرب الفرس(٥) ، كما أوضح له آلية الحرب، وكيفية

____________________

١ - أنساب الأشراف ٢/٢٧٠ أمر السقيفة، الشافي في الإمامة ٣/٢٤١.

٢ - نهج البلاغة ٣/١١٩.

٣ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٣٣ في أيام أبي بكر، وقريب منه في الفتوح - لابن أعثم ١/٨٢ ذكر كيفية الاستيلاء على بلاد الشام في خلافة الصديق (رضي الله عنه).

٤ - نهج البلاغة ٢/١٨.

٥ - نفس المصدر ٢/٢٩.

١٦٤

تجنيد المسلمين لها(١) .

وما أكثر ما جنّبهم المآزق حتى تكرّر عن عمر أنّه كان يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن(٢) .

وقال: «لولا علي لهلك عمر»(٣) ... إلى غير ذلك ممّا هو كثير جدّاً، ويسهل على الباحث الاطّلاع عليه(٤) .

____________________

١ - نهج البلاغة ٢/٢٩، تاريخ الطبري ٣/٢١١ - ٢١٢ أحداث سنة إحدى وعشرين من الهجرة، ذكر الخبر عن وقعة المسلمين والفرس بنهاوند، الكامل في التاريخ ٣/٨ أحداث سنة إحدى وعشرين من الهجرة، ذكر وقعة نهاوند، وغيرها من المصادر.

٢ - الاستيعاب ٣/١١٠٣ في ترجمة علي بن أبي طالب، أسد الغابة ٤/٢٣ في ترجمة علي بن أبي طالب، الطبقات الكبرى ٢/٣٣٩ في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، الإصابة ٤/٤٦٧ في ترجمة علي بن أبي طالب. فتح الباري ١٣/٢٨٦، تهذيب التهذيب ٧/٢٩٦ في ترجمة علي بن أبي طالب، الفصول المهمّة ١/١٩٩ - ٢٠٠ الفصل الأوّل في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، فصل في ذكر شيء من علومه (عليه السّلام)، كنز العمّال ١٠/٣٠٠ ح ٢٩٥٠٩، شرح نهج البلاغة ١/١٨، نظم درر السمطين/١٣٢، فيض القدير ٤/٤٧٠ ح ٥٥٩٤، المناقب - للخوارزمي/٩٦، وغيرها من المصادر.

٣ - الاستيعاب ٣/١١٠٣ في ترجمة علي بن أبي طالب، فيض القدير ٤/٤٧٠ ح٥٥٩٤، مسند زيد بن علي/٣٣٥ كتاب الحدود، باب حدّ الزاني، تأويل مختلف الحديث/١٥٢، تفسير السمعاني ٥/١٥٤، الوافي بالوفيات ٢١/١٧٩، الفصول المهمّة ١/١٩٩ الفصل الأوّل في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، فصل في ذكر شيء من علومه (عليه السّلام)، المناقب - للخوارزمي/٨١، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول/٧٧، ينابيع المودّة ١/٢١٦ و ٢/١٧٢ و ٣/١٤٧، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٤ - غاية الأمر أنّه (صلوات الله عليه) كان يقتصر على ما فيه مصلحة الإسلام وتأييده، دون ما كان فيه تأييد لهم بأشخاصهم أو بمراكزهم من دون أن يخدم الإسلام بكيانه العام، إلّا أن يضطر لذلك؛ ولذا امتنع من الخروج مع عمر عندما ذهب إلى الشام حتى شكاه عمر لابن عباس. شرح نهج البلاغة ١٢/٧٨.

ولمّا سُئل عمر عن وجه عدم توليته لأمير المؤمنين (عليه السّلام) وجماعة من الصحابة قال: أمّا علي فأنبه من ذلك.... شرح نهج البلاغة ٩/٢٩.

١٦٥

كما إنّه قد اشترك جماعة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) وخواصه في تلك الحروب، كسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي، وحذيفة بن اليمان وعبادة بن الصامت وغيرهم (رضي الله عنهم)، وكان لهم الرأي الصائب والتدبير الحسن والأثر المحمود.

إلاّ أنّ ذلك إنّما يعرفه الخاصّة دون عامّة الناس، ومَنْ عرفه من العامّة نسبه للسلطة، واعتبرهم واجهة له كغيرهم ممّن تعاون معها وسار في ركابها، من دون أن يعرف لهذه الجماعة الصالحة مقامها الرفيع في الإسلام، وجهادها من أجله في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتضحيتها وجهودها في الحفاظ على كيانه ونشره في الأرض بعد ذلك، ولا يحترمها نتيجة ذلك في نفسها.

كما يناسب ذلك ما يأتي من جندب بن عبد الله الأزدي عن موقف أهل الكوفة في أعقاب الشورى من حديثه في بيان مقام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وفضله(١) .

وكذلك قول معاوية بن أبي سفيان لعمّار بن ياسر لما بدأ الإنكار من المسلمين على عثمان في مجلس يضم جمعاً من الصحابة: يا عمّار، إنّ بالشام مئة ألف فارس كلّ يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم لا يعرفون علياً وقرابته، ولا عمّاراً ولا سابقته(٢) .

