الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)60%

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 84

  • البداية
  • السابق
  • 84 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38950 / تحميل: 6405
الحجم الحجم الحجم
الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

الطريق إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الطريق

إلى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام

د.أحمد راسم النفيس

١

ملاحظة هذا الكتاب

طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إهداء إلى روح كل من:

الحاج مهيوب سباتي

الحاجة أم موسى سباتي

الشاب حسين سباتي

الطريق

الى مذهب أهل البيت (ع)

٢

حقوق الطبع محفوظة للناشر

الكتاب: الطريق إلى مذهب أهل البيت (ع)

المؤلّف: د.أحمد راسم النفيس

الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة

٣

٤

تقديم

عرفت الساحة المصرية، في السبعينيات، حركة فكرية وسياسية نشطة، كان للتيار الديني فيها بعض المواقع، ثم جاءت الثورة الاسلامية الايرانية في اواخرها فبهر قائدها وشعبه الذي صنعها انظار الاسلاميين في كل مكان.

وفهم مولف هذا الكتاب الدكتور احمد راسم النفيس وهو طبيب مصري كان في اواسط السبعينيات قطبا من اقطاب الحركة الطلابية الاسلامية في مصر.

وقد ضايقه ان يكون الشعب الذي فجر هذه الثورة (منحرف العقيدة) كما يصفه بعضهم من غير المنصفين فسعي الى معرفة هذه العقيدة، ثم تطور السعي الى مراجعة عقيدته التي ورثها عن اسرته محاولة منه لمعرفة طريق الصواب الموصل الى حقيقة الايمان، ومن ثم الى رضا اللّه سبحانه.

وها هو المولف الطبيب يروي لنا في مولفه هذا قصة سعيه الى هذه المعرفة وتوصله اليها في رحلة طويلة بدات منذ نشاته في اسرة علمية واتصلت في المدرسة والمحيط والجامعة، وفي دروب الحياة الملاى بالاحداث...

٥

وتبين للمسافر في سبيل المعرفة، في نهاية الرحلة ان سفينة النجاة للامة الاسلامية تتمثل في اهل بيت النبوة، فطوبى لمن اهتدى الى هذه السفينة وانضوى تحت شراعها.

مركز الغدير للدراسات الاسلامية

٦

اول الطريق

نشاتي الاولي

ولدت عام (١٣٧٢ه/١٩٥٢م). كان ابيرحمه‌الله من رجال التعليم، اما جدي فكان عالما من علماء الازهر الشريف يقوم بالخطابة في مسجد القرية، وكان له (منتدى) يجتمع فيه المثقفون من ابناء هذه القرية، يتعلمون علي يديه العلوم الدينية والفقهية والادبية.

تفتحت عيناي علي اسماء الكتب والمولفات الحديثة لطه حسين والعقاد، وكم دارت مساجلات في بيتنا حول الشعر والادب بين ابي (رحمة اللّه عليه) وبين اصدقائه من الشعراء والادباء الذين حفلت بهم آنئذ مدينة المنصورة، تلك المدينة الجميلة (سابقا) التي تقع علي شاطى‏ء النيل.

تعلمت من ابي وجدي (رحمة اللّه عليهما) حب القراءة والاطلاع، قرات كل ما وقع تحت يدي من كتب اثناء طفولتي الا كتاب واحد عجزت عن مواصلة القراءة فيه، وهو (ابناء الرسول في

٧

كربلاء) للكاتب المصري خالد محمد خالد، كنت اجهش بالبكاء في اللحظة التي امسك فيها الكتاب واعجز عن مواصلة قراءته.

مضت ايام العمر الاولي، كان ابي هادئا لا يرتبط باي اتجاه سياسي او ديني من تلك الاتجاهات التي حفلت بها مصر خلال هذه الحقبة، اما انا فكنت مختلفا بعض الشيء عن باقي افراد الاسرة.

الجمعية الشرعية

في العام (١٣٨٨ه/١٩٦٨م) افتتح بالقرب من منزلنا مسجد (الجمعية الشرعية)، كانت تلك الجمعية تطرح علي الناس حديثا عن الاسلام والمسلمين مندده بالبدع التي دخلت علي الدين، وكانت ترفع شعارا مضمونه: ان لا خلاص للمسلمين مما هم فيه الا بتنقية الاسلام مما علق به من البدع والخرافات، واهمها بكل تاكيد ما يفعله الناس من قول سيدنا (محمد)صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدلا من قولهم (محمد) فقط مجردا من جميع الالقاب، والمصيبة الكبرى عندهم هي الصلاة علي النبي وآلة عقب الاذان، اما الشرك الاعظم - كما يرون- فهو بكل تاكيد زيارة قبور الصالحين من آل البيت او غيرهم، هذا هو الاسلام الصحيح من وجهة نظرهم.

اجتذبتنا هذه الدعوة (التصحيحية) اونة من الوقت، وما لبث المسجد ان تحول الى مجرد مكان للصلاة، ثم لا شيء.

٨

في الجامعة

حصلت على الثانوية العامة عام (١٣٩٠ه/١٩٧٠م) بمجموع مرتفع اهلني لدخول كلية الطب بمدينة المنصورة في جمهورية مصر العربية التي سبقني اليها اخي الاكبر المولع بالنشاط الفني، وهو ما اهله لدخول اتحاد الطلبة. وكان هذا حافزا لي على خوض التجربة نفسها، ولكن في مجال الثقافة. وكان هذا المجال النافذة التي فتحت لي باب الاطلاع علي الصراعات الفكرية والسياسية التي امتلات بها الساحة المصرية في اوائل السبعينيات، حيث كان التيار الشيوعي لا يزال نشطا من خلال المواقع التي احتلها في الحقبة الناصرية.

