اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)18%

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
الصفحات: 220

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124544 / تحميل: 8213
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

تقضي بنفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع كلامهعليه‌السلام في ذلك(1) .

هذا ولهمعليهم‌السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليتهعليه‌السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا(2) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم عليعليه‌السلام من جملة من باهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟(3) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام :

نعم ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك

__________________

1 ـ راجع ـ تفسير القمي ج 1 ص 209.

2 ـ لا بأس بمراجعة البحار ج 49 ص 188 وتفسير الميزان ج 2 ص 230 و 329 وتفسير البرهان ج 1 ص 286 و 287 وغير ذلك.

3 ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص 21.

٤١

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب

وقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف

ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :

1 ـ أنهعليه‌السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي »(1) .

لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة.

وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »

__________________

1 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 172 وذخائر العقبى ص 138 عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 173 عن الجنابذي على ما يظهر.

2 ـ مقاتل الطالبيين ص 52 وتفسير فرات ص 72 و70 وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 : انا ابن نبي الله الخ وحياة الصحابة ج 3 ص 526 ومجمع الزوائد ج 9 146 وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان. وتيسير المطالب ص 179. وعن أمالي الطوسي ص 169 وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج 2 ص 25 ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 7.

٤٢

الخ(1) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه »(2) .

2 ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!

فقال الحسنعليه‌السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه » إلى آخر كلامه عليه

__________________

1 ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص 146 وتفسير فرات ص 70 و 72 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وينابيع المودة ص 225 و 302 و 270 و 479 و 482 عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص 207 وفرائد السمطين ج 2 ص 120 ومستدرك الحكام ج 3 ص 172 ومجمع الزوائد ج 9 ص 46 وحياة الصحابة ج 3 ص 526 وذخائر العقبى ص 138 و 140 وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج 2 ص 186 ، والمحاسن والمساوي ج ا ص 132 / 133 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 والاحتجاج ج 1 ص 419 والبحار ج 44 وامالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 12 واعلام الورى ص 208 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 30.

2 ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

3 ـ البحار ج 43 ص 363.

٤٣

السلام(1) .

ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة(2) .

وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسنعليه‌السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام(3) .

3 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسنعليه‌السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي »(4) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.

4 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا »(5) .

__________________

1 ـ الاحتجاج ج 1 ص 419 والخرائج والجرائح ص 218 والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي.

2 ـ ذخائر العقبى ص 140 عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1ص 126 لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج 44 ص 122 والمحاسن والمساوي ج 1 ص 133 وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 49 ومقاتل الطالبيين ص 73 والإمام الحسن لآل يس ص 110 ـ 114 وتحف العقول ص 164.

3 ـ الغدير ج 11 ص 8 عن طبقات ابن سعد.

4 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 عن العقد الفريد والمدائني. وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 والبحار ج 43 ص 355 / 356 وعيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 172.

5 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 والبحار ج 43 ص 356 وليراجع ج 44 ص 121 و122 وعن تحف العقول ص 232 والخرايج والجرايح ص 217 / 218.

٤٤

5 ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل »(1) .

6 ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيد شباب أهل الجنة »(2) .

ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسينعليه‌السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ(3) فيدخل في مجال احتجاجاتهماعليهما‌السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسينعليه‌السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت

__________________

1 ـ أمالي الصدوق ص 158.

2 ـ المحاسن والمساوي ج 1 ص 122.

3 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله

٤٥

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه »(1) .

ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ »(2) .

ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء »(3)

وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه »(4) .

وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » ولكنهعليه‌السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم(5) .

وبعد ذلك فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ »

وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه

__________________

1 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 274 عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

2 ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص 107 باب زيارته يوم ولادته.

3 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 7 وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص 282 للاطلاع على مصادر أخرى.

4 ـ أمالي الصدوق ص 140.

5 ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 69 / 70 ومقتل الحسين للمقرم ص 442 /443 عنه ، وعن نفس المهموم ص 242.

٤٦

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته »(1) .

وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله »(2) .

وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات »(3) .

على خطى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد بإنَّ ذلك لم يكن منهمعليهم‌السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد وكنموذج على ذلك نشير إلى :

1 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني(4) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب

__________________

1 ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص 35 و 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 64 و 65 ومتل الحسين للمقرم ص 450 / 451.

2 ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 90 ومقتل الحسين للمقرم ص 385 عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي.

3 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 390.

4 ـ ذخائر العقبى ص 124 ، وصفة الصفوة ج 1 ص 763 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 206 وكنز العمال ط 2 ج 6 ص 221 والغدير ج 7 ص 124 عن مستدرك الحكام ج 3 ص 166 ونقل عن الترمذي ، رقم 3772.

٤٧

من يحبهما(1) .

وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه(2) .

2 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم.

