تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .

تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .0%

تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . . مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 37

  • البداية
  • السابق
  • 37 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11721 / تحميل: 5925
الحجم الحجم الحجم
تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .

تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله الطيّبين، وصحبه المخلَصين، ومَن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فإنّ مِن دواعي كتابة هذا البحث: هو التطاول على الحقائق الإسلامية الثابتة ببعض الكُتيِّبات النقدية في الحديث الشريف، لأسماءٍ نكرة طفحت على الساحة الثقافية فجأةً، مع خلوِّها مِن أبسط المعايير العلمية لنقد الحديث، إذ لم تتّصف بشيءٍ منها البتّة.

حتّى عادت تلك الكُتيِّبات عقبةً كَأْداء مِن عقبات التواصل الوحدوي على صعيد المجتمع المسلم، بل وأشبه ما تكون بمحاولةٍ جادّة؛ للقضاء على أيّ وسيلة مِن شأنها أنْ تُقرِّب بين وجهات نظر المسلمين، وتلمّ شعثهم، وترأب صدعهم!

وذلك لابتذال المعايير العلمية في النقد ابتذالاً واضحاً، خصوصاً عند مَن

١

يُمثّل ثقافةً تلقينيةً أصابها اليأس والإحباط المستمر، مع افتقاره التامّ إلى معرفة الأُسس، والقواعد العلمية النقدية الثابتة - خصوصاً في علم الحديث الشريف - التي تؤطّر كلّ دراسة حديثية نقدية بشروط القبول.

ولا عذر لمثل هذا، إذ لم تعد مسألة نقد الحديث، مسألة نسبية تختلف باختلاف الناس، وتباين ثقافاتهم.

ومِن ثَمَّ، فإنّ السُنّة المطهّرة نفسها قد أرست بعض القواعد النقدية العامّة، والتي يمكن توظيفها لمواجهة الخطأ.

فالنبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علّمنا مكارم الأخلاق، وهو - بأبي وأُمّي - لم يكن فظّاً غليظ القلب؛ وإلاّ لانفضّوا مِن حوله، وإنّما كان في مواجهته للفكر الجاهلي المتعسّف على خُلُقٍ عظيم، بشهادة السماء.

والأمة التي استطاعت أن تواجه الخطأ بهدْي سيرته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتّى استطاعت - وبمدّةٍ وجيزة - أن تُقيم صرحَ حضارةٍ امتدّت جذورها إلى أقصى الأرض، لَقادرة على هذا أيضاً.

والذي يحزّ في النفس ألماً، أنّ أُمّتنا قد فقدت المواجهة الصحيحة للخطأ، وعادت رويداً رويداً إلى جاهليةٍ مِن نوع آخر، فيها مِن روح الابتعاد عن القرآن الكريم، والسُنّة المطهّرة الشيء الكثير، فما أحوجنا اليوم إلى حوارٍ صادق، ونقدٍ بنّاء، ورجوعٍ حثيث إلى الكتاب والسُنّة!.

كما إنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى معرفة تراثنا الحديثي، لا فرق في ذلك بين كُتب الحديث السُنّية أو الشيعيّة، فهي كلّها في نظر غير المسلم مِن تراث الإسلام؛ وإلى كيفيّة تنمية المهارات العلمية، والقدرات الكفوءة، وتوظيفها لخدمة هذا التراث، وبنقدٍ يُجيد صاحبه التعامل مع الآخرين مِن منطلق واع، يهدف إلى تحقّق غرض النقد وأهدافه، مع التحلّي بأدب الإسلام، ونبذ التصوّرات الخاطئة، وتجنّب إساءة الظنّ وفكرة سحق الآخر!.

٢

كلّ هذا مع إدراك، أنّ التغيير المطلوب نحو الأفضل لا يمكن الوصول إليه بنقدٍ ظالمٍ متعسّف، يُرام مِن خلاله إيقاع الهزيمة بطرفٍ مِن الأطراف، والانتصار لطرفٍ آخر!.

فنقدٌ كهذا لا شكّ أنّه لا يصدر إلاّ عن نقصِ معرفةٍ، أو قصورٍ ذهني، في عدم التمييز بين المسائل الثابتة التي لا تقبل جدلاً، وبين المشكوكةِ الصحّة في كلِّ أو بعض ما تتضمّن، وبالتالي فهو لا يملأ فراغاً علمياً، بل على العكس إذ يسهم بإيجاده بدعمه نمطاً نقدياً لا يرى مِن الصورة غير إطارها، ولا مِن الشخص إلاّ اسمه، ومع هذا قد يكون صادراً بحسن نيّة.

إلاّ أنّ نمطاً نقدياً مِن نوع آخر، لا يمكن أن يكون كذلك، ذلك النمط الذي يجعل ما عند الآخر متهافتاً، ولو كان في منتهى القوّة، ويصنِّف الآخرين بالصورة التي يرغبها هو، صورةً ساخرةً، يحاول أن يُمزّقها بقلمه الذي اعتاد النزول إلى الشتائم، لدرجةٍ تشعر مِن خلالها لذّته في الشتم والسُباب!.

