المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط6%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87347 / تحميل: 8225
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

النص الرابع : وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف(١) بسنده عن جعفر عن أبيه قال : خرجت صفية وقد قبض النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وهي تلمع بثوبها ـ يعني تشير به ـ وهي تقول :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

أقول : وهذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير(٢) بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : لما قبض النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) خرجت صفية تلمع(٣) بردائها وهي تقول :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد(٤) .

وهذا الخبر يطوي في بيت شعره أنباءً وهنبثة حدثت بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هزت المسلمين ، وعظم وقعها على أهل البيت خاصة ، حتى خرجت صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام تلمع بثوبها ـ تشير به ـ وهذا حال مَن بَلغَ به الأسى مبلغاً ضاق به صاحبه ذرعاً ، فعلاه الحزن لفقد فقيده الغالي ، وزاد أساه ما لاقاه من المآسي التي حيقت به من بعد فقيده ، وما هي تلك الأنباء والهنبثة غير تقديم من أخّر الله وتأخير من قدّم الله ، وغصب الخلافة من صاحبها.

قال ابن منظور في لسان العرب(٥) : الهنابث : الدواهي ، واحدها هنبثة ، وفي الحديث : إنّ فاطمة قالت بعد موت سيدنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

__________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ١٤ : ٥٥٦ ، برقم : ١٨٨٧٤.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٢٤ : ٢٥٣.

(٣) لمع بثوبه وسيفه لمعاً وألمع أشار , وقيل : أشار للإنذار ، ولمع أعلى وهو أن يرفعه ويحركه ليراه غيره فيجيء إليه ( لسان العرب ) ( لمع ).

(٤) مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ٩٢.

(٥) لسان العرب ٣ : ٢٠.

٢٤١

الهنبثة واحدة الهنابث ، وهي الأمور الشداد المختلفة ، وقد ورد هذا الشعر في حديث آخر قال : لما قبض سيدنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) خرجت صفية تلمع بثوبها وتقول البيتين. انتهى. يقال : لمع بثوبه وألمع به إذا رفعه وحركه ليراه غيره فيجيء إليه.

وقفة تحقيق :

وقفة تحقيق عابرة عند هذه الأبيات التي ورد فيها إقواء في القافية وهو من عيوب الشعر ، فنقول :

لقد ورد البيتان في جملة من المصادر التاريخية والأدبية واللغوية على تفاوت في روايتهما تصحيفاً أو تحريفاً ، ومع الإقواء وبدونه ، وهذا ما يكشف عن أيدٍ أثيمة بدّلت واستبدلت ، حتى غيّرت في معاني الشعر ، فلا إتساق بين الصدر والعجز ، ومِن الذين رووا البيتين مع الإقواء ابن الأثير في النهاية(١) ، والزمخشري(٢) في الفائق ، والزبيدي في تاج العروس(٣) .فهؤلاء رووا أنّ فاطمةعليها‌السلام قالت :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وأعطف على هؤلاء علي فهمي جابي زادة في كتابه حسن الصحابة في أشعار الصحابة(٤) ، وحكاه نقلاً عن العقد الفريد(٥) ، ولدى مراجعتي له وجدت هكذا :

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

وغاب مذ غبت عنّا الوحي والكتب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لما نُعيت وحالت دونك الكثب

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٨ : ٢٧٧.

(٢) الفائق للزمخشري ٤ : ١١٦.

(٣) تاج العروس للزبيدي ٣ : ٦٥٤.

(٤) حسن الصحابة ١٢٨.

(٥) العقد الفريد ٣ : ٢٣٨.

٢٤٢

وهذا غير ما حكاه علي فهمي كما هو ظاهر.

أما الذين رووا بتصحيف وتحريف مع الإقواء ، لعل أقدم من رأيت ذلك عنده هو محمد بن سعد صاحب الطبقات ، فقد روى الرثاء منسوباً إلى هند بنت أثاثة ، وهو صحيح في نسبته إلاّ أنّ تحريفاً وتصحيفاً وإقواءاً حصل في البيت الثاني والخامس من أبيات خمسة هي :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاحتل لقومك واشهدهم ولا تغبِ

قد كنت بدراً ونوراً يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يحضرنا

فغاب عنّا وكل الغيب محتجب

فقد رزئت أيا سهلاً خليقته

محض الضريبة والأعراق والنسبِ

فلاحظوا التصحيف في البيت الثاني في كلمة ( فاختل ) بالخاء المعجمة ، وهي فعل ماضي من الإختلال ، فصُحّفت إلى ( فاحتل ) بالحاء المهملة ، وهي فعل أمر من إعمال الحيلة ؟

ولاحظوا التحريف في قافية البيت الثاني أيضاً حيث لا معنى يتسق مع سياق البيت ، وفيه إقواء ، وكذلك البيت الخامس ففيه أيضاً تحريف وإقواء.

أما الذين رووا الأبيات بدون إقواء ، لكنّهم لم يسلموا من ضغط الموروث ، فكان التحريف في اللفظ والتحريف في النسبة ، فمثالهم جسوس في كتابه شرح الشمائل الترمذية(١) ، فقد قال : ويقال إنّ عائشة لما وقفت على القبر الشريف أنشدت :

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى

هل أنت تسمع ضرعتي وندائيا

__________________

(١) شرح الشمائل ٢ : ١٨٢.

٢٤٣

ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبّت على الأيام صرن لياليا

ثم قالت للقبر ثانية ، وتمثلت بقول صفية عمّة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :

قد كان بعدك أنباء وهينمة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختلى قومك فافقدهم فقد نكبوا

قدكان جبريل بالآيات يؤنسنا

فغاب عنّا فكل الخير محتجب

وكنت نوراً وبدراً يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

فقد رزئنا بما لم يرزأ به أحد

من البرية لا عجمٌ ولا عربُ

فهذه رواية جسوس جعلت صاحبة الرثاء والإنشاد عائشة ، وهذا ما لم أقف عليه عند غيره ، وكذبه واضح ؛ لأنّ صاحبة الرثاء الأول تشكو ما صبّ عليها من مصائب لو أنّها صُبّت على الأيام صرن ليالياً حالكات لشدة وقعها ، وعائشة لم يصبها أيّ أذى بعد فقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أصبحت ذات عزّة ومنعة لتولي أبيها الخلافة ، فلا يمكن التصديق بما ذكره عنها وإن نسبه إلى القيل ، وهو مشعر بالتمريض. وقد صرّح الزرقاني في شرح المواهب(١) ، وعلى القارئ في شرح الشمائل(٢) ، بأنّ الشعر أنشأته ـ عند الأول ـ وأنشدته ـ عند الثاني ـ فاطمةعليها‌السلام .

ثم إنّ نسبة الأبيات الخمسة إلى صفية هو أيضاً من الخطأ ، فإنّها ـ الأبيات ـ ليست لها بل هي تمثلت ببيت واحد منها حينما خرجت تلمع بثوبها ، كما سبق في رواية ابن أبي شيبة وراجع لسان العرب(٣) ، بل هي ـ الأبيات ـ لهند بنت إثاثة كما في طبقات ابن سعد.

__________________

(١) شرح المواهب للزرقاني ٨ : ٢٩٣.

(٢) شرح الشمائل ٢ : ٢١٠.

(٣) راجع لسان العرب ٣ : ٣٠.

٢٤٤

ومما يؤكد أنّ البيت لفاطمةعليها‌السلام ، ما ذكره الزمخشري في الفائق(١) أنّ معاوية قال يوم صفّين : آهاً أبا حفص :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

هي كلمة تأسّف ، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر ، كقولهم ويحاً له ، الهنبثة : إثارة الفتنة ، وهي من النبث ، والهاء زائدة ، ويقال للأمور الشدائد : هنابث. يريد ما وقع الناس فيه من الفتن بعد عمر ، وهذا البيت يعزى إلى فاطمة. انتهى.

النص الخامس : مما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(٢) ، بسنده أن النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) قال لعلي :« ستلقى بعدي جهداً » ، قال :« يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ » ، قال :« نعم ، في سلامة من دينك » .

وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك(٣) عن ابن عباس ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه على تخريجه ورمز له : ( خ م ) يعني : البخاري ومسلم.

وأخرجه غير أولاء ، وحمله بعضهم مفسراً له بما عاناه الإمامعليه‌السلام في الحروب الثلاثة : الجمل وصفّين والنهروان ، وهو كذلك. إلاّ أنّ البعَدية في لفظ الحديث تشير إلى ما أصابه بعد فقد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من غدر الأمة به ، كما رواه أبو إدريس الأودي عن علي قال :« إنّ مما عهد إليّ النبي ( صلّى الله عليه وسلّم ) أنّ الأمة ستغدر بي بعده » .

