أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة12%

أهل البيت في تفاسير أهل السنة مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 480

أهل البيت في تفاسير أهل السنة
  • البداية
  • السابق
  • 480 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49277 / تحميل: 7868
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

الشيخ حكمت الرحمة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

مقدّمة المؤسّسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله أوّلاً وآخراً، وله الشكر واجباً، ثمّ الصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، اللّهم صلِّ عليهم كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد.

وبعد:

لم يأتِ في شريعة من الشرائع السماويّة حثٌّ وتأكيد على طلب العلم مثل ما جاء في شريعة الإسلام، بل لا غَرْو لو قيل إنّ الإسلام والعلم صنوان لا يفترقان.

فالمتتبّع للتراث الإسلامي يجد هذه الحقيقة جليّة نُصْب عينيه لا تحتاج معها إلى عناء البحث والتدقيق، بل ورد في تراثنا الإسلامي الأصيل طرق وآداب وأحكام لطلب العلم ما يُبهر العقول.

حتّى أنّ المشرّع الإسلامي دخل في الآداب الدقيقة بين المعلّم والمتعلّم كما هو شأنه في مجالات الحياة الأخرى، فقد وُضع لكلّ شيء قواعد وضوابط.

ولعلّ واحدة من أروع قواعد العلم التي حثّ عليها المشرّع الإسلامي هي تعقّل العلم، وعدم الاكتفاء بنقله، وهذا ما أكّدت عليه النصوص الإسلاميّة بمشاربها المختلفة.

فقد ورد عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) قوله: ( اعقلوا الخبر إذا سمعتموه

٥

عقل رعاية لا عقل رواية، فإنّ رواة العلم كثير، ورعاته قليل ) (١) .

ومن هنا خطت مؤسّستنا خطواتها الواثقة في إبراز مكانة أهل البيت ( عليهم السلام ) ونشْر علومهم، اعتماداً على الأدلّة الناصعة والبراهين القاطعة التي استقتْها من الكتاب والسنّة، متخذةً المنهج العلمي الصحيح في دراسة الأدلّة والوصول من خلالها إلى نور الحقيقة.

لذا، احتضنتْ مجموعة من المؤلّفين والباحثين والمحقّقين، ووفّرت لهم السبل الكفيلة للوصول إلى هذا الغرض المنشود.

وكان من بينهم كاتبنا: ( الشيخ حكمت الرحمة ) ، وكتابه الموسوم: ( أئمّة أهل البيت في كتب أهل السنّة ) الماثل بين يدي قارئنا الكريم.

حيث تناول فيه الكاتب قضيّة طالما أُريد طمسها وإخفاؤها عن الملأ الإسلامي، أَلاَ وهي مكانة ومرجعيّة أهل البيت ( عليهم السلام ) في الواقع الإسلامي، والتي لا يخفى ما لها من تأثير فعّال في مُجمل حركة الفرد والمجتمع، مستنداً في بحثه على ما ورد في كتب أهل السنّة من روايات وأخبار صحيحة على مبانيهم الحديثيّة، وما ضمّتْه كتبهم بين دفّاتها من أقوال علمائهم وأعلامهم، مثبّتاً - بما لا يقبل الشكّ - أنّ لأهل هذا البيت ( عليهم السلام ) مقاماً سامياً أراده الله لهم، وتراثاً علميّاً ضخماً، ومحوريّة ومركزيّة في المجتمع الإسلامي أجمع.

فعلى مدى أحد عشر فصلاً عقدها في تتبّع تلك الآثار والروايات والأقوال من كتب أخواننا أهل السنّة، أفضى بنا إلى نتيجة قطعيّة وهي اتّفاق كلمة

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ١٨/٢٥٤، دار إحياء التراث العربي.

٦

المسلمين بكلّ مشاربهم ومذاهبهم على هذه الحقيقة.

فلذا يتّضح جليّاً أنّ أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يتّبعوهم لهوىً أو عصبيّة، وإنّما وجدوا الحقّ معهم واضحاً، والطريق إليهم لاحِبَاً، والتمسّك بهم واجباً، واتّضح أيضاً أنّ لهم علوماً غزيرة وتراثاً فكريّاً ضخماً شهد به كبار علمائهم وأعلامهم؛ لذا حقّ لمؤلّفنا أنْ يتساءل في خاتمة كتابه عن سرّ عدم وجود هذا التراث الضخم في كتب أخواننا أهل السنّة، ونحن نشاطره هذا التساؤل؛ إذ لا يُعقل أبداً القول بأنّ هذا التراث قد فُقد، فهو ليس بكتاب أو كتابين، أو تراثٍ لشخصٍ مجهول مهمل خامل الذكر، بل هو تراث مَن قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) بحقّهم في الحديث الصحيح، بل المتواتر:

( إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ).

وقبل أنْ نترك قارئنا الكريم وهو يتصفّح طيّات هذا الكتاب لا يفوتنا أنْ نشكر كلّ مَن ساهم في إخراجه، سائلين المولى الكريم - جلّت أسماؤه - التوفيق لما فيه خير الدارين، ومستمدّين منه العون، إنّه نعم المولى ونعم النصير.

مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة

٧

٨

مقدّمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين، وبعد:

فإنّ الحقيقة هدف سامٍ يَنشده كلّ الأحرار، وضالّة يسعى نحوها العقلاء، ويتحرَّون مختلف الأساليب في الوصول إليها، فالاندفاع نحو معرفتها أمر فطري جُبلتْ عليه النفوس وسار عليه بنو البشر، بل صار معشوقهم الذي يهفون نحوه ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل الحصول عليه.

والحقيقة مع ما لها من نور جلي واضح، إلاّ أنّها قد تَخفى أحياناً وتتراكم عليها سُحُب داكنة تحول دون ظهور نورها المُشرِق.

بَيْد أنّ تلك السُحُب مهما كانت قاتمة ومتراكمة، لكن لا يسعها أنْ تُدْرِس أثر الحقيقة أو تكتم أنفاسها إلى الأبد، فإنّ هناك قبسات من وَهَجها تبقى هنا وهناك، تُنير درب الساعي إليها وتوصله إلى ضالّته المنشودة.

وهذا الوصول يحتاج إلى قلوب تتعشّق تلك الحقيقة، وتُنْصِف السير نحوها، بعيداً عن التمسّك بتلك الأوهام التي حاولت طمس الحقيقة، والحيلولة دون بزوغ شمسها المتوهّجة.

