اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)27%

اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
الصفحات: 220

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124344 / تحميل: 8198
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية  الإمام الحسن العسكري (ع)

اعلام الهداية الإمام الحسن العسكري (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

لقد كان الإمام أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام في معالي أخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الإسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق، يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، ورثها عن آبائه وجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي وسع الناس جميعاً بمكارم أخلاقه، وقد أثّرت مكارم أخلاقه على أعدائه والحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه إلى حبه والإخلاص له.(١)

ونقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيتعليهم‌السلام ، وحقده على الإمام عليعليه‌السلام ، أمر بسجن الإمام العسكريعليه‌السلام والتشديد عليه إلاّ أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأى صاحب الحبس سمو أخلاق الإمامعليه‌السلام وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً على عقب، فكان لا يرفع بصره إلى الإمامعليه‌السلام إجلالاً وتعظيماً له، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه.(٢)

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : ٤٢.

(٢) أصول الكافي: ١/٥٠٨ ح ٨ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٩، ٣٣٠ وفي أعلام الورى: ٢/١٥٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

٢١

سماحته وكرمه

نقل المؤرخون نماذج من السيرة الكريمة للإمام العسكري عليه‌السلام نذكر بعضاً منها:

١ ـ روى الشيخ المفيد عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه‌السلام : قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمد ـ فإنه قد وصف عنه سماحة.

فقلت: تعرفه ؟

قال: ما أعرفه، ولا رأيته قط.

قال: فقصدناه.

فقال لي أبي وهو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمس مئة درهم مئتا درهم للكسوة ومئتا درهم للدقيق، ومئة درهم للنفقة.

وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم، مائة اشتري بها حماراً ومائة للنفقة ومائة للكسوة، فأخرج إلى الجبل.

قال ـ أي محمد بن علي ـ فلما وافينا الباب خرج غلامه، فقال:يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا، قال لأبي: ياعلي ما أخلفك عنا إلى هذا الوقت ، فقال: ياسيدي: استحييت أن ألقاك على هذا الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة، وقال: هذه خمسمئة درهم، مئتان لِلكسوة، ومئتان للدقيق، ومئة للنفقة . وأعطاني صرة وقال: هذه ثلاثمئة درهم اجعل مئة في ثمن حمار، ومئة للكسوة، ومئة للنفقة، ولا تخرج إلى الجبل، وصر إلى

٢٢

قال: فصار إلى سوار وتزوج بامرأة منها فدخله اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف.(١)

٢ ـ وروى إسحاق بن محمد النخعي قال: حدثني أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمدعليه‌السلام ضيق الحبس وكلب القيد(٢) ، فكتب إلي:(أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك) ، فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال، وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته إليه فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجّه إليّ بمئة دينار، وكتب إليّ:إذا كانت لك حاجة، فلا تستحِ ولا تحتشم واطلبها فإنك على ما تحب إن شاء الله .(٣)

٣ ـ وعن إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال: قعدت لأبي محمدعليه‌السلام على ظهر الطريق، فلما مرَّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أن ليس عندي درهم واحد، فما فوقه، ولا غذاء ولا عشاء قال: فقالعليه‌السلام :تحلف بالله كاذباً وقد دفنت مئتي دينار ؟! وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية، أعطه ياغلام ما معك ، فأعطاني غلامه مئة دينار ثم أقبل عليّ فقال:إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها ، وصدقعليه‌السلام ، وذلك أني أنفقت ما وصلني به، واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه، وانغلقت عليّ أبواب الرزق، فنبشت الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب، فما قدرت منها على شيء.(٤)

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٦ ح ٣ ب ١٢٤ وعنه في الإرشاد: ٢ / ٣٢٦، ٣٢٧ وعنه في كشف الغمة: ٣ / ٢٠٠.

(٢) كلب القيد: شدته وضيقه.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٨ ح ١٠ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٠ وفي إعلام الورى: ٢/١٤٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

(٤) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١٤ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٢ وإعلام الورى: ٢/١٣٧ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٣، ولعلّه كان من المغضوب عليهم لدى بني العباس ولذلك لم يكفوه.

٢٣

زهده وعبادته

عُرف الإمام العسكريعليه‌السلام في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه إلى الله سبحانه واشتهر ذلك بين الخاصة والعامة، حتى أنّه حينما حبس الإمامعليه‌السلام في سجن علي بن نارمش ـ وهو من أشد الناس نصباً لآل أبي طالب ـ ما كان من علي هذا إلاّ أن وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسن الناس قولاً فيه.(١)

ولما حبسه المعتمد كان يسأل السجّان ـ علي بن جرين ـ عن أحوال الإمامعليه‌السلام وأخباره في كل وقت فيخبره علي بن جرين أنّ الإمامعليه‌السلام يصوم النهار ويصلي الليل.(٢)

عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد عن عليّ بن عبدالغفّار قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّدعليهما‌السلام .

فقال لهم صالح: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٥٠٨ ح ٨.

(٢) مهج الدعوات: ٢٧٥.

٢٤

انصرفوا خائبين(١) .

عن محمّد بن إسماعيل العلوي قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عندما حُبس أبو محمّد فقالوا له: ضيّق عليه، قال: وكّلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه عليّ بن بارمش واقتامش، فقد صارا من العبادة والصّلاح إلى أمر عظيم يضعان خدّيهما له، ثم أمر بإحضارهما فقال: ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل؟ فقالا: ما تقول في رجل يقوم اللّيل كلّه ويصوم النّهار ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا(٢) .

وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه.

إنّ سلامة الصلة بالله سبحانه وما ظهر على يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير إلى المنزلة العالية والشأن العظيم للإمامعليه‌السلام عند الله الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّى في إمامته عليه‌السلام . (٣)

علمه ودلائل إمامته

وإليك شذرات من علوم الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ودلائل إمامته:

١ ـ عن أبي حمزة نصر الخادم قال: سمعت أبا محمدعليه‌السلام غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم، وفيهم ترك، وروم وصقالبة، فتعجّبت من ذلك وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ـ أي الإمام

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١/٥١٣.

(٢) المناقب: ٢/٤٦٢.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) . البقرة(٢): ١٢٤.

٢٥

الهاديعليه‌السلام ـ ولا رآه أحد فكيف هذا ؟! أُحدّث نفسي بذلك فأقبل عليَّ وقال:إنّ الله جلّ اسمه بيّنَ حجته من ساير خلقه وأعطاه معرفة بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأسباب والآجال والحوادث: ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق (١) .

٢ ـ وقال الحسن بن ظريف: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمدعليه‌السلام ، فكتبت إليه أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي ؟ وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّى الربع، فأغفلت ذكر الحُمّى، فجاء بالجواب:

سألتَ عن القائم إذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه‌السلام ولا يسأل البينة، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الرُّبع، فأنسيت فاكتب ورقة وعلّقها على المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله: ( يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) . فكتبت ذلك وعلّقته على المحموم فبرئ وأفاق.(٢)

٣ ـ وروى الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، قال: كتب أبو محمدعليه‌السلام إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوماً:إلزم بيتك حتى يحدث الحادث ، فلما قُتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث، فما تأمرني ؟ فكتب إليه:ليس هذا الحادث، الحادث الآخر . فكان من المعتز ما كان.(٣)

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٠ وإعلام الورى: ٢/١٤٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

(٢) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١٣ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣١ وإعلام الورى: ٢/١٤٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٣ وحُمّى الرّبع: هو أن يأخذ يوماً ويترك يومين ويعود في اليوم الرابع، والآية من سورة الأنبياء: ٦٩.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٦ ح ٢ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٥ وعنه في كشف الغمة: ٣/٢٠٠ وابن «تريخة».كذا في النسخ وفي المصدر «بريحة» وقال الطريحي في المجمع «بريمة» هو: عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي العباسي الناصبي من ندماء المتوكل وقتله اثنان من الحسنيين بالكوفة قبل المعتز بأيام كما في الطبري: ٩/٣٨٨ وعنه في الكامل: ٧/٥٦، وجاء في هامش الإرشاد: ٢/٣٢٥ بهامش بريحة وابن اُترجة

٢٦

أي أن الإمامعليه‌السلام ، أشار إلى موت المعتز، فطلب من مواليه أن يلتزموا بالبقاء في بيوتهم حتى ذلك الوقت لظروف خاصة كانت تحيط بالإمامعليه‌السلام وبهم من الشدة وطلب السلطان وجلاوزته لهم.

ومن الطبيعي أن موت الخليفة يعقبه غالباً اضطراب في الوضع يمكّن معارضيه من التحرك والتنقل بسهولة.