تقييم أمير المؤمنين (عليه السّلام) للأوضاع

وقد أوضح أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ذلك في حديث له، قال

____________________

١ - يأتي في/٢٥٧ - ٢٥٨.

٢ - الإمامة والسياسة ١/٢٩ ذكر الإنكار على عثمان (رضي الله عنه)، واللفظ له، وقريب منه في تاريخ المدينة ٣/١٠٩٤.

١٦٦

فيه: «إنّ العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته، ونفّرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ كان حيّاً على صرف الأمر عن أهل بيته.

ولولا أنّ قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسُلّماً إلى العزّ والإمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدّت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً.

ثمّ فتح الله عليها الفتوح فأثرت بعد الفاقة، وتموّلت بعد الجهد والمخمصة؛ فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنّه حقّ لما كان كذا.

ثمّ نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكّد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين.

فكنّا ممّن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممّن يعرف، ونشأ كثير ممّن لا يعرف...»(١) .

وقد قام الولاة ومَنْ دعمهم في سبيل فرض احترامهم، وتوطيد أركان حكمهم، وإضفاء الشرعية عليها، بأمور خطيرة.

استغلال الألقاب المناسبة لشرعية السلطة ونقلها عن أهلها

الأمر الأوّل: إضفاء الألقاب المناسبة لشرعية الحكم ديني، مثل: (خليفة

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ٢٠/٢٩٩.

١٦٧

رسول الله)(١) ، و (أمير المؤمنين)، و (ولي رسول الله)(٢) .

وتأكيداً لذلك تختّم عمر وأبو بكر وعثمان بخاتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان نقشه: (محمد رسول الله)، وكان يوقّع به في كتبه للأعاجم، أو بما هو مثله في النقش(٣) .

وحُمل أبو بكر(٤) وعمر(٥) بعد موتهما على السرير الذي حُمل عليه رسول

____________________

١ - مسند أحمد ١/١٠، ١٣، ٣٧ مسند أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، المستدرك على الصحيحين ٣/٨١ كتاب معرفة الصحابة، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)/٦٠٧ ذكر سعد بن الربيع الأنصاري (رضي الله عنه)،. مجمع الزوائد ٥/١٨٤ و ص١٩٨ كتاب الخلافة، باب الخلفاء الأربعة، و باب كيف يدعى الإمام، و٦/٢٢٢ كتاب المغازي والسير، باب قتال أهل الردّة، فتح الباري ١٣/١٧٨، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٢ - صحيح البخاري ٤/٤٤ باب فرض الخمس، و٥/٢٤ كتاب المغازي، باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم، و٦/١٩١ كتاب النفقات، و٨/٤ كتاب الفرائض، وص ١٤٧ كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنّة، صحيح مسلم ٥/١٥٢ كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، و٢/٢١ كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مسند أحمد ١/٦٠ مسند عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، و ٢٠٨ - ٢٠٩ حديث العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه). وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٣ - صحيح البخاري ٧/٥٣ كتاب اللباس، باب نقش الخاتم، صحيح مسلم ٦/١٥٠ كتاب اللباس والزينة، باب لبس النبي خاتماً من ورق نقشه محمد رسول الله ولبس الخلفاء له من بعده، السنن الكبرى - للبيهقي ٤/١٤٢ كتاب الزكاة، باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلّى به من خاتمه وحلية سيفه ومصحفه إذا كان من فضة، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٤ - المستدرك على الصحيحين ٣/٦٣ كتاب الهجرة، ذكر مرض أبي بكر ووفاته ودفنه، تاريخ الطبري ٢/٦١٣ أحداث سنة الثالثة عشر من الهجرة، ذكر الخبر عمن غسله والكفن الذي كُفّن فيه أبو بكر (رحمه الله) ومَنْ صلّى عليه والوقت الذي صلّى عليه فيه والوقت الذي توفي فيه (رحمة الله عليه)، الكامل في التاريخ ٢/٤١٩ أحداث سنة الثالثة عشر من الهجرة، ذكر وفاة أبي بكر، وفيات الأعيان ٣/٦٥ في ترجمة أبي بكر الصديق، وغيرها من المصادر.

٥ - أسد الغابة ٤/٧٧ في ترجمة عمر بن الخطاب، تاريخ دمشق ٤٤/٤٥١ في ترجمة عمر بن الخطاب، سبل الهدى والرشاد ١١/٢٧٥، وغيرها من المصادر.

١٦٨

الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما إنّ من المعلوم أنّه دُفن هو وعمر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته.

بل تمادت السلطة وأتباعها فوصفوا الحاكم بأنّه (خليفة الله)(١) ، و (سلطان الله في الأرض)(٢) ، ونحو ذلك.

وقد روى راشد بن سعد أنّ عمر أتي بمال فجعل يقسّم بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقّاص يزاحم الناس حتى خلص إليه، فعلاه عمر بالدرّة، قال: إنّك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أنّ سلطان الله لن يهابك(٣) .