فتراه يُعطي العناوين النقدية - لِما هو صوابٌ فعلاً - بروزاً ظاهراً وحجماً مميَّزاً، وبشكل يبرز عقدة الاستهداف، مع تأصيل الاستبداد النقدي بالرغبة الظاهرة في احتكار الموضوعات، بثقافةٍ شخصيةٍ تفتقر إلى التوازن النفسي باستعلائها على ذوي الاختصاص في نقد ذلك التراث الضخم، بتعليمٍ تلقينيٍّ جامدٍ غالباً ما يؤدّي إلى هيمنة التصوّرات التي لا محصّل لها، والافتراضات الخاطئة في نقد الآخرين.

كلُّ هذا مع حشد الناقد الفاقد لمعايير النقد العلمية - سواء في الحديث الشريف أو غيره - لجهات أُخرى، في محاولةٍ منه لإعلان حالة مِن التعبئة العامّة لمواجهة الطرف الآخر بعقلية التحريض المضادّ، كما نلحظه اليوم في تذييل الكتابات النقدية، أو تصديرها بعناوين التحذير!!.

وهكذا يكون التهديد المباشر، وبلغةٍ بعيدةٍ عن أخلاقيات النقد العلمي

٣

الموضوعي الهادف على درجة عالية من الفجاجة والاستفزاز؛ لأنّه تأطير للعلماء بجهالة مِن دون تروٍّ مطلوب، ولا أشكّ في أنّ الطرف الآخر سوف لن يقابل الإساءة بالإحسان على هذا النحو مِن التشويه، وإنّما سيكون هو الآخر في حالة استنفار دائم مع التحدّي المستمر.

وهذا ما يؤكّد بطبيعته مسيس حاجتنا إلى الرجوع إلى منابع الإسلام الصافية، مع ضرورة تشخيص تلك الثقافات المنحرفة، فهي كجرثومة السرطان التي إذا ما وجدت بيئتها في عضوٍ، فليس له طبٌّ غير الاستئصال!.

كيف لا؟! وهدفها المعلَن، هو التشكيك ببعض المسلَّمات والثوابت الدينية بحجّة اختلافها وتعارضها..، ويأتي في مقدّمة تلكم المسلَّمات والثوابت مسألة الاعتقاد بظهور الإمام المهديّ (عليه السلام) في آخر الزمان.

نعم، لقد تعرّض لهذه المسألة بالنقد مفتقروا المعايير العلمية لنقد الحديث، وتأثّر بعضهم بمنهج البحث الاستشراقي إزاء قضايانا الإسلامية، حتّى أطلق - تبعاً لجولدزيهر، وفلوتن، وولهوسن، وغيرهم - خرافة فكرة الإمام المهديّ وأُسطوريّتها!!.

وهكذا طعنوا إسلامهم في الصميم، ولم يلتفتوا إلى أنّ الأسطورة التي بسطت وجودها بهذا الشكل في تراثنا الإسلامي، ومدّت خيوطها في سائر العصور الإسلامية، وانتشر الإيمان بها في كلّ جيل؛ لا شكّ أنّها سلبت عقول فحول علماء المسلمين، وصنعت لأجيالهم تاريخاً عقائدياً مزيّفاً، وتلك هي الطامّة الكبرى، والكارثة العظمى!.

كيف لا؟! وفي تاريخ المسلمين أُسطورة قد أجمعوا على صحّتها!!.

هذا، مع أنّ التاريخ لا يعرف أُمّة خلقت تاريخَها أُسطورةٌ، فضلاً عن كون أُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هي مِن أرقى أُمم العالم حضارةً باعتراف المستشرقين أنفسهم، ناهيك عن دور القرآن الكريم، والسُنّة المطهّرة في تهذيب نفوس

٤

المسلمين، ومحاربة البدع والخرافات والأساطير، التي كانت سائدة في مجتمع ما قبل الرسالة السماوية الخالدة.

ومِن هنا، وانطلاقاً مِن رصد المشاكل الثقافية المهمّة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بواقع النقد وُلِدَ هذا البحث، ليكون مساهمة متواضعة بحاجة إلى النقد العلمي البنّاء، والإضاءة، والتطوير، لعلّه يؤدّي إلى فهم إسلامي مشترك، ويغلق منافذ التشكيك بواحدةٍ مِن مهمّات قضايانا الإسلامية، وهي قضية ظهور الإمام المهديّ (عليه السلام) في آخر الزمان، وعلى طبق ما أخبرت به السُنّة النبويّة المطهّرة (*) .

وسوف أستهلّ البحث بإثبات تواتر أحاديث المهديّ، ذاكراً مَن أخرجها مِن الأئمّة الحفّاظ، ومَن أُسندت إليه، ومَن قال بصحّتها أو اعترف بتواترها على نحو الإيجاز والاختصار، ومِن ثمّ إخضاع ما وقفْتُ عليه مِن الأحاديث المختلفة والمتعارضة بهذا الشأن إلى الدراسة والنقد، وعلى ضوء ما تعارف عليه أهل الفنّ مِن الفريقين، راجياً مِن السادة العلماء، والمشايخ الأجلاء، والباحثين الفضلاء التماس العذر لي على ما يرَوْنه مِن زلاّت وهفوات وهنّات، وأن يغفروا لي ذلك، والله أَوْلى بالمغفرة.

وهو حسبي.     

ثامر هاشم حبيب العميدي

28 المحرّم الحرام 1416 هـ

قم المشَّرفة       

____________________

(*) راجع كتاب: (مقدّمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي)، للدكتور حسن محمّد وجيه، إصدار سلسلة عالم المعرفة، رقم 190، الكويت 1415 هـ. فستجد فيه نماذج راقية مِن أدب الحوار الهادف، الذي يمكن توظيفه لخدمة الأعمال النقدية. والحقّ، أنّي استفدت هنا من بعض أفكاره.