٤ ـ وروى الشيخ الكلينيرضي‌الله‌عنه عن علي بن محمد عن الحسن بن الحسين قال: حدثني محمد بن الحسن المكفوف قال: حدثني بعض أصحابنا عن بعض فصّادي العسكر ـ أي سامراء ـ من النصارى: أن أبا محمدعليه‌السلام بعث إلي يوماً في وقت صلاة الظهر فقال لي:

إفصد (١) هذا العرق ، قال: وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد فقلت في نفسي، ما رأيت أمراً أعجب من هذا يأمرني أن أفصد في وقت وليس بوقت فصد، والثانية عرق لا أفهمه، ثم قال لي:انتظر وكن في الدار ، فلما أمسى دعاني فقال لي:سرّح الدم فسرّحت، ثم قال لي:أمسك فأمسكت، ثم قال لي:كن في الدار ، فلما كان نصف الليل أرسل إلي وقال لي:سرّح الدم ، قال: فتعجبت أكثر من عجبي الأول وكرهت أن أسأله: قال: فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح: قال: ثم قال لي:احبس ، فحبست. ثم قال:كن في الدار (٢) ، فلما أصبحت قدم إلي تخت ثياب وخمسين ديناراً وقال:خذها واعذر وانصرف فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصة ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها

ــــــــــــ

(١) الفصد: شق العرق، يستخرج دمه ; لسان العرب، ابن منظور: ١٠ / ٢٧٠، طبع بيروت، إحياء التراث.

(٢) الكافي: ١ / ٥١٢.

٢٧

نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصة ذكراً في العالم فلم نجد.

ثم قال بختيشوع: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول، فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى، فخرجت وناديته فأشرف عليّ فقال من أنت ؟ قلت صاحب بختيشوع. قال: أمعك كتابه ؟ قلت: نعم فأرخى لي زنبيلاً، فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته وقال: أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت: نعم، قال: طوبى لأمك، وركب بغلاً، وسرنا، فوافينا(سرّ من رأى) وقد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحب ؟ دار أستاذنا أم دار الرجل ـ أي دار الإمام الحسن العسكري ـ ؟ قال: دار الرجل، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال: أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال: أنا جعلت فداك، فقال انزل، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج الراهب، وقد رمى بثياب الرهبانية ولبس ثياباً بيضاً وأسلم فقال: خذني الآن إلى دار أستاذك، فصرنا إلى باب بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال، ما الذي أزالك عن دينك ؟

قال: وجدت المسيح وأسلمت على يده، قال: وجدت المسيح ؟! قال: أو نظيره، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات.(١)

٥ ـ وعن أبي علي المطهري أنه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج وأنه يخاف العطش إن مضى، فكتبعليه‌السلام :امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله ، فمضوا سالمين(ولم يجدوا عطشاً)(٢) والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــ

(١) الخرائج والجرايح: ١ / ٤٢٢. وبحار الأنوار: ٥ / ٢٦٢.

(٢) الكافي: ١/٥٠٧، والمناقب: ٢/٤٦٤.

٢٨

الباب الثاني

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيهعليهما‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام

نسبه الشريف

هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام (١) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وأمه أم ولد يقال لها: حديث. أو سليل، وكانت من العارفات الصالحات.(٢) وذكر سبط بن الجوزي: أن اسمها سوسن. (٣)

محل الولادة وتأريخها

ولد الإمام أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام ـ كما عليه أكثر المؤرخين ـ في شهر ربيع الآخر سنة(٢٣٢هـ) من الهجرة النبوية المشرفة في المدينة المنورة.

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١ / ٥٠٣.

(٢) الإرشاد: ١ / ٣١٣.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٢٤.

٢٩

ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها.

فمنهم من قال أنّ ولادته كانت سنة(٢٣٠هـ)(١) وقال آخرون إنها كانت سنة(٢٣١ هـ )(٢) أو سنة(٢٣٢هـ)(٣) أو سنة(٢٣٣هـ)(٤) .

وروي أنها كانت في السادس من ربيع الأوّل أو السادس أو الثامن أو العاشر من ربيع الآخر أو في رمضان(٥) .

ولا نرى غرابة في هذا الاختلاف، فربما يعزى إلى إجراءات كان الإمام الهاديعليه‌السلام يقوم بها من أجل المحافظة على حياة الإمام العسكري عليه‌السلام أو يكون لغير هذا من أسباب تعزى إلى ملابسات تأريخية خاصة.

ألقابهعليه‌السلام وكناه

أطلق على الإمامين علي بن محمد والحسن بن عليعليهما‌السلام (العسكريّان) لأنّ المحلة التي كان يسكنها هذان الإمامان ـ في سامراء ـ كانت تسمى عسكر(٦) .

و(العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام . وله ألقاب أخرى، نقلها لنا المحدّثون، والرواة، وأهل السير وهي: الرفيق، الزكي، الفاضل، الخالص، الأمين، والأمين على سرّ الله، النقي، المرشد إلى

ــــــــــــ

(١) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ٧ / ١٢٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٣٢٤، وكشف الغمة: ٣/ ١٩٢ عن ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول.

(٣) وفيات الأعيان: ٢ / ٩٤.

(٤) دلائل الإمامة: ٢٢٣.

(٥) راجع حياة الإمام العسكري(دراسة تحليلية تاريخية علمية): ٥٨ ـ ٥٩.

(٦) بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٣٥.

٣٠

الله، الناطق عن الله، الصادق، الصامت، الميمون، الطاهر، المؤمن بالله، وليّ الله، خزانة الوصيين، الفقيه، الرجل، العالم(١) .

وكل منها له دلالته الخاصّة على مظهر من مظاهر شخصيته وكمال من كمالاته.

وكان يكنّى بابن الرضا. كأبيه وجدّه، وكنيته التي اختص بها هي:(أبو محمد).

ملامحه

وصف أحمد بن عبيد الله بن خاقان ملامح الإمام الحسن العسكري بقوله: إنه أسمر، أعين(٢) ، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة وهيبة(٣) . وقيل: إنّه كان بين السمرة والبياض(٤) .

النشأة وظروفها

نشأ الإمام أبو محمدعليه‌السلام في بيت الهداية ومركز الإمامة الكُبرى، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيراً. وقد وصف الشبراوي هذا البيت الذي ترعرع فيه هذا الإمام العظيم قائلاً:

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ١ / ٣٠٧، إثبات الهداة: ١ / ٦٥١، ٥٤٤، ٤٦٩، الشيعة والرجعة: ١ / ٨٨.

وحياة الإمام العسكري: ٢٣ ـ ٢٨(للشيخ محمد جواد الطبسي. والألقاب الثلاثة الأخيرة هي الألقاب التي وردت في الكتب الرجالية باعتبار ورودها في أسانيد الروايات والتي كانت تلاحظ فيها ظروف النقل والرواية.

(٢) الأعين: الواسع العين.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٣ ح ١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢١، وفي كمال الدين: ١/٤٠ بطريق آخر، وعن الكليني أو المفيد في إعلام الورى: ٢/١٤٧، وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٩٧، وعن كمال الدين والإرشاد والإعلام في بحار الأنوار: ٣٢٦ ـ ٣٣٠.

(٤) بحار الأنوار: ٥٠ / ٣٢٨ وأخبار الدول: ١١٧.

٣١

فللّه درّ هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف، وناهيك به من فخار، وحسبُك فيه من علوّ مقدار، فهم جميعاً في كرم الأرومة وطِيب الجرثومة كأسنان المشط; متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فياله من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماء عُلاً ونُبلاً، وسما على الفرقدين منزلةً ومحلاًّ، واستغرق صفات الكمال فلا يستثنى فيه بـ «غير» ولا بـ «إلاّ»، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوى الأوّل والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيّعه»(١) .

لقد ظفر الإمام أبو محمد بأسمى صور التربية الرفيعة وهو يترعرع في بيت زكّاه الله وأعلى ذكره ورفع شأنه حيث ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ... ) (٢) ، ذلك البيت الذي رفع كلمة الله لتكون هي العليا في الأرض وقدّم القرابين الغالية في سبيل رسالة الله.

وقطع الإمام الزكي شوطاً من حياته مع أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام لم يفارقه في حلّه وترحاله، وكان يرى فيه صورة صادقة لمُثل جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما كان يرى فيه أبوه أنّه امتداد الرسالة والإمامة فكان يوليه أكبر اهتمامه، ولقد أشاد الإمام الهاديعليه‌السلام بفضل ابنه الحسن العسكري قائلاً:«أبو محمد ابني أصحّ آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غريزةً وأوثقهم حجة. وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها» (٣) ، والإمام الهادي بعيد عن

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري(دراسة وتحليل): ١٠٣ عن الإتحاف بحبّ الأشراف: ٦٨.

