اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)18%

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
الصفحات: 220

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124546 / تحميل: 8213
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

من أهم عنصر كانت تعتمد عليه وترجع إليه في قضاياها ومشكلاتها الفردية والاجتماعية، فقد كان الإمام حصناً منيعاً يذود عن أصحابه ويقوم بتلبية حاجاتهم الفكرية والروحية والمادية في كثير من الأحيان.

فهنا صدمة نفسية وإيمانية بالرغم من أن الإيمان بالغيب يشكّل عنصراً من عناصر الإيمان المصطلح، لأنّ المؤمنين كانوا قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالإمامعليه‌السلام ولو في السجن أو من وراء حجاب وكانوا يشعرون بحضوره وتواجده بين ظهرانيهم ويحسّون بتفاعله معهم، والآن يُراد لهم أن يبقى هذا الإيمان بالإمام حيّاً وفاعلاً وقويّاً بينما لا يجدون الإمام في متناول أيديهم وقريباً منهم بحيث يستطيعون الارتباط به متى شاءوا.

إنّ هذه لصدمة يحتاج رأبها إلى بذل جهد مضاعف لتخفيف آثارها وتذليل عقباتها. وقد مارس الإمام العسكري تبعاً للإمام الهاديعليهما‌السلام نوعين من الإعداد لتذليل هذه العقبة ولكن بجهد مضاعف وفي وقت قصير جدّاً.

الأوّل: الإعداد الفكري والذهني.

الثاني: الإعداد النفسي والروحي.

أما الإعداد الفكري فقد قام الإمام تبعاً لآبائهعليهم‌السلام باستعراض فكرة الغيبة على مدى التاريخ وطبّقها على ولده الإمام المهديعليه‌السلام وطالبهم بالثبات على الإيمان باعتباره يتضمن عنصر الإيمان بالغيب وشجّع شيعته على الثبات والصبر وانتظار الفرج وبيّن لهم طبيعة هذه المرحلة ومستلزماتها وما سوف يتحقق فيها من امتحانات عسيرة يتمخّض عنها تبلور الإيمان والصبر والتقوى التي هي قوام الإنسان المؤمن برّبه وبدينه وبإمامه الذي يريد أن يحمل معه السلاح ليجاهد بين يديه.
فقد حدّث أبو علي بن همّام قائلاً: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام

١٤١

وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائهعليهم‌السلام :إنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، فقالعليه‌السلام :«إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق» ، فقيل له: ياابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال:ابني محمّد هو الإمام والحجة بعدي. من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة »(١) .

وحدّث موسى بن جعفر بن وهب البغدادي فقال: سمعت أبا محمد الحسنعليه‌السلام يقول:«كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أما إن المقرّ بالأئمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمنكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمن أنكر جميع الأنبياء، لأن طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه الله عَزَّ وجَلَّ» (٢) .

وحدّث الحسن بن محمد بن صالح البزّاز قائلاً: سمعت الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام يقول:«إنّ ابني هو القائم من بعدي وهو الذي يُجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلاّ من كتب الله عزّ وجلّ في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه» (٣) .

إلى غيرها من الأحاديث والأدعية التي تضمّنت بيان فكرة الغيبة وضرورة تحققها وضرورة الإيمان بها والصبر فيها والثبات على الطريق الحق مهما كانت الظروف صعبة وعسيرة.

وأما الإعداد النفسي والروحي فقد مارسه الإمامعليه‌السلام منذ زمن أبيه

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٠٩.

(٢) كمال الدين: ٢/٤٠٩.

(٣) كمال الدين: ٢/٥٢٤.

١٤٢

الهاديعليه‌السلام فقد مارس الإمام الهاديعليه‌السلام سياسة الاحتجاب وتقليل الارتباط بشيعته إعداداً للوضع المستقبلي الذي كانوا يستشرفونه وكان يُهيئهم له، كما انّه قد مارس عملية حجب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عن شيعته فلم يعرفه كثير من الناس وحتى شيعته إلاّ بعد وفاة أخيه محمد حيث أخذ يهتمّ بإتمام الحجة على شيعته بالنسبة لإمامة الحسن من بعده واستمر الإمام الحسنعليه‌السلام في سياسة الاحتجاب وتقليل الارتباط لضرورة تعويد الشيعة على عدم الارتباط المباشر بالإمام ليألفوا الوضع الجديد ولا يشكّل صدمة نفسية لهم، فضلاً عن ان الظروف الخاصة بالإمام العسكريعليه‌السلام كانت تفرض عليه تقليل الارتباط حفظاً له ولشيعته من الانكشاف أمام أعين الرقباء الذين زرعتهم السلطة هنا وهناك ليراقبوا نشاط الإمام وارتباطاته مع شيعته.

وقد عوّض الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الأضرار الحاصلة من تقليل الارتباط المباشر بأمرين:

أحدهما: بإصدار البيانات والتوقيعات بشكل مكتوب إلى حدٍّ يغطي الحاجات والمراجعات التي كانت تصل إلى الإمامعليه‌السلام بشكل مكتوب. وأكثر الروايات عن الإمام العسكريعليه‌السلام هي مكاتباته مع الرواة والشيعة الذين كانوا يرتبطون به من خلال هذه المكاتبات.

ثانيهما: بالأمر بالارتباط بالإمامعليه‌السلام من خلال وكلائه الذين كان قد عيّنهم لشيعته في مختلف مناطق تواجد شيعته. فكانوا حلقة وصل قوية ومناسبة ويشكّلون عاملاً نفسيّاً ليشعر اتباع أهل البيت باستمرار الارتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه. فكان هذا الارتباط غير المباشر كافياً لتقليل أثر الصدمة النفسية التي تحدثها الغيبة لشيعة الإمامعليه‌السلام .

وهكذا تمّ الإعداد الخاص من قبل الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام لشيعته ليستقبلوا عصر الغيبة بصدر رحب واستعداد يتلائم مع مقتضيات الإيمان بالله

١٤٣

وبرسوله وبالأئمة وبقضية الإمام المهديعليه‌السلام العالمية والتي تشكّل الطريق الوحيد لإنقاذ المجتمع الإنساني من أوحال الجاهلية في هذه الحياة.

البحث الثالث: نظام الوكلاء في عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

إنّ نظام الوكلاء قد أسّسه الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام حين اتّسعت الرقعة الجغرافية للقاعدة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام . وقد اختار الأئمة من بين أصحابهم وثقاتهم من أوكلوا إليه جملة من المهام التي لها علاقة بالإمامعليه‌السلام مثل قبض الأموال وتلقي الأسئلة والاستفتاءات وتوزيع الأموال على مستحقّيها بأمر الإمامعليه‌السلام . وبالإضافة إلى مهمة الإرشاد وبيان الأحكام كان الوكيل يقوم بتخفيف العبء عن الإمام وشيعته في ظروف تشديد الرقابة على الإمامعليه‌السلام من قبل السلطة، كما كان يتولّى مهمة بيان مواقف الإمام السياسية حين لا يكون من المصلحة أن يتولّى الإمام بنفسه بيان مواقفه بشكل صريح ومباشر.

إنّ نظام الوكلاء يعتبر حلقة الوصل والمؤسسة الوسيطة بين الإمام وأتباعه في حال حضور الإمامعليه‌السلام ولا سيّما عند صعوبة الارتباط به.

كما أنه أصبح البديل الوحيد للارتباط بالإمامعليه‌السلام في دور الغيبة الصغرى. وحيث إنّ الأئمةعليهم‌السلام كانوا يعلمون ويتوقّعون الوضع المستقبلي للإمام المهديعليه‌السلام كما أخبرت بذلك نصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهارعليهم‌السلام ، كان الخيار الوحيد للإمام المعصوم في عصر الغيبة الصغرى أن يعتمد على مثل هذه المؤسسة الواسعة الأطراف والمهامّ، ومن هنا كان الاعتماد على الثقات من جهة وتعويد الأتباع للارتباط بالإمامعليه‌السلام من خلال وكلائه أمرا لابد منه، وهذا الأمر يحتاج إلى سياسة تعتمد السنن الاجتماعية وتأخذها بنظر الاعتبار، ولا يمكن لمثل هذه المؤسسة البديلة أن تستحدث

١٤٤

في أيام الغيبة الصغرى بل لابد من التمهيد لذلك بإنشائها وإثبات جدارتها تاريخياً من خلال مراجعة الوكلاء والتثبت من جدارتهم وتجذّر هذه المؤسسة في الوسط الشيعي ليكون هذا البديل قادراً على تلبية الحاجات الواقعية لأبناء الطائفة، ولئلا تكون صدمة الغيبة فاعلة وقوية. ومن هنا كان يتسع نشاط هذه المؤسسة ويصبح دورها مهماً كلّما اشتدت الظروف المحيطة بالإمام المعصومعليه‌السلام وكلّما اقترب الأئمة من عصر الغيبة.

وعلى هذا يتّضح أن عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الذي كان يشكّل نقطة الانتقال المهمّة والجوهرية من عصر الحضور إلى عصر الغيبة كان يستدعي الاعتماد الكبير على الوكلاء ويستدعي إحكام نظامهم وكثرة مهامّهم واتّساع دائرة نشاطهم وتواجدهم اتّساعاً يمهّد للانتقال بأتباع أهل البيتعليهم‌السلام إلى دور الغيبة التي ينقطعون فيها عن إمامهم وقيادتهم المعصومة.

