المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط9%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87250 / تحميل: 8188
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

المحسن السّبط مولود أم سقط







المؤلف: السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

١

بسم الله الرحمن الرحيم

٢

٣

٤

الإهداء

إلى أوّل مظلوم وأوّل من غُصب حقه

سيدي ومولاي أمير المؤمنينعليه‌السلام

إلى المطهرة النقيّة بضعة النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الممتحنة فوجدها الله صابرة محتسبة ، فهو يرضى لرضاها ويغضب لغضبهاعليها‌السلام .

أهدي هذه السطور عن أوّل شهداء الأسباط ، السيد السبط المحسن السقطعليه‌السلام .

يا سادتي تقبلوا بلطفكم وأجيزوا بعطفكم ، فاشفعوا لي عند الله ، فإنّ لكم جاهاً عظيماً ، ومقاماً كريماً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبدكم وولدكم المقرّ بالرق لكم

محمّد مهدي السيد حسن الموسوي

الخرسان ( عفي عنه )

٥
٦

( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَلَوْ أنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) (١)

المحسن السبط مولودٌ أم سقط ؟

إنّ بني فاطمةٍ ثلاثةٌ

وكلُّ فردٍ سيّدٌ سبط

فالحسنان أنسلا وأعقبا

سوى المحسّن إنّه السقط

فإن عرى الريبُ بإسقاطه

معانداً من شأنه الخبط

فذي سطورٌ أظهرت حقّه

من بعد ما أغفلها الغمط

فمن تعامى الحقّ في أمره

معاندٌ بالنُصب يشتط

* * *

__________________

(١) الزمر : ٤٦ ـ ٤٨.

٧
٨

مقدمة المؤلفّ:

٩
١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، الأوصياء الراضين المرضيين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك إنّك حميد مجيد.

اللهم والعن من حادّك وحادّ رسولك ، وناصبه العداوة والبغضاء في أهل بيتهعليهم‌السلام .

وبعد ، فهذه سطور ما كنت أحسب أنّي أكتبها لوضوح الرؤية عندي فيما تضمّنته ، إلاّ أنّي وجدت وضوح الرؤية عندي لا يعني ولا يُغني عند الآخرين شيئاً ، فالناس يتفاوتون إدراكاً ومشارباً ، كما يختلفون عقائداً ومذاهباً.

وكثير منهم يرى تقديس الموروث بحجة أو بغير حجة ، فهو يعيش في كيانه على تراث موبوء ، أخذه الخلف عن السلف ، فضاعت عنده معالم الحقائق لتراكم المخلّفات ، وبقي النشّؤ الجديد يدور في حلقة مُفْرَغة ، لم يمسك بطرف يهديه الطريق ، ولم يجد الملجأ الوثيق ، وكلّ ما حاول ـ إذا ما حاول ـ فلا يجد سوى الاجترار والتكرار ، ومقولة ( عدالة الصحابة ) التي أصبحت هي الذكر الخفي ، ويجب إسدال الستار على ما حدث بينهم ، فما من دخان إلاّ من وراء نار. فالسكوت عمّا حدث أولى ؟!

١١

وهكذا ضاعت معالم الاهتداء بين تركة الموروث من تاريخنا ، والذي تلقيناه محاطاً بسياج من الحصانة وهالة من العنعنة ، تنفي ـ في نظر القاصر طبعاً ـ عنه معرّة النقد الخارجي وهو السند ، كما تضفي عليه نسجاً كثيفاً يغطّي تبعة النقد الداخلي وهو المتن.

وبين هذا وذاك كادت تضيع معالم الدلالة ، وبالتالي نبقى مع الحدَث نتحدّث عنه وكأنّه من أحاديث السمر.

لذلك ـ ولا أكون مغالياً ـ فقد وجدت صعوبة بالغة في تفهيم القارئ صورة الحدَث وملابساته ، وهو يعيش عنده كموروث في الذاكرة ، وشجت عليه أصوله ونمت عليه فروعه ، أما أنا فأعيش معه من خلال عالم التصور عندي لطبيعة الحدَث وملابساته ، ومن خلال المقروء في نصوص التاريخ المقبول عند العامة والخاصة ، لذلك كان لزاماً عليّ وأنا أريد التحدث عن ( المحسن السبط ) أن أستعرض ما يمتّ إلى الحديث عنه بصلة ، وأعني ما ينفع في الجواب على السؤال المذكور في عنوان الرسالة ، هل هو مولود أم سقط ؟ وذلك لما أثير حوله في هذه الأيّام من نقض وإبرام.

ولقد كنت أحسب أنّي بالغ ما أريد في بعض صفحات قد لا تتجاوز العشرة ، ولكن نتيجة الترابط بين الأحداث التي كانت يوم حدث السقط للسبط بدءاً وختاماً ، حرباً وسلاماً ، عنفاً وانتقاماً ، فقد تلاحقت في الحضور السطور والكلمات ، وتتابعت في الظهور صفحات وصفحات ، لذلك جاوزت القدر المظنون ، فبلغت ما يراه القارئ.

ولا تزال هناك جوانب أخرى لم تبحث ، وإن كان لها الدور الفاعل في تهيئة أجواء الحدَث ، والحديث عن ملابسات ذلك الحدَث الخطير ، لابد أن يدخلنا في متاهات من ركام التاريخ ، تترتب على الخوض فيها نتائج ذات مرارة بالغة ، ولكنّها شفاء لما في الصدور ، فكثير من الدواء مرّ الطعم ولكن فيه الشفاء ، وفي

١٢

اعتقادي أنّ ما قدمته في هذه الأوراق يسدّ حاجة في نفس يعقوب ، ويروي من ظمأ التساؤل كما يسدّ من لغوب السغوب ، وبالتالي يقلّل من معاناة الذبذبة الفكرية التي يعيشها الشباب ، من جراء انغلاقهم على جوانب ملؤها تقديس الموروث ، وقد صكّت أسماعهم تلاوة :( بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) (١) .