3 ـ وقول : إن ابني هذا سيد(3) .

4 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد إلى أن قال : وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات(4) .

5 ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم(5) .

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 165 عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص 189 والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 200 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 124 ومجمع الزوائد ج 9 ص 180 وراجع : مستدرك الحاكم ج 3 ص 166 و 171 وذخائر العقبى ص 124 وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص 200 وكنز العمال ج 6 ص 220 وعن الترمذي ج 2 ص 240 وغيرهم.

2 ـ كنز العمال ج 16 ص 262 ط 2 ومجمع الزوائد ج 9 ص 176 ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص 56 ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 20 ط 1.

3 ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها

4 ـ ذخائر العقبى ص 122 عن الحافظ السلفي

5 ـ الصواعق المحرقة ص 154 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 ، وتاريخ بغداد ج 11 ص 285 ، وينابيع المودة ص 261 وفرائد السمطين ج 2 ص 69 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 وإحقاق الحق ج 9 ص 644 ـ 655 عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص 121 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 149 ، وعن كنز

٤٨

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنينعليهما‌السلام فليراجع الغدير ج 7 ص 124 ـ 129(1) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم فإننا نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.

قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد 1 هـ نقله في نور النبراس » انتهى(3) .

__________________

= العمال ج 6 ص 216 و 215 وعن مجمع الزوائد ج 9 / 172.

1 ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص 259 و138 و 146 و 214 و 183 و 182 و 255 و 136 و 221 و 258 و 222 و 331 و 250 وإسعاف الراغبين ص 132 و 133 وكفاية الطالب ص 235 و 237 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و 159 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 126 وابن عساكر ج 4 ص 152 و 203 و 204.

2 ـ الاموال ص 289 /280 وراجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 273 وراجع : طبقات ابن سعد ج 1 ص 33.

3 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 274.

٤٩

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها »(1) .

ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!

إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب

أخيراً فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال »(2) .

وبعد كل ما تقدم فإننا نفهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يظهر امتيازاً للحسنينعليهما‌السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

__________________

1 ـ الأموال هامش ص 280.

2 ـ بداية المجتهد ج 2 ص 457.

٥٠

د : بيعة الرضوان :

1 ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (1) .

2 ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجوادعليه‌السلام :

« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ »(2) .

وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي

__________________

1 ـ الإرشاد ص 219 وفدك للقزويني هامش ص 16عنه.

2 ـ الاحتجاج ج 2 ص 245 والبحار ج 50 ص 78 عنه ، والإرشاد للمفيد ص 363 ، وتفسير القمي ج 1 ص 184 / 185 وراجع : الحياة السياسية للإمام الجوادعليه‌السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة.

٥١

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا(1) .

وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين(2) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.

ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكونصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان

وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها

وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...

والجواب عن ذلك :

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 375 عن فصل الخطاب لمحمد پارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 150 وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم 77 وحياة الصحابة ج 1 ص 250 ومجمع الزوائد ج 6 ص 40 عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج 4 ص 384 من دون ذكر ابن عباس.

2 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 222 عن القرطبي.

٥٢

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية(1) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ حسبما ذكروه

وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك؟ إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه

وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.

ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

1 ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص 96 ـ 99.

٥٣

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهماعليهما‌السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(1) .

وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه(2)

فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه

ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير

ويمكن أن نذكر منها هنا :

1 ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام في كتابه لمعاوية : « وبعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده »(3) .

2 ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه »(4) .

__________________

1 ـ راجع علل الشرايع ج 1 ص 211.

2 ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج 2 ص 414 : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يعهد..

3 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص 55 / 56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج 2 ص 29 ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 31 وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر ».

3 ـ الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52 ، وحياة الحسن للقرشي ج 2 ص 10 وعن إثبات الهداة ج 5 ص 139 و 134 و 136 والبحار عن أبي مخنف.

٥٤

3 ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصار الأمر إلى الحسن »(1) .

4 ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسنعليه‌السلام عند موته »(2) .

5 ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل على عليعليه‌السلام : فقال : ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم »(3) .

6 ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق الخ...»(4) .

7 ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسنعليه‌السلام ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما قال :

« وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ »(5) .

8 ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا لهما ، وأطيعوا أمرهما »(6) . هذا ، وقد ذكر وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ولده الإمام الحسنعليه‌السلام غير واحد من

____________

1 ـ العقد الفريد ج 4 ص 474 / 475.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 57.

3 ـ المناقب للخوارزمي ص 278.

4 ـ البداية والنهاية ج 6 ص 249.

5 ـ راجع : تيسير المطالب ص 179 وقاموس الرجال ج 5 ص 172 والأغاني ج 6 ص 121 وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.

6 ـ إثبات الوصية ص 152.

٥٥

المؤلفين في كتبهم(1) فلتراجع.