والواقع ان الحجم الاعلامي لهذا التيار تجاوز بكثير حجمه الحقيقي، وكان التيار الديني يتحرك بصورة خجولة محاولا اكتساب بعض المواقع، وكان من الطبيعي ان يحدث الصدام بين التيارين المتناقضين، وخاصة ان التيار اليساري كان يتحرك بصورة مستفزة للجميع.

في العام (١٣٩٥ه/١٩٧٥م)، وبعد سلسلة من الاستفزازات اليسارية، خضنا الانتخابات الطالبية تحت راية التيار الاسلامي في مواجهة التيار اليساري، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة لليسار وانتصار باهر للتيار الاسلامي، وتسلمت رئاسة اتحاد الطلاب بكلية طب المنصورة لعامين متتالىين.

٩

وقامت الثورة الاسلامية الايرانية

بهرني ذلك الرجل (روح اللّه الخميني) (رضوان اللّه عليه) منذ اللحظة الاولي، وبهرني ذلك الشعب العظيم الذي يتلقى الرصاص بصدره، ويستعذب الشهادة، وضايقني ان يكون ذلك الشعب (منحرف العقيدة) كما وصفه بعضهم من غير المنصفين، او ان تكون هذه الثورة العظيمة مجرد موامرة امريكية كما يصورها آخرون من دون وازع من دين او خوف من اللّه.

وعندما حاولنا طباعة كتيب لمناصرة الثورة الاسلامية في ايران، رفض ذلك بعض رفاقنا في العمل الثقافي، ولم يكن بوسعي يومها الا السكوت، فليست هناك مصادر للمعرفة حول هذا الامر.

ثم قتل السادات

كان رايى في محمد انور السادات، ولا يزال، هو ان هذا الرجل يحاول ممارسة السياسة ولكن علي طريقة لاعبي السيرك، فكان ان وجئت عنقه في احدى الالعاب الخطرة التي مارسها، وانه ارتكب كل موبقات السياسة.

اعطى الصهاينة ما لم يحلموا به طوال عمرةم، واعطى الامريكان عام (١٤٠٠ه/١٩٧٩م) القاعدة الجوية في مصر ليهاجموا ايران من اجل اطلاق رجال المخابرات الامريكية

١٠

المحتجزين في ما كان يطلق عليه السفارة الامريكية في طهران، واستقبل شاه ايران محمد رضا بهلوي علي ارض مصر مستفزا مشاعر (شعبين مسلمين): الشعب الايراني والشعب المصري.

ثم لم يمت حتى وقف في صف نظام صدام حسين في عدوانه على الجمهورية الاسلامية (١٤٠١ - ١٤٠٨ه/١٩٨٠ - ١٩٨٨م) قائلا: (نعم العراق هو المعتدي ولكننا نساعدة).

هذه هي الاجواء التي سبقت مقتله بيد احد رجآلة في يوم زينته، وهو المقتل الذي فتح علي ابناء الشعب المصري الكثير والكثير من المصاعب الى يومنا هذا.

لم يكن قد مضى على زواجي سوى ثلاثة ايام حين اصدر السادات آخر قراراته البهلوانية، وهو قرار التحفظ علي (١٥٠٠) شخص من معارضيه من كافة التيارات السياسية في مصر (سبتمبر/ ايلول ١٩٨١م)، لم يمض شهر حتى قتل السادات يوم السادس من اكتوبرر تشرين اول ١٩٨١م. ولم يمض شهر آخر حتى جاء زوار الفجر يطرقون الباب، طلبوا مني الحضور لمدة خمس دقائق، وهي خمس دقائق طالت مدة سنة كاملة. في هذا الوقت كنت علي وشك الانتهاء من رسالة (الماجستير).

بعد يومين كنت في (سجن الاستقبال) الذي كان مقرا للتحقيقات في قضية تنظيم الجهاد، وفي اللحظة التي دخلت فيها تلقيت الصفعة الاولي التي اطاحت بنظارتي الطبية وكسرتها،

١١

حاولت لملمة النظارة فلم افلح، اذ انهالت الضربات عليّ من كل جانب، ثم امرنا بالوقوف في مواجهة الحائط والايدي مرفوعة الى اعلي، وانهالت السياط على ظهورنا، هذه يسمونها (حفلة الاستقبال). ثم حلقوا لنا رووسنا بصورة مشوهة، ثم قادونا الى الزنازين بالسياط والركلات، كان هذا في بداية فصل الشتاء، وقد القي بنا في الزنازين على البلاط معصوبي الاعين بعدما اخذوا ملابسنا.

وكانت التعليمات تقضي ببقاء العصابة علي العيون حتى في داخل الزنزانة، والوقوف انتباها لحظة دخول الجنود، في مواجهة الحائط، وتلقى السياط او الكابلات وفقا لما تيسر. كان هذا السجن احد المواقع الاساسية للتحقيقات مع تنظيم الجهاد، وكان التحقيق يبدا يوميا بعد الساعة العاشرة مساء ولا ينتهي الا مع طلوع الفجر، حيث كنا في كل ليلة نسمع صراخ المحققين يطلبون من المعتقلين الاعتراف، وصراخ المعتقلين تحت التعذيب. اما عن اسلوب التعامل معنا في المعتقل فالعنوان الابرز هو انعدام الانسانية.

الحير ة

.. وهكذا مضى عام كامل عليّ في ذلك المعتقل غير الانساني، الذي كانت فيه ابسط حقوقنا الانسانية مسلوبة. بيد ان اللّه تبارك وتعالى انزل علينا صبرا، ووفقني لحفظ القرآن الكريم.

١٢

وبقيت تجربة السجن مع هذه التيارات المختلفة في الراي، والمتنازعة في الاهواء، ماثلة امامي، وما لفتني هو اجتماع كل اولئك في ضيافة النظام الحاكم.

