المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط6%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87336 / تحميل: 8219
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

دمعة ولاء حمراء على المحسن حبيب الزهراءعليها‌السلام

( للمحسن السقط ) حقٌ لو توفّيه

( فالمحسن السبط ) مظلوم لتبكيه

ميلاده كان رزءاً حين نذكره

للمصطفى جدّهِ حقاً نعزّيه

فابن البتولة لا ذكرى تقامُ له

ورزؤه رزؤها مذ أُثكلت فيه

مولى هو الفذ في الدنيا بأجمعها

فلا شبيه له فيها يوازيه

في أشهر الحمل ستاً نيّفت فعلت

على السنين جهاداً حيث ترويه

من يومه بان وجه الزيف في صُحفٍ

تُملى وتُتلى كما يرويه راويه

لولا رزيّته في يوم هجمتهم

لم يعرف الناس مولى من أعاديه

*.* * *

إيهاً بني لُحمة التاريخ نوّلها

نيل الولاة وأيديكم تسدّيه

ماذا جرى رحلة المختار مبدؤها

أين انتهت ؟ آخر الأنباء تحكيه

فقلتمُ غاب صحبٌ عن جنازته

فأين راحوا ؟ ولم غابوا ؟ لنرويه

تصاهلت زمرُ الأطماع في زجل

لخدمة الحكم تشويهاً بتمويه

وكان للأصفر الرنّان رنّته

عجينة الفكر مطبوعاً بتشويه

فربّما حَدَثٌ قد جاء مبتراً

لموقف الحق عن عمدٍ ليطويه

قالوا بنو قيلة ضمّت سقيفتهم

عناصر الشر إذ سعداً تناحيه

فأسرع النفر الثالوث مقتنصاً

طيرَ الشواهين ما اصطادت لتلقيه

٥٦١

وقد جرى ما جرى والكلّ يعلمه

علم اليقين بلا زيف وترويه

إنّ الأولى أسرعوا عافوا نبيّهمُ

لم يحضروا الغسل لا دفناً يواريه

من ذا تولّى ؟ لذا قالت روايتكم

ما كان غير أبي السبطين يكفيه

قلتم عليٌ وأهلوه به اضطلعوا

نفسي فداء عليٍ ثم أهليه

ما بارحوا حجرة طابت معالمُها

وطاب تربٌ أجنّ المصطفى فيه

وخيّم الحزنُ في الأجواء جلّله

خوف الغزاة لبيت مَن يحاميه ؟

إذ أضمروا الحقد في غلواء أنفسهم

أنّى عليٌّ له المختار يعليه

منذ الغدير فقد جاشت مراجلهم

واستضعفوا حيدراً مذ غاب حاميه

شاهت وجوههم رغماً معاطسهم

لولا الوصية مَن يقوى يدانيه

* * * *

يا ( محسن السقط ) في الدنيا ونرثيه

أنت ( المحسَّن ) في الأخرى نرجّيه

حدّث فديتك مظلوماً أفدّيه

سِفر الشهادة بدءاً أنت ترويه

يا ثالثاً شرف الأسباط سابقها

سبق الشهادة جلّى في معاليه

يا أولاً لضحايا العُنف أسّسه

حكمُ الأولى لم تزل تترى تواليه

يا منية العمر عند الأم ترقبه

كيما تهدهده مهداً تناغيه

فصرت أول مظلوم قضيت وقد

نلت الشهادة حملاً شُلّ جانيه

حدث فديتك بعض النثّ تبديه

ليكشف الزيف ما التاريخ يطويه

ماذا لقيت من الأصحاب حين أتوا

صحابةٌ ظلمت جَداً ذراريه

جاءت لبيتكمُ تغلي مراجلُها

وألقت الجزلَ عند الباب توريه

خابت ظنون بني الأحقاد إذ حسبت

بجمرة الحقدِ نور الله تطفيه

وجاوزوا الحدّ ضرب الطهر سوط جفا

وعصرَها لَمصابٌ أنت تدريه

فأسقطتك على الترباء من وَجَلٍ

بزحم قنفذ يا ويلي مَواليه

يابن البتولة والجلى تؤرّقها

قد هدّ حملُك من صبرٍ رواسيه

٥٦٢

عمرٌ من الحمل ماتمت كواملُه

فأسقطته لدى الأعتاب تلقيه

كانت تؤمّل أن يبقى ليؤنسها

في وحشة الليل إذ يبكي تناغيه

كانت ترجّى بك الزهراء مؤنسها

فخاب ظنٌ وكان الحزنُ تاليه

* * * *

يا ثاوياً جَدَثاً ضاعت معالمه

في تربة البيت ربّ البيت يدريه

إن ضاع قبرك في الأجداث إنّ له

من قلب كل وليّ مشهداً فيه

واسيت أمَك فيما قد ألمّ بها

حتى بقبرك إذ تخفى مغانيه

روحي فداك فأين القبر ضمكما

بيتٌ فقدّس ربّ العرش ثاويه

نفتّ أكبادنا حزناً ليومكمُ

ماقيمة الدمع طوفاناً ونذريه

تلكم قلوبٌ تلظّت في محبتكم

تُجنّ حبّكمُ طوراً وتبديه

* * * *

يا سيدي وعزائي اليوم منصرفٌ

للخمسة الصيد إذ كلاً نعزّيه

للمصطفى جدكم نزجي العزاء أسىً

والمرتضى أبداً في الفضل تاليه

نفس النبي بآيٍ أنزلت فيه

من ذا يقاس به فضلاً يوازيه

وأنزل الوحيُ هاروناً له شبهاً

سماكمُ باسم ابناه لما فيه

فشابه الغدر وصفاً في صحابته

قوم ابن عمران إذ خانوه

ثمّ العزاء لطهر كنت تؤنسها

في التيه حملاً خفيفاً وجلّ الخطبُ ما فيه

بعدُ العزاء لسبطي أحمد فهما

كانا الشقيقين في اسم وتشبيه

* * * *

يا سادتي وحديث السقط ترويه

مصادرٌ لجلجت عمداً بتمويه

كم حاول القومُ إنكاراً لمحسننا

تخال غاشية الأضواء تخفيه

تسهّموه بأقوال لهم نُجمت

عن سرّ فعل لأشياخ الجفا فيه

فأنكروا ذكره طوراً برمّته

ودمدموا مثل مخبولٍ ومعتوه

وقال قومٌ فذا قدمات في صِغرٍ

أنّى ؟ وكيف ؟ بذا ضاعت معانيه

٥٦٣

وقارب الحقَ من أبدى حقيقته

فذاك سقط له الزهراء تلقيه

وأمطروا ساحة التاريخ كذبهمُ

غطّى النجودَ فغطّى الكذبُ واديه

وباع للحاكم النوكى ضمائرهم

فقدّسوا ذكره الجاني بتنزيه

فأهملوا ما جرى ستراً لشُنعته

إذ أنكروا ما إله الخلق مبديه

وضيّعت محسناً بغضاً لوالده

وجاوزت حقدها حتى تعاديه

وهكذا جاء تاريخ صحائفُه

تتلى وتكتب في أقلام ممليه

فاستنطقوا (المحسن) المظلوم كيف قضى ؟

من ذا الذي باء وزراً من أعاديه ؟

سلوا ( المحسّن ) عما دار في فلك

بعد السقوط فمن قد كان جانيه ؟

لا تأمنوا حَدَث التاريخ تكتبه

زعانفُ الحكم توحيه وتمليه

واستنبطوا النص كشفاً عن دلالته

وأعملوا الفكر في شتى نواحيه

لا تخدعوا بحديث شاده سندٌ

فربّ آفة إسنادٍ لراويه

* * * *

يا ( محسن السبط ) ما زالت ظلامتكم

في ( محسن السقط ) عنواناً وتبديه

كم محسن من بني الزهراء أسقطه

حقدُ العداة له التاريخ يخفيه

فابن البتولة قدماً مرّ مسقطهُ

وقد أصات نعاء الاُم تبكيه

( تقول يا والدي ضاق الخناق بنا

لما مضيت ) وباقي البيت ترويه

وابن الحسين سميٌّ كان مسقطه

مثل السميّ شبيهٌ في مآسيه

فأمه سُبيت في أسر طاغيةٍ

إلى الشئام لدى الشهباء تلقيه

لكنّ هذا وإن عزّت مصيبته

ما زال مشهده الإملاك تحميه

يزوره الناس إيماناً ببقعته

بالغرب من حَلَبٍ بالشوق تأتيه

لكنما عمّه ضاعت معالمه

فضوّع المسكَ في أخبار راويه

فاستنشق العطر من ريّا معطّره

وأمطرت لؤلواً حرّى مآقيه

٥٦٤

يا ( محسنَين ) فعذراً إنّني كلف

مستنطق زبر التاريخ ما فيه

هل كان حقاً لنا التاريخ يرويه

كلاكما كان سقطاً من أعاديه ؟

فربما انبثقت عفواً روايته

عن وجه حق فذاك الحق يحميه

وتلك فلتة إنسان يسجلها

في صحوة من ضمير فيه ما فيه

قالوا بأنّ البتول الطهر لطمتها

أصابت القُرط فانداحت لئاليه

قالوا لنا حيدرٌ قد قيد مضطهداً

قسراً بحبل وتاج الرأس يلويه

وقد رووا صرخة السبطين يشفعها

رنين فاطمة الزهراء تبكيه

فكل هذا جرى والخصم يرويه

ويبتغي سفهاً منّا نواليه

ونحن حجتنا قول النبي لهم

والوا علياً وعادوا من يعاديه

* * * *

يا سيدي وختام الشعر معتذراً

أتيت أنفث وجدي في قوافيه

من طيب شهد علاك استاف عنبره

فاقبل فديتك مشتاراً فتوفيه

فأنت أول من يشكو لخالقه

من زحم قنفذ في الأخرى يشكّيه

لن يذهبن دمكم طلاًّ بلا ترةٍ

فسوف يأتي الذي دوماً نرجّيه

فاشفع فديتك في عبد يحبكمُ

ويرتجي زلفةً ترقى مراقيه

ويحسن الله في الأخرى مثوبته

ويبدل الله بالحسنى مساويه

* * * *

٨ / جمادى الثاني / ١٤٢٥ ه‍ ٩٤ بيتاً

٥٦٥

تاريخ وضع ( اللمسات الأخيرة ) على كتاب ( المحسن )