(٢) النور(٢٤): ٣٧.

(٣) أصول الكافي: ١/٣٢٧ ح ١١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣١٩ وإعلام الورى: ٢/١٣٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٩٦، وعن بعضها في أعيان الشيعة ٤ ق ٣: ٢٩٥ وعنه في حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٣.

٣٢

المحاباة والاندفاع العاطفي مثله في ذلك آبائه المعصومين.

وقد لازم الإمام أبو محمدعليه‌السلام أباه طيلة عقدين من الزمن وهو يشاهد كل ما يجري عليه وعلى شيعته من صنوف الظلم والاعتداء. وانتقل الإمام العسكريعليه‌السلام مع والده إلى سرَّ من رأى(سامراء) حينما وُشي بالإمام الهاديعليه‌السلام عند المتوكل حيث كتب إليه عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي: «يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام ـ أي علي الهاديعليه‌السلام ـ فأشخصه عن المدينة مع يحيى بن هرثمة حتى صار إلى بغداد، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقّيه، فرأى تشوّق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل، ودخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سرَّ من رأى»(١) .

ولقد أسرف المتوكّل العباسي في الجور والاعتداء على الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام ففرض عليه الإقامة الجبرية في سامرّاء وأحاط داره بالشرطة تحصي عليه أنفاسه وتمنع العلماء والفقهاء وشيعته من الاتصال به، وقد ضيّق المتوكّل على الإمام في شؤونه الاقتصادية أيضاً، وكان يأمر بتفتيش داره بين حين وآخر، وحمله إليه بالكيفية التي هو فيها.

وكان من شدّة عداء المتوكّل لأهل البيتعليهم‌السلام أن منع رسميًّا من زيارة قبر الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام بكربلاء، وأمر بهدم القبر الشريف الذي كان مركزاً من مراكز الإشعاع الثوري في أرض الإسلام.

وكانت كل هذه الظروف المريرة هي الظروف التي عاشها الإمام الزكي أبو محمد العسكريعليه‌السلام وهو في نضارة العمر وغضارة الشباب فكَوَتْ

ــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٨٤.

٣٣

نفسه آلاماً وأحزاناً وقد عاش تلك الفترة في ظل أبيه وهو مروّع فذابت نفسه أسىً وتقطّعت ألماً وحسرة(١) .

وكان استشهاد والده(سنة ٢٥٤هـ) وتقلّد الإمامة بعده وكانت فترة إمامته أقصر فترة قضاها إمام من أئمة أهل البيت الأطهار وهم أصح الناس أبداناً وسلامة نفسيّة وجسديّة. قد استشهد وهو بعد لمّا يكمل العقد الثالث من عمره الشريف، إذ كان استشهاده في سنة(٢٦٠هـ)(٢) فتكون مدة إمامتهعليه‌السلام ست سنين. وهذه المدة القصيرة تعكس لنا مدى رعب حكّام الدولة العباسية منه ومن دوره الفاعل في الأمة لذا عاجلوه بعد السجن والتضييق بدس السم له وهو لم يزل شاباً في الثامنة أو التاسعة والعشرين من عمره الميمون.(٣)

ولا بد من الإشارة إلى أنّ المنقول التاريخي عن الإمام العسكريعليه‌السلام في ظل حياة والده الإمام علي الهاديعليه‌السلام ومواقفهما لا يتعدى الولادة والوفاة والنسب الشريف وحوادث ومواقف يسيرة لا تتناسب ودور الإمامعليه‌السلام الذي كان يتمثل في حفظ الشريعة والعمل على إبعاد الأمة عن الانحراف ومواجهة التحديات التي كانت تواجهها من قبل أعداء الإسلام.

غير أن مجموعة من الروايات التي نقلها لنا بعض المحدثين تشير إلى أمور مهمّة من حياة الإمام العسكريعليه‌السلام ، وقد أشار الإمام العسكري نفسه إلى صعوبة ظرفه بقولهعليه‌السلام :«ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما مُنيتُ به من شك هذه العصابة فيّ» .(٤)

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٤.

(٢) الإرشاد: ٢ / ٣١٥، وعنه في بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٣٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٢٢.

(٤) تحف العقول: ٥١٧.

٣٤

وهذا شاهد آخر على حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بالإمامين العسكريين علي بن محمد والحسن بن عليعليهما‌السلام والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود يسمح الظرف بها أو تفرضها ضرورة بيان منزلته وإمامته وعلو مكانته وإتمام الحجة به على الخواص والثقاة من أصحابه، كل ذلك من أجل الحفاظ على حياته من طواغيت بني العباس.

وإن ما ورد منه في وفاة أخيه محمد يعدّ مؤشراً آخر يضاف إلى قول الإمامعليه‌السلام ويدل على صعوبة الظرف الذي كان يعيشه الإمامان وحالة الاستعداء التي كانت تفرضها السلطة عليهما، فعند وفاة محمد بن علي الهاديعليه‌السلام ـ كما يروي الكليني عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس ـ حيث قال: «إنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسنعليه‌السلام وقد بسط في صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب ومن بني العباس وقريش مئة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس إذ نظرنا إلى الحسن بن عليعليه‌السلام قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه فنظر إليه أبو الحسنعليه‌السلام بعد ساعة من قيامه ثم قال له:«يابني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً» .

فبكى الحسنعليه‌السلام واسترجع وقال:«الحمد لله رب العالمين، وإيّاه أسأل تمام نعمه لنا فيك وإنا لله وإنا إليه راجعون» .

فسألنا عنه فقيل لنا: هذا الحسن إبنه وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين

٣٥

سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه»(١) .

ونلاحظ أن سؤال جماعة عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وفي هذه المناسبة الأليمة التي حضرها أعيان الناس دليل قوي على مدى تكتّم الإمام الهادي على ولده العسكريعليهما‌السلام ، خصوصاً وهو قد بلغ العشرين من مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عمره الشريف.

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

تنقسم حياة الإمام العسكريعليه‌السلام إلى مرحلتين متميزتين:

المرحلة الأولى: هي الأيام التي قضاها الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في ظلال إمامة أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام والتي تقرب من(٢٢ سنة) حيث تنتهي باستشهاد أبيه سنة(٢٥٤هـ ).

ولا نملك صورة تفصيلية عن هذين العقدين من الزمن فيما يخص حياة الإمام الحسن العسكري سوى بضعة حوادث تتلخص في صور من خشيته لله منذ صباه وعلاقته الحميمة بأخويه محمد والحسين ثم رزؤه بأخيه محمد، ثم زواجه ونصّ الإمام الهادي على إمامته، ثم تجهيزه لأبيه حين وفاته صلوات الله عليه.

ولا بد لنا أن نلمّ بأحداث عصر الإمام الهاديعليه‌السلام ومواقفه منها كي نستطيع أن نخرج بصورة واضحة عن الظروف التي أحاطت بالإمام العسكريعليه‌السلام في المرحلة الثانية من حياته كي يتسنى لنا تقويمها ودراسة نشاطاتهعليه‌السلام في عصر إمامته الذي لا نجد عصراً أقصر منه ولا أشد حراجة بالنسبة للإمام نفسه ولشيعته ولأهدافه.

ــــــــــــ

(١) الكافي: كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام ، الحديث رقم ٨.

٣٦

المرحلة الثانية: هي أيام إمامته حتى استشهاده والتي تبدأ من سنة(٢٥٤هـ) وحتى سنة استشهاده(٢٦٠هـ) وهي مرحلة حافلة بأحداث مهمة على الرغم من قصرها.

وقد عاصر فيها كُلاًّ من المعتزّ(٢٥٥ هـ ) والمهتدي(٢٥٦ هـ ) والمعتمد(٢٧٩ هـ )

وتبرز مدى أهميتها حينما نتصوّر أهمية مرحلة الغيبة التي كان لا بد للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أن يقوم بالتمهيدات اللازمة فيها لنقل شيعة أهل البيتعليهم‌السلام من مرحلة الحضور إلى مرحلة الغيبة التي يُراد من خلالها حفظ الإمام المعصوم وحفظ شيعته وحفظ خطّهم الرسالي من الضياع والانهيار والاضمحلال، حتّى تتهيّأ الظروف الملائمة لثورة أهل البيت الربّانية على كل صروح الظلم والطغيان وتحقيق جميع أغراض الرسالة الإلهية الخالدة على وجه الأرض من خلال دولة العدالة العالمية لأهل البيتعليهم‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيهعليهما‌السلام

كان شخوص الإمام الهادي مع ابنه الحسن العسكريعليه‌السلام من المدينة سنة(٢٣٤هـ)(١) ، ورافقه خلال مدة تواجده في سامرّاء البالغة عشرين سنة فيكون قد عاش الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في ظل أبيه اثنين وعشرين سنة حيث استشهد أبوه الإمام الهاديعليه‌السلام سنة(٢٥٤هـ).