وفي كتاب عثمان إلى الأمراء يتحدّث عن الجماعة المحاصرين له قالوا: لا نرضى إلّا بأن تعتزلنا، وهيهات لهم والله من أمر ينال به الشيطان فيما بعد اليوم من سلطان الله حاجته....

ولما قدم الكتاب عليهم قام معاوية فخطب الناس وكان فيما قال: انهضوا إلى سلطان الله فأعزوه يعزكم وينصركم....

وخطب أبو موسى فكان فيما قال: وإنّما قوام هذا الدين السلطان، بادروا

____________________

١ - أنساب الأشراف ٥/٢٧ وأمّا معاوية بن أبي سفيان، مروج الذهب ٣/٥٣ ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان، موقف آخر بين صعصعة ومعاوية، تاريخ دمشق ٣٩/٥٤٣ في ترجمة عثمان بن عفان و٤٠/٤١١ في ترجمة عطاء بن أبي صيفي بن نضلة، و٧٠/٧٢ في ترجمة ليلي الأخليلية، الفتوح - لابن أعثم ٣/٨٨ بعد حديث الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع معاوية، وغيرها من المصادر.

٢ - تاريخ الطبري ٦/٣٣١ أحداث سنة ١٥٨ من الهجرة، ذكر الخبر عن صفة أبي جعفر المنصور وذكر بعض سيره، البداية والنهاية ١٠/١٣٠ أحداث سنة ١٥٨ من الهجرة، ترجمة المنصور، تاريخ دمشق ٣٢/٣١١ في ترجمة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وغيرها من المصادر.

٣ - الطبقات الكبرى ٣/٢٨٧ ذكر استخلاف عمر، واللفظ له، تاريخ الطبري ٣/٢٨٠ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ذكر الخبر عن مقتل عمر (رضي الله عنه)، حمله الدرّة وتدوينه الدواوين، أنساب الأشراف ١٠/٣٣٨ - ٣٣٩ نسب بني عدي بن كعب بن لؤي، في ترجمة عمر بن الخطاب، كنز العمّال ١٢/٥٦٤ ح ٣٥٧٦٨، شرح نهج البلاغة ١٢/٩٦.

١٦٩

سلطان الله لا يُستذل...(١) .

وأخذ عبد الله بن سلام ينهى المحاصرين لعثمان عن قتله، وكان فيما قال:... ويلكم إنّ سلطان الله اليوم يقوم بالدرّة، وإن قتلتموه لم يقم إلّا بالسيف(٢) .

وقال معاوية في خلافته: الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي، وما تركته للناس فبفضل منّي(٣) .

وقال جويرية بن أسماء: قدم أبو موسى الأشعري على معاوية في برنس أسود، فقال: السّلام عليك يا أمين الله. قال: وعليك السّلام. فلمّا خرج قال معاوية: قدم الشيخ لأولّيه، والله لا أولّيه(٤) .

وخطب زياد بن أبيه فقال في جملة ما قال: أيّها الناس، إنّا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوّلنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا...(٥) .

____________________

١ - تاريخ دمشق ٣٩/٤٣١ في ترجمة عثمان بن عفان.

٢ - تاريخ دمشق ٣٩/٤٣٩ في ترجمة عثمان بن عفان.

٣ - أنساب الأشراف ٥/٢٧ وأمّا معاوية بن أبي سفيان، واللفظ له، مروج الذهب ٣/٥٣ ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان، موقف آخر بين صعصعة ومعاوية، نثر الدرّ ٢/١٤٢ الباب السابع، الجوابات المسكتة الحاضرة، التذكرة الحمدونية ٢/٣٤١ الباب الثالث والثلاثون، في الحجج البالغة والأجوبة الدامغة، وغيرها من المصادر.

٤ - الكامل في التاريخ ٤/١٢ أحداث سنة ستين من الهجرة عند الكلام عن معاوية بن أبي سفيان، ذكر بعض سيرته وأخباره وقضاته وكتابه، واللفظ له، تاريخ الطبري ٤/٢٤٥ أحداث سنة ستين من الهجرة عند الكلام عن معاوية بن أبي سفيان، ذكر بعض أخباره وسيره.

٥ - الكامل في التاريخ ٣/٤٤٩ أحداث سنة خمس وأربعين من الهجرة، ذكر ولاية زياد بن أبيه البصرة، واللفظ له، تاريخ الطبري ٤/١٦٦ أحداث سنة خمس وأربعين من الهجرة، ذكر الخبر عن ولاية زياد البصرة، الفتوح - لابن أعثم ٤/٣٠٧ ذكر خطبة زياد بالبصرة، شرح نهج البلاغة ١٦/٢٠٢.