تفضل به السيد الجليل العلاّمة السيد عبد الستار الحسني أحسن الله جزاه ، وله منّي جزيل الشكر ووافر الدعاء :

مَهْدِيُّ آلِ مُحَمَّدٍ آثارُهُ

لِذَوَي الهُدى وَالْعِلْم ِ قُرَّةُ أَعْيُنِ

( صُحُفٌ مُطَهَّرَةٌ ) حَوَتْ فِي طَيِّها

آياً لِمُلْتَمِسِ الصِّراطِ الْبَيِّنِ

رَشَحاتُ مِرْقَمِهِ نَطَقْنَ شَواهِداً

بَ‍ ( الأَوْحَدِيَّةِ ) فِيَ رقِيْمِ الأَزْمُنِ

عَلَمُ الشَّرِيْعَةِ مِقْوَلُ الحَقِّ الّذي

بِيَمِيْنِهِ صَرْحُ المَعارِفِ قَدْ بُنِيْ

إِنْ كُنْتُ أَدَّخِرُ الْولاءِ لِمِثْلهِ

وَأَرى مَوَدَّتَهُ شِعارَ تَدَيُّني

فَمَوَدَّةُ ( الأَشرافِ ) غايَةُ مَأْرَبي

أَبَداً ، وَحُبُّ بَني النُّبُوَّةِ دَيْدَني

وولائيَ ( المَهْدِيَّ ) ضَرْبَةُ لازَبٍ

كَولاءِ عِترَةِ أَحْمَدَ المُتَعَيّنِ

فَإلَيْهِمُ ضَرَبَتْ بِهِ أَعْراقُهُ

فَهُوَ الهِجانُ المَحْضُ غَيْرُ مُهَجَّنِ

للهِ مِنْ خَوّاضِ عِلْمٍ ليس يَسْ‍

‍أَمُ في تَتَبُّعِهِ الحَثِيْثِ وَلا يَنيْ

وَالْيَوْمَ وافانا بأَكْرَم ِ تُحْفَةٍ

مِنْ رَوْضِهِ المُزْدانِ بالثَّمَر الجَنيْ

عَنْ ( مُحْسِنٍ ) نَجْلِ الْبَتُولِ أَفاضَ فِي

أَبْحاثِهِ بِعَزِيْمَةٍ لا تَنْثَنِيْ

وَأَقامَ فِي الْتَحقِيقِ غُرَّ شَواهِدٍ

تَشْدُو بِتَقْرِيْظٍ لِمَنْهَجِهِ السَّنِيْ

هُوَ إِنْ نَطَقْتَ (مُحَسِّنٌ) أَوْ ( مُحْسِنٌ )

فَكِلاهُمَا نُقِلا بِضَبْطٍ مُتْقَنِ

لكنّما ( التخفيفُ ) شاعَ وَلَمْ يَكُنْ

يَوْمَاً لِيُنْكِرَهُ فِصاحُ الأَلْسُنِ

( سَُِقطٌ )(١) بِهِ زادَتْ ظُلامَةُ أُمِّهِ

عُظْماً ، وَكُدِّرَ بَعْدَهُ الْعَيْشُ الهَنِيْ

وَبِمُقْتَضى ( الإلْزامِ ) جاءَ حَدِيْثُهُ

( مُتَشَيِّعٌ ) يَرْوِيْهِ عَنْ ( مُتَسَنِّنِ )

* * * *

__________________

(١) وَضَعْتُ الحركاتَ الثَّلاثَ على كلمة ( سَُِقط ) لأنَّهُ مُثَلَّثُ الْسِّيْنِ.

٥٦٦

أَعْظِمْ بِهِ سِفْراً سَما بِحَقائِقٍ

مِنْ قَبْلِهِ لِذَوِي النُّهى لَمْ تُعْلَنِ

رَقَمَتْ صَحائِفَهُ يَراعَةُ عَيْلَمٍ

فَأَتى كَعِقْدٍ بالنُّضارِ مُزَيَّنِ

( فَنُّ الحِجاج ) بِما حَوى اقْتَعَدَ الذّرى

بِحَصِيْفِ فِكْرِ الْنَّيْقَدِ ( المُتَفَنِّنِ )

أَوْفى على ( الأَسْفارِ ) في إسْفارِهِ

إِذْ لاحَ شَمْسَ هِدايَةٍ لِلْمُوقِنِ

وَبِ‍ (باءِ) (بِسْمِ اللهِ ...) أَرَّخْناهُ : « قَدْ

أَحْيى(١) لَنا المَهْدِيُ ذِكْرى المُحْسِنِ »

١٠٤

٢٩

٨١

٩٠

٩٣٠

١٨٩

               

وكنت قد قلتُ بعد قولي : ( أوفي أعلى الأسفار ) سنة ١٤٢٥ ه‍ :

ومُذِ ازْدَهَتْ للناظرين فصولُهُ

وَتَدَفَّقَتْ بعطائها الثّرِّ الْغني

بأئمة الثَقَلَين أرّخْناهُ : قد

أَحْيى لنا المهديُّ ذِكْرَ المُحْسِنِ

١٢

١٠٤

٢٩

٨١

٩٠

٩٢٠

١٨٩

                 

وأنتم تختارون ما يقع عليه الإختيار.

__________________

(١) أحيى يحيي مثل ألقى يُلقي ألِفُهُ منقلبة عن ( ياء ) فتكتب ألِفُهُ الأخيرةُ على صورةِ الياء وإن شاع على اسلات الأقلام كتابته بالألف ( أحيا ).

٥٦٧

المللحق الأول

٥٦٨
٥٦٩

الملحق الأول :

حول نسبة كتابة ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة :

إنّ نسبة أيّ كتاب كان إلى مؤلف مخصوص لا تأتي اعتباطاً ، وشهرة النسبة تستبعد كثيراً من الاحتمالات المشككة ، وإذا كانت هناك مؤشرات ثبوتية يقوي بعضها بعضاً ، تحصل القناعة لدى من يرى صحة النسبة.

أمّا الذين تستحكم في نفوسهم شبهة عدم النسبة فلهم رأيهم ، والناس أحرار في آرائهم ، ولما كان كتاب ( الإمامة والسياسة ) لابن قتيبة من تلك الكتب التي حامت حوله الشبهة في صحة النسبة إلى ابن قتيبة ، وشكك غير واحد في صحة ذلك ، وأبدوا ملاحظات تمسكوا بها ، وبعضها لا يخلو من مناقشة كما سيأتي بيان ذلك.

وأول من أعلن تشكيكه ، بل نفى النسبة هو ( غاينفوس المجريطي ) ذكر ذلك في صدر كتابه عن الأندلس في سنة ( ١٨٨١ م ) ثم تبعه دوزي وآخرون(١) .

وساقوا أدلّة على ما يقولون ، نلخصها في النقاط العشر التالية :

١ ـ لم يذكره أحد ممن ترجم لابن قتيبة انّه له.

٢ ـ ذكر في الكتاب فتح الأندلس نقلاً عمن شاهد ذلك ، وكان الفتح في سنة / ٩٢ قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة.

٣ ـ ورد في الكتاب خبر يوهم بأن أبا العباس والسفاح شخصيتان متغايرتان ، كما ورد فيه : ان للمهدي ولد اسمه عبد الله ، وانّه هو الذي سمّه.

__________________

(١) شاكر مصطفى في كتابه التاريخ العربي والمؤرخون ١ : ٢٤١.

٥٧٠

٤ ـ في الكتاب مزيد عناية بأخبار الأندلس ، لم يكن لابن قتيبة ولا لغيره من معاصريه في العراق سبيل إلى معرفتها.

٥ ـ لم يرد ذكر أحد من شيوخ ابن قتيبة الذي يروي عنهم عادة في كتبه.

٦ ـ المؤلف مالكي الهوى والمذهب ، بينما كان ابن قتيبة حنفياً.

٧ ـ يظهر من المؤلّف انّه كان مقيماً بدمشق ، وابن قتيبة لم ير هذه المدينة.

٨ ـ في الكتاب رواية عن أبي يعلى محمد بن عبد الرحمن الأنصاري المتوفى سنة ١٤٦ ه‍ قبل ولادة ابن قتيبة بخمس وستين سنة.

٩ ـ ورد في الكتاب ذكر ( مراكش ) وفتح موسى بن نصير لها ، وهي بناها يوسف بن تاشفين سنة / ٤٥٤ ه‍.

١٠ ـ وأخيراً مغايرة أسلوب الكتاب لمألوف أسلوب ابن قتيبة.

هذه هي الشبهات التي ساقها المشككون ، وبالأحرى النافون نسبة الكتاب لابن قتيبة ، وقد ذكرها الدكتور شاكر مصطفى في كتابه ( التاريخ العربي والمؤرخون )(١) ، وأخذ بعضها الدكتور ثروت عكاشة في مقدمة كتاب ( المعارف ) لابن قتيبة حيث تولى كبر تحقيقه ، وستأتي بعض الملاحظات على تحقيقه لذلك الكتاب ( مقدمة ومتناً وفهرسة ) في الملحق الثاني ، وسيطلع القارئ على نماذج تثبت عن أنّ الرجل لم يكن فارس ميدانه ، بل كان راجلاً ومتعثراً في خطاه.

ونعود إلى النقاط التي ذكرت حول نفي النسبة ، فإنّ بعضها لا يخلو من مناقشة. فمثلاً ما ذكر أولاً من عدم ذكر مترجمي ابن قتيبة لهذا الكتاب بانّه له ، فكم له من نظير ، ولا عجب بعد أن نقرأ ما قاله النووي ( ت ٦٧٦ ه‍ ) في تهذيب الأسماء واللغات(٢) عند ذكره :

__________________

(١) التاريخ العربي والمؤرخون ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٢) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢٨١.

٥٧١

( القتُبي ـ مذكور في المهذب والوسيط(١) في كتاب الوقف ، ثم في أول كتاب العدد من المهذب ـ بضم القاف وفتح التاء بعدها موحدة ـ وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، الكاتب اللغوي الفاضل في علوم كثيرة ، سكن بغداد وله مصنفات كثيرة جداً ، رأيت فهرستها ، ونسيت عددها ، أظنها تزيد على ستين مصنفاً في أنواع العلوم ).