وقد عاش الظروف المأساوية القاسية التي كان يعيشها الإمام الهاديعليه‌السلام وشيعته والتي كانت تفرضها السلطة الغاشمة على الإمامعليه‌السلام وأتباعه من أجل إيقاف نشاط الإمام ونشاط أتباعه أو تحديده وتطويقه لئلاّ يتسع نشاط مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام وتنتشر آثارهم بين جميع أبناء الأمة الإسلامية ذلك النشاط الذي قد يؤدي إلى المواجهة معها ; لذا فهي كانت تعمد إلى الاضطهاد والسجن والنفي والمتابعة وهي وسائل السلطات الجائرة على امتداد تاريخ الإنسان.

١ ـ طفولة متميّزة

روي أن شخصاً مرّ بالحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام وهو واقف مع

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري: ٧ / ٥١٩.

٣٧

أترابه من الصبيان، يبكي، فظنّ ذلك الشخص أن هذا الصبيّ يبكي متحسّراً على ما في أيدي أترابه، ولذا فهو لا يشاركهم في لعبهم، فقال له: أشتري لك ما تلعب به ؟، فردّ عليه الحسنعليه‌السلام :«لا، ما للّعب خُلِقنا» .

وبهر الرجل فقال له: لماذا خلقنا ؟ فأجابهعليه‌السلام :«للعلم والعبادة» .

فسأله الرجل: من أين لك هذا ؟، فأجابهعليه‌السلام : من قوله تعالى( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ) .

وبهت الرجل ووقف حائراً، وانطلق يقول له: ما نزل بك، وأنت صغير لا ذنب لك ؟!!

فأجابهعليه‌السلام :«إليك عنّي، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار، فلا تتقد إلاّ بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم» (١) .

وروي عن محمّد بن عبد الله أنه قال: وقع أبو محمدعليه‌السلام وهو صغير في بئر الماء وأبو الحسنعليه‌السلام في الصلاة، والنسوان يصرخن، فلمّا سلّم قال:لا بأس . فرأوه وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر وأبو محمد على رأس الماء يلعب بالماء (٢) .

٢ ـ عصر الإمام الهاديعليه‌السلام

عاصر الإمام الهاديعليه‌السلام مدة إمامته ستّة من خلفاء بني العباس، المعتصم منذ سنة(٢٢٠ ـ ٢٣٢ هـ ) والمتوكل(٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ) حيث قتل على يد الأتراك، ثم جاءت أيام المنتصر ـ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين(٢٤٨ ـ ٢٥٢هـ) كما عاصر الشطر الأكبر من خلافة

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٢ ـ ٢٣ عن جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ١٥٥.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٥١ ح ٣٦ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٧٤.

٣٨

المعتز(٢٥٢ ـ ٢٥٥هـ) حيث كان استشهاد الإمام الهاديعليه‌السلام سنة(٢٥٤هـ)(١) ، وفي هذا العام تولى مهام الإمامة ابنه الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام .

وكانت الظروف التي تمر بها الدولة العباسية بعد تولي المتوكل ظروفاً صعبة جداً، إذ إنها كانت تعد مؤشراً على ضعفها، وتشكل بدايةً لانحلالها، فالحروب الداخلية والخارجية من جهة، والقتال بين أبناء الخلفاء على كرسي الحكم من جهة أخرى كالذي حصل بين المستعين والمعتز والذي أدّى إلى تولي المعتز وخلع الأول عام(٢٥٢هـ)(٢) . كل واحد من هذه الصراعات كان له تأثيره المباشر في إيجاد الضعف والانحلال.

وتمثّلت الأحداث الداخلية أيضاً بنشاط الخوارج والذي كان نشاطاً قوياً فعالاً مدعماً بالمال والسلاح بقيادة مادر الشاري، وهناك أيضاً الثورات والانتفاضات العلوية إلى جانب نزاعات الطامعين في السلطة.

كما ان الدولة كانت تعاني من سوء الحالة الاقتصادية نتيجة للبذخ والإسراف الذي كانت تعيشه رجالات البلاط والوزراء وحاشيتهم، وفي أيام المتوكل قام المتوكّل بهدم قبر الإمام الحسينعليه‌السلام (٣) ، ومَنَعَ القاصدين لزيارته عن زيارته; لأن المتوكل كان يتجاهر بعدائه لآل أبي طالب ومطاردتهم، ولم يرد تجاه تلك الأحداث أي تعليق من قبل الإمام الهاديعليه‌السلام ، ويمكن أن يقال: «إنه لم يرد إلينا عن موقف الإمامعليه‌السلام مع الخلفاء شيء سوى ما جاء عن موقفه من المتوكل وهو أقل القليل».(٤)

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري: ٧ أحداث سنة ٢٣٤ وسنة ٢٥٤ هـ.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٧٦.

(٣) تاريخ ابن الوردي: ١ / ٢١٦.

(٤) تاريخ الغيبة الصغرى: ١١٧.

٣٩

وكانت للإمام الهاديعليه‌السلام منزلة سامية ومكانة رفيعة القدر لدى أهل المدينة لإحسانه إليهم وعلاقته القوية معهم، فلمّا أشخصه المتوكل وأرسل يحيى ابن هرثمة لجلب الإمام من المدينة إلى سامراء عام(٢٣٤هـ) اضطرب الناس وضجّوا كما يروي يحيى بن هرثمة نفسه حيث قال: «فذهبت إلى المدينة فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً، ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ـ أي الإمام الهاديعليه‌السلام ـ وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا، فجعلت أسكّنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتّشتُ منزله فلم أجد إلاّ مصاحف وأدعية، وكتب علم، فعظم في عيني»(١) .

وتعكس هذه الرواية لنا حجم ما كان يؤديه الإمام الهاديعليه‌السلام من دور في المدينة والذي نتج عنه حصول روابط ووشائج قوية تصل الأمة به كما كانت توصله بالأمة، وربما كان المتوكل قد وقف على هذا التأثير البالغ للإمامعليه‌السلام فكان سبباً لإبعاده عن المدينة المنوّرة إلى سامراء التي أسسها العباسيون أنفسهم والتي عُرفت بميول أهلها والذين كان أغلبهم من الأتراك إلى العباسيين أوّلاً، بالإضافة إلى ما عرفوا به من تطرّف في التوجه إلى السيطرة والسلطة ثانياً.

٣ ـ مواقف الإمام الهاديعليه‌السلام تجاه الأحداث

يتضح لنا من خلال الإجراءات التي قام بها المتوكل العباسي تجاه الإمام الهاديعليه‌السلام أنّ حركة الإمام وقيامه بمهامّه إزاء الأمة وخاصّته ـ وهي القواعد

ــــــــــــ

(١) تذكرة الخواص: ٣٦٠ عن علماء السير.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في معرفة المفسدة كونها مفسدة في عرف العقلاء لا مفسدة في واقع الأمر ، فلو زوّجه باعتقاد عدم وجود المفسدة وتبيّن بعد ذلك وجود المفسدة في نظر العقلاء لم يصح العقد ، ولو تبيّن أنّه خال من المفسدة بالنظر إلى واقع الأمر صحّ العقد إن كان خالياً من المفسدة في نظر العقلاء.

3 ـ إذ تولّى الأب أو الجدّ العقد عن الصغير أو الصغيرة ، مع مراعاة عدم المفسدة فيصح العقد ، ولكن يحتمل مع صحّة العقد ثبوت الخيار للمعقود له ـ بمعنى أنّه يتمكّن من فسخ العقد بعد بلوغه ورشده ـ فلو فسخ بعد بلوغه ورشده فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.

4 ـ لو زوّج الأب أو الجدّ الصغير وكان الصغير لا مال له كان المهر على الوليّ ، وإن كان للطفل مالاً : فإمّا أن يضمنه الولي ، أو لا ، فلو ضمنه كان المهر عليه ، وإن لم يضمنه أُخرج من مال الطفل إذا لم يكن أزيد من المهر المتعارف ، أو كان أزيد لكن وجد الولي المصلحة في تزويجه بهذا المقدار من المهر ، وأمّا إن لم يرى الولي المصلحة في تزويجه بأكثر من المهر المتعارف توقّف ثبوت المهر المسمّى في مال الطفل على إجازته بعد البلوغ ، فإن لم يُجز لم يثبت في ذمّته إلاّ مهر المثل ، أي المتعارف لمن كان له شأن كشأنه.