__________________

(١) الفائق للزمخشري ١ : ٦٦.

(٢) المصنف ١٢ : ٧٨.

(٣) المستدرك للحاكم ٣ : ١٤٠.

٢٤٥

أخرجه الحاكم في المستدرك(١) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص على تخريجه وتصحيحه. وللحديث مصادر أخرى كدلائل النبوة للبيهقي ، وتاريخ بغداد ج ١١ ، وتاريخ دمشق ج ٣ ، وخصائص النسائي ، وكنز العمال ، وغيرها كثير.

النص السادس : وأخرج في المصنف(٢) ، بسنده عن أسلم ، وذكر خبر مجيئ عمر إلى فاطمة يريد منها منع علي والزبير من الاجتماع في بيتها ، وتهديدها بقوله : وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت ، والخبر إلى هنا ليس فيه ما يستنكر عنه من يعرف شدة عمر ، وعدم مبالاته في شن الغارة على بيت فاطمة ، وأمره بأن يحرق على من فيه.

ولكن هلم الخطب في بقية الخبر فاقرأ ماذا فيه : ( فلمّا خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وأيم الله ليمضينّ لما حلف عليه فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ ، فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر ) ؟

فهذا الجزء من الخبر نسف الرأي الثابت في مجيئ عمر ومعه قبس من النار ، ومعه من يحمل الحطب ، واقتحامه الدار بعنف ، وإخراج عليّ والزبير بالعنف ، كما سيأتي عن البلاذري وابن قتيبة وغيرهما ، إلى آخر ما هنالك من الأذى الذي لحق بفاطمة من ضرب وإسقاط جنين وو .

النص السابع : وأخرج في المصنف(٣) بسنده عن عروة أنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا.

__________________

(١) المصدر نفسه ٣ : ١٤٠.

(٢) المصنف ١٤ : ٥٦٨.

(٣) المصدر نفسه ١٤ : ٥٦٨.

٢٤٦

النص الثامن : وأخرج في المصنف(١) بسنده عن أسلم قال : دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه ، فقال له عمر : الله الله يا خليفة رسول الله ، وهو يقول : هاه إنّ هذا أوردني الموارد(٢) .

تعقيب على حديث غدر الأمة بالإمام :

لقد وردت عدة أحاديث تندّد مفهوماً بالأمة ، وتصرّح منطوقاً بما سيلقى الإمام من جهد بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تلك الأمة ، وألفاظها مختلفة مما يدلنا على اهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بابن عمه ، فهو إذ يخبره بما سيجري عليه من بعده ، وهو إذ يسلّيه أيضاً يعدّه لمواجهة الأحداث بصبر وثبات ، وهذا ما دلّ عليه جواب الإمام« في سلامة من ديني » .

فمن الأحاديث في هذا المعنى خبر الحدايق التي مرّ عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الإمام ، فيقول الإمام :« ما أحسن هذه » ويجيبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولك في الجنة أحسن منها » ، ثم اعتنقه وأجهش باكياً ، فقال عليعليه‌السلام :« ما يبكيك يا رسول الله ؟ » ، فقال :« أبكي لضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلاّ بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك » . ( أخرجه أبو يعلى في مسنده ، والحاكم في المستدرك ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والخوارزمي في المناقب ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، والقندوزي في الينابيع ، وغيرهم ).

__________________

(١) المصدر نفسه ١٤ : ٥٦٨.

(٢) وهذا أخرجه قبلاً في المصنف ٩ : ٦٦ كتاب الأدب ، وذكر في الهامش : أخرجه أبو نعيم في الحلية ١ : ٣٣ ، وأورده الهندي في كنز العمّال ٣ : ٤٧٨. أقول : وذكره غيرهم في تاريخ أبي بكر ، وحتى في بعض مصادر اللغة في مادة ( نضنض ) فراجع.

٢٤٧

ومن الأحاديث ما أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي برزة الأسلميرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :« انّ الله تعالى عهد إليَّ في علي عهداً ، إنّ علياً راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبّه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشّره فجاء علي فبشرته بذلك ، فقال : يا رسول الله أنا عبد الله فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتمّ الذي بشّرني به فالله أولى به ». قال( صلّى الله عليه وسلّم ) :« قلت : اللّهمّ أجل قلبه واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إنّي مستخصّه بالبلاء ، فقلت : يا رب إنه أخي ووصيي ، فقال تعالى : إنّه شيء قد سبق فيه قضائي ، إنّه مبتلى » (١) .

ومن الأحاديث ما أخرجه الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال : أعطى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) الراية يوم خيبر إلى علي ففتح الله عليه ، وفي يوم غدير خم أعلم الناس انّه مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال له :« أنت منّي وأنا منك ، وأنت تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » ، وقال له :« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبي بعدي » ، وقال له :« أنا سلم لمن سالمك ، وحرب لمن حاربك ، وأنت العروة الوثقى ، وأنت تبيّن ما اشتبه عليهم من بعدي ، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، وأنت الذي أنزل الله فيك : ( وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ ) (٢) وأنت الآخذ بسنتي ، والذاب عن ملتي ، وأنا وأنت أوّل من تنشق الأرض عنه ، وأنت معي تدخل الجنة والحسن والحسين وفاطمة معنا ، إنّ الله أوحى إليَّ أن أبيّن فضلك ، فقلت للناس وبلّغتهم ما أمرني الله تبارك وتعالى بتبليغه » .

__________________

(١) حلية الأولياء ، وعنه في ينابيع المودة : ١٣٤.

(٢) التوبة : ٣.

٢٤٨

ثم قال :« اتق الضغائن التي كانت في صدور قوم لا تظهرها إلاّ بعد موتي ، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون » ، وبكى( صلّى الله عليه وسلّم ) ثم قال :« أخبرني جبرئيل انّهم يظلمونك بعدي ، وأنّ ذلك الظلم لا يزول بالكلية عن عترتنا ، حتى إذا قام قائمهم ، وعلت كلمتهم ، واجتمعت الأمة على مودتهم ، والشانيء لهم قليلاً ، والكاره لهم ذليلاً ، والمادح لهم كثيراً ، وذلك حين تغيّر البلاد ، وضعف العباد حين اليأس من الفرج ، فعند ذلك يظهر القائم مع أصحابه ، فبهم يظهر الله الحق ، ويخمد الباطل بأسيافهم ، ويتبعهم الناس ، راغباً إليهم وخائفاً منهم ، ابشروا بالفرج ، فإنّ وعد الله حق لا يخلف ، وقضاؤه لا يرد ، وهو الحكيم الخبير ، وانّ فتح الله قريب .

اللّهمّ إنّهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللّهمّ اكلأهم وارعهم ، وكن لهم وانصرهم وأعزّهم ولا تذلّهم ، واخلفني فيهم ، إنّك على ما تشاء قدير » (١) .

وقال علي كرّم الله وجهه :« كل حقد حقدته قريش على رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) أظهرته فيَّ ، وستظهره في ولدي من بعدي ، مالي ولقريش إنّما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين » (٢) .

ما ذكره أحمد بن حنبل :

سابعاً : ماذا عند أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ ه‍ ) ؟

النص الأول : أخرج في المسند(٣) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال : حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان

__________________

(١) المناقب للخوارزمي الحنفي وينابيع المودة : ١٣٥.

(٢) ينابيع المودة : ١٣٥.

(٣) المسند ١ : ٢٦ ، برقم : ٩ ، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

٢٤٩

ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال لهم أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيه إلا صنعته.

أقول : لقد مرّ هذا الحديث عن المصنف لعبد الرزاق فراجع ( تاسعاً ) ستجد زيادة طويلة بترها أحمد ولم ينقلها ، ومما جاء في تلك الزيادة « قال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، قالت عائشة : وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه ، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ثم توفيت. قال معمر : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي ».

إلى غير ذلك ممّا مرّ لفظه نقلاً عن المصنف ، وهو كلام كثير يتضمن كيف بايع الإمام ، وتحت طائلة الضغط الاجتماعي ، وقد نبّهت هناك على ما صنعه أحمد والبخاري في اختصار هذا الحديث اختصاراً مهيناً ومشيناً فراجع ، على أنّ تخريج أحمد للحديث هنا في مسند أبي بكر لروايته لا نورّث ، فهو أشبه بمسند عائشة منه بمسند أبي بكر ، فلاحظ.