١٧٠

وفي كتاب الوليد بن يزيد بن عبد الملك إلى رعيته بعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فأبان الله به الهدى...، ثمّ استخلف خلفاءه على منهاج نبوّته حين قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم...، فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه منه، لا يتعرض لحقّهم أحد إلّا صرعه الله، ولا يُفارق جماعتهم أحد إلّا أهلكه الله...، وكذلك صنع الله ممّن فارق الطاعة التي أمر بلزومها والأخذ بها...، فبالخلافة أبقى الله مَنْ أبقى في الأرض من عباده، وإليها صيّره، وبطاعة مَنْ ولاّه إيّاها سَعُد مَنْ أكرمها ونصرها...، فمَنْ أخذ بحظّه منها كان لله ولي، ولأمره مطيع...، ومَنْ تركها ورغب عنها وحادّ الله فيها أضاع نصيبه، وعصى ربّه، وخسر دنياه وآخرته...، والطاعة رأس هذا الأمر وذروته، وسنامه وزمامه، وملاكه وعصمته وقوامه بعد كلمة الإخلاص لله التي ميّز بها بين العباد... إلى آخر ما في هذا الكتاب ممّا يجري مجرى ذلك(١) .

عدم شرعية استغلال السلطة لهذه الألقاب

مع إنّ من المعلوم أنّ نظام الحكم عند رموز الجمهور يبتني على عدم النصّ من الله (عزّ وجلّ)، ولا من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على شخص الحاكم، أو تحديده بنحو منضبط؛ بحيث يتعيّن في شخص خاص، ليتّجه نسبة الخليفة لله (عزّ وجلّ) أو لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإضافته لهما.

وقد أشار إلى ذلك العباس بن عبد المطلب في جوابه لأبي بكر في حديث بينهما طويل، حينما عرض عليه أبو بكر أن يجعل له ولعقبه من بعده نصيباً في الخلافة من أجل أن يقطعه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ويضعف حجّته، حيث قال العباس له في جملة ما قال: وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك: خلى

____________________

١ - تاريخ الطبري ٥/٥٣٠ أحداث سنة ١٢٥ من الهجرة، خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

١٧١

على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك!(١) .

ولمّا أرسلوا لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يطلبون منه أن يحضر ليبايع أبا بكر، وقيل له: خليفة رسول الله يدعوك. قال (عليه السّلام): «لسريع ما كذبتم على رسول الله»(٢) .

اختصاص لقب أمير المؤمنين بالإمام علي (عليه السّلام)

كما إنّ لقب (أمير المؤمنين) من مختصّات الإمام علي (صلوات الله عليه) على ما ورد عن أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) فيما رواه عنهم شيعتهم(٣) ، وحتى بعض الجمهور(٤) ، بل في بعض روايات الجمهور أنّه اسم سمّاه به جبرئيل، كما سمّاه الله (عزّ وجلّ) به(٥) ، وأنّه ينادى به يوم القيامة(٦) .

وورد أيضاً أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أطلقه عليه في عدّة مواضع(٧) . بل

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٢٥ خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.

٢ - الإمامة والسياسة ١/١٦ كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، واللفظ له، كتاب سليم بن قيس/٣٨٥، الاختصاص/١٨٥، الاحتجاج ١/١٠٨.

٣ - الكافي ١/٤١١ و٤٤٣، الخصال/٥٨٠، الاختصاص/٥٤، الأمالي - للطوسي/٢٩٥، اليقين - لابن طاووس/٢٧، تفسير العياشي ١/٢٧٦، دلائل الإمامة/٥٣، فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام) - لابن عقدة/٦٠، وغيرها من المصادر.

٤ - المناقب - للخوارزمي/٣٠٣ الفصل التاسع عشر في فضائل له شتى.

٥ - المناقب - للخوارزمي/٣٢٣ الفصل التاسع عشر في فضائل له شتى.

٦ - المناقب - للخوارزمي/٣٥٩ - ٣٦٠ الفصل الثاني والعشرون في بيان أنّه حامل لوائه يوم القيامة، تاريخ دمشق ٤٢/٣٢٦ - ٣٢٨ في ترجمة علي بن أبي طالب، تاريخ بغداد ١٣/١٢٤ في ترجمة المفضل بن سلم، ينابيع المودّة ١/٢٣٨.

٧ - تاريخ دمشق ٤٢/٣٠٣، ٣٢٦، ٣٢٨، ٣٨٦ في ترجمة علي بن أبي طالب، المناقب - للخوارزمي/٨٥ الفصل السابع في بيان غزارة علمه وأنّه أقضى الأصحاب، وص ١٤٢ الفصل الرابع عشر في بيان أنّه أقرب الناس من رسول الله وأنّه مولى مَنْ كان رسول الله مولاه، موضح أوهام الجمع والتفريق ١/١٨٥، تاريخ بغداد ١٣/١٢٤ في ترجمة المفضل بن سلم، الفردوس بمأثور الخطاب =

١٧٢

في حديث بريدة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نُسلّم على علي بأمير المؤمنين، ونحن سبعة، وأنا أصغر القوم يومئذٍ(١) .

ولذا ورد عن أبي ذرّ (رضي الله عنه) أنّه حينما مرض أوصى لأمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه)، فقيل له: لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر لكان أجمل لوصيتك من علي. فقال: والله، لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقاً، وإنّه والله أمير المؤمنين...(٢) .

ونحوه ما رواه ابن مردويه بسنده عن معاوية بن ثعلبة قال: دخلنا على أبي ذرّ (رضي الله عنه) نعوده في مرضه الذي مات فيه، فقلنا: أوصِ يا أبا ذرّ. قال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين. قال: قلنا: عثمان؟ قال: لا، ولكن إلى أمير المؤمنين حقاً، أمير المؤمنين والله، إنّه لَرِبيّ الأرض، وإنّه لَرَباني هذه الأُمّة...(٣) .