ومن جهة أخرى لما تفتح الوعي عندهم فانفتحوا على نوافذ في التاريخ ، فأخذوا يحدقون من خلالها لينظروا إلى الأحداث على حقيقتها ، فساورتهم الشكوك في أمانة التسجيل ، فهم يرون الصورة ليست واقعية ، بل ومشوّهة ومبتورة عفّى على وجهها غبار السنين ، لذلك فهم يعانون الكثير من الصعوبات ، من جرّاء التذبذب بين ذلك الانغلاق الموروث وهذا الانفتاح المكتسب ، وهم في دوامة البلبلة ، وهم وهم وهم مع ذلك لا يزالون ينشدون السلامة الفكرية بنشدانهم الحقيقة الواقعية ، تخلصاً من ويلات العويل الذي أصمّ أسماعهم من محيطهم ، بل وحتى من داخل أنفسهم فهم يتلون :( تِلْكَ اُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْألُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) ؛ وهم يقرأون قوله تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَىٰ الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِدِي إِلا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) .

فهذه الأوراق فيها إقامة الشاهد تلو الشاهد على أنّ ( المحسن السبط ) ليس مولوداً بل هو سقط ، وبالأصح فقد أسقط.

وعلى القارئ الذي يضيق ذرعاً من مواجهة الحقيقة المُرّة ، أن لا يزعج نفسه كثيراً ، بل ليلوم من أوقع الحدث بكل ما فيه من تمرّد وعنفوان حتى كان ما كان.

__________________

(١) لقمان : ٢١.

(٢) البقرة : ١٣٤.

(٣) يونس : ٣٥.

١٣

وأخيراً أسأل الله تعالى أن ينفع الضال والمضلَّل بما سيقرأ :( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً ) (١) .

ماذا في هذه الرسالة ؟

إنّ فيها ثلاثة أبواب وخاتمة :

الباب الأول : نبحث فيه ما دلّ على صحة السلب عن حديث إكتناء الإمام بأبي حرب. وذلك في ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في مصادر الحديث.

الفصل الثاني : في رجال الإسناد.

الفصل الثالث : في متن الحديث ، ونبحث فيه النقاط التالية :

١ ـ التعريف بحرب ، وهل هو اسم علم ؟ أم اسم معنى ؟ ومن المراد منهما ؟

٢ ـ هل كان اسم حرب من الأسماء المحبوبة أم الأسماء المبغوضة ؟

٣ ـ ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب ، اسم المعنى ؟

٤ ـ ما هي الدوافع المغرية في اسم حرب ، اسم العلم ؟

٥ ـ في كُنى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وما هي أحبّ كُناه إليه ؟

٦ ـ ماذا وراء الأكمة من تعتيم لتضليل الأمة ؟

الباب الثاني : ونبحث فيه عن ( المحسن السبط ) هل هو مولود أم سقط ؟

وذلك من خلال ثلاثة فصول نستعرض فيها ما قاله المؤرخون والنسّابون من أهل السنة خاصة.

الفصل الأول : فيمن ذكر ( المحسن السبط ) ولم يذكر شيئاً عن ولادته ولا عن موته.

الفصل الثاني : فيمن ذكر ( المحسن السبط ) وأنّه مات صغيراً.

__________________

(١) مريم : ٧٦.

١٤

الفصل الثالث : فيمن ذكر ( المحسن السبط ) وأنّه سقط.

وفي خلال هذا الفصل قد نمرُّ ببعض المصادر الشيعية لأنّها تسلّط الضوء على ما أُبهم ذكره واستُبْهِم ـ عن عمد ـ أمره.

الباب الثالث : ونبحث فيه عن مسيرة الأحداث التي رافقت حدَث السقط للمحسن السبط ، وذلك من خلال ثلاثة فصول :

الفصل الأول : وقفة مع الأحداث ، ونظرة في المصادر.

الفصل الثاني : مسيرة مع المؤرّخين جرحاً وتعديلاً.

الفصل الثالث : نصوص ثابتة في الإدانة.

الخاتمة : في نتائج البحث وأنّ المحسن السبط هو أول ضحايا العُنف في أحداث السقيفة ، وقد أجهز عليه وهو حمل وأنّه المحسن السقط.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

١٥ ذي الحجة الحرام

١٤١٦ ه‍

١٥

تمهيد

إنّ حديث إكتناء الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بأبي حرب ، حديث حسبه بعضهم من المفاخر ، فشاع ذكره في المصادر ، ورواه الحاضر عن الغابر ، من معاندٍ وناصرٍ.

وبين هذا وذاك ضاعت آثار الزيف ، وبين أولا وهؤلاء خفيت معالم الحقيقة ، وسط قرع الطبول ، وتزمير الزامر ، حتى صكت الأذان ، وكثر حوار الطرشان.

أتدرون أيّها القرّاء الكرام ماذا يعني ذلك الحديث ؟

إنّه يعكس رغبة الإمام أميرالمؤمنين أن يسمّي أحد أولاده ( حرباً ) !! إنّه يصوّر لنا تهافته ليكنّى بأبي حرب !!

إنّه كرّر تجربة فاشلة ثلاث مرّات فلم ينجح !!

وإن صدقت أحلام الوضّاعين فسيفصح ذلك عن مدى تعلّقه بتلك الكنية ـ البغيضة ـ وهيامه بذلك الاسم ، لكن لم تتحقق له رغبته الملحّة ، حيث كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يغيّر كلّ مرّة حاول الإمام فيها تنفيذ رغبته فيما زعم الرواة.

وتبقى بعدُ في الحديث سمات ذات دلالات ، تبعث على التساؤل وتُثير الشكوك ، فهذا هو الباعث لي على النظر في الحديث سنداً ومتناً ودلالة ، لعلّي

١٦

أستطيع أن أنفع القارئ بشيء عن ذلك ، يُلقي الضوء على مخبئات الدسّ الذي جاء متراكماً في كثير من المصادر حول هذا الحديث المزعوم.