5 ـ إذا زوّج الوليّ من كان وليّاً عنه لمن له عيب ، فلو كان العيب يؤدّي إلى إيصال مفسدة إليه فتكون صحّته متوقّفة على إجازته بعد البلوغ ، وإن كان خالياً من المفسدة وقع العقد صحيحاً ، نعم إذا كان من العيوب المجوّزة للفسخ ثبت الخيار للمولّى عليه بعد كماله ، كما يثبت للولي قبله إذا كان جاهلاً بالحال.

6 ـ لو جعل الأب أو الجدّ قيّماً على الصغير أو الصغيرة وجعلا له ولاية مطلقة

١٠١

عليهما فلا تكفي هذه الولاية ولا تشمل تزويجهما ولا تترك مراعاة الاحتياط ، وذلك بالتوافق مع الحاكم الشرعي ، هذا إذا دعت الضرورة إلى تزويجهما.

7 ـ لا ولاية للحاكم الشرعي في تزويج الصغير أو الصغيرة وإذا دعت الضرورة إلى تزويجهما بحيث يؤدّي ترك التزويج إلى المفسدة صارت له الولاية من باب الحسبة ـ أي في خصوص الأُمور التي لا يرضى الشارع بتركها لترتّب المفسدة عليه والتي لا يعيّن أحداً يقوم بها شخصيّاً ـ فيراعي الحاكم حدود الحسبة ، كما إذا اقتضت تزويجه ولو بالعقد المؤقّت لفترة قصيرة لم يتجاوزها إلى مدّة أطول فضلاً عن العقد الدائم ، وهكذا يلاحظ جميع الخصوصيات في هذه الولاية. هذا لو فقد الأب أو الجدّ ، وأمّا مع وجودهما فالأحوط وجوباً أن يتوافق الحاكم الشرعي معهما.

8 ـ يشترط في تزويج الباكر الرشيدة الاستئذان من وليها ، ولا فرق في ذلك بين الزواج الدائم أو المؤقت ، حتّى لو شرط عدم الدخول في ضمن العقد.

9 ـ لا ولاية لأحد على نكاح البالغ الرشيد دائماً أو منقطعاً ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّباً ، وأمّا البكر منها فإن كانت مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها لم يكن لأحد أن يزوّجها من دون رضاها ، والأحوط وجوباً لها أن لا تتزوج إلاّ بإذن أبيها أو جدّها لأبيها ، وإن كانت غير مستقلّة فلا يجوز لها الزواج ولا يصح العقد من دون إذنهما ، والأحوط وجوباً أن لايزوّجاها من دون رضاها.

10 ـ يسقط اعتبار إذن الأب أو الجدّ في نكاح الباكرة الرشيدة إذا منعاها من الزواج بكفئها شرعاً وعرفاً(1) بأن يمنعاها من الزواج على رغم تقدّم الأكفاء

__________________

(1) الكفؤ الشرعي : هو من يُرضى بعقله ودينه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه

١٠٢

لخطبتها ، وكذلك إذا رفضاً التدخّل في أمر زواجها مطلقاً(1) ، أو لم يكن لهما صلاحية الولاية عليها بسبب الجنون أو السفاهة ونحو ذلك ممّا يؤدّي إلى سلب صلاحيتهما ، وكذلك يسقط اعتبار الإذن إذا غابا عنها بحيث لا يمكن الاتصال بأحدهما واستئذانه فيه فإنّه يجوز لها الزواج حينئذٍ مع حاجتها المُلِّحة إليه فعلاً من دون إذن أحدهما.

11 ـ البكر هنا : هي من لم يدخل بها زوجها ، فمن تزوّجت ومات عنها زوجها أو طلّقها قبل أن يدخل بها فهي بكر ، وكذلك من ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة(2) أو نحوها ، بل وإن ذهبت بكارتها بالزنا ، أو بالوطء شبهة أيضاً فهي بمنزلة البكر ، وأمّا من دخل بها زوجها فهي ثيّبة وإن لم يفتضّ بكارتها.

12 ـ يعتبر في الأب والجدّ للأب العقل والإسلام فيما إذا كانت البنت مسلمة ، فلا ولاية للأب الكافر على بنته المسلمة وإن ثبتت على بنته الكافرة.

13 ـ يكفي رضى البنت اللاحق للعقد(3) ، وكذا إذن الولي بعد العقد لتصحيحه إذا كانت البنت مكرهة على العقد حينه ، أو وقع العقد من دون إذن الولي.

__________________

فزوّجوه » وسائل الشيعة 20 : 76. وأمّا الكفؤ العرفي فله مصاديق كثيرة منها : تناسب عمل الخاطب او حرفته مع عمل أب الزوجة أو وليها مثلاً ، أو كونها من ذوات الشرف والعلم وغير ذلك. وفي كثير من الموارد تتحقّق الكفاءة الشرعية دون العرفية.

(1) قد يرفض الأب أو الجد التدخّل في أمر البنت لاختيارها كفؤاً لم يرضيا به ، أو رفضها رجلاً قد ألزمها بالزواج منه فحينما رفضت تركا التدخل في شأن زواجها.

(2) الوثبة : هي القفزة.

(3) أي الرضا الذي يكون بعد العقد.

١٠٣

موجبات فسخ عقد النكاح

1 ـ يحقّ للزوج أن يختار فسخ العقد أو يبقى عليه إذا علم بعد العقد بوجود أحد العيوب الستّة الآتية في الزوجة ، فيكون له الفسخ من دون طلاق ، والعيوب هي :

1) الجنون ولو كان أدواريّاً ، بحيث يصيبها في حين دون آخر ، وليس الإغماء والصرع من الجنون.

2) الجذام : وهو : مرض معدي وخطِر ، سببه عصيّات جرثوميّة خاصة فيها تتيبّس الأعضاء ، ويتناثر اللحم من جراء شدّة الالتهاب ، والدول المعاصرة اليوم تقوم بالاجهزة الصحّية بحجز المصابين بالجذام في مستعمرات خاصة بعيداً عن الآخرين.

3) البرص : وهو بياض يقع في الجسد ، وهو غير البهق الذي يظهر في الجلد نتيجة لقلة صبغة الجلد.

4) العمى : وهو ذهاب البصر عن العينين.

5) العفل : وهو لحم أو عظم ينبت في الرحم ، سواء منع من الحمل أو الوطء في القبل أم لم يمنع.

6) العرج وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد والزمانة.

2 ـ لو علم الزوج بأنّ زوجته مفضاة حين العقد فإن رضي بذلك فلا إشكال ، وأمّا إذا فسخ العقد فالأحوط وجوباً له ولزوجته عدم ترتّب أثر الزوجيّة الاّ بعد تجديد العقد وعدم ترتيب آثار الفرقّة إلاّ بعد الطّلاق.

3 ـ العيوب المتقدّمة إذا حدثت بعد العقد فيثبت للزوج حقّ الخيار إمّا بفسخه وإمّا بإمضائه.

١٠٤

الحالات التي يحقّ فيها للزوجة فسخ العقد أو

البقاء عليه

1) إذا كان الزوج مقطوع الذكر بحيث لم يبق منه ما يمكنه الوطء به ، ويسمّى الجبّ.

2) إذا كان الزوج عنّيناً ، والعنّة : هو المرض الذي يمنع من انتشار العضو التناسلي بحيث لا يقدر معه على الإيلاج ، ولها حقّ الخيار سواء كان العنن سابقاً على العقد أو تجدّد بعد العقد وقبل الوطء ، بل وكذا المتجدّد بعد الوطء ولو مرّة.

3) الجنون على إشكال.

4) الإخصاء حين العقد : وهو إخراج الانثيين ، ويسمّى ( سل الانثيين ).

5) الوجاء : وهو رضّ البيضتين بشدّة خارقة تفقد فيها القدرة على العمل.

6) البرص.

7) الجذام.

1 ـ لو اختارت المرأة الفسخ فالأحوط وجوباً أن لا يكون الافتراق الاّ بعد الطلاق ، ولو اختارت البقاء على العقد فالأحوط وجوباً تجديد العقد ، هذا في جميع هذه العيوب المذكورة أخيراً أيّ الجنون ، الإخصاء ، الوجاء ، البرص ، والجذام.

2 ـ يجوز للرجل وكذا المرأة الفسخ لوجود العيب من دون إذن الحاكم الشرعي ، لكن إذا ثبت أن الرجل مصاباً بالعنّة ولم تصبر المرأة على ذلك فلا يحقّ لها الفسخ إلاّ بعد رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيمهل الحاكم الشرعي الرجل سنة ، فلو وطأها أو وطأ غيرها في هذه المدّة فلا فسخ ، وأما إذا لم يتمكّن من الوطأ حتى بعد السنة فيحقّ لها الفسخ فوراً من دون مراجعة الحاكم الشرعي ، ولو علم بشهادة

١٠٥

الطبيب الأخصّائي عدم قدرته على الوطء أبداً فيجوز لها الفسخ مع عدم الانتظار سنة.