لقد كانت هذه التجربة فرصة رائعة للتامل في الكثير من الافكار، وفي فكر المجموعات من حولي، واستخلاص العبر من معايشتها ومعاينتها، وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا.

وفي مثل هذا الجو الذي يخيم عليه الجهل، لم تكن قضية مذهب آل البيت(ع) مطروحة لاسباب عديدة قد يكون من اهمها انعدام ادوات المعرفة.

انتهت رحلة المعتقل يوم ٣١/١٠/١٩٨٢م. (١٤٠٢ه)، حيث عدت الى مكاني في مستشفى المنصورة الجامعي، والى بيتي الصغير، والى اسرتي. وسارت الامور هادئة. وكان الغيث ينزل من السماء رويدا رويدا.

* * *

١٣

١٤

كيف نزل الغيث؟

حوار حول المهدي المنتظر

التقيت ذات يوم من ايام الاعوام(١٤٠٤ - ١٤٠٦ه/١٩٨٣ - ١٩٨٥م) باحد الاصدقاء المصريين العائدين من بعثة علمية في بريطانيا، واخبرني انه التقى ببعض الايرانيين اثناء دراسته، ودار بينه وبينهم حوار حول الثورة الاسلامية في ايران، واخبروه ان هناك حديثا اسمه (حديث الرايات السود)(١) التي تاتى من قبل المشرق تمهد للمهدي، قلت له: لا علم لي بمثل هذه الرواية، فسكت. والتقيت باحد الاصدقاء (الازاهره) (نسبه للازهر الشريف) فسالته عن حقيقة الامر فلم يعطنى اجابه نافعه كعادتهم، فكل شيء عندهم فيه قولان واحيانا ثلاثة وربما اربعة، فلم اقتنع بكلامة، وقلت

____________________

(١) جاء في موسوعة (بحار الأنوار)، ٥١/٨٢: (قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فانتوها و لو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي)

بحار الأنوار للشيخ محمد باقر المجلسي، ٥١/٨٢، دار إحياء التراب العربي، بيروت، ط (٣)، ١٤٠٣ه – ١٩٨٣م.

١٥

ابحث بنفسي، فوجدت الرواية في كتاب (الملاحم والفتن) لابن كثير عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(انا اهل بيت اختار اللّه لنا الاخرة، وان اهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديدا وتطريدا حتى ياتي قوم من قبل المشرق يحملون الرايات السود يسالون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون، فمن ادركهم منهم فلياتهم ولو حبوا علي الثلج فان فيهم خليفة اللّه المهدي)، وغيرها من الروايات المشابهة. واصلت البحث فوجدت روايات اخرى تمدح (الشيعة)، وهي روايات لا تقبل التاويل او التدجيل، مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير قوله تعالى في سوره الجمعه:( وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَکِيمُ ) «الجمعه/٣». قال: (هذا وقومه واشار الى سلمان الفارسي)، وهي رواية موجودة في تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وغيرهما.

الكتب الصفراء

في هذه الاونة (١٩٨٢ - ١٩٨٥) كانت الحرب العراقية الايرانية علي اشدها، فجاة تحول جزء من النفط عن مساره المعهود في تمويل آلة الحرب العراقية، او تسخين الليالى الحمراء، وتحويلها الى ليال ملتهبة. فتحولت بعض المنابر الى (منابر حمراء) هي الاخرى.

١٦

في هذه الاونة امطرت الساحة المصرية بوابل من الكتب الصفراء التي تتهجم علي المسلمين الشيعة، وانطلق التيار السلفي ليقوم بالدور المرسوم له في مهاجمة المسلمين الشيعة وبيان بطلان عقائدهم. ومن الواضح تماما ان هولاء كانوا ينفذون خطا مرسوما ومدعوما بل ويحاولون الايحاء بان وراء التشيع في الجمهورية الاسلامية خطا عنصريا فارسيا في مواجهة الاسلام العربي! وهذه مقولة تكشف بوضوح الروية البعثية العراقية التي امتطت ظهر السلفية. والغريب ان احد الصحفيين المصريين الذين ما زالوا على عهد الولاء بمقاومة الشيعة واهل البيت حتى آخر اكذوبة في جعبته النتنه، قد طلع علينا بمقولة ان التشيع الايراني انما هو من ايحاء (اوروبا) التي ارادت ان تجعل من تشيع ايران وسيلة لضرب الدولة العثمانية.

لا باس من الكذب، والقوم شعارهم (آيها الكذابون لا تخجلوا)!.

لماذا اخترت مذهب اهل البيت؟

كنت في سفرة عائلية في احد ايام صيف عام (١٤٠٥ه/١٩٨٤م). وعثرت في احدى المكتبات علي كتاب عنوانه: (لماذا اخترت مذهب اهل البيت)؟. استاذنت في اخذه. لم يكن احد يعبا

١٧

به او يعرف محتواه. اخذت الكتاب، وقراته. تعجبت، ثم تعجبت كيف يمكن لعالم ازهري هو الشيخ الانطاكي(١) مولف الكتاب ان يتحول الى مذهب اهل البيت(ع)، ارقتني هذه الفكرة اونة وقلت في نفسي: هذا الرجل له وجهة نظر ينبغي احترامها، لم اقرر شيئا، آنئذ، واحتفظت بالكتاب.

خلفاء الرسول الاثنا عشر

بعد عام وفي التوقيت نفسه، وفي المكان نفسه، عثرت على الكتاب الثاني: (خلفاء الرسول الاثنا عشر)، قراته وفهمته ولم اقرر شيئا، لم يات آنئذ، اوان اتخاذ القرار، لكنه صار قاب قوسين او ادنى.

التحول - الاستفزاز - الزنداني - حزب اللّه - حركة التوحيد الاسلامي - طرابلس - الشيخ سعيد شعبان - سبتمبررايلول ١٩٨٥ - الاعجاز العلمي في القرآن الكريم.