وبالتالي ف‍( هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

وقبل الخوض في الحديث سنداً ومتناً ودلالةً ، أودّ تنبيه القارئ على أمرٍ هو من الخطورة بمكان ، وذلك هو تسرّب الحديث على علاّته وسماته إلى المصادر الشيعية نقلاً عن المصادر السنيّة ، وفي غفلة عمّا فيه من هنات ، وإلى القارئ أسماء تلك المصادر :

المصادر الشيعية التي تسرّب إليها الحديث المزعوم :

١ ـ صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام ، والحديث عنها مذكور في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام (٢) ، وفي مستدرك الوسائل(٣) إسناده عن عليّ بن الحسين قال : حدثتني أسماء بنت عميس قالت : قبّلت جدتك فاطمةعليها‌السلام بالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فلما ولد الحسنعليه‌السلام جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وقال : يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء ، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه ، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى.

ثم قال لعليعليه‌السلام : بأيّ شيء سمّيت ابني هذا ؟ ، قال عليّعليه‌السلام : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ـ وقد كنت أحب أسميه حرباً ـ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنا لا أسبق باسمه ربي( عزّ وجلّ ) ، فهبط جبرئيل وقال : العليّ الأعلى يقرؤك السلام ويقول : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك ، فسمّ ابنك هذا بابن هارون ،

__________________

(١) آل عمران : ١٣٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٥.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ : ٦٢١.

١٧

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما إسم ابن هارون يا جبرئيل ؟ ، قال : شبّر ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لساني عربي ، قال : سمّه الحسن.

إلى أن قالت : فلمّا كان بعد حول من مولد الحسن ولد الحسينعليه‌السلام ، فجاءنيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ووضعه في حجره وبكى ، قالت أسماء : ـ وسألته عن سبب بكائه فأخبرها بمقتله إلى أن قالت : ـ ثم قال لعليعليه‌السلام : بأيّ شيء سمّيت ابني هذا ؟ فقال : ما كنت لاسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه حرباً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كنت لأسبق باسمه ربي( عزّ وجلّ ) ، فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرؤك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون ، قال : وما اسم ابن هارون ؟ قال : شبير ، قال : لساني عربي ، قال : سمّه الحسين ، فسمّاه الحسين.

أقول : وأوّل ما في هذا الخبر : أنّ أسماء بنت عميس لم تكن يومئذٍ بالمدينة لتُقبّل فاطمةعليها‌السلام بابنيها الحسن والحسين ، لأنّها كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة ، ولم يرجع جعفر إلى المدينة إلاّ بعد فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة ، وولادة الحسنعليه‌السلام كانت في السنة الثالثة ، والحسين في السنة الرابعة ، ومهما يكن فولادة الحسنينعليهما‌السلام كانت قبل رجوع جعفر بأكثر من ثلاث سنين ، وهذا يكفي في توهين الحديث المزعوم من حبّ الإمام أن يُسمي ابنيه حرباً.

٢ ـ مناقب ابن شهرآشوب(١) ، أخرج الحديث عن أحمد ، وهو الحديث الآتي برقم (٣) كما في سُلّم المصادر السنّية فراجع للمقارنة ، ستجد أن أحمد ذكر في حديثه ولادة الأبناء الثلاثة ، بينما لم يذكر في المصدر المذكور إلاّ

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ١٦٦.

١٨

ولادة الحسنين ، فلماذا لم يذكر ولادة الثالث ومَن حذفها ؟ وهل أُلحقت بالمسند بعد ذلك ؟ أو حذفت من المناقب ؟

٣ ـ فضائل الخمسة(١) ، وحكاه نقلاً عن الأدب المفرد للبخاري ، وسيأتي برقم (٤) في سُلّم المصادر السنيّة ، وعن مستدرك الصحيحين وهو الآتي برقم (٧) في سُلّم المصادر السنيّة ، ونقله في ص ١٧١ عن مسند الطيالسي الآتي برقم (٢) في أول المصادر السنيّة.

ولمّا كانت المصادر الشيعية نقلت الحديث عن المصادر السنيّة ، فلا حاجة إلى الإطناب في تزييف ما ورد فيها بعد ملاحظة المصادر السنيّة ومناقشتها.

والآن إلى البابالأول ، وفيه ثلاثة فصول :

__________________

(١) فضائل الخمسة ٣ : ١٦٩.

١٩

الفَصْلُ الأوَّلُ

مصادر الحديث واختلاف صوره

أخرج الحديث كثير من أئمة الصحاح والسنن والمسانيد ، وأرباب التاريخ والسير من قُدامى ومحدثين.

وسأكتفي بذكر اثنى عشر مصدراً من خيرة المصادر الأولى المعتبرة عند المحققين من علماء المسلمين ، فأذكر المصدر حسب وفاة مؤلّفه مع تعيين محلّ ذكر الحديث فيه ، ثم صورة لما ذكره ، وقد أذكر بعض ما يمتّ إلى ذلك تبعاً.

فالأول من المصادر هو سيرة ابن إسحاق(١) ( ت ١٥١ ه‍ )

قال : أنا يونس ، عن يونس بن عمرو ، وعن أبيه عن هانئ بن هانئ ، عن علي قال : لمّا ولد حسن سميته حرباً ، قال : فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني بُني ماذا سمّيتموه ؟ فقلت : سميته حرباً ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : لا ولكن اسمه حسن ، فلمّا ولدت حسيناً سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميّتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : لا ولكن اسمه حسين ، فلمّا ولدت الثالث سميته حرباً ، فجاء

__________________

(١) سيرة ابن إسحاق : ٢٤٧.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وأقول :

ما ذكره من اتّفاق العلماء على أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح ، خطأ ظاهر ، فإنّ قومه ـ وهم الأشاعرة ـ لا يوافقون عليه ، ويزعمون أنّ بقاء الممكن الموجود ، وعدم الممكنات الأزلي ، لا يحتاجان إلى مرجّح وسبب.