فإذا كان مثل النووي في إحاطته بترجمة ابن قتيبة يقول هذا ، وهو أقرب زماناً ومكاناً إلى ابن قتيبة من المستشرق ( غاينفوس المجريطي ) فالأولى بنا أن نصدّقه في ذكره كثرة مصنفات ابن قتيبة في علوم شتى ، وأحرى بنا أيضاً أن نصدّقه في رؤيته فهرست تلك المصنّفات حتى ظن انّها تزيد على ستين مصنفاً ، ولا نأسف على نسيانه حقيقة العدد ، كما نأسف على عدم ذكره جميع ما بقي على ذُكر من اسمه ، لكنه ذكر ما رآه فقط فقال :

( فمن كتبه التي رأيتها غريب القرآن ، ومشكل القرآن ، وغريب الحديث ، ومختلف الحديث ، وأدب الكاتب ، والمعارف ، وعيون الأخبار ).

وهذا الذي رآه لا يدل على عدم صحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) لعدم ذكره ، فالرجل ذكر ما رآه من كتبه وهي سبعة ، وأما ما لم يره فلم يذكره ، وليكن كتاب ( الإمامة والسياسة ) من ذلك الكم الكثير الذي لم يره.

وهذا النسيان الذي اعتذر به محتمل عند غيره من قدامى مترجمي ابن قتيبة إذا أحسنّا الظن بهم ، فلم يذكروا كتاب ( الإمامة والسياسة ) ، و لم يكن إهمالهم لذكره عن سوء نيّة وخبث طوية ، لأنّ في الكتاب ما لا يعجبهم ذكره من أحداث وقعت في صدر الإسلام ، فهذا ابن خلدون ( ت ٨٠٨ ه‍ ) غمز من قناة ابن قتيبة على

__________________

(١) من كتب الفقه الشافعي.

٥٧٢

استخذاء في تاريخه(١) ، وقد ذكر وقعة الجمل وختم بقوله :

( هذا أمر الجمل ملخص من كتاب أبي جعفر الطبري ، اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين ).

وهذا كما هو تعريض صريح بابن قتيبة ، فهو تلويح إلى كتاب ( الإمامة والسياسة ) ، إذ لم يرد عند ابن قتيبة في بقية كتبه ما يثير حفيظة ابن خلدون وأضرابه كما ورد في كتاب ( الإمامة والسياسة ).

ولئن تحاشى ابن خلدون التصريح باسمه وحشره مجملاً مهملاً في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين ، فإنّ ابن العربي المالكي ( ت ٥٤٣ ه‍ ) تحامل صريحاً فذكر ابن قتيبة ووصفه بالجاهل العاقل (؟) فقال في كتابه ( العواصم من القواصم )(٢) :

( ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل ، أو مبتدع محتال ، فأمّا الجاهل فهو ابن قتيبة ، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب ( الإمامة والسياسة ) إن صح جميع ما فيه ) ونحن حسبنا تصريحه بصحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة ، فلنا شهادته بصحة النسبة ، وله رأيه في جميع ما فيه.

وكذلك كان ابن حجر الهيتمي في كتابه تطهير الجنان واللسان(٣) ، فقد نعى على ابن قتيبة ذكر ما شجر بين الصحابة فقال :

( وقد علمت مما قدّمته في معنى الإمساك عن ذلك ، أنّ عدم الإمساك امّا أن يكون واجباً لا سيما مع ولوع العوام به ، ومع تآليف صدرت من بعض المحدّثين كابن قتيبة مع جلالته القاضية بانّه كان ينبغي له أن لا يذكر تلك الظواهر ، فإن أبى إلاّ ذكرها فليبيّن جريانها على قواعد أهل السنّة ، حتى لا يتمسك مبتدع أو جاهل بها ).

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٢ : ١٠٩٠.

(٢) العواصم من القواصم : ٢٤٨.

(٣) تطهير الجنان واللسان : ٤٣.

٥٧٣

وقد علّق محقق الكتاب على ذلك بقوله في هامش صفحة / ٤٤ ، فذكر قول ابن العربي في العواصم ـ وقد مر نقله ـ ثم قال : وكالمبرّد في كتابه الأدبي ، وأينَ عَقلُهُ من عقل ثعلب الإمام المتقدم في أماليه ، فانّه ساقها بطريقة أدبية سالمة من الطعن على أفاضل الأمة ، وأما المبتدع فالمسعودي فإنّه يأتي منه متاخمة الالحاد فيما روى من ذلك ، إمّا البدعة فلا شك فيه ، هذا وقد ذكر العلماء ان الإمامة والسياسة ليست لابن قتيبة ، لأنّه يروي فيه عن عالمين كبيرين في مصر ولم يدخلها ولم يأخذ عنهما ، والمعروف عن المبرّد ينزع إلى رأي الخوارج ، وأمّا المسعودي فهو من كبار الشيعة وله في نحلتهم مؤلفات.

أقول : ليت المحقق صرح لنا بأسماء العلماء الذين ذكروا انّ الإمامة والسياسة ليس لابن قتيبة ، لننظر في مدى صحة آرائهم وحججهم ، لكنه هو الآخر فيما يبدو لي تأثر بتشكيك المستشرقين ، وستأتي مناقشتهم فيما ذكروه حول الكتاب.

وقد كان الأولى به أن ينهج نهج العلاّمة الشيخ محمد زاهد الكوثري في انصاف ابن قتيبة ، حيث قال في مقدمة كتاب ( الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبّهة ) لابن قتيبة(١) ، وهو يذكر أهمية الكتاب للمتأدب والمتكلم والمفيد فقال : ( وأمّا المتكلم الذي يرى ابن قتيبة هجّاءً ولوجاً فيما لا يحسنه ، كرّاميّاً مشبّهاً غير متثبت في نقل ما شجر بين الصحابة ، منحرفاً عن أهل بيت النبوة( رضي الله عنهم ) ، نظر إلى كتاب الإمامة والسياسة المعزوّ إليه من قديم الدهر إلى غير ذلك مما هو مثبوت في كتب خاصة يلفيه قد رجع إلى الصواب في كثير من تلك المسائل ، ولطّف لهجته في جملة منها ).

__________________

(١) مقدمة الكتاب.

٥٧٤

ولم يكن الشيخ الكوثري الوحيد في تقويمه الصحيح ، ونقده الهادئ ، وإلى القارئ جملة من أقوال آخرين من الكتّاب المحدثين لم يبتعدوا كثيراً عن نهج الكوثري.

١ ـ قال عبد الكريم الخطيب في كتابه ( علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة )(١) : اهتم ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) اهتماماً خاصاً بالفتنة التي كانت في أخريات خلافة عثمان ، ثم ما تلاها في خلافة علي ، وما وقع من حروب كوقعة الجمل وصفين والنهروان وغيرها ، وهو ينقل كثيراً ممن سبقوه كابن إسحاق وابن سعد وغيرهما.

وقد أورد معظم أخباره غير مسندة ، مخالفاً بذلك السَنن الذي كان متبعاً عند رواة السير والأخبار ممن سبقوه أو عاصروه ، إذ غلب عليهم المنهج الذي كانوا يتبعونه في رواية الأحاديث النبوية ، وكان كثير منهم محدّثاً قبل أن يكون مؤرخاً.

واكتفى ابن قتيبة بأن يصدّر أخباره بنسبتها تلك النسبة المجهّلة العامة ، فيقول : ذكروا ، أو قالوا ، أو حدّثوا ، أو رووا ، ولعلّه لم يكن ذلك من ابن قتيبة عن رغبة في الاختصار ، بقدر ما هو شعور بأنّ هذه الأخبار التي تروي أحداث هذه الفترة ، ليست على الصحة والسلامة التي يُطمأن إليها ويوثق بها وإذن فليس ثمة داعية لربطها هذا الربط المحكم ، وشدّها ذلك الشدّ الوثيق بسلسلة موصولة الحلقات بأهل الثقة من الصحابة والتابعين وغيرهم ، وانّه لأقرب إلى طبيعتها والأشبه بحالها أن ترسل هكذا إرسال ، لا تحمل على أحد ، ولا تضاف إلى أحد ، وبهذا يمكن أن يسوّى حسابها ، ونقدّر قيمتها ، في ذاتها ولذاتها دون نظر إلى شيء آخر وراء ما يحمل جوهرها من صدق أو كذب.

__________________

(١) علي بن أبي طالب بقية النبوة : ٤١.

٥٧٥

٢ ـ الدكتور طه محمد الزيني الاستاذ بالأزهر ، فقد تولّى تحقيق كتاب ( الإمامة والسياسة ) ونشرت الكتاب مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع ، ونأى عن الخوض في مسألة صحة نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة أو عدمه ، بل قال في مقدمته : ( وبعد فإنّ «كتاب الإمامة والسياسة » للعالم الفاضل المؤرخ العظيم عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري من أشهر الكتب تداولاً بين قراء العربية ) فهذا المحقق يبدو جازماً بصحة النسبة.

٣ ـ وأمّا علي شيري فهو أيضاً حقق الكتاب ، وطبعته دار الأضواء في بيروت ، غير انّه ذكر في مقدمته ما اُثير حول الكتاب من شك في نسبته إلى ابن قتيبة ، فقال في ص ٨ :

« وقد ظهر مؤخراً عدم اتفاق على اسم مؤلّف هذا الكتاب ، بعد ان شكّك كثير من العلماء في نسبته إلى ابن قتيبة ، وحيث انّ بعضهم استبعد انتسابه إليه ، وكان أول من تزعّم التشكيك بنسبته إلى ابن قتيبة المستشرق غاينفوس المجريطي ، ثم تبعه الدكتور دوزي في صدر كتابه تاريخ الأندلس وآدابه ، ويشير د ، بيضون في صدر كتابه المتقدم ( الحجاز والدولة الإسلامية ) وأيضاً السيد أحمد صقر في مقدمته لكتاب تأويل مشكل القرآن المطبوع بالقاهرة سنة ١٩٧٣ م حيث يقول : وقد نسب إلى ابن قتيبة كتاب مشهور شهرة بطلان نسبته إليه ، وهو كتاب الإمامة والسياسة ثم قال علي شيري :

ومهما يكن من أمر فقد بقي كتاب ( الإمامة والسياسة ) محافظاً على قيمته كأحد أبرز المصادر ، بما تضمن من نصوص يكاد ينفرد بها عن غيره ثم قال : ونبقى مترددين باتخاذ موقف حاسم من هذه القضية المطروحة ».