وتحتاج أيضاً إلى مَن يَنفض عنها تلك التراكمات؛ ليظهر نورها ساطعاً جليّاً، وتعود مشرقة زاهرة تسرّ الناظرين.

وفي تاريخنا الإسلامي تلاطمتْ أمواج الحقّ بالباطل كثيراً، وانتشرت الفتن، وقَوِيَتْ الصراعات، وأخذتْ كثير من الأيدي تُزيِّف الحقائق وتضع

٩

الأخبار وتُضلّل الأفكار والعقول؛ خدمةً لأغراضها ومصالحها الشخصيّة، فاختفتْ وغُيّبت - لأجل ذلك - كثير من الحقائق.

ومن أبرز الحقائق التي أُريد تغييبها وطمسها هي: محوريّة أهل البيت ومركزيّتهم ومرجعيّتهم، وسموّ وجلالة قدرهم.

فحيكت ضدّهم المؤامرات ومورستْ تجاههم شتّى أنواع الضغوط والحروب، وعُمِل على فصلهم عن المجتمع الإسلامي وفصل المجتمع الإسلامي عنهم.

يقول المَنَاوِي معلّقاً على حديث ( إنّكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي ) :

( هذا من معجزاته الخارقة؛ لأنّه إخبار عن غيبٍ وقد وقع، وما حلّ بأهل البيت بعده من البلاء أمر شهير، وفي الحقيقة البلاء والشقاء على مَن فعل بهم ما فعل ) (١) .

فما لقيه أهل البيت ( عليهم السلام ) من الظلم والجور والاضطهاد والتنكيل أمر مشهور لا يخفى على أحد، وكأنّ النبي لم يوصِ بهم ولم ينوّه إلى عظم منزلتهم، مع أنّ حديث الثقلين ( الأمر بالتمسّك بالكتاب والعترة ) لوحده كافٍ في معرفة قدْر أهل البيت وعظيم منزلتهم، فكيف إذا أضفنا إليه العديد من الآيات والروايات الدالّة على جلالتهم، بل ووجوب اتّباعهم، لكنّ الضمائر الميّتة أبت إلاّ أنْ تعمل على تغييب الحقيقة وطمْسها بشتّى الوسائل، فمضافاً إلى القتل والتشريد راحتْ الأقلام - بغضاً لأهل البيت - تضع فضائل لمناوئيهم وأعدائهم، كما عمد الكثير إلى تضعيف الروايات الواردة في

____________________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير: ٢ / ٧٠١، دار الكتب العلميّة.

١٠

حقّهم ( عليهم السلام ).

وكان لهذا التغييب الإعلامي - والذي استمرّ إلى اليوم - أثر كبير في تشويش ذهنيّة المسلمين وإبعادهم عن هذا الخط الإسلامي الأصيل، حتّى أنّ الكمَّ الهائل من مثقّفي أهل السنّة لا يعرف إلى اليوم مَن هو جعفر الصادق ومحمّد الباقر وغيرهم من أئمة أهل البيت؛ لأنّه لم يسمع من علمائه مديحاً واحداً حول هذه الشخصيّات المباركة، ولم يعرف قدرهم ومركزيّتهم في العالم الإسلامي.

ومن أجل الكشف عن هذه الحقيقة المغيَّبة، ارتأينا أنْ نكتب كتاباً نستلّ فيه مِن طَيّات كتب أهل السنّة ما يوضّح جلالة قدر أهل البيت وعظم منزلتهم؛ فإنّ هناك الكثير من الكلمات لعلماء وأعلام أهل السنّة في بيان سموّ مقام أهل البيت ظلّت مختبئة بين دفّات الكتب ولم ترَ النور، ولم يتسنّ للقارئ السُنّي معرفتها، بل لعلّه لم يتصوّر يوماً أنّه سيجد مثل هذه الكلمات في كتب علمائه وأعلامه، هذا فضلاً عمّا سيجده من الآيات والروايات الواردة في بيان مقامهم ( عليهم السلام ).

لذا، فإنّ كتابي هذا جاء موجّهاً لقرّائي الأعزّاء من الأخوة من أهل السنّة، خصوصاً الطبقة المثقّفة منهم من أساتذة وطلبة وأدباء وشعراء وغيرهم؛ ليروا منزلة أهل البيت ثمّ ليحكموا بما يُمليه عليهم الضمير الحر.

وقد جاء الكتاب مرتّباً على أحد عشر فصلاً وخاتمة وملحق.

* تضمّن الفصل الأوّل - الذي حمل اسم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) - بعضاً من الآيات القرآنيّة والروايات الواردة في عموم أهل البيت بما

١١

فيهم علي بن أبي طالب ( عليهم السلام )، أو المختصّة به سلام الله عليه، مع بيان مختصر لدلالاتها، ولم نتطرّق فيه إلى ذكر كلمات علمائهم في حقّه؛ لأنّ ذلك بيّن غير خافٍ، وفي الآيات والروايات غنًى وكفاية، لكن تناولنا فيه بعض كلمات العلماء الدالّة على أنّ علياً ( عليه السلام ) أكثر الصحابة فضائل.

* وجاء الفصل الثاني - الذي حمل اسم: الحسن والحسين عليهما السلام - شبيهاً بسابقه، حيث اقتصرنا فيه على ذكر بعض الآيات والروايات الشاملة لأهل البيت بما فيهم الحسن والحسين عليهما السلام، أو المختصّة بهما من دون تطرّق إلى كلمات العلماء في حقّهما.

وكان منهجنا في هذين الفصلَين الاقتصار على ما صحّ عند علماء أهل السنّة من الروايات، من دون تعرّض إلى الروايات الضعيفة على مبانيهم إلاّ على سبيل الشاهد، والمتابع ونحوهما.

* وتعرّضنا في الفصول: الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر - وهي الفصول التي حملتْ عناوينها أسماء الأئمّة من علي بن الحسين وإلى الحسن العسكري عليهم جميعاً سلام الله، تعرّضنا إلى كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في القرون المختلفة الدالّة على عظم وجلالة قدر ومقام أهل البيت ( عليهم السلام )، وأنّهم كانوا من أكابر العلماء والفقهاء والأجلاّء...