التقت جميع هذه العناوين فجاة في سبتمبررايلول ١٩٨٥.

____________________

(١) الشيخ الأنطاكي:هو محمد مرعي الامين الأنطاكي، ولد سنة (١٣١٤ه-١٨٩٦م) في قرية تدعى (عنصو) في تركياء تتلمذ في الأزهر الشريف للشيخ مصطفى المراغي، و الشيخ محمد أبو طه المهني. تولي إمامة الجماعة و الجمعة والتدريس و الإقتاء في حلب بسوريا نحو خمسة عشر عاما.

١٨

كنت على وشك انهاء رسالة الدكتوراه، كانت وما زالت تسليتي الوحيدة في اثناء العمل هي جهاز الراديو نعرف اخبار العالم وماسي المسلمين منه، فجاة التهبت المعارك في طرابلس - لبنان بين حركة التوحيد الاسلامية بقيادة الشيخ سعيد شعبان (حزب سني) وبين الاحزاب اليسارية، وكانت معارك ساخنة: قصف، وحصار، وقتلى.

في هذه الاثناء كان هناك موتمر (الاعجاز العلمي في القرآن الكريم) الذي اشرفت عليه - وقتها - نقابة الاطباء في مصر، كنت احضر هذا الموتمر. وبعد انتهائه التقيت باحد الزملاء الذين يتحركون في معية الشيخ عبد المجيد الزنداني الىمني اللاجى‏ء للعربية السعودية آنئذ، اقترح عليّ هذا الزميل لقاء الشيخ ودعوته لالقاء محاضرة في احد مساجد المنصورة عن الاعجاز العلمي في القرآن الكريم، وهي مسالة كان وما زال لي فيها راي مختلف، لا باس قلنا نذهب لدعوة الشيخ، صعدنا اليه في غرفته الفاخرة في احد فنادق القاهرة، قمت بتوجيه الدعوة اليه، كان الرجل حريصا على ابراز جواز السفر الدبلوماسي السعودي الذي كان يحملة رغم كونه يمنيا.

قبل ان اذهب الى المحاضرة كنت قد استمعت الى آخر الاخبار عن طرابلس وحركة التوحيد المحاصرة من جميع

١٩

الجهات. والتي كادت الاحزاب اليسارية في لبنان تفتك بها، وعن تدخل الجمهورية الاسلامية الايرانية لانهاء الحصار وانقاذ الشيخ سعيد شعبان (السني) وحزبه من الدمار، وذهاب وفد من حزب اللّه الى طرابلس لضمان امن الشيخ. موقف هزني من الاعماق، واسعدني ان يكون هذا موقف الجمهورية الاسلامية ورئيسها آنئذ السيد علي الخامنئي الذي هاتف الرئيس السورى حافظ الاسد مدة ساعة لانهاء الازمة. ذهبت الى المحاضرة، وجاء الشيخ وقال ما لديه عن الاجنة والفلك وان الاسلام حلو وجميل.

جاء دور العشاء، وعلي المائدة جاء دور الاسئلة الخاصة، فسآلة سائل عن ايران والخميني والشيعة؟ ويبدو ان الرجل لم يكن يتوقع اى معارضة فاتخذ موقفا شتاما منذ البداية: هولاء الشيعة اوغاد - يحاربون الجهاد الافغانى - كذبوا علي اللّه وادعوا اثني عشر اماما فابي اللّه الا ان يخزيهم فغيب امامةم الثاني عشر وهم ينتظرونه عند السرداب.

قلت: سبحان اللّه يا مولانا، المعركة الان هي بين الاسلام والعلمانية المدعومة من قوى الكفر العالمي، ولا ينبغي اطلاقا ان نسمح بمعركة بين الاسلام السني والاسلام الشيعي. ثم سالته: اين كانت الدول الاسلامية السنية وحركة التوحيد الاسلامية السنية تذبح في طرابلس؟

٢٠

الأوضاع المختلفة لتأريخ الإسلام المملوءة حركةً وثورةً ؛ ولهذا نلاحظ هناك أسباب لنزول آيات القرآن ، وسبب النزول لا يحدّد معنى الآية ، بل - وبالعكس - فإنّ معرفة سبب النزول يُرْشِد ويؤثّر كثيراً في توضيح مضمون الآيات.

* الشرط الثالث :

هو الإلمام بكلمات وأقوال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالرسول بنص القرآن ، أوّل مفسّر لهذا الكتاب ، حيث جاء في القرآن :

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( سورة النحل : آية :٤٤ ).

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ( سورة الجمعة : آية : ٢ ).

الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مِن نظر القرآن - بنفسه مبيّن ومفسّر لهذا الكتاب ، وما جاءنا من الرسول يعيننا على تفسير القرآن.

٢١

أمّا بالنسبة إلينا - نحن الشيعة - الذي نعتقد بالرسول والأئمّة الأطهارعليه‌السلام ، ونعتقد أنّ ما كان للرسول من قبل الله فقد نقله إلى أوصيائه المكرمين، فإنّ الأحاديث المعتبرة التي وصلتْنا من الأئمّة ، لها نفس اعتبار الأحاديث المعتبرة ، الواصلة من رسول الله ، فإنّ الروايات الموثّقة من الأئمّة ، تساعدنا كثيراً في معرفة القرآن.