ولذا قالوا : إنّ المحوج إلى السبب هو الحدوث ، أي خروج الممكن من العدم إلى الوجود ، لا الإمكان(١) .

ولكن غرّ الخصم أنّه رأى في أوّل مباحث الممكن من « المواقف » وشرحها دعوى ضرورية حاجة الممكن إلى السبب بالتقرير الذي ذكره الخصم ، ولم يلتفت إلى أنّهما ذكرا ذلك عن الحكماء القائلين بأنّ المحوج إلى السبب هو الإمكان(٢) ، خلافا للأشاعرة.

ولذا بعدما ذكرا عن الحكماء أنّ الحكم مركوز في طباع البهائم ، ولذا تنفر من صوت الخشب ، أوردا عليه بقولهما : « قلنا ذلك ، أي نفورها لحدوثه لا لإمكانه ، فإنّه لمّا حدث الصوت بعد عدمه ، تخيّلت البهائم أن لا بدّ له من محدث ، لا أنّها تخيّلت تساوي طرفي الصوت ، وأن لا بدّ هناك من مرجّح »(٣) .

ولو سلّم الاتّفاق على حاجة الممكن إلى السبب ، وعلى أنّه يمتنع

__________________

(١) شرح المقاصد ٢ / ١٥.

(٢) انظر : المواقف : ٧١ ، شرح المواقف ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٣) المواقف : ٧١ ، شرح المواقف ٣ / ١٣٧.

٢٨١

ترجّح أحد طرفيه بدون مرجّح فهو خارج عمّا نحن فيه ؛ لأنّ كلام المصنّف في إمكان ترجيح الفاعل لأحد الطرفين بلا مرجّح كما هو مذهب جماعة ومنهم الأشاعرة.

ولذا قال في « المواقف » في البحث عن أفعال العباد ، بعدما ذكر الدليل المذكور الذي نقله المصنّف عن الأشاعرة : « واعلم أنّ هذا الاستدلال إنّما يصلح إلزاما للمعتزلة ، القائلين بوجوب المرجّح في الفعل الاختياري ؛ وإلّا فعلى رأينا يجوز الترجيح بمجرّد تعلّق الاختيار بأحد طرفي المقدور ، فلا يلزم من كون الفعل بلا مرجّح كونه اتّفاقيا »(١) .

بل يستفاد من هذا ـ لا سيّما قوله : « يجوز الترجيح بمجرّد تعلّق الاختيار » ـ جواز ترجيح المرجوح على الراجح فضلا عن المساوي ، كما يدلّ عليه أيضا تجويزهم تقديم المفضول على الفاضل في مسألة الإمامة(٢) ، وتجويزهم عقلا أن يعذّب الله الأنبياء ويثيب الفراعنة والأبالسة(٣) ، وقولهم : لا يجب على الله شيء ولا يقبح منه شيء(٤) ، وحينئذ فما أجاب به الخصم عن مثال الرغيفين ونحوه غير صحيح عند أصحابه.

وأمّا ما أجاب به عن الوجه الرابع ، فمن الجهل أيضا ؛ لأنّ المصنّف

__________________

(١) المواقف : ٣١٣.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ٢ / ٢٩٦ ، المواقف : ٤١٢ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٤٧.

(٣) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٥ ـ ١١٦ ، تمهيد الأوائل : ٣٨٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤.

(٤) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٥ ، المواقف : ٣٢٨ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

٢٨٢

لم ينكر أنّ القول بكون القدرة غير صالحة للضدّين يوجب عدم القدرة على الترك بعد فرض تعلّقها بالفعل ، وإنّما يقول : إنّ القول بهذا القول مناف للاستدلال بذلك الدليل ؛ لأنّ الاستدلال به مبنيّ على جواز تعلّق القدرة بالضدّين ، وهم لا يقولون بتعلّقها بهما.

وأمّا ما ذكره من أنّ قول المصنّف : « إن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين لزمهم شيء يخترعه من عند نفسه ثمّ يجعله محذورا »

ففيه : إنّ هذا القول من المصنّف جواب عن سؤال مقدّر ، وهو : إنّ ما ذكرته من منافاة الدليل لمذهبهم مبنيّ على التزامهم هنا بقولهم بعدم جواز تعلّق القدرة بالضدّين ، فلعلّهم خالفوا هنا ذلك وأجازوا تعلّقها بهما.

فقال : وإن خالفوا ذلك لزمهم محذور آخر ، وهو اجتماع الضدّين أو تقدّم القدرة على الفعل ، وكلاهما مخالف لمذهبهم.

وهذا ليس من باب اختراع النسبة إليهم ، كما توهّمه الخصم وأبان به وبما قبله عن جهله بمقاصد المصنّف وبمذهبهم ، وعن سرقته لكلام « المواقف » وشرحها من دون معرفة بمخالفته لمذهبهم ، وبعدم انطباقه على المورد!!

* * *

٢٨٣

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

وفي الثاني من وجهين :

الأوّل : العلم بالوقوع تبع الوقوع فلا يؤثّر فيه ، فإنّ التابع إنّما يتبع متبوعه ويتأخّر عنه بالذات ، والمؤثّر متقدّم.

الثاني : إنّ الوجوب اللاحق لا يؤثّر في الإمكان الذاتي ، ويحصل الوجوب باعتبار فرض وقوع الممكن ، فإنّ كلّ ممكن على الإطلاق إذا فرض موجودا ، فإنّه حالة وجوده يمتنع عدمه ، لامتناع اجتماع النقيضين ، وإذا كان ممتنع العدم كان واجبا ، مع أنّه ممكن بالنظر إلى ذاته.

والعلم حكاية عن المعلوم ومطابق له ، إذ لا بدّ في العلم من المطابقة ، فالعلم والمعلوم متطابقان ، والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم ، فإنّه لولاه لم يكن علما به.