إنّ مقارنة عدد وكلاء الإمام العسكريعليه‌السلام بوكلاء الإمام الهاديعليه‌السلام ومناطق تواجد هؤلاء الوكلاء والمسؤوليات الملقاة عليهم وكيفية الارتباط فيما بينهم تشهد على تميّز الدور الكبير للوكلاء في هذه الفترة القصيرة جدّاً وهي ستّ سنوات، كما أن استقرار الوكلاء في مناصبهم واعتماد الإمامعليه‌السلام عليهم وبيان ذلك لأتباعه قد حقق الهدف المرتقب من نظام الوكلاء في مجال تسهيل الانتقال إلى عصر الغيبة بأقلّ ما يمكن من الأخطار والتبعات.

على أن انحراف بعض الوكلاء ـ طمعاً أو حسداً ـ وكشف انحرافهم من قبل الإمامعليه‌السلام وحذفهم وإخبار الأتباع بانحرافهم في أول فرصة ممكنة دليل على مدى حرص الإمامعليه‌السلام على سلامة عناصر هذا الجهاز الخطير في دوره ومهامّه الرسالية، وهو دليل على المراقبة المستمرة من الإمامعليه‌السلام لهم ومدى متابعته لأوضاعهم ونشاطاتهم.

١٤٥

وإليك قائمة بأسماء بعض وكلاء الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام :

١ ـ إبراهيم بن عبدة النيسابوري من أصحاب العسكريينعليهما‌السلام ، كان وكيلاً له في نيسابور..

٢ ـ أيوب بن نوح بن درّاج النخعي كان وكيلاً للعسكريينعليهما‌السلام .

٣ ـ أيوب بن الباب، أنفذه من العراق وكيلاً إلى نيسابور.

٤ ـ أحمد بن إسحاق الرازي.

٥ ـ أحمد بن إسحاق القمي الأشعري كان وكيلاً له بقم.

٦ ـ جعفر بن سهيل الصيقل.

٧ ـ حفص بن عمرو العمري الجمّال.

٨ ـ عثمان بن سعيد العمري السمّان(الزيّات) وهو أوّل السفراء الأربعة.

٩ ـ علي بن جعفر الهمّاني من وكلاء أبي الحسن وأبي محمدعليهما‌السلام .

١٠ ـ القاسم بن العلاء الهمداني من وكلائه ووكلاء ابنه الإمام المهديعليه‌السلام .

١١ ـ محمّد بن أحمد بن جعفر(الجعفري) القمي العطّار.

١٢ ـ محمّد بن صالح بن محمد الهمداني.

١٣ ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

١٤ ـ عروة بن يحيى البغدادي النخّاس المعروف بالدهقان كان من وكلائه في بغداد ثم انحرف وضلّ وأخذ يكذب على الإمام ويقتطع الأموال لنفسه وأحرق بيت المال الذي سُلّم إليه من بعد ابن راشد وتبرّأ منه الإمام ولعنه وأمر شيعته بلعنه ودعا عليه حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر(١) .

ــــــــــــ

(١) راجع للتفصيل حياة الإمام العسكري: ٣٢٩ ـ ٣٤٢.

١٤٦

البحث الرابع: مدرسة الفقهاء والتمهيد لعصر الغيبة:

أكمل الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الخط الذي أسّسه آباؤه الطاهرون وهو إنشاء جماعة صالحة تمثل خط أهل البيت الفكري والعقائدي والأخلاقي والسلوكي وقد اهتمّ الإمامان محمّد الباقر وجعفر الصادقعليهما‌السلام بشكل خاص بإعداد وتربية مجموعة من الرواة والفقهاء فتمثّلت فيهم مدرسة علمية استوفت في عهد الإمام العسكريعليه‌السلام كل متطلبات المدرسة العلمية من حيث المنهج والمصدر والمادة ممهدة به لعصر الغيبة الصغرى(١) .

وقد أيّد الإمام العسكريعليه‌السلام جملة من الكتب الفقهية والأصول الروائية التي جمعت في عصره أو قبل عصره وأيّد أصحابها وشكر لهم مساعيهم وبذلك يكون قد أعطى للمدرسة الفقهية تركيزاً واهتماماً يشير إلى أنّ الخط الفقهائي هو الخط المستقبلي الذي يجب على القاعدة الشيعية أن تسير عليه(٢) .

وكان من منتسبي هذه المدرسة أساتذة وطلاباً في عهد أبناء الرضاعليه‌السلام مجموعة قد أورد الشيخ المجلسيرضي‌الله‌عنه في موسوعته أسماءهم(٣) .

وقد أحصيت أسماء أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ورواة حديثه فبلغت ٢١٣ محدثاً وراوياً(٤) .

وإليك بعض ثقاة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وأصحابه:

ـ علي بن جعفر الهماني.

ـ أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري.

ــــــــــــ

(١) تاريخ التشريع الإسلامي، د. عبد الهادي الفضلي: ١٩٤ ـ ٢٠٢.

(٢) حياة الإمام العسكري للشيخ محمد جواد الطبسي: ٣٢٥.

(٣) بحار الأنوار: ج٥٠، المشتمل على حياة الأئمة الجواد: ١٠٦ والهادي: ٢١٦ والعسكري عليهم‌السلام : ٣١٠.

(٤) حياة الإمام العسكري عليه‌السلام : محمد جواد الطبسي: الفصل العاشر.

١٤٧

ـ داود بن أبي يزيد النيسابوري.

ـ محمد بن علي بن بلال.

ـ عبد بن جعفر الحميري القمي.

ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الزيّات والسمّان.

ـ إسحاق بن الربيع الكوفي.

ـ أبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي.

ـ إبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوري.

ـ محمد بن الحسن الصفار.

ـ عبدوس العطار.

ـ سري بن سلامة النيسابوري.

ـ أبو طالب الحسن بن جعفر.

ـ أبو البختري.

ـ الحسين بن روح النوبختي.

ومع ملاحظة حراجة الظروف المحيطة بالإمام العسكري وقصر الفترة التي عاشها إماماً ومرجعاً للأمة والشيعة فإنَّ هذه النسبة من الرواة تشكل رقماً قياسيّاً طبعاً.

وكان لمحمد بن الحسن بن فروّخ الصفّار المتوفى سنة(٢٩٠هـ) مجموعة من المؤلفات تقارب الأربعين مؤلفاً، وقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام وقال: «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره، وله مسائل كتب بها إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري»(١) .

ــــــــــــ

(١) الفهرست، الشيخ الطوسي: ١٧٤.

١٤٨

وقد تضمنت كتبه مختلف أبواب الأحكام كالصلاة والوضوء والعتق والدعاء والزهد والخمس والزكاة والشهادات، والتجارات، والجهاد وكتاب حول فضل القرآن الكريم وبلغت كتبه ـ على ما أحصاه الأستاذ الفضلي ـ خمسة وثلاثين كتاباً(١) .

وقد اتّسم عهد الأئمة من أبناء الرضاعليه‌السلام وهم ـ الجواد والهادي والعسكريعليهم‌السلام ـ باتّساع رقعة انتشار التشيّع، وكثرة العلماء والدعاة إلى مذهب أهل البيت، واكتمال معالم وأبعاد مدرستهم الفقهية في المنهج والمادة معاً.

ويتلخّص المنهج الذي سارت عليه مدرسة الفقهاء الرواة عن أهل البيتعليهم‌السلام في نقاط جوهرية وأساسية تميّزها عمّا سواها من المدارس الفقهية وهي:

١ ـ اعتماد الكتاب والسنّة فقط مصدراً أساسياً للتشريع الإسلامي.

٢ ـ ضرورة الرجوع في تعلّم العلوم الشرعية وأخذ الفتوى إلى الإمام المعصوم إن أمكن.

٣ ـ لزوم الرجوع إلى الفقهاء الثقاة حيث يتعسّر الرجوع إلى الإمام المعصوم.

٤ ـ الإفتاء بنصّ الرواية أو بتطبيق القاعدة المستخلصة من الرواية(٢) .

وبهذا وفّرت مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ـ خلال قرنين ونصف قرن على الرغم من قساوة الظروف وبالرغم من افتتاح عدة جبهات للمعارضة مع الحكم القائم ـ كل متطلبات إحياء الشريعة الإسلامية وديمومتها واستمرارها حتى في عصر الغيبة. وهيّأت للمسلمين عامة ولشيعة أهل البيت خاصّة كل مقدّمات الاستقلال الفكري والسياسي والاقتصادي والثقافي وأعطتهم الزخم اللازم لاستمرار المواجهة مع الباطل الذي يترصّد الحق في كل زمان ومكان.

ــــــــــــ

(١) تاريخ التشريع الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: ٢٠٠ ـ ٢٠٢.

(٢) تاريخ التشريع الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: ٢٠٢ ـ ٢١١.

١٤٩

البحث الخامس: قيادة العلماء الأمناء على حلاله وحرامه

إن مرجعية العلماء وقيادتهم للشيعة بعد الغيبة الكبرى التي ابتدأت عام(٣٢٩ هـ ) بوفاة الوكيل الرابع(١) للإمام المهديعليه‌السلام كانت تأسيساً حيويّاً من قبل الأئمة المعصومينعليهم‌السلام وبأمر من الله ورسوله، فهم الذين أمروا الشيعة بالرجوع إلى العلماء الفقهاء الذين تربّوا في مدرستهم الرسالية لأخذ معالم دينهم عنهم، وهذا المفهوم قد أعطاه الإمام الصادقعليه‌السلام صبغته التشريعية بقولهعليه‌السلام :

«ينظر من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله» (٢) .

وقد استمرّ الأئمةعليهم‌السلام على هذا النهج وقاموا لتحقيق هذه المهمّة بتربية الفقهاء الأمناء على المنهج العلمي السليم الذي رسموا معالمه وتفاصيله بالتدريج، وتواصلت جهودهم رغم كل الظروف العصيبة بعد عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

ثم كان للخطوات التي اتخذها الإمام الهاديعليه‌السلام الدور البارز في إعطاء الصيغة الاجتماعية الكاملة لمرجعية العلماء، فقد قالعليه‌السلام :لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه‌السلام من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن

ــــــــــــ

(١) علي بن محمد السمري، يراجع كشف الغمة: ٣ / ٢٠٧.

