أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة12%

أهل البيت في تفاسير أهل السنة مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 480

أهل البيت في تفاسير أهل السنة
  • البداية
  • السابق
  • 480 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49823 / تحميل: 7997
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: هو نائم فسمععليه‌السلام كلامي، فقال: مَن هذا؟ قال ابن عباس يا أمير المؤمنين قال: ادخل، فدخلت، فإذا هو قاعد ناحية عن فراشه في ثوب، جالس كهيئة المهموم فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين الليلة؟ فقال: ويحك يا ابن عباس، وكيف تنام عينا قلب مشغول، يا ابن عباس، ملك جوارحك قلبك، فإذا أرهبه طار النوم عنه، ها أنا ذا كما ترى مذ أوّل اللّيل اعتراني الفكر والسهر لما تقدّم من نقض عهد أول هذه الأمّة المقدّر عليها نقض عهدها.

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر مَن أمر من أصحابه بالسلام عليَّ في حياته بإمرة المؤمنين، فكنت أؤكّد أن أكون بعد وفاته، يا ابن عباس، أنا أولى الناس بالناس بعده، ولكنّ أمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها ونهيها، وصرف قلوب أهلها عنّي.

أقول: وساق كلامهعليه‌السلام في الشكاية عمّن تقدّمه إلى أن قالعليه‌السلام : فالآن يا ابن عباس قرنت بابن آكلة الأكباد، وعمرو، وعتبة، والوليد، ومروان، وأتباعهم، فمتى اختلج في صدري، وألقي في روعي، أن الأمر منقاد إلى دنيا يكون هؤلاء فيها رؤساء يطاعون، فهم في ذكر أولياء الرّحمان يثلبونهم(١) ويرمونهم بعظائم الأمور، من إفك مختلق وحقد قد سبق.

وقد علم المستحفظون ممّن بقي من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ عامّة أعدائي ممّن أجاب الشيطان عليّ، وزهد الناس فيّ، وأطاع هواه فيما يضرّه في آخرته، وبالله عزّ وجلّ الغنى وهو الموفّق للرشاد والسّداد، يا ابن عباس، ويل لمـَن ظلمني ودفع حقّي وأذهب عظيم منزلتي، أين كانوا أُولئك؟ وأنا أُصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صغيراً، لم يكتب عليَّ صلاة، وهم عبدة الأوثان وعصاة الرّحمان، وبهم توقد النّيران.

____________________

(١) ثلبه: تنقّصه.

١٠١

فلمّا قرب إصعار الخدود(١) وإتعاس الجدود، أسلموا كرهاً، وأبطنوا غير ما أظهروا، طمعاً في أن يطفئوا نور الله، وتربّصوا انقضاء أمر الرّسول، وفناء مدّته، لما أطمعوا أنفسهم في قتله، ومشورتهم في دار ندوتهم قال الله عزّ وجلّ:( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٢) . وقال:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٣) .

يا ابن عباس، ندبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته بوحي من الله يأمرهم بموالاتي، فحمل القوم ما حملهم ممّا حقد على أبينا آدم من حسد اللّعين له، فخرج من روح الله ورضوانه، وألزم اللّعنة لحسده لولّي الله، وما ذاك بضاري إن شاء الله شيئاً، يا ابن عباس، أراد كل امرئٍ أن يكون رأساً مطاعاً يميل إليه الدنيا وإلى أقاربه فحمله هواه، ولذة دنياه، واتباع الناس إليه أن يغصب ما جعل لي، ولولا اتقائي على الثّقل الأصغر أن ينبذ فتنقطع شجرة العلم وزهرة الدنيا وحبل الله المتين، وحصنه الأمين، وولد رسول ربّ العالمين؛ لكان طلب الموت والخروج إلى الله عزّ وجلّ عندي ( أهون ) من شربة ظمآن ونوم وسنان، ولكني صبرت وفي الصدر بلابل، وفي النفس وساوس( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) .

ولقديماً ظلم الأنبياء وقتل الأولياء إلى أن قال:( وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ) وأذّن المؤذّن فقال: الصلاة يا ابن عباس لا تفت، أستغفر الله لي ولك وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، قال ابن عباس: فغمّني انقطاع الليل وتلهّفت على ذهابه(٤) .

____________________

(١) صعّر خده تصعيراً وصاعره وأصعره: أماله عن النظر إلى الناس تهاوناً.

التعس: الهلاك. والجدود جمع الجد بالفتح وهو الحظ.

(٢) آل عمران: ٥٤.

(٣) التوبة: ٣٢.

(٤) بحار الأنوار كتاب الفتن والمحن: ط القديم ص١٦٢ ( مكالمة ابن عباس مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ).

١٠٢

فصل

إنكار اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار على أبي بكر ما جرى بعده

روى جماعة من أصحابنا في مصنّفاتهم، أنّه لَمّا استتم الأمر لأبي بكر وصعد المنبر، وجلس في مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنكر ذلك على أبي بكر أثنا عشر رجلاً، ستة من المهاجرين، وهم خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أميّة، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي، وستة من الأنصار، وهم: أبو الهيثم ابن التّيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأُبي بن كعب، وأبو أيّوب الأنصاري.

قال: فلمّا صعد أبو بكر المنبر، تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينّه ولننزلنّه عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الآخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً لأعنتم على أنفسكم، وقد قال الله عزّ وجلّ:( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) (١) ، فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لنستشيره ونستطلع رأيه، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام بأجمعهم، فقالوا:

____________________

(١) البقرة: ١٩٥.

١٠٣

يا أمير المؤمنين، تركت حقّاً أنت أحق به وأولى به، لأنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:

( عليٌ مع الحق والحق مع علي، يميل مع الحق كيف مال )

ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجئناك نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وأيم الله، لو فعلتم ذلك ما كنتم إلاّ حرباً لهم، ولا كنتم إلاّ كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وقد اتفقت عليه الأمة، التاركة لقول نبيّها، والكاذبة على ربّها، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت لما يعلمون من وغر(١) صدور القوم وبغضهم لله عزّ وجلّ، ولأهل بيت نبيّه، وإنّهم يطالبون بثارات الجاهلية، إلى أن قالعليه‌السلام : ولكن ائتوا الرّجل فأخبروه بما سمعتم من نبيّكم، ولا تدعوه في الشبهة من أمره؛ ليكون ذلك أعظم للحجّة عليه، وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربّه وقد عصى نبيّه، وخالف أمره، فانطلقوا حتّى حفوا بمنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يوم الجمعة.

فلمّا صعد أبو بكر المنبر، ذكر كلّ واحد منهم كلاماً في حق عليعليه‌السلام وفي فضله، وما قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، طوينا كشحاً عن ذكره روماً للاختصار، وأوّل من بدأهم بالقول خالد بن سعيد بن العاص، ثم باقي المهاجرين، ثم بعدهم الأنصار، فروي أنّهم لما فرغوا من مقالتهم، أفحم أبو بكر على المنبر حتّى لم يُحِرْ جواباً ثم قال:

ولِّيتكم ولست بخيركم، أقيلوني أقيلوني، فقال عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع، إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لِمَ أقمتَ نفسك هذا المقام، والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة، قال: فنزل، ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله، وبقوا ثلاثة أيّام لا يدخلون مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) الوغر: الحقد والعداوة.

١٠٤

فلمّا كان في اليوم الرابع، جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل، وقال لهم: ما جلوسكم؟ فقد طمع فيها والله بنو هاشم، وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتّى وقفوا بمسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عمر: والله يا صحابة علي، لئن ذهب الرّجل منكم يتكلّم بالذي تكلّم به بالأمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه.

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا ابن صهّاك الحبشية، أبأسيافكم تهدّدوننا، أم بجمعكم تفزعوننا؟ والله إنّ أسيافنا أحدّ من أسيافكم، وإنّا لأكثر منكم وإن كنّا قليلين؛ لأنّ حجّة الله فينا، والله لولا أنّي أعلم أنّ طاعة إمامي أولى به لشهرت سيفي ولجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري(١) ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : اجلس يا خالد، فقد عرف الله مقامك وشكر لك سعيك، فجلس.