٥

تواتر أحاديث المهديّ (عليه السلام)

إنّ المشهور شهرةً واسعةً بين جميع المسلمين، وعلى مرّ الأعصار، أنّه لا ب ُ دّ في آخر الزمان مِن ظهور رجل مِن أهل البيت، يؤيّد الدين ويُظهر العدل، وينشر الإسلام في بقاع العالم كلّه، ويسمّى بالإمام المهديّ.

هذا باعتراف ابن خلدون (ت 808 هـ) الذي حاول مناقشة أحاديث المهديّ وتضعيفها، مع تصريحه بصحّة بعضها كما نشير إليه في محلّه.

والحقّ أنّ دليل المسلمين على ذلك هو تواتر أحاديث المهديّ والجزم بصحّتها، وليس شهرتها، فقد أخرجها في ما وقفتُ عليه ببحث مستقلّ؛ جماعة كثيرة مِن أئمّة الحفّاظ، وأسندوها إلى عددٍ وافر مِن الصحابة، وإليك الإشارة السريعة إلى كلّ هذا،

فنقول:

أخرج أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام ابن سعد (ت 230 هـ)، وابن أبي شيبة (ت 235 هـ)، والإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)، وأبو بكر الإسكافي (ت 260 هـ)، وابن ماجة (ت 273 هـ)، وأبو داود (ت 275 هـ)، وابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ)، والترمذي (ت 279 هـ)، والبزّار (ت 292 هـ)، وأبو يُعلى المَوْصلي (ت 307 هـ)، والطبري (ت 310 هـ)، والعقيلي (ت 322 هـ)، ونعيم بن حمّاد (ت 328 هـ)، وابن حبّان البستي (ت 354 هـ)، والمقدسي (ت 355 هـ)، والطبراني (ت 360 هـ)، وأبو الحسن الآبري (ت 363 هـ)، والدارقطني (ت 385 هـ)، والخطّابي (ت 388 هـ)، والحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)، وأبو نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ)، وأبو عمرو الداني (ت 444 هـ)، والبيهقي (ت 458 هـ)، والخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، وابن عبد البرّ المالكي (ت 463 هـ)، والديلمي (ت 509 هـ)، والبغوي (ت 510 أو 516 هـ)، والقاضي عياض

٦

(ت 544 هـ)، والخوارزمي الحنفي (ت 568 هـ)، وابن عساكر (ت 571 هـ)، وابن الجوزي (ت 597 هـ)، وابن الجزري (ت 606 هـ)، وابن العربي (ت 638 هـ)، ومحمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 هـ)، والعلاّمة سبط ابن الجوزي (ت 654 هـ)، وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت 655 هـ)، والمنذري (ت 656 هـ)، والكنجي الشافعي (ت 658 هـ)، والقرطبي المالكي (ت 671 هـ)، وابن خلّكان (ت 681 هـ)، ومحبّ الدين الطبري (ت 694 هـ)، وابن تيميّة (ت 728 هـ)، والجويني الشافعي (ت 730 هـ)، وعلاء الدين بن بلبان (ت 739 هـ)، ووليّ الدين التبريزي (المتوفّى بعد سنة 741 هـ)، والمزّي (ت 742 هـ)، والذهبي (ت 748 هـ)، وسراج الدين ابن الوردي (ت 749 هـ)، والزرندي الحنفي (ت 750 هـ)، وابن قيّم الجوزية (ت 751 هـ)، وابن كثير (ت 774 هـ)، وسعد الدين التفتازاني (ت 793 هـ)، ونور الدين الهيثمي (ت 807 هـ).

أقول:

ذكرنا هؤلاء الأئمّة الحفّاظ إلى عصر المؤرّخ ابن خلدون (ت 808 هـ)، الذي تناول أحاديث المهديّ بالدراسة والنقد، وضعّفها مصرّحاً بصحّة القليل منها، مع أنّه لم يتناول مِن تلك الأحاديث إلاّ القليل جدّاً؛ لكي يعلم عدم وجود الموافق لابن خلدون، لا قبله، ولا بعده أيضا ً، إلاّ شرذمة قليلة ممّن راقها زبرج الثقافة الاستشراقية (1) .

هذا، وقد أسند مَن ذكرنا أحاديثَ الإمام المهديّ (عليه السلام) إلى الكثير مِن الصحابة، وأضعافهم مِن التابعين.

____________________

(1) ناقشنا هؤلاء في كتابنا: دفاع عن الكافي، 1، 167 - 611، فراجع.

