أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي25%

أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي مؤلف:
تصنيف: المرأة
الصفحات: 221

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50445 / تحميل: 7587
الحجم الحجم الحجم
أوضاع المرأة المسلمة  ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الشيعة مِن هذه العقائد التي ذكرها كالتناسخ والحلول والتشبيه، فإنّ الواقع يُكذِّبه، وهذه كُتُبُ الشيعة تملأ المَكتَبات، فليذكر لنا أين آرائهم بالتناسخ، اللهمّ إلاّ أن يكون كلامه عن أُمّةٍ بائدة كانت تقولُ بذلك قبل هذا. نعم، الشيعة تقول بغَيبَة المهدي عن المعرفة، بمعنى أنّه يُرى، ولا يُعرَف، فهو موجود بين الناس ولكن لا يعرفونه، وهو يُدلي برأيه أحياناً مع بعض الآراء، وقد استفادوا ذلك مِن جُملة مِن الأخبار التي أوردها عُلماءُ المُسلِمينَ مِن السُنّة والشيعة كالترمذي وابن ماجة وأبي داود وابن حَجَر وغيرهم، ويكفيك الفصل الذي كتبه ابن حَجَر في الصواعق فراجعه، وسَنَشرَح ذلك فيها يأتي مِن فُصول هذا الكتاب، كما يعتقد الشيعة بالبِداء، مستفيدين ذلك مِن الكتاب والسُنّة:

فالكتاب كقوله تعالى: ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد: 39.

وأمّا السُنّة: فَمِثل ما رواه البُخاري في الصحيح عن النبيّ (ص) (أنّ ثلاثة مِن بني إسرائيل: أبرص، وأعمى، وأقرع، بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم مَلَكاً...) (1) .

وكما روى الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة بإسناده عن الإِمام الصادق (ع): (مَن زَعَمَ أنّ الله عَزّ وجل يبدو له في شيءٍ يعلمه أمس فابرؤا منه) (2) .

والبِداء عند الشيعة: بمعنى الإِظهار، لا بمعنى أنّ الله يعلم بعدَ جَهلٍ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، أي أنّ عِلمَ الله تعالى تَعلق بوقوع أمر في الخارج، ولكن بشرط موقوفيته على عدم تعلُّق مشيئة الله تعالى بخلافه. وهذا هو مورد البِداء، ومحلُّ البِداء مِن أقسام القضاء الإِلهي.

ونظراً لأهميّة موضوع البِداء، وما ثار حوله مِن نزاع بين المُسلِمينَ، فإنّي أُحيل

____________________

(1) صحيح البُخاري: 4/146 باب: ما ذُكِر عن بني إسرائيل.

(2) البيان للخوئي: ص390.

١٠١

القارئ إلى فَصلٍ مُهمٍّ مُمتِع كَتَبَهُ الإِمام الخوئي في كتابه البيان، مُقدّمة تفسير القرآن (1) .

أمّا موضوع الرجعة عندهم فهو مُجرَّد فَهْمٍ مِن كتاب الله تعالى لبعض الآيات، ولمَضمون تلك الآيات، ذلك بالإضافة إلى روايات كثيرة تَدعَم تلك المضامين. وهي - أعني الرجعة - ليست مِن ضروريات الإِسلام عندهم. وبِوِسع القارئ الرجوع إلى قوله تعالى: ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) النحل: 83.

وقوله تعالى: ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) الكهف: 47.

فقد ورد في كثير مِن التفاسير عند الجمع بين الآيتين ما يُفيد أنّ هُناك حَشْراً قَبل الحَشرِ الأكبر، وفيه روايات عن أهل البيت، وقد عَقَدَ الشيخ الصدوق في كتابه الاعتقادات فصلاً عن الرَجعة، ذكر فيه دلالة الآيات والأحاديث على ذلك، وقال في آخره مستدلاًّ بقوله تعالى:

( وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) النحل: 38.

ثمّ يقول بعد هذه الآية مُباشَرة:

( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) والتبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة.

فالآية واردة في الرَجعة - كما فَهِمَ مِنها الصدوق - إلى أن يقول الصدوق، مُنبِّهاً إلى أنّ البعض قد يَفهمُ مِن عقيدة الشيعة القول بالتَناسُخ، فيقول في ذلك:

والقول بالتَناسُخ باطل، ومَن دانَ بالتَناسُخ فهو كافر؛ لأنّ في التناسخ إبطالُ الجنّةِ والنار. انتهى كلامه (2) .

فالمسألة في الرجعة إذاً لا تعدو فَهْماً مِن كتاب الله تعالى بإمكان وقوعِ رجعةٍ في فَترَة مُعيَّنةٍ، وكُلّ ذلك لا يَستَوجِب هذه الجلبة والضَوضاء في كُتُبِ السُنّة، وكم

____________________

(1) البيان للخوئي: ص385 فصاعداً.

(2) الشيعة والرجعة للطبسي: 2/248.

١٠٢

مِن آراء لأهل السُنّة سَنَمرُّ إن شاء الله على بعضها، وهي قد تستوجب ضجَّة، ولكنَّ كَتّاب الشيعة يعالجونها مِن زاوية عِلميَّة بدون تهريج، ويحترمون فَهْمَ كلّ كاتب ما دام له منشأ انتزاع مِن نصٍّ مِن القرآن أو السُنّة.

وأعود بعد ذلك للشهرستاني، فهو عندما يُعدِّد الأئمّة يقول: إنّ الشيعة ساقوا الإِمامة بعد موسى بن جعفر، فقالوا: والإِمام بعده عليّ بن موسى الرضا، ومشهده بطوس، ثمّ بعده محمّد التقي، وهو بمقابر قريش، ثمّ بعده عليّ بن محمّد النقي، وهو مشهده بِقُم، وبعده الحسن العسكري الزكي، وبعده ابنه محمّد القائم المنتظر، هذا هو طريق الإثني عشريّة (1) ، وكلّ الباحثين يعلمون أنّ الشيعة لا يقولون أنّ ابن محمّد النقي مَدفون بِقُم؛ لأنّه مدفون بسامراء، ويزوره الى الآن الناس، والمدفونة بِقُم شقيقة الإِمام الرضا، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

2 - ابن حَزَم الأندَلُسي:

هذا النموذج الثاني الذي أُقدِّمُه، وهو مِن الّذين سَلَّطوا السنتهم على المُسلِمينَ، إنّه عليّ بن أحمد بن حَزَم الأندَلُسي الفارسي، وهو مِن موالي يزيد بن معاوية، وحَسْبه بذلك شَرفاً، وأوّل مَن دخل الأندلس مِن أجداده جَدّهُ خَلَف. وكان ابن حَزَم في أول أمره شافعيّاً، ثُمّ انتقل إلى الظاهريّة، وله كُتُب كثيرة مِنها: الفصل في المِلَل والنِحَل، والمُحَلّى، وغيرهما. ولهذا الرجل قدرة عجيبة على الافتعال والاختلاق، وله جُرأة في التَهجُّم على الناس، تَكشِفُ عن عَدَمِ ورع، وعدم التزام بالصدق، وسأذكر قبل ذكر أقواله آراء قومه فيه، وتقييمهم له:

فقد قال فيه أبو العبّاس بن العريف: إنّ لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. وقال مؤرِّخ الأندلس أبو مروان بن حيّان فيما كَتَبَه عنه في فَصلٍ طويل منه قوله: ومما يزيد في بُغضِ الناس له، حُبُّه لبني أُميّة ماضيهم وباقيهم، واعتقاده بِصحَّة إمامتهم حتّى نُسِبَ إلى النَصْبِ.

وقال ابن العماد الحنبلي: كان ابن حَزَم كثيرَ الوقوع في العلماء والمتقدمين، لا

____________________

(1) المِلَل والنِحَل، فصل الشيعة.

١٠٣

يكاد يَسلَم أحَد مِن لسانه؛ فَنَفِرت منه القلوب.

ويقول عنه مُصطفى البرلسي البولاقي: أمّا ابن حزم فالعلماء لا يُقيمون له وزناً، كما نَقلَه عنهم المُحقِّقون كالتاج السبكي وغيره؛ لأنّه وأصحابه ظاهريّة محضة، تكاد عُقولَهم أن تكون مُسِخَت، ومَن وَصَلَ إلى أن يقول: إن بال الشخص في الماء تنجس، أو في إناء، ثمّ صبه في الماء لم يَتنجُس. كيف يُقامُ له وزن، ويُعدُّ في العقلاء فَضلاً عن العُلماء، ولابنِ حَزَم هذا وأضرابه مِن أمثال هذه الخُرافات الشيء الذي لا ينحصر، ومَن تأمَّل كَذِبَهُ على العلماء - ولا سيّما إمام أهل السُنّة أبو الحسن الأشعري - عَلِمَ أنّ الأولى به وبأمثاله أن يكونوا في حَيّزِ الإِهمال، وعَدَمِ رفعِ رأسٍ لشيءٍ صدر منه. راجع فيما كتبناه عن ابن حَزَم المراجع أدناه فقد أفاضت في ترجمتِه، وشرح حاله (1) .

وبعد شهادة هؤلاءِ الأعلام التي هي في الواقع رمز لمُحصّلة الآراء عن ابن حزم عند العلماء، فإنّي لا أستكثِرُ عليه أن يقول في آخر الفصل الذي كتبه عن الشيعة: والقوم - يعني الشيعة - بالجملة ذووا أديان فاسدة، وعُقول مدخولة، وعديموا حياء نعوذ بالله مِن الضلال (2) .

فإذا كان هذا وأمثاله كالشهرستاني هُم الّذين يَكتُبون عن عقائد وفقه وسلوك الفِرَقِ الإسلاميّة، فهل يمكن للأجيال أن تَثِقَ بتاريخها، وسيرة أسلافهم؟. والأنكى مِن ذلك أنّ الّذين ينتقدون الشهرستاني وابن حزم وأمثالهما فإنّهم إنّما يحملون عليهم إذا وخزوهم أو شتموهم، أمّا إذا شَتَمَ الشهرستاني وابن حَزَم غيرهم كالشيعة مثلاً، فهو صادق، وتُؤخَذُ أقواله، ولا تُثيرُ حساسيّة.