وعن أبي شريح، أنّه قال: أتى حذيفة بالمدائن ونحن عنده أنّ الحسن

____________________

= ٥/٣٦٤، حلية الأولياء ١/٦٣ في ترجمة علي بن أبي طالب، لسان الميزان ١/١٠٧ في ترجمة إبراهيم بن محمد بن ميمون، ميزان الاعتدال ١/٦٤ في ترجمة إبراهيم بن محمود بن ميمون، مطالب السؤول/١٢٦، الكافي ١/٢٩٢، تفسير القمي ١/١٧٤، المسترشد/٥٨٤، الإرشاد/١٩، الاحتجاج ١/٨٣، اليقين - لابن طاووس/٢٨٥، مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ٢/٢٥٢، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - تاريخ دمشق ٤٢/٣٠٣ في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له، الإرشاد ١/٤٨، اليقين - لابن طاووس/٢٢٩، ونحوه في الخصال/٤٦٤، وعيون أخبار الرضا ١/٧٣، والمسترشد/٥٨٦، والأمالي - للطوسي/٣٣١، والتحصين/٥٧٥، وكشف الغمة ١/٣٥١، وغيرها من المصادر.

٢ - شرح إحقاق الحق ٨/٦٧٩ نقلاً عن مناقب عبد الله الشافعي/٨٧، واللفظ له، كتاب سليم بن قيس/٢٦٨، كشف الغمة ١/٣٥٣ ذكر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، مخاطبته بأمير المؤمنين، الشافي في الإمامة ٣/٢٢٤، اليقين - لابن طاووس/١٤٥، وغيرها من المصادر.

٣ - اليقين - لابن طاووس/١٤٦، واللفظ له، الإرشاد ١/٤٧، كتاب سليم بن قيس/٢٧١، نهج الإيمان - لابن جبر/٤٦٢، وغيرها من المصادر.

١٧٣

وعمّاراً قدما الكوفة يستنفران الناس إلى علي، فقال حذيفة: إنّ الحسن وعمّاراً قدما يستنفرانكم، فمَنْ أحبّ أن يلقى أمير المؤمنين حقّاً حقّاً فليأتِ إلى علي بن أبي طالب(١) .

وعن حذيفة أيضاً أنّه لما كتب إليه أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وأقرّه على عمله بالمدائن بعد قتل عثمان، قام خطيباً في الناس، وقال في جملة ما قال: أيّها الناس، إنّما وليّكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقّاً حقّاً، وخير مَنْ نعلمه بعد نبيّنا...(٢) .

تحجير السلطة على السُنّة النبويّة

الأمر الثاني ممّا قام به الولاة في سبيل دعم سلطانهم: التحجير على السُنّة النبويّة، بمنع تدوينها(٣) ، وحرق ما دوّن منها(٤) ، ومنع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلّا بما يتناسب مع نهج الحاكم ورغبته حتى حبس عمر عبد الله بن مسعود وأبا ذرّ(٥) ، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقّه: «ما أظلّت الخضراء، ولا

____________________

١ - أنساب الأشراف ٢/٣٦٦ (وأمّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام»، واللفظ له، ونحوه في ٣/١٧ في بيعة علي بن أبي طالب (عليه السّلام).

٢ - بحار الأنوار ٢٨/٨٩.

٣ - جامع بيان العلم وفضله ١/٦٥ باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف، كنز العمّال ١٠/٢٩٢ ح٢٩٤٧٦.

٤ - تذكرة الحفاظ ١/٥ في ترجمة أبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه)، كنز العمّال ١٠/٢٨٥ ح٢٩٤٦٠، الطبقات الكبرى ٥/١٨٨ في ترجمة القاسم بن محمد، تاريخ الإسلام ٧/٢٢٠ - ٢٢١ في ترجم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.

٥ - تذكرة الحفاظ ١/٧ في ترجمة عمر بن الخطاب، المجروحين - لابن حبان ١/٣٥ ذكر أوّل مَنْ وقى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المستدرك على الصحيحين ١/١١٠ كتاب العلم، حبس عمر (رضي الله عنه) ابن مسعود (رضي الله عنه) وغيره على كثرة الرواية، سير أعلام النبلاء ٢/٣٤٦ في ترجمة أبي الدرداء، تاريخ دمشق ٤٧/١٤٢ في ترجمة عويمر بن زيد بن قيس، المصنّف - لابن أبي شيبة ٦/٢٠١ في هيبة =

١٧٤

أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ»(١) .

وعن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال: والله، ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجمعهم من الآفاق: عبد الله وحذيفة وأبي الدرداء وأبي ذرّ وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الآفاق؟! فقالوا: أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله، لا تُفارقوني ما عشت، فنحن أعلم ما نأخذ ونردّ عليكم(٢) .