٧

وسنذكر بعض مَن وقفنا عليه منهم بحسب وفيّاتهم مبتدئين بـ:

فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (ت 11 هـ)، ومعاذ بن جبل (ت 18 هـ)، وقتادة بن النعمان (ت 23 هـ)، وعمر بن الخطّاب (ت 23 هـ)، وأبي ذرّ الغفاري (ت 32 هـ)، وعبد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ)، وعبدالله بن مسعود (ت 32 هـ)، والعبّاس بن عبد المطّلب (ت 32 هـ)، وكعب الأحبار (ت 32 هـ)، وعثمان بن عفّان (ت 35 هـ)، وسلمان الفارسي (ت 36 هـ)، وطلحة بن عبدالله (ت 36 هـ)، وعمّار بن ياسر (ت 37 هـ)، والإمام عليّ (عليه السلام) (ت 40 هـ)، وتميم الداري (ت 40 هـ)، وزيد بن ثابت (ت 45 هـ)، وحفصة بنت عمر بن الخطّاب (ت 45 هـ)، والإمام الحسن السبط (عليه السلام) (ت 50 هـ)، وعبد الرحمن بن سمرة (ت 50 هـ)، ومجمع بن جارية (ت نحو 50 هـ)، وعمران بن حُصين (ت 52 هـ)، وأبي أيّوب الأنصاري (ت 52 هـ)، وعائشة بنت أبي بكر (ت 58 هـ)، وأبي هُرَيرة (ت 59 هـ)، والإمام الحسين السبط الشهيد (عليه السلام) (ت 61 هـ)، وأُمّ سَلَمة (ت 62 هـ)، وعبدالله بن عمر بن الخطّاب (ت 65 هـ)، وعبدالله بن عمرو بن العاص (ت 65 هـ)، وعبدالله بن عبّاس (ت 68 هـ)، وزيد بن أرقم (ت 68 هـ)، وعوف بن مالك (ت 73 هـ)، وأبي سعيد الخُدري (ت 74 هـ)، وجابر بن سمرة (ت 74 هـ)، وجابر بن عبدالله الأنصاري (ت 78 هـ)، وعبدالله بن جعفر الطيّار (ت 80 هـ)، وأبي أُمامة الباهلي (ت 81 هـ)، وبشر ابن المنذر بن الجارود (ت 83 هـ - وقيل: جدّه الجارود بن عمرو، ت 20 هـ -)، وعبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي (ت 86 هـ)، وسهل بن سعد الساعدي (ت 91 هـ)، وأنس بن مالك (ت 93 هـ)، وأبي الطُفيل (ت 100 هـ)، وشهر بن حوشب (ت 100 هـ).

٨

إلى غير هؤلاء ممّن لم أقف على تاريخ وفيّاتهم، كأُمّ حبيبة، وأبي الجحّاف، وأبي سلمى راعي إبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأبي ليلى، وأبي وائل، وحذيفة بن أُسيد، وحذيفة بن اليمان، والحرث بن الربيع أبي قتادة، وزرّ بن عبدالله، وزرارة بن عبدالله، وعبدالله بن أبي أوفى، والعلاء، وعلقمة بن عبدالله، وعلي الهلالي، وقرّة بن أياس.

ولا بأس هنا بإطلالةٍ واحدةٍ على حديث صحابيٍّ واحد فقط، ممّن ذكرنا من أسماء الصحابة الّذين أُسندت إليهم أحاديث المهديّ؛ لتتبيّن طُرَقَه وتفرّعاتها في كلّ طبقةٍ مِن طبقات الرواة، مع كثرة مَن أخرجه مِن الأئمّة الحفّاظ، وهو حديث أبي سعيد الخدري، وقِس عليه أحاديث بقيّة الصحابة، التي تعرَّض لبعضها أبو الفيض الغماري بتفصيلٍ رائع، وإليك نصّ ما قاله عن الحديث الذي اخترناه.

قال: (أمّا حديث أبي سعيد الخدري: فورد عنه مِن طريق، أبي نظرة، وأبي الصدّيق الناجي، والحسن بن يزيد السعدي.

أمّا طريق أبي نظرة: فأخرجه أبو داود، والحاكم كلاهما مِن رواية عمران القطّان، عنه.

وأخرجه مسلم في صحيحه مِن رواية سعيد بن زيد، ومِن رواية داود ابن أبي هند كلاهما، عنه. لكن وقع في صحيح مسلم ذِكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي.

وأمّا طريق أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد: فأخرجه عبد الرزّاق، والحاكم مِن رواية معاوية بن قرّة، عنه.

وأخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، والحاكم، مِن رواية زيد العمّي،

٩

عنه.

وأخرجه أحمد والحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عنه.

وأخرجه الحاكم مِن رواية سليمان بن عبيد، عنه.

وأخرجه أحمد والحاكم مِن رواية مطر بن طهمان، وأبي هارون العبدي، كلاهما عنه.

وأخرجه أحمد أيضاً مِن رواية مطر بن طهمان وحده، عنه.

وأخرجه أيضاً مِن رواية العلاء بن بشير المزني، عنه.

وأخرجه أيضاً مِن رواية مطرف، عنه.

وأمّا طريق الحسن بن يزيد: فأخرجه الطبراني في الأوسط مِن رواية أبي واصل عبد بن حميد، عن أبي الصدّيق الناجي، عنه. وهو مِن رواية المزيد في متّصل الأسانيد) (2) .

وإذا ما نظرنا إلى أحاديث بقيّة الصحابة بهذه الصورة، اتّضح لنا أنّ أحاديث المهديّ لا شبهة ولا إشكال في تواترها عند أهل السُنّة، وقد صرّح بهذا الكثير مِن أعلامهم كما سيأتي.

