أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة12%

أهل البيت في تفاسير أهل السنة مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 480

أهل البيت في تفاسير أهل السنة
  • البداية
  • السابق
  • 480 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49852 / تحميل: 8005
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والحاصل أنه كان يكبِّر كثيراً من الاُمور الصغيرة وكانت له روحية خاصة تحمله على ذلك.

ويشهد على ذلك أن الشيخ والنجاشي ربّما ضعفا رجلاً ، والغضائري أيضاً ضعفه ، لكن بين التعبيرين اختلافاً واضحاً.

مثلاً ذكر الشيخ في عبدالله بن محمد انه كان واعظاً فقيهاً ، وضعفه النجاشي بقوله : « إنه ضعيف » وضعَّفه الغضائري بقوله : « انه كذاب ، وضّاع للحديث لا يلتفت إلى حديثه ولا يعبأ به ».

ومثله علي بن أبي حمزة البطائني الذي ضعفه أهل الرجال ، فعرفه الشيخ بأنه واقفّي ، والعلاّمة بأنه احد عمد الواقفة. وقال الغضائري : « عليّ بن أبي حمزة لعنه الله ، أصل الوقف وأشدّ الخلق عداوة للوليّ من بعد أبي إبراهيم ».

ومثله إسحاق بن أحمد المكنّى بـ « أبي يعقوب أخي الاشتر » قال النجاشي : « معدن التَّخليط وله كتب في التخليط » وقال الغضائري : « فاسد المذهب ، كذّاب في الرواية ، وضّاع للحديث ، لا يلتفت إلى ما رواه »(1) .

وبذلك يعلم ضعف ما استدل به على عدم صحَّة نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري من أن النجاشي ذكر في ترجمة الخيبري عن ابن الغضائري ، انه ضعيف في مذهبه ، ولكن في الكتاب المنسوب اليه : « إنه ضعيف الحديث ، غالي المذهب » فلو صحَّ هذا الكتاب ، لذكر النجاشي ما هو الموجود أيضاً(2) .

وذلك لما عرفت من أن الرجل كان ذا روحيَّة خاصَّة ، وكان إذا رأى

__________________

1 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 19 ـ 21 بتلخيص منّا.

2 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 114 ، من المقدَّمات طبعة النجف ، والصفحة 102 طبعة لبنان.

١٠١

مكروهاً ، اشتدَّت عنده بشاعته وكثرت لديه شناعته ، فيأتي بألفاظ لا يصحّ التعبير بها الا عند صاحب هذه الروحية ، ولما كان النجاشي على جهة الاعتدال نقل مرامه من دون غلوّ وإغراق.

وبالجملة الآفة كلّ الآفة في رجاله هو تضعيف الأجلة والموثَّقين مثل « أحمد بن مهران » قال : « أحمد بن مهران روى عنه الكليني ضعيف » ولكن ثقة الاسلام يروي عنه بلا واسطة ، ويترحَّم عليه كما في باب مولد الزهراءعليها‌السلام (1) قال : « أحمد بن مهرانرحمه‌الله رفعه وأحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار الشيباني » إلى غير ذلك من الموارد.

ولأجل ذلك لا يمكن الاعتماد على تضعيفاته ، فضلا عن معارضته بتوثيق النجاشي خبير الفنّ والشيخ عماد العلم. نعم ربما يقال توثيقاته في أعلى مراتب الاعتبار ولكنه قليل وقد عرفت من المحقق الداماد من أنه قل أن يسلم أحد من جرحه او ينجو ثقة من قدحه(2) . وقد عرفت آنفاً وسيأتي أن الاعتماد على توثيقه كالاعتماد على جرحه.

النظرية الخامسة

وفي الختام نشير إلى نظرية خامسة وان لم نوعز اليها في صدر الكلام وهي أنه ربما يقال بعدم اعتبار تضعيفات ابن الغضائري لانه كان جراحا كثير الردّ على الرواة ، وقليل التعديل والتصديق بهم ومثل هذا يعدّ خرقاً للعادة وتجاوزاً عنها ، وانما يعتبر قول الشاهد إذا كان انسانا متعارفاً غير خارق للعادة. ولأجل ذلك لو ادعى رجلان رؤية الهلال مع الغيم الكثيف في السماء وكثرة الناظرين ، لا يقبل قولهما ، لان مثل تلك الشهادة تعدّ على خلاف العادة ، وعلى ذلك فلا يقبل تضعيفه ، ولكن يقبل تعديله.

__________________

1 ـ الكافي : 1 / 458 ، الحديث 3.

2 ـ لاحظ سماء المقال : 22.

١٠٢

وفيه : أن ذلك إنما يتمّ لو وصل الينا كتاب الممدوحين منه ، فعندئذ لو كان المضعفون أكثر من الممدوحين والموثقين ، لكان لهذا الرأي مجال. ولكن يا للأسف! لم يصل الينا ذلك الكتاب ، حتى نقف على مقدار تعديله وتصديقه ، فمن الممكن أن يكون الممدوحون عنده أكثر من الضعفاء ، ومعه كيف يرمى بالخروج عن المتعارف؟

ولأجل ذلك نجد أن النسبة بين ما ضعفه الشيخ والنجاشي أو وثَّقاه ، وما ضعَّفه ابن الغضائري او وثقه ، عموم من وجه. فربَّ ضعيف عندهما ثقة عنده وبالعكس ، وعلى ذلك فلا يصحّ رد تضعيفاته بحجّة أنه كان خارجاً عن الحدّ المتعارف في مجال الجرح.

بل الحقّ في عدم قبوله هو ما أوعزنا اليه من أن توثيقاته وتضعيفاته لم تكن مستندة الى الحسّ والشهود والسماع عن المشايخ والثقات ، بل كانت مستندة الى الحدس والاستنباط وقراءة المتون والروايات ، ثمَّ القضاء في حقّ الراوي بما نقل من الرواية ، ومثل هذه الشهادة لا تكون حجة لا في التضعيف ولا في التوثيق. نعم ، كلامه حجة في غير هذا المجال ، كما إذا وصف الراوي بأنه كوفيٌّ او بصريٌّ أو واقفيٌّ او فطحيٌّ او له كتب ، والله العالم بالحقائق.

١٠٣
١٠٤

الفصل الرابع

المصادر الثانوية لعلم الرجال

1 ـ الاصول الرجالية الأربعة

2 ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة.

3 ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء.

4 ـ تطوّر في تأليف الجوامع الرجالية.

١٠٥
١٠٦

1 ـ الأصول الرجالية الاربعة

* فهرس الشيخ منتجب الدين.

* معالم العلماء.

* رجال ابن داود.

* خلاصة الاقوال في علم الرجال.

١٠٧
١٠٨

الاصول الرجالية الاربعة

قد وقفت بفضل الابحاث السابقة ، على الاصول الاولية لعلم الرجال ، التي تعد امهات الكتب المؤلفة في العصور المتأخرة ومؤلفو هذه الاصول يعدون في الرعيل الاول من علماء الرجال ، لا يدرك لهم شأو ولا يشق لهم غبار ، لانهم5 قد عاصروا أساتذة الحديث وأساطينه ، وكانوا قريبي العهد من رواة الاخبار ونقلة الآثار ، ولاجل ذلك تمكنوا تمكناً تاماً مورثاً للاطمئنان ، من الوقوف على أحوالهم وخصوصيات حياتهم ، اما عن طريق الحس والسماع ـ كما هو التحقيق ـ أو من طريق جمع القرائن والشواهد المورثة للاطمئنان الذي هو علم عرفي ، كما سيوافيك تحقيقه في الابحاث الآتية.

وقد تلت الطبقة الاولى ، طبقة اخرى تعد من اشهر علماء الرجال بعدهم ، كما تعد كتبهم مصادر له بعد الاصول الاولية نأتي بأسمائهم وأسماء كتبهم ، وكلهم كانوا عائشين في القرن السادس.