وقام إليه سلمان الفارسيّ (رضي الله عنه) وقال: الله أكبر الله أكبر، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلاّ صمّتا يقول: بينا أخي وابن عمّي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه، إذ يكسبه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل مَن معه، ولست أشكّ، ألا وإنّكم هم، فهمَّ به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بمجامع ثوبه، ثمّ جلد به الأرض، ثم قال: يا ابن صهّاك الحبشية، لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدّم، لأريتك أيّنا أضعف ناصراً وأقل عدداً، ثم التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فو الله لا دخلت المسجد إلاّ كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه:( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) (٢) والله لا أدخل

____________________

(١) أبلاه عذراً: أي أدّاه إليه.

(٢) المائدة: ٢٤.

١٠٥

إلاّ لزيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لقضية أقضيها؛ فإنّه لا يجوز لحجّة أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك النّاس في حيرة(١) .

____________________

(١) الاحتجاج: ج١ ص٩٧ بحار الأنوار: ج٢٨ ص١٨٩.

١٠٦

فصل

في ذكر خطبةٍ خطبها للناس(١)

روى الشيخ الكليني في الروضة، بإسناده عن أبي الهيثم بن التّيهان، أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة فقال: الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو، كان حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، فذكر كلامهعليه‌السلام في التحميد لله، والصلاّة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال مخاطباً للناس: أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته، وادّخرتم الخير من موضعه، وأخذتم من الطّريق واضحه، وسلكتم من الحق نهجه لَنَهَجتْ(٢) بكم السبل، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغداً، وما عال فيكم عائل، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلام، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها(٣) ، وسُدّت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتّبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمّة فتركوكم فأصبحتم تحكمون بأهوائكم، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذِّكر، فإذا أفتوكم قلتم: هو العلم بعينه، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه، رويداً، عمّا قليل تحصدون

____________________

(١) وتسمّى بالطالوتية؛ قيل سمّيت بذلك لاشتمالها على ذكر طالوت وأصحابه.

(٢) نهج: أي وضح.

(٣) الرُحب بالضم: السعة.

١٠٧

جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما اجترمتم(١) ، وما أجلبتم ( اجتلبْتم - خ ل ).

والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لقد علمتم أنّي صاحبكم، والّذي به أُمرتم، وأنّي عالمكم، والّذي بعلمه نجاتكم، ووصيُّ نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخيرة ربّكم، ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم، وما نزل بالأمم قبلكم ويسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمّتكم، معهم تحضرون، وإلى الله عزّ وجلّ غداً تصيرون.

أما والله لو كان لي عدَّة أصحاب طالوت(٢) أو عدَّة أهل بدر وهم أعدادكم، ( أعداؤكم خ م ) لضربتكم بالسيف حتّى تؤولوا إلى الحق، وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للفتق وآخذ بالرفق، اللّهمّ فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.

قال: ثم خرجعليه‌السلام من المسجد فمرّ بصيرة(٣) فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال: والله لو أنّ لي رجالاً ينصحون لله عزّ وجلّ ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدد هذه الشياه، لأزلت ابن آكلة الذبان(٤) عن ملكه.

قال: فلمّا أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلاً على الموت، فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : اغدوا بنا إلى أحجار الزيت(٥) محلّقين، وحلق أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فما وافى من القوم محلقاً إلاّ أبو ذر، والمقداد،

____________________

(١) أي ما اكتسبتم من خذلانكم لولي الأمر الحق واتباعكم للطاغوت.

(٢) قيل كان عدة أصحاب طالوت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وقيل غير ذلك.

(٣) الصيرة: حظيرة تتخذ من الحجارة وأغصان الشجر للغنم والبقر.

(٤) الذبّان بالكسر والتشديد: جمع ذباب وكنّى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فإنهم كانوا في الجاهلية يأكلون من كل خبيث نالوه.

(٥) أحجار الزيت: موضع داخل المدينة. ومحلقين: أي لابسين للحلقة وهي السلاح مطلقاً وقيل هي الدروع خاصة.

١٠٨

وحذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر، وجاء سلمان في آخر القوم.

فرفععليه‌السلام يديه إلى السماء فقال: اللّهمّ إنّ القوم استضعفوني كما استضعف بنو إسرائيل هارون، اللّهمّ فإنّك تعلم ما نخفي وما نعلن، وما يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السماء، توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين، أما والبيت والمفضي(١) إلى البيت، ( وفي نسخة ): والمزدلفة والخفاف إلى التجمير، لولا عهد عهده إليّ النبيُّ الأُمّيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأوردت المخالفين خليج المنيّة، ولأرسلت عليهم شآبيب(٢) صواعق الموت، وعن قليل سيعلمون(٢).

____________________

(١) والمفضي إلى البيت: أي ماسه بيده.

(٢) جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر وغيره، وهو هنا على نحو الاستعارة.

(٣) روضة الكافي لثقة الإسلام الكليني: ص٣٠ ح٥ تعليق سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين، ط دار التعارف.

١٠٩

فصل

في روايةٍ رواها ابن أبي الحديد

روى ابن أبي الحديد من كتاب السقيفة بإسناده إلى أبي جعفر الباقرعليه‌السلام : أنّ عليّاً حمل فاطمة (صلوات الله عليهما) على حمار، وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلناه به. فقال عليعليه‌السلام : أكنت أترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميّتاً في بيته لا أجهّزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه. وقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه(١).

وقال أيضاً:

ومن كلام معاوية المشهور إلى عليعليه‌السلام : وعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك، وأدليت إليهم بابنيك، واستنفرتهم(٢) على صاحب رسول الله!!! فلم يجبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة، ولعمري لو كنت محقّاً

____________________

(١) شرح النهج: ج٦ ص١٣، بحار الأنوار: ج٢٨ ص٣٥٢.

(٢) نسخة النهج: واستنصرهم.

١١٠

لأجابوك، ولكنك ادّعيت باطلاً، وقلت ما لا يعرف، ورمت ما لا يدرك، ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لَمّا حرّكك وهيّجك: لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضت القوم فما يوم المسلمين منك بواحد(٢) .

____________________

(١) شرح النهج: ج٢ ص٤٧. وإنّما أورد المصنّف (رحمه الله) هذه الرواية ليدلّل على أنّ عليّاًعليه‌السلام لم يتنازل عن حقّه ولا سكت بداية عنه، وإنّما سكت بعد مدّة؛ لعدم وجود الناصر، وامتثالاً لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحفظاً للإسلام وحفاظاً على الأُمّة.

١١١

فصل

فيما قاله مالك بن نويرة لأبي بكر وما خدع به خالد

قال بعض المحقّقين، فيما لخّصه من كتاب التهاب نيران الأحزان، ما هذا لفظه: فلمّا بُويع لأبي بكر، دخل مالك بن نويرة المدينة لينظر مَن قام بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يوم الجمعة، فلمّا دخل المسجد أبا بكر يخطب على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا نظر إليه قال: هذا أخو تيم؟! قالوا: نعم، قال: فما فعل وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباعه وموالاته، فقال له المغيرة بن شعبة: إنّك غبت وشهدنا، والأمر يحدث بعده الأمر، فقال مالك: والله ما حدث شيء ولكنّكم خنتم الله ورسوله.

ثم تقدّم إلى أبي بكر، فقال: يا أبا بكر، لماذا رقيت منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس؟ فقال أبو بكر: أخرجوا الأعرابي البوّال على عقبيه من المسجد، فقام إليه عمر وخالد وقنفذ، فلم يزالوا يكزون في ظهره حتّى أخرجوه من المسجد كرهاً بعد إهانة وضرب فركب مالك راحلته وهو ينشد ويقول:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكرِ

١١٢

إذا مات بكرٌ قام بكرٌ مكانه(١)

فتلك وبيت الله قاصمة الظّهرِ

بدبّ ويغشاه العشار(٢) كأنّما

يجاهد جمّاً(٣) أو يقوم على قبري

فلو قام بالأمر الوصيّ عليهم(٤)

أقمنا ولو كان القيام على الجمرِ

قال الراوي: فلمّا توطّأ الأمر لأبي بكر، بعث خالد بن الوليد في جيش وقال له: وقد علمت ما قال ابن نويرة في المسجد على رؤوس الأشهاد، وما أنشد من شعره، ولسنا نأمن أن ينفتق علينا منه فتق لا يلتئم، والرأي أنّك تخدعه وتقتله وتقتل مَن كان يبارزك دونه، وتسبي حريمهم، فإنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة.