قسوة السلطة في تنفيذ مشروعها

ويبدو من بعض الروايات أنّ الأمر بلغ من الشدّة حدّاً كُمّت معه الأفواه. ففي حديث حذيفة: «كنّا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: أحصوا لي كم يلفظ الإسلام. قال: فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟! قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا. قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منّا لا يصلى إلا سراً»(٣) ولعل منه حديث مطرف قال: بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه

____________________

= الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنّه لم يذكر أبا ذرّ، وغيرها من المصادر.

١ - مسند أحمد ٥/١٩٧ باقي حديث أبي الدرداء، واللفظ له، و٢/٢٢٣ مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، و٦/٤٤٢ من حديث أبي الدرداء عويم (رضي الله عنه)، سنن الترمذي ٥/٣٣٤ أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مناقب أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه)، المستدرك على الصحيحين ٣/٣٤٢ - ٣٤٤ كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه)، صحيح ابن حبان ١٦/٧٦ كتاب إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم، مناقب أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه)، مجمع الزوائد ٩/٣٢٩ كتاب المناقب، باب في أبي ذرّ (رضي الله عنه)، المصنّف - لابن أبي شيبة ٧/٥٢٦ كتاب الفضائل، ما جاء في أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه)، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٢ - تاريخ دمشق ٤٠/٥٠٠ - ٥٠١ في ترجمة عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو، واللفظ له، كنز العمّال ١٠/٢٩٣ ح٢٩٤٧٩.

٣ - صحيح مسلم ج: ١ ص: ٩١ كتاب الإيمان: باب الاستسرار بالإيمان للخائف، واللفظ له. مسند أحمد ج: ٥ ص: ٣٨٤ حديث حذيفة بن اليمان. سنن ابن ماجة ج: ٢ ص: ١٣٣٧ كتاب الفتن: باب الصبر على =

١٧٥

الذي توفي فيه، فقال: إنّي كنت محدّثك بأحاديث، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي؛ فإن عشت فاكتم عنّي، وإن متّ فحدّث بها إن شئت، إنّه قد سلم عليّ إنّ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع بين حجّة وعمرة، ثمّ لم ينزل بها كتاب، ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال رجل فيها برأيه ما شاء(١) .

بل يبدو إنّ الأمر تجاوز ذلك إلى منع العلم والثقافة إلّا ما بذلته السلطة بحيث لا يحقّ لأحد أن يطلب العلم ويسأل إلّا في حدود خاصة، ومَنْ حاول ما خرج عن ذلك لا يقتصر على منعه، بل يُنهك عقوبة ونكالاً؛ ليكون عبرة لغيره، فلا يتجرّأ على البحث والسؤال.

فقد تظافرت النصوص أنّ صبيغاً سأل عن متشابه القرآن فعزّره عمر(٢) ، بل في بعضها أنّه أنهكه عقوبة وأضرّ به(٣) . وفي بعضها أنّه منع المسلمين

____________________

= البلاء. السنن الكبرى للنسائي ج: ٥ ص: ٢٧٦ كتاب السير: إحصاء الإمام الناس. صحيح ابن حبان ج: ١٤ ص: ١٧١ كتاب التاريخ: ذكر إحصاء المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) من كان تلفظ بالإسلام في أول الإسلام. المصنف لابن أبي شيبة ج: ٨ ص: ٦١٩ كتاب الفتن: باب من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.

١ - صحيح مسلم ٤/٤٨ كتاب الحجّ، باب جواز التمتّع، واللفظ له، الطبقات الكبرى ٤/٢٩٠ في ترجمة عمران بن حصين، سنن الدارمي ٢/٣٥ كتاب المناسك، باب في القران، مسند أحمد ٤/٤٢٨ حديث عمران بن حصين (رضي الله عنه)، أضواء البيان ٤/٣٦٦، وغيرها من المصادر.

٢ - سنن الدارمي ١/٥٤ باب مَنْ هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع، الإصابة ٣/٣٧٠ في ترجمة صبيغ بن عسل، تاريخ دمشق ٢٣/٤١١ في ترجمة صبيغ بن عسل، الاستذكار لابن عبد البر ٥/٧٠، نصب الراية ٤/١١٨، تفسير القرطبي ٤/١٥، الدرّ المنثور ٢/٧، فتح القدير ١/٣١٩، الاتقان في علوم القرآن ٢/٩، تخريج الأحاديث والآثار - للزيلعي ٣/٣٦٥، كنز العمّال ٢/٣٣٤ ح ٤١٧٠، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٣ - سنن الدارمي ١/٥٤ باب مَنْ هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع، تاريخ دمشق ٢٣/٤١٠ - ٤١١ في ترجمة صبيغ بن عسل، تفسير القرآن - لعبد الرزاق ٢/٢٤٩، تفسير القرطبي ٩/٢٢٦، تفسير ابن كثير ٢/٢٩٤، الدرّ المنثور ٦/١١١، الاستذكار - لابن عبد البر ٥/٧٠، كنز العمّال ٢/٣٣١ ح ٤١٦١، وص٣٣٥ ح ٤١٧٢، وغيرها من المصادر. =

١٧٦

من مجالسته(١) ، ومن عيادته إذا مرض(٢) ، وحرمه عطاءه ورزقه(٣) .