وأمّا ما يتعلّق بالشيعة الإمامية: فهو لا يكاد يخفى على أحد، أنّ الإيمان بظهور الإمام المهديّ عندهم أصل مِن أُصول الاعتقاد، ومِن البداهة أنّ المسائل الاعتقادية الصحيحة لا تثبت بدون تواترها، ولهذا فالإطالة في إيراد مَن أخرج أحاديث المهديّ منهم، مع بيان طُرُقِهم إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأهل بيته (عليهم السلام)، وصحابته الأجلاّء (رضي الله تعالى عنهم) هي إطالة في الواضحات.

مع أنّ البحث هو عن نقدِ وتحليلِ التعارض والاختلاف في أحاديث المهديّ عند الفريقين، إلاّ أنّ التمهيد لهذا البحث بما ذكرناه، مع بيان رأي علماء

____________________

(2) إبراز الوهم المكنون، 438.

١٠

الحديث والنقّاد والحفّاظ المهرة مِن أهل السُنّة بهذه الرسالة بالذات، وكشف موقفهم منها ومِن أحاديثها، يعطي للبحث طابعه الإسلامي العامّ، ويُبعده عن أيّ إطارٍ مذهبيٍّ خاصّ.

ولما كان تصريحهم بصحّة أحاديث الإمام المهديّ (عليه السلام)، مع قول الكثير منهم بتواترها، وإفتاء الفقهاء على المذاهب الأربعة بضرورة تأديب منكِرها، وإرغامه على الرجوع إلى الحقّ باستتابته، فإنْ رجع فهو، وإلاّ أُهدر دمه شرعاً؛ لأنّه استخفّ بالسُنّة المطهّرة على حدّ تعبيرهم، ممّا لا يسعه صدر البحث؛ لذا سنُشير إجمالاً إلى بعض مَن صرّح بصحّة أحاديث الإمام المهديّ، أو صرّح منهم بتواترها، مكتفين ببيان اسمه وكتابه، وتعيين موضع التصريح وعلى النحو الآتي:

الترمذي (ت 297 هـ) في سننه (3) ، والعقيلي (ت322 هـ) في الضعفاء الكبير (4)، والبربهاري (ت 329 هـ) كما في الاحتجاج بالأثر (5) ، ومحمّد بن الحسين الآبري (ت 363 هـ) صرّح بتواتر أحاديث المهديّ كما في تذكرة القرطبي (6) ، والحاكم (ت 405هـ) (7) ، والبيهقي (ت 458 هـ) كما في منار ابن القيّم (8) ، والبغوي (ت510 أو 516 هـ) (9) ، وابن الأثير (ت 606 هـ) (10) ،

____________________

(3) سنن الترمذي، 4، 505 - 506، ح 2230 - 2233.

(4) الضعفاء الكبير، 3،253 ح 1257.

(5) الاحتجاج بالأثر على مَن أنكر المهديّ المنتظر، 28.

(6) التذكرة، 701، وقد نقل القول بتواتر أحاديث المهديّ عن الآبري وارتضاه.

(7) مستدرك الحاكم، 4،429 و 450 و 457 و 464 و 465 و 502 و 520 و 553 و 554 و 557 و 558.

(8) المنار المنيف، 130، ح 225، وانظر: الاعتقاد، للبيهقي، 127.

(9) مصابيح السُنّة، 488 ح 4199، وص 492 - 493، ح 4210 و 4211 و 4212 و 4213 و 4215.

(10) النهاية في غريب الحديث، 1،290، 2،172 و 325 و 386، 4،33، 5،254.

.254/5/

١١

والقرطبي المالكي (ت 671 هـ) (11) ، وابن منظور (ت 711 هـ) (12) ، وابن تيمي ّ ة (ت 728 هـ) (13) ، والمزّي (ت742 هـ) (14) ، والذهبي (ت 748 هـ) (15) ، وابن القيّم (ت 751 هـ) (16) ، وابن كثير (ت 774 هـ) (17) ، والتفتازاني (ت 793 هـ) (18) ، ونور الدين الهيثمي (ت807هـ) (19) ، وابن خلدون (ت 808 هـ) - اعترف بصحّة بعض أحاديث المهديّ - (20) ، والجزري الشافعي (ت 833 هـ) (21) ، وأحمد بن أبي بكر البوصيري (ت 840 هـ) (22) ، وابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) (23) ، وشمس الدين السخاوي (ت 902 هـ) (24) ، والسيوطي (ت 911 هـ) (25) ، والشعراني (ت

____________________

(11) التذكرة، 701 و 704.

(12) لسان العرب، 15، 59، مادّة (هَدِيَ).

(13) منهاج السُنّة 4، 211.

(14) تهذيب الكمال، 25، 146 - 149، رقم 5181، في ترجمة محمّد بن خالد الجندي.

(15) تلخيص المستدرك، 4، 553 و 558.

(16) المنار المنيف، 130 - 133، ح 326 و 327 و 329 و 331، و ص 135.

(17) النهاية في الفتن والملاحم، 1، 55 و 56.

(18) شرح المقاصد، 5، 312، وشرح عقائد النسفي، 169.

(19) مجمع الزوائد، 7، 313 - 317.

(20) تاريخ ابن خلدون، 1، 564 و 565 و 568، الفصل 52.

(21) أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب، 163 - 168.

(22) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة، 3، 263، رقم 1442.

(23) تهذيب التهذيب، 9، 125، رقم 201، في ترجمة محمّد بن خالد الجندي. وفتح الباري، 6، 385.