فسار خالد إليهم، فلمّا رأى مالك بن نويرة الجيش قد أقبل نحوه، لبس لامة حربه واستوى على متن جواده، وكان مالك شجاعاً من شجعان العرب يعدّ بمائة فارس، فلمّا رآه خالد قد برز، خاف منه وهابه وأعطاه العهود والمواثيق على الأمان، فلم يركن إليه، فحلف له بالإيمان المغلّظة أنّه لا يغدر به، فرجع مالك ونزع لامة حربه وأضافهم تلك الليلة.

فلمّا نام القوم، دخل خالد بمَن معه على مالك في بيته وقتله غدراً، ودخل بامرأته في ليلته وأخذ رأسه فوضع في قدر فيه لحم جزور لوليمة العرس، وأمر أصحابه بأكله، ثم سباهم وسمّاهم أهل الردّه، افتراءً على الله وعلى رسوله(٥) .

____________________

(١) إذا مات بكر قام عمرو أمامه، في البحار.

(٢) العشار بالكسر: جمع العشراء وهي الناقة التي مضى لحملها عشرةُ أشهر، ولعلّ تشبيه القوم بالعشار لما أكلوا من الأموال المحرّمة وطمعوا من الولايات الباطلة، ونفي كونها جمّاً تهديد بأنّه وقومه كاملوا الإرادة والسلاح. بحار الأنوار.

(٣) والجم جمع الجمّاء وهي الشاة التي لا قرن لها، الأجَمّ الرجل بلا رمح.

(٤) فلو طاف فينا من قريش عصابة ( خ ل ).

(٥) بحار الأنوار: ج٨ ط القديم ص٢٣٠. كما ذكر قصّة مقتل مالك بن نويرة وتزويج خالد لامرأته في نفس الليلة وموقف كل من أبي بكر وعمر من خالد وسكوتهما عنه وعدم إقامة =

١١٣

فلمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام قتل مالك بن نويرة وسبي حريمه، اغتمّ لذلك غماً شديداً وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

اصبر قليلاً فبعد العسر تيسير

وكلّ أمرٍ له وقتٌ وتقديرُ

وللمهيمن في حالاتنا نظرٌ

وفوق تدبيرنا لله تدبيرُ

( تقدير خ ل ) انتهى(١) .

أقول(٢) : وهذه القصّة ممّا نقلها المخالف والمؤالف، وروي أنّه لما قتل خالد مالكاً ونكح امرأته، كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري، فركب فرسه ولحق بأبي بكر وحلف أن لا يسير في جيش تحت لواء خالد أبداً، فقصّ على أبي بكر القصّة، فقال أبو بكر: لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالدٌ ما أمرته، وإنّ عمر لما سمع ذلك تكلّم فيه عند أبي بكر فأكثر، وقال: إنّ القصاص قد وجب عليه، فلمّا أقبل خالد بن الوليد غافلاً، دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجراً بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهما، فلمّا أن دخل المسجد قام إليه عمر فنزع الأسهم عن رأسه فحطمها.

ثم قال: يا عديّ نفسه، أعدوت على امرئٍ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته، والله لنرجمنّك بأحجارك، وخالد لا يكلّمه، ولا يظنّ إلاّ أنّ رأي أبي بكر مثل رأي عمر فيه، حتّى دخل إلى أبي بكر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه، فخرج خالد، وعمر جالس في المسجد، فقال: هلمّ إليّ يا ابن أمّ شملة فعرف عمر أنّ أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلّمه ودخل بيته.

____________________

= الحد عليه الطبري: ط أوروبا ١ / ١٩٢٧ - ١٩٢٨، والإصابة: ٣ / ٣٣٧، وتاريخ اليعقوبي: ٢ / ١١٠، وكنز العمّال: ط الأُولى: ٣ / ١٣٢، وغيرهم.

(١) علم اليقين: ج٢ ص٦٨٣ إلى ٦٨٥.

(٢) راجع ذلك في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٧ / ٢٠٥ وما بعدها، وتاريخ الطبري: ٣ / ٢٧٩ - ٢٨٠.

واعتجر العمامة: لبسها.

١١٤

قال العلاّمة المجلسي (قُدِّس سرّه): إنّ معاتبة عمر وغيظه على خالد في قتل مالك بن نويرة، لم يكن مراقبة للدين ورعاية لشريعة سيد المرسلين، وإنّما تألّم من قتله لأنّه كان حليفاً له في الجاهلية، وقد عفى عن خالد لما علم أنّه هو قاتل سعد بن عبادة(١) .

رُوي عن بعض أصحابنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ عمر استقبل في خلافته خالد بن الوليد يوماً في بعض حيطان المدينة، فقال له: يا خالد، أنت الّذي قتل مالكاً؟ قال يا أمير المؤمنين: إنْ كنت قتلت مالك بن نويرة لهَنَاتٍ كانت بينكم وبينه، فقد قتلت لكم سعد بن عبادة لهَنَاتٍ كانت بينكم وبينه، فأعجب عمر قوله، وضمّه إلى صدره وقال له: أنت سيف الله وسيف رسوله. انتهى(٢) .

____________________

(١) بحار الأنوار كتاب الفتن والمحن: ص٢٥٧.

(٢) بحار الأنوار: ج٨ ص٢٥٧. وقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١٧ / ٢٢٤ بعد ذكر مقتل سعد بن عبادة بالشام ما نصّه: وما ذلك من أفعال خالد ببعيد.

١١٥

فصل

في عرضهعليه‌السلام القرآن على الناس وما قالوا في جوابه

روى سليم بن قيس، عن سلمان حديث السقيفة، وساق الكلام إلى أن قال: فلمّا أن رأى عليعليه‌السلام غدرهم وقلّة وفائهم له؛ لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفّه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه، وكان في الصحف والشّظاظ والأكتاف والرقاع، فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده تنزيله وتأويله، والناسخ منه والمنسوخ؛ بعث إليه أبو بكر: اخرج فبايع، فبعث إليه عليّعليه‌السلام : إنّي لمشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاّة، حتّى أؤلّف القرآن وأجمعه؛ فسكتوا عنه أيّاماً فجمعه في ثوب واحد وختمه(١) .

وروي عن غيره أنّهعليه‌السلام جاء به إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتركه وصلّى ركعتين وسلّم على رسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنادى عليعليه‌السلام بأعلى صوته: أيّها الناس، إنّي لم أزل منذ قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسوله آية

____________________

(١) سليم بن قيس: ص٨١.

١١٦

منه إلاّ وقد جمعتها، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمني تأويلها، ثم قال عليعليه‌السلام : لئلاّ تقولوا غداً إنّا كنّا عن هذا غافلين، ثم قال لهم عليعليه‌السلام : لا تقولوا يوم القيامة إنّي لم أدعُكم إلى نصرتي، ولم أذكّركم حقّي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه(١) .

وفي رواية أُخرى، فقال عمر: اتركه وامض لشأنك، فقالعليه‌السلام لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوصاكم فقال: إنّي مخلّف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فإن قبلتموه فاقبلوني معه أحكم بينكم بما أنزل الله فيه، فإنّي أعلم منكم بتأويله وبناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وحلاله وحرامه. فقال عمر: فانصرف به معك حتّى لا يفارقك ولا تفارقه، فلا حاجة لنا فيه ولا فيك.

فانصرفعليه‌السلام إلى بيته والقرآن معه، فجلسعليه‌السلام على مصلاّه، ووضع القرآن في حجره وجعل يتلوه، وعيناه تهملان بالدّموع، فدخل عليه أخوه عقيل بن أبي طالب فرآه يبكي، فقال يا أخي: ما لك تبكي؟ لا أبكى الله عينيك، فقالعليه‌السلام : يا أخي، بكائي والله من أمر قريش وتركاضهم في ضلال، وتجاولهم ( تجوالهم خ ل ) في الشقاق وجماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلي، فجزت قريشاً عنّي الجوازي(٢)، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن عمّي، ثم انتحب باكياً، ثم استرجع وقال متمثّلاً:

فان تسأليني كيف أنت فإننّي

صبورٌ على ريب الزّمان صليبُ

يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة

فيشمت عادٍ أو يُساء حبيبُ(٣)

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٨ ص٥١ ط. ق.

