الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية18%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 102944 / تحميل: 8158
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

البركة فيه؛ وذلك لأن الفعل يحمل في طيّاته الطبيعة العامة والسنّة الإلهية الشاملة؛ ولذا قال اللَّه عزّ وجلّ في نفس سورة يوسف: ( لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً في السورة ذاتها: ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ) (٢) .

إذن، آية الاستشفاء ومشروعيته عامّة والمورد لا يخصّص الوارد.

هل الآية دليل على مشروعية الاستشفاء فقط؟

لابدّ من التنبيه هنا على أن الاستشفاع والتوسّل والاستغاثة والتبرّك والاستشفاء كلّها من باب واحد، وتندرج تحت طبيعة واحدة وإن تعدّدت عناوينها، فهي أصناف لطبيعة واحدة عامّة، وهي توسيط الواسطة لنجح المسؤول ونيل المطلوب.

فالتبرك مثلاً هو طلب البركة، أي طلب الحاجة بواسطة ما جعله اللَّه عزّ وجلّ من الحظوة والبركة في ذوات الأنبياء والأولياء المقدّسة أو ما يتعلّق بهم وينتسب إليهم.

وكذا الاستغاثة طلب قضاء الحاجة بواسطة المستغاث به في حالة خاصة، وهكذا بقيّة العناوين الأخرى كما ستأتي الإشارة إلى بعضها عند ذكر الفرق بين التوسّل والاستشفاع والشفاعة في الفصل الرابع.

وبناء على هذا يكون الاستشفاء بقميص يوسف عليه‌السلام المذكور في الآية

____________________

(١) يوسف: ٧.

(٢) يوسف: ١١١.

١٤١

المباركة توسيط وتبرّك وتوسّل بالقميص إلى اللَّه عزّ وجلّ.

وتكون هذه الآية الكريمة دالّة على مشروعية مطلق التوسيط بكلّ أصنافه، وليست الآية خاصة بالاستشفاء فقط، وهذا من الاستدلال على مشروعية النوع أو الجنس بمشروعية الصنف أو النوع.

هذا تمام الكلام في هذه الآية.

٢ - قصة البقرة، الواردة في قوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (١) ، فإن هذه القصة تتحدّث عن إحياء شخص من بني إسرائيل، قتل ظلماً واختلفوا في قاتله فأمرهم اللَّه تعالى للكشف عن قاتله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها، لتعود إليه الحياة ويتكلّم بذكر قاتله، قال عزّ وجلّ: ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَاتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٢) ، فهنا الباري تعالى مع كون الإحياء من فعله وليس هو بالأمر الهين، بل هو من الأمور العظيمة والكمالات الأولية لا الثانوية، مع ذلك جعل الوسيلة إليه الضرب بلحم بقرة مذكّاة، فكيف بك بالأنبياء والأوصياء، ألا تُستدرُّ بهم رحمة اللَّه عزّ وجلّ؟!

وتجدر الإشارة إلى أن البقرة لم تكن بقرة عادية، بل كانت محلّ العناية الإلهية، وقد ذُكرت لها أوصافاً خاصّة في الآيات المباركة وإن كان الاستقرار عليها بعناد من بني إسرائيل.

____________________

(١) البقرة: ٦٧.

(٢) البقرة: ٧٢ - ٧٣.

١٤٢

والفرق بين ما هو مذكور في هذه الآيات المباركة وبين تقديس البقر وعبادتها، هو وجود الأمر الإلهي وعدمه، وقد جعل اللَّه عزّ وجلّ البقرة سبباً من الأسباب الإلهية وموضعاً من مواضع قدره وإبرام قضائه في القصة المذكورة.

ويشهد على ما ذكرنا قوله تعالى في ذيل الآية الكريمة: ( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .

ومعنى ذلك أن اللَّه عزّ وجلّ جعل البقرة آية وواسطة لإحياء الموتى بإذنه ومشيئته.

٣ - قصة التابوت، التي وردت في قوله تعالى: ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (١) .

فالتابوت الذي فيه سكينة وبقيّة ممَّا ترك آل موسى وآل هارون جُعل آية معجزة لمُلك طالوت وإمامته، فتلك التركة بسبب علقتها بآل موسى وآل هارون واكتسابها البركة لإضافتها إليهم تصل إلى درجة الإعجاز والآية البيّنة لإثبات مطالب حقّة، وهي إمامة طالوت، وتوجب بروز ظواهر خارقة للعادة للتابوت تكوّن منه معجزة كما ورد في روايات الفريقين.

فهذه الواسطة تجاوزت حدّ الكرامة والبركة لتصل إلى درجة الحجّية

____________________

(١) البقرة: ٢٤٧ - ٢٤٨.

١٤٣

والإعجاز؛ ولذا قال اللَّه عزّ وجلّ في ذيل الآية الكريمة: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وذلك لبيان أن التابوت آية وعلامة وواسطة يتوسّط ويتوسل بها لإثبات مُلك طالوت وإمامته.

٤ - قصة السامري صاحب العجل، التي وردت في قوله تعالى في بني إسرائيل عندما ذهب موسى عليه‌السلام إلى ربّه: ( قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ) (١) ، إلى أن قال اللَّه عزّ وجلّ حكاية عن لسان موسى عليه‌السلام : ( قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) (٢) ، والرسول في الآية الكريمة كما في بعض الروايات هو جبرئيل عليه‌السلام عندما هبط وتمثّل على حصان ليستنقذ موسى عليه‌السلام وبني إسرائيل من فرعون وجنوده ويرشدهم إلى الطريق، من أجل العبور من مصر إلى الطرف الآخر، فكان على حصان نوريّ تمثّلي، وكان السامري من خواصّ النبيّ موسى عليه‌السلام ، فلاحظ أن حافر حصان جبرئيل عليه‌السلام عندما كان يخطو الحصان ينبت الزرع دفعة واحدة من تحته، فقبض قبضة من أثر حصان الرسول فنبذها في العجل، فإذا هو له خوار.

وقد وردت هذه القصة في روايات الفريقين:

ففي تفسير القمي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: (وكان السامري على مقدّمة موسى يوم أغرق اللَّه فرعون وأصحابه، فنظر إلى جبرئيل وكان على حيوان في صور

____________________

(١) طه: ٨٧ - ٨٨.

(٢) طه: ٩٥ - ٩٦.

١٤٤

رمكة (١) ، فكانت كلّما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري، وكان من خيار أصحاب موسى، فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل وكان يتحرك، فصرّه في صرّة، وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل، فلمَّا جاءهم إبليس واتخذوا العجل، قال للسامري: هات التراب الذي معك، فجاء به السامري، فألقاه إبليس في جوف العجل، فلمَّا وقع التراب في جوفه تحرك وخار) (٢) .

وفي جامع البيان للطبري قال: (وقوله: ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) يقول: قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرئيل)، ثم أخرج عن ابن عباس قوله: (لمَّا قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النار وتكسّرت، ورأى السامري أثر فرس جبرئيل عليه‌السلام فأخذ تراباً من أثر حافره، ثم أقبل إلى النار فقذفه فيها، وقال: كن عجلاً جسداً له خوار، فكان للبلاء والفتنة) وفي‏ حديث آخر عنه أيضاً: (فألقى القبضة على حُليّهم فصار عجلاً جسداً له خوار).