(24) كما في: نظم المتناثر من الحديث المتواتر، للكتّاني، 226، رقم 289 -حُكي عنه القول بتواتر أحاديث المهديّ-

(25) الجامع الصغير، 2،672، ح 9241 و 9243 و 9244 و 9245، و 2، 438 ، ح 7489، وحكي عنه البلبيسي في العطر الوردي، 45 أنّه قال بتواترها في بعض 7489.

١٢

973 هـ) (26) ، وابن حجر الهيتمي (ت974 هـ) (27) ، والمتّقي الهندي (ت 975 هـ) وفي كتابه (البرهان) بيانٌ لأربع فتاوى لفقهاء المذاهب الإسلامية بشأن مَن أنكر ظهور المهديّ في آخر الزمان وكذّب بالأحاديث الواردة في هذا الشأن (28) ، والشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي (ت 1033 هـ) (29) ، والبرزنجي (ت 1103هـ)، والزرقاني المالكي(ت (30) (31)، والشيخ محمّد بن قاسم بن محمّد جسوس المالكي (ت 1182 هـ) (32) ، وأبو العلاء العراقي (ت 1183 هـ) (33) ، والسفاريني الحنبلي (ت 1188 هـ) (34) ، والزبيدي الحنفي (ت 1205 هـ) (35) ، والشيخ الصبّان (ت 1206 هـ) (36) ، والسويدي (ت 1246 هـ) (37) ، والشوكاني الزيدي (ت 1250 هـ) (38) ، والشبلنجي (ت 1291هـ) (39) ، وأحمد زيني دحلان

____________________

(26) اليواقيت والجواهر، 2، 143.

(27) الصواعق المحرقة، 162 - 167.

(28) البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان، 177 - 183.

(29) راجع: الإمام المهديّ (عليه السلام) عند أهل السُنّة، 2، 23.

(30) الإشاعة لأشراط الساعة، 87، وهو من القائلين بالتواتر.

(31) كما في: إبراز الوهم المكنون، 434.

(32) كما في: نظم المتناثر مِن الحديث المتواتر، 226، ح 289.

(33) كما في: نظم المتناثر - أيضاً -، 226، ح 289.

(34) راجع: الإمام المهديّ (عليه السلام) عند أهل السُنّة، 2، 20.

(35) تاج العروس، 10، 408 - 409، مادّة (هَدَى).

(36) إسعاف الراغبين، 145 و 147 و 152 - مصرّحاً بتواتر أحاديث المهديّ (عليه السلام) -

(37) سبائك الذهب، 346.

(38) كما في: الإذاعة، 125 و 126 - وهو مِن القائلين بتواتر أحاديث الإمام المهديّ (عليه السلام) -

(39) نور الأبصار، 187 و 189 - وهو من القائلين بالتواترـ.

١٣

مفتي الشافعية (ت 1304 هـ) (40) ، والقنوچي البخاري (ت 1307 هـ) (41) ، وشهاب الدين الحلواني المصري الشافعي (ت 1308 هـ) (42) ، والبلبيسي الشافعي (المتوفّى في بداية القرن الرابع الهجري) (43) ، والآلوسي الحنفي أبو البركات (ت 1317 هـ) (44) ، وأبو الطيّب الآبادي (ت 1329 هـ) (45) ، والكتّاني المالكي (ت1345 هـ) - وقد نقل القول بتواتر أحاديث المهديّ عن جمع مِن الحفّاظ - (46) ، والمباركفوري (ت 1353هـ) (47) ، والشيخ منصور علي ناصف (المتوفّى بعد سنة 1371 هـ) (48) ، والشيخ محمّد الخضر حسين المصري (ت 1377 هـ) (49) ، وأبو الفيض الغماري الشافعي (ت1380 هـ) - الذي أثبت تواتر أحاديث المهديّ بأوضح الأدلّة وأقواها - (50) ، والشيخ محمّد بن عبد العزيز المانع (ت 1385 هـ) (51) ، والشيخ محمّد فؤاد

____________________

(40) الفتوحات الإسلامية، 2، 211 - وهو من القائلين بالتواترـ.

(41) الإذاعة، 112 و 114 و 128 - وقد صرّح بتواتر أحاديث المهديّ، ونقل عن الأئمّة الحفّاظ القول بتواترها - فراجع.

(42) القَطْر الشهدي في أوصاف المهديّ، 68.

(43) العطر الوردي، 44 و 45.

(44) غالية المواعظ، 76 - 77.

(45) عون المعبود شرح سنن أبي داود، 11، 361.

(46) نظم المتناثر، 225 - 228، ح 289.

(47) تحفة الاحوذي، في شرح الحديث رقم 2331، باب ما جاء في المهديّ.

(48) التاج الجامع للأُصول، 5، 341.

(49) نظرة في أحاديث المهديّ: مقال نشرته مجلّة (التمدن)، لسنة 1370 هـ، للشيخ المذكور، في ص 831.

(50) إبراز الوهم المكنون، 443 وما بعدها. والمهديّ المنتظر، 5 - 8 (وكلاهما لأبي الفيض).

(51) كما في: الاحتجاج بالأثر، 299.

١٤

عبد الباقي (ت 1388 هـ) (52) .