ان أقدم فهرس عام لكتب الشيعة ، هو فهرس الشيخ أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري ، الذي قد تعرفت عليه وما حوله من الاقوال والآراء.

نعم ، ان فهرست أبي الفرج محمد بن اسحاق المعروف بابن النديم

١٠٩

( المتوفّى عام 385 هـ ) وان كان أقدم من فهرس ابن الغضائري ، لكنه غير مختص بكتب الشيعة ، وانما يضم بين دفتيه الكتب الاسلامية وغيرها ، وقد أشار الى تصانيف قليلة من كتب الشيعة.

وقد قام الشيخ الطوسي بعد ابن الغضائري ، فألف فهرسه المعروف حول كتب الشيعة ومؤلفاتهم ، وهو من احسن الفهارس المؤلفة ، وقد نقل عنه النجاشي في فهرسه واعتمد عليه ، وان كان النجاسي أقدم منه عصراً وأرسخ منه قدماً في هذا المجال.

وقد قام بعدهم في القرن السادس ، العلاّمتان الجليلان ، الشيخ الحافظ ابو الحسن منتجب الدين الرازي ، والشيخ الحافظ محمَّد بن عليّ بن شهرآشوب السروي المازندراني ، فأكملا عمل الشيخ الطوسي وجهوده إلى عصرهما ، وإليك الكلام فيهما إجمالاً :

1 ـ فهرس الشيخ منتجب الدين

وهو تأليف الحافظ عليّ بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين ( أخي الشيخ الصدوققدس‌سره ) بن علي ( والد الصدوق ). عرَّفه صاحب الرياض بقوله : « كان بحراً لا ينزف ، شيخ الاصحاب ، صاحب كتاب الفهرس. يروي عن الشيخ الطبرسي ( المتوفّى عام 548 هـ ) وأبي الفتوح الرازي ، وعن جمع كثير من علماء العامة والخاصَّة. ويروي عن الشيخ الطّوسي ( المتوفّى 460 هـ ) بواسطة عمّه الشيخ بابويه بن سعد.

وهذا الامام الرّافعي ( وهو الشيخ ابو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي الشافعي ، المتوفّى عام 623 ) يعرفه في تاريخه ( التدوين ) : الشيخ عليّ بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن بابويه شيخ ريّان من علم الحديث سماعاً وضبطاً وحفظاً وجمعاً ، قلَّ من يدانيه في هذه الاعصار في كثرة الجمع والسماع ، قرأت عليه بالرىّ سنة 584 هـ ، وتولد سنة 504 هـ ، ومات بعد

١١٠

سنة 585 هـ ، ثمَّ قال : ولئن اطلت عند ذكره بعض الاطالة فقد كثر انتفاعي بمكتوباته وتعاليقه فقضيت بعض حقه باشاعة ذكره وأحواله »(1) .

وقال الشيخ الحرّ العاملي في ترجمته : « الشيخ الجليل عليّ بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي ، كان فاضلا عالما ثقة صدوقاً محدّثاً حافظاً راوية علاّمة ، له كتاب الفهرس في ذكر المشايخ المعاصرين للشيخ الطوسي والمتأخرين إلى زمانه »(2) .

وقد ألَّفه للسيد الجليل أبي القاسم يحيى بن الصدر(3) السعيد المرتضى باستدعاء منه حيث قال السيد له : « إن شيخنا الموفق السعيد أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ رفع الله منزلته ـ قد صنف كتابا في أسامي مشايخ الشيعة ومصنّفيهم ، ولم يصنف بعده شيء من ذلك » فأجابه الشيخ منتجب الدين بقوله : « لو أخَّر الله أجلي وحقق أملي ، لأضفت اليه ما عندي من أسماء مشايخ الشيعة ومصنّفيهم ، الذين تأخر زمانهم عن زمان الشيخ أبي جعفررحمه‌الله وعاصروه » ثمَّ يقول : « وقد بنيت هذا الكتاب على حروف المعجم اقتداء بالشيخ أبي جعفررحمه‌الله وليكون أسهل مأخذاً ومن الله التوفيق »(4) .

وكلامه هذا ينبئ عن أنه لم يصل اليه تأليف معاصره الشيخ محمد بن عليّ بن شهرآشوب ، الذي كتب كتابه الموسوم بـ « معالم العلماء » تكملة لفهرس الشيخ ، ولأجل ذلك قام بهذا العمل من غير ذكر لذلك الكتاب.

__________________

1 ـ رياض العلماء : 4 / 140 ـ 141 ، ولكن التحقيق انه كان حيّاً الى عام 600 هـ. لاحظ مقال المحقق السيد موسى الزنجاني المنشور في مجموعة حول ذكرى العلاّمة الامينيقدس‌سره .

2 ـ أمل الآمل : 2 / 194.

3 ـ المدفون بـ « ري » المعروف عند الناس بامام زادة يحيى وربما يحتمل تعدد الرجلين.

4 ـ فهرس الشيخ منتجب الدين : 5 ـ 6.

١١١

وقد ألَّف الشيخ الطوسي الفهرس بأمر استاذه المفيد الذي توفي سنة 413 هـ ، وفي حياته ، كما صرَّح به في أوله.

وقد أورد الشيخ منتجب الدين في فهرسه هذا ، من كان في عصر المفيد إلى عصره المتجاوز عن مائة وخمسين سنة.

وفي الختام ، نقول : « إن الحافظ بن حجر العسقلاني ( المتوفّى عام 852 هـ ) قد أكثر النقل عن هذا الفهرس في كتابه المعروف بـ « لسان الميزان » ، معبّراً عنه بـ « رجال الشيعة » أو « رجال الامامية » ولا يريد منهما إلا هذا الفهرس ، ويعلم ذلك بمقارنة ما نقله في لسان الميزان ، مع ما جاء في هذا الفهرس ، كما أن لصاحب هذا الفهرس تأليفاً آخر اسماه تاريخ الريّ ، وينقل منه أيضاً ابن حجر في كتابه المزبور ، والأسف كل الاسف أن هذا الكتاب وغيره مثل « تاريخ ابن ابي طيّ »(1) و « رجال عليّ بن الحكم » و « رجال الصدوق » التي وقف على الجميع ، ابن حجر في عصره ونقل عنها في كتابه « لسان الميزان » لم تصل إلينا ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

ثم إن الغاية من اقتراح السيد عزّ الدين يحيى ، نقيب السادات ، هو كتابة ذيل لفهرس الشيخ على غراره ، بأن يشتمل على أسامي المؤلفين ، ومؤلفاتهم واحداً بعد واحد ، وقد قبل الشيخ منتجب الدين اقتراح السيّد ، وقام بهذا العمل لكنهقدس‌سره عدل عند الاشتغال بتأليف الفهرس عن هذا النمط ، فجاء بترجمة كثير من شخصيات الشيعة ، يناهز عددهم إلى 540 شخصية علمية وحديثية من دون أن يذكر لهم أصلا وتصنيفا ، ومن ذكر لهم كتاباً لا يتجاوز عددهم عن حدود مائة شخص.

نعم ما يوافيك من الفهرس الآخر لمعاصره ـ أعني معالم العلماء ـ فهو على غرار فهرس الشيخ حذو القذّة بالقذّة.

__________________

1 ـ راجع في الوقوف على وصف هذا التاريخ وما كتبه في طبقات الامامية ايضا « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » ج 3 ، ص 219 ـ 220 هذا وتوفي ابن ابي طي سنة 630 هـ.

١١٢

2 ـ معالم العلماء في فهرس كتب الشيعة وأسماء المصنفين

وهو تأليف الحافظ الشهير محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ، المولود عام 488 هـ ، والمتوفّى سنة 588 هـ ، وهو اشهر من أن يعرّف ، فقد أطراه أرباب المعاجم من العامة والخاصّة.