3 ـ إذا فسخ الرجل العقد بأحد العيوب الموجودة عند المرأة ، فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقّت المرأة تمام المهر وعليها العدّة كما في الطلاق ، وإن كان الفسخ قبل الدخول لم تستحقّ المرأة شيئاً وليس عليها عدّة.

وإذا فسخت المرأة العقد لعيب الرجل استحقّت تمام المهر إن كان بعد الدخول ، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئاً إلاّ في العنن فإنّها تستحقّ عليه فيه نصف المهر المسمّى في العقد.

أمّا إذا كان هناك تدليس : ( وهو أن توصف المرأة للرجل عند إرادة التزويج بالسلامة من العيب مع العلم به بحيث صار سبباً لغروره وخداعه ; وكذا مع السكوت عن بيان العيب مع العلم به ، وإقدام الزوج بارتكاز السلامة منه ، فلو ظهر العيب الذي كان مستوراً وكانت المرأة نفسها هي المدلّسة لم تستحق المهر إذا اختار الرجل الفسخ ، وأمّا إذا اختار الرجل البقاء فعلية تمام المهر لها ، وأمّا إن كان المدلّس غير الزوجة فيجب عليه أن يعطي المهر ، فالمهر المسمّى في العقد يستقرّ على الزوج بالدخول ويحقّ له أن يأخذه من المدلّس.

4 ـ يحقّ للزوج أو الزوجة أن يفسخا لثبوت خيار العيب أو خيار التدليس ، فالموارد التي يثبت بها خيار التدليس لا يثبت بها خيار العيب.

الموارد التي يثبت بها خيار التدليس

1) التستّر على عيب أحد الزوجين إذا كان العيب نقصاً في أصل الخلقة ، كالعور ونحوه.

١٠٦

2) زيادة شيء على أصل الخلقة كاللحية عند المرأة مثلاً.

3) الإيهام بوجود صفات كماليّة لا واقع لها ، كالشرف والنسب والجمال والبكارة ونحو ذلك.

4) لو تزوّج المرأة بعنوان أنّها بكر فبانت أنّها ثيّب وفسخ العقد ـ حيث يكون له الفسخ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول بها لا مهر لها ، وإن كان بعده استقر المهر عليه ورجع وأخذه من المدلّس ، وإن كانت هي المدلّس لم تستحقّ شيئاً ، ولو اختار البقاء على الفسخ أو لم يكن له الفسخ كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط أو توصيف أو بناء ، كان له أن ينقص من مهرها بنسبة ما به التفاوت بين مهر مثلها في حال كونها بكراً أو ثيّباً.

١٠٧

اسبابالتحريم

أوّلا ـ النسب : ويحرم لأجله سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال :

1 ـ الأُمِّ ، ويندرج تحتها الجدّات وإن علون ، سواء كنّ لأب أو لأُم واحدة ، فتحرم المرأة على ابنها ، وعلى ابن ابنها ، وعلى ابن بنتها ، وابن بنت بنتها ، وابن بنت ابنها ، وابن ابن بنتها ، وهكذا تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة ، سواء كان بلا واسطة أم مع الواسطة ، أو وسائط متعدّدة. وسواء كانت الوسائط بينهما ذكوراً أم إناثاً ، أم بعضها ذكوراً وبعضها إناثاً.

2 ـ البنت ، وتشمل الحفيدة ولو بواسطة واحدة أو عدّة وسائط ، فتحرم على أبيها بما في ذلك الجدّ لأب كان أو لأُم ، فتحرم على الرجل بنته ، وبنت ابنه ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته ، وبنت بنت ابنه ، وهكذا. وبالجملة ، كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بلا واسطة ، أم بواسطة ، أو وسائط ، ذكوراً كانوا أو اناثاً ، أو بالاختلاف أي كان بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً.

3 ـ الأُخت للأب كانت أو للأُمّ أو لهما.

4 ـ بنت الأخ ، سواء كان لأب أم لأُم أم لهما ، وهي كلّ امرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت ، سواءً كان الانتماء إليها بالآباء أمْ بالأُمهات أمْ بالاختلاف ، فتحرم عليه بنت أخيه ، وبنت ابنه(1) ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت

__________________

(1) الضمائر من هنا إلى آخر المسألة تعود على الأخ.

١٠٨

بنت بنته ، وبنت ابن بنته.

5 ـ بنت الأُخت ، وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنت الأخ.

6 ـ العمّة ، وهي أخت الأب لأب أو لأُم أو لهما ، والمراد بها ما يشمل العاليات أي عمّة الأب وهي أُخت الجد لأب أو لأُم أو لهما معاً ، وعمّة الأُم وهي أخت أبيها لأب أو لأُم أو لهما ، وعمّة الجد للأب والجد للأُمّ ولهما والجدة كذلك ، ومراتب العمّات هي مراتب الآباء فهي كلّ أُنثى تكون أُختاً لأب الشخص أو لذكر ينتمي إليه بالولادة من طرف أبيه أو أُمه أو كليهما.

7 ـ الخالة ، والمراد بها أيضاً ما يشمل العاليات ، فهي كالعمّة إلاّ أنّها اُخت لإحدى اُمّهات الرجل ولو من طرف أبيه ، والعمّة أُخت لأحد أبائه ولو من طرف اُمّه ، فأخت جدّته للأب خالته حيث إنّها خالة لأبيه ، وأُخت جدّه للأُم عمّته حيث أنّها عمّة اُمه.

ملحق للتحريم بالنسب

1 ـ كما يحرم على الرجل الزواج من بعض النساء للنسب الشرعي عن طريق النكاح المشروع ، كذلك يحرم عليه أن يتزوّجهن لارتباطه بهنّ بالنسب غير الشرعي كالزنا ، فلو زنى بالخالة أو العمّة مثلاً قبل أن يعقد على بنتها فتحرم عليه بنتها على الأحوط وجوباً ، وأمّا لو زنى بها بعد العقد لم تحرم عليه بنت الخالة أو العمّة ، والأحوط ـ استحباباً ـ أن لا يتزوّج بها.

2 ـ لو زنى رجل بامرأة ذات بعل ، أو في عدّتها الرجعيّة حرمت عليه مؤبّداً على الأحوط وجوباً ، أمّا لو زنى بامرأة في عدّتها غير الرجعيّة فلا يؤدي الزنا إلى

١٠٩

تحريمها عليه مؤبّداً ، فيمكنه أن يتزوّجها بعد انتهاء عدّتها.

3 ـ لو زنى بامرأة ليس لها زوج ، وليست بذات عدّة ، فلا يجوز له أن يتزوّجها إلاّ بعد توبتها على الأحوط وجوباً ، وأمّا غيره فيجوز له أن يتزوّج منها حتى قبل التوبة ، إلاّ أن تكون مشهورة بالزنا ، فالأحوط وجوباً أن لا يتزوّجها قبل توبتها.

وكذلك الأحوط وجوباً عدم الزواج بالرجل المشهور بالزنا إلاّ بعد توبته ، ولو أراد أن يتزوّج الزانية بعد توبتها صبر قبل الدخول بها مقدار زمن حيضة حتى يطمئن من خلوّ رحمها من ماء الفجور ، سواء كان الذي يريد الزواج منها نفس الزاني أو غيره.

ثانياً : الرضاع ، ولكن ينبغي أن نتعرّف على كيفيّة إثباته بالقرائن الشرعيّة ، ثمّ نتعرّض للأحكام المرتبطة به.

١١٠

كيف يثبت الرضاع

يثبت الرضاع المحرّم بأمرين :

1 ـ إخبار شخص أو أكثر يوجب إخبارهم إمّا العلم بوقوع الرضاع المحرّم ، أو الاطمئنان به.

2 ـ شهادة عدلين على وقوع الرضاع المحرّم ، ولا يثبت ـ على الأحوط وجوباً ـ بشهادة رجل واحد أو بشهادة نساء أربع.

3 ـ لا يكتفى بالشهادة المطلقة ، بل لا بدّ أن تكون مفصّلة بأن يشهد على كون عدد الرضعات خمس عشرة رضعة متواليات ، وأنّ الإرضاع كان بالامتصاص من الثدي لا بغيره ، ولو لم يفصّل الشاهد سئل منه التفصيل.

4 ـ لو شكّ في وقوع الرضاع من أصله أو في تحقّق أحد شرائطه بنى على العدم وإن كان الاحتياط في ترتّب آثار الحرمة حسناً ، وهكذا في حالة الظنّ والاحتمال. ودرجة الشكّ هي خمسون بالمائة ، ودرجة الظنّ ثمانون بالمائة ، والاحتمال ثلاثون بالمائة مثلاً.