* أمّا الفصل الحادي عشر - آخر فصول الكتاب - وهو الفصل المتعلّق بالإمام المهدي ( عليه السلام ) ، فقد أشرنا في بداية الفصل - باختصار - إلى مسألة المهدويّة في الفكر الإسلامي، ثمّ سلّطنا الضوء على مسألة ولادة محمّد بن الحسن ( عليه السلام )، وذكرنا طائفتَين من أقوال علماء وأعلام أهل السنّة في ذلك.

١٢

* وفي جميع فصول الكتاب قدّمنا تعريفاً مجملاً عن الإمام الذي يحمل عنوانُ الفصلِ اسمَه؛ ليكون مدخلاً إلى معرفة الإمام ( عليه السلام )، ولم نلتزم في مقدّمات الفصول بالاقتصار على ما ورد عند أهل السنّة، بل أخذنا فيه من كتب الشيعة أيضاً؛ لأنّها لم ترد في مقام الاحتجاج.

* وفي الخاتمة أشرنا إلى أمرين في غاية الأهمِّيّة، يتعلّقان بمسألة تمسّك علماء أهل السنّة بأئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ).

* أمّا الملحق فأثبتنا فيه ترجمة لأكثر الشخصيّات التي قالت بولادة محمّد بن الحسن أو بمهدويّته - عجّل الله تعالى فرجه الشريف -.

* هذا مجمل ما أثبتناه في هذا الكتاب، وينبغي أنْ ننوّه إلى عدّة أمور:

الأوّل:

إنّ الكلمات التي ذكرناها في الكتاب لم تُخصَّص بفرقة من أهل السنّة دون أخرى، فدوّنا كلمات علماء الأشاعرة، والمعتزلة، والسلفيّة، والصوفيّة من دون إشارة إلى معتقده؛ لأنّ الكل يُعدّ من علماء وأعلام أهل السنّة.

الثاني:

إنّ الصلاة على النبي محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) الواردة في هذا الكتاب أثبتناها كما ذكروها في نصوصهم من دون تصرّف بها، أمانةً منّا للنقل، فما كان فيهم مَنْ ذكر الآل ذكرناها، ومَن اقتصر على الصلاة البتراء ولم يذكر الآل أثبتناها أيضاً كما هي.

الثالث:

إنّ هذا الكتاب جاء مختصراً سواء في ذكر الروايات أمْ الأقوال؛ ليسهل تناوله وقراءته، ويكون مفتاحاً لرؤية نور الحقيقة.

١٣

وفي الختام أقدّم شكري وامتناني إلى مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة لدعمها هذا المشروع ورعايته بصورة كاملة.

كما أقدّم جزيل امتناني إلى جميع الأخوة الذين ساهموا في إنجاح الكتاب من: طباعة وتقويم وتصحيح وإخراج، وأخصّ بالذكر سماحة الشيخ زكريّا بركات صاحب فكرة الكتاب، والذي أردفني بمجموعة من الملاحظات القيّمة كان لها الدور الكبير في وصول هذا السِفر إلى ما هو عليه الآن.

هذا، ولا يفوتني أنْ أُهدي ثواب هذا العمل إلى روح والدي الشهيد، الذي قضى أنفاسه الأخيرة تحت سياط الجلاّدين البعثيّين، سائلاً الله أنْ يتغمّده برحمته الواسعة ويحشره مع محمّد وآله.

والحمد لله ربّ العالمين

حكمت الرحمة

١٤

الفصل الأوّل

أوّل أئمّة أهل البيت

أمير المؤمنين

علي بن أبي طالب عليه السلام

١٥

١٦

نافذة إلى معرفة الإمام

ليس ثَمّة مَن يجهل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ): مولى المتّقين، وأمير المؤمنين، ووارث علم النبيّين، وخليفة رسول ربّ العالمين، منبع الفضائل، ومنتهى المكارم، والقمّة الشامخة السامية التي ينحدر عنها السيل ولا يرقى إليها الطير.

فأنّى للقلم أنْ يكتب في صفاته، وماذا عساه يسطّر في بيان كمالاته، وقد حارت العقول والأفهام أمام شموخ فضائله التي ملأتْ الخافقَين، ومكارم أخلاقه التي وسعتْ الكونَين.

وشهد بفضله وعلوّ مقامه العدوّ قبل الصديق؛ لأنّ النور دائماً أقوى من الظلام ووهج الحقيقة يأبى أنْ يكتمه تراكم الدخان، لذا سطع نور عليٍّ عالياً يُضيء دربَ البشريّة ويمدّها بمنهاج الرسالة المحمّديّة الخالدة، وتسابقتْ الأقلام لتتشرّف في تخليد هذه الشخصيّة العظيمة وتبجيلها.

قال الإمام الآجري:

( شرّفه الله الكريم بأعلى الشرف، سوابقه بالخير عظيمة، ومناقبه كثيرة، وفضله عظيم، وخطره جليل، وقدره نبيل، أخو الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم )، وابن عمّه، وزوج فاطمة، وأبو الحسن والحسين، وفارس المسلمين، ومفرّج الكرب عن رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم )، وقاتل الأقران، الإمام العادل، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتّبع للحقّ، المتأخّر عن الباطل، المتعلّق بكلّ خُلُق شريف، الله عزّ وجل ورسوله له مُحِبَّان، وهو لله والرسول محبّ، الذي لا يحبّه إلاّ مؤمن تقي، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي، معدن العقل والعلم،

١٧

والحلم والأدب، رضي الله عنه ) (١) .

وحيث إنّ فضائل علي ( عليه السلام ) عظيمة شهيرة تناولتْها كتب الفريقَين؛ لذا لا نجد حاجة لسرد كلماتهم كما سيأتي التنويه إليه بعد قليل، وقبل ذلك نقدّم للقارئ بطاقة تعريف بالإمام ( عليه السلام ):

-هو: الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب ( عليه السلام )، أبو الحسن الهاشمي القرشي.

-( وأُمّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشميّة، وهي بنت عمّ أبي طالب، كانت من المهاجرات ) (٢) ، ( و هي أوّل هاشميّة ولدتْ هاشميّاً، قد أسلمتْ وهاجرت ) (٣) ، ( وكانت بمحلٍّ عظيم من الأعيان في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وتُوفِّيت في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وصلّى عليها ) (٤) .