(٢) الكافي: ١/٥٤ ح ١٠ و ٧/٤١٢ ح ٥ والتهذيب: ٦/٢١٨ ح ٥١٤ و ٣٠١ ح ٨٤٥ و عنهما في وسائل الشيعة: ٢٧/١٣٦ ح ١ ب ١١.

١٥٠

فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء شيعتنا كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عَزَّ وجَلَّ (١) .

إن الأساس والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة إرجاع الأمة إلى الفقهاء العدول هو: «أن الأجيال المسلمة تحتاج باستمرار إلى المرشد والموجه والمفكّر المُدَّبر كي يعطيهم تعاليم دينهم ويرتفع بمستوى إيمانهم وعقيدتهم ويشرح لهم إسلامهم ويوجههم في سلوكهم إلى العدل والصلاح ورضا الله عَزَّ وجَلَّ»(٢) .

ووفقاً لذلك كان ما اتخذه الإمام العسكريعليه‌السلام من مواقف ايجابية بالنسبة للعلماء ورواة الحديث الثقاة المأمونين على حلال الله وحرامه وإرجاع شيعته إليهم يعتبر تمهيداً أساسيّاً لعصر الغيبة، وتأكيداً لفكرة المرجعية الشاملة إلى جانب نظام الوكلاء الثقاة المأمونين من شيعته والذي كان من مهامّه إرجاع عامة الطائفة إلى العلماء منهم.

كما كان احتجابه عن الشيعة واتخاذ المراسلات والتواقيع الخارجة عنه سبيلاً آخر للتمهيد أيضاً ـ كما عرفت ـ فقد جاء عنهعليه‌السلام في العمري وابنه محمد:العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك فعني يؤديان وما قالا فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان (٣) .

وممّا يدل على أن الإمام العسكريعليه‌السلام كان يوجّه القواعد الشعبية للرجوع إلى الفقهاء وتقليدهم وأخذ معالم دينهم عنهم ما جاء عنهعليه‌السلام :

«فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه

ــــــــــــ

(١) الاحتجاج: ٢ / ٢٦٠.

(٢) الغيبة الصغرى للصدر: ٢١٩.

(٣) الغيبة الصغرى: ٢١٩.

١٥١

فللعوام أن يقلّدوه» (١) .

وبهذه الخطوات أكمل الإمام العسكريعليه‌السلام الدور الموكل إليه والمناط به في هذه المرحلة المهمة من تأريخ الرسالة الإسلامية، فقد أنشأ مدرسة علمية لها الدور الأكبر في حفظ تراث أهل البيت الرسالي ومبادئ الإسلام أوّلاً، ومن ثم كان لها الأثر الكبير في نشر فكرة الغيبة وتهيئته الذهنية العامة لتقبّلها ثانياً، كما كان لها مساهمة فعّالة في توجيه شيعة الإمامعليه‌السلام بالرجوع إلى الفقهاء الذين هم حصن الإسلام الواقي للمسلمين من الأعداء ثالثاً.

وبعد الغيبة الكبرى ظهرت الآثار الايجابية لمدرسة الإمام العسكريعليه‌السلام وتعاليمه ووصاياه في التزام الشيعة وأتباع أهل البيتعليهم‌السلام بخط المرجعية الرشيدة.

ويعدّ مبدأ الاجتهاد والتقليد عند الإمامية مظهراً لواقعية هذا المذهب في قدرته على الحفاظ على روح التشريع وحيويّة الرسالة الإسلامية بعد غيبة الإمام المعصومعليه‌السلام والى اليوم الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً بعدما تملأ جوراً وظلماً.

البحث السادس: الإمام العسكريعليه‌السلام والفرق الضالّة

إن للانحراف عن جادّة الصواب أسباباً يعود بعضها إلى طبيعة الظروف التي تطرأ على الإنسان فتتعاضد مع ما يحمله من ضعف فكري عقائدي أو هبوط أخلاقي ولا سيّما إذا لم يتلقّ تربية صحيحة من ذويه ومن يحيط به أو يصاحبه.

ــــــــــــ

(١) تفسير الإمام العسكري: ١٤١ وعنه في الاحتجاج: ٢/٢٦٣.

١٥٢

وأهل البيتعليهم‌السلام قد أعدّهم الله ورسوله لتربية أبناء الأمة وانتشالهم من الانحراف عبر التوجيه والإرشاد، وتبقى الاستجابة لهدايتهم هي السبب الأعمق لتأثيرها وفاعليتها في كل فرد.

وحين يصبح الانحراف خطّاً منظماً وفاعلاً في المجتمع الإسلامي ينبغي مواجهته بالإدانة وبتفتيت عناصره وقواه الفاعلة ومحاولة إرجاع العناصر المضلَّلة التي تبغي الحق في عمق وجودها وإن حادت عنه.

ونجد للإمام العسكريعليه‌السلام مواقف إرشادية وتوجيهية لبعض أتباع الفرق الضالّة بينما نجده صارماً مع رموز بعض هذه الفرق. وجادّاً في التحذير منهم لعزلهم والحيلولة دون تأثيرهم في القاعدة الشعبية التي تدين بالولاء لأهل البيتعليهم‌السلام .

ونقف فيما سيأتي على موقف الإمامعليه‌السلام من الواقفة أولاً ثم موقفه من المفوّضة وممّن كان متأثّراً بهم.

١ ـ الإمام العسكريعليه‌السلام والواقفة

والواقفة جماعة، وقفت على إمامة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، ولم تقل بإمامة الإمام الرضاعليه‌السلام ، وكان المؤسس لمذهب هذه الجماعة زياد بن مروان القندي الأنباري وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى وكان سبب توقّفهم هو أن زياد بن مروان القندي الأنباري كانت عنده سبعون ألف دينار من الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام فأظهر هو وصاحباه القول بالوقف طمعاً بالمال الذي كان عندهم(١) .

ــــــــــــ

(١) يراجع رجال الكشي: ٤٦٧ ح ٨٨٨ و ٤٩٣ ح ٩٤٦ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨/٢٥١ وعنه في سفينة البحار: ٣/٥٨١.

١٥٣

روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسيرضي‌الله‌عنه عن ابن يزيد عن بعض أصحابه قال: مضى أبو إبراهيم ـ الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ـ وعند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار، وخمس جواري ومسكنه بمصر، فبعث إليهم أبو الحسن الرضاعليه‌السلام :«أن احملوا ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم، فإني وارثه وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه ـ وبهذا أشار الرضاعليه‌السلام إلى موت الإمام الكاظمعليه‌السلام ـولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولورّاثه قبلكم» .

فأما أبو حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام : إنّ أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حيّ قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل، واعمل على أنه مضى كما تقول، فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وأما الجواري، فقد أعتقتهن وتزوّجت بهنّ(١) .

وقد سأل أحد أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عمن وقف على أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قائلاً: أتولاّهم أم أتبرّأ منهم ؟ فكتبعليه‌السلام :«لا تترحّم على عمك لا رحم الله عمك وتبرأ منه، أنا إلى الله منهم بريء فلا تتولاهم، ولا تعد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تصلِ على أحد منهم مات أبداً سواء من جحد إماماً من الله أو زاد إماماً ليست إمامته من الله أو جحد أو قال: قالت ثلاثة، إنّ جاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا» (٢) .

وبهذا علم السائل أنّ عمّه منهم، كما علم موقف الإمام الصارم من هذه الجماعة التي سُميت بالكلاب الممطورة، فقد روى الشيخ الكشيرضي‌الله‌عنه عن

ــــــــــــ

(١) الغيبة: ٦٤ ح ٦٧ ونحوه أخصر منه في رجال الكشي: ٥٩٨ ح ١١٢٠ وليس فيه: تزوّجت بهن، وفي ح١١١٧: ثم تاب وبعث إليه بالمال وفي ح ١١١٨: أنه سكن الكوفة ثم الحيرة ومات بها.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٥٢ ح٣٨ وعنه في كشف الغمة: ٣ / ٣١٩.

١٥٤

أبي علي الفارسي عن إبراهيم بن عقبة، أنه قال: كتبت إلى العسكريعليه‌السلام : جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقنت عليهم في صلواتي ؟ قال:نعم، اُقنت عليهم في صلواتك (١) .

٢ ـ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والمفوّضة

والمفوّضة جماعة، قالت: إنّ الله خلق محمّداً وفوّض إليه خلق الدُّنيا، فهو الخلاّق لما فيها، وقيل: فوّض ذلك إلى الإمام عليعليه‌السلام (٢) والأئمةعليهم‌السلام من بعده. وعن إدريس بن زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً فخرجتُ إلى العسكر للقاء أبي محمّدعليه‌السلام ، فقدمت وعليَّ أثر السفر وعناؤه، فألقيتُ نفسي على دكّان حمّام، فذهب بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمّدعليه‌السلام ، قد قرعني بها حتّى استيقظت، فعرفته سلام الله عليه فقمتُ قائماً أقبّل قدمه وفخذه، وهو راكب، والغلمان من حوله فكان أوّل ما تلقّاني به أن قال:ياإدريس ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٣) .

فقلت: حسبي يامولاي وإنّما جئت أسألك عن هذا، قال:تركني ومضى(٤) .

وإنّ قوماً من المفوّضة قد وجّهوا كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمدعليه‌السلام قال كامل: قلت في نفسي أسأله: لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتي؟ وكنت جلستُ إلى باب عليه ستر مرخىً، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا

ــــــــــــ

(١) رجال الكشي: ٤٦٠ ح ٨٧٥ و ٤٦١ ح ٨٧٩ وعنه في بحار الأنوار.