9 ـ هذا كله عدا عما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على الأئمة بأسمائهم(2) .

وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا

10 ـ ولما مات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسنعليه‌السلام ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه(3) .

11 ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص »(4) .

12 ـ وعن عليعليه‌السلام : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر بعدي(5) .

وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ الأمر ، وولي الدم(6) .

__________________

1 ـ راجع : البحار ج 10 ص 89 ، وإثبات الهداة ج 5 ص 140 وراجع ص 121 حتى ص 143 ، وأنساب الأشراف ج 2 ص 502 ـ 504 بتحقيق المحمودي ، وصلح الحسنعليه‌السلام لآل يس والكافي ج 1 ص 297 ـ 300 ،

2 ـ راجع منتخب الأثر وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح ، وحديث الثقلين وغير ذلك

3 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 135 والبحار ج 10 ط قديم ، باب مصالحة الحسن ، عن الخرائج والجرائح.

4 ـ مروج الذهب ج 2 ص 413.

5 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 140.

6 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 126 وكشف الغمة ، وأصول الكافي ج 1 ص 299 وصلح الحسن ج 1 ص 52.

٥٦

13 ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي(1) .

14 ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص على ابنه الحسن(2) .

15 ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها(3) .

إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه

وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.

وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام ، في حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين

فإلى الفصل التالي :

__________________

1 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 139.

2 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 133و 135 و 138 عن الشافي للسيد المرتضى ، وكشف الغمة وأعلام الورى

3 راجع : الطبقات الكبرى ج 5 ص 239 ط ليدن.

٥٧
٥٨

الفصل الثاني :

في عهد الشيخين

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قال: ما يعلم الله جلَّ وعزَّ جلاله، ماذا يلقى من ديان يوم الدين، !! فإن الله جلَّ وعزَّ للمظلومين ناصر، وعضد، فثق به جل ثناؤه، واستعن به يُزِلْ محنتك. ويكفك شر كل ذي شر، فعل الله ذلك بك، ومنَّ علينا فيك، إنه على كل شيء قدير، واستدرك الله كل ظالم في هذه الساعة، ما أحد ظلم وبغى فأفلح، الويل لمن أخذته أصابع المظلومين فلا تغتم، وثق بالله، وتوكل عليه، فما أسرع فرجك، والله عَزَّ وجَلَّ مع الذين صبروا والذين هم محسنون..» (١) .

شجب الإمامعليه‌السلام في رسالته الظلم والبغي والحسد، واستجار بالله من كل ظالم وباغ وحاسد، فإنه تعالى عون للمظلومين، وسند لهم، وهو القادر على إزالة الظلم، وإنزال أقصى العقوبة بالمعتدين والظالمين(٢) .

خامساً: اهتمامات الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الفكرية والعلمية

نلاحظ اهتماماً علميّاً متشعّب الجوانب من خلال النصوص الواصلة إلينا عن الإمام العسكري، فهو يهتم بالقرآن الكريم وهو سند الشريعة ومصدرها الأساسي كما انه يهتم بحفظ السنة النبوية وسنّة أهل البيت وتأريخهم، ويهتم أيضاً بنقده وتعريفه للشخصيات التي يتوجّه إليها الناس لأخذ العلوم والأحكام منهم أو مراجعتهم لغرض الارتباط بالإمامعليه‌السلام أو توكيلهم لإيصال الحقوق الشرعية إليه، فهو يعرّف وكلاءه ويوليهم ثقة ويلعن من ينحرف منهم ويحذّر شيعته ومواليه من الغفلة عن رصد أحوالهم في حال استقامتهم أو انحرافهم.

ونجد من الإمام اهتماماً بليغاً بالفقه والأحكام الشرعية كما نجد اهتمامه بالدعاء والطب والعقيدة والمعرفة بشكل عام.

ــــــــــــ

(١) عن الدر النظيم ورقة: ٢٢٥.

(٢) راجع باقر شريف القرشي حياة الإمام الحسن العسكري: ٧٣ ـ ٨٨.

١٨١

من تراثه المعرفيّ

١ ـ عن أبي منصور الطبرسي مسنداً قال: حدثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام ، قال: حدثني أبي عن آبائهعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من أمه وأبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرّفيق الأعلى(١) .

٢ ـ وعنهعليه‌السلام قال: قال جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام :علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعوهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب. ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم (٢) .

٣ ـ وعنهعليه‌السلام بالإسناد المتقدم قال: قال موسى بن جعفر:فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من ألف عابد، لأن العابد همّه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته، فلذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة (٣) .

٤ ـ وعنهعليه‌السلام قال: قال علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام :يقال للعابد يوم القيامة: «نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك وكفيت مؤنتك فادخل الجنة»، ألا أن الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى وحصل لهم رضوان الله تعالى.

ــــــــــــ

(١) الاحتجاج: ١ / ٦.