النص الثاني : أخرج في المسند(١) ، فقال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة [ قال عبد الله : وسمعته من عبد الله بن أبي شيبة ] قال : حدّثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أم أهله ؟

قال : فقال : لا ، بل أهله ، قالت : فأين سهم رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ قال : فقال أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : إنّ الله( عزّ وجلّ ) إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعله للذي

__________________

(١) المسند ١ : ٢٨ ، برقم : ١٤.

٢٥٠

يقوم من بعده ، فرأيت أن أرده على المسلمين ، فقالت : فأنت وما سمعت من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أعلم.

وهذا الحديث علّق عليه المحقق بقوله : إسناده صحيح ، الوليد بن جُميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع ، نسب إلى جده وهو ثقة. أبو الطفيل : هو عامر بن واثلة ، من صغار الصحابة ، وهو آخرهم موتاً ، مات سنة : ١٠٧ ، أو سنة : ١١٠ ه‍.

والحديث ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه(١) ، نقلاً عن المسند ثم قال : هكذا رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ، عن محمد بن فضيل به ، ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة ، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة ، وفيهم من فيه تشيع ، فليعلم ذلك ، وأحسن ما فيه قولها : أنت وما سمعت من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهذا هو الصواب ، وهو المظنون بها ، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها( رضي الله عنها ) وكأنّها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظراً على هذه الصدقة ، فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه ، فتعتبت عليه بسبب ذلك ، وهي امرأه من بنات آدم ، تأسف كما يأسفن ، وليست بواجبة العصمة ، مع وجود نص رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ومخالفة أبي بكر الصديق ، وقد روينا عن أبي بكر أنّه ترضّى فاطمة وتلاينها قبل موتها ، فرضيت( رضي الله عنها ) .

إلى هنا انتهى ما ذكره أحمد محمد شاكر في الهامش ، ولم يعقّب على ما ذكره ابن كثير بشيء ، فأقول : ومن هنا يعلم موافقته لما قاله ابن كثير ، ومن الواضح أنّ ابن كثير شامي ، والنصب في أهل الشام من مواريثهم من أيام معاوية ، وهو بعدُ تلميذ لابن تيمية ، وذلك يكفي في تعريفه لو شط به القلم وحدا به النصب لأن يقول عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام : ( وليست بواجبة العصمة ).

__________________

(١) تاريخ الحافظ ابن كثير ٥ : ٢٨٩.

٢٥١

غير أنّ العتب على المحقق أحمد محمد شاكر الذي لم يعلّق على هذه الغميزة بما يرفع عنه إصر الموافقة عليها ، وهو لا شك أنّه قد قرأ آية التطهير في سورة الأحزاب :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

ولا شك أنّه قد قرأ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها وفي بعلها علي ، وفي ابنيها الحسنين :« اللهم هؤلاء أهل بيتي » بعد أن جللهم بكساء ولم يدخل معهم أحداً ، ولا شك أنّه قد قرأ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الآخر :« فاطمة بضعة منّي » وهو يعرف معنى البضعة ؛ فكلّ هذا لا يوجب العصمة لفاطمةعليها‌السلام ؟ إنّها لظلامة الآخرين وليست بدون ظلامة الأولين ، فلك الله ناصراً يا بنت رسول الله صلى الله على أبيكِ وعلى بعلكِ وعليكِ وعلى أهل بيتكِ الطاهرين.

النص الثالث : أخرج في المسند(٢) ، قال : حدّثنا يعقوب ، قال : حدّثنا أبي عن صالح ، قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما آفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، قال : وعاشت بعد وفاة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر.

قال : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يعمل به إلا عملت به ، وإنّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن اُزيغ ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فغلبه عليها علي ، وأمّا خيبر

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) المسند ١ : ٣٤ ، برقم : ٢٥.

٢٥٢

وفدك فأمسكهما عمر ، وقال : هما صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك اليوم.

النص الرابع : وأخرج في المسند(١) ، قال : حدّثنا حجاج بن محمد ، حدّثنا ليث ، حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أنّها أخبرته : إنّ فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا اُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك.

فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فإنّي لم آل فيها عن الحق ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيها إلا صنعته.

النص الخامس : وأخرج في المسند(٢) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، وإنّما يأكل آل محمد( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيه إلا صنعته.

النص السادس : وأخرج في المسند(٣) ، قال : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أنّ فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك

__________________

(١) المسند ١ : ٤٥ ، برقم : ٥٥.

(٢) المسند ١ : ٤٦ ، برقم : ٥٨.

(٣) المسند ١ : ٤٧ ، برقم : ٦٠.

٢٥٣

إذا متّ ؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فمالنا لا نرث النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ قال : سمعت النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : إنّ النبي لا يورّث ، ولكنّي أعول من كان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يعول ، وأنفق على من كان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق.

وهذا علّق عليه المحقق بأنّه منقطع الإسناد ، ولمّا أعاد أحمد بن حنبل إخراجه مرّة ثانية برقم : ٧٩ بالسند إلى أبي سلمة ، ثم رفعه هنا عن أبي هريرة ، ببركة وجوده تم توصيل الانقطاع ، فقال المحقق : إسناده صحيح ، وقد سبق مطولاً برقم : ٦٠ ، ولكن هناك مطولاً ، ولدى المقارنة نجد بين الخبرين فرقاً واضحاً ، فقارن ما يلي مع ما سبق فالحديث عن أبي هريرة أنّ فاطمة جاءت أبا بكر وعمر تطلب ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقالا : إنّا سمعنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : إنّي لا أورّث .

النص السابع : وجاء في المسند(١) : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، عن الأسود قال : ذكروا عند عائشة أنّ علياً كان وصياً ، فقالت : متى أوصى إليه ؟ فقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت : حجري ، فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري ، وما شعرت أنّه مات ، فمتى أوصى إليه ؟

وهذا الخبر يوحي بأنّ أناساً كانوا يذكرون أنّ علياً كان وصياً ، ومتى كان كذلك ، فقيام غيره بالأمر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بغير حق وغصباً لحقه ، ودفعاً لذلك صارت عائشة تزعم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهي مسندته إلى صدرها أو في حجرها.

ويبدو أنّ أحمد بن حنبل روى في مسنده أحاديث عائشة على نحو ما وصلت إليه بما فيها من تناقض ، وزعمها أنّ النبي مات وهي مسندته إلى صدرها ـ كما هنا ـ نجد عدة أحاديث أخرى عنها تختلف ألفاظها ومعانيها ، فمنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) بين حاقنتي وذاقنتي(٢) .

__________________

(١) المسند ٦ : ٣٢.

(٢) المصدر نفسه ٦ : ٦٤ و ٧٧.

٢٥٤

ومنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) وهو يوتر بالسحر(١) .

ومنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) بين سحري ونحري(٢) .

ومنها : كان( صلّى الله عليه وسلّم ) في حجري حين نزل به الموت(٣) .

ومنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) ورأسه على فخذ عائشة(٤) .

إلى غير ذلك من اختلاف رواياتها مما يشيعه عنها أبناء أختها أسماء ، وهم أبناء الزبير ومن لفّ لفّهم من رواتها ، ولقد نمّت هي على نفسها بأنّها غير مصدقة عند بعض الناس في ذلك ، فكانت تدافع عن نفسها بقولها في حديث رواه أحمد(٥) : مات رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) بين سحري ونحري ، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي(٦) .

ومع ذلك كلّه بقيت الأحاديث عنها في ذلك غير مقبولة ، وأثارت الشكوك حول صحتها ، فرباح ـ أحد الرواة ـ قال : قلت لمعمر : قبض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وهو جالس ؟ قال : نعم(٧) .

والأسود بن يزيد راوي الحديث الآنف الذكر أولاً هو أبو غطفان ، وهو الذي يسأل ابن عباس فيقول : أرأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) توفي ورأسه في حجر أحد ، قال : توفي وهو لمستند إلى صدر علي ، قلت : فإنّ عروة حدّثني عن عائشة أنّها

__________________

(١) المصدر نفسه ٦ : ٢٠٤.

(٢) المصدر نفسه ٦ : ٤٨ و ١٢١ و ٢٧٤.

(٣) المصدر نفسه ٦ ٢٧٠.

(٤) المصدر نفسه ٦ : ٨٩.