وأخرج أيضاً عن مجاهد في قول اللَّه تعالى: ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) قال: (من تحت حافر فرس جبرئيل، نبذه السامري على حلية بني إسرائيل فانسبك عجلاً جسداً له خوار) (٣) .

فإذا كان أثر التراب الذي لامس حافر فرس جبرئيل عليه‌السلام له ذلك التأثير مع أن السامري استخدمه في طريق الضلالة والغواية، فما بالك بمَن هو أشرف من جبرئيل عليه‌السلام ؟! ألا تكون المواضع التي وقف فيها الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبره

____________________

(١) الرمكة: الأنثى من الخيل.

(٢) تفسير القُمِّي، ج٢، ص٦٢.

(٣) جامع البيان، ج١٦، ص٢٥٤ - ٢٥٥.

١٤٥

والمواطن التي لامست بدنه الشريف ذات بركة وتأثير خارق لِمَا هو المعتاد، لا سيما إذا كان في طريق الهداية والانصياع للأوامر الإلهية؟!

٥ - عصا موسى عليه‌السلام ؛ حيث كانت وسيلة وواسطة للعديد من المعاجز الإلهية كانقلابها أفعى، وضرب البحر بها فكان كلّ فرق كالطود العظيم، وضرب الحجر بها فانفجرت اثنتا عشرة عيناً؛ كلّ ذلك لكونها مضافة إلى موسى عليه‌السلام ، فهي مباركة ببركة موسى عليه‌السلام وواسطة للكثير من المعاجز، فكيف بك بنفس موسى ومَن هو أفضل من موسى، ألا يكون واسطة ووسيلة لقضاء الحوائج التي هي لا تصل في العظمة والخطورة إلى حدّ المعجزة؟!

٦ - البيت الحرام؛ حيث جعله اللَّه عزّ وجلّ مباركاً تُطلب فيه البركة ويدعى فيه لقضاء الحوائج، وهو نوع توسيط لأجل طلب البركة، وذلك ما جاء في قوله تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) (١) .

____________________

(١) آل عمران: ٩٦.

١٤٦

الفصل الثالث:

شرطية التوسّل وضرورته في مقامات ثلاثة:

* قبول التوبة.

* قبول العبادات.

* نيل المقامات الإلهيّة.

١٤٧

الدليل الأول: معطيات الشهادة الثانية.

الدليل الثاني: التوسّل ضرورة عقلية.

الدليل الثالث: عموم وجوب طاعة اللَّه ورسوله وأولي الأمر.

الدليل الرابع: اقتران اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام بأعظم العبادات.

الدليل الخامس: ابتغاء الوسيلة ضرورة قرآنية.

الدليل السادس: شرطية الاستجارة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في طلب المغفرة.

الدليل السابع: التوسّل بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ميثاق مأخوذ على الأنبياء.

الدليل الثامن: ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم ) .

الدليل التاسع: الاستكبار والصدّ عن آيات اللَّه تعالى موجب لحبط الأعمال.

الدليل العاشر: خضوع الملائكة لوليّ اللَّه وخليفته.

١٤٨

شرطية التوسّل

وضرورته في مقامات ثلاثة

نريد أن نبيّن تحت هذا العنوان دور التوسّل وشرطيته في مقامات ثلاثة، وهي كالتالي:

المقام الأول: إن من شرائط التوبة وقبولها التوسّل بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

المقام الثاني: إن من شرائط قبول وصحة الإيمان (العقيدة) والعبادات مطلقاً التوسّل والتوجّه بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

المقام الثالث: إن أي توجّه إلى الحضرة الربوبية في صدد نيل مقام من المقامات الإلهية أو حظوة عند اللَّه تعالى لابدّ فيه من التوجّه بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام والتوسّل بهم.

فإن فقهاء الإمامية وغيرهم أيضاً ذكروا أن ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط في تلك المقامات الثلاثة، بمعنى معرفتهم والإيمان بإمامتهم.

وليس هذا ما نريد إثباته هنا؛ إذ هو مع وضوحه خارج عن محلّ البحث.

إذن؛ ما نريد بيانه هنا هو شرطية التوسّل بالنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام في تلك المقامات الثلاثة.

١٤٩

ولأجل اشتراك ما ادّعيناه في المقامات الثلاثة في طبيعة الأدلّة، نستعرضها ببيان واحد؛ وذلك يكون صالحاً لإثبات المدّعيات الثلاثة في المقامات المذكورة.

وإليك فيما يلي استعراض الأدلّة:

الدليل الأول: معطيات الشهادة الثانية

إن المعرفة والعقيدة والإيمان - الذي هو من العبادات، بل أعظم الفرائض الإلهية؛ لأنه إذعان وإخبات وتسليم وخضوع وانقياد للَّه تعالى، وهذه المعرفة الإيمانية للعقل والقلب هي عبادتهما وطوعانيتهما للَّه - نوع توجّه ولقاء للَّه تعالى ووفود على الحضرة الربوبية وزلفى وقرب بتوسّط الإيمان القلبي، وهذه العبادة القلبية العظيمة ممتنعة بلا واسطة، وذلك لعظمة اللَّه عزّ وجل، فلا اكتناه ولا إحاطة ولا مماسّة ولا ملامسة ولا مواجهة جسمية أو عقلية أو نفسية؛ إذ لا يُجابه الجسم إلّا ما يماثله في الجسمية، ولا يُجابه النفس أو العقل إلّا ما يماثلهما، واللَّه تعالى منزّه عن كونه جسماً أو نفساً أو عقلاً؛ لكونها من الممكنات المحدودة بحدود الماهية والفقر والحاجة.

إذن لابدّ من الوسيلة والواسطة في الإيمان، الذي هو أعظم العبادات وأعظم أنواع التوجّه إلى اللَّه تعالى؛ والواسطة هي الإيمان بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بالشهادة الثانية في مقام الإدلاء بالشهادة التوحيدية المقبولة عند اللَّه تعالى، والموجبة للخروج من حظيرة الشرك إلى التوحيد الإسلامي الخالص؛ لأنه أعظم آية للحقّ سبحانه.

وإذا كان للوسيلة هذا الدور الخطير في المعرفة وأن التوجّه إليها في المعرفة

١٥٠

توجّهاً إلى اللَّه تعالى، والمعرفة أعظم شأناً من سائر العبادات، فكيف لا يكون التوجّه في عبادة البدن والنفس إلى اللَّه تعالى بالوسيلة؟! وكيف لا يسوغ التوجّه في الخطاب الكلامي بألفاظ الدعاء إلى الوسيلة، ويكون دعاؤها دعاء بها إلى اللَّه تعالى؟!

ففي حاقِّ وعمق عبادة الإيمان والتوجّه القلبي لابدّ من التوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للوفود على اللَّه عزّ وجل، فلا يتحقّق التوحيد ولا يكون المرء مؤمناً، إلّا إذا توجّه بقلبه إلى اللَّه تعالى بالشهادة الأولى والشهادة الثانية، ومَن ينفي أي اسم أو واسطة مع اللَّه تعالى عند التوجّه إليه فهو واقع في مغبّة الشرك والوثنية من حيث يشعر أو لا يشعر، نظير وثنية قريش؛ حيث كانوا لا يدينون اللَّه تعالى بطاعة وولاية نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإذا كان الإيمان والمعرفة كذلك، فكيف بباقي العبادات التي هي أقلّ شأناً وخطورة؟!