____________________

(1) شَذَرات الذهب: 3/299، والسيف اليماني للبرلسي - رسالة صغيرة مع عدَّة رسائل -، ووفيّات الأعيان: 1/369، ولسان الميزان: 4/199 فصاعداً.

(2) الفصل في المِلَل والنِحَل: 4/181.

١٠٤

مِثالٌ ثَالِثٌ

وَسَتَرِدُ علينا أمثلةً لذلك، ولكنّي أستعجل لك مثلاً واحداً مِنها يعيش في القرن العشرين في عصر الذرَّة، وتحت أروِقَة جامعةٍ حديثة، وهو محمّد حسن هيتو، مُحقق كتاب المنخول للغزالي، فإنّ هذا الرجل عندما يَمرُّ ببعض المواقف الحَدّيّة للغزالي مِن بعض المذاهب الإسلاميّة كالإِمام مالك، والإِمام أحمد بن حنبل، والإِمام أبي حنيفة، فيذكر بعض آرائهم ناقداً لها حيناً، ومستهجناً حيناً آخر، مثلاً يذكر الغزالي عن أبي حنيفة رأيه في أقلِّ الصلاة وهي: وضوء بالنبيذ في أوَّلها، وحَدَثٌ في آخرها للخروج مِنها، وبين ذلك نَقْرُ كَنَقرِ الغُراب، واكتفاء مِن القراءة بكلمة (مُدْهَامَّتَانِ) بالُلغة الفارسيّة إلى آخر ما ذكره عن أقلِّ الصلاة في رأي أبي حَنيفة، وكما ذكر رأيَ مالِك بجواز قَتلِ ثُلُثِ الناسِ إذا كان ذلك يؤدّي إلى صلاح الثُلُثَين الباقيين، وهكذا آراء بعضُ الأئمّة التي ذكرها.

إننا في مثل هذا نرى محمّد حسن هيتو يقع في ورطة، فلا يَدري أينفي ذلك، وفيه تكذيب للغزالي، أم يُثبت ذلك، وفيه طَعنٌ على أئمَّة المذاهب؟، فتراه مَرَّة يقول: إنّ هذه الأقوال نتيجة لمرحلة مرَّ بها الغزالي، وتَخلَّص مِنها بعد ذلك، ومرَّة يقول: إنّ الغزالي فَردٌ مِن مدرسةٍ تؤيِّد أهل الحديث، وتطعن في أهل الرأي، وإنّ ذلك تَعصُّبٌ أقلع عنه الغزالي بعد ذلك، كما هو واضح في مؤلّفاته التي صدرت بعد ذلك كالمُستصفى، المتأخِّر عن المنخول، وعلى أنّ هذا الاعتذار لا يَحلُّ المشكلة التي هي كون الغزالي إمّا صادقاً، وإمّا كاذباً.

إنّ الذي يعنينا هُنا أنّ هيتو إذا مَرّ الغزالي بالرافضة وشتمهم، لا نجده يُعلِّل ذلك الشتم بِعصبيّة أو غيرها، كأنّ الشيعة يستأهلون الشتم بدون نزاع، وكأنّ الحُرصَ على وحدة المُسلِمينَ ليس مِن موارده هذا المورد، هذا إذا كان الشيعة مسلمين في نظر هؤلاءِ، وإلاّ فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع، كما يقول عُلَماءُ المنطق، وعلى كلٍّ أُلفِت النَظَر إلى ما كتبه هيتو عن الغزالي (1) .

والله المُستعان على ما يَصفون.

____________________

(1) المنخول للغزالي: ص354، و488.

١٠٥

وعوداً على بدء نقول: إنّ ما قدّمناه من شواهد وأمثلة كافٍ في تحديد موقع السُنّة من الفُرس، وتحديد مَكان التَشَيُّعِ من العُروبة لِمَن يَعتبر هذا سُبة وذلك فَضيلة، أمّا المُسلم الذي شعاره شعار القرآن، فإنّ المُسلمين عِنده أكفّاء بأموالهم ودمائهم وأعراضهم وأنسابهم، وإذا كانت هُناك آثار مُتولّدة مِن وحدة العِرق والدم، فإنّها سواء عند الفارسي الشيعي والفارسي السُنّي، ولا يُمكن التَفرقة بين الشيء ونفسه، وإلى هنا نكون قد أعطينا صورة عن الهُويّة العرقيّة التَشَيُّعِ والتَسنُّن، وبوسع طالب المزيد أن يَتَّخذ مِن هذه الدراسة مَنهجاً، وينحو هذا النحو في التَوسُّع بالدراسة المُختصَّة بهذا الموضوع.

١٠٦

الفَصلُ السَادِس

أسبابُ رَمي التَشَيُّع بالفارسية

1 - لِلإِجابّةِ على هذا السؤالِ نَقُولُ:

إنّه لا خُصوصيّة لهذه التُهمة بالفارسيّة، وإنّما هي صورة مِن صور رَمي التَشَيُّعِ بكلِّ ما هو مكروه، ولمّا كانت العلاقات بين الفُرس والعرب قد ساءت بَعدَ أن امتدَّ نُفوذ الفُرس في دولة الإِسلام - كما أشرنا إليه سابقاً - شاء أعداء الشيعة أن يَرموهم بالفارسية؛ ليُضيفوا إلى قوائم التهريج قائمة أُخرى، هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر لمّا كان الشيعة مُنذ فَترة تَكوينهم مِن المعارضين للحُكُم؛ لأنّهم يرون أنّ الخلافة بالنصِّ، وليست بالشورى، وأنّها لعليٍّ (ع) ووُلدِهِ، وإنّما تَنازَل عنها وسكت حرصاً على مَصلحة المُسلِمينَ، وتَضحية بالمهمِّ في سبيل الأهم، وقد حَفَظ ذلك بيضة الإِسلام، وأنّ عقيدتهم هذه جرّت عليهم المُلاحقة، خصوصاً أيّام معاوية، وما تلاها إلى العُصور المتأخِّرة، وللإِمعان بالتنكيل بهم وإبعادهم عن الساحة حَشَّدت لهم السُلُطات كلّ ما تَملُك مِن وسائل التحطيم، المادّي مِنها والمعنوي، فاعتَبَرَتهُم خوارج عن جسم الأُمّة، ونَسبت إليهم مِن الآراء ما هو بعيد عن روحِ الإِسلام، وصَوَّرتهم بأنّهم دُعاة فوضى، ولاحقتهم بكلِّ صُنوف الملاحقة، وكان مِن ذلك أنّها استغلّت الشُعور المُلتهب ضِدَّ الفُرس منذ أيّام الاحتكاك بين العَرَب والفُرس، فَرمتهم بأنّهم وَرَثةُ الفُرسِ، وحَمَلَة عقائدهم، فأضافتها إلى قائمة التُهم التي أصبحت لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأخذ كلّ خَلَفٍ يُضيفُ إلى القائمة التي وضعها السَلَف، بدون تَحرُّج، ولا رادع مِن مَسؤوليّة أو ضمير، وأين المسؤوليّة والسيف

١٠٧

والقَلم والحُكم والأموال بِيَدِ خُصُوم الشيعة، وانتهى الأمرُ إلى أن تَنفجر العبقريّات بألوان الاختلاق، وأصبح كلّ حاملِ سلاحٍ لا يَعرِف مدى مَضَائِهِ يُجرِّبهُ بِجِسم الشيعة، وكلّ مَن لا يَعرفُ نفسه يَتحسّس بُطولتَها بالسُبابِ والتَهجُّم على الشيعة، وبالاختصار أصبحَ الشيعةُ مُختبراً لِمُمارسة البطولات مِن كلّ حاملِ سلاح حتّى ولو كان سيفه مَثلوماً، ويده تَرتَعِش.

2 - السَبَبُ الثاني في رمي التَشَيُّعِ بالفارسيَّة:

هو ما ألمَحتُ إليه سابقاً مِن أنّ الفارسيّة ما كانت سُبّةً يوم كان الفُرس سُنّة، وإنّما عادت سُبّة يوم تَشيَّع قِسم مِن الفُرس، ودليل ذلك: أنّك ترى الطبقة الأولى والثانية مِن الّذين تَهجَّموا على الشيعة، وكالوا لهُم التُهم لم يضعوا في قائمتهم تُهمَة الفارسيّة.

وبِوسعِك الرُجوع إلى ما كَتَبَه ابن عَبد رَبّه الأندلسي في العقد الفريد بالفصل الخاص بالشيعة، وارتَجَل لَهُم المثالب والمطاعن فيه، فإنّك لا تَجِدُ هذه التُهمة ضِمن التُهم (1) ، وكذلك لو راجعت ما كَتَبه الشهرستاني في مِلَلِه ونِحَلِه، وما ذَكره عن الشيعة، فسوفَ لا تَجِدُ تُهمة الفارسيّة مِن التُهَم التي ساقها (2) .

وأمّا شيخُ أهل السُبْاب، وصاحب اللِسان الذي ما عَرَفَ الوَرَع، فإنّه برغم ما صالَ به وجال، وبرغمِ ما أملاه عليه الهوى، فإنّه لم يَذكر للشيعة هذه التُهمَة (3) .

نعم، ذَكَر ابن حَزَم أنّ هناك أفراداً مِن الفُرس شيعة في بعض استطراداته حتّى جاء المقريزي في القَرن التاسع، فرام أن يُصوِّر أنّ التَشَيُّع فارسي، فالمسألة جاءت مُتأخِّرة (4) ، وهكذا المتأخرون عن هذه الطبقة لم ترد في قوائمهم هذه التُهمة، وإنّما جاءت مِن بعد القَرن التاسع وبدء القرن العاشر، والغريب أن يكون بعض فُرسان هذه الحَملة مِن الفُرس أنفسهم أرادوا أن يُظهروا أنفسهم بأنّهم أحرص

____________________

(1) العُقد الفريد: 2/404 فَصاعداً.

