تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .

تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .0%

تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . . مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 37

  • البداية
  • السابق
  • 37 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11731 / تحميل: 5928
الحجم الحجم الحجم
تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .

تطبيق المعايير العلمية لنقد الحديث . . .

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ص 145.

4 - الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي (ت 1303 هـ)، في مشارق الأنوار، ص 112.

وللأسف الشديد، أنّي لم أعثر على هذا الحديث في صحيح مسلم بثلاث طبعات!.

ولا بأس هنا، أْن نسجّل بعض مَن صرّح بصحّته:

منهم: البغوي، في مصابيح السُنّة، حيث عدّه في فصل الحسان (62) ، وصحّحه القرطبي المالكي، في التذكرة (63) نقلاً عن الحاكم النيسابوري، وكذلك السيوطي، في الحاوي للفتاوى (64) ، والجامع الصغير (65) .

ومنهم: مَن احتجّ به وقال بصحّته، كابن حجر الهيتمي، في الصواعق المحرقة، الفصل الأوّل، مِن الباب الحادي عشر (66).

ومنهم: مَن قال بتواتره صراحة، كالبرزنجي في، الإشاعة، قال: (أحاديث وجود المهديّ، وخروجه آخر الزمان، وأنّه مِن عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مِن وُلْد فاطمة (عليها السلام)، بلغت حدّ التواتر) (67) .

ومنهم: مَن قطع بصحّته، كالشيخ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية، قال: (المقطوع به أنّه لا ب ُ دّ مِن ظهوره، وأنّه مِن وُلْد فاطمة) (68) .

وقال الشيخ الصبّان في بيان المزايا التي اختصّ بها أهل البيت (عليهم السلام)،

____________________

(62) مصابيح السُنّة، 492، رقم 4211.

(63) التذكرة، 701.

(64) الحاوي للفتاوى، 2، 85.

(65) الجامع الصغير، 2، 672، رقم 9241.

(66) الصواعق المحرقة، 162 و 165 و 166.

(67) الإشاعة في أشراط الساعة، 87.

(68) الفتوحات الإسلامية، 2، 211.

٢١

وقد ذكر الكثير منها: (ومنها: أنّ منهم مهديّ آخر الزمان، وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والبيهقي، وآخرون: (المهديّ مِن عترتي مِن وُلْد فاطمة)) (69) .

فالنتيجة المتّفق عليها، بين أهل السُنّة والشيعة الإمامية - إلى هنا - هو كون الإمام المهديّ (عليه السلام) مِن وُلْد فاطمة الزهراء (عليها السلام).

إذن ، فلنضع أيدينا على هذه النتيجة المهمّة، ثمّ ندعها قليلاً ونعود إليها ريثما يتمّ الفراغ مِن مناقشة بعض طوائف أحاديث المهديّ الأخرى، وعلى النحو التالي:

____________________

(69) إسعاف الراغبين، 45.

٢٢

أحاديث المهديّ مِن وُلْد العبّاس عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

نُس ِ بَ الإمام المهديّ في مجموعة مِن الأحاديث إلى العبّاس عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسوف نستعرض جميع تلك الأحاديث الواردة في كتب السُنّة؛ ليتّضح أنّها ليست مِن نمط الأحاديث المتعارضة حقيقةً مع كون المهديّ مِن وُلْد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومِن ذرّيّة السبط الشهيد (عليه السلام).

وأنّه لا يصحّ التمسّك بها بتصريح أرباب هذا الفنّ مِن علماء أهل السُنّة لردّ الأحاديث الصحيحة بحجّة معارضتها لها؛ لثبوت ضعفها عندهم، واتّهام بعض رواتها بالكذب في كتب الرجال.

وأمّا ما قيل عن صحّة بعضها، فلا يصحّ جعله معارضاً لغيره مِن الصحيح الثابت؛ لأنّ مِن شرط التعارض، هو التساوي في كلّ شيء بين المتعارضَين، وليس الاكتفاء بشرط الصحّة.

فقد يُروى خبرٌ ما بطريقٍ معتبر، ولكن تشهد قرائن خارجية عنه بمخالفته للواقع.