وعن بعضهم قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنّه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه، فتناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمر، فيقومون ويدعونه(٤) .

سيرة عمر أيّام ولايته

وذلك يناسب ما هو المعلوم من شدّة عمر وسطوته.

كما أجاب بذلك عبد الرحمن بن عوف أبا بكر لما سأله عنه، حيث قال له: إنّه أفضل من رأيك، إلّا إنّ فيه غلظة(٥) . بل أنكر بعض المهاجرين على أبي

____________________

= قال نافع مولى عبد الله: إنّ صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن... فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى نزل ظهره دبرة ثمّ تركه حتى برأ ثمّ عاد له ثمّ تركه حتى برأ فدعا به ليعود، فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت....

١ - سنن الدارمي ١/٥٤ باب مَنْ هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع، المصنّف - لعبد الرزاق ١١/٤٢٦ باب مَنْ حالت شفاعته دون حدّ، الإصابة ٣/٤٧١ في ترجمة صبيغ. تاريخ دمشق ٢٣/٤٠٨ - ٤١٣ في ترجمة صبيغ بن عسل، تفسير ابن كثير ٤/٢٤٨، الدرّ المنثور ٦/١١١، الاتقان في علوم القرآن ٢/٩، إكمال الكمال ٦/٢٠٧ باب عسل، كنز العمّال ٢/٣٣١ ح ٤١٦١، وص ٣٣٥ ح ٤١٧٣، ٤١٧٤، وص ٥١٠ ح ٤٦١٧، وص ٥١١ ح ٤٦١٨، و١١/٢٩٧ ح ٣١٥٥٩، وغيرها من المصادر.

٢ - الدرّ المنثور ٢/٧، كنز العمّال ٢/٣٣٧ ح ٤١٨٠.

٣ - الإصابة ٣/٣٧١ في ترجمة صبيغ، تاريخ دمشق ٢٣/٤١٣ في ترجمة صبيغ بن عسل، الوافي بالوفيات ١٦/١٦٣ في ترجمة صبيغ اليربوعي، الفقيه والمتفقه ٢/١٩، الدرّ المنثور ٢/٧، كنز العمّال ٢/٣٣٥ ح ٤١٧٤، وغيرها من المصادر.

٤ - تاريخ دمشق ٢٣/٤١٣ في ترجمة صبيغ بن عسل، واللفظ له، الاستذكار - لابن عبد البر ٥/٧٠، الدرّ المنثور ٢/٧، وغيرها من المصادر.

٥ - شرح نهج البلاغة ١/١٦٤.

١٧٧

بكر استخلافه لعمر، حيث قال له: استخلفت علينا عمر وقد عَتا علينا ولا سلطان له، فلو قد ملكنا كان أعتا وأعتا، فكيف تقول لله إذا لقيته؟!(١) .

وتقول أسماء بنت عميس: دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر، فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم؟! وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك. فقال أبو بكر وكان مضطجعاً: أجلسوني. فأجلسوه. فقال لطلحة: أبالله تفرّقني؟! أو أبالله تخوّفني؟! إذا لقيت الله ربّي فساءلني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك(٢) .

وزاد ابن أبي الحديد: فقال طلحة: أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله؟! فاشتدّ غضبه، فقال: إي والله هو خيرهم، وأنت شرّهم. أما والله لو وليّتك لجعلت أنفك في قفاك، ولرفعت نفسك فوق قدرها حتى يكون الله هو الذي يضعه، أتيتني وقد دلكت عينك تريد أن تفتنني عن ديني وتزيلني عن رأيي؟! قم لا أقام الله رجليك... فقام طلحة فخرج(٣) .

وفي رواية أخرى أنّ طلحة قال له: ما أنت قائل لربّك غداً وقد ولّيت علينا فظّاً غليظاً تُفرّق منه النفوس، وتنفضّ عنه القلوب؟!(٤) .

بل قال ابن قتيبة: فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر، فقالوا: نراك استخلفت علينا عمر وقد عرفته وعلمت

____________________

١ - تاريخ دمشق ٤٤/٢٤٩ - ٢٥٠ في ترجمة عمر بن الخطاب، واللفظ له، الفائق في غريب الحديث ١/٨٩.

٢ - تاريخ الطبري ٢/٦٢١ أحداث سنة ثلاث عشرة من الهجرة، ذكر أسماء قضاته وكتابه وعمّاله على الصدقات، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٢/٤٢٥ أحداث سنة ثلاث عشرة من الهجرة، ذكر استخلافه عمر بن الخطاب، شرح نهج البلاغة ١/١٦٤ - ١٦٥، وقريب منه في الفتوح - لابن أعثم ١/١٢١ ذكر وفاة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) قبل فتح دمشق.

٣ - شرح نهج البلاغة ١/١٦٥.

٤ - شرح نهج البلاغة ١/١٦٤.