(٢) فجزت قريش عن الجوازي. خ علم اليقين.

(٣) علم اليقين للمحدّث الكاشاني ( ره ): ص٦٨٦ ج٢.

١١٧

رجعنا إلى رواية سليم، ثم دخل عليعليه‌السلام بيته، وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع، ولو قد بايع أمنّاه، فأرسل إليه أبو بكر: أجب خليفة رسول الله، فأتاه الرّسول، فقال له ذلك، فقال له عليٌّعليه‌السلام : سبحان الله، ما أسرع ما كذبتم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه ليعلم ويعلم الذين حوله، أنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيري.

وذهب الرّسول فأخبره بما قال له، فقال: اذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال، فقال عليعليه‌السلام : سبحان الله، ما والله طال العهد فينسى، والله إنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلاّ لي، ولقد أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو سابع سبعة فسلّموا عليَّ بإمرة المؤمنين، فاستفهم هو وصاحبه من بين سبعة فقالا: أمن الله ورسوله، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( نعم حقّاً من الله ورسوله إنّه أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغرّ المحجّلين، يقعده الله عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءَه الجنّة وأعداءَه النار ). فانطلق الرسول فأخبره، بما قالعليه‌السلام ، فسكتوا عنه يومهم ذلك.

قال: فلمّا كان الّليل، حمل عليٌّعليه‌السلام فاطمةعليها‌السلام على حمار، وأخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام ، فلم يَدَعْ أحداً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أتاه في منزله، فناشدهم الله حقّه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غير أربعة، هم: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام(١) فإنّا حلَقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنّا بصيرة في نصرته.

____________________

(١) أقول: لعلّ جملة هم: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام بيان من المصنّف ( ره )، وإلاّ فإنّ نسخة المصدر والبحار خالية عنها.

١١٨

فصل

إضرام النار على بيت فاطمةعليها‌السلام

فلمّا أن رأى عليّعليه‌السلام خذلان الناس إيّاه، وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إيّاه؛ لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنّه لم يبق أحد إلاّ وقد بايع غيرَه وغيرَ هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرقّ الرّجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر: مَن نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً فهو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعواناً، وانطلق فاستأذن على عليّعليه‌السلام ، فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد، والناس حولهما فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم وإلاّ فادخلوا بغير إذن.

فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمةعليها‌السلام أُحَرّجُ عليكم أن تدخلوا عليَّ بيتي بغير إذن. فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إنّ فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنّساء، ثم أمر أناساً حوله بتحصيل الحطب، وحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفيه علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام ، ثم نادى عمر حتّى أسمع عليّاً وفاطمةعليهما‌السلام .

١١٩

والله لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله، وإلاّ أضرمت عليك النّار، فقامت فاطمةعليها‌السلام فقالت: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي. فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنّار فأضرمها في الباب، ثم دفعه(١) فدخل، فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام وصاحت: أبتاه يا رسول الله، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر.

فوثب عليّعليه‌السلام فأخذ بتلابيبه فصرعه، ووجأ أنفه ورقبته، وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوصاه به، فقال: والّذي كرّم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة يا ابن صهّاك، لولا كتاب من الله وعهد عهده إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعلمت أنّك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار، وثار عليعليه‌السلام إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج عليعليه‌السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدّته، فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع فإن خرج وإلاّ فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم على فأضرم على بيتهم النار، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار عليعليه‌السلام إلى سيفه، فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً، وحالت بينهم وبينه فاطمةعليها‌السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإنّ في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله.

ثم انطلقوا بعليعليه‌السلام يتلّ(٢) حتى انتهى به إلى أبي بكر، وعمر قائم

____________________

(١) قال المسعودي في إثبات الوصيّة: ص١٢٣: فهجموا عليه وأحرقوا بابه. وقال الشيخ المفيد في الاختصاص: ص١٨٥ - ١٨٦: فلمّا انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره ...

(٢) في المصدر: يعتل عتلاً يعني يجذب جذباً.

واتلّه: أي أوثقه وجرّه.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

موسّع؛ مَنْ شاء الاطلاع، فليراجع كتاب ( صلح الإمام الحسن ) لآل ياسين.

-استشهد ( عليه السلام ): في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة، مسموماً، سقتْه زوجتُه ( جعدة بنت الأشعث ) بأمر من معاوية بن أبي سفيان (١) .

-دُفن ( عليه السلام ): في مقبرة البقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد (٢) ، وقبره ومَن معه من قبور أئمّة الهدى، هناك مهدّمة، قامت بهدمها الفرقة الوهابيّة.

* وأمّا الإمام الحسين ( عليه السلام ): فهو الإمام الثالث من أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ).

-أبوه: علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).

-وأمّه: فاطمة الزهراء، سلام الله عليها، فأكرم به وأنعم.

نَسَبٌ كأنَّ عليهِ مِن شمس الضُّحى = نوراً ومن فَلَقِ الصَّباحِ عَمُودا

-وُلِدَ ( عليه السلام ): في الثالث من شهر شعبان المعظّم، وقيل في الخامس منه، سنة أربع من الهجرة (٣) . وجاءت به أمّه فاطمة عليها السلام إلى جدّه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاستبشر به، وسمّاه حُسيناً وعقّ عنه كبشاً، وهو وأخوه بشهادة الرسول صلّى الله عليه وعليهما، سيّدا شباب أهل الجنّة، وبالاتّفاق الذي لا مِرْيَةَ فيه، سبطا نبيّ الرحمة (٤) .

-كنيته: أبو عبد الله.

-وأما ألقابه، فكثيرة: الرشيد، والطيّب، والوفي، والسيّد، والزكي، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والسبط (٥) .

____________________

(١) إعلام الورى للطبرسي: ١/٤٠٣، مؤسّسة آل البيت.

(٢) المصدر نفسه: ١/٤٠٣.

(٣) انظر: ( إعلام الورى ) للطبرسي: ١/٤٢٠، مؤسّسة آل البيت.

(٤) الإرشاد للمفيد: ٢/٢٧، مؤسّسة آل البيت.

(٥) انظر: ( مطالب السؤول ) ٢/٥١، مؤسّسة أمّ القرى.

١٤١

-رفض بيعة يزيد بن معاوية: وضحّى بنفسه الشريفة في سبيل إيقاظ شعور الأمة وإبقاء راية الإسلام خفاقة عالية.

-عاش: سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر، كان مع الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) سبع سنين، ومع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب( عليه السلام ) سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدة إمامته الشرعية للأمة الإسلامية عشر سنين وأشهراً (١) .

-استشهد ( عليه السلام ): في يوم عاشوراء من شهر محرّم الحرام سنة إحدى وستّين من الهجرة ( ١٠ / محرّم / ٦١ هـ ) (٢) .

قال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ): ( ولمّا قُتل الحسين مكثتْ الدنيا سبعة أيّام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفّرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء، وكُسفت الشمس ذلك اليوم، واحمرّت آفاق السماء ستّة أشهر بعد قتله، ثمّ لا زالت الحمرة تُرى فيها بعد ذلك ولم تكن تُرى فيها قبله. وقيل: إنّه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران، وطبخوها فصارت مثل العلقم، وتكلّم رجل في الحسين بكلمة، فرماه الله بكوكبين من السماء فطُمس بصره ) (٣) .

-قبره: في كربلاء المقدّسة، معروف مشهور، يُزار يؤمّه الآلاف من

____________________

(١) انظر: ( إعلام الورى ) للطبرسي: ١/٤٢٠، مؤسّسة آل البيت.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) تاريخ الخلفاء: ١٦٠، ترجمة يزيد بن معاوية، دار الكتاب العربي.