والحاصل: أن المعرفة والإيمان والتوحيد الذي يتضمّن الدين بأجمعه لا يحصل إلّا بالتوسل بآيات اللَّه الكبرى، ومزاوجة الشهادة الثانية بالشهادة الأولى، وهذا يعني أن أي شأن من الشؤون الدينية كالتوبة أو العبادة أو نيل مقام من المقامات الإلهية لا يمكن أن يتحقّق إلّا بالمحافظة على الشهادة الثانية، والإقرار بها وبمعطياتها وتداعياتها ومقتضياتها في كافّة أصول وفروع المعارف التوحيدية، ولا شك أن الإيمان بالشهادة الثانية توجّه قلبي بالنبي الأكرم للَّه عزّ وجل؛ إذ الإيمان كما أسلفنا طلب للقرب والزلفى ولقاء اللَّه تعالى، وهذا القرب إنما يتحقّق بتوسيط الشهادة الثانية، وهي شهادة أن محمّداً رسول

١٥١

اللَّه ووليّه وخليفته في أرضه.

فالإسلام يدعو إلى التوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الإيمان والاعتقاد، وهو أفضل عبادة، فضلاً عن بقيّة العبادات الأخرى، والإباء عن التوجّه في العبادة بخاتم الأنبياء إنكار للشهادة الثانية ودعوة إلى الشرك باسم التوحيد، وهذا ما أخفق فيه السلفيُّون؛ حين جحدوا التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تراهم يقرنون لون الشهادة الثانية ومؤداها ومعطياتها بلون الشهادة الأولى في رسم بناء التوحيد في أدبيات كتبهم، فيقتصرون على تفسير الشهادة الأولى في التوحيد، من دون أن يهتدوا إلى كيفية ركنية مؤدّى الشهادة الثانية في أركان التوحيد، وكيفية ضرورة الربط والارتباط بين مؤدّى كل من الشهادتين في رسم أصل التوحيد، ومنه يظهر أن التوسّل والتوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرورة وليس مجرد خيار مشروعية.

الدليل الثاني: التوسّل ضرورة عقلية

على الرغم من أن هناك من أعلام السُّنَّة من أكّد على رجحان التوسّل ومشروعيّته، كالقاضي عياض في كتابه: (الشفا بتعريف حقوق المصطفى)، والسُبكي في: (شفاء السقام والسيف الصقيل)، والسمهودي في: (وفاء الوفا)، وتقي الدين الحصني الشافعي في كتابه: (دفع الشبه عن الرسول والرسالة) وغيرهم.

إلّا أن ما نرمي إليه في هذه الأبحاث أبعد من ذلك؛ إذ إن الرجحان والمشروعية لا يثبتان سوى التخيير وكون التوسّل أمراً مرغوباً فيه، يجوز للمكلف تعاطيه وله تركه أيضاً، وما نريد التأكيد عليه هنا هو أن مبدأ التوسّل أمر ضروري يحكم العقل بلا بُدِّيَّته وعدم إمكان المحيص عنه؛ وذلك لأن نفي

١٥٢

الواسطة والوسيلة بين العبد وبين ربّه في مقام التوجّه إليه تعالى لا يخرج عن أحد فروض ثلاثة كلّها باطلة:

الأول: فرض المجابهة والمواجهة المباشرة للَّه تعالى حين التوجّه إليه في الدعاء والعبادة، وبطلان هذا الفرض واضح؛ إذ يلزم منه التشبيه للذات الإلهية، وقد ثبت بطلانه في الأبحاث العقائدية؛ لتنافيه مع الصفات الكمالية اللّامتناهية لواجب الوجود.

بيان الملازمة:

إن مجابهة ومواجهة البشر العاديين المباشرة للذات الإلهية المقدّسة إمَّا أن تكون حسّية جسمانية أو نفسانية روحية أو عقلية، وهذه الأقسام الثلاثة من المجابهة المباشرة هي التشبيه الباطل بعينه؛ وذلك لأن ارتباط المواجهة الجسمية إنما يفرض مع ما هو جسم، لقانون التضايف بين المتجابهين، وهكذا توجّه المواجهة الروحية والقلبية لِمَا هو روح والمواجهة العقلية لِمَا هو عقل أيضاً. فكلّ هذه الأقسام المفروضة للمواجهة المباشرة للَّه تعالى لم تخرج عن دائرة التشبيه للذات المقدّسة بكونها جسماً أو روحاً أو عقلاً، وهو الشرك بعينه؛ لكونه موجباً لسلب واجب الوجود عن واجبيَّته وكماله المطلق اللّامتناهي، ووصفه بصفات المخلوق المحدود بحدود الإمكان والماهية والفقدان والاحتياج والافتقار.

وحاصل هذا الفرض هو: مواجهة البشر العاديين المباشرة للَّه تعالى، وهو فرض التشبيه الباطل بكلّ مراتبه.

١٥٣

الثاني: القول بالتعطيل وعدم السبيل إلى اللَّه تعالى ومعرفته والتوجّه إليه، وهو باطل؛ لأن معرفة اللَّه تعالى واجبة والتي هي نوع لقاء للَّه عزّ وجل وتوجّه إليه وزلفى.

الثالث: دعوى أن الناس بأجمعهم لهم ارتباط مباشر مع اللَّه تعالى فوق الجسم والروح والقلب والعقل بما لا يستلزم التشبيه، وهذا باطل بالوجدان، وقد رفض القرآن الكريم أيضاً الإيحاء والوحي إلى جميع البشر واستنكر ذلك على المشركين، كما في قوله تعالى: ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِيٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً ) (١) . وقد ردّ اللَّه عزّ وجل في آيات أخرى على هذه المقالة الباطلة؛ حيث قال: ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ) (٢) .

ومع بطلان هذه الفروض الثلاثة تكون النتيجة ضرورة الإيمان بالوسائل والوسائط والآيات، والرجال المؤهّلين للارتباط باللَّه تعالى، وهم الأنبياء والأولياء والمصطفين، الذين اصطفاهم اللَّه عزّ وجل وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في كلّ ما يحتاج الخلق إليه وفي كلّ توجّه وطلب ودعاء وزلفى إلى اللَّه تعالى، سواء كان على مستوى التوبة أو سائر العبادات أو نيل مقام من المقامات الإلهية، وليس ضرورة التوسيط إلّا لعظمة اللَّه عزّ وجل وعلوه عن التجسيم

____________________

(١) المدّثر: ٥٢.

(٢) الأنعام: ١٢٤.

١٥٤

والتشبيه والتعطيل.

ثم إن آيات اللَّه الكبرى وأسمائه العظمى - التي جعلها واسطة في التوجّه إليه - هي أيضاً لا تتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل بالمباشرة، ولا تجابهه إلّا بذواتها، فتوجّه الوسائط أيضاً إلى اللَّه تعالى إنما يكون بذواتها التي هي آية لمعرفة اللَّه عزّ وجل، ولا توجد أي مجابهة بالمباشرة لأيّ مخلوق من المخلوقات.