ولا فرق بين فرض الشيء وفرض ما يطابقه ، بما هو حكاية عنه ، وفرض العلم هو بعينه فرض المعلوم.

وقد عرفت أنّ مع فرض المعلوم يجب ، فكذا مع فرض العلم به.

وكما إنّ ذلك الوجوب لا يؤثّر في الإمكان الذاتي ، كذا هذا الوجوب ، ولا يلزم من تعلّق علم الله تعالى به وجوبه بالنسبة إلى ذاته ، بل بالنسبة إلى العلم.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٣.

٢٨٤

وقال الفضل (١) :

قد ذكرنا أنّ هذه الحجّة أوردها الإمام الرازي على سبيل الفرض الإجمالي ، في « مبحث التكليف والبعثة »(٢) ، وهذا صورة تقريره :

« ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصدور عن العبد ، وإلّا جاز انقلاب العلم جهلا وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد ، وإلّا جاز الانقلاب.

ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنّه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته ؛ لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال كما ذكرتم.

فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال ، فقد لزمكم في مسألة علم الله تعالى بالأشياء ».

قال الإمام الرازي : ولو اجتمع جملة العقلاء ، لم يقدروا أن يوردوا على هذا حرفا إلّا بالتزام مذهب هشام ، وهو أنّه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها »(٣) .

وقال شارح « المواقف » : « واعترض عليه بأنّ العلم تابع للمعلوم ، على معنى أنّهما يتطابقان ، والأصل في هذه المطابقة هو المعلوم ، ألا يرى إلى صورة الفرس مثلا على الجدار ، إنّما كانت على الهيئة المخصوصة ؛ لأنّ

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٠٨.

(٢) تقدّم عن الفخر الرازي وغيره كما في الصفحة ٢٦٧ ه‍ ١.

(٣) الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٢٨.

٢٨٥

الفرس في حدّ نفسه هكذا ، ولا يتصوّر أن ينعكس الحال بينهما.

فالعلم بأنّ زيدا سيقوم غدا مثلا ، إنّما يتحقّق إذا كان هو في نفسه بحيث يقوم فيه ، دون العكس ، فلا مدخل للعلم في وجوب الفعل وامتناعه ، وسلب القدرة والاختيار ، وإلّا لزم أن لا يكون تعالى فاعلا مختارا لكونه عالما بأفعاله وجودا وعدما »(١) ، انتهى كلام شارح « المواقف ».

وظهر أنّ الرجل السارق الحلّي سرق هذين الوجهين من كلام أهل السنّة والجماعة وجعلهما حجّة عليهم.

وجواب الأوّل من الوجهين : إنّا لا ندّعي تأثير العلم في الفعل ـ كما ذكرنا ـ حتّى يلزم من تأخّره عن المعلوم عدم تأثيره ، بل ندّعي انقلاب العلم جهلا(٢) ، والتابعيّة لا تدفع هذا المحذور ؛ لما ستعلم.

وجواب الثاني من الوجهين : إنّا نسلّم أنّ الفعل الذي تعلّق به علم الواجب في الأزل ممكن بالذات ، واجب بالغير.

والمراد حصول الوجوب الذي ينفي الاختيار ويصير به الفعل اضطراريا ، وهو حاصل ، سواء كان الوجوب بالذات أو بالغير.

وأمّا جواب شارح « المواقف » فنقول : لا نسلّم أنّ العلم مطلقا تابع للمعلوم ، بل العلم الانفعالي الذي يتحقّق بعد وقوع المعلوم هو تابع للمعلوم.

وإن أراد بالتابعيّة التطابق ، فلا نسلّم أنّ الأصل في المطابقة هو

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٦٥.

٢٨٦

المعلوم في العلم الفعلي ، بل الأمر بالعكس عند التحقيق ، فإنّ علم المهندس الذي يحصل به تقدير بناء البيت ، هو الأصل والعلّة لبناء البيت ، والبيت يتبعه ، فإن خالف شيء من أجزاء البيت ما قدّر المهندس في علمه الفعلي ، لزم انقلاب العلم جهلا.

وأنت تعلم أنّ علم الله تعالى بالموجودات التي ستكون هو علم فعليّ ، كعلم المهندس الذي يحصل من ذاته ثمّ يطابقه البيت.

كذلك علم الله تعالى هو سبب حصول الموجودات على النظام الواقع ، ويتبعه وجود الممكنات ، فإن وقع شيء من الكائنات على خلاف ما قدّره علمه الفعلي في الأزل ، لزم انقلاب العلم جهلا ، وهذا هو التحقيق!

* * *

٢٨٧

وأقول :

تقدّم أنّ إيراد الرازي له على سبيل النقض لا ينافي اتّخاذ الأشاعرة له دليلا ، كما نقله عنهم من هو منهم ، وهو القوشجي كما مرّ(١) .

وأمّا ما ادّعاه من ظهور سرقة المصنّف للجوابين بسبب ما نقله عن شارح « المواقف » ، فمن المضحكات ؛ لأنّ تصنيف « شرح المواقف » متأخّر عن تصنيف المصنّف لهذا الكتاب بنحو من مائة سنة ، فإنّ السلطان محمّد خدابنده تشيّع سنة سبع بعد السبعمائة ، وصنّف له هذا الكتاب(٢) ، وكان تصنيف « شرح المواقف » سنة سبع بعد الثمانمائة ، كما ذكره الشارح في آخر شرحه(٣) .

على أنّ الجواب الثاني من خواصّ هذا الكتاب ، إذ لم يذكر في « شرح المواقف » ولا غيره.

ولو كان واحد من الجوابين من كلام الأشاعرة لما خفي على صاحب « المواقف » ، فإنّ عادته جمع كلامهم وكلام غيرهم ، سوى كثير من كلمات أهل الحقّ! فلمّا لم يطلع عليهما علم أنّهما من خواصّ خصومهم ، كما هي

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٦٧ من هذا الجزء.