أقول : وعلى خلاف هؤلاء جمهرة من قدماء ومحدثين ، ذهبوا إلى صحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) إلى مؤلّفه ابن قتيبة منهم :

٥٧٦

١ ـ الحجّاج بن يوسف بن محمد البلوي ( ت ٦٠٤ ه‍ ) في كتابه ألف باء(١) قال : ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : أنه لما قدم على الحجاج سعيد بن جبير ، قال له : ما اسمك ؟ قال : أنا سعيد بن جبير ، فقال الحجاج : أنت شقي بن كُسير ، قال سعيد : أمي أعلم باسمي .

٢ ـ القاضي ابن الشباط ( ت ٦٨١ ه‍ ) نقل عنه في كتابه ( حلة السمط وسمة المرط ) في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين ، وهو كتاب في الأدب والتاريخ في أربعة أجزاء كبار(٢) .

٣ ـ تقي الدين الفاسي المكي ( ت ٨٣٢ ه‍ ) في كتابه العقد الثمين في أخبار البلد الأمين(٣) ، وفي كتابه الآخر شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام(٤) .

٤ ـ عمر بن فهد المكي ( ت ٨٨٥ ه‍ ) في كتابه اتحاف الورى بأخبار أم القرى في ذكر وقائع سنة / ٩٣ ، نقل عنه في ذكر كيفية القبض على سعيد بن جبير.

٥ ـ ابن السابق عز الدين عبد العزيز بن عمر بن فهد ( ت ٩٢١ ه‍ ) أخذ عنه في كتابه غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام.

٦ ـ محمد محبوب عالم ، أخذ عنه في تفسيره المعروف بتفسير شاهي.

إلى غير هؤلاء.

وأمّا من المحدثين فهم كثيرون ، منهم :

١ ـ محمد فريد وجدي في كتابه ( دائرة معارف القرن العشرين ) ذكر في ( خلف ) فنقل عن كتاب ( الإمامة والسياسة ) خطبة أبي بكر في السقيفة فقال : نقول :

__________________

(١) كتاب ألف باء : ٤٧٨.

(٢) راجع مقدمة كتاب المعارف : ٥٦ ، لثروت عكاشة. وبشأن ابن الشباط وكتابه راجع معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ١١ : ٥٧.

(٣) العقد الثمين ٧ : ١٩٥.

(٤) شفاء الغرام : ١٧١.

٥٧٧

يرى المتأمل في خطبة أبي بكر أنه لم يشر إلى حديث الخلافة في قريش ، مع أنه كان أمضى سلاح له في ذلك اليوم الصعب ، الأمر الذي يجعلنا نشك في صحته ، وان الكتاب الذي نقل منه هذه الخطبة هو من أقدم الكتب وأوثقها في مسائل الخلافة الإسلامية ، وذكر في(١) ( خلف ) قال : أورد العلاّمة الدينوري في كتابه الإمامة والسياسة(٢) ، وقال : كتاب الإمامة والسياسة لأبي محمد عبد الله بن مسلم الدينوري ( ت ٢٧٠ ه‍ ) ، راجع عنه ما نقله عنه في يزيد ( زيد )(٣) .

٢ ـ جرجي زيدان في كتابه ( تاريخ آداب اللغة العربية )(٤) ، فقال : ( الإمامة والسياسة ) هو تاريخ الخلافة وشروطها بالنظر إلى طلابها من وفاة النبي إلى عهد الأمين والمأمون ، طبع بمصر سنة ١٩٠٠ ، ومنه نسخ خطية في مكتبات باريس ولندن.

٣ ـ الدكتور أحمد شلبي(٥) في كتابه ( التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ) الطبعة الخامسة ، نقل عنه كثيراً وذكره في قائمة مصادره(٦) ، وذكره بين كتابيه عيون الأخبار والمعارف.

٤ ـ الدكتور حسن إبراهيم حسن(٧) في كتابه ( تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والإجتماعي ) نقل عنه ط القاهرة سنة ١٣٢٢ كما في ضمن قائمة المصادر ، وذكر كتابه الآخر كتاب المعارف ط ١٣٥٣ ه‍ ، ١٩٣٤ م.

__________________

(١) دائرة معارف القرن العشرين ٢ : ٣١٢.

(٢) المصدر نفسه ٢ : ٧٤٥.

(٣) المصدر نفسه ٢ : ٧٤٩.

(٤) تاريخ آداب اللغة العربية ٢ : ١٧١.

(٥) دكتوراه في الفلسفة من جامعة كمبرديج , استاذ مساعد في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.

(٦) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ١ : ٣٩٢.

(٧) مدير جامعة محمد علي , واستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة فؤاد الأول ( سابقاً ).

٥٧٨

٥ ـ البحاثة عمر رضا كحالة في كتابه أعلام النساء(١) بهامش ترجمة الزهراءعليها‌السلام .

٦ ـ الدكتور أحمد محمود صبحي(٢) في كتابه ( نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية ) ط دار المعارف بمصر سنة ١٩٦٩ م.

٧ ـ الاستاذ محمود المرداوي في كتابه ( الخلافة بين التنظير والتطبيق ) دراسات في الفقه السياسي.

٨ ـ علي جلال الحسيني في كتابه ( الحسين ) ط السلفية سنة ١٣٤٩ بالقاهرة ، نقل مكرراً(٣) .

٩ ـ أحمد زكي صفوت في كتابه ( جمهرة خطب العرب ) و ( جمهرة رسائل العرب ) كما في قائمة المصادر فيهما.

١٠ ـ الاستاذ حسين محمد يوسف في كتابه ( سيد الشهداء ) وقد تعرض لاكراه الصحابة على بيعة يزيد نقل في ص ٥٠٣ وقال في الهامش : الإمامة والسياسة للإمام أبي عبد الله محمد بن وقد انتقده القاضي أبو بكر بن العربي نقداً مراً.

أقول : فمن يجد أمثال من ذكرنا من شيوخ العلم من المتقدمين ، وأساتذة مرموقين من المحدثين ، جميعاً يؤمنون بصحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة ، كيف يطمئن إلى صحة ما قاله المستشرقون ، على انّ من المحدثين سوى من ذكرت من عدّ الكتاب مطمئناً بصحة نسبته إلى ابن قتيبة ، كالدكتور مصطفى الشكعة في كتابه ( مناهج التأليف عند العلماء العرب ) قسم الأدب ، فقد ذكر في

__________________

(١) أعلام النساء ٤ : ١١٤ ـ ١١٦.

(٢) مدرس الفلسفة بكلية الآداب جامعة الاسكندرية.

(٣) راجع كتاب الحسين ١ : ٧٥ ، ٨٢ ، ١٧٣ ، ٣٠٤ ، و ٢ : ٦ ، ٩٣.

٥٧٩

كتاب الإمامة والسياسة(١) لابن قتيبة في عداد الكتب التي وصلت الينا من مؤلفاته برقم (٧) من قائمة كتبه المذكورة ، وهي ١٤ كتاباً.

وخلّ عنك ما تكرر من طبعاته بمصر وحدها قديماً ، وكتب على بعض الطبعات ما يشعر بالتوثيق ، نحو ما كتب على ظهر طبعة ١٣٢٢ بمطبعة النيل بتصحيح محمد محمود الرافعي.

وعلى ظهر طبعة أخرى بمصر غير مؤرخة باسم تاريخ الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية المعروف بالإمامة والسياسة ، وقفت على طبعه جماعة من أدباء العصر.

وعلى ظهر ثالثة طبعت بمصر سنة ١٣٢٨ بمطبعة الأمة بدرب شغلان جهة الدرب الأحمر بمصر : كتاب الإمامة والسياسة تأليف الإمام الفقيه أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة٢٧٠ ه‍رحمه‌الله .

إلى غير ذلك من طبعاته الأخرى وكلها بمصر ، ولا يتّهم الطابعون والناشرون جميعاً في دينهم إذ يطبعون كتاباً ليس لابن قتيبة باسمه ، مهما افترضنا فيهم مطامع الربح التجاري.

وأمّا ما جاء في النقطة الثانية ، فهو إشارة إلى ما ورد في الإمامة والسياسة(٢) ، قال : وحدثتني مولاة لعبد الله بن موسى ـ وكانت من أهل الصدق والصلاح ـ أنّ موسى حاصر حصنها الذي كانت من أهله .

فتأكيد صاحب الكتاب على توثيق المرأة التي حدثته ، ووصفها بأنّها من أهل الصدق والصلاح ، يشير إلى ان صاحب الكتاب كان منتبهاً إلى أنّ ثمة استغراباً في قبول الرواية عند قرائها ، لبعد الزمان بين فتح الأندلس الذي هو قبل ولادة ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة ، لذلك أكّد على توثيق محدثته ، وهذا لم يكن منه مع أيّ

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١٨٤.

(٢) المصدر نفسه ٢ : ٧٥.

٥٨٠

من الرواة الذين أخذ عنهم ، على انّه ليس في قبول الرواية أيّ استحالة عقلية ، فلو افترضنا أنّ المحدثة كانت من المعمّرين ، وكانت سنّها يوم حدثت في حدود المائة والثلاثين ، فيكون عمرها عند الفتح في حدود السادسة ، وعمر السامع منها في حدود العاشرة ، وكلاهما يكون في سنّ التمييز ، فلا بُعد في ذلك ، فلماذا نستبعده لمجرد كونه نادر الوقوع ، هذا إذا قلنا انّ قائل : ( حدثتني ) هو ابن قتيبة ، أمّا إذا كان القائل هو الراوي للحديث المتقدم عليه وهو جعفر بن الأشتر فلا إشكال.

وأمّا النقطة الثالثة : وفيها خلط المؤلف في المغايرة بين أبي العباس وبين السفاح وجعلهما اثنين ، فهذا نحوٌ من التهويش والتشويش ، ومن يقرأ النص الوارد في الكتاب لا يجد لتلك التهمة أيّ وجه مقبول ، وإلى القارئ النص كما هو في الكتاب :

لقد جاء فيه(1) : ( قتل رجال بني أمية في الشام ) وذكروا انّ أبا العباس ولى عمه عبد الله عن علي الذي يقال له السفاح ، وأمره أن يسكن فلسطين فقد سكن السفاح فلسطين ( وهكذا تكرر اسم السفاح والمراد به عبد الله بن علي عم أبي العباس ) إلى أن قال في آخر الكلام : ( ثم كتب ـ أبو العباس ـ إلى عمه السفاح ألاّ يقتل أحداً من بني أمية حتى يُعلم به أمير المؤمنين ، فكان هذا أول ما نقم به أبو العباس على عمه السفاح ).