وقد يُروى خبرٌ آخر بطريقٍ واحد أو طريقين، ويُروى ما تعارض معه بعشَرات الطُرق، وعندها لا يصحّ اعتبارها مِن المتعارضَين، على فرض وثاقة رواتهما؛ ذلك لأنّ شهرة الخبر وكثرة رواته وتعدّد طرقه مِن المرجّحات على غيره المساوي له مِن حيث صحّة النقل، فالتعارض في مثل هذا يكون تعارض مِن حيث صحّة النقل لا غير، ولا تعارض بينها مِن حيث الشهرة وتعدّد الطرق، ونحوهما مِن المرجّحات الأخرى.

٢٣

فكيف الأمر، لو كان التعارض المدّعى بين الصحيح الثابت اتّفاقاً وبين الضعيف، أو الموضوع، أو المؤوَّل بما يتّفق مع الصحيح؟!

وسوف نرى أنّ الأحاديث التي نَسبت الإمام المهديّ إلى العبّاس بن عبد المطّلب عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , لا ترقى إلى مستوى الأحاديث الأخرى المبيّنة، أنّه مِن وُلْد فاطمة (عليها السلام)، ولا تصل إلى ذلك المستوى مِن الثبوت، وهي:

1 - حديث الرايات السود :

روى أحمد في مسنده، عن وكيع، عن شريك، عن عليّ بن زيد، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت مِن خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج؛ فإنّ فيها خليفة الله المهديّ) (70) .

وقد أخرج هذا الحديث - باختلافٍ يسير - البلخي، في البدء والتاريخ، (71) ، وابن ماجة، في سننه، مِن طريق آخر (72) .

وفيه:

أ - ليس في هذا الحديث ما يدلّ على كون (خليفة الله المهديّ) هو مِن وُلْد العبّاس، كما ظنّ البعض أنّه المهديّ العبّاسي؛ لذِكر (الرايات السود)! وإنْ كانت رايات بني العبّاس التي أقبلت مِن خراسان سوداً، ومع القول بصحّة الحديث، فلا دليل في المقام على حصر الرايات السود برايات بني العبّاس.

ب - لو سلّمنا بصحّة الحديث، فلا دلالة فيه أيضاً على أنّ (خليفة الله المهديّ) هو المهديّ العبّاسي (ت 169 هـ)؛ لأنّه لم يكن في آخر الزمان،

____________________

(70) مسند أحمد، 5، 277.

(71) البدء والتاريخ، 2، 174، الفصل السابع.

(72) سنن ابن ماجة، 2، 1336، رقم 4082، الحديث الأوّل، مِن باب خروج المهديّ.

٢٤

ولم يحثُ المال حثْواً، ولم يُبايَع بين الركن والمقام، ولم يَقتل الدجّال، أو يَنزل نبيّ الله تعالى عيسى (عليه السلام) معه ليساعده على قَتْل الدجّال، ولم تظهر أدنى علامة مِن علامات ظهور المهديّ المتّفق عليها بين الفريقين (73) .

ج - إنّ المهديّ العبّاسي حَكَمَ مِن سنة 158 هـ إلى سنة 169 هـ، وهي السنة التي مات فيها، وفي ذلك دليل قاطع على أنّه ليس المهديّ الموعود الذي يأتي آخر الزمان.

____________________

(73) راجع: صحيح البخاري، 4، 205، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل. و 9، 75، كتاب الفتن، باب ذِكر الدجّال، وقارن مع شروح صحيح البخاري التالية:

1 - فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، 6، 383 - 385.

2 - إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري، للقسطلاني، 5، 419.

3 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني، 16، 39 - 40، من المجلّد الثامن.

4 - فيض الباري على صحيح البخاري، للكشميري الديوبندي، 4، 44 - 47.

5 - حاشية البدر الساري إلى فيض الباري، لمحمّد بدر، 4، 44 - 47.

وصحيح مسلم، 1، 136، رقم 244 و 245. و 1، 137، رقم 246، باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبي ّ نا. وصحيح مسلم بشرح النووي، 2، 189، بنفس عنوان الباب، و 18، 61، من كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18، 23 و 58 و 78، من الكتاب السابق، وكذلك 18، 38 و 39.

وقارن مع: مسند أحمد، 3، 80. ومصنَّف ابن أبي شيبة، 15، 196، رقم 19485 و 19486. والمستدرك، 4، 454. والحاوي للفتاوى، 2، 59 و 62 و 63 و 64. والمصنَّف، لعبد الرزّاق، 11، 371، رقم 20770، مِن باب المهديّ.