إلى غيرهم مِن عشرات العلماء المعاصرين ممّن لهم خبرة واسعة في علوم الحديث روايةً ودرايةً، كالمودودي في البيانات، 166، والألباني في مقال حول المهديّ، 644 - منشور في مجلّة التمدّن الإسلامي، لسنة 1371 هـ، العدد 22 - والشيخ صفاء الدين - كما في مجلّة التربية الإسلامية العراقية، لسنة 14، العدد 7، ص 30 - والشيخ عبد المحسن العبّاد، في محاضرته عن الإمام المهديّ - منشورة في مجلّة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، لسنة 1388 هـ -، وله محاضرة أُخرى - نشرتها المجلّة نفسها، سنة 1400 هـ - حول الردّ على مَن كذّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهديّ، والشيخ التويجري في كتابه (الاحتجاج بالأثر على مَن أنكر المهديّ المنتظر)، والشيخ ابن باز كما في تصديره لكتاب (الاحتجاج بالأثر) المتقدّم، وتعقيبه على محاضرة الشيخ عبد المحسن العبّاد، وغيرهم.

فاتّفاق أهل السُنّة مع الشيعة الإمامية بشأن صحّة أحاديث المهديّ وتواترها، ممّا لا مجال لإنكاره، واتّفاقهم على أنّ الموعود بظهوره في لسان الأحاديث، اسمه (محمّد) ولقبه (المهديّ) ممّا لا شكّ فيه؛ لشهادة جميع مَن ذكرنا بذلك مع صراحة الأحاديث به أيضاً مِن طرق الفريقين.

إذن، فما هو الاختلاف أو التعارض في تلك الأحاديث الذي حمل البعض على القول بأُسطورية الفكرة وخرافتها؟!

وهل إنّ التعارض والاختلاف بين تلك الأحاديث تعارضٌ واختلافٌ حقيقي، لا يمكن إزالته بحال مِن الأحوال بحيث يؤدي إلى تهافت الأحاديث وتساقطها برمّتها، أم إنّه بَدويّ في بعض، ولا أصل له في بعضٍ آخر؟!

____________________

(52) كما في محاضرة: الشيخ العبّاد، (عقيدة أهل السُنّة والأثر في المهديّ المنتظر) - نُشرت في، العدد 46، من مجلّة الجامعة الإسلامية السعودية، لسنة 1400 هـ -.

١٥

ثمّ ما هو الميزان الذي يُحتكم إليه، في معرفة التعارض والاختلاف الحاصلَين في أحاديث المهديّ؟

وهل تنسجم دعوى صحّة تلكم الأحاديث وتواترها، مع دعوى اختلافها وتعارضها؟!

إنّها أسئلة ملحّة وكثيرة، وجوابها منوط بتقسيم أحاديث المهديّ إلى طوائف؛ لكي يتّضح مِن سِيَر البحث ما اختلف منها، وما ائتلف، وما وُضِع، أو شذّ، أو ضعف، بحيث لا يمكن عدّه معارضاً أو مخالفاً للصحيح الثابت باعتراف علماء الفريقين.

* * *

١٦

اختلاف الأحاديث في نَسَبْ الإمام المهديّ (عليه السلام)  

اختلفت الأحاديث الواردة بكتب الفريقين اختلافاً ظاهرياً في بيان نَسَبْ الإمام المهديّ (عليه السلام)، ولكن لا يعني هذا الاختلاف - مع لحاظ التقييد والإطلاق - عدم الائتلاف فيما بينها، إذ بالإمكان الجمع بينها بأحد الوجوه المنصوص عليها في باب تعارض الخبرين؛ إذا سلمت أسانيدها مِن كلّ طعنٍ وشين، وتعادلت كفّتها مع الأحاديث الأخرى المصرّحة بأنّه مِن وُلْد الإمام الحسين (عليه السلام).

* والملاحظ على الأحاديث المبيِّنة لنَسّب الإمام المهديّ، أنّها تكاد تنحصر - مِن حيث الصحّة - بأنّه قرشيٌّ، هاشميٌّ، علويٌّ، حسينيٌّ، مع تفريعات أُخرى لا تحمل تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً يذكر، إذ نصَّ بعضها على أنّه مِن قريش.

وبعضها على أنّه مِن بني هاشم.

وبعضٌ آخر على أنّه مِن أولاد عبد المطّلب.

وهذه الطوائف الثلاث لا اختلاف بينها ولا تعارض أصلاً؛ لأنّ أولاد عبد المطّلب هم مِن بني هاشم، وبنو هاشم مِن قريش، و كلُّ واحد مِن أولاد عبد المطّلب له أْن يقول: أنا هاشميٌّ قرشيّ.

ولمّا كانت قبيلة قريش ينتسب إليها الهاشميّون وغيرهم، وبنو هاشم أنفسهم كُثرٌ، فيكون ذِكر كون المهديّ مِن أولاد عبد المطّلب مقيِّداً لِما قبله مِن إطلاق، والمطلق يُحمل على المقيَّد بالاتّفاق، فالنتيجة إذاً: إنّه مِن أولاد عبد المطّلب.

* وبعضها نصَّ على أنّه مِن أولاد أبي طالب.

١٧

وفي بعضٍ آخر أنّه مِن أولاد العبّاس.

وظاهر أحاديث الطائفتين التعارض والاختلاف، اللّهمّ إلاّ أنْ يقال - مِن باب التسليم بصحّة أحاديث الطائفتين -: إنّ أُمّ المهديّ عبّاسيّة، وأباه مِن أولاد أبي طالب، وبهذا يرتفع التعارض والاختلاف.