(٢) الاحتجاج: ١ / ٨.

(٣) الاحتجاج: ١ / ٨.

١٨٢

ويقال للفقيه: ياأيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك، فيقف فيدخل الجنة معه فئاماً وفئاماً وفئاماً ـ حتى قال عشراً ـ وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين (١) .

٥ ـ بهذا الإسناد، عنهعليه‌السلام قال:قال محمد بن علي الجواد عليهما‌السلام : من تكفل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم الأسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم، ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء (٢) .

٦ ـ بهذا الإسناد عنهعليه‌السلام قال:قال علي بن محمّد عليهما‌السلام لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه‌السلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلاّ ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عَزَّ وجَلَّ (٣) .

من تراثه الكلامي

١ ـ التوحيد في نصوص الإمام العسكريعليه‌السلام

١ ـ روى الكليني، مسنداً عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمّدعليه‌السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقّععليه‌السلام :ياأبا يوسف جلَّ سيّدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى .

ــــــــــــ

(١) الاحتجاج: ١ / ٩.

(٢) الاحتجاج: ١ / ٩.

(٣) الاحتجاج: ١ / ٩.

١٨٣

قال: وسألته: هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه ؟ فوقّععليه‌السلام :إنَّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب َّ(١) .

٢ ـ وروى عن سهل، قال: كتبت إلى أبي محمّدعليه‌السلام سنة خمس وخمسين ومئتين: قد اختلف ياسيّدي أصحابنا في التوحيد، منهم من يقول: هو جسم ومنهم من يقول: هو صورةٌ، فإن رأيت ياسيّدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطوّلاً على عبدك.

فوقّع بخطّهعليه‌السلام :سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول، الله واحد أحدٌ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالقٌ وليس بمخلوق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة جلَّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . (٢)

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام والإمامة عند الإمام العسكريعليه‌السلام

لقد أشاد الإمامعليه‌السلام بفضل أهل البيت الذين هم مصدر الوعي، والإيمان في دنيا الإسلام، حيث قالعليه‌السلام :

«قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة، والولاية، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الآجل، وأسباطنا خلفاء الدين، وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم فالكريم لبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة (٣) ذاق من حدائقنا الباكورة (٤) وشيعتنا الفئة الناجية، والفرقة الزاكية، صاروا لنا ردءً وصوناً،

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٩٥ والتوحيد: ١٠٨.

(٢) الكافي: ١ / ١٠٣ والتوحيد: ١٠٨.

(٣) الصاقورة: السماء الثالثة.

(٤) الباكورة: أول ما يدرك من الفاكهة.

١٨٤

وعلى الظلمة إلباً.. وسينفجر لهم ينابيع الحيوان، بعد لظى النيران، لتمام الرواية، والغواشي من السنين..» (١) .

٢ ـ قال أحمد بن إسحاق: دخلت على مولانا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكريِّعليهما‌السلام فقال:ياأحمد ما كان حالكم فيما كان فيه النّاس من الشكِّ والارتياب ؟ فقلت له: ياسيّدي لمّا ورد الكتاب لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلاّ قال بالحقِّ، فقال:أحمد الله على ذلك ياأحمد أما علمتم أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا ذلك الحجّة ـ أو قال:أنا الحجّة ـ.(٢)

٣ ـ قال أحمد بن إسحاق: خرج عن أبي محمّدعليه‌السلام إلى بعض رجاله في عرض كلام له:ما مني أحدٌ من آبائي عليهم‌السلام بما منيت به من شكِّ هذه العصابة فيَّ، فإن كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثمَّ ينقطع فللشكِّ موضعٌ، وإن كان متّصلاً ما اتّصلت أمور الله عَزَّ وجَلَّ فما معنى هذا الشكِّ ؟! (٣)

الإمام المهديعليه‌السلام في تراث الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

روي عن الحسن بن ظريف أنه قال: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما إلى أبي محمدعليه‌السلام فكتبت أسأله عن القائمعليه‌السلام إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمّى الرّبع فأغفلت خبر الحمّى. فجاء الجواب:

«سألت عن القائم فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه‌السلام لا يسأل البيّنة، وكنت أردت أن تسأل لحمّى الربع فأنسيت، فاكتب ورقة وعلّقه على المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله: ( يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) . قال: فعلّقنا عليه

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٧٨ / ٣٣٨.

(٢) كمال الدين: ٢٢٢.

(٣) كمال الدين: ٢٢٢.

١٨٥

ما ذكر أبو محمدعليه‌السلام فأفاق(١) .

وبشر الإمام العسكريعليه‌السلام ، خواص شيعته بولادة الحجة المنتظر الإمام المهديعليه‌السلام ; ضمن مكاتباته إليهم، أو حينما كانوا يحضرون عنده.