وانظر كذلك: مستدرك الحاكم، 4، 520، وتلخيصه للذهبي. وكنز العمّال، 14، 272، رقم 38698. ومسند أحمد، 3، 37. وسنن الترمذي، 4، 506، رقم 2232. ومجمع الزوائد، 7، 313. وكتابنا: دفاع عن الكافي، 1، 243 - 275.

فستعلم علم اليقين، أنّ ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في هاتيك المواضع، إنّما هو في الإمام المهديّ، بل ومِن علامات ظهوره الشريف اتّفاقاً، وإنْ لم يُصرّحا باسمه، أو لقبه!

٢٥

وفيه أيضاً، أنّ حُكمَ المهديّ العبّاسي إحدى عشرة سنة، ولا توجد لدينا رواية واحدة - ولو موضوعة - بأيٍ مِن كُتب الفريقين تحدّد مدّة حُكم المهديّ المنتظر بتلك المدّة، على الرغم مِن اختلافها كما سيأتي.

د - شهد عصر المهديّ العبّاسي تدخّلاً فظيعاً مِن قِبَل ربّات الحجول في شؤون دولته، فقد ذكر الطبري تدخّل الخيزران زوجة المهديّ العبّاسي بشؤون دولته، وأنّها استولت على زمام الأمور تماماً في عهد ابنه الهادي (169 - 170 هـ) (74) ، ومَن يكون هذا شأنه فكيف يسمّى بخليفة الله في أرضه؟!

هـ - حديث أحمد ضعّفه ابن القيّم في (المنار المنيف) بعليّ بن زيد، فقال: (وعليّ بن زيد قد روى له مسلم متابعة، ولكن هو ضعيف، وله مناكير تفرّد بها، فلا يُحتجّ بما ينفرد به) (75) .

كما ضَعّف حديث ابن ماجة أيضاً بيزيد بن أبي زياد، ثمّ قال: (وهذا - أي حديث ابن ماجة - والذي قبله لم يكن فيه دليل على أنّ المهديّ الذي تولّى مِن بني العبّاس، هو المهديّ الذي يخرج في آخر الزمان...) (76) .

2 - حديث نصب الرايات السود بإيلياء :

وهذا الحديث أخرجه الترمذي في سننه بسنده، عن أبي هريرة، أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (تخرج مِن خراسان رايات سود، فلا يردّها شيء

____________________

(74) راجع كتابنا: الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي، الفروع، 42، ففيه أمثلة كثيرة مِن هذا النوع.

(75) المنار المنيف، 137، ذيل الحديث 338.

(76) المنار المنيف، 138، ذيل الحديث 339.

٢٦

حتّى تُنصب بإيلياء) (77) .

والكلام فيه كالكلام في ما تقدّم عليه؛ إذ لا تصريح فيه بكون المهديّ عبّاسياً.

وقد أجاب ابن كثير عن هذا الحديث بعد أن أورده فقال: (هذا حديث غريب، وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني، فاستلب بها دولة بني أُميّة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أُخرى تأتي بصحبة المهديّ... - إلى أن قال -: والمقصود أنّ المهديّ الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويُبايَع له عند البيت، كما دلّ على ذلك نصّ الحديث، وقد أفردتُّ في ذكر المهديّ جزءاً على حدة، ولله الحمد) (78) .

أقول:

إنّ استغلال أحاديث المهديّ مِن قِبَل العبّاسيّين - كما ستقف عليه - قد نتجت عنه آثار سلبية في تقييم بعض أحاديث المهديّ (عليه السلام) لا سيّما حديث الرايات، فهذا الحديث قد رُوي بطرقٍ شتّى مِن قِبَل الفريقين، وقد صحّح الحاكم بعض طُرُقِه على شرط الشيخين البخاري ومسلم (79) ، وتضعيف بعض طُرُق الحديث لا يعني ردّ حديث الرايات بتمام طُرُقه، والحكم عليه بالوضع.

ولا يبعد اتّخاذ بني العبّاس لبس السواد شعاراً لهم؛ بهدف احتواء الأحاديث الصحيحة الواردة في توطئة حكم الإمام المهديّ على أيدي أصحاب

____________________

(77) سنن الترمذي، 4، 531، رقم 2269.

(78) النهاية في الفتن والملاحم، 1، 55.

(79) مستدرك الحاكم، 4، 502.

٢٧

الرايات السود، وهم قوم مِن المشرق؛ تمهيداً لدعواهم في المهديّ العبّاسي، وإلاّ فمِن الصعب جدّاً القول بضعف حديث الرايات لتضافر؛ طُرُقه لدى الفريقين.