قال صلاح الدين الصفدي : « محمد بن علي بن شهرآشوب ابو جعفر السروي المازندراني ، رشيد الدين الشيعي ، احد شيوخ الشيعة. حفظ القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل اليه من البلاد ، ثم تقدَّم في علم القرآن والغريب والنحو ، ذكره ابن أبي طيّ في تاريخه ، وأثنى عليه ثناء بليغاً ، وكذلك الفيروزآبادي في كتاب البلغة في تراجم أئمة النَّحو واللغة ، وزاد أنه كان واسع العلم ، كثير العبادة دائم الوضوء ، وعاش مائة سنة الا ثمانية أشهر ، ومات سنة 588 هـ »(1) .

وذكره الشيخ الحرّ العاملي في « أمل الآمل » في باب المحمدين ، وذكر كتبه الكثيرة ، التي أعرفها « مناقب آل أبي طالب » وقد طبع في أربعة مجلدات ، و « متشابه القرآن » وهو من محاسن الكتب وقد طبع في مجلد واحد ، و « معالم العلماء » الذي نحن بصدد تعريفه ، وهذا الكتاب يتضمن 1021 ترجمة وفي آخرها « فصل فيما جهل مصنّفه » و « باب في بعض شعراء أهل البيت » وهذا الفهرس ، كفهرس الشيخ منتجب الدين تكملة لفهرس الشيخ الطوسي ، والمؤلفان متعاصران ، والكتابان متقاربا التأليف ، وقد أصبح معالم العلماء من المدارك المهمة لعلماء الرجال ، كالعلامة الحلي في « الخلاصة » ، ومن بعده.

__________________

1 ـ الوافي بالوفيات : 4 / 164.

١١٣

3 ـ رجال ابن داود

وهو تأليف تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي المولود سنة 647 ، أي قبل تولد العلاّمة بسنة ، والمتوفّى بعد سنة 707 هـ ، تتلمذ على السيد جمال الدين أحمد بن طاووس ( المتوفّى سنة 673 هـ ) قرأ عليه أكثر كتاب « البشرى » و « الملاذ » حتى قال : « وأكثر فوائد هذا الكتاب من اشاراته وتحقيقاته ، رباني وعلمني وأحسن إلي »(1) .

كما قرأ على الامام نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى المعروف بالمحقق ، وقال في حقه : « قرأت عليه ورباني صغيراً ، وكان له علي احسان عظيم والتفات ، وأجاز لي جميع ما صنفه وقرأه ورواه »(2) .

مميزات رجال ابن داود

ومن مزايا ذلك الكتاب ، أنه سلك فيه مسلكاً لم يسبقه أحد من الاصحاب ، لانه رتبه على الحروف ، الاول فالاول ، من الاسماء وأسماء الاباء والاجداد ، وجمع ما وصل اليه من كتب الرجال مع حسن الترتيب وزيادة التهذيب ، فنقل ما في فهرس الشيخ والنجاشي ، ورجال الكشي ، والشيخ وابن الغضائري والبرقي والعقيقي وابن عقدة والفضل بن شاذان وابن عبدون ، وجعل لكل كتاب علامة ولم يذكر المتأخرين عن الشيخ إلا اسماء يسيرة ، وجعل كتابه في جزأين ، الاول يختص بذكر الموثقين والمهملين ، والثاني بالمجروحين والمجهولين.

وذكر في آخر القسم الاول ، تحت عنوان خاص ، جماعة وصفهم النجاشي بقوله « ثقة ثقة » مرتين ، عدتهم أربعة وثلاثون رجلاً مرتبين على

__________________

1 ـ لاحظ رجال ابن داود : 45 ـ 46 طبعة النجف.

2 ـ رجال ابن داود : 62 طبعة النجف.

١١٤

حروف الهجاء ، ثم أضاف بأن الغضائري جاء في كتاب خمسة رجال زيادة على ما ذكره النجاشي ، ووضف كلا منهم بأنه « ثقة ثقة » مرتين ، ثم ذكر خمسة فصول لا غنى للباحث عنها ، كل فصل معنون بعنوان خاص.

ثم ذكر في آخر القسم الثاني ، سبعة عشر فصلاً لا يستغني عنها الباحثون ، كل فصل معنون بعنوان خاص ثم أورد تنبيهات تسعة مفيدة.

وبما أنه وقع في هذا الكتاب إشتباهات عند النقل عن كتب الرجال ، مثلا نقل عن النجاشي مطلباً وهو للكشّي أو بالعكس ، قام المحقق الكبير السيد محمد صادق آل بحر العلوم في تعليقاته على الكتاب ، باصلاح تلك الهفوات ولعل أكثر تلك الهفوات نشأت من استنساخ النساخ ، وعلى كل تقدير ، فلهذا الكتاب مزية خاصة لا توجد في قرينه الآتي أعني خلاصة العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ.

قال الافندي في « رياض العلماء » : « وليعلم أن نقل ابن داود في رجاله عن كتب رجال الاصحاب ، ما ليس فيها ، مما ليس فيه طعن عليه ، إذ أكثر هذا نشأ من اختلاف النسخ ، والازدياد والنقصان الحاصلين من جانب المؤلفين أنفسهم بعد اشتهار بعض نسخها وبقي في أيدي الناس على حالته الاولى من غير تغيير ، كما يشاهد في مصنفات معاصرينا أيضاً ولا سيّما في كتب الرجال التي يزيد فيها مؤلفوها ، الأسامي والأحوال يوماً فيوماً وقد رأيت نظير ذلك في كتاب فهرست الشيخ منتجب الدين ، وفهرست الشيخ الطوسي ، وكتاب رجال النجاشي وغيرها ، حتى إني رأيت في بلدة الساري نسخة من خلاصة العلاّمة قد كتبها تلميذه في عصره ، وكان عليها خطه وفيه اختلاف شديد مع النسخ المشهورة بل لم يكن فيها كثير من الأسامي والأحوال المذكورة في النسخ المتداولة منه »(1) .

__________________

1 ـ رياض العلماء : 1 / 258.

١١٥

أقول : ويشهد لذلك ان المؤلفات المطبوعة في عصرنا هذا تزيد وتنقص حسب طبعاتها المختلفة ، فيقوم المؤلف في الطبعة اللاحقة بتنقيح ما كتب بإسقاط بعض ما كتبه وإضافة مالم يقف عليه في الطبعة الأولى ، ولأجل ذلك تختلف الكتب للمعاصرين حسب اختلاف الطبعات.

وفي الختام نذكر نصّ اجازة السيّد أحمد بن طاووس ، لتلميذه ابن داود مؤلّف الرجال ، وهي تعرب عن وجود صلة وثيقة بين الاستاذ والمؤلف فإنه بعد ما قرأ ابن داود كتاب « نقض عثمانية جاحظ » على مؤلفه « أحمد بن طاووس » كتب الاستاذ اجازة له وهذه صورتها :

« قرأ عليّ هذا « البناء » من تصنيفي ، الولد العالم الأديب التقي ، حسن بن علي بن داود ـ أحسن الله عاقبته وشرف خاتمته ـ وأذنت له في روايته عنّي.

وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن طاووس حامداً لله ومصلّياً على رسوله ، والطاهرين من عترته ، والمهديّين من ذريته ».

وفي آخر الرسالة ما هذه صورته :

« أنجزت الرسالة ، والحمد لله على نعمه ، وصلاته على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى ، حسن بن علي بن داود ربيب صدقات مولانا المصّنف ـ ضاعف الله مجده وأمتعه الله بطول حياته ـ وصلاته على سيّدنا محمد النبي وآله وسلامه ».

وكان نسخ الكتاب في شوال من سنة خمس وستين وستمائة(1) .