ومن يقرأ هذا النص يعرف انّ المؤلف لم يخلط ، ولم يخبط في المغايرة بين أبي العباس وبين عمه السفاح ، وانّما الخبط والخلط ممن ظن الاتحاد حيث كان لقب أبي العباس السفاح أيضاً فتخيل خبط المؤلف ، وليس كذلك ، بل إنّ عبد الله بن علي عم أبي العباس أيضاً لقّب بالسفاح لكثرة من قتل من الخلق ، وليس اللقب مختصاً بأبي العباس وإن كان هو قد اشتهر به ، ومن راجع كتب الأنساب والألقاب

__________________

(1) المصدر نفسه 2 : 136.

٥٨١

يجد غيرهما من لقّب بالسفاح ، فقد ورد في جمهرة أنساب العرب لابن حزم(1) ، انّ مسلمة بن خالد بن كعب بن القنفذ كان يلقب بالسفاح.

وأما انكار أن يكون للمهدي وَلَدٌ اسمه ( عبد الله ) فهو قول بغير علم ، فانّ أبناء المهدي ـ كما ذكرهم ابن حزم في الجمهرة(2) ـ هم :

موسى الهادي ، وهارون الرشيد أمهما الخيزران اُم ولد ، وعبد الله شقيقهما ، وعلي وعبيد الله اُمهما ريطة بنت أبي العباس السفاح ، وإبراهيم ابن عليّة ، ومنصور عمّر حتى أدرك المتوكل ، وإسحاق ويعقوب وبنات ، منهنّ عليّة الشاعرة ومنهنّ العباسة. فراجع.

وأما النقطة الرابعة : فربّما يتخيل لها وجه من الصحة ، لكن إذا عرفنا ان ابن قتيبة عاش بعد عصر المأمون ـ وهو أزهى عصور الخلافة العباسية التي اتسعت رقعة حكمها وكثر منافسوها في المغرب ، وكانت أيدي الخلفاء العباسيين تطولهم منذ عهد الرشيد الذي لاحق إدريس الحسني جدّ الأدارسة ـ ففي مثل تلك الحال لا تبعد أخبار الأندلس عن ابن قتيبة ومعاصريه.

ولو أعملنا مقارنة بين ما ذكره ابن قتيبة ، وبين ما ذكره البلاذري في فتوح البلدان في موضوع فتح الأندلس ، لوجدنا المعلومات متقاربة جداً ، ولما كان الرجلان ـ ابن قتيبة والبلاذري ـ متعاصرين ، فبين وفاتيهما ثلاث سنين ، أمكننا تصحيح المعلومة في كتاب الإمامة والسياسة بنفس الميزان الذي نصحح به معلومة فتوح البلدان ، وليس من اختلاف بينهما سوى الإجمال والتفصيل في روايتهما.

وأمّا النقطة الخامسة : في انّه لم يرد في كتاب الإمامة والسياسة أبداً ذكر أحد ممن أخذ عنهم ابن قتيبة في سائر كتبه ، وهذا من زخرف القول وليس الأمر كذلك ، بل يجد الباحث انّه كما روى إجازة عن الجاحظ في كتاب عيون

__________________

(1) جمهرة أنساب العرب : 306.

(2) المصدر نفسه : 32.

٥٨٢

الأخبار(1) روى أيضاً عنه في الإمامة والسياسة(2) في قتل جعفر بن يحيى البرمكي ، فقد قال : قال عمرو بن بحر الجاحظ.

وأمّا النقطة السادسة : فبانّ المؤلف مالكي الهوى والمذهب ، وابن قتيبة حنفي المذهب ، فَلَمْ يرد أيّ تصريح بذلك ، وكلّما جاء في الكتاب ذكر مالك وما كان منه ومعه من أبي جعفر المنصور ، وإذا كان ما ورد فيه من التبجيل يصح معه دعوى انّه مالكي الهوى ، لكن لا يعني ذلك انّه مالكي المذهب ، وأبعد من ذلك دعوى انّ ابن قتيبة كان حنفياً ، ولم يظهر في ذلك ما يدل عليه من كتب تراجم الأحناف ، فراجع.

وأمّا النقطة السابعة : فلم أقف على ما يدل على أنّ مؤلف كتاب الإمامة والسياسة كان بدمشق ، فليحقق.

وأمّا النقطة الثامنة : وهي رواية المؤلّف عن أبي يعلى محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ( ت 146 ه‍ ) قبل ولادة ابن قتيبة بخمس وستين سنة ، فلقد تفحصت الكتاب مراراً فلم أقف فيه على روايته عن رجل بهذا الاسم ، وإنّما وجدت روايته عن ابن أبي يعلى النجيبي ، ولا يبعد أن يكون هو مراد الدكتور شاكر مصطفى الذي سماه خطأً بأبي يعلى محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ( ت 146 ه‍ ) فإن كان هو مراده فيأبى عليه التغاير في الكنية أولاً ، والتغاير في النسبة ثانياً ، وليس في المقام ذكر اسمه ، فمن أين له تعيينه بأنّه محمد بن عبد الرحمن الأنصاري.

على انّ الدكتور ثروت عكاشة جعله ابن أبي ليلى قاضي الكوفة المتوفى سنة 148 ، وقال : انّه مات قبل مولد ابن قتيبة بخمس وستين سنة ، وهذا أيضاً من الرجم بالغيب بلا ريب ، فانّ القاضي المذكور ليس نجيباً ولا نجيبياً ، كما هو الوارد في نسبته في كتاب الإمامة والسياسة ، لأنّ ابن أبي يعلى القاضي وإن كان اسمه محمد بن عبد الرحمن إلاّ انّه ليس بأنصاري نسباً ، بل كان مولى الأنصار قتل أبوه مع ابن

__________________

(1) عيون الأخبار 3 : 199 , 216 , 249.

(2) الإمامة والسياسة 2 : 181.

٥٨٣

الأشعث ، ومهما يكن فليس من حجة على انّه المذكور في كتاب الإمامة والسياسة باسم ابن أبي ليلى النجيبي.

وأمّا النقطة التاسعة : في انّه ورد في الكتاب ذكر ( مراكش ) وهذه مدينة بناها يوسف بن تاشفين ، وقد فحصت الكتاب فلم أقف على ذلك الاسم فيه ، فما أدري من أين جاؤوا به فكتبوه.

وأمّا النقطة العاشرة : في مغايرة أسلوب الكتاب للمألوف من أسلوب ابن قتيبة في بقية كتبه ، وهذه دعوى لم يأت عليها بشاهد من مقارنة بين الإسلوبين في عرض موضوع واحد ورد في الإمامة والسياسة كما ورد في أحد كتب ابن قتيبة الاُخرى ، وبينهما من التغاير ما يثبت ذلك.

وأخيراً مهما كانت تلك النقاط ذات دلالة على نفي النسبة إلى ابن قتيبة ، إلاّ انّه توجد في الكتاب إشارات ذات دلالة أيضاً على صحة نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة ، فقد ورد في ثلاثة مواضع وهي :

1 ـ قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، راجع ص 3 في أول الكتاب.

2 ـ وقال عبد الله بن مسلم ، راجع ص 26 من الجزء الأول.

3 ـ وقال عبد الله بن مسلم ، راجع ص 73 من الجزء الأول.

موقف المستشرقين من الكتاب :

قلنا قريباً انّ المستشرق ( غاينفوس المجريطي ) هو أول من أعلن تشكيكه في نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة ، وتبعه غيره ، منهم دوزي ، وقد لخّص مواقفهم من الكتاب الاستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه دولة الإسلام في الأندلس من الفتح إلى بداية عهد الناصر(1) ، فقال :

وردت هذه التفاصيل في كتاب ( الإمامة والسياسة ) المنسوب إلى ابن قتيبة ، ومع انّ هذه النسبة يحيط بها كثير من الشك ، فانّ الكتاب يتضمن كثيراً من الأخبار والتفاصيل المفيدة عن رجالات الإسلام في عصر الخلفاء الراشدين والدولة الأموية.

__________________

(1) دولة الإسلام : 24 / الهامش رقم : 2.

٥٨٤

وقد اعتبره المستشرق الأسباني جاينجوس قديماً وصحيحاً ، وان كان يشك في نسبته لابن قتيبة لعدة أسباب وجيهة ، وانتفع به المستشرق الألماني قايل والمستشرق الايطالي أماري.

ويرى دوزي انّ الكتاب غير قديم وغير صحيح ، وانّه يحتوي أخطاء تاريخية وروايات خيالية غير معقولة ، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون ابن قتيبة صاحب هذا التصنيف الضعيف.

ويرى المستشرق هاماكر ويوافقه دوزي انّ هذا الكتاب وأمثاله من الكتب التاريخية الحماسية ( مثل الكتب التي نسبت للواقدي ) قد ألّفت أيام الحروب الصليبية ، لبثّ الحماس في نفوس المسلمين ، وتذكيرهم بمجد أسلافهم وبطولتهم الخارقة ، راجع دوزي. انتهى كلام الاستاذ عنان.

أقول : ومع كل ما سبق من تشكيك ساقوه ، وخصوصاً ما قاله دوزي وهاماكر من انّه لبثّ الحماس الديني ، فلماذا اعتنى بطبع الكتاب غير واحد منهم ؟

فقد نشره المستشرق الألماني نولدكه في سنة 1886 م ، راجع كتاب المستشرقون لنجيب عقيقي(1) ، ونشره أيضاً المستشرق دي خويه في مجلة الدراسات الشرقية سنة 1907(2) .

واعتنى المستشرق ريبيرا أي فواجو الأسباني بترجمة فتوح الأندلس لابن الفوطية ـ وكان قد نشره جاينجوس وسابيدرا ـ مع اضافات من كتاب الإمامة والسياسة ، وطبع في مدريد سنة 1921 م.

وللمستشرق بيريس بحث بعنوان كتاب الإمامة والسياسة في نظر ابن قتيبة نشره في المجلة الطرابلسية / 1934 م إلى غير هؤلاء ، فإذا كان الكتاب من الكتب

__________________

(1) المستشرقون : 740.

(2) المصدر نفسه : 666.

٥٨٥

التاريخية الحماسية لبثّ الحماس في نفوس المسلمين فنشره مكرراً خلاف مصلحة الصليبين ، فما بالهم يتهافتون على نشره وترجمته.