3 - حديث: المهديّ مِن وُلْد العبّاس عمّي:

روى هذا الحديث ثلاثة نفر مِن الصدر الأوّل وهم: كعب الأحبار، وعثمان بن عفّان، وعبدالله بن عمر.

أمّا حديث كعب الأحبار، فقد رواه ابن حمّاد، عن الوليد، عن شيخ، عن يزيد بن الوليد الخزاعي، عن كعب، وفيه: (المهديّ من وُلْد العبّاس) (80) .

وأمّا حديث عثمان، فقد أورده محبّ الدين الطبري في (ذخائر العقبى) نقلاً عن أبي القاسم السهمي، عن عثمان، أنّه قال: (سمعت رسول الله (يقول: المهديّ مِن وُلْد العبّاس عمّي) (81) .

وأمّا حديث ابن عمر، فقد رواه ابن الوردي في (خريدة العجائب) مرسَلاً عن ابن عمر ولم يرفعه، قال: (رجل يخرج مِن وُلْد العبّاس) (82) .

وفي هذه الأحاديث الثلاثة ما يأتي:

أمّا الأوّل: فلا حجّة فيه أصلاً، إذ رُوي بلفظٍ مُبهم (عن شيخ)، فسنده منقطع اتّفاقاً؛ لأنّ ما اشتمل سنده على لفظٍ مُبهم يسمّى بالمنقطع اصطلاحاً (83) ، وقد يسمّى بالمجهول أيضاً، وهو ما رواه رجل غير موثَّق،

____________________

(80) الملاحم والفتن، 103.

(81) ذخائر العقبى، 206.

(82) خريدة العجائب وفريدة الغرائب، 199.

(83) مقدّمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح، 144.

٢٨

ولا مجروح، ولا ممدوح، أو غير معروف أصلاً، كقولهم: عن رجلٍ، أو: عن شيخٍ، أو: عمّن ذكره (84) .

وحُكم الحديث المجهول، أو المنقطع، كحُكم المرسَل، قال في الرواشح: (وفي حكم الإرسال إبهام الواسطة، كعن رجل...) (85) ، ولم تثبت حج ّ يّة المرسَل عند الفريقين، إلاّ ما كان مِن احتجاجات الشافعي بمراسيل سعيد بن المسيّب، وقبول بعض علماء الشيعة الإمامية مراسيل ابن أبي عُمَير، على ما هو معروفٌ لدى المشتغلين بعلوم الحديث.

وحديث ابن حمّاد، لا هو مِن مراسيل ابن المسيّب، ولا هو مِن مراسيل ابن أبي عُمَير، فهو ساقط عن الاعتبار جزماً ما لم يؤيّده حديث صحيح، وهو مفقود في المقام.

هذا زيادةً على أنّ كَعْباً لم يرفعه برواية ابن حمّاد، كما أنّ كَعْباً نفسه فيه قول سيّئ صدر عن لسان ابن عمر نفسه (86) .

أمّا عن حديث ابن عمر - وهو الثالث - فمثل الأوّل في الوقف والإرسال، ويزيد عليه بعدم التصريح بالمهديّ، إذ قد تكون فيه إشارة إلى أنّ هذا (الرجل) الذي سيخرج مِن وُلْد العبّاس إنّما سيكون سفّاحاً لا مهديّاً، والمهمّ أن لا دلالةَ فيه على ما نحن فيه.

وأمّا عن حديث عثمان - وهو الحديث الثاني - فقد أجمع العلماء مِن أهل السُنّة على ردّه! وإليك التفصيل:

____________________

(84) معرفة علوم الحديث، 27.

(85) الرواشح السماوية، 171.

(86) راجع: تفسير الطبري، 22، 145. ففيه تكذيب ابن عمر لكعب الأحبار في مرويّاته التفسيرية صراحةً، وطعنه باليهودية، إذ قال بحقّه: (ما تنتكت اليهودية في قلب عبدٍ فكادت أن تفارقه).

٢٩

فقد أورده السيوطي في (الجامع الصغير) عن الدارقطني في (الإفراد) وقال: (حديث ضعيف) (87) . وقال المنّاوي في شرح الحديث: (رواه الدارقطني في الإفراد، ثمّ قال: قال ابن الجوزي: فيه محمّد بن الوليد المقري؛ قال ابن عديّ: يضع الحديث، ويصله، ويسرق، ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذّاب؛ وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصحّ منه، وأمّا هذا ففيه محمّد بن الوليد، وضّاع، مع أنّه لو صحّ حُمِل على المهديّ ثالث العبّاسيّين) (88) .