التوسّل في كل النشآت، ولأصناف المخلوقات:

والحاصل: أن اللَّه تعالى لعظمته وعظيم صفاته لا يجابه ولا يواجه إلّا بالوسائل والآيات، ولا يستثنى من ذلك القانون وتلك السنّة الإلهية التكوينية أي مخلوق من المخلوقات في كلّ شأن من شؤونه المعرفية والعبادية في هذه النشأة وفي جميع النشآت؛ ولذا قالت الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام في مستهل خطبتها المعروفة في هذا المجال: (فاحمدوا اللَّه الذي بعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات ومَن في الأرض إليه الوسيلة، فنحن وسيلته في خلقه، ونحن آل رسوله، ونحن حجّة غيبه وورثة أنبيائه) (١) .

وكذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : (وبعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات والأرض مِن جميع خلائقه إليه الوسيلة) (٢) .

إذن قانون ومبدأ التوسّل ضرورة يدركها العقل ويُقرّ بها - لعظمة اللَّه تعالى - وليس أمراً تخييرياً ولا مشروعاً فحسب.

____________________

(١) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج١٦، ص٢١١، وأبو بكر الجوهري البغدادي، السقيفة وفدك، ص١٠١.

(٢) الكافي، ج١، ص١٢٩.

١٥٥

الدليل الثالث: عموم طاعة اللَّه ورسوله وأولي الأمر

إن ضرورة المسلمين قائمة على أن جميع العبادات فيها ما هو فرائض قرآنية إلهية ومنها ما هو سنن نبويّة، كما في الصلاة والصيام والحجّ والزكاة والجهاد وغيرها؛ إذ هي فرائض إلهية في أصل وجوبها في الدين. وأمَّا تفاصيلها وأجزائها وشرائطها وأقسامها، فهي سنن نبويّة وصلتنا عن طريق أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكلّ المسلمين بتلك التفاصيل والتشريعات الخاصة. ومن أمثلة ذلك ما ورد في روايات الفريقين من أن الصلوات كان فرضها من اللَّه تعالى ركعتين لكلّ صلاة وما زاد عليها في كلّ صلاة كان من سنّة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره وفرضه (١) ، وهكذا بقيّة التفصيلات والتشريعات القانونية النبويّة ضمن الفرائض الإلهية، وكتب الحديث مليئة بالأوامر النبويّة في مجمل الأبواب الفقهية وغيرها.

إذن، فيكون الإتيان بالصلاة والزكاة والحجّ وغيرها طاعة لأمر اللَّه وأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تُستعلم طاعة اللَّه عزّ وجل من دون طاعة الرسول الأكرم في أوامره ونواهيه، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله باب طاعته تعالى؛ لأنه هو الدالّ والمبيّن والناطق الرسمي عن أوامر اللَّه عزّ وجل ونواهيه.

وهذا ما كنّا نُعبّر عنه بتداعيات ومقتضيات الشهادة الثانية؛ إذ هي تستدعي الإتيان والالتزام بجملة الدين طاعة للَّه ورسوله.

وهذا ما تكاثرت ودلّت عليه جملة من الآيات القرآنية، كما في قوله تعالى:

____________________

(١) وسائل الشيعة، أبواب القراءة في الصلاة، ب١، ح٤، ومسند أحمد، ج٦، ص٢٤١، ومسند عائشة، والهيثمي، مجمع الزوائد، ج٢، ص١٥٤.

١٥٦

( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ) (١) .

وقوله تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٢) .

ثم إن اللَّه عزّ وجل حذّر المسلمين من المخالفة لأوامر الرسول الأكرم، وبيّن في آيات عديدة العواقب الوخيمة التي تترتب على مخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أوامره، كما في قوله تعالى: ( لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٣) ، وكذا قوله تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ) (٤) ، وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٥) ، وقوله عزّ وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (٦) ، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية التي جاءت في ضمن السلك العام والسنّة الإلهية الشاملة لطاعة الرُّسُل كافّة، كما في قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) (٧) ، ومن الجدير بالالتفات أن تتمة هذه الآية المباركة هو قوله

____________________

(١) آل عمران: ٣٢.

(٢) آل عمران: ١٣٢.

(٣) النور: ٦٣.

(٤) المائدة: ٩٢.

(٥) الأنفال: ٢٠.

(٦) محمد: ٣٣.

(٧) النساء: ٦٤.

١٥٧

عزّ وجل: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (١) والتي سيأتي الاستدلال بها على شرطية التوسّل في المقامات الثلاثة المتقدّمة.

والحاصل: أن أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اقترنت بأوامر اللَّه وفرائضه في مجمل أحكام الدين الإسلامي، وقد أكّدت الآيات القرآنية على وجوب اقتران طاعة اللَّه تعالى بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه طاعة عامّة كطاعة اللَّه عزّ وجل في كلّ أبواب الدين برمّته، بلا استثناء لأي جانب من جوانب الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي؛ ومعنى ذلك أن نيّة القربة إلى اللَّه تعالى وطاعته في جميع العبادات إنما تتحقّق بتوجّه العبد إلى ربّه بطاعة نبيّه، ففي كلّ عبادة إنما يتوجّه العبد إلى اللَّه تعالى للتقرّب إليه بطاعته وطاعة رسوله.

فذلكة صناعية لأخذ التوسّل في نية القربة:

ولا شك أن حقيقة العبادات بالنيّة القربيّة، والنيّة القربيّة إنما تحصل بالسبب المؤدّي إلى القربة، والقربى غاية مسبّبة سببها الطاعة لأوامر للَّه تعالى، وطاعة اللَّه عزّ وجل لا تتحقّق إلّا إذا كانت مقترنة بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ إنَّ النيّة التي هي روح العبادة إنما تحصل بوسيلة وواسطة طاعة النبي، ومَن لم ينوِ القربة بهذا النحو في العبادة تكون عبادته شركاً باللَّه تعالى؛ لعدم التوجّه إلى اللَّه عزّ وجل بأبوابه التي أمر بتوسيطها وطاعتها وامتثال العبادات انقياداً لأوامرها.

ومَن يريد أن يفصل في صلاته وحجّه وصومه طاعة اللَّه عن طاعة الرسول

____________________

(١) النساء: ٦٤.

١٥٨

يكون على الوثنية الجاهلية التي يشنؤها اللَّه عزّ وجل وعبّر عنها في قرآنه الكريم بالشرك والنجس، وطاعة كلّ مَن لم يأمر اللَّه بطاعته وثن من الأوثان، بل حتى صلاته تصبح وثناً إذا كانت صادرة عن طاعة غير مَن أمر اللَّه بطاعته، وإن كان ذلك المطاع هو الهوى وتحكيم سلطان الذات على سلطان اللَّه عزّ وجل، كما في الوثنية القرشية التي ذمّها القرآن الكريم.

ومن ذلك يتّضح أن أي عبادة من العبادات أو قربة من القربات أو نيل مقام من المقامات القُربية أو الفوز بحظوة عند اللَّه تعالى لا يمكن أن تتحقّق من دون توسيط طاعة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك العبادة أو ذلك المقام.

ففي مقام التقرّب والنيّة والقصد جُعلت القبلة المعنوية طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتدين بولايته والخضوع له، الذي هو خضوع للَّه عزّ وجل، كخضوع الملائكة لآدم؛ لأنه باب اللَّه تعالى.

هذا كلّه في مقتضيات الشهادة الثانية وضرورة اقترانها بالشهادة الأولى.

كذلك أكّدت الآيات القرآنية على ضرورة الشهادة الثالثة واقترانها بالشهادة الثانية تبعاً للشهادة الأولى.