(٢) يُراجع معجم الفرق الإسلامية: ٢٣٥.

(٣) الأنبياء(٢١): ٢٦ ـ ٢٧.

(٤) المناقب: ٤ /٤٦١.

١٥٥

بفتى كأنّه فِلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال لي:ياكامل بن إبراهيم ; فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت: لبّيك ياسيّدي.

فقال:جئت إلى وليّ الله تسأله: «لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتك وقال بمقالتك» ؟

قلت: إي والله.

قال:إذن والله يقلّ داخلها والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقيّة .

قلت: ومن هم ؟

قال:«قوم من حبهم لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام يحلفون بحقّه وما يدرون ما حقه وفضله» .(أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً من معرفة الله ورسوله والأئمةعليهم‌السلام ).

ثم قال:جئت تسأله عن مقالة المفوّضة ؟ كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) (١) . فقال لي أبو محمّدعليه‌السلام :ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك(٢) .

وقد كان الإمام العسكريعليه‌السلام حريصاً على هداية أتباع أهل البيتعليهم‌السلام وإرشادهم إلى الحق بإزالة الشكوك التي كانت تعترضهم في الطريق.

فعن محمّد بن عياش أنه قال: تذاكرنا آيات الإمام فقال ناصبيّ: إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت إنّه حقّ، فكتبنا مسائل وكتب الرّجل بلا مداد على ورق وجعل في الكتب، وبعثنا إليه فأجاب عن مسائلنا وكتب على ورقة اسمه واسم أبويه، فدهش الرّجل، فلمّا أفاق اعتقد الحق(٣) .

وروي عن عمر بن أبي مسلم أنه قال: كان سميع المسمعيّ يؤذيني كثيراً

ــــــــــــ

(١) الإنسان(٧٦): ٣٠.

(٢) الغيبة: ٢٤٧، بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٣٦ و ٣٣٧.

(٣) المناقب: ٢/٤٧٠.

١٥٦

ويبلغني عنه ما أكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله الدّعاء بالفرج منه، فرجع الجواب: أبشر بالفرج سريعاً، ويقدم عليك مال من ناحية فارس. وكان لي بفارس ابن عمّ تاجر لم يكن له وارث غيري فجاءني ماله بعدما مات بأيّام يسيرة.

ووقّع في الكتاب:استغفر الله وتب إليه ممّا تكلّمت به، وذلك أنّي كنت يوماً مع جماعة من النّصاب فذكروا أبا طالب حتّى ذكروا مولاي، فخضت معهم لتضعيفهم أمره، فتركت الجلوس مع القوم، وعلمت أنه أراد ذلك (١) .

قال محمّد بن هارون بن موسى التلعكبريّ: حدثنا محمد بن هارون فقال: أنفذني والدي مع أصحاب أبي القلا صاعد النصراني لأسمع منه ما روى عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن عليّ العسكريعليه‌السلام فأوصلني إليه فرأيت رجلاً معظماً وأعلمته السبب في قصدي فأدناني وقال:

حدّثني أبي أنه خرج وإخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سرّ من رأى للظلامة من العامل، فإذا [كنّا] بسرّ من رأى في بعض الأيام إذا بمولانا أبي محمدعليه‌السلام على بغلة، وعلى رأسه شاشة، وعلى كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدّعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب، وقلت: إن كان الأمر على هذا فيحوّل مقدّم الشاشة إلى مؤخرها، ففعل ذلك.

فقلت: هذا اتّفاق ولكنه سيحوّل طيلسانه الأيمن إلى الأيسر والأيسر إلى الأيمن ففعل ذلك وهو يسير، وقد وصل إليّ فقال:يا صاعد لم لا تشغل بأكل حيدانك عمّا لا أنت منه ولا إليه ، وكنّا نأكل سمكاً.

وهكذا أسلم صاعد بن مخلّد وكان وزيراً للمعتمد(٢) .

وعن محمد بن عبيدالله قال: كنت يوماً كتبت إليه أخبره باختلاف

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٥٠/٢٧٣.

(٢) بحار الأنوار: ٥٠/٢٨١.

١٥٧

الموالي واسأله إظهار دليل، فكتب: إنّما خاطب الله تعالى ذوي الألباب وليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلاً أكثر ممّا جاء به خاتم النبيين وسيّد المرسلين فقالوا: كاهن وساحر كذاب، فهدى الله من اهتدى غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس. وذلك أن الله جلّ جلاله يأذن لنا فنتكلم ويمنع فنصمت، ولو أحب الله ألا يظهر حقاً لنا بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوة في أوقات وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ الناس حكمه في طبقات شتى، فالمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل، غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ.

وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد على أهل الحق ودفعه بالباطل والهوى كفّاراً حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يميناً وشمالاً فإن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون سعي. ذكرت اختلاف والينا، فإذا كانت الوصيّة والكتب فلا ريب من جلس مجلس الحكم فهو أولى بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت. وإيّاك والإذاعة وطلب الرياسة فإنّهما يدعوان إلى الهلكة.

ثم قال:

ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله آمناً واقرأ من تثق به من موالينا السلام ومرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا .

قال: فلما قرأت خار الله لك في دخولك مصر إن شاء الله آمناً لم أعرف المعنى فيه فقدمت بغداد عازماً على الخروج إلى فارس فلم يقيض لي وخرجت إلى مصر.

قال: ولما همّ المستعين في أمر أبي محمد بما همّ وأمر سعيد الحاجب بحمله إلى الكوفة وأن يحدث في الطريق حادثة انتشر الخبر بذلك في الشيعة فأقلقهم وكان بعد مضي أبي الحسن بأقلّ من خمس سنين.

فكتب إليه محمد بن عبد الله والهيثم بن سبابة: قد بلغنا جعلنا الله فداك خبر أقلقنا وغمّنا وبلغ منا، فوقّععليه‌السلام :بعد ثلاثة أيام يأتيكم الفرج . قال: فخلع

١٥٨

المستعين في اليوم الثالث وقعد المعتز وكان كما قال(١) .

وعن علي بن محمد بن الحسن قال: خرج السلطان يريد البصرة وخرج أبو محمد بشيعته فنظرنا إليه ماضياً وكنّا جماعة من شيعته فجلسنا ما بين الحائطين ننتظر رجوعه فلمّا رجع وحاذانا وقف علينا، ثم مدّ يده إلى قلنسوته فأخذها من رأسه وأمسكها بيده.

ثم مرّ يده الأخرى على رأسه وضحك فيوجه رجل منا، فقال الرجل مبادراً: أشهد أنك حجة الله وخيرته. فسألناه ما شأنك؟ فقال: كنت شاكاً فيه فقلت في نفسي: إنْ رجع وأخذ قلنسوته من رأسه قلت بإمامته(٢) .

وروى جماعة من الصيمريين من ولد إسماعيل بن صالح: أنّ الحسن ابن إسماعيل بن صالح كان في أوّل خروجه إلى سرّ من رأى للقاء أبي محمد ومعه رجلان من الشيعة وافق قدومه ركوب أبي محمد، قال الحسن بن إسماعيل: فتفرقنا في ثلاث طرق وقلنا: إن رجع في أحدهما رآه رجل منا فانتظرناه، فعادعليه‌السلام في الطريق الذي فيه الحسن بن إسماعيل.

فلمّا طلع وحاذاه قال: قلت في نفسي: اللهمّ إن كانت حجتك حقّاً وإمامنا فليمسّ قلنسوته، فلم استتم ذلك حتى مسّها وحرّكها على رأسه، فقلت: يا رب إن كان حجتك فليمسّها ثانياً، فضرب بيده فأخذها عن رأسه ثم ردّها، وكثر عليه الناس بالسلام عليه والوقوف على بعضهم فتقدمه إلى درب آخر.

فلقيت صاحبَيّ وعرّفتهما ما سألت الله في نفسي وما فعل، فقالا: فتسأل ونسأل الثالثة، فطلععليه‌السلام وقربنا منه فنظر إلينا ووقف علينا ثمّ مدّه يده إلى قلنسوته فرفعها عن رأسه وأمسكها بيده وأمرّ يده الأخرى على رأسه وتبسّم في وجوهنا وقال:كم هذا الشك؟ قال الحسن: فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك

ــــــــــــ

(١) اثبات الوصية: ٢٣٩.

(٢) اثبات الوصية: ٢٤٥.

١٥٩

حجة الله وخيرته، قال: ثم لقيناه بعد ذلك في داره وأوصلنا إليه ما معنا من الكتب وغيرها(١) .

كما أنّا نجد الإمامعليه‌السلام يستغل هذا الظرف ويُلقي الحجة على شابّ قد أتى من المدينة لاختلاف وقع بين أصحابه في إمامة الحسن العسكريعليه‌السلام ، فيبادره الإمامعليه‌السلام بالسؤال:أغفّاري أنت ؟ فقال الشاب: نعم، ثم يسأله الإمام عليه‌السلام عن والدته ويسمّيها له قائلاً: ما فعلت أمك حمدويه؟ فقال الشاب صالحة (٢) . وكان الشاب من ولد الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري. وعاد إلى أصحابه وهو مطمئن القلب بإمامة الحسن العسكري عليه‌السلام .

البحث السابع: من وصايا الإمام العسكريعليه‌السلام وإرشاداته لشيعته

وتضمّنت وصايا الإمام ورسائله، بيان الأحكام الشرعية ومسائل الحلال والحرام كما اشتملت على خطوط للتعامل مع الآخرين وكان ذلك بمثابة منهاج سلوكي ليسير عليه شيعته ويقيموا علائقهم وفقاً له فيما بينهم وبين أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه وإن اختلفوا معهم في المذهب والمعتقد، ومن هذه الوصايا:

١ ـ قولهعليه‌السلام :«أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صَلّوا في عشائركم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسَّن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جُرّوا

ــــــــــــ

(١) إثبات الوصية: ٢٤٦.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٣٩ ح ٢٠ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠/٢٦٩.