كما أورده السيوطي أيضاً في (الحاوي) عن (الإفراد) للدارقطني و (تاريخ دمشق) لابن عساكر، ثمّ قال: (قال الدارقطني: هذا حديث غريب، تفرّد به محمّد بن الوليد مولى بني هاشم) (89) ، أي: مولى العبّاسيّين.

وأورده ابن حجر الهيتمي في (الصواعق)، وحكى عن الذهبي قوله: (تفرّد به محمّد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث) (90) .

وأورده الصبّان في (إسعاف الراغبين)، عن ابن عديّ، وقال: (وفي إسناده وضّاع ولم يسمعهم) (91) .

ونقل الأستاذ الفضلي عن الألباني، أنّه قال في ابن الوليد: (قلت: وهو متّهم بالكذب، قال ابن عديّ: كان يضع الحديث، وقال أبو عروبة: كذّاب، وبهذا أعلّهُ المنّاوي في (الفيض)، نقلاً عن ابن الجوزي، وبه تبيّن خطأ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في الجامع الصغير) (92) .

____________________

(87) الجامع الصغير، 2، 672، رقم 9242.

(88) فيض القدير شرح الجامع الصغير، 6، 278، رقم 9242.

(89) الحاوي للفتاوى، 2، 85.

(90) الصواعق المحرقة، 116.

(91) إسعاف الراغبين، 151.

(92) في انتظار الإمام، 37.

٣٠

وقال أبو الفيض الغماري الشافعي في (إبراز الوهم المكنون) - بعد أن أورده عن الدارقطني -: (وهو غريب منكَر، وقد جمع بأنّه عبّاسيّ الأُمّ، حسنيّ الأب، وليس بذاك، بل الحديث لا يصحّ) (93) .

4 - حديث أُمّ الفضل:

وهو ما رواه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)، بإسنادهما عن أحمد بن راشد الهلالي، عن حنظلة، عن طاووس، عن ابن عبّاس، عن أُمِّ الفضل بنت الحارث الهلالية، عن سعيد بن خيثم، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو حديث طويل جاء فيه: (... يا عبّاس! إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولوُلْدك، منهم السفّاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهديّ) (94) .

وفي هذا الحديث جملة مِن الملاحظات في سنده ومتنه، وهي:

أ - قال الذهبي عن سند الحديث: (وفي السند أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبر باطل في ذِكر بني العبّاس مِن رواية خيثم عن حنظلة... - إلى أن قال - عن أحمد بن راشد: فهو الذي اختلقه بجهل) (95) .

ب - في متن الحديث علّة قادحة واضحة تدلّ على جهل واضعه بالتاريخ، ولعلّها هي السبب في قول الذهبي: (اختلقه بجهل)، وهي أنّ العبّاسيّين قد ابتدأ حُكمهم بسنة 132 هـ باتّفاق جميع المؤرّخين، وليس بسنة 135 هـ كما هو في المتن.

ج - لا دلالة في هذا الحديث - حتّى مع القول بصحّته - على أنّ

____________________

(93) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون، 563.

(94) تاريخ بغداد، 1، 63. وتاريخ دمشق، 4، 178.

(95) ميزان الاعتدال، 1، 97.

٣١

المهديّ الموعود به في آخر الزمان هو مِن وُلْد العبّاس، بل غاية ما يفيده هو الإخبار عن المستقبل الذي يُسيطر فيه وُلْد العبّاس على مقدّرات الأمّة، وإنّ أوّلهم هو السفّاح وثانيهم المنصور، وثالثهم المهديّ العبّاسي (ت 169 هـ).

د - مِن أمارات وضعه ما ورد في الحديث نفسه بأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال مخاطباً العبّاس: (وأنت عمّي وصنو أبي، وخير مَن أُخلِّف بعدي مِن أهلي).

أقول:

لا أظنّ أنّ أحداً منصفاً مِن المسلمين قرأ قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في سائر الصحاح والمسانيد، وغيرها من كتب الحديث عند الفريقين بحقّ عليٍّ (عليه السلام): (أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)، ثمّ يجرأ بعد هذا في تفضيل العبّاس (رضي الله تعالى عنه) عليه بمثل حديث أحمد بن راشد الهلالي الذي أعرضت عنه كتب الحديث.