(٥) المصدر نفسه ٦ : ٢٧٤.

(٦) وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ، ق ٢ : ٥٠.

(٧) المسند ٦ : ٢٧٤.

٢٥٥

قالت : توفي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) بين سحري ونحري ، فقال ابن عباس : أتعقل ؟ والله لتوفي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأنّه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسّله(١) .

ولمزيد من البحث حول الموضوع راجع كتاب ( علي إمام البررة )(٢) .

ونعود إلى حديث الأسود ـ أبي غطفان ـ الذي رواه أحمد كما مرّ فنقول : وهذا أيضاً رواه البخاري ومسلم كما ستأتي الإشارة إليه ، وجميعهم بتروا من آخره سؤال الراوي من ابن عباس ، وجوابه رداً على زعم عائشة مشفوعاً باليمين ، ومستنفراً لمشاعره بقوله : ( أتعقل ) وهي كلمة لها دلالتها في إثارة الوعي والتنبيه على تلقي الجواب ، مع أنّ الحديث رواه ابن سعد بتمامه كما مرّ ، فلاحظ مدى الأمانة عند أحمد والشيخين.

ويؤكد صحة ما قاله ابن عباس ما رواه أحمد في مسنده(٣) من حديث أم سلمة قالت : والذي أحلف به أن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، قالت : عدنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) غداة بعد غداة يقول : جاء علي ؟ ـ مراراً ـ ، قالت : وأظنّه كان بعثه في حاجة ، قالت : فجاء بعد فظننت أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه علي فجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) من يومه ذلك ، فكان أقرب الناس به عهداً.

ويزيد ذلك تأكيداً ما جاء عن عمر بن الخطاب ـ وهو غير متهم في المقام ـ وقد مرّ فيما عند ابن سعد حيث سأله كعب الأحبار : ما كان آخر ما تكلّم به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ فقال عمر : سل علياً ، قال : أين هو ؟ قال : هو هنا فسأله ، فقال علي : أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة ، فقال كعب : كذلك

__________________

(١) وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ، ق ٢ : ٥١.

(٢) علي إمام البررة ٣ : ٣٤٧ ـ ٣٦١ ، ط : دار الهادي.

(٣) المسند ٦ : ٣٠٠.

٢٥٦

آخر عهد الأنبياء وبه اُمروا وعليه يبعثون ، قال : فمن غسّله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل علياً ، قال : فسأله فقال : كنت أنا أغسله ، وكان عباس جالساً(١) .

ومع هذا كله فعائشة تقول : مات بين سحري ونحري ، وبين حاقتني وذاقتني و ، و ، كل ذلك لأنّها لا تطيب له نفساً كما قال ابن عباس ، حيث قالت عائشة : فخرج رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ويدٌ له على العباس ، ( كما في مسند أحمد )(٢) ، أو على الفضل بن عباس ، ( كما في روايتها الأخرى في مسند أحمد )(٣) ، وعلى رجل آخر وهو يخط برجليه الأرض ، فحدّث عبيد الله بن عبد الله راوي الحديث بذلك ابن عباس ، فقال له : أتدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ هو علي ، ولكن عائشة لا تطيب له نفساً.

بل بلغ بها الحال حين تسمع من يقع في علي صراحة ، فلا تستنكر إلا بما يكشف عن قديم حقدها عليه ، فقد روى أحمد في مسنده(٤) بسنده عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل فوقع في علي وفي عمار ـ رضي الله تعالى عنهما ـ عند عائشة فقالت : أما علي فلست قائلة لك فيه شيئاً ، وأما عمار فإنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما.

ونحن مع روايتها هذه فإنّا ندينها من فمها حيث اختار عمار علياً إماماً دون غيره ، ووقف إلى جانبه منذ حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته في السلم وفي الحرب ، حتى قتلته الفئة الباغية بصفّين ، وهو معه يقول في بعض رجزه كما في وقعة صفّين(٥) :

أنا مع الحق أحامي عن علي

صهر النبي ذي الأمانات الوفي

__________________

(١) الطبقات ٢ ، ق ٢ : ٥١.

(٢) المسند ٦ : ٣٤.

(٣) المصدر نفسه ٦ : ٢٢٨.

(٤) المصدر نفسه ٦ : ١١٣.

(٥) وقعة صفّين : ٢٨٩.

٢٥٧

كما كان عمار قد اختار أن يكون مع علي في الدار يوم هجم عمر ومن معه عليهم ، كما ستأتي أسماء النفر الذين كانوا في الدار يومئذٍ.

وإنّما صنع ذلك عمار امتثالاً لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال له :« يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره ، فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدلِك في ردى ، ولن يخرجك من هدى ، يا عمار إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله ( عزّ وجلّ ) » (١) .

فما دامت عائشة على ذكر من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عمار : ( لا يخيّر بين أمرين إلا اختار أرشدهما ) وقد اختار طاعة عليعليه‌السلام فتبعه ، فلماذا حاربته يوم الجمل ؟ فهي لم تكن في محاربته برشيدة إذن.

ما ذكره البخاري :

ثامناًً : ماذا عند محمد بن إسماعيل البخاري ( ت ٢٥٦ ه‍ ) ، في كتابه الجامع الصحيح.

مما ينبغي التنبيه عليه قبل عرض نماذج مما رواه في كتابه من النصوص ، فانّ الرجل كان شغوفاً بكثرة الرواية حتى ولو عن هيّان بن بيّان ، لذلك نجد كثرة الرواية عن كل من هبّ ودبّ ، وإن تناقضت رواياته ، حتى الكذب.

وما أكثر الشواهد على ذلك في رواياته عن عائشة وابن عمر وأبي هريرة ، فبينها من التكاذب ما يثير العجب ، وما كثرة الدفاع عنه إلا لكثرة ما فيه من مؤاخذات ، ولست في مقام التدليل على ذلك ، فحسب القارئ الطالب للحقيقة الرجوع إلى كتاب ( هدى الساري ) لابن حجر من المتقدمين ، وكتاب ( أضواء على السنة ) للشيخ محمد أبو رية ، وأخيراً إلى كتاب ( نحو تفعيل قواعد نقد متن

__________________

(١) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ : ١٨٦ ، وابن عساكر في ترجمة الإمام من تاريخه ٣ : ١٧٠ ، والحمويني في فرائد السمطين ٢ : ١٧٨ ، والخوارزمي الحنفي في مناقبه ٥٧ و ١٢٤ ، وأخيراً المتقي الهندي في كنز العمّال ١٢ : ٢١٢.

٢٥٨

الحديث ) دراسة تطبيقية على بعض أحاديث الصحيحين ؛ لمؤلفه إسماعيل الكردي ، ط : دار الأوائل سنة ٢٠٠٢م سورية دمشق ، وهو من خيرة ما قرأت من الكتب في هذا المجال.

ومع ذلك كله فليبق كتاب البخاري عند زوامل الأسفار ( أصح كتاب بعد كتاب الله ) ولست في مقام محاسبتهم ، فلهم رأيهم وعلى الله حسابهم.

والآن إلى نماذج مما أخرجه البخاري في كتابه ( الجامع الصحيح ) فيما يخص الأحداث التي تزامنت مع سقوط السيد المحسن السبط من قبل ومن بعد.

النص الأول : أخرج البخاري في كتاب الحدود ( باب رجم الحبلى )(١) ، حديث بيعة أبي بكر فلتة من قول عمر على المنبر ، واستمر على المنبر يروي حديث السقيفة بطوله ، فكان مما قال عمر : ( إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرّها ).

وكان مما قال : ( وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر : على رسلك ، فكرهت أن أغضبه ، فتكلم أبو بكر فقال : ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ).

ولمّا كان هذا الخبر مرّ برواية ابن إسحاق في سيرته في النص الثاني ، وعبد الرزاق في المصنف في النص الثالث منه ، فلا حاجة لإعادته بطوله ، غير أنّ في روايتهما قال أبو بكر : ( ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ) والآن في رواية البخاري لم يذكر لفظ ( العرب ) وأرجو أن لا يكون الحذف منه متعمداً لشعوبيته التي عرفناها منه في صحيحه كما في كتاب المناقب ( باب قصة

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٦٨ ـ ١٧٠ ، باب رجم الحبلى.

٢٥٩

زمزم وجهل العرب )(١) ، ولا مناسبة بين شقي العنوان ، ومن قرأ المعنون يجد التنديد بالأعراب.