١٦٠

إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حُسْن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهيرٌ من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام» .(١)

٢ ـ وقالعليه‌السلام :«أمرناكم بالتختّم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم فإنه أول دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت» .

وقالعليه‌السلام لهم:«حدثوا بهذا شيعتنا» (٢) .

٣ ـ وكتب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وصيّته إلى أحد أعلام أصحابه، هو علي بن الحسين بن بابويه القمي جاء فيها:

«أوصيك... بتقوى الله وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة فإنّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى علياً عليه‌السلام فقال: ياعلي عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا، فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتى يعملوا به، وعليك بالصبر وانتظار الفرج فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أفضل أعمال

ــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

(٢) تحف العقول: ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

١٦١

أمتي انتظار الفرج...» (١) .

وبذلك رسم الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام منهجاً واضحاً لشيعته للسير عليه وهو يتضمن مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية وما تدعو إليه من خلق رفيع، وحسن تعامل مع الناس سواء كانوا موافقين لشيعته في المبدأ أو مخالفين لهم، وتلك هي أخلاق الإسلام التي دعى إليها رسول الإنسانية محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ ـ وصوّر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الواقع الذي كان يعيشه وما كان يحتويه من اختلاف الناس ومواليه بتوقيع خرج عنهعليه‌السلام إلى بعض مواليه حيث طلب من الإمامعليه‌السلام إظهار الدليل، فكتب أبو محمدعليه‌السلام :

(وإنما خاطب الله عَزَّ وجَلَّ العاقل وليس أحد يأتي بآية ويظهر دليلاً أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين، فقالوا: ساحر وكاهن وكذّاب، وهدى الله من اهتدى، غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس وذلك أن الله عَزَّ وجَلَّ يأذن لنا فنتكلم، ويضع ويمنع فنصمت، ولو أحب أن لا يظهر حقاً ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوة، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه.

الناس في طبقات شتى، والمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل غير شاك ولا مرتاب، لا يجد عنه ملجأ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه، ويسكن عند سكونه، وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد على أهل الحق، ودفع الحق بالباطل، حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يذهب يميناً وشمالاً فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جَمعها في أهون السعي، ذكرت ما اختلف فيه موالي فإذا كانت الوصية والكبر فلا ريب ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت وإياك والإذاعة وطلب الرياسة فإنهما يدعوان إلى الهلكة)(٢) .

ــــــــــــ

(١) شعب الإيمان: ٢/٤٣ ح ١١٢٤ وعنه في الأنوار البهية، القمي: ٣١٩.

(٢) الخرائج والجرائح: ٤٤٩ ح٣٥ وعن الدلائل في كشف الغمّة: ٣/٢٠٦، ٢٠٧.

١٦٢

البحث الثامن: الإمام العسكريعليه‌السلام والتحصين الأمني

انتهج الإمام الحسن العسكري نهج آبائه للمحافظة على شيعته وأتباعه الذين يمثّلون الجماعة الصالحة في المجتمع الإسلامي، وقد شدّد الإمام العسكري دعوته إلى الكتمان وعدم الإذاعة والحذر في التعامل مع الآخرين، والتشدد في نقل الأخبار والوصايا عنه ونقل أوامره إلى أصحابه ونقل أخبارهم إليه، فإنّ أتباعه قد انتشروا في أقطار الدولة الإسلامية في عصرهعليه‌السلام بعد أن أخذ التشيع طابع المعارضة واتسعت دائرته تحت راية أهل البيتعليهم‌السلام وكثيراً ما كانت تصدر عنهعليه‌السلام التحذيرات المهمة لهم تجاه الفتن والابتلاءات المستقبلية تجنيباً لهم من الوقوع في شرك السلطة وحفظاً لهم من مكائدها.

فعن محمد بن عبد العزيز البلخي قال: أصبحت يوماً فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمّد أقبل من منزله يريد دار العامّة، فقلت في نفسي: ترى إن صحتُ: أيّها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه، يقتلوني ؟ فلمّا دنا منّي أومأ بإصبعه السبّابة على فيه:أن اسكت ، ورأيته تلك الليلة يقول:«إنما هو الكتمان أو القتل، فاتّق الله على نفسك» (١) .

وقد دلّ هذا النص على أمور مهمّة هي:

١ ـ كشف الإمامعليه‌السلام عن نيّة أحد أصحابه لمعرفته بما في دخيلة نفسه، ومنعه من التحدث بما عزم عليه من إظهار أمر الإمامعليه‌السلام .

٢ ـ كشف عن حراجة الظروف التي كانت تحيط بالإمامعليه‌السلام وأصحابه ومحاولة السلطة للتعرف عليهم لتطويق عملهم.

ــــــــــــ

(١) الخرائج والجرائح: ١/٤٤٧ ح ٣٢ وعنه في كشف الغمة: ٣/٢١٢، ٢١٣.

١٦٣

٣ ـ إن النص يظهر لنا استغلال الإمامعليه‌السلام للمناسبات المختلفة لتحذير أصحابه من الإفصاح عن أنفسهم وإظهار علاقتهم بالإمام كما سيتضح لنا ذلك من النصوص الآتية.

ونلاحظ أنّ أحد أساليب الإمامعليه‌السلام في عمله المنظم والمحاط بالسرية التامة هو منعه أصحابه من أن يسلّموا عليه أو يشيروا له بيد.

روى علي بن جعفر عن أحد أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام فقال: اجتمعنا بالعسكر ـ أي سامراء ـ وقد صرنا لأبي محمدعليه‌السلام يوم ركوبه فخرج توقيعه:«لا يسلمنّ عليَّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تأمنون على أنفسكم» (١) .

كما نلاحظ مبادرة الإمامعليه‌السلام إلى ابتكار أساليب جديدة في إيصال أوامره ووصاياه إلى وكلائه وثقاته وإليك نموذجاً منها:

روى أبو هاشم الجعفري عن داود بن الأسود قال: دعاني سيدي أبو محمد ـ الحسن العسكريعليه‌السلام ـ فدفع لي خشبة، كأنها رجل باب مدوّرة طويلة ملء الكف فقالعليه‌السلام :«صر بهذه الخشبة إلى العمري» فمضيت إلى بعض الطريق فعرض لي سقاء معه بغل، فزاحمني البغل على الطريق... فضربت البغل فانشقّت ـ الخشبة ـ فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كُتب، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كمّي فجعل السقاء يناديني ويشتمني، ويشتم صاحبي فلمّا دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب الثاني، فقال: يقول لك مولاي:«لِمَ ضربتَ البغل وكسرت رجل الباب ؟» . فقلت: يا سيدي لم أعلم ما في رجل الباب، فقالعليه‌السلام :«ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه. إيّاك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شأناً فامضِ لسبيلك التي أمرت بها،

ــــــــــــ

(١) الخرائج والجرائح للراوندي: ١/٤٣٩ ح ٢٠ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠/٢٦٩.

١٦٤

وإياك أن تجاوب من يشتمنا، أو تعرّفه من أنت، فإننا في بلد سوء، ومصر سوء وامضِ في طريقك فإنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك» (١) .

وفي هذا النص دلالات كثيرة ومهمّة في مجال العمل المنظم، كما أنّه يعكس السرية التامة في العمل من جهة الإمام وأصحابه المقرّبين من أجل تجاوز ما يثيره الظرف من إشكالات تجاه العاملين، لذا نجد الإمامعليه‌السلام يمنع رسوله من التعرّض لأيّ أمر يمكن من خلاله أن تكشف هويته وشخصيته وصلته بالإمامعليه‌السلام حتى لو شتمه أحد أو رُبما يُسبّ الإمامعليه‌السلام أمامه، فعليه أن يغضّ الطرف وكأنه ليس هو المقصود، ويذهب في مهمّته، حتى لا يُكشف ولا يتعرّف أحد جلاوزة السلطان على ما يخرج من الإمامعليه‌السلام لوكلائه وثقاته.

وتفيد هذه النصوص وغيرها أن الظروف الصعبة والقاهرة التي عاشها الإمامعليه‌السلام وأصحابه هي التي ألجأته إلى اتخاذ السرية والكتمان الشديد في تعامله مع قواعده الشعبية، وبالتالي فهي الطريق الأصوب إلى تربية شيعته ومواليه وتهيئة قواعده لعصر الغيبة الصغرى والتي سوف يتم اتصال الشيعة خلالها بالإمام المهديّعليه‌السلام عن طريق وكيل له، حيث لا يتيسّر الاتّصال المباشر به ولا يكون الالتقاء به ممكناً وعمليّاً وذلك لما كانت السلطة العباسية قد فرضته من رقابة شديدة على الشيعة لمعرفة محلّ اختفاء الإمام المهديّعليه‌السلام .

هذه هي أهم المحاور التي سنحت الفرصة للبحث عنها بالنسبة لمتطلّبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٦٠، ٤٦١.

١٦٥

وسنقف في الفصل الأخير من الكتاب على أهم ما صدر من الإمامعليه‌السلام في مجال التحصين العلمي والعقائدي والتربوي والأخلاقي بالإضافة إلى ما قد عرفناه من التحصين السياسي والأمني والاقتصادي فيما مرّ من خلال المهام التي جعلت على عاتق الوكلاء وثقاة أصحابه.

الفصل الثالث: من تراث الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

إنّ المأثور عن الإمام العسكري هو مجموعة من النصوص التي يمكن تصنيفها تحت عناوين متعددة هي:

١ ـ التفسير.