__________________

1 ـ وقد أسماه المؤلف بـ « بناء المقالة الفاطمية في نفض الرسالة العثمانية للجاحظ » ويقال اختصاراً « البناء ».

١١٦

مشايخه

قال الافندي : ويروي ابن داود عن جماعة من الفضلاء :

منهم : السيد جمال الدين ابو الفضائل أحمد بن طاووس.

ومنهم : الشيخ مفيد الدين محمد بن جهيم الاسدي على ما يظهر من ديباجة رجاله(1) .

أقول : وهو يروي عن جماعة اخرى أيضاً.

منهم : المحقّق نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي ( المتوفّى عام 676 هـ ).

ومنهم الشيخ نجيب الدين أبو زكريا يحيى بن سعيد الحّلي ابن عم المحقق المذكور ( المتوفّى عام 689 هـ ).

ومنهم الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي والد العلاّمة الحلي.

ونقل الافندي في الرياض أنه كان شريك الدرس مع السيد عبد الكريم بن جمال الدين(2) أحمد بن طاووس الحلي ( المتوفّى عام 693 هـ ) عند المحقّق. ولكن العلاّمة الاميني عدّه من مشايخه(3) ، والظاهر اتقان الاول.

تلاميذه

يروي عنه جماعة كثيرة :

__________________

1 ـ نقض عثمانية جاحظ المطبوع حديثاً بـ « عمان ».

2 ـ رياض العلماء : 1 / 256.

3 ـ الغدير : 6 / 7.

١١٧

منهم : الشيخ رضي الدين علي بن أحمد المزيدي الحلي(1) ، استاذ الشهيد الاول ، المتوفّى عام 757 هـ.

ومنهم : الشيخ زين الدين ابو الحسن علي بن طراد المطارآبادي ، المتوفّى بالحلة 754 هـ.

تآليفه

للمترجم له تآليف قيّمة تبلغ ثلاثين كتاباً ذكر أسماءها في رجاله.

ومن شعره الرائق قوله في حقّ الوصي :

وإذا نظرت إلى خطاب محمَّد

يوم الغدير إذ استقّر المنزل

من كنت مولاه فهذا حيدر

مولاه لا يرتاب فيه محصِّل

لعرفت نصّ المصطفى بخلافة

مَنْ بعدَه غرّاء لا يتأوّل

وله اُرجوزة في الإمامة ، طويلة ، مستهلها :

وقد جرت لي قصّة غريبة

قد نتجت قضيّة عجيبة(2)

وفاته

قد عرفت أنه قد فرغ من رجاله عام 707 هـ ، ولم يعلم تاريخ وفاته على وجه اليقين ، غير أن العلاّمة الاميني ينقل عن « رياض العلماء » أنه رأى في مشهد الرضا نسخة من « الفصيح » بخط المترجم له ، في آخرها : « كتبه مملوكه حقاً حسن بن علي بن داود غفر له في ثالث عشر شهر رمضان المبارك سنة احدى وأربعين وسبعمائة حامداً مصلّياً مستغفراً ».

__________________

1 ـ وفي رياض العلماء مكان « المزيدي » ، « المرندي » ، وهو تصحيف.

2 ـ لاحظ الغدير : 6 / 3 ـ 6 ، وذكر شطراً منها السيد الامين في أعيان الشيعة : 22 / 343.

١١٨

فيكون له من العمر حينذاك 94 عاماً ، فيكون من المعمرين ، ولم يذكر منهم(1) .

4 ـ خلاصة الاقوال في علم الرجال

وهي للعلاّمة(2) على الاطلاق الحسن بن يوسف بن المطهَّر ، المولود عام 648 هـ ، والمتوفّى عام 726 هـ ، الذي طار صيته في الآفاق ، برع في المعقول والمنقول ، وتقدَّم على الفحول وهو في عصر الصبا. ألَّف في فقه الشريعة مطوَّلات ومتوسّطات ومختصرات ، وكتابه هذا في قسمين : القسم الاول ؛ فيمن اعتمد عليه وفيه سبعة عشر فصلا ، والقسم الثاني ؛ مختصّ بذكر الضعفاء ومن ردَّ قوله أو وقف فيه ، وفيه أيضا سبعة عشر فصلا ، وفي آخر القسم الثاني خاتمة تشتمل على عشر فوائد مهمَّة ، وكتابه هذا خلاصة ما في فهرست الشيخ والنجاشي وقد يزيد عليهما.

قال المحقّق التستري : « إن ما ينقله العلاّمة من رجال الكشي والشيخ ورجال النجاشي مع وجود المنقول في هذه الكتب غير مفيد ، وإنما يفيد في ما لم نقف على مستنده ، كما في ما ينقل من جزء من رجال العقيقي ، وجزء من رجال ابن عقدة ، وجزء من ثقات كتاب ابن الغضائري ، ومن كتاب آخر له في المذمومين لم يصل الينا ، كما يظهر منه في سليمان النخعي ، كما يفيد أيضاً فيما ينقله من النجاشي في ما لم يكن في نسختنا ، فكان عنده النسخة الكاملة من النجاشي واكمل من الموجود من ابن الغضائري ، كما في ليث البختري ، وهشام بن إبراهيم العبّاسي ، ومحمد بن نصير ، ومحمد بن أحمد بن محمد بن سنان ، ومحمد بن أحمد بن قضاعة ، ومحمد بن الوليد الصيرفي ، والمغيرة بن

__________________

1 ـ الغدير : 6 / 8 نقلاً عن روضات الجنات : 357.

2 ـ إن العلاّمة غني عن الاطراء ، وترجمته تستدعي تأليف رسالة مفردة ، وقد كفانا ، ما ذكره اصحاب المعاجم والتراجم في حياته وفضله وآثاره.

١١٩

سعيد ، ونقيع بن الحارث ، وكما ينقل في بعضهم اخباراً لم نقف على مأخذها ، كما في اسماعيل بن الفضل الهاشمي ، وفيما أخذه من مطاوي الكتب كمحمد بن أحمد النطنزي »(1) .

وبما أن هذا الكتاب ورجال ابن داود متماثلان في التنسيق وكيفية التأليف ، يمكن أن يقال : إن واحداً منهما اقتبس المنهج عن الآخر ، كما يمكن أن يقال : إن كليهما قد استقلاّ في التنسيق والمنهج ، بلا استلهام من آخر ، غير أن المظنون هو أن المؤلفين ، بما أنهما تتلمذا على السيد جمال الدين أحمد بن طاووس المتوفّى سنة 673 هـ ، وقد كان هو رجالي عصره ومحقق زمانه في ذلك الفن ، قد اقتفيا في تنسيق الكتاب ما خطَّه استاذهما في ذلك الموقف ، والله العالم.

الفروق بين رجالي العلاّمة وابن داود

ثم ان هنا فروقاً بين رجالي العلاّمة وابن داود يجب الوقوف عليها واليك بيانها :

1 ـ ان القسم الاول من الخلاصة مختص بمن يعمل بروايته ، والثاني بمن لا يعمل بروايته ، حيث قال : « الاول ؛ في من اعتمد على روايته أو ترجح عندي قبول قوله. الثاني ؛ في مَنْ تركت روايته أو توقفت فيه ».

ولاجل ذلك يذكر في الاول الممدوح ، لعمله بروايته ، كما يذكر فيه فاسد المذهب إذا عمل بروايته كابن بكير وعليّ بن فضال. وأما الموثقون الذين ليسوا كذلك ، فيعنونهم في الجزء الثّاني لعدم عمله بخبرهم ، هذا.