شرائط التحريم في الرضاع

إذا أرضعت امرأة ولد غيرها أوجب ذلك حرمة النكاح لعدد من الرجال والنساء ، ولكن يشترط في ذلك التحريم شروط :

١١١

1 ـ أن يكون اللبن الذي في ثدي المرضعة حاصلا لها من ولادة ولد شرعي ، فلو درّ اللبن في ثدي المرأة من دون ولادة أو من ولادة ابن الزنا فلا ينشر ذلك الإرضاع الحرمة.

2 ـ تتحقّق الحرمة بالإرضاع بعد ولادة المرضعة ، سواء وضعت حملها تامّاً أو سقطاً وقد صدق عليه أنّه ولد عرفاً ، وأمّا الرضاع الذي كان سابقاً على الولادة فلا أثر له في التحريم وإن كان قد حصل قبل الولادة.

3 ـ لو ولدت المرأة ولم ترضع فترة ثمّ أرضعت طفلاً ، فإن كانت الفترة قصيرة بحيث صار اللبن مستنداً إلى ولادتها كان موجباً للحرمة وإن علم بجفاف الثدي قبل وجود هذا اللبن المتجدّد ، وأمّا إن كانت الفترة طويلة بحيث لا يصدق على اللبن الثاني استناده للولادة فلا يؤدّي إلى التحريم ، سواء جفّ الثدي قبله أم لا.

4 ـ لا يعتبر في نشر الحرمة بالإرضاع بقاء المرأة في عصمة الرجل ، فلو طلّقها الزوج أو مات وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولداً كان هذا الإرضاع مؤدّياً للحرمة ، حتّى وإن تزوجت ثانياً ودخل بها ولم تحمل ، أو حملت منه وكان اللبن غير منقطع ، بشرط أن يتمّ الرضاع قبل أن تضع حملها.

5 ـ يشترط في نشر الحرمة حياة المرضعة ، فلا تكون ميتة حال الإرضاع ، ولو أرضعت الطفل بعض الرضعات المعتبرة في التحريم لم تنشر الحرمة ، ولا يضرّ كونها نائمة أو مجنونة أو مكرهة أو مريضة أو قليلة اللبن في ترتّب آثار الحرمة على هذا الإرضاع.

6 ـ لا بدّ أن يكون عمر الطفل ما دون الحولين وهي أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً ، فلو رضع وله من العمر أكثر من ذلك ، أو أكمل الرضاع بعد استكمال السنتين فلا يؤدّي ذلك إلى الحرمة.

١١٢

وأمّا المرضعة نفسها فلا يشترط أن تكون ولادتها ما دون الحولين ، فلو مرّ على ولادتها لحملها ـ الذي حصل لها اللبن به ـ أكثر من حولين فلا يؤثّر في عدم نشر الحرمة ، والمقصود من الحولين أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً من حين الولادة ، فلو وقعت الولادة في أثناء الشهر يُكمل من الشهر الخامس والعشرين بمقدار ما مضى من الشهر الأوّل ، فلو ولد في العاشر من الشهر مثلاً يكمل حولاه في العاشر من الشهر الخامس والعشرين.

7 ـ لا بدّ أن يكون اللبن خالصاً في فم الطفل غير ممزوج بشيء آخر مائع كاللبن والدم ، أو جامد كفتيت السكر ، فلو كان مخلوطاً لا يؤدّي الإرضاع إلى الحرمة إلاّ إذا كان الخليط مستهلكاً عرفاً.

8 ـ كون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد ، فإذا طلّق الزوج زوجته وكانت حاملاً أو طلّقها بعد ولادتها منه فتزوّجت برجل آخر وحملت منه وقبل أن تضع حملها أرضعت بلبن ولادتها السابقة من زوجها الأوّل ثمان رضعات مثلاً ، وأكملت بعد وضعها لحملها بلبن ولادتها الثانية من زوجها الأخير بسبع رضعات من دون تخلّل رضاع امرأة اُخرى في البين بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب لم ينشر الحرمة.

9 ـ يشترط في الحرمة بالإرضاع أن تكون المرضعة واحدة في جميع الحولين ، فلو أرضعته امرأة ستّ رضعات مثلاً وأرضعته الأُخرى تسع لم تنشر الحرمة.

10 ـ يجب أن تكون الرضاعة مستمرة بحيث ينبت عليها لحم الطفل ويقوى عظمه ، ولو حصل الشكّ في تحقّق الرضاعة الشرعيّة فيكفي استمرارها يوم وليلة ، أو

١١٣

بلوغ الرضاعة خمس عشرة رضعة عدداً ، أمّا لو قطع بعدم إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه على هذه الرضاعة أو قطع بعدم بلوغ عدد الرضعات خمس عشرة فالأحوط وجوباً عدم ترتّب آثار انتشار الحرمة.

11 ـ المدار في إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه بالرضاعة ما يكون كذلك عرفاً ، لا ما يثبت بالمقاييس العلميّة الدقيقة.

12 ـ لو ارتضع الطفل من مرضعتين وكانت رضعة من هذه ورضعة من الأُخرى إلى أن قوي جسمه ، فإن كانت قوّة جسمه مستندة إلى كلّ واحدة منهما أدّى ذلك إلى الحرمة عليهما معاً ، وأمّا إذا كان استناد قوّة جسمه إليهما معاً ـ أي بمجموع لبنهما ـ فلا يؤدّي ذلك إلى حرمة أيّ واحدة منهما.

13 ـ لو أرضعت امرأة طفلاً رضاعةً كاملة ، ثمّ طلّقها زوجها وتزوّجت برجل آخر وعاد اللبن في ثديها مرة أُخرى فأرضعت به طفلاً آخر أو طفلةً لم تحرم هذه الصبيّة على هذا الصبيّ ، ولا أولادهما على أولاد الآخر ; لاختلاف اللبن وعدم وحدته.

مسائل متفرَّقة تتعلّق بالرضاع

1 ـ الأفضل للمرأة أن تمتنع من إرضاع الأطفال خوفاً من نسيان الرضاعة ، وتحقّق الزواج المحرّم مع عدم التفاتها إلى العلاقة الرضاعيّة ، ولا يجوز لها إرضاع ولد الغير إذا كانت الرضاعة مزاحمة لحقّ زوجها إلاّ أن يأذن لها بذلك.

2 ـ إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها حرمت البنت على زوجها إلى الأبد وبطل نكاحها ، سواء أرضعته بلبن أبي البنت أم بلبن غيره ، وسواء كان هذا الطفل من بنتها أو ضرّتها ; لأنّ زوج البنت أب للمرتضع وزوجته بنت للمرضعة ، فيحرم على

١١٤

أبي المرتضع أن ينكح من أولاد المرضعة الذين حرموا عليه للنسب.

3 ـ لو أرضعت زوجة الرجل طفلاً لزوج بنته ، سواء كانت البنت أُمّه أو كانت الضرّه ، فالأحوط وجوباً عدم البقاء على الزوجيّة وحرمة النكاح مؤبداً(1) .

4 ـ لو حرمت الزوجة على زوجها ـ كما في المسألتين السابقتين ـ بسبب الرضاع فلا يجوز للزوج تجديد العقد عليها حتّى لو تمّ الرضاع بعد طلاقها ، ولو تمّ الرضاع بعد وفاة الزوجة حرمت عليه أخوات الزوجة فلا يجوز له أن يعقد عليهن.

5 ـ لو أرضعت المرأة طفلاً لابنها فلا تحرم عليه زوجته ، لكن تترتّب الآثار الأُخرى على هذه الرضاعة ، كحرمة المرتضع أو المرتضعة على أولاد عمّه وعمّته لأن يكون عمّاً أو عمةً أو خالا لأولاد المرضعة.

6 ـ لو عقد الولي ابنه الصغير على ابنة أخيه الصغيرة ثمّ أرضعت جدّتهما ـ أي أُمّ الولي أو أُمّ زوجته ـ أحد الصغيرين انفسخ هذا العقد; لأنّ الرضيع إن كان ذكراً وأرضعته جدّته من طرف الأب صار عَمّاً لزوجته ، وإن أرضعته التي من طرف الأُمّ صار خالا لزوجته ، وإن كان المرتضع أُنثى فتكون إمّا عمّةً لزوجها وإمّا خالةً له فيبطل النكاح على أي حال.

7 ـ إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح ، إمّا أن يبطل نكاح المرضعة نفسها كما إذا أرضعت زوجها الصغير ، وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة كما إذا أرضعت الزوجة الكبيرة المدخول بها ضرّتها الصغيرة ، وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما كما إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها ، ولا يبعد بقاء استحقاق الزوجة للمهر في جميع الفروض المتقدمة إلاّ الفرض الأوّل ، كما إذا أرضعت الزوجة زوجها الصغير وكان

__________________

(1) لأن هذا الرجل أب للمرتضع فتصير زوجته كبنته.