(٢) انظر : نهج الحقّ : ٣٨ مقدّمة العلّامة الحلّي ؛ وانظر : أعيان الشيعة ٩ / ١٢٠ ، الذريعة ٢٤ / ٤١٦ رقم ٢١٨٣.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٤٠١.

وقد كانت وفاة العلّامة الحلّي 1 كانت في سنة ٧٢٦ ه‍ ، وتوفّي الإيجي مؤلّف « المواقف » في سنة ٧٥٦ ه‍ ، فيما كانت وفاة الجرجاني شارح « المواقف » في سنة ٨١٢ ه‍.

٢٨٨

عادتهم في ترك النظر بكلمات الإمامية ، رغبة عن الحقّ ، وتعصّبا لما هم عليه.

لكن لمّا كان لشارح « المواقف » حاشية على « شرح التجريد القديم »(١) ، اطّلع على الجواب الأوّل ، فذكره في « شرح المواقف »(٢) ؛ لأنّ شيخ المتكلّمين نصير الدين1 قد ذكره في « التجريد »(٣) ، فكان هذا الجواب من خواصّ نصير الدين ، والجواب الثاني منخواصّ المصنّف.

ثمّ إنّ ما أجاب به الخصم عن الأوّل بقوله : « بل ندّعي انقلاب العلم جهلا » غير نافع له ؛ لأنّ لزوم الانقلاب ما لم يكن العلم مؤثّرا لا يوجب سلب تأثير قدرة العبد كما هو مدّعاهم ، وإنّما يوجب أن يقع ما علم الله تعالى على الوجه الذي علمه من الاختيار أو الاضطرار ، كما إنّ صدق الصدق في الأخبار إنّما يقتضي ذلك.

وأمّا ما أجاب به عن الثاني

ففيه : إنّ الوجوب بالغير ، الحاصل من فرض وقوع الممكن

__________________

(١) هو الشرح المسمّى « تشييد القواعد » أو « تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد » تأليف : شمس الدين محمود بن عبدالرحمن بن أحمد الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٧٤٦ ه‍.

وتسميته بالشرح القديم لا لكونه أقدم الشروح ، بل لتقدّمه على « شرح التجريد » المعروف ب‍ « الشرح الجديد » ، للشيخ علاء الدين عليّ بن محمّد القوشجي ، المتوفّى سنة ٨٧٩ ه‍.

وقد كتب شارح « المواقف » السيّد الشريف عليّ بن محمّد الجرجاني ، المتوفّى سنة ٨١٦ ه‍ حاشية على الشرح القديم هذا ، اشتهرت باسم « حاشية التجريد ».

انظر : الذريعة ٣ / ٣٥٤ ، مقدّمة تجريد الاعتقاد : ٨٠ ، كشف الظنون ١ / ٣٤٦.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٥٥.

(٣) تجريد الاعتقاد : ١١٣ ـ ١١٤.

٢٨٩

بالاختيار ـ كما بيّنه المصنّف ـ لا يجعل الفعل اضطراريا ، وإلّا كان خلفا ، بل كثير من الوجوب أو الامتناع بالغير لا يسلب القدرة والاختيار ، كالظلم وفعل القبيح ، فإنّهما ممتنعان على الله تعالى لقبحهما ، وهو قادر مختار في تركهما.

وبالجملة : المدار في القدرة والاختيار على كون الفعل منوطا بإشاءة الفاعل وأفعال العباد كذلك ، غاية الأمر أنّ الله تعالى علم أنّهم يفعلون أفعالا ويتركون أفعالا بإشاءتهم للأمرين ، كما يعلم ذلك في حقّه تعالى ، وهو لا يوجب الخروج عن القدرة والاختيار.

وأمّا ما أورد به على الجواب الذي نقله شارح « المواقف »

ففيه : إنّه إن أراد بقوله : « إنّ علم الله تعالى بالموجودات فعليّ » أنّه سبب حقيقي مؤثّر فيها ، ومنها أفعالنا ، فهو باطل ألبتّة حتّى لو قلنا : إنّه تعالى فاعل لأفعالنا ؛ لأنّ المؤثّر فيها قدرته لا علمه.

وإن أراد به أنّ علمه شرط لها ، فلا يضرّنا تسليمه ، إذ لا يستدعي خروج أفعالنا عن قدرتنا ؛ لأنّ الأثر للفاعل ، لا للشرط.

والقوم يعنون بكون العلم الفعلي سببا لوجود المعلوم في الخارج ، أنّه دخيل في السببية من حيث كونه شرطا ، كعلم المهندس ، بخلاف العلم الانفعالي ، فإنّه ليس بشرط للمعلوم ، بل هو مسبّب ، أي : فرع عن وجود المعلوم ، كعلمنا بما وقع.

وبخلاف الفعلي والانفعالي أيضا الذي يعرّفونه بما ليس سببا لوجود المعلوم في الخارج ، ولا مسبّبا عنه ، كعلم الله سبحانه بذاته ، فإنّه بالاتّفاق عين ذاته ، ويختلفان بالاعتبار.

على أنّ الحقّ أنّ العلم الفعلي ليس شرطا لوجود المعلوم ، ضرورة

٢٩٠

أنّ العلم تابع للمعلوم ؛ لأنّه انكشاف الشيء وحضوره لدى العالم به ، فيكون وجود المعلوم واقعا متقدّما رتبة على العلم ؛ لكونه شرطا له أو بحكمه.

فلو كان العلم الفعلي شرطا أيضا لوجود المعلوم جاء الدور(١) ، فلا بدّ أن يكون العلم الفعلي كغيره ، ليس شرطا في وجود المعلوم.

نعم ، تصوّر الشيء شرط لإقدام العاقل الملتفت على إيجاد الشيء ، وهو أمر آخر ، ومنه تصوّر المهندس ، وهو غير العلم الفعلي المصطلح عليه بالعلم الحضوري

فإذا عرفت هذا ، عرفت ما في كلام الخصم من الخطأ ، فتدبّر!