(2) المِلَل والنِحَل، هامش الفَصل: 1/195.

(3) الفصل في المِلَل والنِحَل: 4/179.

(4) دراساتٌ في الفِرَق والعقائد: ص25.

١٠٨

على العُروبة مِن العَرَب أنفسَهم، ورَحِمَ الله مَن يقول:

رِفقاً بِنِسبَة عَمرو حينَ تَنسِبُهُ

فإنّه عَربيّ مِن قوارير

ولا أستبعد أنّ له هَدفاً خبيثاً مِن وراء ذلك، وبذلك كانوا أساتِذَةً للمُستشرقين كما سيأتي:

3 - السَبَبُ الثالِثِ في رَمي الشيعَةِ بِالفارِسِيَّة:

يكمن في قُوّة استدلال الشيعة بأنّ الخلافة بالنصِّ، وليست بالشورى، لأنّ القائلين بالشورى يَستدلّون بقوله تعالى: ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) الشورى: 38، وبقوله تعالى: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) آل عمران: 159. مع أنّ الآيتين أجنبيتان عن الموضوع؛ لأنّ قوله تعالى ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) مَدحٌ للأنصار، الذين كانوا قَبلَ الإِسلام إذا أرادوا عَمَلَ شيءٍ تشاوروا فيما بينهم، ولم يَستبدّوا بآرائهم، وأما قوله تعالى: ( وَشَاوِرْهُمْ ) إلخ، فإنّه أراد تطييب قُلوبِهم، وإشعارهم بأنّهم أهلٌ للمُشاورة؛ ليرفع مِن معنوياتهم، فكان النبيّ (ص) يُشاورهم في أُمور الحَرب، وبعض الأُمور الدُنيويّة، وبوسع القارئ الرُجوع إلى التفاسير المُحترمة مثل: تَفاسير الفَخر الرازي، والكَشّاف للزمخشري، ومَجمَع البيان للطبرسي وغيرهم، فإنّ كلّ هؤلاءِ نَصّوا على ما ذكرته وقالوا: إنّ مشاورة النبيّ (ص) للمُسلمين فيما لم يرد فيه نصٌّ، وذلك عِند تَفسيرهم للآيتين المذكورتين.

فالآيتان لم تَنزِلا في تشريع مَنهَج لاختيار الإِمام عن طريق الشورى، وإنّما أراد بَعضُ الباحثين أن يستفيد مِن الآيتين ما يلي:

بما أنّ الخلافة سَكَتَ عنها النبيّ، ولم يِنُصَّ على أحَدٍ، وبما أنّ القرآن يَمدح الشورى بالأُمور المُهمّة، فَنرجع فيه إلى مَنهَج الشورى (1) .

أمّا الشيعة، فَقَد رَفضوا هذا، وذهبوا إلى:

أولاً: أنّ النبيّ كان إذا أراد الذهاب في سَفَر لا يترك المدينة بدون خَليفة

____________________

(1) انظر فجر الإِسلام: ص234.

١٠٩

عليها، ولو كان سفره ليوم واحد، فكيف يَترُك أُمور الناس مِن بعده بدون راعٍ؟!.

وثانياً: مِن الثابت أنّ الشريعة الإسلاميّة تفرض الوصيّة على المُسلِم حتّى في بَعض الميراث البسيط، وفي ذلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية: 180: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، فكيف يترك هذا الأمر المُهم بدون أن يوصي به؟! والحال أنّ استقرار الأُمّة مُتوقف على ذلك، وبدون ذلك يؤول الأمر إلى التنازُع.

ثالثاً: تظافرت الأدلَّة مِن الكتاب والسُنّة على أنّ الإِمامة بجعلٍ مِن الله، ومِن ذلك قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) الأنبياء: 73.

وقوله تعالى: ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ) القصص: 5.

وقوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) السجدة: 24.

هذه بعض الآيات التي يُستَدَل مِنها على أنّ الإِمامة بجعلٍ مِن الله تعالى.

بالإِضافة إلى نُصوص النبيّ على الإِمام مِن بعده، ومِن ذلك موقفه يوم الغدير، عندما نَزل عليه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) المائدة: 70، فَجَمع النبيّ الناس، وخطَبَ خُطبته المعروفة، وقال في آخر خُطبَته: ( ألستُ أولى بِكُم مِن أنفسكم؟ ) قالوا: بلى، قال: (اللهمّ فاشهد، وأنت يا جبرئيل فاشهد) وكررها ثلاثاً، ثمّ أخذ بيدِ علىِّ بن أبي طالب، فَرَفعها؛ حتّى بَانَ بياضُ إبطيهِما للناس، وقال: (مَن كُنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُر مّن نصره، واخذُل مَن خَذلَه، والعن مَن نَصَبَ له العداوة والبغضاء) إلى آخر الواقعة.

وقد روى هذا الموضوع مائة وعشرون صحابيّاً، وأربعة وثمانون تابعيّاً، وكان عَدد طبقات رواته مِن أئمة الحديث يتجاوز ثلثمائة وستّين راوياً، وقد أَلَّفَ في هذا

١١٠

الموضوع مِن الشيعة والسُنّة ستٌّ وعشرون مُؤلِّفاً، وقد غَطَّوا كُلّ جوانب الموضوع، وأشبعوه بحثاً وتمحيصاً، فراجع (1) .

وبالرَغم مِن وُفرَة مصادر هذا النصِّ، ودلالته الواضحة، فإنّك لا تَعدم مَن يؤوِّل هذا النصّ تأويلاً سخيفاً، أو مَن يَقول: إنّ حديث الغدير لم يَرد إلاّ في كُتُب الشيعة، كما يقول أحمد شَلَبي في مؤلَّفاته، وقد تسمع مَن يقول: إنّ الشيعة دسّوا هذه الروايات في كُتُب السُنّة، وأمثال ذلك مِن تافه الكلام، الذي هو أشبه بخُرافات العجائز، وعلى العُموم إنّ مَوضوع الإِمامة كُتِبَت فيه عشرات الكُتُب، وهو ليس مِن صُلبِ موضوعي، وإنّما فَرَضَتْهُ المُناسبة استطراداً، وقد اتَّضح مِن هذا: أنّ الشيعة يستندون إلى النصِّ في مسألة الإِمامة، دون نَظريّة الشورى؛ وذلك لأنّ الشورى لا سَنَدَ لها مِن الكتاب والسُنّة في نَظَرهم، وإنّما هي مُجرَّد اجتهاد مِن المُسلِمينَ الّذين ظَنّوا أن لا نصَّ هناك، ثمّ إنّ الشيعة يتساءلون، أين هي الشورى؟، وما هي أركانُها، وشروطها، وكيفيَّتها؟، وهل تحقَّقت في أيّام الخُلفاء، ونَصَبَ الخُلفاء بموجبها أم لا؟. مع أنّنا نَعلم أنّ الّذين بايعوا الخليفة الأوّل بالسقيفة اثنان، هم: الخليفة الثاني، وأبو عُبيدة، وعلى روايةٍ أُخرى إنّهم أربعة، كما يروي ذلكَ الحَلَبيّ في سيرته، والبُخاري في باب فَضل أبي بكر، ولذلك ذهب أهل السُنّة إلى أنّ الإِمامة تَنعقد بَبَيعة أثنين مِن أهل الحَلِّ والعَقد، فإنّ هذه النظريّة واضح مِنها أنّها تَصحيح للموقف يوم السقيفة، ورَفْعٌ للتناقض في مَنهج الشورى نَظَرياً وتَطبيقاً، فإنّه لا عاقل يمكنُ أن يَتصوَّر انتخاب خَليفة مِن قَبَل اثنين فقط، وهذان الاثنان يتمُّ تمثيل المُسلِمينَ بهما، وللتأكد مِن عدد المُبايعين، ونظريَّة عَدد أهل الحلِّ والعقد، راجع المصادر التالية (2) .

ولقد صَوَّرتٍ البيعةَ خيرَ تَصويرٍ صادق كلمة الخليفة الثاني: إنّ خلافة أبي

____________________

(1) الجزء الأوّل مِن كتاب الغدير للأميني، والإصابة لابن حَجَر في ترجمة الإِمام علي (ع)، والاستيعاب لابن عبد البر في ترجمة الإِمام عليّ، وأعيان الشيعة: ج3، وتفسير كلٌّ مِن الرازي، والدرّ المنثور للسيوطي، عند تفسير الآية المَذكورة، وتفسير مَجمَع البيان كذلك.

(2) السيرة الحَلبيّة: 3/358، وصحيح البُخاري باب: فضل أبو بكر، والغدير للأميني: 7/141.

١١١

بكرٍ فَلَْتةٌ وقى الله شرّها، فإنّ تعبير الخليفة عنها أنّها فَلْتَة، يؤكِّد أنّها لم تَكن عن مِنهاج سابق (1) .

لقد بايعَ الاثنان، ثمّ بعد ذلكَ تمَّت البيعة كما رسمها المؤرِّخون، ولم تَتَعدَّ بعض أرباض المدينة، فهل كانت شورى تَتَقوَّم باثنين، أو حتّى بالمدينة كُلَّها مع أنّ مفاد قوله تعالى ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى ) ، يتناول المُسلِمينَ كافَّة، وإذا كانت لا تتناول المُسلِمينَ كافَّة، فلا تنهض بالدليليّة، كما هو واضح، وأروع مِن ذلك كُلّه، أن ترى فَقيهاً مِن فُقهاء أهل السُنّة يقول: إنّ مَعنى الشورى يتحقق ولو ببيعة رَجل واحد، وهو ابن العربي المالكي، وذلك في تفسيره لمعنى الشورى.