هناك نقطة لا بدّ أنْ نهتمّ بها في التحقيق حول القرآن ، وهي أنْ نتعرّف على القرآن بالاستعانة بالقرآن نفسه ، وهي أنْ نتعرّف القرآن بالاستعانة بالقرآن نفسه.والغرض من ذلك أنّ مجموعة آيات القرآن تكوّن مع بعضها بناءً متراصّاً، أي إنّنا إذا أخذنا آية واحدة من آيات القرآن، وقلنا إنّنا نريد فهْم هذه الآية فقط ، يعتبر هذا أسلوب خاطئ ، وبالطبع يُحتمل أنْ يكون فهمنا لتلك الآية فهْماً صحيحاً، ولكنّ هذا عمل مخالف للاحتياط ، فآيات القرآن تفسّر بعضها بعضاً، وكما قال بعض المفسّرين الكبار ، فإنّ الأئمّة الأطهار أيّدوا هذا الأسلوب من التفسير.

القرآن له أسلوب خاص بنفسه في توضيح وبيان المسائل ، ففي موارد كثيرة إذا أخذتَ آيةً واحدة من

٢٢

القرآن، دون عرضها على الآيات المشابهة ، فإنّها تأخذ مفهوماً يختلف كلِّيَّاً عن مفهوم نفس الآية، إذا وضعت بجانب الآيات التي تشابهها في المضمون.

لعرض نموذج من هذا الأسلوب الخاص للقرآن ، نستطيع ذكر الآيات المحكمة والآيات المتشابهة.

هناك تصوّر ساذج بالنسبة للمحكمات والمتشابهات ، فيعتقد البعض بأنّ الآيات المحكمة : هي التي عرضت فيها المواضيع بصورة عاديّة وصريحة ، والآيات المتشابهة بعكس ذلك ، فإنّ الموضوعات فيها على صورة ألغاز ورموز.

وبمقتضى هذا التعريف يحق للناس أنْ يتدبّروا في الآيات المحكمة والصريحة فقط ، وأمّا الآيات المتشابهة فلا يمكن معرفتها، ويُمنع التفكّر فيها.

وهنا بالطبع يطرح هذا السؤال نفسه : ما هي إذن فلسفة الآيات المتشابهة ؟ لماذا يعرض القرآن آيات غير قابلة للمعرفة ؟ الجواب بالإيجاز هو أنّ الآيات المحكمة ليس معناها الآيات الصريحة والواضحة ، وليست الألغاز

٢٣

والرموز معاني للمتشابهات.

اللغز لفظ مبهم ، لا يُفهم معناه مباشرة ، والآن لننظر هل توجد في القرآن آيات مبهمة ؟

هذا القول ينافي نصّ القرآن الذي يقول بأنّ القرآن كتاب مبين في آياته ، وأنّ آياته واضحة مفهومة ، وجاءت لتكون نوراً وهدى للناس.

إلاّ أنّ سرّ الموضوع يكمن في بعض المواضيع المعروضة في القرآن ، خاصة عندما يأتي الكلام عن ما وراء الطبيعة والأمور الغيبيّة فإنّها غير قابلة للبيان والتوضيح أساساً مع الألفاظ.

ولكن بما أنّ لغة القرآن هي اللغة المتداولة بين البشر ، فإنّ هذه المواضيع المعنويّة اللطيفة وردت بنفس العبارات والألفاظ التي يستخدمها البشر في الموضوعات المادِّيَّة.ولكن لتجنّب سوء الفهم فإنّ المسائل الواردة في بعض الآيات لا بدّ أنْ تسرِ بمعونة الآيات الأخرى ، ولا يوجد سبيل آخر غير هذا السبيل.

فمثلاً يريد القرآن أنْ يذكر حقيقة ادّعاء رؤية الله بالقلب ( أي الإنسان يستطيع أنْ يرى الله بقلبه ) ، ورد

٢٤

هذا المعنى في قالب العبارات :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ( سورة القيامة : آية : ٢٢ - ٢٣ ).

استخدم القرآن لفظة ( النظر ) ؛ لأنّه لا توجد كلمة أنسب من هذه الكلمة لأداء الغرض والمقصود ، ولتجنّب الاشتباه يوضّح في مك-ان آخر :( لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ( سورة الأنعام آية : ١٠٣ ).

يلاحظ القارئ أنّه بالرغم من التشابه اللفظي ، لا يوجد تشابه بين هذه الأمور ، ويختلف كلٌّ عن الآخر اختلافاً كاملاً.والقرآن - لتجنّب الخطأ بين المعاني العالية والمعاني المادِّيَّة - يأمرنا بإرجاع المتشابهات إلى المحكمات.

( ... أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ... ) ( سورة آل عمران : آية : ٧ ).

بعض الآيات محكمة ، أي إنّ لها ذلك

٢٥

الاستحكام الذي لا يمكن فصلها عن معانيها ، واتخاذ معانٍ أخرى لها.هذه الآيات هي أمّ الكتاب ، أي إنّها الآيات الأم.

فكما أنّ الطفل يرجع إلى أمّه ، وأمّه تكون مرجعاً له ، وأنّ المدن الكبيرة ( أُمّ القرى ) تكون مرجعاً للمدن الأصغر ، فالآيات المحكمة أيضاً تحسب مرجعاً للآيات المتشابهة.

الآيات المتشابهة للتدبّر والتفكّر ، ولكن لا بدّ من الاستعانة بالآيات المحكمة لكي نتدبّر فيها.وبدون الاستعانة بالآيات الأم ، فإنّ ما يُستنتج من الآيات المتشابهة غير صحيح وليس له اعتباره.