ثم إنّا نقول لهم ولكل مشكك ، بانّه مهما يمكن أن يقال ـ وقد قيل ـ في مناقشات النسبة ، سواء صحت أم لم تصح ، ومهما كان الحق في هذه المسألة التي ما زالت بين الأخذ والرد ، فانّ اعتماد روايات الكتاب ليس من الأهمية والخطر في التاريخ الإسلامي حتى يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد للاستقصاء وقول الكلمة الفاصلة ، ما دام المذكور في الكتاب ليس بدعاً في التاريخ ، بل هناك تواريخ اُخرى تذكره على تفاوت في الاجمال والتفصيل.

وحسب المثبتين متابعة من سبقهم من أعلام المحدّثين والمؤرخين ممن أخذوا من الكتاب وصرحوا بنسبته إلى ابن قتيبة ، وقد مرّ بنا ان ابن الشبّاط ( ت 681 ه‍ ) نقل عنه ، وكذلك ابن فهد المكي ( ت 885 ه‍ ) نقل عنه في كتابه ( اتحاف الورى بأخبار اُم القرى ) ومثله ـ فيما أرى ـ ابن حجر الهيتمي المكي ( ت 974 ه‍ ) في كتابه ( تطهير الجنان واللسان ) المطبوع بهامش كتابه الصواعق المحرقة حيث قال(1) :

( ومع تآليف صدرت من بعض المحدّثين كابن قتيبة مع جلالته القاضية بانّه كان ينبغي له أن لا يذكر تلك الظواهر ، فان أبى إلاّ ذكرها ، فليبيّن جريانها على قواعد أهل السنّة حتى لا يتمسّك مبتدع أو جاهل بها ).

وهذا القول من ابن حجر يريد به ما ذكره ابن قتيبة في كتاب ( الإمامة والسياسة ) بدون شك أو ريب ، لانّه قد ذكر فيه ما شجر بين الصحابة ، وهذا ما غاض ابن حجر ، إذ ليس في باقي كتب ابن قتيبة ما يشير إليه ابن حجر.

إذن فالكتاب يعرفه لمؤلفه ابن قتيبة غير واحد من قدامى ومحدثين ، وقد مرّت أسماء بعضهم قبل هذا ، وحبّذا لو أعيدت طباعته محققاً تحقيقاً كاملاً شاملاً لوجه العلم لا للتجارة.

__________________

(1) تطهير الجنان بهامش الصواعق : 94.

٥٨٦

ولنختم الكلام في المقام بذكر كلمة قيّمة لابن قتيبة :

قال في كتابه ( الاختلاف في اللفظ والردّ على الجهمية والمشبّهة )(1) ما يلي : وقد رأيت هؤلاء ـ يعني الجهمية والمشبّهة ـ أيضاً حين رأوا غلوّ الرافضة في حبّ علي ، وتقديمه على من قدّمه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وصحابته عليه وادعاءهم له شركة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) في نبوّته ؟ وعلم الغيب للأئمة من ولده ، وتلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر افراط الجهل والغباوة ، ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرّأهم منهم ، قابلوا ذلك أيضاً بالغلوّ في تأخير علي كرّم الله وجهه وبخسه حقه ، ولحنوا في القول وإن لم يصرّحوا إلى ظلمه ، واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق ، ونسبوه إلى الممالاءة على قتل عثمان ، وأخرجوه بجهلهم من أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن ، ولم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه ، وأوجبوها ليزيد بن معاوية لاجماع الناس عليه ، واتهموا من ذكره بغير خير.

وتحامى كثير من المحدّثين أن يحدثوا بفضائله كرّم الله وجهه ، أو يظهروا ما يجب له(2) ، وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح ، وجعلوا ابنه الحسينعليه‌السلام

__________________

(1) الاختلاف في اللفظ : 47.

(2) وابن قتيبة كان شهر بالانحراف بالنظر إلى عدم تثبته في نقل ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم في مؤلفاته السابقة , بحيث يشفّ من ثنايا نقوله الانحراف والنُصب , حتى ان الحافظ ابن حجر قال في حق حمل السلفي كلام الحاكم فيه على المذهب انّ مراد السلفي بالمذهب النصب , فان في ابن قتيبة انحرافاً عن أهل البيت والحاكم على ضد من ذلك أ ه‍. وهنا يردّ على النواصب بما يرضي الله ورسوله كما ترى , عفا الله عما سلف وفي ذلك عبرة بالغة. وانحراف المتوكل عن علي كرّم الله وجهه وتقريبه للمنحرفين عنه بعد رفع المحنة مما جعل للنواصب سوقاً تروج فيها أهواؤهم ومروياتهم عند كثير من أهل الحديث , حتى أخذ يتقمص النواصب في أزياء أهل الحديث , وأصبح رجال الخوارج في موضع التجلّة والتعويل في كتبهم مدى القرون بعد أن كانوا مهجورين لبغضهم عليًاً كرّم الله وجهه , وقد ورد : ( لا يبغضك إلاّ منافق ) ولشقهم عصا المسلمين في أحرج وقت , ولا

٥٨٧

خارجياً شاقاً لعصا المسلمين حلال الدم ، لقول النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : « من خرج على اُمتي وهم جميع فاقتلوه كائناً من كان ».

وسوّوا بينه في الفضل وبين أهل الشورى ، لأن عمر لو تبيّن له فضله لقدّمه عليهم ، ولم يجعل الأمر شورى بينهم ، وأهملوا من ذَكَرَه أو روى حديثاً من فضائله ، حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها ، وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية كأنّهم لا يريدونهما بذلك وإنّما يريدونه.

فان قال قائل : أخو رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) علي ، وأبو سبطيه الحسن والحسين ، وأصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين ، تمعّرت الوجوه ، وتنكّرت العيون ، وطرت حسائك الصدور ، وان ذكر ذاكر قول النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » و « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » وأشباه هذا ، التمسوا لتلك الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقه بغضاً منهم للرافضة ، والزاماً لعليّعليه‌السلام بسببهم ما لا يلزمه ، وهذا هو الجهل بعينه.

والسلامة لك أن لا تهلك بمحبته ولا تهلك ببغضه ، وأن لا تحتمل ضغناًَ عليه بجناية غيره ، فإن فعلت فأنت جاهل مفرط في بغضه ، وأن تعرف له مكانه من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) بالتربية والاُخوة والصهر والصبر في مجاهدة أعدائه ، وبذل مهجته في الحروب بين يديه ، مع مكانه في العلم والدين والبأس والفضل من غير أن تتجاوز به الموضع الذي وضعه به خيار السلف ، لما تسمعه من كثير من فضائله ، فهم كانوا أعلم به وبغيره ، ولأنّ ما أجمعوا عليه هو العيان الذي لا يشك فيه ، والأحاديث المنقولة قد يدخلها تحريف وشوب ، ولو كان إكرامك لرسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) هو الذي دعاك إلى محبة من نازع علياً وحاربه ولعنه ، إذ صحب رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وخدمه ،

ـــــــــــــــــ

تزال نتائج ذلك ماثلة أمام أعين المتبصرين مما فيه ذكريات أليمة لا نريد الولوج في مضايقها , مكتفين بهذه الإشارة الوجيزة وفّر المصنف الكلام حقه في ذلك. ( عن هامش الأصل ).

٥٨٨

وكنت قد سلكت في ذلك سبيل المستسلم ، لأنت بذلك في عليعليه‌السلام أولى لسابقته وفضله وخاصيته وقرابته والدناوة التي جعلها الله بينه وبين رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عند المباهلة حين قال تعالى :( قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) فدعا حسناً وحسيناً( وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) فدعا فاطمةعليها‌السلام ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) (1) فدعا علياًعليه‌السلام ، ومن أراد الله تبصيره بصّره ، ومن أراد غير ذلك حيّره.

* * *

__________________

(1) آل عمران : 61.

٥٨٩

الملحق الثاني :

كتاب المعارف لابن قتيبة وما لحقه من تحريف وتخريف :

لئن تطرّق الشك في نسبة كتاب الإمامة والسياسة إلى ابن قتيبة ـ كما مرّ في الملحق الأول ـ فإنّ كتاب المعارف لم يشك أحد في صحة نسبته إلى ابن قتيبة ، لكنّه لحقه من التحريف والتخريف ، مما يقف المرء عنده مبهوتاً ، إذ لم يسلم من اختلاف الرواة ، ولا من تحريف الجناة ، ولا من تخريف التحقيق وجهل الناشرين الحفاة ، ولم يكن هو الكتاب الوحيد من الكتب الذي طالته يد العبث من بعد مؤلفه. ولابد لنا من وقفة عنده لتسليط الضوء على بعض ما لحقه مما قلناه من تحريف وتخريف ، وذلك من خلال ثلاث نقاط :

1 ـ اختلاف الرواة.

2 ـ تحريف الجناة.

3 ـ تخريف التحقيق وجهل الناشرين الحفاة.

أولاً ، اختلاف الرواة :

من النادر جداً أن يسلم كتاب من اختلاف بين روايات الرواة عن مؤلفه ، نتيجة تفاوت الرواة في الفهم والضبط ، لذلك تحصل الزيادة والنقصان ، وهذا أمر معلوم ، ولعل أوضح شاهد على ذلك هو كتاب الجامع الصحيح للبخاري ، الذي يحظى باهتمام بالغ لدى كثير من المسلمين ، حتى غالى بعضهم فقال : انّه أصح كتاب بعد كتاب الله.

٥٩٠

ومع ذلك الاطراء والثناء ، فلم يسلم من آفة اختلاف الرواة عن صاحبه ، وهذا ما نجده كشاهد عيان على هوامش صفحاته في جملة من طبعاته القديمة في الهند أو الاستانة أو مصر ، حيث الهوامش مملوءة باختلاف نسخ الرواة ، مرموز إلى أصحابها كالبري والكشميهني وأبي ذر وغيرهم ، مع شدة الحرص وبذل الجهد في سبيل ضبط النص لاهتمام الأوائل بالقراءة والسماع على المؤلف.