ومهما يكن فالخبر بطوله على ما فيه لا يتهم رواته على الشيخين لموالتهم لهما ، وما أود تنبيه القارئ عليه مبلغ احتجاج أبي بكر على الأنصار : ( إنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش ، فهم أوسط العرب داراً ونسباً ) ، وهذه الحجة منقوضة عليه ، وأول من نقضها هو أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بقوله :« واعجباً أن تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالصحابة والقرابة » (٢) .

قال الرضي ـ رحمه الله تعالى ـ وقد روي له شعر قريب من هذا المعنى ، وهو :

فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمروهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وإن كنتَ بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وقد علق محمد عبدة في شرحه على ذلك بقوله : يريد بالمشيرين أصحاب الرأي في الأمر ، وهم علي وأصحابه من بني هاشم ، ويريد باحتجاج أبي بكر على الأنصار بأنّ المهاجرين شجرة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) .

النص الثاني : أخرج البخاري في أواخر باب غزوة خيبر(٣) ، فقال : حدّثنا يحيى بن بكير ، حدّثنا الليث ، عن عُقَيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام بنت النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال ، وإنّي

__________________

(١) المصدر نفسه ٤ : ١٨٥.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٤١٦ ، حكمة : ١٨٥.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٣٩.

٢٦٠

والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها.

وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر : أن إئتنا ولا يأتنا أحد معك ـ كراهية لمحضر عمر ـ فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ، والله لآتينّهم.

فدخل عليهم أبو بكر ، فتشهد علي فقال : إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) نصيباً ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فلما تكلم أبو بكر قال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فلم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيها إلا صنعته.

فقال علي لأبي بكر : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلّفه عن البيعة وعذَرَه بالذي اعتذر إليه ، ثم استغفر ، وتشهد علي فعظّم حق أبي بكر ، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسةً على أبي بكر ، ولا إنكاراً للذي فضله الله به ، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستبدّ علينا ، فوجدنا في أنفسنا ، فسُر بذلك المسلمون وقالوا : أصبت ، وكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف.

فهذا الخبر مر نحوه عن عبد الرزاق بسنده عن ابن شهاب ـ الزهري ـ عن

٢٦١

عروة عن عائشة ، وأشرنا تعقيباً عليه أنّ أحمد في مسنده ، والبخاري في صحيحه أوردا الخبر بصورة مهينة ومشينة ، وذكرنا أنّها رواية البخاري(1) في باب مناقب قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم نشر إلى ما ذكرناه هنا من روايته الثانية بسنده الآخر عن الزهري.

ومع أنها أوفى مما ذكره في باب مناقب قرابة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ففيها تفاوت وفجوات وتساؤلات ، والحديث كله عن الزهري عن عروة عن عائشة ، فلماذا الاختلاف والتفاوت ؟

النص الثالث : أخرج في كتاب الفرائض باب قول النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : لا نورّث ما تركنا صدقة(2) .

قال : حدّثنا عبد الله بن محمد ، حدّثنا هشام ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة والعباسعليهما‌السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضيهما من فدك ، وسهمهما من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ، قال أبو بكر : والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيه إلا صنعته ، قال : فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.

فهذا الخبر ترويه عائشة كسائر المروي عنها في هذا الباب ، ولا يتفق فيه خبران على صيغة واحدة ، واللافت للنظر في هذه الصورة قولها : ( وهما حينئذٍ يطلبان أرضيهما من فدك ، وسهمهما من خيبر ) وهو يدل على أنّه كانت لكل من فاطمة والعباس أرض مختصة بهما ، ولذا صحت الإضافة إليهما.

كما دلّ على أنّ لكل منهما سهم من خيبر منذ عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ ذلك أبو بكر واستولى عليه فجاءا يطلبان ذلك ، فذكر لهما ما رواه عن سماعه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

__________________

(1) المصدر نفسه 5 : 20 ، باب مناقب قرابة رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ).

(2) المصدر نفسه ، كتاب الفرائض 8 : 149.

٢٦٢

لا نورّث ما تركنا صدقة ، ولم تذكر لنا عائشة عن فاطمة والعباس ردّهما على ذلك لا نفياً ولا إثباتاً ، واكتفى الراوي بقوله : فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.

ولدى مراجعة شروح البخاري كالفتح للعسقلاني ، والإرشاد للقسطلاني ، والدراري للكرماني ، فلم نجد فيها ما يفسّر لنا المراد من قول عائشة : ( وهما حينئذٍ يطلبان أرضيهما من فدك ، وسهمهما من خيبر ) وكيف يصح أن يأخذ أبو بكر أرض القرابة المختصة بهم ، ومالهم من سهم في خيبر بحجة رواية : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) فإنّ ذلك ليس من الصدقات في شيء ، ولا من الميراث بل هو من مختصاتهم ، كسائر مختصات باقي الناس التي يملكونها.

ثم ما بال أبي بكر لم يخضع سهام باقي الصحابة في خيبر لحجته المزعومة : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) فيستولي عليها كما استولى على أرضي فاطمة والعباس وسهمهما من خيبر ؟ فإنّ ذكر مقاسم خيبر وأموالها بعد فتحها ذكرته كتب السيرة ، كسيرة ابن إسحاق ، وعنها سيرة ابن هشام وغيرهما ، وجاء فيها : ( وكانت عدة الذين قُسّمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ألف سهم وثمان مئة سهم ، رجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مئة ، والخيل مِئتا فارس ، فكان لكل فرس سهمان ولفارس سهم ، وكان لكل راجل سهم ، فكان لكل منهم رأس جُمع إليه مئة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جُمع ).

قال ابن إسحاق : فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام ـ قال ابن هشام : إنّما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ـ وسهم ساعدة ، ومنهم غفار وأسلم ، وسهم النجار ومنهم حارثة ، وسهم أوس.

٢٦٣

واستمر ابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق بتفصيل كيفية استخراج السهام يومئذٍ إلى أن قال : ( ثم قسّم رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الكتيبة ـ وهي وادي خاص ـ بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) لفاطمة ابنته مئتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب مئة وسق ، ولأسامة بن زيد مئتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى ، ولعائشة أم المؤمنين مئتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مئة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مئة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ).

ثم ساق أسماء من أعطاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجالاً ونساءً إلى أن قال ابن هشام : قمح وشعير وتمر ونوى ، وغير ذلك ، قسمه على قدر حاجتهم ، وكانت الحاجة في بني عبد المطلب أكثر ، ولهذا أعطاهم أكثر(1) .

النص الرابع : أخرج في كتاب فرض الخمس(2) ، حديث مالك بن أوس بن الحدثان في خصومة علي والعباس في الفيء مرتين ، وبين الصورتين تفاوت في اللفظ والسند ، كما أنّ فيهما معاً نقص متعمّد ، كما سيأتي التصريح بذلك نقلاً عن ابن حجر في فتح الباري ، وإلى القارئ صورة الحديث كما في كتاب فرض الخمس ، وما بين القوسين من روايته الثانية ، قال البخاري :

حدّثنا إسحاق بن محمد الفروي ، حدّثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، وكان محمد بن جبير ذكر لي ذكراً من حديثه ذلك ، فانطلقت حتى أدخل على مالك بن أوس ، فسألته عن ذلك الحديث ، فقال مالك : بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار ، إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال : أجب أمير المؤمنين ، فانطلقت معه حتى أدخل على عمر ، فإذا هو جالس على رحال سرير ليس بينه وبينه فراش ، متكئ على وسادة من أدم ، فسلّمت عليه ثم جلست ، فقال : يا مال انّه قدم علينا من قومك أهل أبيات ، وقد أمرت فيهم برضخ

__________________

(1) السيرة النبوية لابن هشام ق 2 : 350 ـ 352.

(2) صحيح البخاري 4 : 79 ، و 5 : 89.

٢٦٤

فاقبضه فاقسمه بينهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري ، قال : اقبضه أيها المرء.

فبينا أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان ، وعبدالرحمن بن عوف ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص يستأذنون ؟ قال : نعم ، فأذن لهم فدخلوا فسلّموا وجلسوا ، ثم جلس يرفأ يسيراً ، ثم قال : هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم ، فأذن لهما فدخلا ، فسلما فجلسا ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين إقض بيني وبين هذا ، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير.

فقال الرهط عثمان وأصحابه : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر ، قال عمر : تيدكم ـ اتئدوا ـ أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، يريد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) نفسه ؟ قال الرهط : قد قال ذلك ، فأقبل عمر على علي وعباس فقال : أنشدكما الله أتعلمان أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قد قال ذلك ؟ قالا : قد قال ذلك.