عن أنس بن مالك قال:

( لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، أُمّ علي، دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلس عند رأسها، فقال: رحمك الله يا أُمّي، كنتِ أُمّي بعد أُمّي، تجوعين وتُشبعيني، وتَعْرَيْن وتكسيني،

____________________

(١) نقلها المحقّق آل زهوي في مقدّمته على كتاب: خصائص الإمام علي للنسائي: عن كتاب: الشريعة: ٣ / ١١٩.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث وفيّات ( ١١ - ٤٠هـ ) عهد الخلفاء الراشدين: ٦٢١، دار الكتاب العربي.

(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١٢٨، دار الكتاب العربي.

(٤) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٠٨، دار المعرفة.

١٨

وتمنعين نفسَك طيباً وتطعميني، تُرِيْدِيْنَ بذلك وجْهَ الله والدار الآخرة، ثمّ أمر أنْ تُغسّل ثلاثاً، فلمّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) بيده، ثمّ خلع رسول الله قميصَه فألْبَسَهَا إيّاه، وكفّنها بِبُرْدٍ فوقه، ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد، وأبا أيّوب الأنصاري، وعمر بن الخطّاب، وغلاماً أسود يحضرون، فحفروا قبرَها، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول الله بيده وأخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه، فقال: الله الذي يُحيي ويُميت وهو حيّ لا يموت، اغفر لأُمّي فاطمة بنت أسد ولَقِّنْهَا حُجَّتها، ووسّع عليها مَدْخَلَهَا، بحقّ نبيّك والأنبياء الذين مِن قبلي، فإنّك أرحم الراحمين... ) (١) .

-وُلد ( عليه السلام ): بمكّة، في البيت الحرام، يوم الجمعة، الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل (٢) .

قال الحاكم ووافقه الذهبي:

( فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدتْ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، في جوف الكعبة ) (٣) .

-كنيته: أبو الحسن، وكنّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أبا تراب (٤) ، لمّا رآه ساجداً معفّراً وجهه في التراب، ومِن كُناه أيضاً: أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتَين (٥) .

____________________

(١) المعجم الكبير للطبراني: ٢٤ / ٣٥١، دار إحياء التراث العربي.

(٢) الإرشاد للمفيد: ١ / ٥، مؤسّسة آل البيت.

(٣) المستدرك على الصحيحين وبهامشه ( تلخيص المستدرك ) للذهبي: ٣ / ٤٨٣، دار المعرفة.

(٤) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١٢٨، دار الكتاب العربي.

(٥) انظر: إعلام الورى للطبرسي: ١ / ٣٠٧، مؤسّسة آل البيت.

١٩

-ألقابه: أمير المؤمنين (١) ، والمرتضى، والوصي (٢) ، وقد لقّبه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد الأوصياء، وسيّد العرب (٣) .

- كان علي ( عليه السلام ) هو الإمام والخليفة الشرعي للمسلمين بعد وفاة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وعلى ذلك النصوص الصريحة الصحيحة في كتب الفريقَين وسيأتي التعرّض لبعضها أثناء البحث.

- كان علي ( عليه السلام ) أخا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام (٤) .

- كان من السابقين الأوّلين شهد بدراً وما بعدها (٥) ، وثبت في الصحيحَين أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أعطاه الراية في يوم خيبر، وأخبر أنّ الفتح يكون على يديه، وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة (٦) .

- اشتهرتْ مناقبُه وفضائله وملأتْ الخافقين، وقد صرّح أحمد بن حنبل وغيره بأنّه: ( لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد، أكثر ممّا جاء في علي )، وسيأتي التعرّض لذلك بعد قليل إنْ شاء الله.

____________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث ( ١١ - ٤٠ هـ ) عهد الخلفاء الراشدين: ٦٢١، دار الكتاب العربي.

(٢) مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي: ١ / ٥٩، مؤسّسة أُمّ القرى.

(٣) إعلام الورى للطبرسي: ١ / ٣٠٧، مؤسّسة آل البيت.

(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١٢٨، دار الكتاب العربي.

(٥) تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث ( ١١ - ٤٠ هـ ) عهد الخلفاء الراشدين: ٦٢٢، دار الكتاب العربي.

(٦) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١٢٨، دار الكتاب العربي.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فـلهفي لـهُ يـشكو ظـماهُ لـمثلهِ

ويـرجـعُ مـن تـأميلهِ غـير ناجحِ

فـقالَ لـهُ: ارجـع يابُني إلى العدى

لـتُمسي قـريرَ الـعينِ ريّا الجوانحِ

وتـشربها مـن كـأسِ جدّكَ شربةً

تـقيكَ الـظما والـضيمَ بـعدُ بفادحِ

فـعرّج لـلهيجاءِ لـيس بـناكـلٍ

ولـجّج فـي الأوسـاطِ لا مـتجانحِ

فـللهِ ذاكَ الـغصن غـضاً شـبابهُ

ذوى فـهوى فـوقَ الصفا والصفايحِ

بـكتهُ مـواضيهم دمـاً وتـشاجرت

عـليهِ وشـيجاتِ الـقنا الـمتناوحِ

كـأنّ بـهِ بـيضُ الـصفايحِ ولّـعاً

فـكـم لاعـتناقٍ تـنثني وتـصافحِ

تـصافحُ بـيضَ الـهندِ صفحةُ خدّهِ

وتـهـفو لـهُ أعـلامهم كـالمراوحِ

إلـى أن غـدا فـي اللهِ شلواً موزّعاً

لـسمرِ الـعوالي أو لبيضِ الصفايحِ

تـحنُّ عـليهِ الـخيلُ عـندَ صهيلها

إذا مـا عـلا بـالويلِ نوحُ النوائحِ

٤١

فـيا مـأتماً بـالطفِّ بـين صواهلٍ

أُقـيمَ عـلى ذهـرٍ وبـين صوايحِ

أهـابَ بـربّاتِ الحجى من حجالها

وكنَّ مـكـانَ الـنيّراتِ لـلائحِ

فـأبرزها حـرُّ الـمصابِ حواسراً

تـعادى على جمرِ الجوى والجوانحِ

بُـنيَّ عـلى الـدنيا العفا مذ تركتها

ورحـتَ إلـى دارِ الـمنى والمنايحِ

فـأمسيتَ مـا بـينَ الـنبيِّ وفاطمٍ

وأمـسيتُ مـا بينَ العدى والكواشحِ

كـدحتَ إلى الرضوانِ لكن تركتني

وراءكَ فـي بـؤسٍ من العيشِ كادحِ

فـلـستُ لـرزءٍ بـعدَ ذاكَ بـواجدٍ

ولا بـنـعيمٍ عن لـقاكَ بـفادحِ

أعده عـدنـان وبـجدة هـاشمٍ!