ولكن سيأتي - إن شاء الله تعالى - وبشكلٍ مفصّل، أنّ جميع أحاديث كون المهديّ مِن وُلْد العبّاس، إمّا ضعيفة أو موضوعة، بما لا نحتاج معها إلى عملية الجمع المتقدّمة؛ لأنّها جمع بين الضعيف أو الموضوع مِن جهة، وبين الصحيح الثابت مِن جهة أُخرى، وعلى هذا فيبقى المهديّ مِن أولاد أبي طالب - في هذه الطائفة - بلا معارض.

* وفي طائفة أُخرى مِن الأحاديث، التصريح بأنّه مِن آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وفي طائفة أيضاً، أنّه مِن أهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وفي أُخرى، أنّه مِن عترة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وفي هذه الطوائف الثلاث لا يوجد أدنى تعارض أو اختلاف؛ لأنّ (الآل) و (العترة)، هم (الأهل) كما صرّح به أقطاب اللغة.

قال ابن منظور: (وآل الله، وآل رسوله: أولياؤه، أصلها (أهل)، ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير (أأل)، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً) (53) .

كما صرّح في لسان العرب، بأنّ (العترة) هم (أهل البيت) مستدلاًّ بحديث: (إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي) ، قال: (فجعل العترة أهل البيت) (54) .

____________________

(53) لسان العرب، 1، 253، مادّة (أهل).

(54) لسان العرب، 9، 34، مادّة (عتر).

١٨

وإذا علمنا بأنّ عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) هو مِن أهل البيت بالاتّفاق، ويؤيّده حديث الكساء المشهور عند سائر المحدِّثين: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي) ، تبيّن لنا وبوضوح كيف أنّ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد وضع النقاط على الحروف في تشخيص نَسَب المهديّ، كما صرّحت به طائفة جديدة مِن الأحاديث.

ومفاد هذه الطائفة، أنّه مِن أولاد عليٍّ (عليه السلام).

ولمّا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أعقب مِن سيّدة النساء سبطي هذه الأمّة، كما أعقب مِن غيرها بعد وفاتها (عليها السلام) ذكوراً، لذا جاءت طائفة أُخرى مِن الأحاديث لتبيّن للناس جميعاً، أنّ المهديّ الموعود به في آخر الزمان، إنّما هو مِن أولاد سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام).

ولا شكّ في أنّ الأحاديث التي تنصّ على كونه مِن أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تقيِّد ما قبلها جميعاً، فتُحمل عليها (55) .

وقد جُمعت هذه الطوائف مِن الأحاديث في حديث واحد، وهو الحديث المرويّ عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: (المهديّ حقٌّ هو؟ قال: نعم، قال: قلت: ممّن هو؟ قال: مِن قريش، قلت: مِن أيّ قريش؟ قال: مِن بني هاشم، قلت: مِن أيّ بني هاشم؟ قال: مِن بني عبد المطّلب، قلت: مِن أيّ بني عبد المطلب؟ قال: مِن وُلْد فاطمة) (56) .

وقد أخرج هذا الحديث ابن المنادي، عن سعيد بن المسيّب مسنداً إلى أُمّ سَلَمَة، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، باختلافٍ يسير (57) .

____________________

(55) في انتظار الإمام، 17.

(56) الفتن لابن حمّاد، 101 (نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ (عليه السلام)، 1، 154، رقم 81).

(57) الملاحم والفتن، لابن المنادي، 41 (نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ (عليه السلام) 1، 154، رقم 81).

١٩

وفي فتن زكريّا - على ما في ملاحم ابن طاووس - رواه مسنداً عن ابن المسيّب (58) .

ورواه في (عقد الدرر)، كما في رواية ابن المنادي، ثمّ قال: (أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، وأخرجه الإمام أبو عبدالله نعيم ابن حمّاد) (59) .

هذا، وقد أخرج الحديث غير أُولئك أيضاً (60) .

على أنّ حديث: (المهديّ حقٌّ، وهو مِن وُلْد فاطمة) ، قد سُجِّل في أربعة وثمانين مصدراً مهمّاً مِن مصادر الفريقين، أمّا مصادر أهل السُنّة وحدهم فقد وصلت إلى ستّة وخمسين مصدراً، وما تبقّى مِن العدد المذكور فهو مِن مصادر الشيعة الإمامية، كما هو مفصّل في معجم أحاديث الإمام المهديّ (عليه السلام) (61) .

وقد لفت نظري أنّ أربعة مِن علماء أهل السُنّة الّذين أخرجوا الحديث الشريف، قد أشاروا صراحةً إلى وجوده في صحيح الإمام مسلم، وهم:

1 - ابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ)، في الصواعق المحرقة، ص 163، الباب 11.

2 - المتّقي الهندي (ت 975 هـ)، في كنز العمّال، 14، 264، ح 38662.

3 - الشيخ محمّد بن علي الصبّان (ت 1206 هـ)، في إسعاف الراغبين،

____________________

(58) الملاحم، لابن طاووس، 164، باب 19.

(59) عقد الدرر، 23، باب 1.

(60) راجع: الحاوي للفتاوى، 2، 74. والبرهان في علامات مهديّ آخر الزمان، 95، رقم 20، باب 2.

(61) معجم أحاديث المهديّ (عليه السلام)، 1، 136، رقم 74.

٢٠