ثمّ يرد تسأول آخر هو: هل أنّ الخليفة الثاني جاء إلى الحُكم عن طريق الشورى، أم عن طريق تعيين الخليفة الأوّل له كما هو واقع الحال؟ (2) .

ويتساءلون ثالثاً: هل أنّ الخليفة الثالث جاء الحُكم عن طريق الشورى، أم عن طريق خمسة عَيّنَهُم الخليفة الثاني؟، ولَم يؤيّده مِنهم إلا ثلاثة (3) .

إنّ كلّ باحث موضوعيٍّ لا يمكن أن يَستَند إلى صدور نظريّة الشورى عن الشريعة الإسلاميّة، لا نظريّاً ولا تطبيقيّاّ.

والآن لِنَرجِع للأمر الثالث فنقول: إنّ نَظريّة الشورى لمّا كانت غير ناهضة، بينما نظريّة التعيين تقف على أرض صلبة، أراد البعض أن يبعد هذه النظريّة عن إطارها الإِسلامي، فافترض أنّها نَظريّة كان يذهب إليها الفُرس، ويرون أنّ مُلوكهم حَكموا بالحقِّ الإِلهي، وحيث أنّ الحُسين صاهر الفُرس، فتزوج بِنت يَزدَجُرد، انتقل إليه هذا الحقُّ الإِلهي، وقد سَبق استعراض هذا المعنى في أوّل الكتاب.

فالهدف إذاً: دفع نَظريّة النصِّ والوصاية عن كونها مِن الإِسلام، وجعلها مِن مورثات الفُرس التي نقلوها معهم لمّا دخلوا إلى التَشَيُّع. فإذا قلتَ لهؤلاء: إنّ الوصاية ثبتت بنصوص قبل دُخول الفُرس للإِسلام. قيل لك: إنّ هذه الروايات دَسّها الشيعة في كُتُبِ السُنّة. فإذا ذكرت لهم عدَّة طُرُق للرواية، قيل لك: إنّ الوصيّة

____________________

(1) انظر تاريخ الطبري: 3/330 و301.

(2) تاريخ الطبري: 4/54.

(3) الطبري: 5/35.

١١٢

التي تذهبون إليها إنّما هي في أُمور بسيطة بيتيّة، وليس لها صِلة بموضوع الخلافة وهكذا. هذه في نَظري أهمَّ الأسباب التي رُميَ التَشَيُّع بالفارسيّة مِن أجلها، وهو زَعم أصبح يُفنّد نَفسه بنفسه؛ لوجود الواقع الخارجي الذي يُعيّن هُويَّة التَشَيُّع بصورة مُجسّدةَ، جاء المستشرقون بعد ذلك فضربوا على هذا الوتر، ومَعَهُم تلاميذهم يرقصون على أنغامهم.

إنّ أهداف كثير مِن المستشرقين لا تخفى؛ لأنّها تستهدف صيد عصفورين بِحَجَرٍ، فإنّ الهدف الأساسي ضَرب وحدة المُسلِمينَ، وبعد ذلك تزييف ركائزهم الفِكريّة؛ لأجل ذلك تجد كُتُب المستشرقين تُؤكِّد على هذه النُقطة، وتَرتَّب عليها آثاراً كثيرة، وكأنّ هذا الموضوع مُختصٌّ بالشيعة فقط، أمّا السُنّة الفُرس، فَهُم محروسون مِن أن يتدسس إليهم الفكرُ الفارسي، حتّى ولو كان ثمانون بالمئة مِن الفُرس مِنهم.

ولستُ أنفي أن تكون هُناك أسباب أُخرى لرمي التَشيُّع بالفارسيّة، قد يكون منِها أحياناً بَعظ الاستنتاجات المُخطِئة، أو سوء الفَهم الذي يعتبر كلّ التقاء بين نظريّتين هو تأثير وتأثر، وقد يكون صُدفة، إنّ مجرّد التقاء نَظريّة للشيعة مع نَظريّة للفرس لا يُشكّل مُبرّراً بِحالٍ مِن الأحوال لاعتبار الفِكر الفارسي مَصدر العقائد الشيعيّة؛ لوضوح أنّ الفِكرَ الديني في العقائد والأحكام مَصدَره الكتاب والسُنّة، في حين أنّ نظريّات الفُرس هي نظريّات وضعيّة، لا تَستَند إلى الشريعة واحدة أو مُتعدِّدة حتّى يُقال: إنّ هؤلاءِ أخذوا مِن هؤلاءِ.

كيفَ صارَ الفُرسُ شيعةً

إذا حاولنا مَسحَ الأبعاد التاريخيّة البيئيّة للفُرس، نجدُ أنّ مَن تَشيَّع منِهم يُقسَّمون أقساماً:

القِسمُ الأوّل:

وهو القِسمُ الذي تَشيَّع بِعمليّة انتقاء واختيار عن طريق الصحابة الّذين رافقوا عمليّات الفتح، ونَقلوا مَعهم عقائدهم وفِكرهم الشيعي، وقد ساعد على

١١٣

ذلك أنّ اعتناقَ التَشيُّع آنذاك لا يُسبِّب لهُم ضرراً؛ لأنّ العِلميّة كانت شيئاً طبيعيّاً، وبَعدهُم عن مواطن الإِحتكاك؛ ولأنّ الفكر كان ضمن نِطاق الأُمور العقائديّة، ولا يَتَجسّد في فعاليّات سياسيّة، ومِن أبرز مواطن التَشيُّع في هذا القِسم خُراسان، ثمّ قُم بعد ذلك.

القِسمُ الثاني:

هُم الّذين تَشيّعوا تَعاطُفاً مع الشيعة الّذين نالهم الإِضطهاد بعد ذلك، وهذا القِسم جَمَعه الإِضطهاد مَعَهُم؛ لأنّه كان مُضطهداً، ومِن هؤلاءِ: الموالي في قِسمٍ كبير منِهم ممَّن كان داخل بُلدان الخلافة، أو الّذين لَحِقَهُم الإِضطهاد داخل إيران، وقد بدأت تصل إليهم أفواجٌ مِن المُهاجرين المُضطهَدين لأجل تَشَيُّعِهم، والذين دفَعَ مِنهم زياد بن أبيه خمسين ألفاً إلى خراسان؛ حتّى يُخلِّص الكوفة مِن العناصر الشيعيّة الصُلبة (1) والإِضطهاد قرابةٌ أحياناً، وكان بَعد ذلك أن تَمازجت أفكارَهم بَعدَ التِقاء مشاعرهم، وصار الفِكر مُتبادلاً بينهم، وساعَد على ذلك استمرارُ الإِضطهاد فَتَراتٍ امتدَّت طويلاً، والعقائدُ كثيراً ما يُرسّخها الإِضطهاد.

القِسمُ الثالِث:

الّذين تَشيّعوا عن طريق اللقاء الثقافي المُعمَّق؛ لأنّ الشيعة اضطرُّوا إلى تَعميق ثقافتهم، وولوج مُختَلَف ميادين المعرفة؛ للدفاع عن وجودهم، والذَود عن عقائدهم بالنظر إلى تَعرُّضهم إلى وضعيّات شَرِسَة، خُصوصاً وأنّ الحُكم ووسائل القوَّة ليست بأيديهم، وكان أن استهوت ثقافتهم قَطّاعاً كبيراً مِن الفُرس، نظراً لِخلفيّتهم الحضاريّة، ونُهوض الحُجّة في نَظَرهم لكثير مِن مُعتقَدات الشيعة التي لم يَدعمها سيفٌ ولا بريقُ مالٍ، ولا طَمَع في حُكم، بل لمُجرَّد الإِقتناع بِصحّة أدلّتهم.

القِسمُُ الرابِع:

هُم الّذين دَخلوا التَشيُّع مع التَيّار الذي صَنَعه الحُكّام، وأعلنوا ضَرورة

____________________

(1) الطبري: 6/126 طبعة 1932.

١١٤

العُدولِ إلى مَذهب الشيعة. وهؤلاء قِلّة لا يُعتدُّ بها، وقد تَظاهرت بذلك؛ لأنّه لا يمكن للعقائد أن تُفرَض فَرضاً، وذلك حينما أعلن خدابنده، ثمّ الصفويّون في بِداية القرن العاشر رَسميّة المَذهب الشيعي، وذلك مِثلما حَدثَ لديار بَكر وربيعة التي كانت شيعيّة أيّام الحمدانيين، ثمّ حوَّلهم الحُكّامُ إلى سُنّة، وكما حَدَثَ لمِصر بعد حُكم الفاطميين، إذ حُوِّلت إلى سُنّيّة أيّام الأيّوبيين، وكما حَدَثَ ذلك لكثير مِن البُلدان.

ولستُ أزعم أنّه لا يوجد مَن قد يكون دَخل التَشيُّع وله أهداف غَيرُ سليمة، وليس ذلك بذنبٍ للتَشيُّع، فكثير مِن اليهود دخلوا الإِسلام، وتظاهروا بذلك، وفي نُفوسهم أهداف خبيثة، ولا نَعتبِر الإِسلام مسؤولاً عن ذلك، كما أنّ هذه الفصيلة التي تَدخل الإِسلام أو التَشيُّع ولها أهداف مَسمومة لا تعدو أصابع اليد، ولا تُشكِّل خَطَراً؛ بدليلِ أنّ جَوهر الإِسلام مَحفوظ رَغم وجود أمثال هؤلاءِ، وليس مِن المنطق في شيءٍ أنَنتَزِع حُكماً عامّاً على مَذهب مِن المذاهب؛ لأنّ بعض الأفراد المُندسّين فيه عُررِفوا بِنَظريّات هدّامة، لا سيّما إذا كانت أُسس المذهب واضحة لا تلتقي مع المُندسّين بِشِكِل مِن الأشكال، فالإِصرار على تحميل مذهب مسؤوليّة فِعلِ فَردٍ مُندسٍّ فيه، عملية إمّا أن تكون مَشوهة وغير نظيفة، وإمّا أن تكون بلهاء لا تتصرَّف بمقاييس.