والجزء الأوّل من كتاب ابن داود فيمن ورد فيه أدنى مدح ولو مع ورود ذموم كثيرة أيضا فيه ولم يعمل بخبره والجزء الثاني من كتابه ، فيمن ورد فيه

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 15.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

أخبار الآحاد) (١) . كما أنّه مدح عشرة من أئمّة أهل البيت من ضمنهم الإمام زين العابدين في كلام واحد، فقال:

( ومَن الذي يُعَدُّ من قريش أو من غيرهم ما يَعُدُّه الطالبيّون عشرة في نسق؛ كلّ واحد منهم عالمٌ، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [ العسكري ] بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي [ زين العابدين ] بن الحسين بن علي ( عليهم السلام )، وهذا لم يتّفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم ) (٢) .

١٣ - أبو بكر بن البرقي، أحمد بن عبد الله (ت: ٢٧٠هـ):

قال في حقّ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ): ( كان أفضل أهل زمانه ) (٣) .

١٤ - أبو حاتم، محمّد بن حبّان البستي (ت: ٣٥٤هـ):

قال في ( مشاهير علماء الأمصار ): ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن، من فقهاء أهل البيت، وأفاضل بني هاشم، وعُبّاد المدينة... ) (٤) .

١٥ - أبو نعيم، أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت: ٤٣٠ هـ):

قال في ( حلية الأولياء ): ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، زين العابدين، ومنار القانتين، كان عابداً وفيّاً، وجواداً حفيّاً )

____________________

(١) رسائل الجاحظ: ١٠٥ - ١٠٦، جمعها ونشرها حسن السندوبي، المكتبة التجاريّة الكبرى، مصر، طبع المطبعة الرحمانيّة بمصر.

(٢) المصدر نفسه: ١٠٩.

(٣) نقل قوله المزّي في ( تهذيب الكمال ): ٢٠/٣٨٨، مؤسّسة الرسالة. والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ): ٤/٣٩٠، مؤسّسة الرسالة.

(٤) مشاهير علماء الأمصار: ٦٣، دار الكتب العلميّة.

٢٠١

ثمّ ذكر طرفاً من مكارمه وفضائله ومحاسنه وبعض أقوال أهلُ العلم في تعظيمه والثناء عليه، كما ذكر جانباً من كلماته (١) ، سلام الله عليه.

١٦ - محمّد بن طلحة الشافعي (ت: ٦٥٢ هـ):

قال في ( مطالب السؤول ): ( هذا زين العابدين: قدوة الزاهدين وسيّد المتّقين، وإمام المؤمنين، شيمتُه تشهد له أنّه من سلالة رسول الله(ص)، وسِمَتُهُ تثبت مقام قربه من الله زُلفى، ونفثاته (٢) تسجّل بكثرة صلاته وتهجّده، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درّت له أخلاف التقوى فتفوّقها، وأشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدى بها، وأَلِفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، وخالفته وظائف الطاعة فتحلّى بِحِلْيَتِهَا، طالما اتّخذ الليل مطيّة ركبها لقطع طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مفازة المسافرة، وله الخوارق والكرامات ما شُوهد بالأعين الباصرة، وثبت بالآثار المتواترة، وشهد له أنّه من ملوك الآخرة ) (٣) .

١٧ - يوسف بن فرغلي سبط ابن الجوزي (ت: ٦٥٤هـ):

قال في ( تذكرة الخواص ): ( وهو أبو الأئمّة، وكنيته أبو الحسن، ويلقّب بزين العابدين، وسمّاه رسول الله (ص) سيّد العابدين...، والسجّاد، وذي الثفنات، والزكي، والأمين، والثفنات - ما يقع على الأرض من أعضاء البعير إذا استناخ وغلظ كالركبتين ونحوهما، الواحدة ثفنة - فكان طول السجود أثّر في

____________________

(١) انظر: ( حلية الأولياء ): ٣/١٢٤ - ١٣٥، دار إحياء التراث العربي.

(٢) هكذا في المصدر المطبوع ولعلّ الصحيح ( ثفناته ).

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ٢/٨٤، مؤسّسة أمّ القرى.

٢٠٢

ثفناته... ) (١) .

ثمّ ذكر طرفاً من مناقبه ومحاسنه وكلماته وبعض أقوال العلماء في تعظيمه و الثناء عليه، إلى أنْ قال: ( اختلفوا في وفاته على أقوال: أحدها: أنّه تُوفّي سنة أربع وتسعين، والثاني: سنة اثنتين وتسعين، والثالث: سنة خمس وتسعين، والأوّل أصحّ؛ لأنّها تسمّى سنة الفقهاء: لكثرة من مات بها من العلماء، وكان سيّد الفقهاء، مات في أوّلها وتَتَابَعَ الناسُ بعده.

أسند عنه سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، وعامّة فقهاء المدينة... ) (٢) .

١٨ - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: ٦٥٥هـ):

نقل في ( شرح نهج البلاغة ) نصّ كلام الجاحظ في ( رسائله ) مقرّاً له عليه (٣) ، وقد تقدّم ذكره منّا عند نقل كلمات الجاحظ حول الإمام زين العابدين ( عليه السلام ).

١٩ - محيي الدين، يحيى بن شرف النووي (ت: ٦٧٦ هـ):

قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ): (... علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، المدني، التابعي، المعروف بزين العابدين رضي الله عنه،... روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمان ويحيى الأنصاري والزهري وأبو الزناد، وزيد بن أسلم وحكيم بن جبير، وابنه أبو جعفر محمّد بن علي وغيرهم، وأجمعوا على جلالته في كلّ شيء... ). وذكر مجموعة من أقوال العلماء في مدحه

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٩١، مؤسّسة أهل البيت.

(٢) المصدر نفسه: ٢٩٨ - ٢٩٩.

(٣) انظر: ( شرح نهج البلاغة ): ١٥/ ٢٧٤ و ٢٧٨، دار الكتب العلميّة المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

٢٠٣

والثناء عليه (١) .

٢٠ - أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن خِلّكان (ت: ٦٨١ هـ):

قال في ( وفيات الأعيان ): ( أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، المعروف بزين العابدين، ويقال له عليّ الأصغر، وليس للحسين - رضي الله عنه - عقب إلاّ من وُلد زين العابدين هذا، وهو أحد الأئمّة الاثني عشر، ومن سادات التابعين، قال الزهري: ما رأيتُ قرشياً أفضل منه ) (٢) ، إلى أنْ قال: ( وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر من أنْ تُحْصَر ) (٣) .

٢١ - شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: ٧٤٨ هـ):

قال في ( سير أعلام النبلاء ) بعد أنْ ذكر بعض مناقبه ونُبَذَاً من أقوال العلماء في مدحه والثناء عليه: ( وكان له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى، لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألّهه، وكمال عقله. قد اشتهرت قصيدة الفرزدق - وهي سماعنا - أنّ هشام بن عبد الملك حجّ قُبيل ولايته الخلافة، فكان إذا أراد استلام الحجر زُوحم عليه، وإذا دنا عليّ بن الحسين من الحجر تفرّقوا عنه إجلالاً له، فوجم لها هشام وقال: مَن هذا؟ فما أعرفه، فأنشأ الفرزدق يقول:

هذا الذي تَعرِفُ البطحاء وطأتَه = والبيتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ

____________________

(١) انظر: ( تهذيب الأسماء واللغات ): ١/٣١٤ - ٣١٥، دار الفكر.

(٢) وفيات الأعيان: ٣/٢٣٣، دار الكتب العلميّة.

(٣) المصدر نفسه: ٣/٢٣٥.

٢٠٤

هذا ابنُ خَيْرِ عَبَادِ اللهِ كُلّهمُ = هذا التقيّ النقيّ الطَاهِرُ العَلَمُ

إذا رَأَتْهُ قُريشٌ قال قائلُها = إلى مَكَارِم هذا ينتهي الكَرمُ

يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهَِ = رُكْن الحَطِيْمِ إذا مَا جَاء يَسْتَلِمُ

يُغضي حَيَاءً ويُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ = فَمَا يُكلَّم إلاّ حِيْنَ يَبْتَسِمُ

هذا ابنُ فاطمة إنْ كنتَ جاهِلهُ = بِجَدِّهِ أنبياءُ اللهِ قَد خُتِمُوا

وهي قصيدة طويلة. قال: فأمر هشام بحبس الفرزدق... ) (١) .