والشهادة الثالثة عبارة عن طاعة أولي الأمر، الذين أمر اللَّه بطاعتهم في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلاً ) (١) ؛ حيث قرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد بيّن اللَّه تبارك وتعالى في قرآنه الكريم المراد من أولي الأمر الذين تجب

____________________

(١) النساء: ٥٩.

١٥٩

طاعتهم، بعد أن بيّن تعالى المقصود من الأمر الذي هم أولياؤه، وأنه أمر ملكوتي من عالم كن فيكون، كما في قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) ، وقوله تعالى: ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) (٢) ، وكذا قوله عزّ وجل: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) (٣) ، وقوله تعالى: ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٤) ، ثم أفصحت الآيات القرآنية عن كون الأمر عبارة عن تدبير السماوات والأرض، قال تعالى: ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (٥) .

إذن؛ أولو الأمر هم الذين يتنزّل عليهم الأمر في ليلة القدر وفيها يفرق كلّ أمر حكيم، قال تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (٦) ، وقال عزّ وجلّ في وصف ليلة القدر: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٧) ، ثم بيّن اللَّه عزّ وجلَّ أن شريعة النبي الأكرم من ذلك الأمر الحكيم الذي يفرق في ليلة القدر؛ حيث قال عزّ وجلَّ مخاطباً نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ

____________________

(١) يس: ٨٢.

(٢) القمر: ٥٠.

(٣) الشورى: ٥٢.

(٤) الأعراف: ٥٤.

(٥) السجدة: ٥.

(٦) القدر: ٣ - ٥.

(٧) الدخان: ٣ - ٦.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

(17)

واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي

واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي

  استقلال الخير: عدّة قليلاً، واعتبار ما صدر من الإنسان من الخيرات شيئاً يسيراً، وإن كان في الواقع كثيراً، سواء الخير من أقواله أم أفعاله.

  واستكثار الشرّ: عدّة كثيراً، وإن كان في الواقع قليلاً نادراً، سواء في قول الشرّ أم عمله.

وهذه من الخصال المحمودة التي هي حيلةٌ وزينة.

ليس فقط لا يحدّث الإنسان الناس بخيراته وأعماله الخيّرة، بل يعدّها عنه نفسه نزراً يسيراً.

وفي مقابله إن صدر منه شيرٌ قليل، ليس فحسب لا يتهاون به، بل يعدّه عند نفسه كثيراً.

وهذا الاستقلال والاستكثار مفيدان غاية الفائدة في تهذيب النفس، وتزكية الروح، وذلك:

  أمّا استقلال الخير من نفسه، ففائدته عدم استيلاء العُجب عليه.

٢٢١

والعجب هو: استعظام العمل الصالح واستكثاره، والإدلال به، وأن يرى الإنسان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير.

وهو يوجب سقوط العمل عن القبول، وهو مذموم، كما تلاحظ ذمّه في الأحاديث الشريفة، ومنها: ـ

1 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ بينما موسى عليه السلام جالساً، إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنى من موسى عليه السلام خلع البرنس، وقام إلى موسى فسلّم عليه.

فقال له موسى: مَن أنت؟

فقال: أنا إبليس.

فقال له: أنت، فلا قرّب الله دارك.

قال: إنّي جئت لاُسلّم عليك كلمكانك من الله.

فقال له موسى عليه السلام: فما هذا البُرنس؟

قال: به أختطفُ قلوب بني آدم.

فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه؟

قال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه (1).

2 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال:

قال داود النبيّ عليه السلام: لأعبدنَّ الله عبادة، ولأقرأنَّ قراءةً لم أفعل مثلها قطّ، فدخل في محرابه، ففعل.

فلمّا فرغ من صلاته، إذا هو بضفدع في المحراب، فقال لداود: ـ أعجبَكَ اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك؟

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 237 / ح 8.

٢٢٢

فقال: نعم.

فقال: لا يعجبنّك، فإنّي اُسبّح لله في كلّ ليلةٍ ألف تسبيحة، يتشعّب لي مع كلّ تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، وأنّي لأكون في قعر الماء فيصوّت الطير في الهواء، فأحسبه جائعاً، فأطفوا له على الماء ليأكلني وما لي من ذنب (1) .

3 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

تصعد الحفَظَة بعملِ العبد يزهر كالكوكب الدرّيّ في السماء، له دويٌّ بالتسبيح، والصوم، والحجّ، فيمرّ به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له: قِف، فاضرب بهذا العمل وجة صاحِبه وبطنَه، أنا مَلَك العُجب، إنّه كان يعجبُ بنفسه، وأنّه عمل وأدخل نفسه العُجب، أمرني ربّي أن لا أدع عملَه يتجاوزني إلى غيري، فاضرب به وجه صاحبه (2) .

فاستقلال الإنسان الخير من نفسه يفيد الإنسان التحذّر عن هذا العجب المفسد لذلك العمل الخيّر.

  وأمّا استكثار الشرّ من نفسه، ففائدته عدم التهاون بالمعصية.

والتهاون بالمعصية هو جعلها هيّنةً، وعدم الاهتمام بها، وهو يوجب الجرأة على عصيان الله العظيم، عصيان جبّار السماء والأرض، وهو مذموم ممقوت كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة منها: ـ

1 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرضٍ قرعاء ـ أي لا نبات ولا شجر فيها ـ فقال لأصحابه: ائتوا بحطب.

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 71 / ص 230 / ح 7.

(2) مستدرك الوسائل / ج 1 / ص 141 / ح 17، ولاحظ قضيّة ابن الماوردي في كون العجب مقروناً بالجهل، في سفينة البحار / ج 6 / ص 156.

٢٢٣

فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرضٍ قرعاء، ما بها من حطب.

قال: فليأت كلّ إنسن بما قدر عليه.

فجاؤوا به، حتّى رَمَوا بين يديه بعضه على بعض.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب... (1).

2 ـ حديث أمير المؤمنين عليه السلام: ـ

(أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه) (2) .

3 ـ حديث وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله لأبي ذرّ الغفاري رضوان الله عليه: ـ

يا أبا ذرّ.. إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة، يخاف أن يقع عليه، وإنّ الكافر ليرى ذنبه كأنّه ذباباٌ مرَّ على أنفه.

يا أبا ذرّ، إنّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثّلة، والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبدٍ شرّاً أنساه ذنوبه.

يا أبا ذرّ، إنّ نفس المؤمن ارتكاضاً ـ أي اضطراباً ـ من ال خطيئة من العصفور حين يقذف في شَرَكه (3) .

فإذا استكثر الإنسان الشرّ من نفسه، لم يتهاون به، بل اشتدّ اجتنابه عنه.

فاللّازم علنيا في مكارم أخلاقنا أن نستقلّ الخير من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن كثرت.

وأن نستكثر الشرّ من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن قلّت.

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 218 / ح 3.

(2) غرر الحكم ودرر الكلم / ج 1 / ص 192 / ح 318.

(3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 79.

٢٢٤

وفي حديث الإمام الكاظم عليه السلام: ـ

(لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذنوب، فإنّ قليل الذنوب يجتمع حتّى يكون كثيراً) (1) .