١٤٢

المسلمين من مختلف مناطق العالم الإسلامي.

فضائل الحسنَين في القرآن الكريم

حيث أنّ غرض الكتاب لم يكن منصبّاً على ذكر فضائل أهل البيت أو استقصائها؛ لذا سنقتصر على نماذج مختصرة ممّا ورد في حقّهما من الآيات القرآنيّة، ونترك التفصيل لمظانّه:

* الفضيلة الأولى: قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

وهذهِ هي الآية الموسومة بآية التطهير، وتقدّم البحث عنها في الفصل الأوّل بما يناسب المقام، وعرفنا أنهّا شاملة للحسن والحسين، عليهما السلام فلا نعيد ولا نكرر الكلام.

* الفضيلة الثانية: قوله تعالى: ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) .

وهذه هي الآية الموسومة بآية المباهلة، وهي مثل أختها المتقدّمة، سَبَرْنَا أغوارها، وأنْهينا الكلام عن غاياتها ومقاصدها في الفصل الأوّل بما يتناسب والمقام، وعرفنا هناك أنّ النبي محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خرج إلى مباهلة نصارى نجران بمعيّة علي، وفاطمة، والحسن، والحسين ( عليهم السلام )، فهم صفوة الأمّة وخلاصتها

____________________

(١) الأحزاب: ٣٣.

(٢) آل عمران: ٦١.

١٤٣

ومدار رحاها، وأشرنا هناك إلى أنّ الحسنين بنصّ القرآن كانا ولدي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فراجع.

* الفضيلة الثالثة: قوله تعالى: ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) .

وهذه هي الآية الموسومة بآية المودّة، وهي دالّة على وجوب محبّة آل البيت ( عليهم السلام )، وتقدّم ذكرها والكلام عنها في الفصل الأوّل، وعرفنا شمولها للحسن والحسين عليهما السلام فلا نعيد.

فهذهِ ثلاث آيات باهرات في فضل الحسنين عليهما السلام، كلّها تقدّم ذكرها، وبها غنىً وكفاية لمعرفة مقامهما وشرفهما عند الله سبحانه وتعالى، ولكن لا بأس أنْ نتبرّك هنا بذكر آية رابعة مشتملة على معانٍ عديدة من فضائل أهل البيت ( عليهم السلام )؛ نوردها بعنوان الفضيلة الرابعة:

* الفضيلة الرابعة: قوله سبحانه وتعالى في سورة الإنسان: ( إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً ولا شُكُوراً ) (٢) ، الآيات.

جاءت الأخبار بأنّ هذهِ الآيات المباركة نزلت في علي، وفاطمة، والحسن

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) سورة الإنسان: ٥ - ٩.

١٤٤

والحسين ( عليهم السلام ) في قصّة طويلة مجملها ما أورده الزمخشري في تفسيره عن ابن عبّاس قال:

( إنّ الحسن والحسين مَرِضَا، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناس معه. فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على وُلدك، فنذر عليٌ وفاطمة وفضّة جارية لهما إنْ بَرِآ ممّا بهما أنْ يصوموا ثلاثة أيّام، فَشُفِيَا، وما معهم شيء فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ علي رضي الله عنه بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ( ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم )، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرائيل وقال: ( خذها يا محمّد، هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة ) ) (١) .

وقد أخرج الخبر - مفصّلاً - الثعلبي في تفسيره ( الكشف والبيان ) (٢) - ومختصراً - ابن الأثير الجزري في ( أُسد الغابة ) (٣) .

____________________

(١) تفسير الكشاف: ٤/٦٧٠.

(٢) الكشف والبيان: ١٠/٩٨ - ١٠١، تفسير سورة الإنسان.

(٣) أُسد الغابة: ٧/٢٥٦، ترجمة فضّة النوبية.

١٤٥

كما أخرج الخبر من طرق كثيرة الحاكم الحسكاني في ( شواهد التنزيل ) عن ثلاثة من الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، وابن عبّاس وزيد بن أرقم (١) ، وقال بعد ذلك: ( قلتُ: اعترض بعض النواصب على هذهِ القصّة بأنْ قال: اتّفق أهل التفسير على أنّ هذه السورة مكِّيّة، وهذه القصّة كانت بالمدينة - إنْ كانت - فكيف كانت سبب نزول السورة، وبان بهذا أنّها مخترعة!!

قلتُ: كيف يسوّغ له دعوى الإجماع مع قول الأكثر أنّها مدنيّة!! )، ثمّ شرع في إثبات كون هذه السورة مدنيّة (٢) .

وأخرج القصّة مفصّلة سبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص )، مصحّحاً لها رادّاً على جدّه أبي الفرج ابن الجوزي، مبيّناً في أكثر من موضع أنّ جدّه يرتضي هذه القصّة أيضاً، فإليك قارئي الكريم، تمام ما قاله سبط ابن الجوزي:

( ذكْر إيثارهم بالطعام:

قال علماء التأويل فيهم نزل قوله تعالى: ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) الآيات.

أنبأنا أبو المجد محمّد بن أبي المكارم القزويني بدمشق سنة اثنتين وعشرين وستمئة، قال أنبأنا أبو منصور محمّد بن أسعد بن محمّد العطاري، أنبأنا الحسين بن مسعود البغوي، أنبأنا أحمد بن إبراهيم الخوارزمي، أنبأنا أبو

____________________

(١) انظر: ( شواهد التنزيل ): ٢/٢٩٨ - ٣١٠، وستجد هناك القصّة مفصّلة تارةً، ومختصرةً أخرى وبطرق متكاثرة. والحسكاني كما قال الذهبي: ( شيخ متقن ذو عناية تامّة بعلم الحديث ) انظر: ( تذكرة الحفّاظ ): ٣/ ١٢٠٠، مكتبة الحرم المكّي.

(٢) شواهد التنزيل: ٢/٣١٠ - ٣١٥.

١٤٦

إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي، أنبأنا عبد الله بن حامد، أنبأنا أبو محمّد أحمد بن عبد الله المزني، حدّثنا محمّد بن أحمد بن سهيل الباهلي، حدثنا عبد الرحمان بن محمّد بن هلال، حدثني القاسم بن يحيى عن أبي علي العزي عن محمّد بن السايب عن أبي صالح عن ابن عبّاس، ورواه أيضاً مجاهد عن ابن عبّاس، قال في قوله تعالى: ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) الآية.

قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام فعادهما رسول الله (ص) ومعه أبو بكر وعمر (رض)، وعادهما عامّة العرب فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على وَلَدَيك نذراً فكلّ نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء، فقال علي (ع): ( لله إنْ برأ ولداي ممّا بهما صمت لله ثلاثة أيّام شكراً )، وقالت فاطمة كذلك وقالت الجارية يقال لها فضّة كذلك، فأُلبس الغلامان العافية وليس عند آل محمّد قليل ولا كثير، فانطلق علي (ع) إلى سمعون بن حانا اليهودي فاستقرض منه ثلاثة أصواع من شعير، فجاء به إلى فاطمة فقامت إلى صاع فطحنتْه وخبزتْه خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرص، وصلّى علي (ع) المغرب مع النبي (ص) ثمّ أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم فجاء سائل أو مسكين فوقف على الباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، مسكين من المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فسمعه علي (ع) فقال:

فاطِمُ ذاتَ المَجدِ وَاليَقينِ

يا بِنتَ خَيرِ الناسِ أَجمَعين

أَمَا تَرينَ البائِسَ المَسكين

قَد قامَ بِالبابِ لَهُ حَنين

يشكو إلى الله ويستكين

يَشكو إِلَينا جائِعٌ حَزين

كُلُّ اِمرئٍ بِكَسبِهِ رَهين

وفاعل الخيرات يَسْتَبِيْن

١٤٧

مَوْعِدُ جَنَّة عِلِّيِّيْن

حَرَّمَهَا اللهُ عَلَى الضَنِيْن

وَلِلْبَخِيْلِ مَوْقِف مَهِيْن

تَهْوَى بِهِ النَّارُ إِلَى سِجِّيْن

شَرَابُهُ الحَمِيْمُ وَالْغِسْلِيْن

فقالت فاطمة (ع):