هل يمكن معرفة القرآن

إنّ أوّل سؤال يطرح نفسه لدى التحقيق في موضوعات القرآن هو :

- هل يمكن - أصلاً - معرفة القرآن ؟

- وهل هناك إمكانيّة التحقيق في القرآن ؟

- وهل يمكن التفكّر والتدبّر في مواضيع ومسائل القرآن ؟ أَمْ أَنّ هذا الكتاب لم

٢٦

يُعرض أساساً للمعرفة ؟ بل فقط للتلاوة ، والقراءة ، والتبرّك ، والتيمّن ، وأخذ الثواب ؟

يمكن أنْ يخطر على البال أنّ هذا السؤال ليس له وجه ؛ لأنّه لا يشكّ أحد أنّ القرآن كتاب للمعرفة ، ولكن لظهور قضايا خاطئة في مسألة معرفة القرآن بعلل مختلفة في العالم الإسلامي ، وكان لها تأثير فعّال في انحطاط وتدهور المسلمين ولا زالت - مع الأسف - جذور تلك الأفكار المنحطّة الخطرة موجودة في مجتمعاتنا ، لذلك يلزمنا أنْ نوضّح قليلاً هذا الموضوع :

ظهر بين علماء الشيعة قبل ثلاثة أو أربعة قرون أشخاص يعتقدون بعدم حجِّيَّة القرآن ، ولم يعترفوا في ثلاثة من المصادر الأربعة للفقه ، والتي ارتضى بها علماء المسلمين ، بمثابة معايير لمعرفة المسائل الإسلاميّة ، وهي القرآن والسنّة والعقل والإجماع.

كانوا يدعون : إنّ الإجماع من بنات علماء المذاهب الأخرى ولا يمكن اتّباعه ، والعقل لا يجوز الاعتماد عليه لكثرة أخطائه ، وأمّا بالنسبة للقرآن فكانوا

٢٧

يعتقدون بأنّه أكبر من أنّ نستطيع نحن البشر أنْ نطالعه ونتأمّل فيه ولا يحقّ إلاّ للنبي والأئمّة من التعمّق في آيات القرآن ونحن لا يحقّ لنا غير تلاوة الآيات ، وهؤلاء هم الإخباريّون.

الأخباريّون لا يجوّزون إلاّ مراجعة الأخبار والأحاديث. ربّما تعجّبْتم إذا علمتم أنّ بعض التفاسير التي كُتبت من قِبل هؤلاء ، إذا رأوا حديثاً في ذيل آية ذكروها ، وإنْ لم يجدوا حديثاً امتنعوا حتّى من ذكر الآية ، وكأنّ تلك الآية ليست في القرآن.

هذا العمل كان نوعاً من الظلم والعدوان تجاه القرآن.وطبيعي أنّ مجتمعاً يطّرد بهذا الشكل كتابه السماوي - وأيّ كتاب كالقرآن - ، ويسلمه بيد النسيان، لا يمكن أنْ يتحرّك أبداً في مسير القرآن.

وكان هناك فِرَق أخرى غير الأخباريّين يمتنّعون من وضع القرآن في متناول أيدي العامّة ( من الناس ) ، نستطيع أنْ نذكر من هذه الفِرَق : الأشاعرة الذين كانوا يعتقدون بأنّ معرفة القرآن لا تعني التدبّر في آيات القرآن ،

٢٨

بل معناها فهم المعاني اللفظيّة للآيات ، أي إنّ ما عرفناه من ظاهر الآيات نقبلها ولا يهمّنا من واقعها شيئاً.

وطبيعي أنّ هذا الأسلوب من المعاملة مع القرآن سريعاً ما يدعو إلى الضلال والانحراف ؛ لأنّه لا مفرّ من توضيح معاني الآيات ، ولكن لأنّهم عطّلوا العقل ، فلا بدّ أنْ يحصلوا على نتائج ساذجة من القرآن.

وبدليل هذا النوع من التفكير ، انحرفوا عن طريق الإدراك الصحيح ، واعتقدوا اعتقادات باطلة من قبيل التجسّم ، أي إنّ الله جسم ، مئات من العقائد الانحرافيّة الأخرى مثل قولهم بإمكانيّة رؤية الله بالعين والتحدّث مع الله بواسطة اللسان العضوي و.....

وفي مقابل الفِرق التي تركت القرآن من الأساس ، ظهرتْ فرقة أخرى جعلوا القرآن وسيلة للوصول إلى أغراضهم وأهدافهم الشخصيّة.وكلّما كانت تقتضي مصالحهم قاموا بتأويل القرآن ونسبوا إليه أموراً لا ترتبط أساساً بروح القرآن ، وعند مواجهتهم أيّ اعتراض كانوا يجيبون أنّهم دون غيرهم يعرفون بواطن الآيات ، وأنّ

٢٩

المعاني المستخرجة حصلوا عليها من معرفة بواطن الآيات.

وإنّ أبطال هذه الحركة في تاريخ الإسلام فرقتان :

أولاها الإسماعيليّة : ويُقال لهم الباطنيّة.

وثانيتها المتصوفة الإسماعيليّة : يسكنون الهند ويسكن بعضهم في إيران.وقد نجحوا في استلام الحكم، وهي الحكومة الفاطميّة في مصر.

يُعرف الإسماعيليّون بأنّهم من الشيعة ، ويعتقدون بستّة من الأئمّة ، ولكن أجمع علماء الشيعة الاثنا عشريّة أنّ هؤلاء بعيدون عن التشيّع كل البُعد ، حتّى أهل السنّة الذين لا يعتقدون بأئمّة الشيعة كما تعتقد الشيعة ، أقرب إلى التشيّع من هؤلاء الشيعة المعتقدين بستّة من الأئمّة ( اشترك جماعة - بالنيابة عن الإسماعيليّين - في مجمع التقريب بين المذاهب الإسلاميّة الذي تأسّس قبل ٣٥ سنة تقريباً، واجتمعتْ فيه جميع الفِرق الإسلامية ، وهناك اتّفق علماء الشيعة والسنّة أنّ الإسماعيليّين ليسوا من الفِرق الإسلاميّة ، ولم يسمحوا لهم بالاشتراك في ذلك المجمع ).

٣٠

ارتكب الإسماعيليّون بواسطة اعتقادهم بالباطنيّة خيانات كثيرة في تاريخ الإسلام ، وكان لهم دور كبير في إيجاد الانحراف في الأمور الإسلاميّة.