فالمفروض علينا أن نهذّب أنفسنا ونروّضها على هاتين الخصلتين، فنفكّر في خيرات وعبادات ومواعظ أولياء الله تعالى، فتصغر في أعيننا خيرنا وعبادتنا وأقوالنا.

ونفكّر في نزاهة أولياء الله من الشرور والذنوب في قولٍ أو فعلٍ منهم، فتكثر في أعيينا شرورنا ومعاصينا.

وأهل البيت عليهم السلام لم يكن لهم شرٌّ في الحياة في آنٍ من الآنات، وكانت حياتهم مليئة بالخيرات والطيّبات من أقوالهم وأفعالهم، وبالرغم من ذلك كانوا يستقلّون خير أنفهسم، كما مرّ عليك في حديث الأعرابي الذي وفدَ على الإمام الحسين عليه السلام حين أغناه بأربعة آلاف دينار، ومع ذلك كان يعتذر إليه بقلّة النفقة منه (2) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 73 / ص 346.

(2) بحار الأنوار / ج 44 / ص 190.

٢٢٥

٢٢٦

(18)

وأكمِلْ ذلكَ لي بدوام الطاعة

الطاعة هي: موافقة الأمر، وامتثاله والانقياد له.

كامتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، فإنّه طاعةٌ لله تعالى.

ودوام الطاعة: استمرارها، مضافاً إلى إيجادها وتحقّقها.

والسعادة العظمى في الدُّنيا والآخرة هي إطاعة الله تعالى، وإطاعة من أمرنا الله تعالى بإطاعتهم.

وهم الرسول الأعظم وأهل بيته الكرام عليهم السلام فو قوله عزّ اسمه: ـ

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) .

وقد تظافرت الأحاديث من الفريقين في تفسير اُولي الأمر بأهل البيت الطيّبين، الأئمّة المعصومين عليهم السلام (2) .

وهذه الإطاعة فوز الدُّنيا والآخرة، وسعادة الدارين الاُولى والاُخرى.

__________________

(1) سورة النساء: الآية 59.

(2) لاحظ تفسير البرهان / ج / ص /. وإحقاق الحقّ / ج 3 / ص 424.

٢٢٧

قال تعالى: ( يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) (1) .

وقال عزّ اسمه: ـ ( وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) (2) .

وذكرت الأحاديث الشريفة فضلها وفضيلتها في جملة منها مثل: ـ

1 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(... إنّ طاعة الله نجاحُ كلّ خيرٍ يُبتغى، ونجاةٌ من كلّ شرٍّ يُتّقى، وإنّ الله العظيم يعصم من أطاعه، ولا يعتصم منه من عصاه) (3) .

2 ـ حديث الإمام الرضا عليه السلام في قوله تعالى: ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (4) قال عليه السلام: ـ (لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى الله عزّوجلّ نفاه الله عن أبيه.

كذا من كان منّا لم يطع الله فليس منّا.

وأنت إذا أطعت الله فأنت منّا أهل البيت) (5) .

فإطاعة الله تعالى هو الإكسير الأعظم، والفوز الأتمّ، بخير الدارين، وسعادة النشأتين والاستمرار عليها.

وإطاعة الإنسان لربّه، وللرسول صلى الله عليه وآله، ولأهل البيت عليهم السلام، عجيبة في النتيجة، من حيث إنّها توجب أن يكون الإنسان من أولياء الله المقرّبين، ومن مظاهر قدرة ربّ العالمين، حتّى أنّها توجب نيل الكرامات وإطاعة المخلوقات للإنسان كما تلاحظه في مثل: ـ

1 ـ الصاحبي الجليل سلمان المحمّدي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي

__________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 71.

(2) سورة النساء: الآية 69.

(3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 69.

(4) سورة هود: الآية 46.

(5) بحار الأنوار / ج 43 / ص 230.

٢٢٨

تلاحظها في مثل حديث القدر المغلي (1) ، وحديث طينته (2) .

2 ـ جابر الجُعفي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي تجدها في مثل طيّ الأرض له، وسفره إلى أرض السواد (3) .

وهذه الفقرة من الدّعاء الشريف يُطلب فيها من الله تعالى تكميل تلك المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة: بسط العدل، وكظم الغيظ.. إلخ، بدوام طاعة الله تعالى، وعدم عصيانه.

فإنّ ترك الطاعة وارتكاب المعصية، نقضٌ لتلك المكارم الأخلاقيّة، بل موجبٌ لارتكاب الاُمور المذمومة، والأفعال المحرّمة.

فيُطلب دوام الطاعة في الأوامر والنواهي الإلهيّة، وفي الصفات المرغوبة الأخلاقيّة.

وهذا يحتاج إلى الطلب من الله تعالى؛ لأنّ البقاء على العمل أصعب من نفس إتيان العمل، ومستلزمٌ للصبر وتحمّل المشقّة.

  والمثل الأعلى في دوام الطاعة، وعدم الخروج عنها طرفة عين هم أهل البيت عليهم السلام الذين لم يعصوا ولا يعصون الله تعالى فيما أمرهم، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

لم يخالفوا الله تعالى في صفيرةٍ ولا كبيرة، في شدّةٍ ولا رخاء، حتّى أنّهم لم يفعلوا ما كان الأولى تركه، ولم يتركوا ما كان الأولى فعله.

فاتّصفوا بالعصمة الكبرى والطهارة العظمى، كما تدلّ عليه أدلّة الكتاب والسنّة مثل: آية التطهير، وأحاديث العصمة المرويّة من طرق الفريقين (4).

__________________

(1) رجال الكشّي / ص 19.

(2) الاختصاص / ص 221.

(3) رجال الكشّي / ص 172.

(4) لاحظ تحقيقه ومصادره في كتاب العقائد الحقّة / ص 349 / مبحث العصمة.

٢٢٩

فيلزم علينا الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام، وتكميلاً للصفات الحسنة التي هي حلية الصالحين وزينة المتّقين، وترويض النفس على الصبر عليها، وعدم إبداء السخط منها، لكي يحصل لنا الكمال بتلك الصفات، والأجر بالصبر عليها، وعدم الندامة من تركها.

فإنّ تركها يوجب الندم، وإظهار السخط منها يوجب الخجل، كما في قضيّة ذلك العالم المحقّق الذي أبدى السخط، ولم يصبر عند تأخير حاجته، فحصلت له الندامة.

فقد حكى بعض السادة الأجلّاء الثقات عن أحد العلماء المحقّقين الذي كان يؤلّف كتاباً في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام الذي هو من أهمّ الوظائف الشرعيّة على علماء الدِّين، وأصحاب القلم من المحقّقين.

فاحتاج هذا العالم في مصادر كتابه إلى كتاب كان نادر الوجود، وكلّما بحث عنه في النجف الأشرف لم يعثر عليه، وكان يعلم أنّه موجود في النجف، لكن لم يعرف أنّه عندَ مَن.

فتوسّل بالإمام أمير الؤمنين عليه السلام أن يهيّئ له ذلك الكتاب، حتّى يستعيره ويستفيد منه وينقل عنه.

ودام التوسّل بالإمام عليه السلام ستّة أشهر متواصلة، لكن لم تحصل له النتيجة.

وبعد هذه المدّة الكثيرة، وبينما هو أمام الضريح المقدّس، وملتصقٌ به، ويتوسّل بالإمام ويطلب منه الكتاب ويقول:

(أنت مولاي، وتعلم بإذن الله تعالى أين يوجد الكتاب، وأنا محتاج إليه، فارشدني إلى موضعه).