أَطْعِمُهُ وَلاَ أُبَالِي الساعه

أَرجو إِذا أَشبعتُ ذا مَجاعَه

أنْ أَلحقَ الأخيارَ وَالجَماعه

وَأَدخلَ الخلد وَلِي شَفَاعَه

قال: فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء القراح، ولمّا كان اليوم الثاني طحنت فاطمة من الشعير وصنعت منه خمسة أقراص، وصلّى علي (ع) المغرب وجاء إلى المنزل فجاء يتيم فوقف على الباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي، أطعموني ممّا رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنّة، فقال علي (ع):

فاطِمُ بِنت السَيِّدِ الكَريم

بِنت نَبيٍّ لَيسَ بِالذَميمِ

قَد جاءَنا اللَهُ بِذا اليَتيم

قد حرّم الخُلْدَ عَلَى اللَئِيْمِ

يُحْمَلُ في الحشر إلى الجَحِيْمِ

شَرَابُهُ الصَدِيْد وَالحَمِيْم

وَمَنْ يَجُوْدُ اليَوْمَ فِي النَعِيْم

شَرَابُهُ الرَحِيْق والتَسْنِيْم

فقالت فاطمة (ع):

إنِّي أُطْعِمُهُ وَلاَ أُبَالِي

وَأُوْثِرُ اللهَ عَلَى عِيَالِي

أَمْسَوا جِيَاعَاً وَهُم أشْبَالِي

فرفعوا الطعام وناولوه إيّاه، ثمّ أصبحوا وأمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الأوّل، فلمّا كان في اليوم الثالث طحنتْ فاطمة باقي الشعير ووضعته،

١٤٨

فجاء علي (ع) بعد المغرب فجاء أسير فوقف على الباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أسير محتاج تأسرونا ولا تطعمونا أطعمونا من فضل ما رزقكم الله، فسمعه علي ( عليه السلام )، فقال:

فاطِمُة يا بِنتَ النَبِيِّ أَحمَدِ

بِنتَ نَبِيٍّ سَيِّدٍ مُسَوَّدٍ

مُنِّي عَلَى أَسِيْرِنَا المُقَيَّد

مَنْ يُطْعِمُ اليَوْم يَجِدْهُ فِي الغَد

عِنْدَ العَلِّي المَاجِد المُمَجَّد

مَنْ يَزْرَع الخَيْرَات سَوْفَ يَحْصُد

فقالت فاطمة (ع):

لَمْ يَبْقَ عِنْدِي اليَوْمَ غَيْرَ صَاعٍ

قَدْ مَجُلَتْ كَفِّي مَعَ الذِرَاعِ

ابْنَايَ وَاللهِ مِنَ الجِيَاعِ

أَبُوْهُمَا لِلْخَيْرِ ذُو اصْطِنَاعِ

ثمّ رفعوا الطعام وأعطوه للأسير، فلمّا كان اليوم الرابع دخل علي (ع) على النبي (ص) يحمل ابنَيه كالفَرْخَيْن، فلمّا رآهما رسول الله (ص) قال: وأين ابنتي؟ قال: في محرابها، فقام رسول الله (ص) فدخل عليها ولقد لُصِقَ بطنها بظهرها وغارت عيناها مِن شدّة الجوع، فقال النبي (ص): واغوثاه بالله آل محمّد يموتون جوعاً فهبط جبرئيل وهو يقرأ ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) الآية، فإنْ قيل فقد أخرج هذا الحديث جدّك في الموضوعات.

وقال: أخبرنا به ابن ناصر عن محمّد بن أبي نصر الحميدي عن الحسن بن عبد الرحمان عن أبي القاسم السقطي عن عثمان بن أحمد الدقاق عن عبد الله بن ثابت عن أبي الهذيل عن عبد الله السّمرقندي عن عبد الله بن كثير عن الأصبغ بن نباتة، قال: مرض الحسن والحسين وذكره ثمّ قال جدك قد نزّه الله ذينك الفصيحين عن هذا الشعر الركيك. ونزّههما عن منع الطفلين عن

١٤٩

أكل الطعام، وفي إسناده الأصبغ بن نباتة: متروك الحديث، والجواب أمّا قوله قد نزّه الله ذينك الفصيحَين عن هذا الشعر الركيك فهذا على عادة العرب في الرجز والخبب كقول القائل: ( والله لو لا الله ما اهتدينا ) ونحو ذلك، وقد تمثّل به النبي (ص)، وأمّا قوله عن الأصبغ بن نباتة فنحن ما رويناه عن الأصبغ ولا له ذكر في إسناد حديثنا، وإنّما أخذوا على الأصبغ زيادة زادوها في الحديث وهي أنّ: رسول الله (ص) قال في آخره: اللّهم أنزل على آل محمّد كما أنزلت على مريم بنت عمران، فإذا ( جفنة ) تفور مملوءة ثريداً مكلّلة بالجواهر، وذكر الفاظاً من هذا الجنس.

والعجب من قول جدي وإنكاره وقد قال في كتاب ( المنتخب ): يا علماء الشرع أعلمتم لِمَ آثرا وتركا الطفلين عليهما أثر الجوع؟ أتراهما خفي عنهما سر: ابدأ بِمَنْ تَعُول، ما ذاك إلاّ لأنّهما عَلِما قوّة صبر الطفلين، وأنّهما غصنان من شجرة أظل عند ربي، وبعض جملة: فاطمة بضعة منّي، وفرخ البط سابح.

فصل:

وقد اشتملت سورة ( هل أتى ) من فضائل أهل البيت على معاني:

- منها: قوله: ( يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ) ، لِمَ ذكر الكافور وهو لا يُشرب؟

فالجواب من وجوه:

أحدها: أنّه أراد بياض الكافور في حسنه وطيب ريحه وبرده، كقوله: ( حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً ) أي كنار.

والثاني: إنّ الكافور اسم لعين في الجنّة.

والثالث: إنّه لمّا غَلَبَتْ عليهم حرارة الخوف في الدنيا، مُزِجَ لهم الكافور في الجنّة.

- ومنها: أنّ الهاء في قوله ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ) تعود على الله تعالى وقيل على حب الثواب؛ وقيل على حب الطعام لفاقتهم إليه.

- ومنها: قوله:

١٥٠

( لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً ) ، المراد بالزمهرير القمر، قال الشاعر:

وليلةٍ ظَلاَمُهَا قَد اعْتَكَر

قَطَعْتُهَا وَالزَمْهِرْيُر مَا ظَهَر

- ومنها قوله: ( إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُوراً ) فإن قيل فالمنظوم أحسن فالجواب إن المراد به الانتشار في الخدمة لما تعبوا في الدنيا أقام الحقّ لهم خدّاماً في الآخرة، ومنها إنّ الله تعالى ذكر في هذه السورة جميع ما يتعلق بنعيم الجنة ولذّاتها كالأشجار والأنهار والولدان والطعام والقصور وجميع ما يتعلق بهذا الباب إلا الحور حتى عجب العلماء من شرح هذه الأمور واستطرفوا عدم ذكرهن في هذا النعيم المذكور فقيل لهم ما ذاك إلا غيرة على زهراء الأنس من ذكر الضراير أو لأن الحور مملوكات والمملوكات لا يذكرن مع الحراير.

وسمعت جدي يُنْشِدُ في مجالس وعْظه ببغداد في سنة ست وتسعين وخمسمئة بيتين ذكرهما في كتاب ( تبصرة المبتدي ) وهما:

أهوى عليّاً وإيماني محبَّتُه

كَمْ مُشْرِكٍ دَمُهُ مِن سَيْفِهِ وَكَفَا

إنْ كُنْتَ وَيْحَكَ لَمْ تَسْمَعْ فَضَائِلَهُ

فَاسْمَعْ مَنَاقِبَه مِنْ ( هَلْ أَتَى ) وَكَفَى ) (١) .

انتهى كلام سبط ابن الجوزي.

هذا وفضائل أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم عديدة جدّاً، وقد ألّف الحاكم الحسكاني كتاباً في جزءين أسماه: ( شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم )، فَمَن شاء الاستزادة، فلْيراجع.