٢ ـ رسالة المنقبة التي وصفت بأنها تشتمل على أكثر الحلال والحرام.(١)

٣ ـ مكاتبات الرجال الواردة عن العسكريين.(٢)

٤ ـ مجموعة وصايا وكتب وتوقيعات إلى شيعته.(٣)

٥ ـ ما تناثر من درر كلماته وأحاديثه في مجالات شتّى، وهي تشكّل موسوعة علمية تستحقّ الدراسة والبحث. ونتكلم عن كل واحد من هذه العناوين الخمسة فيما يلي:

أوّلاً: التفسير

لقد اختلف الفقهاء والمحدّثون في مدى صحة انتساب التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام منذ القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا.

ــــــــــــ

(١ و٢) تاريخ التشريع الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: ١٩٨.

(٣) حياة الإمام الحسن العسكري،(دراسة وتحليل)، باقر شريف القرشي: ص٧١ ـ ٩٥.

١٦٦

غير أن المعلوم هو أن الإمام العسكريعليه‌السلام قد أثرت عنه مجموعة لا بأس بها من النصوص في مجال تفسير القرآن الكريم. وقد تناثرت جملة من هذه النصوص في المصادر الموجودة بأيدينا اليوم(١) .

فالخلاف إذاً هو حول الكتاب الذي يُنسب إليه، وليس في ظاهرة التفسير التي اختص بها عصره وعرفت عنه.

وإذا لاحظنا الظرف الذي عاشه الإمامعليه‌السلام من جهة ونسبة هذا التفسير إليه من جهة، ولاحظنا محتوى هذا التفسير من جهة ثالثة، وطابقنا محتواه مع ما روي عنه في سائر المصادر نكون قد وقفنا على نقاط واضحة وأخرى محتملة مشكوكة تحتاج إلى أدلة قوية للإثبات.

أما ظرف الإمام وعصره من حيث الاهتمام بالقرآن الكريم فقد عرفنا أن الكندي ـ كفيلسوف محترف ـ كان قد تصدّى لنسف اعتبار القرآن الكريم وإبطال جانب من جوانب إعجازه.

وهذا التصدي منه وتصدّي الإمامعليه‌السلام لردعه عما كان ينويه بشكل منطقي يدلّ على شدة اهتمامه بالقرآن في ذلك الظرف وفاعليته في الحياة الفكرية والاجتماعية ومدى أهمية حركة التفسير التي كان يقوم بها العلماء في إظهار عظمة الأمة الإسلامية من خلال حملها للقرآن الكريم، فكان من الطبيعي أن يؤكد الإمامعليه‌السلام هذا الجانب بإغناء الأمة الإسلامية بعلمه الذي كان يتفرّد به هو وآباؤه الكرام، فإنهم معدن العلم في هذه الأمة بل في العالم أجمع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم أهل بيت الوحي حيث نزل القرآن في بيتهم

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري، القرشي: ٩٥ ـ ١٠٠، ومسند الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .

١٦٧

فهم أدرى بما في البيت من غيرهم، وكل العلماء تبع لهم وعيال عليهم في معرفة القرآن وعلومه، كما اعترف بذلك الموالف والمخالف وكما تفصح عنه سيرتهم جميعاً بدءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانتهاءً بالإمام الحسن العسكريعليهم‌السلام .(١)

نماذج من تراثه التفسيري

١ ـ روى الثقة الأمين أبو هاشم الجعفري ـ وهو من خيرة أصحاب الإمامعليه‌السلام قال: كنت عند أبي محمدعليه‌السلام فسألته عن قول الله عَزَّ وجَلَّ:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ... ) (٢) . قال أبو هاشم: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي ما أعطى الله آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنظر إلي الإمام وقال:عظم ما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله، فقد جعلك الله متمسكاً بحبهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دُعي كل إنسان بإمامه، فأبشر ياأبا هاشم فإنك على خير (٣) .

٢ ـ سأل محمد بن صالح الأرمني الإمام أبا محمد عن قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٤) فقال الإمامعليه‌السلام :هل يمحو الله إلاّ ما كان، وهل يثبت إلاّ ما لم يكن تعالى الجبار، العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق، إذ لا مخلوق، الديان .

وانبرى محمد بن صالح، فقال: أشهد أنك حجة الله ووليه وأنك على منهاج الحق الإمام أمير المؤمنين(٥) .

ــــــــــــ

(١) راجع مقدمة ابن أبي الحديد لشرحه لنهج البلاغة، فيما يخص الإمام علي وعلوم القرآن الكريم.

(٢) فاطر(٣٥): ٣٢.

(٣) الثاقب في المناقب: ص٣٤١ ـ ٢٤٢ للجرجاني.

(٤) الرعد(١٣): ٣٩.

(٥) الثاقب في المناقب: ٢٤٢ وكشف الغمة: ٣ / ٢٠٩ عن دلائل الحميري.

١٦٨

٣ ـ وسأله أيضاً عن قول الله عَزَّ وجَلَّ:( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (١) فقال الإمام:من بعد أن يأمر بما يشاء ، فقلت في نفسي: هذا قول الله:(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (٢) فنظر إلي الإمام وتبسم، ثم قال:( لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٣) .

٤ ـ قال أبو هاشم: كنت عند أبي محمدعليه‌السلام فسأله ابن صالح الأرمني عن قول الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ) (٤) .

قال الإمام أبو محمدعليه‌السلام :ثبتت المعرفة، ونسوا ذلك الموقف، وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه، ولا من رازقه .

قال أبو هاشم: فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه، وجزيل ما حمله فأقبل أبو محمد عليّ، فقال:الأمر أعجب مما عجبت منه ياأبا هاشم وأعظم، ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، ومن أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن إلاّ وهو بهم مصدق، وبمعرفتهم موقن (٥) .

٥ ـ روى سفيان بن محمد الصيفي، قال: كتبت إلى الإمام أبي محمدعليه‌السلام أسأله عن الوليجة في قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) وقلت في نفسي: من يرى المؤمن هاهنا ؟، فرجع الجواب:الوليجة التي تقام دون ولي الأمر، وحدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع؟ فهم الأئمة الذين يؤمنون بالله فنحن هم (٦) .

ــــــــــــ

(١) الروم(٣٠): ٤.

(٢) الأعراف(٧): ٥٤.

(٣) كشف الغمة: ٣ / ٢١٠ عن دلائل الحميري.

(٤) الأعراف(٧): ١٧٢.

(٥) كشف الغمة: ٣ / ٢٠٩، ٢١٠ عن دلائل الحميري.

(٦) أصول الكافي: ١/٥٠٨ مع اختلاف يسير.

١٦٩

ثانياً: رسالة المنقبة

نقل العلاّمة المجلسي هذه الرسالة عن الإمام العسكري قائلاً: وخرج من عند أبي محمدعليه‌السلام في سنة خمس وخمسين ومئتين كتاب ترجمته(رسالة المنقبة) . يشتمل على أكثر علم الحلال الحرام(١) .

وهو ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه والبياضي في الصراط المستقيم(٢) .

ثالثاً: مكاتبات الرجال عن العسكريين

أشار إلى هذه المكاتبات في أحكام الدين الشيخ ابن شهرآشوب في المناقب راوياً لها عن الخيبر الحميري(٣) .

رابعاً: مجموعة وصايا الإمام العسكري وكتبه وتوقيعاته

إن ظاهرة صدور التوقيع من الإمام على أمر من الأمور ـ بمعنى إرسال رسالة من الإمام إلى من يهمّه الأمر من وكيل أو تابع خاص مزوّدة بتوقيعه ومشتملة على خطّهعليه‌السلام ـ قد مهّد بها الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام لفترة الغيبة، كما مهّد كل من الإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام بكثرة احتجابهما للغيبة المتوقّعة للإمام المهديعليه‌السلام .

ومن هنا نجد أن الأصحاب والوكلاء الذين ألفوا هذه الظاهرة كانوا يسألون الإمامعليه‌السلام عن الملابسات المحتملة في المستقبل فيطلبون منه التعرّف على نوع الخط كما يطلبون منه كيفية التعرّف على توقيعاته فيما إذا احتمل تبدّل الخط.

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٥٠ / ٣١٠ عن مناقب آل أبي طالب: ٤/٤٥٧.

(٢) تاريخ التشريع الإسلامي: ١٩٨.

(٣) تاريخ التشريع الإسلامي: ١٩٨ عن مناقب آل أبي طالب: ٤/٤٥٧.

١٧٠

قال أحمد بن إسحاق: دخلت على أبي محمدعليه‌السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد. فقال:نعم ، ثم قال:يا أحمد إن الخطّ سيختلف عليك من بين القلم الغليظ إلى القلم الدقيق فلا تشكّنَّ ، ثم دعا بالدواة فكتب وجعل يستمدّ إلى مجرى الدواة، فقلت في نفسي وهو يكتب: استوهبه القلم الذي كتب به. فلمّا فرغ من الكتابة أقبل يحدّثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعةً ثم قال:هاك يا أحمد فناولنيه...(١)

وقد أشرنا إلى جملة من الوصايا العامة التي ترسم الخطوط العريضة للوضع المستقبلي الذي كان ينبغي لشيعة أهل البيت أن يعدّوا أنفسهم له ويروّضوها عليه لعدم إمكان الارتباط المباشر بالإمام ومن ثم كانوا قد ألفوا الاحتجاب والغيبة منذ عصر الإمام الهاديعليه‌السلام .

وتكشف رسائله أيضاً عن طبيعة الظروف التي كان يعايشها الإمامعليه‌السلام وشيعته فيما يرتبط بالوضع السياسي أو العقائدي والفكري خارج دائرة الجماعة الصالحة أو داخل دائرة الجماعة الصالحة وهي شيعة أهل البيت أنفسهم.