١١٥

١١٦

البابُ الثالِث

هُويَّة التَشَيُّع العَقائِديّة

وفيهِ فصُول

١١٧

١١٨

الفصل الأوّل

التَوطِئة

قبل الولوج في صُلبِ الموضوع، لا بُدّ مِن الإِشارة إلى نُقاط يتعيَّن البدء بها تَجنُّباً عن الخلط الذي يقعُ فيه كثير مِن الباحثين لسبب أو آخر، وينتهي الأمر إلى التجنّي على الحقائق، وإلى الخلط، وإلى أقوال هي بالهزل أشبه منِها بالجد.

والمؤسف أنّ مِثل هذه الأقوال الهزيلة، بقيت مع التاريخ كأنّها حقائق مُقدَّسة، وكأنّها مُسلّمات لا تقبل النِقاش، يأخذها المتأخّرون مِن المتقدِّمين بدون الرُجوع إلى تَمحيص أو إلى مقاييس، فما أعظم مسؤوليّة هؤلاءِ الّذين رَحلوا وخَلّفوا هذه التَرِكة الموبوءة، وهذا الزاد السُموم الذي ابتُليَ به المسلمون، والله المُستعان على الخلاص مِنه، وهاهُنا نُقاط سنجعلها توطئة لهذا العنوان حتّى إذا دخلناه فعلى بصيرة.

1 - النُقطَةُ الاُولى:

إنّ الشيعة الّذين أكتبُ عنهُم هُنا، وأذكر آراءهم، أو أُدافع عمّا يُنسب لهم هُم الإماميّة الإِثنا عشريّة، الّذين يؤلِّفون الجمهور الشيعي اليوم، والّذين تملأ كُتبُهم مكتبات العالَم، وإن شئت فقُل: الّذين تعيش أفكارهم فعلاً، وتَتجسّد في سُلوك حيّ، وتدوّن آراؤهم فعلاً في الفِقه والعقائد والتاريخ، ولستُ أتكلَّم عمَّن يُسمّى شيعيّاً لُغة، لأنّه ذهب إلى تَفضيل عليٍّ (ع) على غيره، فَعُرِف بالتَشيُّع مِن أجل ذلك، وما عدى ذلك فليس له مضمون عقائدي أو فقهي في أبعاد التَشيُّع، فهُناك

١١٩

مَن سُمّي شيعيّاً وليس له مِن مضمون، إلاّ أنّه يعتقد أنّ عليّاً أفضل مِن غيره، وأنّه حيّ لم يَمت.

انقرض هؤلاءِ الأشخاص مِن الوجود، وهناك مَن يَعدَّهُم فِرقة شيعيّة إلى الآن.

إنّ مثل هذا القول يُضحك ويُبكي، فهو يُضحك؛ لأنّ مِثل هؤلاءِ الأفراد يُسمّون فِرقة، ويُبكي؛ لأنّ المُسلمينَ وصَل بهم الإسفاف إلى حدٍّ جَعلهُم يَلتمسون أمثال هذه الحالات للتهريج بعضهم على بعض. ودعني أضرب لك مثالاً في مثل هذا الموضوع فانتبه له:

فقد ذَكر الرازي في كتابه اعتقادات فِرَق المُسلمينَ: أنّ مِن فِرَق الشيعة، فِرقَة الكامليّة. وقال عنها ما يلي بالحرف الواحد:

وهم يَزعمون أنّ الصحابة كُلّهم كَفَروا إذ فوَّضوا الأمر إلى أبي بكر، وكَفَر عليٌّ حيث لم يُحاب أبا بكر.

إنّ هؤلاءِ الأشخاص الّذين لم يُبيِّن الرازي مَوقعهم، ولا عددهم هُم فِرقة في نَظَرِه، وكلّ مضمونهم الفكري هذه الكلمات الأربعة، ثمّ إنّهم يُكفِّرون الإِمام عليّاً، وهُم مع ذلك شيعة في نَظَر الرازي!

هَل سَمِعتَ بالأكوس عريض اللحية؟ إنّه هؤلاءِ.

هل رأيت هذا التناقض شيعيٌّ يَتَشيَّع لعليٍّ، وهو يُكفِّر عليّاً، هل رأيت الخصومة كيف تُنسي الإِنسان حتّى البدهيّات، وأيُّ إنسان؟! إنّه الرازي، صاحب العَقليّة الكبيرة، ومع ذلك يصل إلى حَدِّ هذا الإِسقاف، اللهمّ إنّا نَعوذ بِكّ مِن الخُذلان. فراجع ما كَتَبه الرازي عن هذه الفِرقة ونظائرها، وقِف بنفسك على هذا التناقُض (1) .

2 - النُقطَةُ الثانية:

إنّ بعض ما يُسمّيه كُتّاب الفِرق بأنّه فِرقة، قد لا يَتجاوز فرداً واحداً له رأي شاذٌّ، وقد لا يَتجاوز عدد أفراد الفِرقَة على أحسن الفُروض عشرة أفراد، وقد يكونون مُنقرضين لا يوجد لهُم أثر إلاّ في مُخيّلة البعض، أو في وُرَيقات مِن كُتُب

____________________

(1) اعتقادات فِرَق المُسلمينَ: ص60.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

هل للمرأة أهلية تولّي السلطة؟

تمهيد : إنّ ولاية أيّ إنسان على آخر هو خلاف الأصل الأولي الشرعي الذي يقول : إنّ الأصل عدم الولاية ، فهل هنا تقييد لهذا الأصل الأولي في ولاية الإنسان على غيره؟

الجواب : نعم ، ثبت هذا التقييد بولاية الأنبياء والأوصياء على المجتمع ، وهو يقتضي مشروعية تشكيل الدولة والحكومة للمجتمع. والتجربة الكاملة التي شهدتها البشرية هي ولاية نبي الإسلام الذي شكّل دولة الإسلام ، ولكن بعد رحيله إلى بارئه حدث اتجاهان :

الاتجاه الأول يقول : إنّ الذي له ولاية على المجتمع هو الإمام الذي نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالإمام المنصوص عليه المعصوم هو الذي له ولاية على الناس ، فهو رئيس الدولة.

الاتجاه الثانى يقول : إنّ الذي له ولاية على المجتمع لتكوين الدولة هو ما عينته الشورى بواسطة الاختيار.

وأصحاب الاتجاه الأول يقولون (بعد حصول الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر) : إنّ الأوصياء نصبوا المجتهد العادل نائباً عنهم في التصدي للحكومة على الاُمة.

وحينئذ يصح «على كلا الاتجاهين» أن نتسائل : لو أنّ فرداً (سواء كان رجلاً أو امرأة) إذا انتخب من قبل الاُمة (وكان مجتهداً) على الطريقة الديمقراطية (الأكثرية)

١٤١

هل يصح له أن يتصدى لرئاسة الدولة؟(١)

والجواب على هذا السؤال متوقّف على البحث الذي سيأتي في جواز تصدي المرأة للقضاء ، فإنّ رئاسة الدولة هنا يراد منها الخلافة العامة والسلطة المطلقة التي يمارسها الحاكم ، أي أن يحكم الرئيس (المجتهد على رأي الإمامية) بما يراه من حكم الله المستنبط من القرآن والسنّة مستقلاً ، فإنّ هناك قولا قوياً يقول لابدية الرجل للقضاء حسب الأدلة الشرعية ولابدية الذكورة فقط للخلافة العامة والسلطة المطلقة المستندة إلى مهمة الحكم الشرعي.

ولكن لنا أن نقول : إنّ رئاسة الدولة اليوم لا تعني أن يحكم رئيس الدولة بما يراه من حكم الشرع مستنبطاً من القرآن والسنّة ، بل رئيس الدولة وحكومته لا يعدو أن يكون منفذاً لما يصدر من مجلس الشورى من أحكام حكومية تنظيمية ، ولا يعدو أن يكون منفذاً للدستور الذي يكون قانوناً أساسياً للدولة ، فهو لا يتصدّى إلى حكم حكومي في التنازع ، بل لا يتصدّى لأيّ حكم شرعي أصلاً.

فهل يجوز في هذه الحالة أن تتصدّى المرأة لرئاسة الدولة ، حيث تكون مقيّدة بقانون أساسي وبمجالس تشريعية حكومية بعيدة عن أيّ حكم يصدر منها بالاستقلال؟

__________________

(١) أقول : إنّ الانتخاب الشعبي (الذي يسمّى بالديمقراطية) يجعل ولاية للمنتخب على الاُمة بواسطة أحد اُمور أربعة :

الأول : بواسطة تباني العقلاء على طاعة من يفوز بالانتخاب.

الثاني : قد يقال : إنّ العقل العملي يحكم بلزوم طاعة من يفوز بالانتخاب.

الثالث : كما يمكن أن يقال : إنّ وجوب طاعة من يفوز بالانتخاب بحيث تكون له ولاية على الاُمة داخل تحت البيعة ، فكأن الاُمة بايعت هذا الشخص وتعهدت على أن تكون مطيعة له بمجرّد فوزه في الانتخاب.

الرابع : أنّ مرجع الاُمة الناظر في الحلال والحرام قد يحكم بأنّ من ينتخب من قبل الأكثرية يكون هو الأفضل لحفظ النظام وإجراء الدستور والقيام بتنفيذ الأحكام الحكومية النابعة من المجالس الاستشارية.

١٤٢

وعلى هذا الأساس لا حاجة إلى كون رئيس الدولة مجتهداً ما دام هو رئيس القوة التنفيذية لإقرار القانون وما يشرّعه المجلس التشريعي.