____________________

(١) تذكره الخواص: ٢٨١ - ٢٨٤، مؤسّسة أهل البيت.

١٥١

فضائل الحسنين في السُنّة النبويّة الشريفة

وهي على قسمين:

الأول: الفضائل المشتركة:

الثاني: الفضائل الخاصة لكلّ واحد منهما.

أمّا الأول: فهو بدوره مشتمل على فضائل عامّة تشمل غير الحسنَين من أهل البيت ( عليهم السلام )، وفضائل خاصّة بهما عليهما السلام، وسنجعل لهذا القسم باباً واحداً بعنوان الفضائل المشتركة.

أمّا الثاني: وهي الفضائل الخاصّة بكلّ واحد منهما، فستكون على قسمَين، الأوّل: يتعلّق بفضائل الإمام الحسن الخاصّة، والثاني: يتعلّق بفضائل الإمام الحسين الخاصّة، فيكون التقسيم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: الفضائل المشتركة.

الثاني: فضائل الإمام الحسن الخاصّة.

الثالث: فضائل الإمام الحسين الخاصّة.

وسَيْراً على نهجنا في الكتاب، فإنّ الغرض ليس سرد الفضائل واستيفاءها، بل هو ذكر جملة موجزة من ذلك، والله المستعان.

القسم الأوّل: الفضائل المشتركة

* الفضيلة الأولى: حديث الثقلين: وهو قول الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي وأنّهما لنْ يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ).

١٥٢

وقد تقدّم الكلام عن هذا الحديث ودلالاته ومضامينه في الفصل الأوّل، وعرفنا أنّه شامل للحسن والحسين عليهما السلام فلا نعيد.

* الفضيلة الثانية: حديث الاثني عشر خليفة: وهو قول النبي محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ... كلّهم مِن قريش ). وتقدّم الكلام عنه أيضاً.

* الفضيلة الثالثة: حديث السفينة: وهو قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( مَثَل أهل بيتي مثل سفينة نوح، مَن ركبها نَجَا، ومَن تخلّف عنها غرق ). تقدّم أيضاّ.

* الفضيلة الرابعة: في كونهم أماناً لأهل الأرض: وهو قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ).

تقدّم.

* الفضيلة الخامسة: قول الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ): ( أنا حرب لِمَنْ حَارَبَكُم، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم ). تقدّم.

* الفضيلة السادسة: في وجوب الصلاة على أهل البيت ( عليهم السلام ): وهو قول النبي لأصحابه مُعلّماً إيّاهم كيفيّة الصلاة عليه: ( قولوا: اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركتَ على آل إبراهيم في العالمين، إنّك حميد مجيد ). وقد تقدّم الكلام عنه، وننوّه هنا إلى أنّ مسلماً في ( صحيحه ) أخرج الحديث تحت باب: ( الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد التشهّد ) (١) .

____________________

(١) انظر: ( صحيح مسلم ) كتاب الصلاة، باب ١٧: ١/٣٠٥، دار الفكر.

١٥٣

فالصلاة على الآل إنّما هي واجبة على كلّ مسلم في الصلاة اليوميّة، فأيّ فضيلة هذه، وأيّ مقام سامٍ يضعهم الله فيه!!؟.

* الفضيلة السابعة: قوله وهو آخذ بيد الحسنَين: ( مَن أحبّني وأحبّ هذَين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة ). تقدّم.

* الفضيلة الثامنة: قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلاّ أدخله الله النّار ). وهذا تقدّم أيضاً.

فهذه ثماني فضائل شاملة للحسن والحسين عليهما السلام، تقدّمت في الفصل الأوّل، ونضيف هنا بعضاً آخر من فضائلهما عليهما السلام:

* الفضيلة التاسعة: في أنّ النبي راضٍ عنهما:

أخرج الطبراني في ( الأوسط ) بسنده إلى ربعي بن حراش، عن علي ( عليه السلام ): ( أنّه دخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد بسط شملة فجلس عليها هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين، ثمّ أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بمجامعه فعقد عليهم، ثمّ قال: ( اللّهم ارض عنهم كما أنا راضٍ عنهم ) ) (١) .

وأورده الهيثمي في ( المجمع ) وقال: ( رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير عبيد بن طفيل وهو ثقة ) (٢) .

فالنبي، إذن راضٍ عن علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام )، ومنه يُعلم

____________________

(١) المعجم الأوسط: ٥/٣٤٨، دار الحرمين.

(٢) مجمع الزوائد: ٩/١٦٩، دار الكتب العلميّة.

١٥٤

حال مخالفيهم ومعاديهم ومبغضيهم، فتأمّل.

* الفضيلة العاشرة: في أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة:

- أخرج أحمد في ( مسنده ) بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ) (١) .

وأخرجه الترمذي في ( سننه ) (٢) ، والنسائي في ( الخصائص ) (٣) ، والحاكم في ( المستدرك ) (٤) ، وغيرهم.

قال الترمذي: ( حديث حسن صحيح ) (٥) ، ووافقه الألباني في ( الصحيحة ) بقوله: ( وهو كما قال ) (٦) .

وقال الحاكم معلّقاً على أحد الطرق: ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي (٧) ، ووافقهما الألباني أيضاً (٨) .

والحديث بهذا الطريق، أعني من طريق أبي سعيد الخدري، قال بصحّته أو حُسْنه جمعٌ آخر من العلماء، منهم الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) (٩) ،

____________________

(١) مسند أحمد: ٣/٣، ٦٢، ٦٤، ٨٢، دار صادر.

(٢) سنن الترمذي: ٥/٣٢١، دار الفكر.

(٣) تهذيب خصائص الإمام علي للنسائي بتحقيق الحويني الأثري: ١٠٤ - ١٠٥، دار الكتب العلميّة.

(٤) المستدرك على الصحيحين: ٣/ (١٥٤، ١٦٦ - ١٦٧)، دار المعرفة.

(٥) سنن الترمذي: ٥/٣٢١، دار الفكر.

(٦) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٣، حديث رقم: (٧٩٦). مكتبة المعارف.

(٧) المستدرك على الصحيحين وبهامشه ( تلخيص الذهبي ): ٣/١٥٤، دار المعرفة.

(٨) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٤، حديث: (٧٩٦). مكتبة المعارف.

(٩) مجمع الزوائد: ٩/٢٠١، دار الكتب العلميّة.

١٥٥

ومصطفى بن العدوي في ( الصحيح المسند من فضائل الصحابة ) (١) . والحويني الأثري في تحقيقه على ( خصائص أمير المؤمنين ) (٢) ، وكذا الداني بن منير آل زهوي (٣) ، وحمزة أحمد الزين محقّق كتاب ( مسند أحمد ) (٤) .

- وأخرج أحمد بسنده إلى حذيفة قال: ( سألتْني أمّي: منذ متى عهدك بالنبي صلّى الله عليه وسلّم؟

قال: فقلتُ: منذ كذا وكذا.

قال: فنالت منّي وسبّتني.

قال: فقلتُ لها: دعيني فإنّي آتي النبي صلّى الله عليه وسلّم فأصلّي معه المغرب ثمّ لا أدعه حتّى يستغفر لي ولك.

قال: فأتيتُ النبي صلّى الله عليه وسلّم فصلّيتُ معه المغرب، فصلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم العشاء، ثمّ انفتل فتبعتُه، فعرض له عارض فناجاه، ثمّ ذهب فاتبعته فسمع صوتي، فقال: ( من هذا؟ ).

فقلتُ: حذيفة.

قال: ( مالكَ؟ ). فحدّثته بالأمر.

فقال: ( غفر الله لك ولأمّك ).

ثمّ قال: ( أَمَا رأيتَ العارض الذي عرض لي قبيل؟ ).

قال: قلتُ: بلى.

قال: ( فهو مَلَك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذهِ الليلة، فاستأذن ربّه أنْ يُسلّم عليّ ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ) (٥) .

____________________

(١) الصحيح المسند من فضائل الصحابة: ٢٥٧، دار ابن عفّان.

(٢) تهذيب خصائص الإمام علي بتحقيق الحويني الأثري: ٩٩ حديث: (١٢٤). دار الكتب العلميّة.