وإليك بعض رسائل الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام :

١ ـ رسالته إلى إسحاق النيسابوري: أرسل الإمام أبو محمدعليه‌السلام إلى إسحاق ابن إسماعيل النيسابوري هذه الرسالة، وهي من غرر الرسائل، وقد استهدفت الوعظ، والإصلاح الشامل، وهذا نصها:

«سترنا الله وإياك بستره، وتولاك في جميع أمورك بصنعه، قد فهمت كتابك رحمك

ــــــــــــ

(١) مسند الإمام الحسن العسكري: ٨٧، عن الكافي: ١ / ٥١٣ ح ٢٧.

١٧١

الله، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرقُّ على موالينا، ونسرُّ بتتابع إحسان الله إليهم، وفضله لديهم، ونعتدُّ بكلِّ نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم، فأتم الله عليك بالحقِّ ومن كان مثلك ممّن قد رحمه وبصّره بصيرتك، ونزع عن الباطل، ولم يعم في طغيانه بعمه، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنّة، وليس من نعمة وإن جلّ أمرها وعظم خطرها إلاّ والحمد لله تقدّمت أسماؤه عليها يؤدّي شكرها.

وأنا أقول: الحمد لله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبد الأبد، بما منَّ الله عليك من نعمته، ونجّاك من الهلكة، وسهَّل سبيلك على العقبة، وأيم الله إنّها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزُّبر الأولى ذكرها.

ولقد كانت منكم في أمور في أيام الماضيعليه‌السلام إلى أن مضى لسبيله (صلّى الله على روحه) وفي أيامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن، ولا مسدَّدي التوفيق. واعلم يقيناً يا إسحاق أنَّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلُّ سبيلاً، إنّها يابن إسماعيل ليس تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه الظالم:( رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ) قال الله عزّ وجلّ:( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) (١) وأي آية يا إسحاق أعظم من حجّة الله عزّ وجلّ على خلقه، وأمينه في بلاده، وشاهده على عباده، من بعد ما سلف من آبائه الأوّلين من النبيّين وآبائه الآخرين من الوصيين، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته.

فأين يتاه بكم ؟ وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم؟ عن الحقِّ تصدفون وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون ؟ أو تكذبون، فمن يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك والله الخزي العظيم.

إن الله بفضله ومنِّه لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه

ــــــــــــ

(١) طه(٢٠): ١٢٥ و ١٢٦.

١٧٢

إليكم، بل برحمة منه لا إله إلاّ هو عليكم، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم ولتألفوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته.

ففرض عليكم الحجَّ والعمرة وإقام الصّلاة، وإيتاء الزكاة، والصّوم والولاية، وكفا بهم لكم باباً ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوصياء من بعده، لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل يدخل قرية إلاّ من بابها.

فلمّا منَّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّه، قال الله عزّ وجلّ لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ) (١) وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم، ليحلَّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرِّفكم بذلك النماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال الله عزّ وجلّ:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) .

واعلموا أن من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه، وأنّ الله الغنيّ وأنتم الفقراء لا إله إلاّ هو.

ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، ولولا ما يجب من تمام النّعمة من الله عزّ وجلّ عليكم، لما أريتكم منّي خطّاً ولا سمعتم مني حرفاً من بعد الماضيعليه‌السلام .

أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره إليكم، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم ابن عبدة، وفّقه الله لمرضاته وأعانه على طاعته، وكتابه الذي حمله محمّد بن موسى النيسابوري والله المستعان على كلِّ حال، وإنّي أراكم مفرطين في جنب الله فتكونون من الخاسرين.

فبُعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله، ولم يقبل مواعظ أوليائه، وقد أمركم الله

ــــــــــــ

(١) المائدة(٥): ٣.

(٢) الشورى(٤٢): ٢٣.

١٧٣

عَزَّ وجَلَّ بطاعته لا إله إلاّ هو، وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبطاعة أولي الأمر عليهم‌السلام ، فرحم الله ضعفكم وقلّة صبركم عمّا أمامكم فما أغرَّ الإنسان بربّه الكريم، واستجاب الله تعالى دعائي فيكم، وأصلح أموركم على يدي، فقد قال الله جلّ جلاله: ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) (١) وقال جلّ جلاله: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٢) وقال الله جلّ جلاله: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (٣) .

فما أحبُّ أن يدعو الله جلّ جلاله بي ولا بمن هو في أيّامي إلاّ حسب رقّتي عليكم، وما انطوى لكم عليه من حبّ بلوغ الأمل في الدّارين جميعاً، والكينونة معنا في الدّنيا والآخرة.

فقد ـ يا إسحاق! يرحمك الله ويرحم من هو وراءك ـ بيّنت لك بياناً وفسّرت لك تفسيراً، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قطُّ ولم يدخل فيه طرفة عين، ولو فهمت الصمّ الصّلاب بعض ما في هذا الكتاب، لتصدّعت قلقاً خوفاً من خشية الله ورجوعاً إلى طاعة الله عزّ وجلّ، فاعملوا من بعد ما شئتم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتّقين والحمد لله كثيراً ربِّ العالمين (٤) .

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في أبعاد هذه الرسالة الشريفة، وبيان محتوياتها، وفي ما يلي ذلك:

أولاً: أنها أظهرت سرور الأئمة الطاهرين، وفرحهم بما يسديه الله تعالى إلى شيعتهم من النعم والألطاف.

ــــــــــــ

(١) الإسراء(١٧): ٧١.

(٢) البقرة(٢): ١٤٣.

(٣) آل عمران(٣): ١١٠.

(٤) بحار الأنوار: ٥٠/٣١٩ ـ ٣٢٢.

١٧٤

ثانياً: أن من أعظم النعم وأجلها التي يتمناها الإمام أبو محمد لشيعته هي الفوز بالجنة والنجاة من النار، فإن من فاز بذلك فقد ظفر بالخير العميم.

ثالثاً: أعرب الإمامعليه‌السلام عن حدوث فجوة بينه وبين إسحاق وجماعته، ولم يحدث ذلك في زمانه، وإنما كان في زمان أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام ، فقد ساءت العلاقات بينه وبين القوم، ولم تكشف المصادر التي بأيدينا أسباب ذلك، وأكبر الظن أن ذلك يستند إلى ما يلي:

أ ـ اندساس الدجالين، والمخربين، وذوي الأطماع بين صفوف القوم، وإفساد عقائدهم، مما نجم منه التشكيك في الأئمةعليهم‌السلام والرد عليهم.

ب ـ حجب الأئمةعليهم‌السلام من قبل العباسيين، وقطع أي اتصال بينهم وبين شيعتهم الأمر الذي أدى إلى إشاعة بعض الأفكار المنحرفة بين صفوف بعضهم، ولو كانوا على اتصال بهم لما حدث أي شيء من ذلك.

ج ـ دس الحكومة العباسية بعض عملائها بهدف تفريق صفوف أتباع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، والعبث بمقدراتهم الفكرية والاجتماعية وذلك للحط من شأنهم، وفل قواهم.

د ـ وثمة عامل آخر أدى إلى شيوع الاضطراب العقائدي بين صفوف بعض الشيعة، وهو الحسد لبعض وكلاء الإمامينعليهما‌السلام الذين عُهد إليهم بقبض الحقوق الشرعية، وصرفها على الفقراء والمحرومين وسائر الجهات الإصلاحية، وقد منحوا بذلك التأييد المطلق، والثقة الكاملة من قبل الإمامين، وقد عز ذلك على بعض الشخصيات البارزة الذين لم يظفروا بمثل ذلك مما أدى إلى حسدهم والحسد داء وبيل ألقى الناس في شر عظيم، وأخرجهم من النور إلى الظلمات، فأخذوا يعيثون فساداً بين صفوف الشيعة ويفسدون عليهم عقائدهم.

رابعاً: نعى الإمامعليه‌السلام على المنحرفين عن الحق سلوكهم في المنعطفات

١٧٥

وبعدهم عن المسالك الواضحة التي تضمن لهم السلامة والنجاة، فقد ضلت عقولهم، وعميت عيونهم، وإنهم في يوم حشرهم سيحشرون عمي العيون كما كانوا في دار الدنيا.

خامساً: ذكر الإمامعليه‌السلام أن الله تعالى أقام الحجة على عباده وذلك ببعثه النبيين والمرسلين والأوصياء، فقد بلغوا أوامر الله ونواهيه، ونشروا أحكامه، فلا عذر للعباد بعد ذلك في تقصيرهم وعدم طاعتهم.

سادساً: عرض الإمامعليه‌السلام إلى أن الله لما أقام الفرائض على العباد، وألزمهم بها لم يكن بحاجة إليها، وإنما ليميز الخبيث من الطيب، ويمتحن العباد بها، فمن أطاع فقد نجا، ومن خالف فقد غرق وهوى.

سابعاً: ومن بنود هذه الرسالة أن الله تعالى قد منَّ على هذه الأمة بأن أرسل النبي محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوصياء من بعده بهدايته، ولولاهم لكانت هذه تتيه في مساحات سحيقة من مجاهل هذه الحياة لا تعرف فرضاً، ولا تفقه سنة، فما أعظم عائداتهم على هذه الأمة، بل وعلى البشرية جمعاء.