وقد مرّت علينا مجموعة من هذه النصوص في الفصل الثاني من الباب الرابع عند بحث عن متطلبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام العسكريعليه‌السلام (٢) .

السيرة النبوية في تراث الإمام العسكريعليه‌السلام

وقد وردت مجموعة من النصوص عن الإمام العسكريعليه‌السلام فيما يخص سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة أهل بيتهعليهم‌السلام ممّا يشير إلى ضرورة اهتمامهعليه‌السلام بهذا الجانب في عصره.

وإليك بعض هذه النصوص:

١ ـ روى الطبرسي عن أبي محمّد الحسن العسكريعليهما‌السلام أنه قال:قلت لأبي، علي بن محمّد عليهما‌السلام هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم ؟ قال: بلى مراراً كثيرة، منها ما حكى الله من قولهم: ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً ) ( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) . وقوله عَزَّ وجَلَّ: ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) إلى قوله: ( كِتَاباً نَقْرَؤُهُ ) م قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبياً كموسى أنزلت علينا كسفاً من لسماء ونزّلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٥٠٩.

(٢) تبلغ نصوص الإمام الحسن العسكري حول الإمام المهدي ما يناهز الأربعين نصّاً. راجع معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام الجزء الرابع.

١٨٦

قوم موسى لموسىعليه‌السلام .

قال: وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاعداً ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري ابن هشام وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي أمية المخزومي، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه.

فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمّد وعظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فان انتهى وإلاّ عاملناه بالسيف الباتر.

قال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي: أنا إلى ذلك، أفما ترضاني له قرناً حسيباً ومجادلاً كفيّاً ؟ قال أبو جهل: بلى، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي، فقال: يامحمّد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالاً هائلاً، زعمت انك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي.

فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده، ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا، ما أنت يامحمّد إلاّ رجلاً مسحوراً ولست بنبي.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: هل بقي من كلامك شيء ؟ قال: بلى، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالاً وأحسنه حالاً، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولاً على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل بقي من كلامك شيء ياعبد الله ؟ فقال: بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون، فإننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً فانك قلت لنا( وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم ) فلعلنا نقول ذلك.

١٨٧

ثم قال: أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى، وانك قلت لنا:( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) .

ثم قال: أو ترقى في السّماء أي تصعد في السّماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله انه من عندي، ثم لا أدري يامحمّد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياعبد الله أبقي شيء من كلامك ؟ قال: يامحمّد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ، ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة وأتنا بما سألناك به.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك، فأنزل الله عليه، يامحمّد( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ) إلى قوله:( رَجُلاً مَسْحُوراً ) ثم قال الله تعالى: ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) .

ثم قال: يامحمّد( تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً ) وأنزل عليه: يامحمّد( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ) الآية، وأنزل الله عليه: يامحمّد( وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ) إلى قوله:( وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ) .

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياعبد الله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون وزعمت انه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولاً فإنما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بـ لِمَ وكيف، ألا ترى أن الله كيف أفقر بعضاً وأغنى بعضاً وأعز بعضاً وأذل بعضاً وأصح بعضاً وأسقم بعضاً وشرف بعضاً ووضع بعضاً، وكلهم ممن يأكل الطعام.

ثم ليس للفقراء أن يقولوا «لم أفقرتنا وأغنيتهم» ولا للوضعاء أن يقولوا «لم وضعتنا وشرفتهم» ولا للزمنى والضعفاء أن يقولوا «لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم» ولا للأذلاء أن يقولوا «لم أذللتنا وأعززتهم» ولا لقباح الصور أن يقولوا «لم قبّحتنا وجمّلتهم» بل ان قالوا ذلك كانوا على ربهم رادّين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين. ولكان جوابه لهم: أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلاّ التسليم لي والانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عباداً مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين.

١٨٨

ثم أنزل الله عليه: يامحمّد( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) يعني آ كل الطعام و( يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصّني بالنّبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضاً بالنبوة[ دونكم] .

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأما قولك «هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده» فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود.

ياعبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ، أو ما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون.

ياعبد الله إنّما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وانه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون على قتله ولا منعه في رسالاته، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلاً وأسراً ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأما قولك لي «لو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنّما يبعث ملكاً لا بشراً مثلنا» فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، ولو شاهدتموه ـ بأن يزاد في قوى أبصاركم ـ لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشر، لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده.

فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق، بل إنما بعث الله بشراً وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به انه معجزة وان ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما[ تعجزون عنه] يعجز عنه[ جميع] البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزاً.

ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدمياً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً، فان الله عَزَّ وجَلَّ سهل عليكم الأمر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه.

١٨٩

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأما قولك «ما أنت إلاّ رجل مسحور» فكيف أكون كذلك وقد تعلمون أني في صحة التميز والعقل فوقكم فهل جربتم عليّ منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خزية أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفهاً من الرأي، أتظنّون أن رجلاً يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته.