* * *

__________________

(١) وبه قال الفخر الرازي في الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٠٧.

٢٩١

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

وأمّا المعارضة في الوجهين ، فإنّهما آتيان في حقّ واجب الوجود تعالى.

فإنّا نقول في الأوّل : لو كان الله تعالى قادرا مختارا فإمّا أن يتمكّن من الترك أو لا ، فإن لم يتمكّن من الترك كان موجبا مجبورا على الفعل ، لا قادرا مختارا.

وإن تمكّن ، فإمّا أن يترجّح أحد الطرفين على الآخر أو لا ، فإن لم يترجّح لزم وجود الممكن المساوي من غير مرجّح ، فإن كان محالا في حقّ العبد ، كان محالا في حقّ الله تعالى ، لعدم الفرق.

وإن ترجّح فإن انتهى إلى الوجوب لزم الجبر ، وإلّا تسلسل أو وقع المتساوي من غير مرجّح ، فكلّ ما تقولونه ها هنا نقوله نحن في حقّ العبد.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٤.

٢٩٢

وقال الفضل (١) :

ذكر صاحب « المواقف » هذا الدليل في كتابه ، وأورد عليه أنّ هذا ينفي كون الله تعالى قادرا مختارا ، لإمكان إقامة الدليل بعينه ، فيقال : لو كان الله موجدا لفعله بالقدرة استقلالا ، فلا بدّ أن يتمكّن من فعله وتركه ، وأن يتوقّف فعله على مرجّح ، إلى آخر ما مرّ تقريره.

وأجيب عن ذلك بالفرق بأنّ إرادة العبد محدثة ، أي الفعل يتوقّف على مرجّح هو الإرادة الجازمة ، لكن إرادة العبد محدثة ، فافتقرت إلى أن تنتهي إلى إرادة يخلقها الله تعالى فيه ، بلا إرادة واختيار منه ، دفعا للتسلسل في الإرادات التي تفرض صدورها عنه ، وإرادة الله تعالى قديمة فلا تفتقر إلى إرادة أخرى(٢)

فظهر الفرق واندفع النقض.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١١٣.

(٢) المواقف : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٩ ـ ١٥١.

٢٩٣

وأقول :

هذا الجواب للرازي في « الأربعين » كما نقل عنه(١) .

وأورد عليه المحقّق الطوسيرحمه‌الله في « التجريد » بما مضمونه : إنّ التقسيم إلى الإرادتين ، والفرق بينهما بالحدوث والقدم ؛ لا يدفع الإشكال ؛ لأنّ الترك إن لم يمكن مع الإرادة القديمة كان الله تعالى موجبا لا قادرا مختارا.

وإن أمكن ، فإن لم يتوقّف فعله تعالى على مرجّح استغنى الجائز عن المرجّح.

وإن توقّف كان الفعل معه موجبا ، فيكون اضطراريا(٢) .

وسيأتي للكلام تتمّة عند القول في المعارضة الآتية.

* * *

__________________

(١) انظر : الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٢٣.

(٢) تجريد الاعتقاد : ١٩٢ و ١٩٩.

٢٩٤

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ (١) :

ونقول في الثاني : إنّ ما علمه تعالى إن وجب ولزم بسبب هذا الوجوب خروج القادر منّا عن قدرته وإدخاله في الموجب ، لزم في حقّ الله تعالى ذلك بعينه ، وإن لم يقتض سقط الاستدلال.

فقد ظهر من هذا أنّ هذين الدليلين آتيان في حقّ الله تعالى ، وهما إن صحّا لزم خروج الواجب عن كونه قادرا ، ويكون موجبا.

وهذا هو الكفر الصريح ، إذ الفارق بين الإسلام والفلسفة هو هذه المسألة.

والحاصل : إنّ هؤلاء إن اعترفوا بصحّة هذين الدليلين لزمهم الكفر ، وإن اعترفوا ببطلانهما سقط احتجاجهم بهما.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٤.

٢٩٥

وقال الفضل (١) :

قد عرفت في كلام شارح « المواقف » أنّه ذكر هذا النقض ، وليس هو من خواصّه حتّى يتبختر به ويأخذ في الإرعاد والإبراق والطامّات.

والجواب :

أمّا عمّا يرد على الدليل الأوّل فهو : إنّ فعل الباري محتاج إلى مرجّح قديم يتعلّق في الأزل بالفعل الحادث في وقت معين.

وذلك المرجّح القديم لا يحتاج إلى مرجّح آخر ، فيكون الله تعالى مستقلّا في الفعل.

ولو قال قائل : إذا وجب الفعل مع ذلك المرجّح القديم كان موجبا لا مختارا.

قلنا : إنّ الوجوب المترتّب على الاختيار لا ينافيه بل يحقّقه.

فإن قلت : نحن نقول : اختيار العبد أيضا يوجب فعله ، وهذا الوجوب المترتّب على الاختيار لا ينافي كونه قادرا مختارا.

قلت : لا شكّ أنّ اختياره حادث ، وليس صادرا عنه باختياره ، وإلّا نقلنا الكلام إلى ذلك الاختيار ، وتسلسل ، بل عن غيره ، فلا يكون مستقلّا في فعله باختياره ، بخلاف إرادة الباري ، فإنّها مستندة إلى ذاته ، فوجوب الفعل بها لا ينافي استقلاله في القدرة عليه(٢) .

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١١٧.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٥١.

٢٩٦

وأمّا عمّا يرد على الدليل الثاني فهو : إنّ علم الله تعالى في ذاته مقارن لصفة القدرة والإرادة ، فإذا علم الشيء وتعلّق به علمه ، تعلّق به الإرادة والقدرة وخلق الموجودات.