١٧٨

بوائقه(١) فينا وأنت بين أظهرنا، فكيف إذا ولّيت عنّا؟ وأنت لاقٍ الله (عزّ وجلّ) فسائلك، فما أنت قائل؟ فقال أبو بكر: لئن سألني الله لأقولنّ: استخلفت عليهم خيرهم في نفسي... وكان أهل الشام قد بلغهم مرض أبي بكر استبطؤوا الخبر، فقالوا: إنّا لنخاف أن يكون خليفة رسول الله قد مات وولي بعده عمر، فإن كان عمر هو الوالي فليس لنا بصاحب، وإنّا لنرى خلعه(٢) .

وعن زيد بن الحارث أنّ أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظّاً غليظاً، ولو قد ولينا كان أفظّ وأغلظ، فما تقول لربّك إذا لقيته وقد استخلفت عمر؟!(٣) .

ويظهر من ذلك أنّ المنكرون لولاية عمر في أنفسهم وعلى أبي بكر جماعة كثيرون، ويناسبه قول أبي بكر لعبد الرحمن بن عوف: إنّي ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلّكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الأمر له دونه...(٤) .

وعن سيرة عمر في ولايته وسلطانه يقول أمير المؤمنين (صلوات الله

____________________

١ - هكذا وردت في طبعة مؤسسة الحلبي وشركائه بتحقيق الدكتور طه محمد الزيني، وكذا طبعة أمير - قم سنة ١٤١٣هـ بتحقيق علي شيري، وأمّا ما في طبعة دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤١٨هـ/١٩٩٧م بتعليق خليل المنصور فالوارد هكذا: (بوائقه).

٢ - الإمامة والسياسة ١/٢٣ ولاية عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

٣ - المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٥٧٤ كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب، واللفظ له، تاريخ المدينة ٢/٦٧١، كنز العمّال ٥/٦٧٨ ح ١٤١٧٨.

٤ - تاريخ الطبري ٢/٦١٩ أحداث سنة ثلاث عشرة من الهجرة، ذكر أسماء قضاته وكتابه وعمّاله على الصدقات، واللفظ له، مجمع الزوائد ٥/٢٠٢ كتاب الخلافة، باب كراهة الولاية ولمَنْ تستحب، المعجم الكبير ١/٦٢ وممّا أسند أبو بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الإمامة والسياسة ١/٢٠ مرض أبي بكر واستخلافه عمر (رضي الله عنهم)، تاريخ دمشق ٣٠/٤٢٠ في ترجمة أبي بكر الصديق، ميزان الاعتدال ٣/١٠٩ في ترجمة علوان بن داود البجلي، لسان الميزان ٤/١٨٨ في ترجمة علوان بن داود البجلي، وقد ذكر بعضه في النهاية في غريب الحديث ٥/١٧٧، ولسان العرب ٩/١٥، وتاج العروس ١٧/٧٢٣، وغيرها من المصادر.

١٧٩

عليه) في خطبته الشقشقية: «فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها. فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم؛ فمُنِيَ الناس - لعمرو الله - بخبطٍ وشماس، وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة»(١) .

ويقول عثمان: أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار، لقد عبتم عليّ أشياء ونقمتم أموراً قد أقررتم لابن الخطاب مثلها، ولكنّه وَقَمَكم(٢) وقمعكم، ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه، ولا يشير بطرفه إليه...(٣) .

وعن المغيرة أنّه قال: كان ممّا تميّز به عمر (رضي الله عنه) الرعب، إنّ الناس كانوا يفرقونه(٤) .

وقال الأصمعي: كلّم الناس عبد الرحمن بن عوف أنّ يكلّم عمر بن الخطاب أن يلين لهم؛ فإنّه قد أخافهم حتى إنّه قد أخاف الأبكار في خدورهنّ. فقال عمر: إنّي لا أجد لهم إلّا ذلك، وإنّهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي(٥) .

____________________

١ - نهج البلاغة ١/٣٣، واللفظ له، علل الشرائع ١/١٥١، معاني الأخبار/٣٦١، مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ٢/٤٩، وغيرها من المصادر.

٢ - وقم الدابة: جذب عنانها لتقف. ووقم الرجل َ: قهره وردّه عن حاجته أقبح الردّ.

٣ - الإمامة والسياسة ١/٢٨ ذكر الإنكار على عثمان (رضي الله عنه)، واللفظ له، تاريخ الطبري ٣/٣٧٧ أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة، تكاتب المنحرفين عن عثمان للاجتماع...، الكامل في التاريخ ٣/١٥٢ أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة، ذكر ابتداء قتل عثمان، البداية والنهاية ٧/١٨٩ أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة، إعجاز القرآن - للباقلاني/١٤٢، شرح نهج البلاغة ٩/٢٣، وغيرها من المصادر.

٤ - تاريخ المدينة ٢/٦٨ هيبة عمر.

٥ - عيون الأخبار ١/١٢ كتاب السلطان، واللفظ له، تاريخ دمشق ٤٤/٢٦٩ - ٢٧٠ في ترجمة عمر بن الخطاب، كنز العمّال ١٢/٦٥٠ - ٦٥١ ح ٣٥٩٧٩، التذكرة الحمدونية ١/١٠٩ الفصل الخامس أخبار في السياسة والآداب.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672