ولم يكن كتاب المعارف لابن قتيبة مستثنى من وهن الاختلاف في الرواية ، وعدم الضبط في صحة السماع من مؤلّفه ، لذلك حصل التفاوت بين نسخ وروايات تلامذته ، فتسبب ذلك في معاناة الباحث المحقق حين يجد النص تختلف رواية الرواة له ، وكشاهد واحد على ذلك ما نقرأ خبره عند البُرّي التلمساني ، وهو من رجال القرن السابع الهجري ، ذكره في كتابه ( الجوهرة في نسب النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وأصحابه العشرة )(1) قال : ( وولد الحسينرضي‌الله‌عنه علياً الأكبر ، اُمه مرة بنت عروة بن مسعود الثقفي ، كذا قال محمد بن شبل في روايته كتاب المعارف عن موسى بن جميل عن ابن قتيبة مؤلفه. وفي رواية غير ابن شبل هي بنت مرة بن عروة بن مسعود ، وقتل مع أبيه ).

وإذا راجعنا المطبوع من كتاب المعارف سواء الطبعة الاُولى بمصر سنة 1353 ه‍ ، أو الطبعة الثانية بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة ، نجد النص هكذا : ( وولد الحسين علياً واُمه بنت مرة بن عروة بن مسعود الثقفي )(2) ولم يشر إلى الرواية الثانية من قريب أو بعيد.

__________________

(1) الجوهرة 2 : 223.

(2) المعارف : 213.

٥٩١

ثانياً ، تحريف الجناة :

لقد عبثت أيادٍ غير أمينة بكتاب المعارف لابن قتيبة فحرّفت ما وسعها ذلك ، فطالت بعض النصوص بالزيادة والنقصان ، والتغيير والتبديل ، وهذا ما أخفى كثيراً من الحقائق عن أعين الناس ، خصوصاً فيما يتعلّق بأنصار الخلافة في أحداث السقيفة وما بعدها ، وللتدليل على هذا نذكر بعض الشواهد :

1 ـ قال الحافظ ابن شهرآشوب السروي ( ت 588 ه‍ ) في كتابه مناقب آل أبي طالب وهو يذكر أولاد فاطمة الزهراءعليها‌السلام قال : ( وفي معارف القتبي أن محسناً فسد من زحم قنفذ العدوي ). فهذا النص لا يوجد في المطبوع من كتاب المعارف في طبعاته الثلاث الأوربية والمصريتين.

والذي يؤكّد رواية ابن قتيبة له ما ذكره الحافظ الكنجي الشافعي ( ت 658 ه‍ ) في كتابه كفاية الطالب في ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام نقلاً عن غير واحد من أهل السير ، فذكر التفاوت فيما بين رواياتهم مقارناً ذلك بما رواه الشيخ المفيد موافقاً لهم ومنفرداً عنهم ، إلى أن قال : وزاد على الجمهور وقال : ( انّ فاطمةعليها‌السلام أسقطت بعد النبي ذكراً كان سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله محسناً )(1) . ثم قال الكنجي الشافعي : ( وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلاّ عند ابن قتيبة ).

فهذا نحو تأكيد على وجود النص في كتاب المعارف كما نقله عنه ابن شهرآشوب ، إذ لا نحتمل وجوده في بقية كتب ابن قتيبة ـ لتغاير موضوعاتها عما ذكر ـ غير المعارف إلاّ كتاب الإمامة والسياسة فهو وإن كان أقرب احتمالاً ، إلاّ انّ هذا ليس فيه النص المذكور.

__________________

(1) كفاية الطالب : 413.

٥٩٢

وليس من المعقول ولا من المقبول إتهام ابن شهرآشوب والكنجي بالتواطؤ في التقوّل على ابن قتيبة ، لاختلافهما مذهباً ومشرباً وزماناً ومكاناً ، مضافاً إلى ما نجده في كتب الرجال والتراجم من جميل الثناء عليهما ممن لا يتهم فيهما بمحاباة.

2 ـ جاء في كتاب ( الأربعون العشارية )(1) لعبد الرحيم بن الحسين العراقي ( ت 806 ه‍ ). ( وقد ذكر عكراش في بعض المشاهد ، فذكر ابن قتيبة انّه حضر مع عليرضي‌الله‌عنه وقعة الجمل وأخذه ابن دريد من أبي محمد بن قتيبة ، فانّه حكى في كتاب المعارف انّ عكراشاً حضر مع عليّ وقعة الجمل وانّ علياً مسح رأسه ، وعاش عكراش بعد ذلك مائتي سنة ، فهذه الحكاية لم يروها بإسناد ، وعلى تقدير ثبوتها فالمراد انّه أكمل بعد ذلك مائة سنة ، فكان جميع عمره مائة سنة ).

هذا كله لا يوجد في المطبوع من كتاب المعارف ، والأنكى من ذلك انّه ورد في ص 310 من الطبعة المحققة : ( عكراش بن ذؤيبرضي‌الله‌عنه هو من بني تميم وشهد الجمل مع ( عائشة ) فقال الأحنف ـ وهو من رهطه ـ كأنّكم وقد جيئ به قتيلاً أو به جراحة لا تفارقه حتى يموت ، فضُرب ضربة على أنفه ، فعاش بعدها مائة سنة والضربة به ).

فيا ترى من الذي تولّى كبر التحريف ، فاستبدل بوقوف عكراش مع عليعليه‌السلام في الجمل ، وقوفه مع عائشة ؟ ومن الذي محا كرامة مسح الإمام لرأس عكراش ، بضربة على أنفه ، وقول الأحنف ؟

وأود أن ألفت نظر القارئ إلى أمر ذي بال في المقام ، وهو انّ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) ذكر في تهذيب التهذيب والإصابة في معرفة الصحابة

__________________

(1) الأربعون العشارية 1 : 174.

٥٩٣

ترجمة عكراش بن ذؤيب ، وحكى فيهما نقلاً عن كتاب المعارف لابن قتيبة وكتاب الاشتقاق لابن دريد انّ عكراشاً شهد الجمل مع عائشة.

وإذا لاحظنا الفرق بين تاريخي وفاة العراقي ( 806 ه‍ ) ووفاة ابن حجر ( 852 ه‍ ) نجد الفرق(46) سنة أي أقل من نصف قرنٍ ، يمكن ادعاء ادراك ابن حجر للعراقي ، ولما كان النص عند العراقي ( شهد مع علي ) كيف انقلب بجرة من قلم عند ابن حجر ( شهد مع عائشة ) وهنا ينبغي أن ننتبه إلى انّ عملية التغيير والتحريف بدأت في تلك الفترة ، وربّما كان ابن حجر ابن سوأتها وتبعه غيره.

3 ـ جاء في كتاب عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري للعيني(1) :

وقال ابن قتيبة في المعارف ( كان عبيد الله ( يعني ابن موسى بن باذام ) يسمع ويروي أحاديث منكرة ، فضُعف بذلك عند كثير من الناس ).

وإذا قارنا بين هذا وبين الموجود في المطبوع محققاً من المعارف نجد تحريفاً غير مستساغ فقد جاء في ص 519 : عبيد الله بن موسى بن باذام وكان يقرأ القرآن في مسجده ، ويتشيّع ، ويروي في ذلك أحاديث منكرة ، فضُعف بذلك عند كثير من الناس ).

فمن ذا الذي غيّر كلمة ( ويُسمّع ) إلى كلمة ( ويتشيّع ).

4 ـ جاء في كتاب تهذيب الأسماء واللغات للنووي(2) ( ت 676 ) :

أ ـ وقال ابن قتيبة في المعارف : كان عبد الله بن جعفر أجود العرب ، وأخبار أحواله في السخاء والجود والحلم مشهورة لا تحصى ، ومما روينا عنه انّه أقرض الزبير بن العوام ألف ألف درهم ، فلما قتل الزبير قال عبد الله بن الزبير لعبد الله بن

__________________

(1) عمدة القاري 1 : 118.

(2) تهذيب الأسماء واللغات 1 : 363.

٥٩٤

جعفر وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم ، فقال هو صادق : فاقبضها إذا شئت ، ثم لقيه فقال : يا أبا جعفر إنّي وهمت المال لك على أبي ، قال : فهو لك ، قال : لا اُريد ذلك ، قال : فإن شئت فهو لك وإن كرهت ذلك فلك فيه نظرة ما شئت.

وهذا النص لا يوجد منه في ص 206 ط محققة إلاّ قوله : ( وأمّا عبد الله بن جعفر ، فكان يكنى أبا جعفر ، ولد بالحبشة ، وكان أجود العرب ).

ب ـ وجاء أيضاً في تهذيب الأسماء واللغات(1) :

قال ابن قتيبة : ولد عبد الله بن جعفر سبعة عشر ابناً وبنتين ، وهم جعفر الأكبر وعلي وعون الأكبر وعباس واُم كلثوم ، اُمهم زينب بنت علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومحمد وعبيد الله وأبو بكر اُمهم الخوصاء بنت حفصة أحد بني تيم بن ثعلبة.

وصالح وموسى وهارون ويحيى واُم أبيها اُمهم ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي تزوجها بعد علي بن أبي طالب.

ومعاوية وإسماعيل وإسحاق والقاسم لاُمهات أولاد.

والحسن وعون الأصغر اُمهما جمانة بنت المسيب الفزارية ).

وقد جاء النص في كتاب المعارف / 207 ط محققة بتفاوت يسير مما يمكن حمله على اختلاف النسخة من جهة الرواة.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن كثيراً من النقول عن كتاب المعارف لابن قتيبة في عدة مصادر كالصحاح للجوهري من المصادر اللغوية ، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي في التراجم واللغة ، وعمدة القارئ للعيني في الحديث وغيرها ، يمكن أن

__________________

(1) المصدر نفسه 1 : 264.

٥٩٥

تراجع على المطبوع من المعارف محققاً للمقارنة ، وإثبات ما لم يوجد فعلاً فيه فيضاف إلى المطبوع بعنوان نصوص ضائعة من كتاب المعارف ، وهذا جهد غير مضاع ، لما فيه من كثير فائدة وجميل عائدة.