وكلّ واحد من الصفات الثلاث يتعلّق بمتعلّقه من الأشياء ، وعلى كلّ ما تقتضيه ، فمقتضى العلم التعلّق من حيث الانكشاف ، ومقتضى الإرادة الترجيح ، ومقتضى القدرة صحّة وقوع الفعل والترك فلا يلزم الوجوب ؛ لأنّ صفة العلم لا تصادم صفة القدرة ، لأنّهما قديمتان حاصلتان معا ، بخلاف القدرة الحادثة ، فإنّ العلم القديم يصادمه ، ومقتضى العلم القديم يسلب عنه القدرة ، وهذا جائز في الصفات الحادثة بخلاف الصفات القديمة ، فليس ثمّة إيجاب.

تأمّل ، فإنّ هذا الجواب دقيق ، وبالتأمّل فيه حقيق.

وأمّا ما ذكره من لزوم الكفر ، فمن باب طامّاته وترّهاته ، وهذه مسائل علمية عملية يباحث الناس فيها ، فهو من ضعف رأيه وكثرة تعصّبه ينزله على الكفر والتفسيق ، نعوذ بالله من جهل ذلك الفسّيق.

* * *

٢٩٧

وأقول :

قد بيّنّا أنّ تصنيف المصنّف لهذا الكتاب قبل تصنيف « شرح المواقف » بنحو مائة سنة ، فلا ينافي كون هذا النقض من خواصّ المصنّف ، بل صنّف المصنّف هذا الكتاب سنة سبع بعد السبعمائة أو بعدها بقليل(١) ، والقاضي العضد حينئذ صبي ؛ لأنّه ولد بعد السبعمائة(٢) ، فيكون هذا الكتاب أسبق من « المواقف » فضلا عن شرحها بكثير.

وأمّا التبختر ، فالمصنّف أجلّ منه قدرا ، وإن حقّ له ؛ لأنّه أكثر الناس علما وتصنيفا.

ولا يبعد أنّه صنّف هذا الكتاب بنحو عشرة أيّام ، بحسب ما ذكر العلماء من كثرة تصانيفه وسرعته في تأليفها ، أجزل الله رحمته عليه وضاعف أجره.

وأمّا الإرعاد ، فلا يتوقّف على كون ذلك من خواصّه ، وإن كان قريبا ، بل يكفي فيه أن يكون من إفادات شيخه نصير الملّة والدين ، أو غيره من أصحابنا.

وأمّا ما أجاب به الخصم عن معارضة الدليل الأوّل

ففيه أوّلا : إنّ دعوى عدم صدور اختيار العبد منه بل من الله تعالى باطلة ؛ لما سبق تحقيقه(٣) من أنّ بعض آثار قدرة العبد صادرة عنه

__________________

(١) راجع ما مرّ آنفا في الصفحة ٢٨٨.

(٢) انظر : الدرر الكامنة ٢ / ١٩٦ رقم ٢٢٧٩ ، معجم المؤلّفين ٢ / ٧٦ رقم ٦٧٥٦.

(٣) تقدّم في الصفحة ١٢١ ـ ١٢٢ من هذا الجزء.

٢٩٨

بلا سبق إرادة ، كأكثر أفعال القوى الباطنة ، ومنها : الإرادة ، وبعض أفعال القوى الظاهرة ، كفعل الغافل والنائم ، فلا يتوقّف صدور الإرادة عن العبد بقدرته على إرادة أخرى حتّى يلزم التسلسل.

وثانيا : إنّ كون إرادة الله سبحانه مستندة إلى ذاته لا ينفي الجبر عن فعله على مذهبهم ؛ لأنّها من صفاته ، وصفاته بزعمهم صادرة عنه بالإيجاب ، فيكون فعله المترتّب عليها صادرا عنه بالإيجاب والجبر لا بالقدرة ، كما أشار إليه شارح « المواقف » بعد بيان ما ذكره الخصم في جواب معارضة الدليل الأوّل ، قال :

« لكن يتّجه أن يقال : استناد إرادته القديمة إلى ذاته بطريق الإيجاب دون القدرة ، فإذا وجب الفعل بما ليس اختياريا له ، تطرّق إليه شائبة الإيجاب »(١) .

وقد ترك الخصم ذكر هذا مع أنّ كلامه مأخوذ من « شرح المواقف » بعين لفظه ليروّج منه الباطل! فالله حسيبه.

وأمّا ما أجاب به عن معارضة الدليل الثاني

ففيه : مع أنّ مجرّد القدم لا يرفع دعوى التصادم لو صحّت ، أنّ الذي أوجب عندهم الجبر هو أنّ ما علم الله تعالى وجوده واجب ، وما علم عدمه ممتنع ، وإلّا لزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، وهذا جار في أفعال الله تعالى وأفعال العبد بلا فرق ، ولا دخل لحديث التصادم في رفعه أصلا.

هذا كلّه إذا قلنا بقدم إرادة الله تعالى المخالفة للعلم بالمصلحة كما يدّعيه الأشاعرة

__________________

(١) شرح الواقف ٨ / ١٥١.

٢٩٩

وأمّا إذا قلنا بحدوثها كما اختاره جماعة(١) ، ودلّ عليه كثير من الآيات ، كقوله تعالى :( إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ) (٢) وقوله تعالى :

( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٣) ونحوهما ، فإنّه حينئذ لا يبقى محلّ لجواب المعارضتين معا كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكره من أنّ لزوم الكفر من باب طامّاته

ففيه : إنّه كيف لا يلزمهم الكفر وهي ـ كما قال الخصم ـ مسائل علمية عملية ، فإنّهم إذا التزموا بصحّة الدليلين ، وعملوا واعتقدوا بمقتضاهما ، كان الله تعالى عندهم موجبا لا قادرا مختارا ، وهو عين الكفر ، نعوذ بالله.

* * *

__________________

(١) انظر : المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٦ ق ٢ / ١٣٧ و ١٤٠ ، شرح الأصول الخمسة : ٤٤٠ ، الكشف عن مناهج الأدلّة ـ لابن رشد ـ : ٤٧.

(٢) سورة الإسراء ١٧ : ١٦.

(٣) سورة يس ٣٦ : ٨٢.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628