وقال في ( العبر ): ( قلتُ: مناقبه كثيرة من صلواته وخشوعه وحَجّه وفَضْله رضي الله عنه ) (٢) .

٢٢ - عبد الله بن أسعد اليافعي (ت: ٧٦٨ هـ):

قال في ( مرآة الجنان ) عند ذكر حوادث سنة: (٩٤ هـ): ( وفيها توفّي زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، روي عن جماعة من السلف أنّهم قالوا: ما رأينا أورع - وبعضهم قالوا - أفضل منه، منهم سعيد بن المسيّب، وقال أيضاً: بلغني أنّ علي بن الحسين كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أنْ مات... ) وبعد أنْ ذكر طرفاً من مناقبه ومحاسنه قال: ( ومناقبه ومحاسنه كثيرة شهيرة، اقتصرتُ منها على هذهِ النُبذ اليسيرة ) (٣) .

٢٣ - إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت: ٧٧٤ هـ):

ترجم الإمام علي بن الحسين في كتابه ( البداية والنهاية )، ونقل فيها أقوالاً

____________________

(١) سير أعلام النبلاء: ٤/٣٩٨، مؤسّسة الرسالة.

(٢) العِبَر في خبر مَن غبر: ١/١١١، مطبعة حكومة الكويت.

(٣) مرآة الجنان وعبرة اليقظان: ١/١٥١ - ١٥٣، دار الكتب العلميّة.

٢٠٥

ع دّة من العلماء في مدحه والثناء عليه ، كمحمّد بن سعد والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، كما ذكر عدّة من محاسن الإمام ومناقبه وفضائله ونقل بعضاً من مواعظه، وقبساً من نور كلماته (١) .

٢٤ - محمّد خواجه بارساي البخاري (ت: ٨٢٢ هـ):

قال في ( فصل الخطاب ): ( وُلد سنة ثمان وثلاثين، وكان ثقة، مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، وأجمعوا على جلالته في كلّ شيء، وقال حمّاد بن زيد: كان أفضل هاشمي أدركتُه ) (٢) .

٢٥ - أحمد بن حجر العسقلاني (ت: ٨٥٢ هـ):

قال في ( تقريب التهذيب ): ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، زين العابدين، ثقة، ثبتٌ، عابدٌ، فقيهٌ، فاضلٌ، مشهور، قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيتُ قرشيّاً أفضل منه... ) (٣) .

كما ترجمه في ( تهذيب التهذيب ) واقتصر على نقل توثيقات ومدائح العلماء للإمام ( عليه السلام ) (٤) .

٢٦ - ابن الصبّاغ المالكي (ت: ٨٥٥ هـ):

قال في ( الفصول المهمّة ): ( أمّا مناقبه ( عليه السلام )، فكثيرة، ومزاياه شهيرة، منها: أنّه كان إذا توضّأ للصلاة يصفرّ لونه، فقيل له: ما هذا نراه يعتادك عند الوضوء،

____________________

(١) انظر: ( البداية والنهاية ): ٩/١٢١ - ١٣٤، مؤسّسة التاريخ العربي.

(٢) نقله القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): ٢/٤٥٤، منشورات الشريف الرضي.

(٣) تقريب التهذيب: ١/٤١١، دار الفكر.

(٤) انظر: ( تهذيب التهذيب ): ٥/٦٦٩ - ٦٧٢. دار الفكر.

٢٠٦

فيقول: ما تدرون بين يَدي مَنْ أريدُ أنْ أقوم... ) (١) .

٢٧ - شمس الدين محمّد بن طولون (ت: ٩١١ هـ):

قال في ( الأئمّة الاثنا عشر ): ( ورابعهم علي، رضي الله عنه وهو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بزين العابدين، ويُقال له علي الأصغر. وليس للحسين رضي الله عنه، عقبٌ إلاّ مِن وُلد زين العابدين هذا. وهو من سادات التابعين.

قال الزهري: ما رأيتُ قرشيّاً أفضل منه.... وكان يُقال لزين العابدين: ابن الخيرتَين؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( لله تعالى من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس ) إلى أنْ قال: ( وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر مِن أن تُحصى ) (٢) .

٢٨ - أحمد بن حجر الهيتمي (ت: ٩٧٤ هـ):

قال في ( الصواعق المحرقة ): ( وزين العابدين هذا هو الذي خلف أباه: علْماً، وزهداً، وعبادة، وكان إذا توضّأ للصلاة اصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: ( أَلاَ تدرون بين يَدي مَن أقف ). وحكي أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة )، ثمّ ذكر بعض كراماته ومحاسنه وطرفاً من أقواله عليه السلام (٣) .

٢٩ - عبد الرؤوف المُناوِيّ القاهري الشافعي (ت: ١٠٣١ هـ):

____________________

(١) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة: ١٩٠، دار الأضواء.

(٢) الأئمّة الاثنا عشر: ٧٥ - ٧٨، منشورات الرضي المصوّرة على طبعة دار صادر، بيروت.

(٣) انظر: ( الصواعق المحرقة ): ٣٠٢ - ٣٠٤، دار الكتب العلميّة.

٢٠٧

قال في ( الكواكب الدُرِّيَّة ): ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين، إمامٌ سيّدٌ سندٌ، اشتهرتْ أياديه ومكارمه، وطارت في الوجود حمائمه، كان عظيم القدر، رَحِب الساحة والصدر، رأساً لجسد الرياسة، مؤمّلاً للإيالة والسياسة... وهو ثقة، ثبت، فاضل، قال الزهري وابن عيينة رضي الله عنه: ما رأينا قط قرشيّاً أفضل منه، [ روى ] عنه بنوه: محمّد، وزيد، وعمر، والزهري، وأبو الزناد وغيرهم.

قال الزهري رحمه الله: ما رأيتُ أحداً أفقه منه.

وقال ابن المسيّب: ما رأيت أورع منه، وقد جاء عنه مَنَاقب من خشوعه في وضوئه، وصلاته، ونسكه، ما يُدهِش السامع، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة حتّى مات.

قال مالك رضي الله عنه: وسُمّي زين العابدين لكثرة عبادته.

وكان إذا هاجت الريح سقط مغشيّاً عليه، ووقع حريق في بيته وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: النار، فما رفع رأسه حتّى طُفئت، فقيل له أَشَعَرْتَ بها؟

قال: ( ألهتني عنها النار الكبرى )، وكان إذا نقصه أحد قال: ( اللّهمّ إنْ كان صادقاً فاغفر لي، وإن كان كاذباً فاغفر له )، ولمّا مات وجدوه يقوت أهل مئة بيت... ) (١) .

٣٠ - ابن العماد الحنبلي (ت: ١٠٨٩ هـ):

قال في ( شذرات الذهب ) عند ذكره لأحداث سنة: (٩٤): ( وفيها [ أي تُوفِّي ] زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي... سُمّي زين العابدين لفرط عبادته، وكان وِرْده في اليوم والليلة ألف ركعة )، ثمّ ذكر بعض محاسنه وأقواله ونقل مدح وثناء بعض العلماء له كالزهري وأبي حازم الأعرج وغيرهم (٢) .

____________________

(١) الكواكب الدرِّيَّة: ١٣٩، مطبعة وورسة تجليد الأنوار، مصر.

(٢) انظر: ( شذرات الذهب ): ١/١٩٤، دار الكتب العلميّة.