5 - حديث عبدالله بن عبّاس:

وهذا الحديث كحديث أُمِّ الفضل، وفيه، عن ابن عبّاس، أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال عن عمّه العبّاس: (هذا عمّي، أبو الخلفاء الأربعين، أجود قريش كفّاً، وأجملها، مِن وُلْده: السفّاح، والمنصور، والمهديّ، بي يا عمّ فتح الله هذا الأمر، وسيختمه برجل مِن وُلْدك).

فقد أورده السيوطي في (اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)، وقال: (موضوع، المتّهم به الغلابي) (96) .

وأورده ابن كثير في (البداية والنهاية)، وقال: (وهذا أيضاً موقوف، وقد

____________________

(96) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، 1، 434 - 435.

٣٢

رواه البيهقي مِن طريق الأعمش، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس مرفوعاً: (منّا السفّاح، والمنصور، والمهديّ). وهذا إسناد ضعيف، والضحّاك لم يسمع مِن ابن عبّاس شيئاً على الصحيح، فهو منقطع، والله العالم) (97) .

كما أورده الحاكم، مِن طريقٍ وقع فيه إسماعيل بن إبراهيم المهاجر، عن أبيه (98) ، وقد نقل أبو الفيض الغماري الشافعي عن الذهبي: أنّ إسماعيل مُجمَع على ضعفه، وأباه ليس بذلك (99) .

أقول:

ما حكم به السيوطي هو في محلّه، ويشهد عليه متن الحديث نفسه؛ لأنّ الخلفاء مِن بني العبّاس لم يكونوا أربعين خليفة، ومَن راجع (تاريخ الخلفاء) للسيوطي، عَلِم أنّ عددهم في العراق سبعة وثلاثون خليفة، وفي مصر خمسة عشر، كما أنّ العبّاس (رضي الله تعالى عنه) لم يكن أجود قريش كفّاً، بل أجودهم بعد نبيّهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَن شهد له القرآن الكريم بذلك، إذ بات وأهله ثلاث ليالٍ طاوين بطونهم ابتغاء مرضاة الله!

6 - حديث آخر لابن عبّاس:

روى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده، عن ابن عبّاس، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال لعمّه العبّاس: (.. إنّ الله ابتدأ بيَ الإسلام، وسيختمه بغلامٍ مِن وُلْدِك، وهو الذي يتقدَّم لعيسى بن مريم) (100) .

____________________

(97) البداية والنهاية، 6، 246.

(98) مستدرك الحاكم، 4، 514.

(99) إبراز الوهم المكنون، 543.

(100) تاريخ بغداد، 3، 323. وأخرجه مِن طريق آخر بسنده عن عمّار بن ياسر، وفي كلاهما محمّد بن مخلد العطّار.

٣٣

وهذا الحديث ضعّفه الذهبي وقال عنه: (رواه عن محمّد بن مخلد العطّار، فهو آفته، والعجب أنّ الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعِّفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله)! (101) .

وأخرجه محبّ الدين الطبري في (ذخائر العقبى) بسنده، تارة عن عبدالله بن عبّاس، وأُخرى عن أبي هريرة، باختلاف عمّا في رواية الخطيب، وكلاهما مِن المرسَل (102) ، وقد مرّ رأي الفريقين في الحديث المرسل.

كما أورد القنوچي في (الإذاعة) ثلاثة أحاديث بهذا الشأن عن عمّار، وأبي هريرة، وابن عبّاس. ثمّ نقل عن الشوكاني قوله: (قلت: ويمكن الجمع بين هذه الثلاثة أحاديث، وبين سائر الأحاديث المتقدّمة، بأنّه مِن وُلْد العبّاس مِن جهة أُمِّه، فإنْ أمكن الجمع بهذا، وإلاّ فالأحاديث، أنّه مِن وُلْد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرجح) (103) .

قلت:

لا يصحّ مثل هذا الجمع، وقد غفل الشوكاني عمّا في أحاديث كون المهديّ مِن وُلْد العبّاس - ومِن ضمنها هذه الأحاديث الثلاثة -، من تفضيل صريح للعبّاس عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على سائر الأمّة، وهذا ما دأب على إشاعته مُثبتو أركان الخلافة العبّاسية، ولهذا نرى أنّ أبا الفيض الغماري الشافعي قد ردّ مثل هذا الجمع بقوّة (104) .