وإذا انصرفنا عن الإسماعيليّة ، فهناك المتصوّفة الذين لهم دور كبير في مسألة تحريف الآيات وتأويلها طبقاً لعقائدهم الشخصيّة ، أذكر هنا مثالاً واحداً لتفاسيرهم ، حتّى تتّضح طريقتهم في التحريف ، ولْيقرأ القارئ حديثاً مفصّلاً من هذا المجمل.

عندما ورد ذكر إبراهيمعليه‌السلام وابنه إسماعيلعليه‌السلام في القرآن ، يحكي القرآن أنّ إبراهيم كان يُؤمَر في المنام - عدّة مرّات - بذبح ابنه في سبيل الله.يتعجّب إبراهيم في البداية من هذا الأمر ، ولكن بعد تكرّر الرؤيا يتيقّن ويسلّم أمره إلى الله ، ثمّ يُخبر ابنه عن هذا الموضوع ، ويَقبل ابنه بكلّ إخلاص ويستسلم لحكم الله ، قال تعالى :

( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( س-ورة الصافات : الآية : ١٠٢ ) ، والغرض هو إظهار التسليم والرضا بقضاء الله.

٣١

ولذلك فعندما يستعدّ الأب والابن بكلّ إخلاص لتنفيذ أمر الله تبارك وتعالى ، يتوقّف تنفيذ الحكم بإذن الله.

وفي تفسير هذه الحادثة يقول المتصوّفة : إنّ المقصود من إبراهيم هو العقل ، والمقصود من إسماعيل هو النفس ، والعقل - هنا - كان يريد أنْ يذبح النفس !!

وواضح أنّ هذا النوع من التفسير لا يكون لعباً بالقرآن ، وإظهار نوع من المعرفة الانحرافيّة.وبالنسبة لهذه التفاسير المنحرفة والمبتنية على الأميال والأهواء النفسيّة والحزبيّة ، يقول الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار ).

وهذا النوع من التفسير (المتقدّم) يعتبر اتّخاذ القرآن لعباً ، وأنّه خيانة كبرى.

( لقد كثرت في عصرنا الحاضر - وللأسف - التفاسير الانحرافيّة والالتقاطيّة ، وقد أخذتْ الأفكار الإلحاديّة صبغة إسلاميّة أحياناً.وقد بدأ أستاذنا الشهيد حركة واسعة النطاق لمواجهة مثل هذه الحركات الانحرافيّة، وناضل بفكره ويراعه ما استطاع ، حتّى أنّه استشهد في هذا السبيل ).

اتّخذ القرآن أسلوباً وسطاً في مقابل الجمود والتفكّر

٣٢

الجاف للأخباريّين ونظرائهم ، وكذلك في مقابل الانحرافات والتفاسير الخاطئة للباطنيّة وغيرهم ، وهذا الأسلوب ( الوسط ) عبارة عن التأمّل والتدبّر المنصف والبعيد عن الأغراض والأهواء.

القرآن يدعو المؤمنين ، بل وحتّى المخالفين بالتفكير في آياته ، ويدعوهم بأنْ يتأمّلوا في آياته بدلاً عن صدّها وإنكارها.

يقول في خطاب مع المخالفين :( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ( سورة محمّد : آية : ٢٤ ).

يقول في آية أخرى :( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ) (سورة ص : آية : ٢٩ ).أنه كتاب مبارك مثمر أرسلناه إليك ، لماذا ؟ لم نرسله ليقبلوه ويضعوه فوق الرفوف ، بل أرسلناه ليفكّروا ويتدبّروا في آياته.

هذه الآيات وعشرات الآيات الأخرى التي تؤكّد على تدبّر القرآن ، تجوّز وتؤيّد تفسير القرآن ‎ ، ولكنْ ليس

٣٣

تفسيراً على الهوى والميل النفسي ، بل على أساس الصدق والإنصاف ، بعيداً عن الأغراض الشخصيّة.عندما تتأمّل في القرآن بإنصاف وبدون غرض ‎ ، فلا ضرورة لنا في إمكانيّة معرفة كلّ مسائلة.

القرآن من هذه الجهة يشبه الطبيعة.فكم من أسرار في الطبيعة لم تنكشف بعد ، وليس هناك أمل في اكتشافها في الأوضاع الحاليّة ، ولكنّها سوف تُكشف في المستقبل.

وإضافة على ذلك ، بالنسبة إلى معرفة طبيعة الإنسان ، لا بدّ من مطابقة التفكّر مع الطبيعة كيفما كانت.

القرآن أيضاً كتاب مثل الطبيعة لم ينزل لزمن واحد ، وإذا كان غير ذلك فقد كانوا يكتشفون غوامضها جميعاً في الماضي ، وكان هذا الكتاب السماوي يفقد جاذبيّته وطراوته وتأثيره.

إنّ الاستعداد للتدبّر والتفكّر وكشف غوامض القرآن موجود دائماً ، وهذه نقطة وضّحها النبي والأئمّة

٣٤

عليهم‌السلام ، في حديث منقول عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه - ما معناه - :مَثَل القرآن مثل الشمس والقمر ، يتحرّك مثلهما باستمرار ، أي إنّه ليس ثابتاً ولا يبقى في مكان واحد ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً : ( القرآن ظاهرة أنيق وباطنه عميق ) ( هذه الجملة جاءتْ ضمن حديث طويل للرسول الأعظم - ص - في فضل القرآن ، الكافي : ج٤ ، ص ٣٩٩ ).

في عيون أخبار الرضا ، نُقل من قول الإمام الرضاعليه‌السلام ، أنّه سُئل الإمام الصادقعليه‌السلام : ما هو السرّ في بقاء القرآن على طراوته كلّما يُتلى أكثر ، وكلّما يمضي عليه الزمان زمناً أطول ؟

فأجاب الإمام : ( لأنّ الله لم ينزلْه لزمان دون زمان ، ولا لناسٍ دون ناس ).