٢٠٨

٣١ - محمّد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني (ت: ١١٢٢ هـ)

قال في شرحه على ( موطّأ مالك ): ( علي بن حسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، زين العابدين، ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور من رجال الجميع، قال الزهري: ما رأيتُ قرشيّاً أفضل منه ) (١) .

٣٢ - عبد الله بن محمّد الشبراوي (ت: ١١٧١ هـ):

قال في ( الإتحاف بحبّ الأشراف ): ( الرابع من الأئمّة، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه... كان رضي الله عنه عابداً، زاهداً، ورعاً، متواضعاً، حسن الأخلاق، وكان إذا توضّأ للصلاة اصفرّ لونه، فقيل له: ما هذا الذي نراه يعتريك عند الوضوء؟

فقال: ( أَمَا تدرون بين يَدي مَنْ أُريدُ أقف )، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة... ) إلى آخر ما ذكره من محاسنه ومناقبه (٢) .

٣٣ - محمّد بن الصبّان الشافعي (ت: ١٢٠٦ هـ):

قال في ( إسعاف الراغبين ): ( أمّا السيّد علي زين العابدين، فهو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب... أشهر كُنَاه: أبو الحسن، وأشهر ألقابه: زين العابدين ) إلى أنْ قال: ( [ روى ] عنه بنوه، والزهري، وأبو الزناد وغيرهم، قال الزهري وابن عيينة: ما رأينا قرشيّاً أفضل منه، وقال عنه ابن المسيّب: ما رأيتُ أورع منه.

____________________

(١) شرح الزرقاني: ١/٢٣٠، دار الكتب العلميّة.

(٢) انظر: ( الإتحاف بحبّ الأشراف ): ١٣٥ - ١٤٣، منشورات الرضي، مصوّرة على طبعة المطبعة الأدبيّة بمصر.

٢٠٩

وقد جاء عنه من خشوعه في وضوئه وصلاته ونسكه ما يدهش السامع، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة حتى مات، ولقّب بزين العابدين لكثرة عبادته وحسنها، كان شديد الخوف من الله تعالى بحيث إنّه إذا توضّأ اصفرّ لونه وارتعد. فيُقال له: ما هذا؟

فيقول: ( أتدرون بين يدَي مَنْ أقوم. .. ) ).

وذكر جملة من محاسنه ومناقبه وطرفاً من كلماته، سلام الله عليه (١) .

٣٤ - يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت: ١٣٥٠ هـ):

قال في ( جامع كرامات الأولياء ): ( علي زين العابدين، أحد أفراد ساداتنا آل البيت، وأعاظم أئمّتهم الكبار، رضي الله عنه وعنهم أجمعين... ) (٢) .

٣٥ - خير الدين الزركلي (ت: ١٣٩٦ هـ):

قال في ( الأعلام ): ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو الحسن، الملقّب بزين العابدين: رابع الأئمّة الاثني عشر عند الإماميّة، وأحد مَن كان يُضرب بهم المَثَل في الحلم والورع، يُقال له: ( علي الأصغر ) للتمييز بينه وبين أخيه ( علي الأكبر )... أُحصي بعد موته عدد من كان يقوتهم سرّا، فكانوا نحو مئة بيت، قال بعض أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السرّ إلاّ بعد موت زين العابدين، وقال محمّد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون مِن أين معاشهم ومأكلهم، فلمّا مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلاً إلى منازلهم... ) (٣) .

____________________

(١) إسعاف الراغبين: ٢٣٦ - ٢٤١، مطبوع على هامش نور الأبصار، طبعة دار الفكر المصوّرة على الطبعة المصريّة لسنة: ١٩٤٨م.

(٢) جامع كرامات الأولياء: ٢/٢١٠، المكتبة الشعبيّة، بيروت، لبنان.

(٣) الأعلام: ٤/٢٧٧، دار العلم للملايين.

٢١٠

هذا وقد زخرتْ الكتب والمؤلّفات بترجمة الإمام زين العابدين ( عليه السلام )، وامتلأت الصحائف بذكر الأقوال في تبجيله ومدحه والثناء عليه، نكتفي بما تقدّم ذكره من الكلمات التي بيّنت - وبلا شك - إجماع العلماء والأعلام، وأهل الفن والمعرفة على عظم الإمام، وجلالة قدره وكونه أفضل، وأورع وأفقه أهل المدينة، كما أقرّ بذلك الزهري، وغيره من التابعين، وممّن تلاهم.

لذا لا نرى حاجة لتتبّع كلمات أكثر، وبإمكان القارئ المراجعة والاطلاع.

٢١١

٢١٢

الفصل الرابع

الخامس من أئمّة أهل البيت

الباقر

محمّد بن علي عليه السلام

٢١٣

٢١٤

نافذة إلى معرفة الإمام عليه السلام

بحرٌ من الفضائل، وشعلة من النور، وغصن من شجرة النبوّة، فأنّى لأحد أنْ يكتب عن الإمام محمّد الباقر ( عليه السلام )، بَقَرَ العلم وشقّه، وعرف أصله وفرعه وخَفِيَّه، جمع الفقه والديانة والسؤدد ومكارم الأخلاق، فانحنتْ الخلافةُ بين يديه تواضعاً، وقبّلت السيادةُ يديه تَشرُّفاً.

كان كوكباً متألّقاً يفيض على الدنيا بعطائه السيّال، ويمدّ البشريّة بعلمه الزاخر، فاستنار الوجود بوجوده، واستضاء الكون من بحر جوده، فصار وهجاً وضاءً ينير طريق الأجيال، ويرسو بالأمّة نحو رضا الربّ المتعال؛ لذا خلّدتْه الصحائف، بل خَلُدت الصحائف بذكره، وتشرّفت الأقلام بمدحه والثناء عليه.

وقبل أنْ نسطّر بعضاً ممّا دوّنه علماء وأعلام أهل السنّة في صحائفهم، نتعرَّض لذكر إلمامة بسيطة بحياته ( عليه السلام )، فنقول:

-هو: محمّد بن علي زين العابدين، بن الحسين الشهيد، بن علي بن أبي طالب، عليهم جميعاً سلام الله ورضوانه.

-أمُّهُ: أمّ عبد الله، فاطمة بنت الحسن ( عليه السلام ) (١) ، كانت من سيّدات النساء، يسمّيها الإمام زين العابدين ( الصدّيقة ) (٢) ، وكان يقول عنها إمامنا الصادق ( عليه السلام ): ( كانت صدّيقة، لم تُدرَك في آل الحسن امرأة مثلها ) (٣) .

____________________

(١) إعلام الورى للطبرسي: ١ / ٤٩٨، مؤسّسة آل البيت.

(٢) الدرّ النظيم لجمال الدين الشامي: ٦٠٣، مؤسّسة النشر الإسلامي.

(٣) أصول الكافي للكليني: ١ / ٥٤٢، دار التعارف للمطبوعات.

٢١٥

-وُلد ( عليه السلام ): بالمدينة سنة: سبع وخمسين من الهجرة (٥٧ هـ) (١) .

-يُكنّى ( عليه السلام ): بأبي جعفر.

-وأشهر ألقابه: الباقر (٢) .

-تسلّم إمامة المسلمين: عند وفاة أبيه زين العابدين في سنة: (٩٥ هـ)، وكان له من العمر ثمان وثلاثون سنة.

-عاصر في أيّام إمامته: خمسة من حكّام بني أميّة، وهم: الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد الملك.

-بذر الإمام الباقر ( عليه السلام ): النواة الأولى لبلورة ونشر الرسالة الإسلاميّة الحقّة المتمثّلة في مذهب أهل البيت ( عليهم السلام )، فعقد في مسجد المدينة المنوّرة حلقات الدروس المختلفة في الفقه والتفسير والحديث وغيرها، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوهُ التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين.