وإذا كان الجواب بالإيجاب ، فمن الواضح يكون للمرأة الحقّ في التصدّي لأيّ منصب حكومي آخر (بشرط أن لا يكون فيه قضاء في المنازعات).

الأدلة على الجواز :

١ ـ لا يوجد منع شرعي من ذلك المنصب بهذه القيود المقدّمة ، بعد أن ثبت أنّ المرأة تتمتع بأهلية كاملة. وقصة بلقيس التي ذكرها القرآن من دون ردع عنها يؤكد عدم وجود الردع عن ذلك.

٢ ـ يوجد دليل على الجواز ، وهو وجوب تحمل المرأة مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع ، ومسؤولية الاهتمام بأُمور المسلمين ، حيث ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من أصبح لا يهتم باُمور المسلمين فليس بمسلم»(١) .

وقال تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (٢)

ومنصب رئاسة الدولة هو أهمّ منصب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأعلى منصب للاهتمام باُمور المسلمين.

وأمّا عدم تصدّي أيّ امرأة لرئاسة الدولة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو ناشيء من كون رئيس الدولة يحكم مستقلاً ويقضي بين المتنازعين مستقلاً بما يستنبطه من القرآن

__________________

(١) اُصول الكافي ٢ : ١٦٣ حديث ١.

(٢) التوبة : ٧١.

١٤٣

والسنّة ، وقد قلنا : إنّ مسألة القضاء يشترط فيها الذكورة كما سيأتي.

وتلك الرئاسة قد قيّدتها النصوص بالرجولة ، فقد ذكرت النصوص أنّ الأئمة والخلفاء من قريش (اثنى عشر رجلاً كلّهم من قريش) وعلى رأي الإمامية أنّهم معيّنون بالنصّ ، فلا مجال لتصدّي المرأة لرئاسة الدولة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

أدلة المنع :

هناك أدلة استدل بها جمع من فقهاء الإمامية المعاصرين وغيرهم على اشتراط الذكور في رئيس الدولة.

وأهم الأدلة هي :

أولاً : قال تعالى :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (١) .

والاستدلال بها موقوف على أنْ يستفاد من الولاية ولاية الرجل على المرأة في التصرّف في كلّ شؤون النساء ، فولاية كلّ رجل على كلّ النساء ; لأنّ الله فضّل الرجل عليهن باُمور كثيرة ، فلاتصلح المرأة أن تكون قيّمة على أيّ شيء ، ومنها رئاسة الدولة ; لأنّها قاصرة في قيمومتها على الرجل.

ويرد عليه :

١ ـ إنّ القواميّة هنا هي بمعنى تدبير أمر المرأة والمحافظة عليها والقيام بشؤونها ، ولا يراد منها ولاية التصرّف في أموالها وشؤونها ، كما تقدّم ذلك.

٢ ـ إنّ هذه القواميّة هي خاصة بالزوج على زوجته وليست عامة ، ومع هذا لا منافاة بين أن يكون عليها قيّم في الأُسرة تجب طاعته في اُمور البيت ، وهي قيّمة على المجتمع ، كما يمكن أن نتصوّر أنّ القيّم على المجتمع يمكن أن يكون له أبوان

__________________

(١) النساء : ٣٤.

١٤٤

يجب عليه إطاعتهما ، وهذا الوجوب عليه لا يقدح في أهليته لرئاسة الدولة.

ثانياً : قوله تعالى :( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) (١) .

والاستدلال بها متوقّف على أنّ نفهم منها أن الرجال هم أعلى من النساء ، فهم أفضل مطلقاً ، وهذا هو الذي يقتضي اختصاصهم بالولاية كرئاسة الدولة مثلاً وفروعاتها.

ويرد عليه :

١ ـ لانسلّم أنّ الرجل أفضل من المرأة ; لأنّ خلقهما كامل ، فكل واحد منهما إنسان كامل في خلقته ، قال تعالى :( لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم ) (٢) .

وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (٣)

نعم ، هناك امتياز للرجل على المرأة ، وامتياز للمرأة على الرجل ، وهذا لا يجعل الرجل أفضل من المرأة مطلقاً.

٢ ـ لقد تقدّم أنّ الأفضلية هنا هي للزوج على زوجته حيث يقوم بأمرها ويحافظ عليها ، وقد ورد أيضاً ـ كما تقدّم ـ أنّ هذا الفضل له قد يكون من ناحية عفوه عن ما يصدر منها من خطأ ، فالذي يعفو هو أفضل من المعفو عنه في مورد خاص لا مطلقاً.

ثالثاً : وردت في السنّة الشريفة بطرق متعدّدة وألسِنَة مختلفة قالوا عن بعضها بالصحيح : إنّه لما بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى ،

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) التين : ٤.

(٣) الحجرات : ١٣.

١٤٥

قال : «لن يفلح قوم ولّو أمرهم امرأة»(١) .

ويرد عليه :

١ ـ إنّ لسان «لن يفلح» وما شابهه الوارد في الطرق المتعدّدة للرواية ، يدلّ على أنّ القوم قد أخطأوا في توليتهم للمرأة ، ولا يترتّب الغرض من تولية المرأة في قوة الدولة مثلاً وتماسك المجتمع ، وهذا غير المدّعى الذي هو عدم صحة الولاية وضعاً ، فتكون الولاية باطلة.

٢ ـ إنّ مورد الرواية هو الدولة الكسروية القائمة على الاستبداد وغير مقيّدة بقانون أساسي (دستور) ولم تملك مجالس استشارية وقانونية ، فيكون معنى ما أفلح قوم ولّو أمرهم أمرأة : هو أنّ قوماً من المحيطين بالملك هم الذين ولوا الأمر إلى بنت كسرى ، وهذا غير ما نحن فيه من الانتخاب الاختياري على طريقة أكثرية الاُمة.

وعلى هذا سيكون الرجل الذي جاء بهذه الطريقة غير صالح لجبر الناس على إطاعته ; لأنّه لا بيعة له ولا تباني من العقلاء على طاعته ولا عقل عملي يحكم بوجوب طاعته ، فلايكون هذا فلاحاً وصلاحاً ; لعدم وجود مبرّر لولايته وطاعته.

رابعاً : روى الصدوق عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : سمعت أبا جعفر (الامام محمد الباقرعليه‌السلام ) يقول : «ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة ، ولا عيادة المريض ولا اتباع الجنائز ، ولا الإجهار بالتلبية ، ولا الهرولة بين الصفا والمروة ، ولا استلام الحجر الأسود ، ولا دخول الكعبة ولا الحلق ، وإنّما يقصرن من شعورهن ، ولا تولي المرأة القضاء ولا تلي الإمارة ولا تستشار ، ولا تذبح إلاّ من

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب المغازي / باب كتاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كسرى وقيصر ٣ : ٩٠ ، الخلاف للشيخ الطوسي ٣ : ٣١١.

(١) الخصال للصدوق ٢ : ٥٨٥ حديث ١٢ ، وراجع وسائل الشيعة ١٤ : باب ١١٧ من مقدمات النكاح حديث ٦ ، وباب ١٢٣ حديث ١.

١٤٦

اضطرار»(١) .

والاستدلال بها قولهعليه‌السلام «ولا تولى القضاء ولا تلي الإمارة» فالنهي عن تولي المرأة منصب الولاية (رئاسة الدولة وما يتفرع منها) واضح ، والنهي يقتضي الفساد ، فحينئذ تقع ولايتها باطلة.

ويرد على هذا :

١ ـ إنّ الرواية ضعيفة السند بطريقيها فليست بحجّة.

٢ ـ إنّ المنفي بـ (ليس) هو الحكم التكليفي ، ففي جملة من الموارد نفي الوجوب كما في الجمعة والجماعة وعيادة المريض ، وهذا إرفاق بها ، ولكنّها إذا فعلت الجمعة والجماعة صحّ العمل ، وكذا إذا زارت المريض صح وترتّب عليه الأثر.

وفي جملة من موارد الرواية نفي الاستحباب المؤكّد كما في الأذان والإقامة ، وفي جملة من موارد الآية نفي الوجوب للفعل الذي يكون فعله محرّماً عليها وهو الحلق (في العمرة والحج).

وحينئذ لانعلم أنّ نفي الولاية عنها هل هو من قبيل نفي الوجوب أو الاستحباب بحيث يكون صحيحاً إذا وقع منها ، أو من قبيل نفي الوجوب الذي يكون فعله باطلاً فتكون ولايتها باطلة وليس لها أن تتقدّم لها ولا يجوز أن يقدمها فرد لهذه الولاية؟ فهي مجملة من هذه الناحية ، ولابدّ من معرفة الأمر من الرجوع إلى الأدلة الاُخرى لولاية المرأة لنرى أنّها صحيحة أو باطلة ، حتى نحمل هذه الجملة على ما يثبت في أدلة اُخرى ، وإلاّ فإنّ هذه الجملة مجملة لا يمكن معرفة المراد منها هنا.

إذن لا يظهر من الرواية نفي الأهلية لتولّي السلطة وفروعاتها.

٣ ـ إذا استظهر ففيه من جملة (ولا تلي الإمارة) عدم أهليتها لذلك ، فتحمل على

__________________

(١) الخصال للصدوق ٢ : ٥٨٥ حديث ١٢ ، وراجع وسائل الشيعة ١٤ : باب ١١٧ من مقدمات النكاح حديث ٦ ، وباب ١٢٣ حديث ١.

١٤٧

الإمارة التي تكون المرأة فيها هي المتفردة في إصدار الأحكام بحسب فهمها ، وهي المصدر للقرارات الدكتاتورية من دون تقييدها بمجالس استشارية وبدستور ، فتخرج عن موضوع بحثنا هنا.

خامساً : من وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ابنه الإمام الحسنعليه‌السلام أو ابنه محمّد بن الحنفية ، وقد رويت بعدة طرق ، واليك النصّ برواية الشريف الرضي : وهو

«وإياك ومشاورة النساء ، فإنّ رأيهن إلى أفن(١) ، وعزمهن إلى وهن ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»(٢) .