١١٥

الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول فالأحوط وجوباً استحقاق المرأة المهر ، ولا تضمن المرضعة المهر الذي يغرمه الزوج قبل الدخول ، والأحوط استحباباً التصالح بين المرضعة والزوج.

ما يحرم على المرتضع والمرتضعة

والمرضعة نفسها

1 ـ يحرم على المرتضع عدّة من النساء : المرضعة نفسها ; لأنّها أُمّه من الرضاعة ، واُمّ المرضعة وإن علت ، نسبيّة كانت أم رضاعيّة ؛ لأنّها جَّدته من الرضاعة ، وبنات المرضعة ولادةً; لأنهنّ أخواته من الرّضاعة ، وأمّا بناتها رضاعة ممّن أرضعتهنَّ من لبن شخص آخر غير الذي ارتضع المرتضِع بلبنه فلا يحرمن على المرتضِع ; لعدم اتّحاد صاحب اللبن.

ما يحرم على المرتضعة

1 ـ كما يحرم على المرتضع عدّة نساء ، كذلك يحرم على المرتضعة عدّة رجال : صاحب اللبن ; لأنّه أبوها من الرّضاعة ، وآباؤه من النسب والرضاع ; لأنّهم أجدادها من الرضاعة ، وأولاده من النسب والرضاع وإن نزلوا ; لأنّها أُختهم أو عمّتهم أو خالتهم من الرّضاعة ، وإخوة صاحب اللبن من النسب والرضاع ، لأنّهم أعمامهم من الرضاعة ، وأعمام صاحب اللبن وأخواله ، وأعمام وأخوال آبائه وأُمّهاته(1) من النسب والرضاع ، وإخوة المرضعة من النسب والرضاع وآباؤها كذلك ، وأبناؤها

__________________

(1) أي وأخوال أمهاته.

١١٦

ولادة ، وكذا الأولاد النسبيّين والرضاعيّين من أولاد المرضعة ، وأعمام المرضعة وأخوالها ، وأعمام وأخوال آبائها وأُمهاتها من النسب والرضاع.

2 ـ إذا حرم أحد الطفلين على الآخر بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب إلى رجل واحدٍ لم يؤدّ ذلك إلى حرمة إخوة أحدهما على إخوان الآخر ، ولا إلى حرمه الإخوة على المرضعة.

3 ـ لا يجوز الزواج ببنت أخ الزوجة وبنت أُختها من الرضاعة إلاّ برضاها ، كما لا يجوز الزواج بهما من النسب إلاّ برضاها فإن الرّضاع بمنزلة النسب ، وكذلك الأُخت الرضاعيّة بمنزلة الأُخت النسبيّة ، فلا يجوز الجمع بين الأُختين الرضاعيتين كما لا يجوز الجمع بين الأُختين النسبيتين ، ويحرم على مَن ارتكب فاحشة اللواط بنت الملوط وأُمّه وأُخته الرضاعيّات كما هو الحال في النسبيات.

الصور التي لم تحرم بها المرأة على زوجها

بسبب الإرضاع

1 ـ لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه طفلاً من أقربائها ، سواء كان الطفل أخاها أو أحد أولاد أخيها ، أو أُختها أو أحد أولاد اُختها ، أو عمّها أو خالها أو أولادهما ، أو عمّتها أو خالتها أو أولادهما ، أو ابن ابنها.

وكذلك لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه من كان من أقربائه كأخيه أو أُخته أو عمّه أو عمّته أو خاله أو خالته أو ولد بنته من زوجته الأُخرى أو ولد أُخته.

2 ـ لا تحرم المرأة على زوجها لو أرضعت ولد ولدها ، وان صارت بذلك جدّة لولد زوجها ، ومثله أن ترضع إحدى زوجتي الشخص ولد ولد الأخرى ، فإنّ الأخرى

١١٧

تصير جدّة لولد زوجها.

3 ـ لو أرضعت المرأة ابن عمّة زوجها أو ابن خالته لا تحرم على زوجها ، ولكنّ الأحوط استحباباً أن لا تتزوّج منه لو طلّقها زوجها أو مات عنها ، وكذلك لا تحرم الزوجة على زوجها إذا ارتضع ابن عمّها من لبن ضرّتها.

4 ـ لا تترتّب على الرضاع أحكام الإرث كما تترتّب على النسب بين الأقرباء.

آداب الرضاع

لقد جعل الله تعالى في لبن الأُمّ ما يقوى به الطفل جسديّاً وروحيّاً ، ولذا نرى الروايات تحث الأُم على إرضاع طفلها ، وأن لا تُوكَل الرّضاعة إلى غير الأُم قدر الإمكان ، فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال :« ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (1) .

ولأهميّة عمليّة الإرضاع فصّل أهل البيتعليهم‌السلام الكلام فيه ، وكيف يتمّ الإرضاع الصحيح ، فقد جاء في الرواية الشريفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يقول :« إذا وقع الولدُ في بطن أُمّه ـ إلى أن قال ـ : وجعل اللهُ تعالى رزقهُ في ثديي أُمّه ، في أحدهما شرابه وفي الآخر طعامُه » (2) ، لذا ينبغي أن ترضع الأُم أو المرضع من الثديين لا تقتصر على أحدهما.

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال لأُمّ إسحاق وهي ترضع أحد أولادها :« يا أمّ إسحاق ، لا تُرضعيه من ثديٍ واحد ، وارضعيه من كليهما ، يكون أحدُهما طعاماً

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 452 ، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 21 : 453 ، الحديث 2.

١١٨

والآخرُ شراباً » (1) .

وأمّا المدّة المحدّدة للرضاعة في كلام المعصومينعليهم‌السلام فهي واحد وعشرون شهراً ، وإكمال الرضاعة حولين كاملين لقوله تعالى :( وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) (2) ولا ينبغي الإرضاع أكثر من الحولين.

صفات المرضعة

لو اقتضت الضرورة إيكال الرضاعة إلى غير الأُم ، فلا بدّ أن ينظر الأبّ أو من يقوم مقامه في صفات المرضعة التي ترضع ولده ، لما في هذا الأمر من الأهميّة لنشوء الطفل جسماً وروحاً ، ولذا ورد في كلمات المعصومينعليهم‌السلام التأكيد على صفات المرضعة ، فلا يصلح أن يكون لبنها من الزنا ، ولا أن تكون يهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسيّة أو ناصبيّة.

وجاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال :« لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللبن يشبّ عليه » (3) .

وورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :« لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء ، فإنَّ اللبن يعدي » (4) .

والحَمَقُ هو الرعونة ، والعَمَشُ هو مرض يصيب العين يؤدّي إلى سيلان

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 453 ، الحديث 1.

(2) البقرة 2 : 233.

(3) وسائل الشيعة 21 : 467 ، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 21 : 467 ، الحديث 4.

١١٩

الدموع منها حتّى يمنع من النّظر بها.

وكما يكره الرضاع بلبن القبيحة فيستحب الرضاع بلبن المرأة الحسناء لما جاء في الأخبار ، فقد جاء عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال :« استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإنّ اللبن يعدي » (1) .

المصاهرة

ثالثاً ـ المصاهرة :

والمصاهرة هي العلاقة الحاصلة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر ، الموجِبة لحرمة النكاح ، إمّا بشكل تعييني كحرمة أُم الزوجة على صهرها ، وإمّا بشكل جمعي كحرمة الأُخت على زوج الأُخت ؛ لعدم جواز الجمع بين الأُختين.

1 ـ بمجرّد أن يتمّ العقد ولو منقطعاً بين الزوجين حرمت على أب الزوج زوجة ابنه ، وكذلك على الجد ، سواء كان الجد للأُم أو للأب ، وكذلك زوجة السبط ، أي ابن البنت ، وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها ، وسواء كانت حرمة هؤلاء الأفراد لهذه الزوجة قد ثَبَتَتْ سابقاً بالنسب أو بالرضاع أو لم تثبت ، وتكون هذه الحرمة دائميّة للجميع.

2 ـ تحرم على الزوج أُم زوجته وجدّات الزوجة جميعاً ـ سواء كنّ جدّاتها لأبيها أم لإمّها ـ بالنسب أو الرضاع حرمة دائميّة ، وسواء دخل الزوج بزوجته أم لا ، أو عقد عليها مؤقتاً أو دائماً ، صغيرةً كانت أو كبيرة.

3 ـ تحرم على الزوج بنت زوجته التي دخل بها لقوله تعالى :( وَرَبَائِبُكُمْ

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 468 ، الحديث 1.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220