وقد سمّي ( عليه السلام ) بالباقر؛ لأنّه بقر العلم أي شقّه وعَرَف أصله وخفيّه.

-رحل إمامنا الباقر ( عليه السلام ): في سنة: (١١٤ هـ) (٣) .

-دُفِنَ ( عليه السلام ): في مقبرة البقيع في مدينة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى جانب أبيه زين العابدين ( عليه السلام )، وعمّ أبيه الحسن بن علي ( عليه السلام ) (٤) .

____________________

(١) الإرشاد للمفيد: ٢ / ١٥٨، مؤسّسة آل البيت.

(٢) انظر: ( مطالب السؤول ): ٢ / ١٠٠، مؤسّسة أمّ القرى.

(٣) الإرشاد للمفيد: ٢ / ١٥٨، مؤسّسة آل البيت.

(٤) إعلام الورى للطبرسي: ١ / ٤٩٨، مؤسّسة آل البيت.

٢١٦

الإمام في كلمات علماء وأعلام أهل السنّة

نستعرض فيما يلي جانباً من كلمات علماء، وأعلام أهل السنّة، وهي تشيد بمقام الإمام الباقر ( عليه السلام )، وتبيّن جلالة قدره وعظمَ منزلته:

١ - محمّد بن سعد الزهري (ت: ٢٣٠ هـ):

قال عن الإمام الباقر ( عليه السلام ): ( محمّد من الطبقة الثالثة من التابعين من المدينة، كان عابداً، عالماً، ثقة ) (١) ، وقال أيضاً: ( كان ثقة كثير الحديث ) (٢) .

٢ - الإمام أحمد بن حنبل (ت: ٢٤١ هـ):

علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا، عن أبيه موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين، قائلاً: ( لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جُنَّتِهِ ) (٣) .

٣ - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: ٢٥٠ هـ):

قال عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) في ( رسائله ) عند ذكره الرد عمّا فخرت به بنو أميّة على بني هشم ما نصّه: (... وهو سيّد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه، وهو الملقّب بالباقر، باقر العلم، لقّبه به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ولم

____________________

(١) نقله سبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ): ٣٠٢، مؤسّسة أهل البيت.

(٢) نقل قوله ابن كثير في ( البداية والنهاية ): ٩ / ٣٣٨، مؤسّسة التاريخ العربي.

(٣) أورده ابن حجر الهيتمي في (الصواعق المحرقة): ٣١٠، دار الكتب العلميّة.

٢١٧

يُخلَق بعد، وبشّر به، ووعد جابر بن عبد الله برؤيته، وقال: ( ستراه طفلاً، فإذا رأيتَه فأبْلِغْهُ عنّي السلام )، فعاش جابر حتّى رآه، وقال له ما وصّى به ) (١) .

كما أنّه مدح عشرة من أئمّة أهل البيت، ومِن ضمنهم الإمام الباقر ( عليه السلام ) في كلام واحد، فقال: ومَنِ الذي يُعَدُّ مِن قريش أو من غيرهم ما يَعُدُّه الطالبيّون، عشرة في نَسَق؛ كلّ واحد منهم: عالم، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مرشّحون: ابن ابن ابن ابن. هكذا إلى عشرة وهم: الحسن [ العسكري ] بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد [ الباقر ] بن علي بن الحسين بن علي ( عليهم السلام )، وهذا لم يتّفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم ) (٢) .

٤ - الحافظ أبو نعيم الأصفهاني (ت: ٤٣٠ هـ):

قال في ( حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ): ( ومنهم الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر محمّد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوّة، وممّن جمع حسب الدين والأبوّة، تكلّم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات، ونهى عن المراء والخصومات ) (٣) .

٥ - الفخر الرازي (ت: ٦٠٤ هـ):

قال عند تفسيره لمعنى الكوثر: ( والقول الثالث: الكوثر أولاده.... فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت ثُم العالَم

____________________

(١) رسائل الجاحظ: ١٠٨، جَمَعَهَا ونَشَرَهَا حسن السندوبي، المكتبة التجاريّة الكبرى، مصر.

(٢) المصدر نفسه: ١٠٩.

(٣) حِلْيَة الأولياء: ٣ / ١٦٦، دار إحياء التراث العربي.

٢١٨

ممتلئ منهم، ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر، والصادق، والكاظم، والرضا ( عليهم السلام )... ) (١) .

٦ - محمّد بن طلحة الشافعي (ت: ٦٥٢ هـ):

قال في ( مطالب السؤول ): ( هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومتفوّق درّه وواضعه، ومنمّق درّه وراضعه (٢) ، صفا قلبه، وزكا عمله، وطَهُرَت نفسه، وشَرُفَت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمُه، وظهرتْ عليه سمات الازدلاف، وطهارة الاجتباء، فالمناقب تَسْبِقُ إليه، والصفات تَشْرَف به ) (٣) .

٧ - سبط ابن الجوزي (ت: ٦٥٤ هـ):

قال في ( تذكرة الخواص ): ( هو أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... وإنّما سمِّي الباقر؛ من كثرة سجوده، بقر السجودُ جبهتَه أي فتحها ووسّعها، وقيل لغزارة علمه.

قال الجوهري في ( الصحاح ) التبقّر: التوسّع في العلم، قال: وكان يُقال لمحمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) الباقر، لتبقّره في العلم، ويسمّى الشاكر والهادي.

وقال ابن سعد: ( محمّد من الطبقة الثالثة من التابعين من المدينة. كان عالماً

____________________

(١) تفسير الفخر الرازي: مجلّد١٦، ج٣٢ / ١٢٥، دار الفكر.

(٢) هكذا في المتن المطبوع، ولعلّ الصحيح: ومتفوّق دَرّه وراضعه، ومنمّق درّه وواضعه؛ لأنّه يُقال تفوّق الدّر أي شربه، ونمّق الدُّر أي حسّنه، والدَّر - بالفتح - هو الحليب، والدُّر - بالضم - هو اللؤلؤ.

(٣) مطالب السؤول: ٢ / ١٠٠، مؤسّسة أمّ القرى.

٢١٩

عابداً ثقة ).

روى عنه الأئمّة: أبو حنيفة وغيره...

قال عطاء (١) : ( ما رأيتُ العلماء عند أحدٍِ أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحَكَم عنده كأنّه مغلوب، ويعني بالحَكَم: الحَكَم بن عُيَيْنَة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه ) (٢) .

٨ - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: ٦٥٥ هـ):

نقل في ( شرح نهج البلاغة ) نصّ ما تقدّم ذكره من كلام الجاحظ مقِرّاً له على ذلك (٣) .

٩ - محمّد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي (ت: ٦٧١هـ):

قال في تفسيره عند تعرّضه للآية: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً. .. ) : ( بقرة ) البقرة: اسم للأنثى، والثور اسم للذكر، مثل: ناقة وجمل، وامرأة ورجل... وأصله من قولك: بقرَ بطنَه، أي شقّه، فالبقرة تشقُّ الأرض بالحرث وتثيره، ومنه الباقر لأبي جعفر محمّد بن علي زين العابدين؛ لأنّه بقرَ العلم وعرف أصله، أي شقّه ) (٤) .

١٠ - أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت: ٦٧٦ هـ):

قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ) عن الإمام الباقر ( عليه السلام ): (... سميّ بذلك

____________________

(١) هكذا في المتن المطبوع، ولعلّ الصحيح: ( عبد الله بن عطاء )، كما أورده اليافعي وابن العماد.

(٢) تذكرة الخواص: ٣٠٢، مؤسّسة أهل البيت.

(٣) انظر: ( شرح نهج البلاغة ): ١٥ / ٢٧٧ و٢٧٨، دار الكتب العلميّة، المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

(٤) تفسير القرطبي: ١ / ٤٨٣، دار الكتاب العربي.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480