والاستدلال بالرواية من أمرين :

الأول : أنّ المرأة إذا لم تكن أهلاً للاستشارة لضعف رأيها ، فعدم أهليتها لتولي الحكم ثابت بالاولوية.

الثاني : النهي عن تمليكها من أمرها ما جاوز نفسها ، يستلزم عدم مشروعية تولّيها لأمر غيرها ، فضلاً عن تولي رئاسة الدولة.

ويرد على ذلك :

١ ـ الرواية مرسلة في بعض طرقها وضعيفة في بعضها.

٢ ـ أنّ التحذير من مشاورة النساء ورد له قيد في بعض الطرق ، والقيد هو «إلاّ من جرّبت بكمال عقل»(٣) ، وهذا يكشف أنّ النهي هو عن استشارة النساء غير المجرّبات بالتعقل والحكمة لا مطلقاً.

٣ ـ لا إشكال ولا ريب في أنّ المرأة تملك أمر نفسها (باستثناء زواجها إذا كانت بكراً على رأي بعض فإنّها بحاجة إلى رضى الأب أو الجد للأب ، وباستثناء حقّ

__________________

(١) الأفن : النقص ، ورجل أفين ومأفون : أي ناقص العقل (لسان العرب).

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٩٦ من مقدمات النكاح حديث ٢.

(٣) راجع بحار الأنوار ١٠٠ : ٢٥٣ باب أحوال الرجال والنساء حديث ٥٦.

١٤٨

استمتاع الزوج بها بالمعروف إذا كانت زوجة) وتملك الاُمور التي تشترك فيها مع الرجل كما إذا كانت شريكة له في عقار أو غيره. ولها أن تتدخل في أمر غيرها إذا أصبحت وكيلة فيه.

نعم ، ليس لها أن تتدخل في أمر الغير ، اذا لم تكن وكيلة فيه ، وهذا أمر يكون الرجل فيه معها على حدّ سواء.

إذاً الفقرة الثانية غير صحيحة ، فيجوز لها أن تكون وكيلة عن الغير في مجالس الشورى وتولّي السلطة إذا كان ذلك بوكالة عن الشعب عن طريق الانتخاب كما تقدّم ، مقيّدة بالمجالس الاستشارية وبالدستور.

والخلاصة : إنّ ما ورد في ذمّ المرأة من الروايات ، إمّا أن يكون ضعيف السند ، أو محمولاً على المرأة غير المجربة بعقل لا مطلقاً.

سادساً : استدلّ جماعة بالإجماع على أنّ رئيس الدولة يشترط فيه أن يكون رجلاً.

أقول : وبما أنّ مسألة رئيس الدولة وشروطه حادثة ، فلم تبحث هذه عند الفقهاء ، فلا يمكن ادعاء الوفاق فضلاً عن الإجماع على اعتبار الذكورة في رئيس الدولة ، ولكن يمكن تصوير الإجماع موقوفاً على أمرين :

١ ـ أنّ الذكورة شرط في القاضي (بالإجماع)

٢ ـ توجد ملازمة بين القضاء ورئاسة الدولة باعتبار أنّ القضاء شعبة من الولاية.

ويرد عليه :

١ ـ هناك تشكيك في شرطية الذكورة في القاضي ، وهذا ما سيأتي الكلام عنه.

٢ ـ على فرض اشتراط الذكورة في القاضي ، فإنّه لا ملازمة بين القضاء الذي

١٤٩

يحتاج إلى اجتهاد وحكم بين المتخاصمين ، وبين رئاسة الدولة التي لا تحتاج إلى اجتهاد وحكم ، بل هي صالحة لغير المجتهدين الذين يرأسون الدولة مقيدين بالمجالس الاستشارية والدستور ، فتكون رئاسة الدولة لأجل حفط النظام لا للحكم.

نعم ، توجد ملازمة بين ثبوت القضاء والحاكمية بمعنى الحكم في المجتمع الذي يكون برأي رئيس الدولة وما يفهمه من الإسلام بالاستقلال حيث يعتبر الاجتهاد في الأمرين معاً ، ولكن هذه الملازمة ليست من الطرفين ، بل هي عموم وخصوص من وجه ، بمعنى أنّ كلّ حاكم ورئيس للدولة هو قاض ، ولكن ليس كلّ قاضي هو رئيس دولة وإن كانا يشتركان في الاجتهاد كشرط فيهما ، فيكون حالهما كحال رئيس القضاء (رئيس القوة القضائية) مع القاضي ، فليس كلّ قاضي هو رئيس للقوة القضائية ، ولكن كلّ رئيس للقوة القضائية فهو قاض واقعاً وإن كانا يشتركان في الاجتهاد.

إذاً لا دليل على شرط الذكورة والاجتهاد معاً في رئيس الدولة القائمة على مؤسسات الشورى والدستور لأجل حفط النظام.

هذه هي أهم الأدلة التي ذكرت لاشتراط الذكورة في رئيس الدولة ، ونكتفي بها عن بعض الوجوه الاستحسانية التي لم تصمد أمام المناقشة ولم تثبت صحتها ، مثل كون الرجل أكثر عقلاً وتدبيراً من المرأة ، أو أنّ وجوب الحجاب وعدم الخروج من البيت إلاّ بإذن الزوج ينافي حضور محافل الرجال والحديث معهم ممّا يحتاجه رئيس الدولة لإقرار النظام.

١٥٠

هل يشترط الذكورة في القاضي؟

نعم ، لقد اشترط الفقهاء في القاضي الذكورة ، وذلك لعدة أدلة ، أهمها هو موثقة أبي خديجة التي يرويها الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة (سالم بن مكرّم الجمّال) (وأبو خديجة سالم بن مكرّم ثقة بشهادة النجاشيقدس‌سره ) عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فأجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا اليه»(١) .

وقد ذكر السيد الخوئيقدس‌سره : إنّ هذا الحديث راجع إلى قاضي التحكيم (لا القاضي المنصوب) لأنّ قولهعليه‌السلام «قد جعلته قاضياً» متفرّع على «فاجعلوه بينكم» وهو القاضي المجعول(٢) .

ولكن الصحيح أنّه وارد في القاضي المنصوب ; لأنّ «فاجعلوه بينكم» هو أمر بالجعل للرجل أن يكون حكماً بينهم وإلزام بذلك ، وقد علّل هذا الإلزام بأنّه قد جعله قاضياً ، وهذا يعني ثبوت النصب في المرتبة السابقة على جعل الرجل بينهم قاضياً ، وأنّ جعل الرجل بينهم واجب على أساس النصب السابق.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : باب ١ من صفات القاضي حديث ٥.

(٢) راجع مباني تكملة المنهاج ١ : ٨.

١٥١

وعلى كلّ حال ، فإنّ حمل هذا الحديث على قاضي التحكيم ، ثبتت الرجولة في القاضي المنصوب بطريق أولى ، وإن حمل على القاضي المنصوب «كما هو الظاهر منه» ثبت في القاضي المنصوب اعتبار الذكورة.

ويؤيّد هذا الحكم برواية الإمام الباقرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام في وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام قال : «يا علي ليس على المرأة جمعة ـ إلى أن قال ـ ولا تولّى القضاء»(١) ; لضعف الرواية ، مع إمكان حملها على عدم الوجوب ، لا شرط الذكورية في القاضي بحيث يكون جعلها قاضياً باطلاً.

وهناك دليل آخر يستفاد من مسيرة المسلمين من أول رسالة الرسول مروراً بالأئمة سلام الله عليهم والصحابة والتابعين ، حيث كانت هناك نساء في أعلى مراتب الكمال والفضل ولم تجعل واحدة منهن قاضية لإنهاء التخاصم والتنازع ، وهذا العمل من المسلمين يكشف عن رأي الشريعة.

وبعبارة أُخرى : إنّ الجوّ التشريعي في ذلك الزمان الذي لم يجعل للمرأة صلاحية إمامة الرجال في الصلاة يمنع من انعقاد الإطلاق في أدلة القضاء الشامل للنساء لوكان هناك إطلاق وقلنا : إنّ كلمة «الرجل» في معتبرة سالم بن مكرّم هى من باب الغلبة لا التعبّد ، وإذا منع الإطلاق في ذلك الجوّ التشريعي فحينئذ لا يكون عندنا إطلاق يدلّ على صحة قضاء المرأة.

وعلى كلّ حال ، فاحتمال وجود ارتكاز متشرعي على أنّ القاضي يجب أن يكون رجلاً ، يمنع من التمسك بإطلاق أدلّة القضاء للرجل وللمرأة ; لأنّ احتمال ما يصلح للقرينة يبطل الإطلاق كما حقّق ذلك في الاُصول. وحينئذ لا يوجد عندنا دليل على جواز تولّي المرأة القضاء.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : باب ٢ من صفات القاضي حديث ١.

١٥٢

هل حرمان المرأة من منصب القضاء يعدّ توهيناً وظلماً لها؟

الجواب :

١ ـ أنّ الإسلام بعد أن اعترف بمساواة المرأة للرجل في الإنسانية والكرامة والحقوق والواجبات الفطرية ، آمن أنّ المرأة تضعف عن مقاومة الضغوط والمشاكلّ ، وأنّ عاطفتها غالبة على الجانب العقلي فيها ، فأعفاها عن القضاء والجهاد لما فيهما من مشاكلّ كثيرة لا تتحملهما المرأة. وهذا الإعفاء عن المخاطر لا يعدّ توهيناً ولا ظلماً ، بل احتراماً وتوقيراً.

٢ ـ أنّ من يتربّى بتربية الإسلام لا ينظر إلى الجهاد والقضاء على أنّه مغنم من المغانم ، بل ينظر إليهما كمسؤولية عظمى ، كثيراً ما تزل فيها الأقدام ، وقد يخرج منهما الداخل مهزوزاً منكسراً ، فاُعفيت المرأة من هذه المسؤوليات والأعباء ، غاية الأمر الإعفاء في الجهاد رخصة وفي القضاء عزيمة.