ونـجدة فـهر يـوم ضـيق المنادحِ

نـعت مـضرُ الحمراء فيكَ فخارها

وأثـكلتَ بـالعليا قـريش الأبـاطحِ

مُـنى الـنفس لا تبعد فإنّ جوانحي

لـغيركَ مـا عـمّرت غـير جوانحِ

٤٢

تـقاصرتُ عـمراً واستطلتُ مفاخراً

فـكنتُ كـلمعِ الـسقطِ من زندِ قادحِ

ولـولا حذار السمرِ صيّرتُ موضعاً

لـشلوكَ فـي أحشاي لا في القرائحِ

فـإن تـقضَ ظـمآناً فـلي بكَ أدمعٌ

سـتغني ثـرى مثواكَ عن كلِّ دالحِ

وهـيهات أن ترقى وكيفَ وقد غدتْ

تـدفّع عـن قـلبٍ من الحزنِ طافحِ

وشـدّ عـليهم شـدّةَ الـليثِ مغضباً

يـطارحهم بـالعضبِ شرَّ المطارحِ

صـفوحٌ عن الجاني فإن سيمَ بالأذى

وشـرب الـقذى سل الظّبا غير صافحِ

حـريبٌ لـغيرِ الصلحِ غير محاربٍ

ولـكن لـغيرِ الـموتِ غير مصالحِ

وقـالَ خذيني يا سيوفُ فليسَ لي

وراءهمُ بـالعيشِ بـلغةَ نـاجحِ

وعادَ لأطـرافِ الأسـنّةِ مـنهباً

جـراحاتها مـنهُ بـملءِ الـجوارحِ

ألا يـا بـني الهادي يعزُّ على الهدى

مـصارعكمْ تـحتَ السوافي اللوافحِ

٤٣

فـلهفي عـليكم لـلرماحِ رؤوسـكمْ

وأجـسـامكم لـلعادياتِ الـضوابحِ

دمـاؤكمْ شـربَ الـعواسلِ والظّبا

وأشـلاؤكم طـعمَ الطيورِ الجوراحِ

عطاشى على شاطي الفراتِ فلا هنتْ

مواردهُ شـربـاً لـغادٍ ورائـحِ

ألا لا جـرى مـن بعدكم ماءُ منهلٍ

جـزرتم عـلى شاطيهِ جزرَ الذبايحِ

وأنـكى رزايـا الـدهرِ أنّ حريمكمْ

تـجشّم لـلشاماتِ طـي الصحاصحِ

سـباياً بـأيدي الـظالمينَ طـلائحاً

تُـساقُ عـلى حـلاّسِ عجقٍ طلايحِ

تـحـنُّ حـنينَ الـفاقداتِ فـصيلها

روازح ثـكلٍ فـوقَ هـزلِ روازحِ

تـجاري مـلثّ الـمزنِ من عبراتها

بـجاري دمـوعٍ كـالغوادي روايحِ

سـوى أنّـها تـنهلُّ من صفحِ ناظرٍ

يـسيرُ بـدمعٍ عـن دمِ القلبِ ناضحِ

فـيا لـرزاياكم عـلى بُـعدِ عهدها

تـقرّبُ لـي مـن لوعتي كلَّ نازحِ

٤٤

رمـتكم بنو سفيانَ عن قوسِ كفرها

بـجائحةٍ أنـست أمـضّ الـجوانحِ

ذهـبتم بـها مـلء الـسماءِ مناقباً

وراحـوا بـها ملء الفضا بالفضائحِ

لـئن فـاتني بـالطفِّ حظي ولم أقم

لـديكم مـقامَ الـناصحِ الـمتناصحِ

فـفي كـبدي قـرحٌ بكم لم أزل بهِ

أجـودُ بـنفسي أو تـجودُ قـرائحيِ

قـوافي لـم تـصلح ولـكن أعدّها

لـذكركمُ فـي الـباقياتِ الـصوالحِ

سـقيمات صـوغ اللفظِ لكن عقودها

أتـت عـن نوايا في ولاكم صحائحِ

عـساها بكم إن خفّ ميزانُ طاعتي

تـردّ بـميزانٍ مـن الـعفو راجحِ(١)

٤ - قال الشيخ عبد الحسين صادق (طاب ثراه):

عـهـدي بـربعهمُ أغـنّ الـمعهدِ

ونـديّه يـفترُّ بـالروضِ الـندي

____________________

(١) شعراء الغري ٨ / ١٦٠.

٤٥

ما بـالهُ درسَ الـجديدَ جـديدُهُ

ومـحـا مـحاسنَ خـدّهِ الـمتورّدِ

أفـلـت أهـلّته وغـابت شـهبُهُ

في رائـحٍ لـلنائباتِ ومـغتدي

زمَّـت ركـابُ قـطينهِ أيدي سبا

تـفـلي الـفلاةَ بـمتهمٍ وبـمنجدِ

ولـقد وقـفتُ بـه ومعتلج الجوى

بـجوانحي عن حبسِ دمعيَ مقعدي

فـتخالني لـضناي بـعض رسومهِ

ولـحرِّ أحـشائي أثـافي ومصعدِ

أرنو إلـيه ونـاظري مـتقسّمٌ

بـطـلـولهِ لـمـصوّب متوقّـدِ

ما إن أرى إلاّ الـحمائم هـتّفاً

مـا بـين غـرّيدٍ وصـيداحٍ شدي

نـاحت ونـحتُ وأين منّي نوحُها

شـتّانَ نـوحُ شـجٍٍ وسـجعٌ مفردِ

لـي لا لـها العينُ المرقرقُ دمعها

والـمهجةُ الـحرّاءُ والقلبُ الصدي

حـجرٌ عـلى عيني يمرُّ بها الكرى

مـن بـعدِ نـازلةٍ بـعترةِ (أحمدِ)