(٣) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بتحقيق آل زهوي: ١٠٧، حديث رقم: (١٤٠)، المكتبة العصريّة.

(٤) مسند أحمد بتحقيق حمزة أحمد الزين: ١/١٠١، ١٩٥، ٢٠٤، ٢٥٩، أحاديث رقم: (١٠٩٤١)، (١١٥٣٧)، (١١٥٦١)، (١١٧١٦)، دار الحديث، القاهرة.

(٥) مسند أحمد: ٥/٣٩١، دار صادر.

١٥٦

وأخرجه الترمذي في ( سننه ) وحسّنه (١) ، وعقّب عليه الألباني قائلاً: ( وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال ( الصحيح ) غير ( مَيْسَرَة ) - وهو ابن حبيب - وهو ثقة ) (٢) .

وأخرج الحديث - بألفاظ مختلفة من طريق حذيفة من غير زيادة ( وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ) - جمعٌ منهم: أحمد في ( مسنده ) (٣) ، وابن حِبَّان في ( صحيحه ) (٤) ، والحاكم في ( المستدرك ) (٥) ، وغيرهم.

والحديث صحّحه الحاكم ووافقه الذهبي (٦) ، وصحّحه الألباني بطريق أحمد الثاني أيضاً بقوله: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم (٧) .

وصحّح كلا طريقي أحمد محقّقُ كتاب ( المسند )، حمزة أحمد الزين (٨) .

- وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأبوهما خيرٌ منهما ) أخرجه الحاكم وقال: ( هذا حديث صحيح بهذهِ الزيادة ولم يخرجاه )، ووافقه الذهبي (٩) .

هذا، والحديث رواه جمعٌ آخر من الصحابة أيضاً منهم: علي بن أبي

____________________

(١) سنن الترمذي: ٥/٣٢٦، دار الفكر.

(٢) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٦، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.

(٣) مسند أحمد: ٥/٣٩٢، دار صادر.

(٤) صحيح ابن حِبَّان: ١٥/٤١٣، مؤسّسة الرسالة.

(٥) المستدرك على الصحيحين: ٣/٣٨١، دار المعرفة.

(٦) المستدرك على الصحيحين وبهامشه ( تلخيص الذهبي ): ٣/٣٨١، دار المعرفة.

(٧) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٦، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.

(٨) مسند أحمد: ١٦/٥٩١ - ٥٩٢، حديث (٢٣٢٢٢) و (٢٣٢٢٣)، دار الحديث، القاهرة.

(٩) المستدرك على الصحيحين وبهامشه ( تلخيص الذهبي ): ٣/١٦٧، دار المعرفة.

١٥٧

طالب، وعبد الله بن عمر، والبرّاء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وعمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وقرّة بن إياس، وغيرهم (١) ، وله طرق متكثّرة؛ لذا قال السيوطي بتواتره (٢) وكذا السمعاني (٣) ، ومعه لا حاجة لذكر طرق أخرى، ونكتفي بما قدّمناه.

وإذا عرفت أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، فتأمّل في حال مَن جَيَّش الجيوش لقتالهما، أو تسبّب في ذلك، فضلاً عمّن اشترك، أو أعان، بل تأمّل في حال مَن رضي بذلك أيضاً، على مرّ العصور ومدار الزمان.

* الفضيلة الحادية عشرة: في أنّهما ريحانتا النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ):

- عن ابن عمر قال: ( قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هما ريحانتاي من الدنيا ) ) يعني الحسن والحسين.

أخرجه البخاري في ( صحيحه ) في موضعَين (٤) .

- والترمذي في سننه بلفظ: ( سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ( إنّ الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا) )، وقال: ( هذا الحديث صحيح ) (٥) .

وأخرجه - أيضاً - أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) (٦) ، وأبو يعلى في ( مسنده ) (٧) ، والطبراني في ( الكبير ) (٨) ،

____________________

(١) انظر طرفاً من رواياتهم في ( مجمع الزوائد ): ٩/١٨٢، ١٨٣، ١٨٤، ٢٠١، دار الكتب العلميّة.

(٢) انظر: ( تحفة الأحوذي ) ١٠/١٨٦، دار الكتب العلميّة، و ( فيض القدير ) للمنّاوي: ٣/٥٥٠، دار الكتب العلميّة.

(٣) الأنساب: ٣/٤٧٧، دار الجنان، بيروت.

(٤) صحيح البخاري:(٤/٢١٧)، (٧/٧٤)، دار الفكر.

(٥) سنن الترمذي: ٥/٣٢٢، دار الفكر.

(٦) مسند أبي داود: ٢٦١، دار الحديث، بيروت.

(٧) مسند أبي يعلى: ١٠/١٠٦، دار المأمون للتراث.

(٨) المعجم الكبير: ٣/١٢٧، دار إحياء التراث العربي.

١٥٨

وأحمد في ( مسنده ) (١) .

- وعن سعد بن أبي وقاص، قال: دخلتُ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والحسن والحسين يلعبان على بطنه، فقلتُ: يا رسول الله، أتحبّهما؟

فقال: ( ومالي لا أُحبّهما وهما ريحانتاي ) ).

أخرجه البزّار في ( مسنده ) (٢) .

وأورده الهيثمي في ( المجمع ) وقال: ( رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح ) (٣) .

- وعن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلتُ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يديه وفي حجره، فقلتُ: يا رسول الله، أتحبّهما؟

قال: ( وكيف لا أحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما ) ).

أخرجه الطبراني في ( الكبير ) (٤) ، وما تقدّم يشهد لصحّته.

* الفضيلة الثانية عشرة: في محبّة النبي لهما:

- أخرج أحمد بسنده إلى عطاء: أنّ رجلاً أخبره ( أنّه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم، يضمّ إليه حسناً وحسيناً يقول: ( اللّهم إنّي أُحِبُّهما فأحِبَّهُما ) ) (٥) .

وأورده الهيثمي في ( المجمع ) وقال: ( رواه أحمد ورجاله رجال

____________________

(١) مسند أحمد: ٢/٨٥، ٩٣، ١١٤، ١٥٣، دار صادر.

(٢) مسند البزّار: ٣/٢٨٧، نشر مؤسّسة علوم القرآن.

(٣) مجمع الزوائد: ٩/١٨١، دار الكتب العلميّة.

(٤) المعجم الكبير: ٤/١٥٦، دار إحياء التراث العربي.

(٥) مسند أحمد: ٥/٣٦٩، دار صادر.

١٥٩

الصحيح ) (١) .

وقال حمزة أحمد الزين محقّق كتاب ( المسند ): ( إسناده صحيح ) (٢) .

- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( اللّهم إني أُحبُّهما فأحِبَّهما ) ).

أخرجه أحمد في ( مسنده ) (٣) ، وابن أبي شيبة في ( المصنّف ) (٤) . والبزّار في ( مسنده ) كما في ( مجمع الزوائد )، وقال الهيثمي بعد ذكره: ( رواه البزّار وإسناده حسن ) (٥) .

وقال حمزة أحمد الزين محقّق ( المسند ) ( إسناده حسن ) (٦) .

هذا ومحبّة الرسول للحسن والحسين غير خافية على أحد، بل هي محلّ اتفاق المسلمين، والروايات في ذلك عديدة متكاثرة، قال الفخر الرازي: ( ثبت بالنقل المتواتر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يحبُّ عليّاً والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجبَ على كلّ الأمّة مثله؛ لقوله: ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) .

ولقوله تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) .

ولقوله: ( قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبِكُمُ اللهُ ) .

ولقوله سبحانه: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي

____________________

(١) مجمع الزوائد: ٩/١٧٩، دار الكتب العلميّة.

(٢) مسند أحمد بتحقيق حمزة أحمد الزين: ١٦/٥٣٤، حديث: (٢٣٠٢٧)، دار الحديث، القاهرة.

(٣) مسند أحمد: ٢/٤٤٦ دار صادر.

(٤) المصنف: ٧/٥١١، دار الفكر.

(٥) مجمع الزوائد: ٩/١٧٩.

(٦) مسند أحمد بتحقيق حمزة أحمد الزين: ٩/٣٠٣، حديث: (٩٧٢١)، دار الحديث، القاهرة.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480