١٥٣

١٥٤

هل للمرأة أن تكون مرجعاً للأُمّة؟

إن تسلّم منصب المرجعية وقيادة الاُمة (الخلافة العامة) هل يمكن أن تكون للمرأة؟

الجواب :

١ ـ أنّ هناك أدلّة ذكرت لفظ «الرجل» في من يحكم بين المتنازعين ، مثل معتبرة سالم بن مكرم الجمال(١) . ومن المعلوم أنّ منصب الإفتاء والمرجعية العامة هو أرقى وأعلى من منصب القضاء ، وأنّ القضاء حكم شخصي بين اثنين أو بين جماعة رفعاً للتخاصم ، والفتوى من المرجع هي حكم كلّي يبتلي به عامة المسلمين ، بالإضافة إلى قيادة الاُمّة التي يقوم بها المرجع ، فإذا ثبتت الرجولة في باب القضاء كانت الرجولة معتبرة في باب المرجعيّة بطريق أولى.

٢ ـ لو كانت كلمة «رجل» في معتبرة سالم بن مكرّم الجمّال قد أخذت من باب الغلبة في الرواية ، لا من جهة التعبّد وحصر القضاء في الرجال ، فنقول : إنّ الجوّ التشريعي الذي صدرت فيه الروايات المطلقة التي تقول : أما لكم من مفزع تستريحون إليه (أي أمالكم من عالم في الشريعة ترجعون إليه في أخذ أحكامكم منه) لا يمكن المصير إليها وإلى إطلاقاتها ; لأنّ احتمال أن يكون ارتكاز متشرعي يقول : إنّ المراد ممّن يرجع إليه في الفتوى هو الرجل فقط كان موجوداً في ذلك

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : باب ١ من صفات القاضي حديث ٥.

١٥٥

الجو الذي منع أن تكون المرأة امامه لجماعة الرجال ، وهذا الارتكاز المتشرّعي يمنع من التمسك بالإطلاقات ، أي أنّ الإطلاق في ذلك الجو التشريعي والارتكاز المتشرعي عند المتشرعة لا ينعقد ، وحينئذ نبقى فاقدين للدليل على جواز أن تتصدّى المرأة لمنصب الخلافة العامة وإن كانت مجتهدة تعمل برأيها.

وبعبارة أُخرى : إنّ احتمال وجود ارتكاز متشرعي لاشتراط الرجولة في المقلَّد في زمن الأئمة سلام الله عليهم يخرّب ظهور الإطلاقات في رجوع الجاهل إلى العالم ، فيسقط الإطلاق ، ويبقى احتمال إرادة إمكان أن تكون المرأة مرجعه في التقليد ، لكن لا دليل عليه.

٣ ـ إذا نظرنا واستقرأنا حالة لحالة الديانات السماوية قبل الإسلام وفي زمن الإسلام وبعد زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نرى أنّ الأنبياء كلّهم من الرجال والأوصياء كلّهم من الرجال ، ولا يوجد حالة واحدة تصدّت فيها المرأة لذلك المنصب العظيم.

وبما أنّ منصب الخلافة العامة والمرجعية العليا هو وكالة عن منصب الأوصياء ، ويكون المرجع مبيّناً لأحكام الشريعة ، كما كان يبينها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الوصي مع فارق واضح في إصابة النبي والوصي لأحكام الشريعة ومطابقتها للواقع ، فيكون قولهم وعملهم وإقرارهم حجة.

بخلاف المرجع الذي قد يصيب الواقع وقد يخطؤه ، إلاّ أنّه مع ذلك هو وكيل عن الوصي في رئاسة هذه الاُمة ، فيكون هذا المنصب كمنصب الأنبياء والأوصياء مختصاً بالرجال ، لوجود السيرة المتشرعية على ذلك ، التي تكشف عن وجودها عند أصحاب الشرائع الكاشف عن إقرار الشرائع لها ، ولهذا يثبت الدليل على اعتبار الذكورة ويكسر الإطلاق اللفظي أو الناشيء من السيرة العقلائية على رجوع الجاهل إلى العالم (الشامل للعالم الذكر والاُنثى).

١٥٦

ديّة المرأة نصف ديّة الرجل

إنّ ما ثبت في الشريعة الإسلامية من كون ديّة المرأة نصف ديّة الرجل ، هل يدلّ على أنّ المرأة في الإسلام لم تكن في حقّ الحياة وفي حقّ السلامة بمستوى الرجل؟

والجواب : هو أنّ الحكم بنقصان ديّة المرأة عن ديّة الرجل لا يدلّ على أن حقّ الحياة والسلامة للمرأة دون حقّ الرجل ; وذلك لأنّ الإسلام أعطى حقّ المرأة القصاص كاملاً من الرجل ولكن مع دفع نصف الديّة ، فالإسلام لم يحرم المرأة من القصاص والتنزل إلى نصف الديّة ، وهذا يدلّ على أنّ النكتة في باب الديّة ليست هي حقّ الحياة والسلامة ، بل النكتة في الديّة تكمن في الجانب الاقتصادي والفوارق الفسيولوجية والسيكولوجية بين الرجل والمرأة ، حيث يقوم نوع الرجل بأكثر ممّا تقوم نوع المرأة به ، والأحكام تنظر إلى الغالب حتماً وإن وجدت امرأة ما تقوم بعمل أكثر من الرجل.

١٥٧

١٥٨

حقّ الطلاق للرجل

إنّ الإسلام أعطى سلطة الطلاق والولاية عليه بيد الزوج ، فهل هذا يدلّ على أنّ الزوج أكمل من المرأة؟

الجواب : إنّ إعطاء سلطة الطلاق بيد الزوج لا يدلّ على أنّه أكمل من الناحية الإنسانية ، بل من أجل أنّ الطلاق إجراء خطير جداً يؤدي إلى حلّ كيان الأُسرة من العلاقة الزوجية ، وهو إجراء مكروه اشدّ الكراهة في الشريعة في غير حالات الضرورة الانفصالية بين الزوجين.

فالاُسرة مؤسسة يكون الزوج مسؤول فيها وعنها ، وهي لا تخلو من خلافات في المسلك الاختياري ، وخلافات خارجة عن إرادتهما كالعقم أو المرض أو العجز الجنسي مثلاً.

فجعل الطلاق بيد الزوج هو أسلم من جعله بيد الزوجة فقط أو بيد كلّ منهما. وتوضيح ذلك :

١ ـ إذا جعلنا الطلاق بيد الزوجة فقط على نحو الاستقلال ، فهو إجراء فاسد ; لأنّ المرأة لها تكوين نفسي عاطفي ، وهو حالة صحيّة وجيّدة وفضيلة لها إذا كان مجالها الأُسرة الأبوية أو الزوجية حيث تكون هذه العاطفة سبباً للتلاحم والاستقرار.

أمّا التكوين النفسي والعاطفي إذا كان في مجال سلطة الطلاق ، فإنّه سوف يؤدي إلى تفكيك الأُسرة الزوجية وحلّها ، فتكون العاطفة هنا عاملاً سلبياً ضارّاً يهدد الأُسرة بالتفكيك والانحلال ; لأنّ سرعة التأثر العاطفي عند المرأة تدفع المرأة إلى

١٥٩

الاستجابة باستخدام سلطة الطلاق عند أيّ خلاف بين الزوجين.

بالإضافة إلى أنّ المرأة تنظر إلى أنّها قد استلمت المهر من الزوج الأول ، فما هو المانع من حلّ هذه العلاقة واقتران بزوج جديد بمهر جديد؟ ما دام أنّ الزواج الثاني يوفّر لها أجواء جديدة ومهراً جديداً ، فهي قد تقدم على هدم هذا البيت الزوجي التي لم تساهم في إنشائه.

فإنّ الزوج هو الذي دفع المهر إلى الزوجة ، وهو الذي دفع نفقات العرس والزفاف ، وهو الذي أوجد البيت ، وهو الذي أثّثه ، وهو المنفق على الزوجة والأولاد ، وهو الذي يدفع نفقة الزوجة أثناء عدّتها بعد الطلاق ، والزوجة هي المستفيدة من كلّ هذه الاُمور ، فإن جعلنا الطلاق بيدها يعني ذلك أننا قد سلّطنا المرأة على تدمير مؤسسة البيت الزوجي من دون أن تتحمل في تكوينها أيّ نفقات ، وبهذا سوف نعرّض الزواج إلى نكبة اقتصادية من دون أن يكون له أي اختيار في ذلك.

٢ ـ إذا جعلنا سلطة الطلاق بيد طرف ثالث (كالمحكمة) فهو أمر فاسد أيضاً ; وذلك لأنّه يجعل أسرار الحياة الزوجية (الجنسية وغيرها) عرضة للهتك والتداول بين الناس ، وقد تنمو الاتهامات وتتحول إلى حقائق تمسّ شرف الزوجين وعفتهما ، وحينئذ يستعصي الحلّ لهذه الخلافات والأسرار الزوجية ، وهذا ما يؤدي إلى الطلاق أو شلّ الحياة الزوجية وتعطيلها من دون طلاق.

إذاً لم يبق لدينا إلاّ أن يكون الطلاق بيد الزوج مستقلاً فهو الحل الأنجع ; لأنّ الزوج هو الذي أقام هذه المؤسسة الزوجية بتقديم المهر ونفقات الزواج وتهيئة البيت والأثاث والنفقة ، فإن أراد أن يهدم هذه المؤسسة فهو المتضرّر الأول والأخير من الطلاق ، وهو الذي سيتحمّل نفقات ومهراً جديداً لبناء بيت زوجي جديد ، ولهذا فسوف يفكّر كثيراً في الطلاق ولا يقدم عليه إلاّ في حالات نادرة.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221