٤٦

أقـمارُ تـمّ نـالها خـسفُ الردى

واغـتالها بـصروفهِ الزمنُ الردي

شـتـى مـصائبُهمْ فـبينَ مـكابدٍ

سـمّـاً ومـنحورٍ وبـينَ مـصفّدِ

سـل كـربلا كـم مهجةٍ (لمحمّدٍ)

نُـهبت بـها وكـم استجذّت من يدِ

ولـكـم دمٍ زاكٍ أُريـقَ بـها لـكم

جـثمان قـدسٍ بـالسيوفِ مـبدّدِ

وبـها على صدرِ الحسينِ ترقرقتْ

عـبـراتهُ حـزنـاً لأكـرمِ سـيّدِ

وعـليُّ قـدرٍ مـن ذؤابـةِ هـاشمٍ

عـبقت شـمائلهُ بـطيبِ الـمحتدِ

أفـديـهِ من ريـحانةٍ ريّـانةٍ

جـفّت بـحرِّ ظـما وحـرّ مـهنّدِ

بـكر الـذبولِ على نضارةِ غصنهِ

إنّ الـذبولَ لآفـةُ الـغصنِ الندي

مـاءُ الـصبا ودمُ الـوريدِ تجاريا

فـيهِ ولاهـبُ قـلبهِ لـم يـخمدِ

لـم أنـسهُ مـتعمّماً بـشبا الـقنا

بـينَ الـكماةِ وبـالأسنّةِ مـرتدي

٤٧

يـلـقى ذوابـلها بـذابلِ مـعطفٍ

ويـشـيمُ أنـصلها بـجيدٍ أجـيدِ

خـضبت ولـكن مـن دمٍ وفـراته

فـاحمرّ ريـحانُ الـعذارِ الأسـودِ

جـمعَ الـصفاتِ الغرَّ وهي تراثهُ

مـن كـلِّ غـطريفٍ وشهمٍ أصيدِ

في بأسِ (حمزةَ) في شجاعةِ (حيدرٍ)

بـإبى (الحسين) وفي مهابةِ (أحمدِ)

وتـراهُ فـي خـلقٍ وطيبِ خلائقٍ

وبـليغِ نـطقٍ كـالنبي (مـحمدِ)

يـرمي الـكتائبَ والفلا غصّت بها

فـي مـثلها مـن عـزمهِ المتوقّدِ

فـيـردّها قـسراً عـلى أعـقباها

فـي بـأس عـرّيسِ العرينةِ ملبدِ

ويـؤوبُ لـلتوديعِ وهـو مـكابدٌ

لـظما الـفؤادِ ولـلحديدِ الـمجهدِ

صـادي الـحشا وحسامهُ ريّان من

مـاءِ الـطلا وغـليلهُ لـم يـبردِ

يـشكو لـخيرِ أبٍ ظماهُ وما اشتكى

ظمأ الحشا إلاّ إلى الضامي الصدي

٤٨

فـانـصاعَ يـؤثرهُ عـليه بـريقهِ

لـو كـانَ ثـمّةَ ريـقُه لـم يجمدِ

كـلُّ حـشاشتُهِ كـصاليةِ الـغضا

ولـسـانُهُ ظـمـأٍ كـشقّةِ مـبردِ

ومـذ انـثنى يـلقى الكريهة باسماً

والـموتُ مـنهُ بـمسمعٍ وبـمشهدِ

لـفّ الـوغى وأجالها جولَ الرحى

بـمـثقّفٍ من بـأسهِ ومـهنّدِ

عـثر الـزمان بـهِ فغودرَ جسمه

نـهبَ الـقواضبِ والـقنا المتقصّدِ

ويـحُ الردى يا بئسَ ما غال الردى

مـنهُ هـلال دجـى وغـرّة فرقدِ

يـا نجعةَ الـحيينِ هاشم والـندى

وحـمى الـذمارينِ الـعُلا والسؤددِ

كـيف ارتقت هممُ الردى لكَ صعدةً

مـطـرودةُ الـكعبينِ لـم تـتأوّدِ

فـلتذهب الـدنيا عـلى الدنيا العفا

مـا بـعدَ يـومكَ من زمانٍ أرغدِ(١)

____________________

(١) ديوانه (عرف الولاء) ٢ / ١٣١.

٤٩

٥ - قال الشيخ جعفر النقدي (رحمه الله):

لـتبك بـقاني الـدمعِ بينَ الملاحمِ

لـشبهِ رسـولِ اللهِ أسـيافُ هاشمِ

وتـلطمُ لـكن فـي رؤوسِ اُمـيّة

عـليهِ دوامَ الدهرِ بيضُ الصوارمِ

فـقد وزّعـت أشلاءهُ في جموعهمْ

ومـا قـرعت حـربٌ لهُ من نادمِ

صبيحة أضحى السبطُ لم يرَ ناصراً

يـدافعُ عـنهُ غـيرَ رمحٍ وصارمِ

هـناك عـليُّ الأكـبر الطهر للقا

تـحلّى بـعضبٍ لـلأباطلِ حاسمِ

وحـزمٌ يـزيلُ الراسياتِ وعزمهُ

أحـدُّ وأمضى من حدودِ الصوارمِ

ووجـهٌ كـبدرِ الـتمِّ يشرقُ نورُهُ

ولا لـيل غـير الـعثير المتراكمِ(١)

سـطا كـالعفرنى في جيوشِ اُميّةٍ

فـفرّت عـلى وجهِ الثرى كالبهائمِ

كـأنّ الـظبا الـبتّارَ ظـامٍ بكفّهِ

ولا ورد إلاّ فـي الـكلا والجماجمِ

____________________

(١) لا يخفى ما في البيت من خلل عروضي واضح.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