قال عمر : فإنّي أحدثكم عن هذا الأمر ، إنّ الله قد خص رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ، ثم قرأ :( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (1) ، فكانت فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) بذلك حياته ، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم ، ثم قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟(2) .

قال عمر : ثم توفى الله نبيه( صلّى الله عليه وسلّم ) ( وأنتما حينئذٍ فأقبل على علي وعباس وقال : تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان ، فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقبضها

__________________

(1) الحشر : 6.

(2) لم يذكر جواب علي وعباس على ذلك ، فهل اقرا له بصدق ما قاله أم ردّا عليه قوله ؟

٢٦٥

أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، والله يعلم(1) إنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر فكنتُ أنا ولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وما عمل فيها أبو بكر(2) ، والله يعلم إنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد ، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا ـ يريد علياً ـ يريد نصيب امرأته من أبيها ، فقلت لكما إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، فلما بدا لي أن أدفعه اليكما ، قلت : إن شئتما دفعتها اليكما على أنّ عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وبما عمل فيها أبو بكر ، وبما عملت فيها منذ وليتها ، فقلتما ادفعها إلينا ، فبذلك دفعتها إليكما ، فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك ؟ قال الرهط : نعم ، ثم أقبل على علي وعباس فقال : أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فتلتمسان منّي قضاء غير ذلك ، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فإنّي أكفيكماها.

أقول : هذا الخبر فيه أكثر من علامة استفهام ، تحاشى جلّ شرّاح صحيح البخاري عن التعرض للإجابة عليها ، إلاّ أن ابن حجر في فتح الباري فقد تعقب الخبر في باب فرض الخمس ، وأطال في تعقيبه باذلاً جهده في بيان اختلاف الرواة في ألفاظ الرواية ، ولا يخلو تعقيبه من فوائد منها :

__________________

(1) هنا أسقط جملة : ( وأنتما تزعمان أنّه فيها ظالم فاجر ) ، كما في المصنف لعبد الزراق 5 : 470 ، وعلّق المحقق في الهامش : انّ الحديث في البخاري , ولم يشر إلى تغييب الجملة المذكورة.

(2) وهنا أيضاً أسقطت جملة : ( وأنتما تزعمان أنّي فيها ظالم فاجر ) ، وهي كسابقتها مذكورة في الحديث كما رواه عبد الرزاق في المصنف ؛ ومرّ آنفاً ، ويأتي في حديث مسلم في صحيحه : ( فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً فاجراً ).

٢٦٦

1 ـ قال : ( وليس لمالك بن أوس في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في البيوع ).

2 ـ وقال : ( تنبيه : ظنّ قوم أنّ الزهري تفرّد برواية هذا الحديث ، فقال أبو علي الكرابيسي : أنكره قوم وقالوا : هذا من مستنكر ما رواه ابن شهاب ، قال : فإن كانوا علموا أنّه ليس بفرد فهيهات ، وإن لم يعلموا فهو جهل ، فقد رواه عن مالك بن أوس ، وعكرمة بن خالد ، وأيوب بن خالد ، ومحمد بن عمر ، وابن عطاء وغيرهم ).

3 ـ قال : ( زاد شعيب ويونس : فاستب علي وعباس ، وفي رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض : اقض بيني وبين هذا الظالم ، استبا ، وفي رواية جويرية : وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن ، ولم أر في شيء من الطرق أنّه صدر من علي في حق العباس شيء بخلاف ما يفهم واستصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث ).

4 ـ قال : ( زاد في رواية عقيل : وانتما حينئذٍ ـ وأقبل على علي وعباس ـ تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا ، وفي رواية شعيب : كما تقولان فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ).

5 ـ قال : ( وكأن الزهري كان يحدث به تارة فيصرّح ، وتارة فيكنّي ، وكذلك مالك ، وقد حذف ذلك في رواية بشر بن عمر عنه عن الإسماعيلي وغيره ، وهو نظير ما سبق من قول العباس لعلي ، وهذه الزيادة من رواية عمر عن أبي بكر حذفت من رواية إسحاق الفروي شيخ البخاري ، وقد ثبتت أيضاً في رواية بشر بن عمر عنه عند أصحاب السنن ، والإسماعيلي وعمرو بن مرزوق وسعيد بن داود كلاهما عند الدارقطني ، كلاهما عن مالك على ما قال جويرية عن مالك ، واجتماع هؤلاء عن مالك يدل على أنّهم حفظوه ، وهذا القدر المحذوف من

٢٦٧

رواية إسحاق ثبت من روايته في موضع آخر من الحديث ، لكن جعل القصة فيه لعمر واقتصر بعض الرواة على ما لم يذكره الآ خر ، ولم يتعرض أحد من الشرّاح لبيان ذلك ).

6 ـ قال : ( وفي ذلك إشكال شديد ، وهو أن أصل القصة صريح في أنّ العباس وعلياً قد علما بأنّه( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ، فإن كان سمعاه من النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فكيف يطلبانه من أبي بكر ؟ وإن كانا إنّما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك ، فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر ؟ والذي يظهر والله أعلم حمل الأمر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق فاطمة ، وأنّ كلاً من علي وفاطمة والعباس اعتقد أنّ عموم قوله ( لا نورّث ) مخصوص ببعض ما يخلّفه دون بعض ، ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنّهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك ).

إلى غير ذلك مما دلّ على مدى تلاعب الرواة بهذا الحديث فيزيد هذا وينقص ذاك ، وكأنّ الأمر الأهم هو تزكية الشيخين فيما فعلا ، وإن جرحهما علي وعباس على ما قاله عمر عنهما بمحضر من وجوه الصحابة كعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، فلم ينكر علي وعباس ما نسبه اليهما عمر من رأيهما في أبي بكر : ( فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ).

كما لم ينكرا ذلك من رأيهما فيه على نحو رأيهما في أبي بكر ( فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ) ، كما لم يستنكر ذلك وجوه الصحابة الحضور ، وهذا يعني موافقتهم لعمر في صحة ما نسبه إلى علي وعباس ، إن لم تكن موافقة منهم لرأي علي وعباس في الشيخين.

وفي صحيح مسلم وشروحه ما يؤيّد ما قلناه ، فقد رواه بإسناده إلى مالك بن أوس وساق الحديث ، وفيه فقال عباس : يا أمير المؤمنين إقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن (؟).

٢٦٨

وفيه : فرأيتماه ـ يعني أبا بكر ـ كاذباً آثماً غادراً خائناً.

وفيه : فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً.

وعقب القاضي عياض في شرحه على قول العباس في علي بقوله : هذا الكلام لا يليق أن يقع من مثل العباس ، وعلي منزه عن بعضه فضلاً عن كله ، والعصمة وإن كانت لا تثبت إلا لنبي ولمن شهد له بها نبي ، لكنّا مأمورون بتحسين الظن بالصحابة ، ونفي كل رذيلة عنهم ، وقد أسقط بعضهم هذه الألفاظ من نسخته تورّعاً ، ولعله وهم الراوي ، وإن صحت هذه الألفاظ فأوجه ما فيها أن يقال : إنّها صدرت من العباس على وجه الدالة على ابن أخيه ، لأنّه في الشرع بمنزلة أبيه )(1) .

أقول : وعلى هذا كان قول المازري بالنسبة للموردين الآخرين المتعلقين بالشيخين ( فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ) فقال : ويجب عندي تأويل قول عمر هذا في أبي بكر ، وقوله على نفسه مثل ذلك ، ثم تكلف في التوجيه ما زاد الحال في الغموض والتمويه(2) .

ما ذكره مسلم بن الحجاج :

تاسعاًً : ماذا عند مسلم بن الحجاج النيسابوري ( ت 261 ه‍ ) ؟

النص الأول : أخرج في كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه(3) ، قال : حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي ، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف قال : سألت عبد الله بن أبي

__________________

(1) راجع إكمال إكمال المعلم للوشتاني الآبي 5 : 74.

(2) المصدر نفسه 5 : 75.

(3) صحيح مسلم 5 : 74.

٢٦٩

أوفى : هل أوصى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ فقال : لا ، قلت : فلم كتب على المسلمين الوصية ؟ أو فلم أُمِروا بالوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله( عزّ وجلّ ) ، ثم ذكر له أسانيد غير ما سبق.