ثالثاً ، تخريف التحقيق وجهل الناشرين الحفاة :

لقد طبع كتاب المعارف لابن قتيبة حتى اليوم ـ فيما أعلم ـ ثلاث مرات ، أولها طبعة أوربا نشرها المستشرق الألماني ( وستنفلد ) سنة 1850 م ولم أطلع عليها ، وإنّما ذكرتها استناداً إلى بحث صديقنا المرحوم الدكتور مصطفى جواد ( ت 1390 ه‍ ) في مجلة المجمع العلمي العراقي(1) ، وثاني طبعاته سنة 1353 بالمطبعة الإسلامية بمصر ، تجد تعريفها في البحث المذكور آنفاً. وثالث الطبعات هي بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة ( وزير الثقافة والإرشاد القومي في الجمهورية العربية المتحدة ) وكان بحث الدكتور مصطفى جواد حول هذه الطبعة ، فقد تناولها نقداً وتصحيحاً ومؤاخذة في أكثر من مائة مورد ، ومع بالغ جهده فقد زاغت عنه موارد اُخرى ، استدركتها عليه وكتبتها على هامش نسختي من المجلة المذكورة وسأذكرها بعدُ.

ولما كان الدكتور المحقق العكاشي ـ كما سمّاه الدكتور الناقد ـ قد بذل جهداً مشكوراً ومذكوراً في مقدمة الكتاب وتحقيقه المتن ، ومع ذلك فذاك مبلغ علمه ، ولا اُريد انتقاص الرجل حين أقول : لم يكن فارس ميدان ، ولا راجلاً تخلف بالركبان ، حتى ظننت أنّه قد استعان ببعض تلامذته ، فتولوا له المراجعة وكتبوا التحقيق باسمه ، ومهما يكن فإنّ الجواد يكبو والصارم ينبو.( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) (2) .

__________________

(1) مجلة المجمع العلمي العراقي 9 : 433.

(2) يوسف : 76.

٥٩٦

والآن إلى شواهد مما فاته من بسائط المعرفة في التحقيق ، وهي مما زاغ عنه نظر المرحوم الدكتور الناقد أيضاً ، فالحق أن يجعلا معاً شريكين في هذه الملاحظة وعدلي ميزان في هذه الغفلة.

أ ـ جاء في المقدمة ص 14 ذكر أبي عبيدة معمّر بن المثنى ومصنفاته فقال العكاشي المحقق :

( ولم يصلنا من هذه ـ يعني كتبه ـ كلها إلاّ كتاب نقائض جرير والفرزدق ) ؟ هذا ولم يعقّب الدكتور الناقد بشيء على ذلك. وهذا من الغريب جداً منهما معاً ، فإنّ لأبي عبيدة من المصنفات المطبوعة في مكتبتي ـ على قلة ما تحويه ـ ثلاثة كتب مطبوعة ومحققة هي :

1 ـ كتاب ( العققة والبررة ) حققه الاستاذ عبد السلام محمد هارون ، وطبعه سنة 1373 ه‍ ضمن ( نوادر المخطوطات )(1) .

2 ـ كتاب ( مجاز القرآن ) حققه الاستاذ فؤاد سزگين في جزئين طبع بمصر ، الأول سنة 1374 ه‍ ، والثاني سنة 1381 ه‍.

3 ـ كتاب ( الخيل ) من مطبوعات حيدر آباد الدكن في الهند سنة 1358 ه‍.

ب ـ ومن ذلك ما جاء في الحديث عن الخليل بن أحمد الفراهيدي في صفحة 18 من المقدمة عند ذكر مؤلفاته ، فذكر أسماءها وختم المحقق قوله : ( وهذا كله قد ضاع ) ؟

وهذا أيضاً من غرائبه ، إذ لم يكلف نفسه بالسؤال عن نسخة كتاب العين للخليل أشهر كتبه مع وجودها ، وطبع جزء منه يومئذٍ ، وأغرب من ذلك غفلة الاستاذ الناقد عن التنبيه عليه ، وهو أحد أعضاء اللجنة التي زارت النجف الأشرف ،

__________________

(1) نوادر المخطوطات 2 : 329 ـ 370.

٥٩٧

وزارت المرحوم ا لعلاّمة الكبير الشيخ السماويرحمه‌الله ، فاشترت منه مجموعة نادرة من كتبه كان منها نسخة كتاب العين على ما ببالي.

ج ـ ومن ذلك ما جاء في الحديث عن مُؤَرِّج السدوسي في صفحة 18 من المقدمة ، فذكر المحقق له أربعة كتب سمّاها وقال : ( وله كتب اُخرى غيرها لم يصلنا منها شيء ).

وهذا أيضاً من غرائبه ، إذ لم يعلم بوجود ( كتاب الأمثال ) لمؤرّج السدوسي في مكتبة الاسكوريال ، كما فاته التنبيه على ذكر كتاب في نسب قريش لمؤرّج المطبوع باسم ( حذف من نسب قريش ) حققه الدكتور صلاح الدين المنجّد ، وطبعه سنة 1960 م.

د ـ ومن ذلك ما يتعلق بترجمة ابن قتيبة ، فقد ذكر تلاميذه ، وفاته ذكر موسى بن جميل الذي روى كتاب المعارف عن مؤلفه ابن قتيبة ، ورواه عنه محمد بن شبل وآخرون ، بتفاوت النقل عنه ، كما مرت الإشارة إلى ذلك باقتضاب.

ه‍ ـ جاء في ص 211 من الكتاب مايلي : ( بنات عليرضي‌الله‌عنه ، فأما زينب الكبرى وأمّا اُم كلثوم الكبرى وهي بنت فاطمة ، فكانت عند عمر بن الخطاب ، وولدت له أولاداً قد ذكرناهم ، فلما قتل عمر تزوجها جعفر بن أبي طالب فماتت عنه ).

وهذه طامة ما بعدها من طامة ، وغلط فاحش لا يمكن الاعتذار عنه بوجه ، حيث لم يتفطن إلى ان جعفر بن أبي طالب هو عم اُم كلثوم ، فكيف يصح القول انّه تزوجها (؟) وأيّ مسلم تخفى عليه آية التحريم :( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ » الآية(1) .

__________________

(1) النساء : 23.

٥٩٨

ولما كانت اُم كلثوم قد تزوجها بعد عمر ابن عمها محمد بن جعفر بن أبي طالب ، فاحتملنا أن يكون هناك سقط مطبعي ، فلاحظنا جدول التصحيح في آخر الكتاب ، فلم نجد التنبيه عليه ، وهذا أيضاً عجيب غريب.

و ـ جاء في ص 213 من الكتاب ( وقَتَلَ إبراهيم ب‍ ( باخمرا ) على ستة عشر فرسخاً من الكوفة ).

هكذا ورد النص في المتن بإعراب ( قَتَل ) مبني للمعلوم ، بينما الصحيح ( قُتِل ) مبني للمجهول ، وليس هذا بشيء إذا ما قيس إلى ما جاء في تعليق المحقق العكاشي على كلمة باخمرا فقال : ( ط ، ه‍ ، و ( بباجمرا ) وهو موضع دون تكريت ، وانظر معجم البلدان ).

أقول : وهذا منه بمنتهى الغرابة ، إذ انّ المؤلف ـ ابن قتيبة ـ قد حدّد موضع باخمرا على ستة عشر فرسخاً من الكوفة ، فلا معنى لتعليقته ، ثم ان عذرناه لانّه مصري لا يعلم أبعاد ما بين المدن العراقية ، فأين الكوفة وأين تكريت ؟! وما بينهما أكثر من أربعين فرسخاً ، لكن لا نعذره في عدم التفاته إلى انّ ابن قتيبة ذكر باخمرا وعرّفها ، بينما الدكتور المحقق (؟) عرّف لنا باجمرا التي وجدها في النسخ المرموز إليها ، ولم يتنبه إلى انّ ذلك من تصحيف النسّاخ فلم يتنبه له ، وقد نبّه الدكتور الناقد على ذلك باقتضاب.

ز ـ جاء في ص 215 ( فأمّا جعفر بن محمد فيكنى أبا عبد الله وإليه تنسب الجعفرية ).

هكذا ورد النص في المتن ، فعلق المحقق في الهامش على ( الجعفرية ) فقال : ( محلة كبيرة في الجانب الشرقي من بغداد ) « معجم البلدان ».

وهكذا ما زال الدكتور المحقق يتحف قراء تحقيقه بعجائب وغرائب ، فهو تخيل أنّ الجعفرية في النص اسم مكان ، فرجع إلى معجم البلدان فسطر منه الذي

٥٩٩

سطر ، وهذا منه قلة تدبّر في كلام ابن قتيبة ، فهو يعني بالجعفرية الفرقة التي تنسب إلى أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، ولو راعى المحقق القرينة الحالية و المقالية ، لكان دقيقاً في قراءة النص ، فلا يصدر حكماً ولا يبدي رأياً ولا يخط حرفاً إلاّ بعد الإمعان في قراءة النص وفهم المراد منه ، ثم ليعلّق بعد ذلك بما شاء مما استقر فهمه عنده ، أمّا وهو لا يفرّق بين ( الجعفرية ) اسم الفرقة ، وبين الجعفرية اسم المكان ، فلا يعذر في تعليقه ، ثم انّ قوة الملاحظة لو كانت لديه ، لعرف أنّ الجعفرية حين ترد في كتب الأنساب ، فالمراد بها النسبة إلى جعفر الطيارعليه‌السلام فيقال لأولاده الجعفرية ، كما يقال لهم الجعفريون.

وحين ترد في كتب الحديث والفرق ، فالمراد بها إحدى فرقتين ، أولاهما ( الجعفرية ) عند الشيعة نسبة إلى إمامهم جعفر الصادقعليه‌السلام ، وثانيهما ( الجعفرية ) عند المعتزلة نسبة إلى جعفر بن حرب أو جعفر بن مبشر.

وحين ترد في كتب التاريخ والأدب عند ذكر الأماكن ، فيراد بها المحلة الكبيرة ببغداد نسبة إلى جعفر البرمكي ، وهكذا فكل تدلّ عليه قرينة حالية أو مقالية.

ولا ينقضي عجبي من المرحوم الناقد كيف غفل عن التنبيه عليه ، وهذا من الغفلات النادرة بالنسبة إليه.

وحسبنا بهذه الشواهد السبعة في الدلالة على أوهام الدكتور المحقق في المقدمة والمتن ، أمّا ما جاء في الفهارس من خبط وخلط فحدث ولا حرج ، وإلى القارئ نموذجاً واحداً :

فقد ذكر في صفحة / 712 في فهرس الأعلام اسم ( عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ) وذكر بعده أرقام 32 صفحة يرد فيها ذكره ، ولدى المراجعة لم نجد إلاّ الرقم الأول صحيحاً حيث يرد ذكره ، وذكر البقية كان غلطاً ، فانّ ثلاثين مورداً

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628