بينما هو يقول هذا، إذ سمع من الطرف الآخر من الضريح لمقدّس، شخصاّ

٢٣٠

آخر يطلب من الإمام عليه السلام حاجته، ويبدو من لسانه أنّه شخصٌ قرويّ، ويقول بلهجةٍ حادّة للإمام عليه السلام: ـ

(لو لم تعطني حاجتي لا أزورك بعد هذا أبداً).

ومرّت سبعة أيّام على هذه القضيّة، وبينا أنا أيضاً مقابل للضريح الشريف أطلب حاجتي، إذ سمعت ذلك القروي يقول للأمير عليه السلام بلهجته الخاصّة: ـ

(أروح لك فدوه يا علي، أعطيتني حاجتي، كفو، كفو، كفو).

قال ذلك العالم: لمّا رأيت أنا ذلك هاجت نفسي، وخرجتُ عن الطبيعة، ونفذ صبري، وصرتُ أقول للإمام عليه السلام بخشونة شديدة.

(شنو حاجة هذا المعيدي غير الدُّنيا، تعطيه سريعاً، ولا تعطيني حاجتي وهي للدفاع عنكم وكتابة فضائلكم).

وخرجت من الحرم الشريف شبه الزعلان، وبحالة الغضب ـ وهذا هو محلّ الصبر على الطاعة وعلى تلك المكارم الأخلاقيّة، وامتحان من يدوم له لين العريكة ومن لا يدوم ـ.

ولمّا وصلت إلى داري ندمتُ كثيراً على أنّه لماذا تجاسرت بخدمة الإمام عليه السلام وهو خلاف الأدب.

وخصوصاً وبيما أنا كذلك، إذ طرق باب الدار جارٌ لنا، فذهب ولدي وفتح الباب، ودخل عَليَّ جارنا، فرحّبت به، وجلس عندي، ودار الكلام عندنا فقال الجار: نحن في حالة انتقال إلى دارٍ جديد، وقد نظّفنا دارنا الفعلي لنحوّله إلى المشتري، وفي أثناء تنظيف رفوف الدار عثرتُ في الرفّ الأعلى على كتابٍ أنا لا أستفيد منه لأنّي لا أعرف القراءة والكتابة..

فقلتُ لابني: ـ إذهب بهذا الكتاب، واجعله في المسجد.

فقال ابني: ـ لا يا أبه، لا تجعله في المسجد، بل أعطه لجارنا العالم ـ حتّى

٢٣١

يستفيد منه، وهو هذا الكتاب، جئت به إليك هديّة لك.

قال ذلك العالم: فأخذتُ منه الكتاب، فإذا هو نفس الكتاب الذي طلبته من أمير المؤمنين عليه السلام، طلبتُ منه أن يرشدني إليه لأستعيره، لكن ذلك الكريم صلوات الله عليه أهداه لي، وملّكه بدل الاستعارة.

فذهبت واعتذرت من أمير المؤمنين عليه السلام على سوء أدبي، وعدم صبري، وتشكّرت منه على لطفه وإحسانه.

وعليه فالمطلوب تكميل مكارم الأخلاق بدوام الطاعة واستمرارها، وعدم النقض بالمعاصي والمحرّمات، أما بما يخالف الأخلاقيّات.

فيُستدام على الطاعات بصبر، ويستمرّ على المكارم والأخلاقيّات بتحمّل، فيحصل بذلك الكمال الكامل، والفضل الشامل.

٢٣٢

(19)

ولزوم الجماعة

اللّزوم هو: الملازمة، وعدم المفارقة.

والجماعة هي: جماعة الناس..

والمراد بها جماعة المؤمنين المتّفقين على المذهب الحقّ، لا كلّ جماعةٍ وإن كانت باطلة.

و «أل» فيها عهديّة، والمعهود في الدّعاء جماعة أهل الحقّ..

نظير «أل» العهديّة في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (1) حيث إنّ المعهود فيها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

وقوله عليه السالم: (ولزوم الجماعة) معطوف على قوله: (بدوام الطاعة) أي واكمل لي ذلك بلزوم الجماعة.

فتكمل المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة بدوام طاعة الله تعالى والاستمرار عليها، وملازمة جماعة أهل الحقّ وعدم مفارقتهم.

بل عدم مفارقتهم ولو لحظةً واحدة حتّى يدصق التلازم وعدم الافتراق، كما

__________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 6.

٢٣٣

تلاحظه في الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار، فإنّهما لا يفترقان أبداً.

حيث إنّ المفارقة عن الحقّ لا يعني إلّا الدخول في الباطل، فإنّه ليس بعد الحقّ إلّا الضلال.

ويدلّ على كون المراد بالجماعة جماعة أهل الحقّ، الحديث الصادقي الشريف:

(سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله: ما جماعة اُمّتك؟

فقال: ـ جماعةُ اُمّتي أهل الحقّ، وإن قلّوا).

وفي حديثٍ آخر: (فقال: من كان على الحقّ، وإن كانوا عشرة) (1) .

فمفاد الدعاء الشريف طلب ملازمة جماعة أهل الحقّ التي هي الفضائل المكمّلة لمكارم الأخلاق، ومعالي الصفات.

فهي التي تكون حلية الصالحين، وزينة المتّقين، وإلّا فملازمة أهل الباطل رذيلة ومعيبة، وليست حلية وزيزنة.

والجدير بالبيان هو معرفة أنّه:

مَن هم جماعة أهل الحقّ الذين يلزم متابعتهم وملازمتهم؟

الجواب: هم الذين بيّنهم الرسول الأعظم، ونصّ عليهم صاحب هذا الدِّين، النبيّ الأمين صلى الله عليه وآله، فقال في الأحاديث المتظافرة المتّفق عليها بين الفريقين: ـ

(عليٌّ مع الحقّ والحقّ معه، يدور حيثما دار) (2) .

(أهل بيتي مع الحقّ، والحقّ معهم، لا يفارقهم ولا يفارقوه) (3) .

فمحور الحقّ هم عليٌّ وأهل البيت عليهم السلام، فإذا أردنا أن نعرف أنّه هل هذا الشخص على الحقّ أو على الباطل؟

__________________

(1) رياض السالكين / ص 224.

(2) غاية المرام / ص 539.

(3) إحقاق الحقّ / ج 9 / ص 479.

٢٣٤

يكون المحك هو عليّ عليه السلام.. فإن كان الشخص مع عليّ عليه السلام فهو على حقّ، وإلّا فهو على باطل.

فأمير المؤمنين عليه السلام (هو فارق بين الحقّ والباطل) كما نصّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله (1) .

ولذلك عبّر عنه الرسول في واقعة الخندق بالإيمان كلّه، ومنحه أعظم وسام بقوله صلوات الله عليه وآله: ـ (برز الإيمان كلّه).

فكلّه حقّ لأنّ كلّه إيمان، فمن كان معه كان مع الحقّ ومن أهل الإيمان، ومن لم يكن معه فهو على باطل وعلى غير إيمان.

فيتّضح جيّداً أنّ المراد بالجماعة في الدعاء الشريف هم جماعة عليّ وأهل البيت عليهم السلام فهم جماعة أهل الحقّ الذي تكون ملازمتهم فضيلة وحلية.