٥٠

فـماجت بـنو سفيانَ تحتَ حسامهِ

وقـد بـلغت أرواحُـها لـلحلاقمِ

فـمن قـائلٍ هذا هو الندب حيدرٌ

ومـن قـائلٍ ذا أحـمد ذو المكارمِ

وزاغـت بهِ أبصارُ أعداه مذ رأت

لـهُ سـطوات أقـعدت كـلّ قائمِ

فـما أحـدٌ مـنهم تـلقّى حـسامهُ

هـنالك غـير الرجس بكر بن غانمِ

فـبادرهُ شـبلُ الـحسينِ بـضربةٍ

لـها خـضعت شمّ الجبالِ العظائمِ

فأودى إلى الغبراءَِ من فوقِ سرجهِ

صريعاً بأنفٍ منه في الأرضِ راغمِ

وسـارعت الأبـطالُ رعباً لوجهها

عـلى حـذرٍ فـي خطبها المتفاقِمِ

فـكرّ بـماضي الـعزمِ شبهُ محمّدٍ

عـليهم كمثلِ الصقرِ خلفَ الحمائمِ

بـدت آيـةُ الـفتحِ الـمبينِ لسيفهِ

ولـلنصرِ بـانت واضحاتُ العلائمِ

فـحالَ القضا والسيفُ أودى لرأسهِ

فـخرَّ عـلى الغبراءَ بينَ الملاحمِ

٥١

ودارَ عـليهِ الـقومُ من كلِّ جانبٍ

بـبيضٍ مـواظيها وسـمرِ اللهازمِ

فـحـيّا أباهُ بـالسلامِ ورزؤهُ

يـموجُ كـموجِ الـعيلمِ الـمتلاطمِ

ولـبّاهُ سـبطُ الـمصطفى لحشاشةٍ

بـها ظـفرت أيدي الجوى والمآتمِ

وشقّ صفوفَ القومِ بالسيفِ وانحنى

عـليهِ بـقلبٍ فـي الصبابةِ هائمِ

وأحـنى عـليهِ واضـعاً حرّ خدِّهِ

عـلى خـدّهِ والـدمعُ شبهُ الغمائمِ

ونـادى على الأيامِ من بعدكَ العفا

ولا زهـت الـدنيا بـمقلةِ شـائمِ

بـنيَّ فـدتكَ النفسُ نهضاً فإنّ بي

أحـاطَ العدى من كلِّ رجسٍ وظالمِ

لـقد فـتّتَ الأحشاءَ منّي وأوهنتْ

قـواي وكـلّت يـابُنيَّ عـزائمي

فـلهفي عـلى ذاكَ الـمحيّا معفّراً

ولـهفي عـلى تلكَ الخدودِ النواعمِ

٥٢

ولـهفي عـلى ذاكَ الـقوامِ مجدّلاً

ولـهفي عـلى تلكَ الثغورِ البواسمِ

٦ - قال السيد محمّد جمال الهاشمي (رحمه الله):