وذلك ما قال الله: ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأما قولك «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة[ بن مسعود الثقفي] بالطائف» فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافراً به مخالفاً له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه.

وليس هو عَزَّ وجَلَّ ممن يخاف أحداً كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحبّ أحداً محبّة الهواء كما تحبّ أنت فتقدم من لا يستحقّ التقديم وإنّما معاملته بالعدل، فلا يؤثر أحداً لأفضل مراتب الدين وخلاله إلاّ الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وخلاله إلاّ أشدّهم تباطؤاً عن طاعته.

وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب، فلا يقال له: إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضاً، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلاً لأنه تفضل قبله بنعمه.

ألا ترى ياعبد الله كيف أغنى واحداً وقبح صورته، وكيف حسن صورة واحد وأفقره، وكيف شرف واحداً وأفقره، وكيف أغنى واحداً ووضعه. ثم ليس لهذا الغني أن يقول «هلا أضيف إلى يساري جمال فلان» ولا للجميل أن يقول «هلا أضيف إلى جمالي مال فلان»، ولا للشريف أن يقول «هلا أضيف إلى شرفي مال فلان» ولا للوضيع أن يقول «هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان»، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء،

١٩٠

وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى:( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال الله تعالى:( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) يا محمّد( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) .

فأحوجنا بعضاً إلى بعض، أحوجنا هذا إلى مال ذلك، وأحوج ذلك إلى سلعة هذا والى خدمته. فترى أجلّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجاً إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلاّ به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته.

ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير، ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني، ثم قال الله: ( وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيَّاً ) ثم قال: يا محمّد قل لهم ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأما قولك: ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) إلى آخر ما قلته، فانك قد اقترحت على محمّد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوته ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك.

وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها فإنّما قترحت هلاكك وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون، ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلى صديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص، ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه في جحيمه أو بسيوف أوليائه.

فأما قولك ياعبد الله:( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) بمكة هذه فإنها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون، فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله. ياعبد الله أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبياً ؟ قال: لا.

١٩١

قال رسول الله: أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيوناً استنبطتها ؟ قال: بلى. قال: وهل لك في هذا نظراء ؟ قال: بلى. قال: فصرت أنت وهم بذلك أنبياء ؟ قال: لا.

قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته، فما هو إلاّ كقولك: (لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض كما يمشي الناس أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس).

وأما قولك ياعبد الله:( أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً ) أو ليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيراً، أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال: لا.

قال: فما بال اقتراحكم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها دل تعاطيها على كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياعبد الله وأما قولك( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً ) فإنك قلت:( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ) فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم فإنما تريد بهذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه، والله عزَّ وجلَّ طبيبكم لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وهل رأيت ياعبد الله طبيباً كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم، وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه ؟ فأنتم المرضى والله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم.

وبعد فمتى رأيت ياعبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه ؟ إذاً ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حق، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق.

ثم قال رسول الله: ياعبد الله وأما قولك:( أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً ) يقابلوننا ونعاينهم فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به، وانّ ربّنا عزَّ وجلَّ ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرّك ويقابل شيئاً حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئاً ولا عن أحد.

١٩٢

ياعبد الله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوّام عليها ؟ قال: بلى. قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال: بسفراء. قال: أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمتك لسفرائك: (لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاهاً)، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال: لا.

قال: فما الذي يجب على سفرائك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال: بلى. قال: ياعبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال لك: (قم معي فإنهم قد اقترحوا عليّ مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفاً) وتقول له: إنما أنت رسول لا مشير ولا آمر ؟ قال: بلى.

قال: فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟! وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى ربّه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك ؟! هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته ياعبد الله.

وأما قولك ياعبد الله: ( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ) وهو الذهب، أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتاً من زخرف؟ قال: بلى. قال: أفصار بذلك نبياً ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوّة لو كان له بيوت، ومحمد لا يغنم جهلك بحجج الله.

وأما قولك ياعبد الله:( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ ) ، ثم قلت:( وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ ) ياعبد الله الصعود إلى السّماء أصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت( حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ ) من بعد ذلك، ثم لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك، فأنت ياعبد الله مقرّ بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلاّ تأديبه لك على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الرّبانية، وقد أنزل عليّ حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته.

فقال عزَّ وجلَّ: (قُلْ) يامحمّد:( سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز، وهل كنت الا بشراً رسولاً لا يلزمني إلاّ إقامة حجة الله التي أعطاني، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.