لقد أوجده الله ليسبق الأفكار والأزمنة في أيّ زمان ، مع وجود الاختلافات الكثيرة في المعلومات وأنواع التفكّر ومدى اتّساع الفكر ، مع أنّه يحوي مجهولات لقُرّائه في كلّ زمان ، ولكنّه يعرض مقداراً كبيراً من المعاني والمفاهيم القابلة للإدراك ، بحيث يُشبع حاجة الزمان.

٣٥

الفصل الثاني

* المعرفة التحليليّة للقرآن.

* كيف يعرّف القرآن نفسه ؟

* التعرّف على لغة القرآن.

* المخاطَبون في القرآن.

٣٦

المعرفة التحليليّة للقرآن

في هذا الفصل نريد البحث في مضامين القرآن ، وفي الحقيقة لو أردنا التعرّض لمواضيع القرآن واحداً واحداً لكلّفنا أطناناً من الورق.لذلك نعرض الكلّيّات في البداية ثمّ نذكر بعض الجزئيّات.

لقد بحث القرآن مسائل كثيرة ، وتعرّض لبعضها بشيء من التفصيل ، وبحث البعض الآخر بحثاً بإيجاز.

ومن المسائل التي وردتْ في القرآن : مسألة العالَم وخالق العالَم.

* يجب أنْ نلاحظ تعريف القرآن لذات الله :

هل أنّه تعريف فلسفي أو عرفاني ؟

هل جاء هذا التعريف كما ورد في سائر الكتب الدينيّة مثل التوراة والإنجيل ، أو أنّه يشبه ما في المبادئ الهنديّة ؟

أو أنّ للقرآن أساساً ، أسلوب خاص وطريقة مستقلّة في معرفة الله ؟

٣٧

* الموضوع الآخر والمعروض في القرآن هو موضوع العالَم.يجب أنْ نلاحظ نظرة القرآن حول العالم :

هل يرى العالَم والخِلْقَة عبثاً ولعباً ، أو أنّه يرى العالم طبق نظام صحيح ؟

هل يرى العالَم على أساس مجموعة من السنن والقواعد ، أو يحسبه عبثاً ودون قواعد ، وكأنّه لا يوجب أي شيء شرطاً لشيء آخر ؟

* ومن المسائل العامّة الواردة في القرآن ، مسألة الإنسان ، يجب علينا أنْ نحلّل رأي القرآن بالنسبة للإنسان :

هل يتحدّث القرآن عن الإنسان مع حسن نيّة ، أو أنّ له نظرة سيّئة تجاه الإنسان ؟

هل يحقّر الإنسان ، أو يعتبر أنّ له عِزّة وكرامة ؟

* المسألة الأخرى هي مسألة المجتمع البشري :

هل يرى القرآن للمجتمع الإنساني أصالة وشخصيّة ، أو أنّه يعد للفرد أصالة فقط ؟

هل للمجتمع في نظر القرآن حياة وموت وارتقاء وانحطاط ، أو أنّ هذه الصفات تعتبر صادقة بالنسبة للفرد فقط ؟

* وبهذه المناسبة ، يأتي الحديث عن التأريخ :

فما هو رأي القرآن بالنسبة إلى التاريخ ؟

وما هي القوى

٣٨

المحرّكة للتأريخ ؟

وإلى أيّ حد يؤثّر الفرد في إيجاد التاريخ ؟

* وهناك مواضيع كثيرة جدّاً وردتْ في القرآن ، نُشير إلى بعض منها بإيجاز ، من ضمن هذه المواضيع :

نظرة القرآن حول نفسه.

ثمّ موضوع النبي في القرآن ، وأنّ القرآن كيف يعرّف النبي ، وكيف يتحدّث معه و....

الموضوع الآخر هو : وصف المؤمنين في القرآن وصفات المؤمنين وغير ذلك.

* وبالطبع ، فإنّ لكلّ هذه البحوث الكلّيِّة شعب وفروع ( مختلفة ) ، فمثلاً :

عندما نبحث حول الإنسان ، لا بدّ أنْ نبحث عن أخلاقه أيضاً.

وعندما نبحث عن المجتمع ، فيلزمنا التحدّث عن روابط الأفراد فيه.

وموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وموضوع الفوارق الاجتماعيّة.

كيف يعرّف القرآن نفسه ؟

عندما نبحث عمّا يشتمل عليه القرآن ، من الأحسن أنْ نرى رأي القرآن عن نفسه وكيف يعرّف نفسه ؟

* إنّ أوّل

٣٩

* نقطة يُصرّح بها القرآن - لدى التعريف عن نفسه - :

أنّ هذه الكلمات والجُمَل هي كلام الله ، ويُصرّح القرآن أنّه ليس من تعبير وإنشاء النبي ، بل إنّ النبي يبيّن - بإذن من الله - ما يُلقى عليه بواسطة روح القدس جبرائيل.

* والتوضيح الآخر الذي يعرضه القرآن في تعريف نفسه :

هو توضيح رسالته التي هي عبارة عن هداية أبناء البشر ، وإرشادهم للخروج من الظلمات إلى النور ،( ... كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ... ) ( سورة إبراهيم : آية : ١ ).

ولا شكّ أنّ الجهل والمجهولات من مصاديق هذه الظلمات ، وأنّ القرآن يُخرج البشر من هذه الظلمات ، ويدخلهم إلى أنوار العلم.

ولكن إذا كانت هذه الظلمات تنحصر في المجهولات ، فكان الفلاسفة أيضاً يتمكّنون من إجراء هذه المهمّة ، إلاّ أنّ هناك ظلمات أخرى أخطر كثيراً من ظلمات الجهل ، ولا يتمكّن العلم من مقاومتها.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84