ثامناً: إن الله تعالى فرض لآل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المسلمين فريضة مالية، وهي الخمس، وهو تشريع اقتصادي أصيل، تزدهر به الحياة الفكرية والدينية في الإسلام، ولولاه لما استمرت المرجعية العامة، والهيئة العلمية عند الطائفة الإمامية، التي هي امتداد مشرق لرسالة الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ... أما تفصيل الخمس، وفيما يجب فقد عرضت لبيانه كتب الفقه الإمامي، ومن الجدير بالذكر أن الإمام أبا محمدعليه‌السلام قد بين في رسالته هذه أنه لا تحل الأزواج والأموال، والمآكل، والمشارب من دون إخراج الخمس، وأكبر الظن أن القوم الذين عناهم الإمام في رسالته ما كانوا يؤدون هذا الحق

١٧٦

المفروض، الأمر الذي أوجب توتر العلاقات بينهم، وبين الإمام(١) .

٢ ـ رسالته إلى أهالي قم وآبة: وأرسل الإمام أبو محمدعليه‌السلام إلى شيعته من أهالي قم وآبة(٢) رسالة جاء فيها:

«إن الله تعالى بجوده وكرمه، ورأفته، قد منَّ على عباده بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بشيراً ونذيراً، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين(رحمة الله عليهم) وأصلابكم الباقين(تولى كفايتهم، وعمرهم طويلاً في طاعته)، حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا...

ومنها:

فلم تزل نيتنا مستحكمة، ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة، القرابة الراسخة بيننا وبينكم قوية، وصية أوصى بها أسلافنا وأسلافكم، وعهد عهد إلى شبابنا ومشايخكم، فلم يزل على جملة كاملة من الاعتقاد، لما جمعنا الله عليه من الحال القريبة، والرحم الماسة، يقول العالم سلام الله عليه: المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه...».

ولم يصل إلينا تمام هذه الرسالة، وإنما وصلت منها هذه القطعة، وهي تحكي مدى تعاطف الإمامعليه‌السلام مع هؤلاء المؤمنين الأخيار الذين تحرجوا في دينهم كأشد ما يكون التحرج، فقد ترحم الإمام على أسلافهم المتمسكين بدينهم الذين آمنوا بالإسلام، واتبعوا ما أمر الله به، ففازوا برضوان الله ومغفرته.

وتعرض الإمامعليه‌السلام إلى الصلات الوثيقة التي عقدت بين القوم وبين أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهي قديمة وقد قامت على إيمان القوم برسالة أهل البيت، وأهدافهم الشامخة، ولم تقم على الأهواء والعواطف، وقد أكبر

ــــــــــــ

(١) باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسن العسكري: ٧٦ ـ ٧٨.

(٢) آبة: بليدة تقابل ساوة، وتعرف بين العامة بآوة، قال ذلك ياقوت في المعجم.

١٧٧

الإمامعليه‌السلام فيهم هذه الروح، وهذا الشعور الفياض(١) .

٣ ـ رسالته إلى عبد الله البيهقي: وأرسل الإمامعليه‌السلام إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي الرسالة التالية:

«وبعد: فقد بعثت لكم إبراهيم بن عبده ليدفع النواحي، وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه، وجعلته ثقتي وأميني، عند موالي هناك فليتقوا الله، وليراقبوا، وليؤدوا الحقوق فليس لهم عذر في ترك ذلك، ولا تأخيره، ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه، ورحمهم الله وإياك معهم برحمتي لهم، إن الله واسع كريم» (٢) .

لقد أقام الإمامعليه‌السلام في المناطق التي تدين بإمامته وكلاء من العلماء الأخيار، وعهد إليهم بقبض الحقوق الشرعية، وحملها إليه أو انفاقها في سبل الخير والصلاح.

٤ ـ رسالته في حق إبراهيم: وكان الإمامعليه‌السلام قد أقام إبراهيم بن عبده وكيلاً عنه في قبض الحقوق الشرعية، وصرفها في إقامة دعائم الدين، وصلة المحتاجين وقد زوده برسالة أشاد فيها بمكانة إبراهيم ووثاقته، وقد سئل عن تلك الرسالة هل هي بخطه، فأجابعليه‌السلام :

«وكتابي الذي ورد على إبراهيم بن عبده بتوكيلي إياه بقبض حقوقي من موالينا هناك، نعم هو كتابي بخطي إليه، أقمته لهم ببلدهم حقاً غير باطل، فليتقوا الله حق تقاه، وليخرجوا من حقوقي، وليدفعوها إليه، فقد جوزت له ما يعمل به فيها وفقه الله، ومنَّ عليه بالسلامة من التقصير..» (٣) .

لقد أقر الإمام وكالته لإبراهيم، وأوصاه بتقوى الله وطاعته وألزم شيعته بدفع الحقوق المفروضة عليهم إليه.

٥ ـ رسالته إلى مواليه: وبعث الإمام أبو محمدعليه‌السلام الرسالة التالية إلى بعض

ــــــــــــ

(١) باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسن العسكري: ٧٩.

(٢) الكشي: ٥٨٠ ح ١٠٨٩.

(٣) الكشي: ٥٨٠ ح ١٠٨٩، معجم رجال الحديث: ١٠ / ٢٣٢.

١٧٨

مواليه، وقد نعى فيها ما هم فيه من الاختلال والفرقة والانحراف عن الدين وهذا نصها بعد البسملة: «استوهب الله لكم زهادة في الدنيا وتوفيقاً لما يرضى، ومعونة على طاعته وعصمة عن معصيته، وهداية من الزيغ وكفاية، فجمع لنا ولأوليائنا خير الدارين.

أما بعد: فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم، وتشتيت أهوائكم، ونزغ الشيطان، حتى أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين، والسعي في هدم ما مضى عليه أوائلكم من إشادة دين الله، وإثبات حق أوليائه، وأمالكم إلى سبيل الضلالة، وصد بكم عن قصد الحق، فرجع أكثركم القهقرى على أعقابكم، تنكصون كأنكم لم تقرؤا كتاب الله جل وعز ولم تعوا شيئاً من أمره ونهيه ولعمري لئن كان الأمر في اتكال سفهائكم على أساطيركم لأنفسهم وتأليفهم روايات الزور بينهم لقد حقت كلمة العذاب عليهم ولئن رضيتم بذلك منهم ولم تنكروه بأيديكم وألسنتكم وقلوبكم ونياتكم، إنكم شركاء وهم، في ما اجترحوه من الافتراء على الله تعالى وعلى رسوله وعلى ولاة الأمر من بعده ولئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل التزيد في دعواهم، ولا المغيريّة في اختلافهم ولا الكيسانية في صاحبهم ولا من سواهم من المنتحلين ودّنا والمنحرفين عنا، بل أنتم شر منهم قليلاً، وما شيء يمنعني من وسم الباطل فيكم بدعوة تكونوا شامتاً لأهل الحق إلاّ انتظار فيئهم، وسيفيء أكثرهم إلى أمر الله إلاّ طائفة لو[ شئت] لسميتها ونسبتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، ومن نسي ذكر الله تبرأ منه فسيصليه جهنم وساءت مصيراً.

وكتابي هذا حجة عليهم، وحجة لغائبكم على شاهدكم إلاّ من بلغه فأدّى الأمانة، وأنا أسأل الله أن يجمع قلوبكم على الهدى، ويعصمكم بالتقوى، ويوفقكم للقول بما يرضى، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..»(١) .

وهكذا صعد الإمامعليه‌السلام آهاته على ما مُني به بعض مواليه من الاختلاف، والتفرق والانحراف عن الدين، ويعود السبب في ذلك إلى

ــــــــــــ

(١) عن الدر النظيم: ٧٤٨.

١٧٩

أن هؤلاء الغوغاء لم يعتنقوا الإسلام عن وعي عميق مدعم بالأدلة الحاسمة، وإنما أخذوا بعض طقوسه عن تقليد لآبائهم، وأقل شبهة تعرض لهم، فإنهم ينكصون على الأعقاب.

لقد عمدت القوى الباغية على الإسلام على إفساد الموالي من شيعة الإمامعليه‌السلام وتضليلهم، وقد افتعلوا في سبيل ذلك الروايات الكاذبة التي تدعم أفكارهم الفاسدة، ولا سبيل لالتقاء الإمام بهم ليقوم برد تلك الشبه، وتنوير الأفكار بنور الحق، وذلك بسبب ما فرض عليه من الإقامة الجبرية في سامراء، وكان ذلك من أعظم المحن التي واجهها في حياته(١) .

٦ ـ رسالته إلى بعض مواليه: وأرسل الإمام أبو محمدعليه‌السلام إلى بعض مواليه هذه الرسالة، وقد جاء فيها بعد البسملة:

«كل مقدور كائن، فتوكل على الله جلَّ وعزَّ يكفك، وثق به لا يخيبك، وشكوت أخاك فاعلم يقيناً أن الله جلَّ وعزَّ لا يعين على قطيعة رحم، وهو جل ثناؤه من وراء ظلم كل ظالم، ومن بغي عليه لينصرنه الله، إن الله قوي عزيز، وسألت الدعاء، إن الله جل وعز لك حافظ، وناصر، وساتر، وأرجو من الله الكريم الذي عرفك من حقه، وحق أوليائه ما عمي عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمة أنعم بها عليك، إنه ولي حميد..» (٢) .

لقد دعا الإمامعليه‌السلام إلى التوكل على الله، والثقة به فإنه لا يخيب من التجأ إليه، واتكل عليه، كما لامه الإمام للشكوى من أخيه لأن الله تعالى لا يعين على قطيعة رحم، ثم دعا له الإمام أن يديم الله عليه نعمه وألطافه ولا يزيلها عنه.

٧ ـ رسالة لبعض شيعته: ورفع بعض الشيعة إلى الإمامعليه‌السلام رسالة يستغيث فيها من ظالم ظلمه، واعتدى عليه فأجابهعليه‌السلام بما يلي:

«نحن نستكفي بالله جلَّ وعزَّ في هذا اليوم من كل ظالم وباغ، وحاسد، وويل لمن

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) حياة الإمام الحسن العسكري: ٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220