١٩٣

فقال أبو جهل: يامحمّد ههنا واحدة ألست زعمت: أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال: بلى. قال: فلو كنت نبياً لاحترقنا نحن أيضاً، فقد سألنا أشدّ ممّا سأل قوم موسى، لأنهم كما زعمت قالوا: ( أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ) ونحن نقول: (لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً) نعاينهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياأبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي: ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) قوّى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا.

ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه: يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإني أنا الغفور الرحيم، الجبار الحليم، لا يضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك.

فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا ميهمن عليّ ولا عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث: إما تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين وأتأنى بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم.

فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي، وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي، ياإبراهيم خل بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبّرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري(١) .

٢ ـ قال أبو محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام :لما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن واذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل ذلك طول

ــــــــــــ

(١) مسند الإمام الحسن العسكري: ١٨٩ ـ ٢٠٠ عن التفسير المنسوب اليهعليه‌السلام : سورة البقرة الآية ١٠٨.

١٩٤

مقامه بها ثلاث عشرة سنة، فلما كان بالمدينة وكان متعبداً باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: (والله ما درى محمّد كيف يصلي حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا)، فاشتد ذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة، فجاءه جبرئيلعليه‌السلام فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياجبرئيل ! لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم.

فقال جبرئيلعليه‌السلام : فاسأل ربّك أن يحولك إليها فانه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك، فلما استتم دعاؤه، صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال: اقرأ يامحمّد( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) الآيات.

فقال اليهود ـ عند ذلك: ( مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ) ؟ فأجابهم الله أحسن جواب فقال:( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) وهو يملكهما وتكليفه التحويل إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر ( يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وهو أعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم.

٣ ـ قال أبو محمدعليه‌السلام :وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يامحمّد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن، أفحقاً كان ما كنت عليه ؟ فقد تركته إلى باطل فان ما يخالف الحق باطل أو باطلاً كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل ذلك كان حقاً وهذا حق، يقول الله: ( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) إذا عرف صلاحكم أيها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلى مصالحكم.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل، أو الباطل إلى الحق، أو الباطل إلى الباطل، أو الحق إلى الحق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمّد وجوابه لكم، قالوا: بل ترك العمل في السبت حق، والعمل بعده حق فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق، ثم قبله الكعبة في وقته حق.

١٩٥

فقالوا له: يامحمّد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما بدا له عن ذلك فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطاً ولا يستحدث رأياً بخلاف المتقدم جل عن ذلك، ولا يقع عليه أيضاً مانع يمنعه من مراده، وليس يبدو إلاّ لمن كان هذا وصفه، وهو عَزَّ وجَلَّ يتعالى عن هذه الصفات علواً كبيراً.

ثم قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يُمرض ثم يُصح، ويُصح ثم يُمرض، أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيي ويميت، أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا. قال: فكذلك الله تعبَّد نبيه محمّداً بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبَّده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول.

ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف، والصيف في أثر الشتاء، أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا. قال: فكذلك لم يبد له في القبلة.

قال: ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر ؟ أفبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا: لا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشيء آخر، فإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) يعني: إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياعباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه. ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين.

فقيل: يابن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى ؟ فقال: لما قال الله تعالى:( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا ) وهي بيت المقدس( إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) إلاّ لنعلم ذلك منه وجوداً بعد أن علمناه سيوجد، وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة.

فأراد الله أن يبين متبعي محمّد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمّد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمّداً فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه.

١٩٦

ثم قال: ( وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ) إن كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلاّ على من يهدي الله، فعرف أن لله أن يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.

٤ ـ وقال أبو محمّدعليه‌السلام : قال جابر بن عبد الله الأنصاري: سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن صوريا ـ غلام يهودي أعور، تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه ـ عن مسائل كثيرة يعنته فيها فأجابه عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما لم يجد إلى إنكار شيء منه سبيلاً.

فقال له: يامحمّد من يأتيك بهذه الأخبار عن الله ؟ قال: جبرئيل. قال: لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم اتخذتم جبرئيل عدواً ؟ قال: لأنه ينزل بالبلاء والشدة على بني إسرائيل، ودفع (دانيال) عن قتل(بخت نصر) حتى قوى أمره وأهلك بني إسرائيل، وكذلك كلّ بأس وشدة لا ينزلها إلاّ جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرئيل إلاّ أن أطاع الله فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق ؟ أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد الدواء الكريهة لمصالحهم، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك ؟ لا. ولكنكم بالله جاهلون، وعن حكمه غافلون.

أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان وله مطيعان، وانه لا يعادي أحدهما إلاّ من عادى الآخر، وان من زعم انه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كفر وكذب، وكذلك محمّد رسول الله وعلي أخوان، كما أن جبرئيل وميكائيل أخوان فمن أحبهما فهو من أولياء الله، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم انه يحب الآخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء.