وهذا الخبر سبق أن ذكرناه فيما رواه ابن هشام في سيرته ، وعقبنا عليه بما وسع له المقام فراجع.

ولشرّاح صحيح مسلم فيه تطبيل وتضليل من غير تحصيل ، فراجع النووي ، والوشتاني الآبي ، والسنوسي الحسيني في شروحهم في المقام.

النص الثاني : وأخرج في كتاب الوصية أيضاً وفي الباب الآنف الذكر(1) ، بسنده عن الأسود بن يزيد قال : ذكروا عند عائشة أنّ علياً كان وصياً ، فقالت : متى أوصى إليه ، فقد كنت مسندته إلى صدري ( أو قالت حجري ) فدعا بالطست ، فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنّه مات ، فمتى أوصى إليه ؟!

وهذا الخبر أيضاً تقدم مثله عن أحمد في مسنده ، في النص السابع وذكرنا ما يتعلق به ، ونضيف هنا قول الوشتاني الآبي في شرحه المسمى إكمال اكمال المعلم بشرح صحيح مسلم(2) ، فقد قال : ( قوله : فلم يوص بشيء ، فيه : انّ الشهادة على النفي من العلم مقبولة ، وبهذا المعنى صار قولها حديثاً ، كأنّه بمنزلة قوله : لا أوصي بشيء ، ثم سبب الوصية إنّما هو حدوث المرض لا الانتهاء إلى هذه الحالة ، وحينئذٍ لا يتقرر ما ذكرت دليلاً على أنه لم يوص ، لاحتمال أن يكون أوصى قبل ذلك ).

والشيعة إنّما كانت تقول أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى إلى علي بولاية الأمر والخلافة في امته من بعده ، وهذا ما أنكرته عائشة وزعمت موتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين حاقنتها وذاقنتها أو بين سحرها نحرها كما مرّ ذلك عنها ، ومرّ تكذيب زعمها عن ابن عباس وعن أم سلمة وعن عمر ، فراجع ذلك في النص السابع عند أحمد.

__________________

(1) المصدر نفسه 5 : 75.

(2) إكمال إكمال المعلم 4 : 352.

٢٧٠

النص الثالث : أخرج أيضاً تلو ما سبق بسنده ، قال : حدّثنا سعيد بن منصور ، وقتيبة بن سعيد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد ( واللفظ لسعيد ) قالوا : حدّثنا سفيان ، عن سليمان الأحول ، عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى ، فقلت : يابن عباس وما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وجعه فقال :« إئتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي » ، فتنازعوا ، وما ينبغي عند نبي تنازع ، وقالوا : ما شأنه أهجر استفهموه ، قال :« دعوني فالذي أنا فيه خير ، أوصيكم بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم » . قال : وسكت عن الثالثة ، أو قالها فأنسيتها. انتهى.

وأردف في هذا الحديث بثان في معناه ولفظه : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا وكيع ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنّه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنّها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :« إئتوني بالكتف والدواة ( أو اللوح والدواة )أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً » ، فقالوا : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يهجر.

وساق الحديث ثالثاً بسند آخر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : لما حُضِر رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده ، فقال عمر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :« قوموا » .

٢٧١

قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية ما حال بين رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.

أقول : إنّ هذا الحديث رواه ابن سعد في الطبقات ، وعبد الرزاق في المصنف ، والبخاري في صحيحه مكرراً وفي عدة أبواب ، وغيرهم كثير وهو ( حديث الرزية ) وقد استوفينا طرقه ومتونه باختلاف رواته في موسوعة ( عبدالله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ) ، وذكرنا مختلف آراء العلماء فيه.

والتحقيق أنّ القائل للكلمة الجافية النابية ( إنّه ليهجر ) هو عمر بن الخطاب ، وإنّ الغرض من الكتاب هو النص ( تحريرياً ) على خلافة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حسماً للنزاع ، لكن عمر منع من ذلك واعترف بعد حين حيث قال لابن عباس : « واراده رسول الله للأمر فمنعت من ذلك » راجع الموسوعة تجد فيها ما يزيل البهمة ويكشف الغمة ، وقد مرّ في ذيل حديث البخاري في تخاصم علي والعباس عند عمر ما يتعلّق برواية مسلم للحديث ، وفيه ما لم يوجد عند البخاري في روايته فراجع.

ما ذكره ابن شبّة :

عاشراًً : ماذا عند عمر بن شبّة البصري النحوي الأخباري ( ت 262 ه‍ ) ؟

ذكر في كتابه تاريخ المدينة المنورة ( أخبار المدينة المنورة )(1) ( ذكر فاطمة والعباس وعلي( رضي الله عنهم ) وطلب ميراثهم من تركة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ) ثم ساق خمسة عشر حديثاً ننتخب منها ما يلي :

النص الأوّل : قال : حدّثنا سويد بن سعيد ، والحسن بن عثمان قالا : حدّثنا الوليد بن محمد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنّ فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم )

__________________

(1) أخبار المدينة المنورة 1 : 122.

٢٧٢

أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذٍ تطلب صدقة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة( رضي الله عنها ) منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها [ زوجها ] علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها عليرضي‌الله‌عنه .

النص الثاني : وأيضاً روى تلو ذلك فقال : حدّثنا إسحاق بن إدريس ، قال : حدّثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : انّ فاطمة والعباس أتيا ابا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك [ وسهمه ] من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : انّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإنّي والله لا أغير أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه إلا صنعته ، قال : فهجرته فاطمة( رضي الله عنها ) ، فلم تكلمه في ذلك المال حتى ماتت.

ثالثاً : ، قال(1) : حدّثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدّثنا فضيل بن مرزوق ، قال : حدّثني النميري بن حسان ، قال : قلت لزيد بن علي( رحمة الله عليه ) وأنا أريد أن أهجّن أمر أبي بكر : أنّ أبا بكر انتزع من فاطمة( رضي الله عنها ) فدك ، فقال : انّ أبا بكر كان رجلاً رحيماً ، وكان يكره أن يغيّر شيئاً تركه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فأتته فاطمة فقالت : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أعطاني فدك ، فقال لها : هل لك على هذا

__________________

(1) المصدر نفسه 1 : 124.

٢٧٣

بيّنة ؟ فجاءت بعليرضي‌الله‌عنه فشهد لها ، ثم جاءت بأم أيمن فقالت : أليس تشهد أنّي من أهل الجنة ؟ قال : بلى ـ قال أبو أحمد : يعني أنّها قالت ذاك لأبي بكر وعمر ـ قالت : فأشهد أنّ النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أعطاها فدك ، فقال أبو بكر : فبرجل وامرأة تستحقينها أو تستحقين بها القضية ؟ قال زيد بن علي : وأيم الله لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيها بقضاء أبي بكر.

أقول : وهذا الخبر لا يصح سنداً لجهالة النميري بن حسان الذي خلت معاجم الرجال والتراجم عن ذكره ، مضافاً إلى جرح فضيل بن مرزوق الذي قال فيه ابن حبّان : منكر الحديث جداً ، وقال فيه الحاكم : عيب على مسلم إخراجه في الصحيح ، وسئل ابن أبي حاتم عن حديثه يحتج به ؟ فقال : لا. راجع بشأنه ميزان الاعتدال ، وسير أعلام النبلاء ، والمغني ، والكاشف كلها للذهبي ، وتهذيب التهذيب لابن حجر.

أما نكارة متنه فهو مستبطن لكذبه ، إذ كيف يعقل أن يقول زيد ذلك ، وهو الفقيه في دينه العالم بالأحكام ، وهو يعلم أنّ جده علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« علي مع الحق والحق مع علي » ، مضافاً إلى عصمته بنص آية التطهير ، وكذلك جدته فاطمة الزهراءعليها‌السلام المعصومة بآية التطهير ، وهي بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي صاحبة اليد ، كل ذلك يمنع من التجاوز على ما تحت يدها ويغني عن طلب البينة ، ودع أم أيمن المشهود لها بالجنة ، واستشهادها لأبي بكر على ذلك فصدقها ، أكل ذلك لا يعرفه زيد ؟

ولو أغمضنا النظر عن جميع ذلك ، ألم يعلم أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ؛ وأبو بكر هو المدّعي فكان عليه هو أن يقيم البيّنة ، لا السيدة الزهراء صاحبة اليد ؛ لانتزاعه منها فدكاً بنص الخبر ، فكل هذا لا يعرفه زيد ؟ معاذ الله ، ثم خلوّ المصادر الزيدية عن ذكر هذا عن زيدرحمه‌الله يوهن الرواية.