____________________

(101) ميزان الاعتدال، 1، 89، رقم 328.

(102) ذخائر العقبى، 206.

(103) الإذاعة لِما كان وما يكون بين يدي الساعة، 135.

(104) إبراز الوهم المكنون، 563.

٣٤

هذا، وقد روى الشيخ المفيد بسنده عن سيف بن عميرة، أنّه قال: (كنت عند أبي جعفر المنصور، فقال لي ابتداءً: يا سيف بن عميرة! لا ب ُ دّ مِن منادٍ ينادي مِن السماء باسم رجلٍ مِن وُلْد أبي طالب.

فقلت: جُعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا؟!

قال: إي والذي نفسي بيده؛ لسماعُ أُذُني له.

فقلت: يا أمير المؤمنين! إنّ هذا الحديث ما سمعتُه قبل وقتي هذا!

فقال: يا سيف! إنّهُ لحقٌّ، وإذا كان فنحن أوّل مَن يجيبه. أَمَا إنّ النداء إلى رجلٍ مِن بني عَمِّنا.

فقلت: رجلٌ مِن وُلْد فاطمة؟!

فقال: نعم يا سيف؛ لولا أنّني سمعت مِن أبي جعفر محمّد بن عليّ يحدّثني به، وحدّثني به أهلُ الأرض كُلُّهم ما َقبِلْتُه منهم، ولكنّه محمّد بن عليّ) (105) .

ويؤيّد هذا الحديث، الحديثُ الذي أخرجه أغلب المحدِّثين وهو أنّ: (المهديّ حقٌّ وهو مِن وُلْد فاطمة) حتّى تكرّر في أكثر مِن ثمانين مصدراً حديثيّاً مهمّاً عند الفريقين، وفيهم مَن صرّح بتواتره، وأنّه لا معارض له بقوّة ثبوته، وقد مرّت الإشارة إليه، ومَن نصَّ على روايته في صحيح مسلم.

وفي (لوائح الأنوار) للسفاريني الحنبلي، قال تحت عنوان: (الأحاديث في كون المهديّ مِن وُلْد العبّاس) ما نصّه:

(إنّ الروايات الكثيرة، والأخبار الغزيرة ناطقة أنّه مِن وُلْدِ فاطمة البتول ابنة النبيّ الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) (ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين)، وجاء في بعض الأحاديث أنّه مِن وُلْدِ العبّاس، والأوّل أصحّ...؛ لأنّ

____________________

(105) الإرشاد، 2، 370 - 371، في باب ذِكر علامات القائم (عليه السلام).

٣٥

الأحاديث التي [فيها] أنّ المهديّ مِن وُلْدِها أكثر وأصحّ، بل قال بعض حفّاظ الأمّة، وأعيان الأئمّة: إنّ كون المهديّ مِن ذرّيّته (صلّى الله عليه وسلّم) (ممّا تواتر عنه ذلك، فلا يسوغ العدول، ولا الالتفات إلى غيره) (106) .

ولهذا نجد أنّ الشيخ الألباني قد ردّ على السيّد محمّد رشيد رضا، صاحب (المنار)، الّذي أعَلَّ الأحاديث الواردة في الإمام المهديّ (عليه السلام) بعلّة التعارض فقال: (وهذه علّة مدفوعة؛ لأنّ التعارض شرطه التساوي في قوّة الثبوت، وأمّا نصْب التعارض بين قويٍّ وضعيف فممّا لا يسوِّغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم مِن هذا القبيل) (107) .

* * *

____________________

(106) لوائح الأنوار البهية، نقلاً عن الإمام المهدي (عليه السلام) عند أهل السنّة، 2، 10 (وعبارة اللوائح مصوّرة فيه).

(107) حول المهدي، 646.

٣٦

الفهرس

المقدمة: 1

تواتر أحاديث المهديّ (عليه السلام) 6

اختلاف الأحاديث في نَسَبْ الإمام المهديّ (عليه السلام) 17

أحاديث المهديّ مِن وُلْد العبّاس عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) 23

1 - حديث الرايات السود 24

2 - حديث نصب الرايات السود بإيلياء: 26

3 - حديث: المهديّ مِن وُلْد العبّاس عمّي: 28

4 - حديث أُمّ الفضل: 31

5 - حديث عبدالله بن عبّاس: 32

6 - حديث آخر لابن عبّاس: 33

٣٧