هـلهلت بـاسم سـيفه كـربلاءُ

فـتهادى الـعُلا ومـاسَ الإبـاءُ

بـطل تـنطقُ الـشجاعةُ مـنه

وتـفـيضُ الـمخايلُ الـعصماءُ

وفـتى بـاسمه الـمكارمُ تـشدو

وتـشـيدُ الـحـريّةُ الـحمراءُ

عـلـويُّ الـشعاع قـد أطـلعته

مـن سـماها الـصديقةُ الزهراءُ

مـن بـني هـاشمِ الـهداة ولكن

فـضّـلـتهم آلاؤهُ الغـرّاءُ

سـبط طـاها يحكيه خَلقاً وخُلقاً

فـلـهُ مـنـهُ مـنطقٌ وبـهاءُ

وحـفيد الـوصي يـعربُ عـنه

بـأسـه إذ تـثـيره الـهـيجاءُ

٥٣

ووليد الحسين حـاز مـعاليـ

ـهِ وبـالـوردِ تُـعـرفُ الأشـذاءُ

ولـدته الـشموسُ حـتّى تسامى

كـوكباً مـنهُ تـزهرُ الأجـواءُ

ونـمتهُ الـسيوفُ فـهو حـسامٌ

أرهـفـتهُ الـخطوبُ والأرزاءُ

هـلهل الـطفُّ حين لاح عليٌّ

فـارسـاً تـحتفي بـهِ الـخيلاءُ

واشـرأبّت لـهُ الـعيونُ اندهاشاً

أهـو وجـهٌ أم كـوكبٌ وضّـاءُ

طـلعة تـصعقُ الـعيونَ ونورٌ

عـنه في الجذب حدّث الكهرباءُ

بـطل يـعضدُ الشجاعةَ باللطـ

ـف ولللطف تـخـضعُ الأقـوياءُ

تـتحاشى حـسامهُ وهـو نـارٌ

تـلـتظي فـي لـهيبهِ الأشـلاءُ

فـتفرُّ الـصفوفُ مـنهُ انذعاراً

فـهو لـيثٌ فـي بأسهِ وهي شاءُ

تـترامى الـقتلى حـواليهِ أمّـاً

راعـهـم مـن حـسامهِ إيـماءُ

٥٤

لـستُ أدري أسـيفهُ كانَ أمضى

فـتـكة أم عـيـونهُ الـنّجلاءُ

يـتلقّى الـسيوفَ جـذلانَ إذ في

حـدّها تـلمعُ الأمـاني الوضاءُ

ويـردّ الـرماحَ وهـي كـعوبٌ

نـثـرتهنَّ كـفّـهُ الـبـيضاءُ

آه لولا الـظما لأنـبأ عـنهُ الـ

ـطفُّ مـا تـحتفي بـهِ الأنباءُ

لاهفُ القلب يستقي المجدَ من كفْـ

ـفيـهِ ما تـرتوي بـهِ الـعلياءُ

أثّـر الـحرُّ فـي قـواهُ فراحت

تـشتكي مـن كـفاحهِ الأعضاءُ

وإذا جـفّ مـنهلُ الـحقِّ زالت

روعـةُ الزهرِ واضمحلَّ الرواءُ

فـانثنى لـلخيامِ لـهفان يـبغي

جـرعةً تـرتوي بـها الأحشاءُ

فـاستدارت بـهِ الـثكالى تفدْ

ديهِ وقـد مضّها الأسـى والبكاءُ

تـلكَ اُمٌّ ولـهى وهـاتيك أختٌ

أذهـلـتها الـحوادثُ الـسوداءُ

٥٥

واحـتفت زيـنبٌ بهِ في حماسٍ

ألـهـبتهُ الـعـقيدة الـخـشناءُ

يـعربُ الـبشرَ وجـهُها وبجفنيـ

ـها شـجونٌ فـصيحةٌ خـرساءُ

مـشـهدٌ لـلـوداعِ قـد مـثّلتهُ

لـتـهزّ الـرجالَ فـيهِ الـنساءُ

وأتاهُ الـحسينُ يـسألُ عـمّا

جـاءَ فـي شـبلهِ ومـاذا يشاءُ

وهـل الـماءُ قصدهُ وهو أدرى الـ

ـناس أن لـيس في المخيّمِ ماءُ

فـرأى هـيئةً يـجنُ بـها الفنْ

نُ وتـعيا عـن وصـفها الشعراءُ

أعـلـي يراهُ أم جـبـرئيلٌ

أنـزلتهُ عـلى الـحسينِ السماءُ

لا فـقد جـاوزَ الـملائكَ حـدّاً

وتـعـالى فـمـا لهُ أكـفاءُ

قـالَ مـهلاً يابنَ الحقيقة إنّا

فـي مـجازٍ يـدبُّ فـيهِ الفناءُ

لا تـجاهر بـما تـحسُ فللنسـ

ـر مـطارٌ تـنحطُّ عـنهُ الـحداءُ

٥٦

وانـبرى يـختمُ الـخزانة بـالخا

تمِ والـشرّ شـأنهُ الإخـفاءُ

وانـثنى لـلوغى عـليٌّ وفي يُمـ

ـناهُ سـيفٌ تـسيلُ مـنهُ الدماءُ

حـفّزتهُ عـلى الـشهادةِ نـفسٌ

تـتـباهى بـقـدسها الـشهداءُ

فطوى الجيشَ ينشرُ الموتَ حتّى

شـتّـته غـاراتـهُ الـشـعواءُ

آه لـولا الـقضاء لاندكّ صرحٌ

شـيّـدتهُ الـمـطامعُ الـرعناءُ

لـهف نـفسي لـهُ وقد خضّبتهُ

مـن يـدِ الـبغي ضـربةٌ نكراءُ

أدرى الـرجـسُ مـنقذٌ أنّ فـيهِ

فـجعَ الـبأسَ والإبـا والـفتاءُ

واُصـيب الـنبيُّ فـيهِ وأنّـت

مـن شـجاهُ الـبتولةُ الـعذراءُ

عـانقَ الـمهرَ وهـو يدعو أباهُ

بـنـداءٍ ضـجّت لـهُ الأجـواءُ

وعـليكَ الـسلامُ هـذا وداعـي

فيهِ فاضت روحي وحانَ القضاءُ

٥٧

فـأتاهُ الـحسينُ كالصقر منقضْـ

ـضاً وكالرعد ماجَ فـيهِ الـفضاءُ

فرأى شـبلهُ وقـد وزّعـتهُ

قـطعاً فـي سـيوفها الأعـداءُ

يـرفعُ الـسبطُ طرفهُ وهو يدعو

ربّـهُ فـي رضـاكَ هـذا الفداءُ(١)

٧ - من قصيدة للمرحوم الشيخ محمّد الخليلي:

فـهو فـردٌ في حسنهِ لن يُضاهى

ووحـيدٌ فـي عـصرهِ لن يُراما

عـذتُه فـي عـيونٍ حـسّد قومي

بـشبابِ الـحسينِ عن أن يُضاما

شـبلُ سـبطِ النبي كوكبُ أفقِ الـ

ـطفِّ مَنْ سَنَّ في الوغى الإقداما

طـلبَ الإذنَ مـن أبيهِ لحربِ الـ

ـشركِ فـانهارَ فـارساً مـقداما

جـرّد الـسيفَ وهـو يـزأرُ ليثاً

بـيـنَ جـمـعٍ يـراهمُ أنـعاما

____________________

(١) علي الأكبر - للمقرم / ١٢٩.

٥٨

فـلّ جـيشَ الـعدى بصارمِ عزمٍ

حـيـنما شـدَّ فـيهمُ ضـرغاما

قـلبَ الـقلبَ فـوقَ جـنحيهِ لما

ألـهبَ الـحربَ بالحسامِ ضراما

سوّدَ الـجـو بـالقتامِ ولـكن

بـرقَ صـمصامِه يـشقُّ القتاما

غـرسَ الـطفَّ بالجماجمِ والريْ

يُ دماهـا والـلقحُ كـانَ الـحِماما

فـانبرى حـاصداً بـعضبٍ ولولا

سـيفُ عـبديِّها لأمـست رمـاما

فـثوى فـوقَ مـهرهِ ظنَّ أنّ الـ

ـمهرَ يـنجيهِ أن يـؤمَّ الـخياما

فـجرى المهرُ قاصداً حومةَ المضـ

ـمارِ حـتّى تـوسّطَ الأقـواما

وعلا صـوتهُ عـليكَ سـلامُ الـ

ـلهِ يا والدي فوقَ الخدودِ انسجاما(١)

أسـرعَ الـسبطُ نـحوهُ ونجيعُ الـ

ـقلبِ يجري فوقَ الخدودِ انسجاما

صـارخاً أي بُـني مـا لكَ قد غا

لـكَ خـسفٌ ولـم تـلاقِ التماما

____________________

(١) يبدو أنّ هناك خطأً وقع أثناء النسخ؛ حيث إنّ عبارة(فوقَ الخدودِ انسجاما) تكررت في هذا البيت والبيت الذي يليه مباشرة، وهي هنا واضحة الإقحام.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٥٩

أي بُـني اسـتفق فقد كنتَ ذخري

لـمشيبي إن حـادث الدهرِ ضاما

كنتَ روحي فهل عن الروحِ سلوى

وعـجيب أن لا أُلاقـي الـحِماما

كـنتَ إنـسان نـاظري وغريب

أن أرى لـلعدى عـليكَ ازدحـاما

فـرقة بـالسيوفِ ضرباً وأخرى

بـرماحٍ نـهشاً وأُخـرى سـهاما

لا رعـى اللهُ جـانبَ القومِ إنّ الـ

قـومَ أضحت ولم يراعوا الذماما

لا ولا لاحـظوا شبيه رسولِ اللـ

ـهِ خلـقاً ومـنـطقاً وابـتـساما

وزّعـت شـلوهُ مـخالبُ غـدرٍ

إذ غـدت فـي ضـلالها تتعامى

وغـدت تـستشيطُ لـيلى ولـكن

قـلبها قـبلها اسـتشاطَ ضـراما

وجـرى ذائـباً مـن الـعينِ دمعاً

أحـمـراً قـانياً يـسحُ انـسجاما(١)

____________________

(١) شعراء الغري ١١ / ١٠١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480