٢٧٤

رابعاً : ذكر خبر مالك بن أوس بن الحدثان في ( خصومة علي والعباسرضي الله عنهما إلى عمررضي‌الله‌عنه )(1) وفيه شهادة عمر على علي والعباس أمامهما وأمام الحضور من وجوه الصحابة : ( تزعمان أنّ أبا بكر فيها ظالم فاجر ) ، وأيضاً : ( فتزعمان أنّي فيها ظالم فاجر ).

وهذا الخبر مرّ بطوله فيما ذكرناه في النص الثامن عن عبد الرزاق من كتابه ( المصنف ) وذكرناه أيضاً عن البخاري فيما أخرجه في صحيحه بدون كلمة الشتيمة ، وعقبنا عليه بما اقتضاه المقام فراجع النص الثالث ماذا عند البخاري ، وقد علّق المحققان على كتاب عمر بن شبه في هامش الخبر بذكر المصادر(2) .

ونحن سوف لا نذكر الخبر بعد هذا مرّة ثالثة ورابعة عن أصحاب تلك المصادر ، كما لا يفوتنا التنبيه على أنّ عمر بن شبة قد ذكر الخبر بعد هذا ست مرّات بتفاوت في الألفاظ مطولاً ومختصراً.

كما روى مكرراً خبر مطالبة الزهراءعليها‌السلام أبا بكر في فدك والصوافي ، وهو يأبى أن يدفع إليها ذلك ، حتى روى في خبر عنها أنّها طالبته واحتجت عليه بآيات الخمس والفيء فلم يستجب لها ، وفي آخر الخبر قال لها : وهذا عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك ، فانظري هل يوافق

__________________

(1) المصدر نفسه 1 : 126.

(2) أخرجه البخاري : 2904 و 3094 و 4033 و 4885 و 5357 و 5358 و 2728 و 7305.

ومسلم : 757 ح 48 ، 49 و 50 , وأبو داود : 2965 , والترمذي : 1610 , والنسائي 7 : 136 ـ 137 , وأحمد 1 : 25 و 48 و 162 و 164 و 179 و 191 , والبيهقي في السنن 6 : 297 , والبغوي في مصابيح السنة : 2738 , وفي التفسير 4 : 416 , وأبو يعلى 2 : 3 و 4 , والطبري في التفسير : 38 ـ 39 , والمروزي : 1 و 3 , والحميدي : 22 , وعبد الرزاق : 9772 , وابن حبّان : 6608 , وابن سعد 2 : 314 , كلهم بنحو هذا الإسناد مختصراً ومطولاً.

٢٧٥

على ذلك أحد منهم ؟ فانصرفت إلى عمر فذكرت له مثل الذي ذكرت لأبي بكر بقصته وحدوده ، فقال لها مثل الذي كان راجعها به أبو بكر ، فعجبت فاطمة وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.

فهذا الخبر ـ وإسناده حسن كما ذكر المحققان في هامشه ـ جاء في آخره ما أوحى إلى أنّ فاطمةعليها‌السلام عجبت من موافقة عمر لصاحبه حتى ( ظنت قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه ) وهذا يشعر بسوء ظنها فيهما لتأمرهما على غصب النحلة منها ، أليس كذلك!؟

ما ذكره ابن قتيبة :

الحادي عشر : ماذا عند ابن قتيبة ( ت 270 ه‍ ) ؟

النص الأوّل : ذكر في كتابه المعارف ( المحسن ) وقد مرّ بنا في ( نظرة في المصادر ) ما يتعلق به فلا حاجة إلى الإعادة.

النص الثاني : ذكر في كتابه تاريخ الخلفاء الراشدين ( الإمامة والسياسة )(1) ، بيعة السقيفة وما جرى بين أبي بكر والأنصار ، وامتناع سعد بن عبادة عن مبايعة أبي بكر حتى مات ، وإنّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام ، وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب ، وإنّما كان يعدّ نفسه من بني هاشم ، وكان علي ـ كرّم الله وجهه ـ يقول : ما زال الزبير منّا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنّا .

واجتمعت بنو أمية إلى عثمان ، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبدالرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين ، فلما أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة ـ وقد بايع الناس أبا بكر ـ قال لهم عمر : ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتّى ، قوموا

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 : 11.

٢٧٦

فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار ، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوه ، وقام سعد وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا.

وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم ، فانصرفوا إلى رحالهم ومعهم الزبير بن العوام ، فذهب اليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن اشيم ، فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبا بكر ، فأبوا ، فخرج الزبير بن العوام بالسيف ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، وانطلقوا به فبايع ، وذهب بنو هاشم أيضاً فبايعوا.

وفي هذا الخبر تطالعنا ثلاثة أمور لم نقف عليها من قبل فيما عرضناه من المصادر :

الأول : وهو تكتلات سياسية قبلية ، تجمّعت في المسجد الشريف ، وما اجتمعت ، مما يدل على تباين في وجهات النظر.

الثاني : هيمنة عمر بن الخطاب على الموقف المتأزم ، وبمجرد دعوة أولئك النفر المتحلقين المتخلفين إلى بيعة أبي بكر قاموا فبايعوا.

الثالث : بيعة بني هاشم.

وليس في الأمر الأول والثاني ما يستدعي النظر فيهما ، لكن الأمر الثالث وهو بيعة بني هاشم يومئذٍ لافت للنظر ، وهو مما انفرد ابن قتيبة بروايته ، إذ أنّ بني هاشم ما بايعوا حتى بايع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو لم يبايع إلاّ بعد ستة أشهر حيث انصرفت وجوه الناس عنه بعد موت الزهراءعليها‌السلام ، فضرع لفك الحصار الإجتماعي خشية تطوّره إلى المقاطعة ، فيحل به ومعه بنو هاشم مثل ما حلّ بهم من قبل في مكة المكرمة إبان الدعوة الإسلامية ، حين حوصروا في شعب أبي طالبعليه‌السلام .

النص الثالث : قال(1) ( إباية علي ـ كرّم الله وجهه ـ بيعة أبي بكر ).

__________________

(1) المصدر نفسه 1 : 12.

٢٧٧

ثم إنّ علياً ـ كرّم الله وجهه ـ أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وتأخذوه منّا أهل البيت غصباً ! ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلّموا إليكم الإمارة ، فإذاً أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حياً وميّتاً ، فانصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.

فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتى تبايع ، فقال له علي : احلب حلباً لك شطره ، وشدّ له اليوم يردده عليك غداً ، ثم قال : يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه ، فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك.

فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي ـ كرّم الله وجهه ـ : يابن عم إنّك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، وأشد احتمالاً واستطلاعاً ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.

قال علي ـ كرّم الله وجهه ـ : الله الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المتطلع لأمر الرعية ، الدافع عنهم الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، والله أنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بُعداً.

٢٧٨

وقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك ، قال : وخرج علي ـ كرّم الله وجهه ـ يحمل فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا عنه ، فيقول علي ـ كرّم الله وجهه ـ : أفكنت أدعُ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟

فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.

النص الرابع : ( كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ).

قال(1) : وإنّ أبا بكر تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي ـ كرّم الله وجهه ـ ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على مَن فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة ، قال : وإن.

فخرجوا فبايعوا إلا علياً ، فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة( رضي الله عنها ) على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضر منكم ، تركتم رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقّاً.

فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي علياً ، قال : فذهب إلى علي ، فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبكى أبو بكر طويلاً.

__________________

(1) المصدر نفسه 1 : 13.

٢٧٩

فقال عمر الثانية : أن لا تهمل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه فقل له : أمير المؤمنين يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفذ فأدّى ما أمر به ، فرفع عليّ صوته فقال : سبحان الله لقد ادعى ما ليس له ، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلاً.

ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب ، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟

فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تتفطّر ؛ وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، قال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله ؛ قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخا رسوله فلا. وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ، فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق علي بقبر رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصيح ويبكي وينادي :« يابن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » .

النص الخامس : قال(1) : فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلّماه فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها فلم تردّعليهما‌السلام ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إنّ قرابة رسول الله أحب إليّ من قرابتي ، وإنّك لأحبّ إليّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أنّي مت ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك ، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلا أنّي سمعت أباكِ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا فهو صدقة.

__________________

(1) المصدر نفسه 1 : 14.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628