وقال أبو محمدعليه‌السلام : كان سبب نزول قوله تعالى: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) ما كان من اليهود أعداء الله من قول سيء في جبرئيل وميكائيل وما كان من أعداء الله النصّاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله.

١٩٧

أما ما كان من النصاب: فهو أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان لا يزال يقول في عليعليه‌السلام الفضائل التي خصه الله عَزَّ وجَلَّ بها، والشرف الذي نحله الله تعالى، وكان في كل ذلك يقول: أخبرني به جبرئيلعليه‌السلام عن الله، ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين عليعليه‌السلام الذي هو أفضل من اليسار، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة، وملك الموت الذي أقامه بالخدمة وان اليمين واليسار أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ـ في بعض أحاديثه ـ: إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام حباً، وإنه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرّف علياً على جميع الورى بعد محمد المصطفى. ويقول مرة: إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقى عليها بعد عشرة دفنتهم، فكان هؤلاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد: جبرئيل، وميكائيل، والملائكة، كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه، ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق، برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون، وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون.

وأما ما قاله اليهود: فهو إن اليهود أعداء الله، لما قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا فقال: يامحمد كيف نومك فانا قد أخبرنا عن نوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يأتي في آخر الزمان ؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان. قال: صدقت يامحمد.

ثم قال: فأخبرني يامحمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة. قال: صدقت يامحمد.

ثم قال: يامحمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له. قال: صدقت يامحمد، فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا مغرت النطفة لم يولد له ـ أي: إذا حمرت وكدرت ـ فإذا كانت صافية ولد له.

١٩٨

فقال: أخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) إلى آخرها فقال ابن صوريا: صدقت خصلة بقيت لي إن قلتها آمنت بك واتبعتك. أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله ؟ قال: جبرئيل. قال ابن صوريا: ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لأن ميكائيل كان مسدد ملكنا وجبرئيل كان مهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك.

فقال له سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه : وما بدء عداوته لكم ؟ قال: نعم ياسلمان، عادانا مراراً كثيرة، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال «بخت نصر» وفي زمانه، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما يشاء ويثبت.

فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبياً كان يعد من أنبيائهم يقال له «دانيال» في طلب بخت نصر ليقتله، فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاماً ضعيفاً مسكيناً ليس له قوة ولا منعه، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا:

إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فان الله لا يسلطك عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله ؟ فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك. وقوي بخت نصر وملك، وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً، وميكائيل عدو لجبرئيل.

فقال سلمان: يابن صوريا، فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم ؟ أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس ؟ أرادوا تكذيب أنبياء الله في أخبارهم أو اتهموهم في أخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلاّ كفاراً بالله ؟ وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عزوجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى ؟

فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه، ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت قال سلمان: فإذا لا تثقون بشيء مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل كلما أخبراكم به عن الله انه يكون لا يكون وما أخبراكم به انه لا يكون لعله يكون.

١٩٩

وكذلك ما أخبراكم انه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه، فانه يمحو ما يشاء ويثبت. إنكم جهلتم معنى( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) . فلذلك أنتم بالله كافرون، ولأخباره عن الغيوب مكذبون وعن دين الله منسلخون.

ثم قال سلمان: فإني أشهد أنه من كان عدواً لجبرئيل فانه عدو لميكائيل وأنهما جميعاً عدوان لمن عاداهما مسالمان لمن سالمهما، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقاً لقول سلمان: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ ) في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله ونزوله بفضائل عليعليه‌السلام ولي الله من عند الله( فانه نزله ). فان جبرئيل نزل هذا القرآن( عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) من سائر كتب الله ( وَهُدًى ) من الضلالة ( وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) بنبوة محمّد وولاية عليعليه‌السلام ومن بعده من الأئمة[الاثني عشر] بأنهم أولياء الله حقاً إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ياسلمان، إن الله صدق قيلك ووافق رأيك، وأن جبرئيل عن الله تعالى يقول: يامحمّد، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك، وهما في أصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة، عدوان لمن أبغض أحدهما وليان لمن والى محمّداً وعلياً عدوان لمن عادى محمداً وعلياً وأولياءهما.

ولو أحب أهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله أحداً منهم عذاب البتة(١) .

المختار من تراثه الفقهيعليه‌السلام

وردت عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام نصوص فقهية تتوزع على مختلف أبواب الفقه وهي تناهز الـ ٧٥ نصاً كما أحصاها مسند الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وإليك نماذج مختارة منها:

باب الطهارة:

١ ـ عن محمد بن الريان قال: كتبت إلى الرجلعليه‌السلام هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث، وهل يجوز أحد أن يقيس بدم البقّ

ــــــــــــ

(١) مسند الإمام الحسن العسكري: ٢٠٩ ـ ٢١٤.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220