وقد عقد العلّامة المجلسي أعلى الله مقامه باباً في البحار في لزوم الجماعة بأحاديث شريفة منها: ـ

حديث علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

قيل: يا رسول الله وما جماعة المسلمين؟

قال: جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا (2) .

وفائدة ملازمة أهل البيت عليهم السلام هي سعادة الدُّنيا والآخرة.

ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(إلزموا عليّ بن أبي طالب، فاز من لزمه) (3) .

__________________

(1) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26.

(2) بحار الأنوار / ج 29 / ص 68 / ب 3 / ح 1.

(3) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26، و ص 149.

٢٣٥

وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام: ـ

(مَن لزمنا لزمناه، ومن فارقَنا فارقناه) (1) .

وفي حديث الزيارة الجامعة المباركة: ـ

(فاز مَن تمسّك بكم، وأمِنَ مَن لجأ إليكم، وسَلِم مَن صدّقكم، وهُدي من اعتصم بكم) (2) .

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا ملازمتهم، ويديم لنا موالاتهم، ويمنّ علينا بالجنّة معهم كما في بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(من أحبَّ أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي، فليتولّ عليّاً بعدي، فإنّه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ردى) (3) .

__________________

(1) وسائل الشيعة / ج 18 / ص / ب / ح.

(2) عيون الأخبار / ج 2 / ص 277.

(3) أمالي الشيخ الطوسي / ج 2 / ص 107.

٢٣٦

(20)

ورفضِ أهلِ البِدَع ومستعملي الرأي المخترَع

الرفض هو الترك، والردّ، وعدم القبول.

والبدَع: جمع بدعة، وهي اسمٌ من الابتداع بمعنى الإحداث والإختراع.

قال في المجمع: ـ (البدعة: بالكسر فالسكون: الحدثُ في الدِّين وما ليس له أصلٌ في كتابٍ ولا سنّة.

وإنّما سمّيت بدعة لأنّ قائلها ابتدعها من نفسه) (1) .

وقال في المرآة: ـ (البدعة في عرف الشرع ما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يَرد فيه نصٌّ على الخصوص، ولا كيون داخلاً في بعض المعلومات، أو ورد فيه نهيٌ عنه خصوصاً أو عموماً) (2) .

ويؤيّده الحديث الشريف: ـ السُنّة ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله، والبدعة ما اُحدث من بعده) (3) .

__________________

(1) مجمع البحرين / ص 370.

(2) مرآة الأنوار / ص 78.

(3) بحار الأنوار / ج 2 / ص 266.

٢٣٧

وعُرّفت في الاصطلاح الفقهي بأنّها هي: ـ

(إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، نظير إدخال التكتّف في الصلاة.

ومثله إخراج ما ثبت في الدٍّين من الدِّين، نظير إسقاط حيَّ على خير العمل من الأذان).

وقد حدثت هذه البِدَع المذمومة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بواسطة الغاصبين والظالمين والمنحرفين.

وقد ذكر السيّد الجليل شرف الدِّين أعلى الله مقامه في كتابه الخاصّ بذلك (النصّ والاجتهاد) 71 مورداً من بدع الغاصبين، منها: ـ

1 ـ غصب نحلة الزهراء عليها السلام، وبدعتهم أنّ الرسول لم يورّث، وهذه بدعة الأوّل والثاني.

2 ـ قتل مانعي الزكاة بما جناه خالد بن الوليد في مالك بن نويرة، وهذه بدعة الأوّل.

3 ـ تحريم متعة الحجّ، ومتعة النساء، وهذه كانت من قِبَل الثاني.

4 ـ إسقاط طواف النساء من الحجّ.

5 ـ إسقاط (حيّ على خير العمل) من الأذان.

6 ـ إدخال الصلاة خيرٌ من النوم في أذان الصبح.

7 ـ تشريع الطلاق ثلاثاً مؤبّداً في مجلسٍ واحد.

8 ـ تشريع صلاة التراويح.

9 ـ حكم الثاني بسقوط الصلاة عند فقدان الماء.

10 ـ تقديم الثالث رأيه على نصوص الكتاب والسنّة، كإتمامه الصلاة في السفر، وإعطاءه الخمس لغير بني هاشم، بل للطريد مروان بن الحكم (1) .

__________________

(1) لاحظ للاستقصاء كتاب الغدير / ج 6 / فصل نوادر الأثر، خصوصاً الصفحات: ـ 83، 108، 187، 282، 294.

٢٣٨

هذه هي البدع المبتدعة التي يأتي بيان فسادها وذمّها في الأحاديث الشريفة.

وفي هذا الدعاء الشريف يُطلب من الله تعالى التكميل برفض أهل البدع، وتركهم، وعدم القبول منهم.

أي واكمل لي ذلك برفض أهل البدع.

  قوله عليه السلام: ـ (ومستعملي الرأي المخترع) عطفٌ على أهل البدَع، أي واكمل لي ذلك برفض مستعملي الرأي المخترع.

ومستعملي الرأي المخترع هم الذين اخترعوا رأياً من عند أنفسهم، وبناقص عقولهم، ثمّ عملوا به وأفتوا على طبقه، كاختراع القياس في الدِّين.

والرأي المخترع قسمٌ من البدعة، لأنّه إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، خصّص بالذمّ، وأكّد بالردع.

ومذموميّة البدعة واختراع الرأي ممّا تظافرت به الأدلّة المعتبرة، والأحاديث الشريفة.

فتكون صفةً مذمومة منافية للتقوى والصلاح، فيلزم تركها، والابتعاد عنها في سبيل تحصيل التقوى، وتزيين الصالحين.

وممّا ورد في ذمّ البدعة والرأي المخترّع: ـ

1 / حديث الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام قالا: ـ

(كلّ بدعة ضلال، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار) (1).

2 / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء على دين خليله) (2) .

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 1 / ص 45.

(2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 278.

٢٣٩

3 / حديث أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ـ

(من مشى إلى صاحب بدعةٍ فوقّره، فقد مشى في هدم الإسلام) (1) .

4 / حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

(من أحدث في الإسلام، أو آوى مُحدِثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (2) .

5 / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس، فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلّا بُعداً، وإنّ دين الله لا يُصاب بالعقول) (3) .

وعليه فالبدعة وإحداث الرأي المخترَع من الضلال والباطل، وقد ارتكب أشنعه أهل الخلاف كما ذكر شيٌ منها في الفصل الثالث من كتابنا: شيعة أهل البيت عليهم السلام.

فقد حكى الزمخشري عن يوسف بن أسباط أنّه قال: ردّ أبو حنيفة على النبيّ أربعمائة حديث...

قيل: مثل ماذا؟

قال: مثل هذا: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «للفرس سهمان».

وقال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن (4) .

وأشعر رسول الله صلى الله عليه وآله البُدن.

__________________

(1) عقاب الأعمال / ص 307.

(2) مستدرك الوسائل / ج 12 / ص 322.

(3) اُصول الكافي / ج 1 / ص 56 / ح 7. وفي الحديث 20 (أوّل من قاس إبليس).

(4) يردّه أنّ سهمي الفرس من غنائم الحرب يكون لنفس الفارس، لعنائه، وتكلّفه مؤونة فرسه، ومأكله واصطبله، لا لنفس الفرس حتّى يكون سهماً للبهيمة كما توهّم.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320