المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية23%

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 260

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 115171 / تحميل: 7503
الحجم الحجم الحجم
المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثانياً: أوصاف القائم المنقذ في العهدين

ذكرت الكتب المقدّسة أوصافاً تدلُّ دلالةً مباشرة على رجل الله الموعود المنقذ للعالم وفيا يلي نذكرُ جانباً منها، فيما يتعلَّقُ بعلمهِ و شدتهِ في الله وقوّته الربانية وجمالُ منقذ العالم ظاهراً وباطناً، وكونه عبدُ الله المختار والمسدَّد بروحه... مراعين في ذلك الإختصار:

١: العلم الرباني لمنقذ العالم

إنَّ (معرفة منقذ البشرية بجميع العلوم والقوانين والمصالح الإنسانية)(١) أمرٌ لابّدَّ منهُ، لكي يتمكَّن من إدارة العالم إدارةً ربانيةً بأكمل وأحسن صورة، لذا فقد طفحت الكتب المقدسة بذلك.ٍ

في سفر أشعيا:

(٢) ويحل عليه روح الرب، وروح الحكمة والفهم، وروح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب. (٣) ولذته في مخافة الرب، لا يقضي بحسب مرأى عينيه، ولا بحسب مسمع اذنيه).(٢)

٢: شدة المنقذ وقوّته الربانيّة

إنَّ (وجوب قدرة المصلح العالمي)(٣) نستطيع إدراكهُ بالوجدان، لكي يتسنّى له أن يحقَّ الحقَّ ويحييه ويميت الباطل ويدحضهُ، لذلكَ يُعزِّزهُ الله تبارك وتعالى بالإمداد الغيبي والخوف والرعب والملائكة والجن

____________________

(١) المصلح الغيبي والحكومة العالمية الواحدة، ص ٣٠-٣١.

(٢) سفر أشعيا ١١: ٢، ٣:ألأصل العبرى،العهد القديم، ص٦٢٥.

انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرات، ٢،٣، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١٢٣-١٢٧.

(٣) المصلح الغيبي والحكومة العالمية الواحدة، ص ٣٢-٣٣.

(٤) انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص ٢٠١ وما بعدها.

(٥) سفر أشعيا ١١: ٤:ألأصل العبرى،العهد القديم، ص٦٢٥.انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرة: ٤، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١٢٣-١٢٧.

١٨١

والمؤمنين...(١) ويقوّي بذلك سلطانه ودولته الإلهية الكبرى:

في سفر أشعيا:

(٤ ويحكم بالانصاف لبائسي الارض، ويضرب الارض بقضيب فمه،ويميت المنافق بنفخة شفتيه ).(٢)

وفي سفر الرؤيا:

(١٢) و عيناهُ كلهيب نارٍ و على راسه تيجانٌ كثيرةٌ و لهُ اسمٌ مكتوبٌ ليسَ احد يعرفه الا هو. (١٣)و هو متسربل بثوب مغموس بدم و يدعى اسمه كلمة الله.(١٤) والاجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزا ابيض ونقيا. (١٥) و من فمه يخرجُ سيفٌ ماضٍ لكي يضرب به الامم و هو سيرعاهم بعصَاً من حديد و هو يدوس معصرة خمر سخط و غضب الله القادر على كل شيء. (١٦) وله على ثوبه و على فخذه اسم مكتوب ملك الملوك و رب الارباب. (١٧) و رايتُ ملاكاً واحداً واقفاً في الشمس فصرخ بصوت عظيم قائلاً لجميع الطيور الطائرة في وسط السماء: هلم اجتمعي الى عشاء الاله العظيم. (١٨) لكي تاكلي لحومَ ملوكٍ و لحومَ قوادٍ و لحومَ اقوياءٍ و لحومَ خيلٍ و الجالسين عليها و لحوم الكل حراً و عبداً صغيراً و كبيراً. (١٩) و رايت الوحش و ملوك الارض و اجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس و مع جنده.

____________________

(١) انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص ٢٠١ وما بعدها.

(٢) سفر أشعيا ١١: ٤:ألأصل العبرى،العهد القديم، ص٦٢٥.انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرة: ٤، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١٢٣-١٢٧.

١٨٢

(٢٠) فقبض على الوحش و النبي الكذاب معه الصانع قدامه الايات التي بها اضل الذين قبلوا سمة الوحش و الذين سجدوا لصورته و طرح الاثنان حيين الى بحيرة النار المتقدة بالكبريت. (٢١) و الباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس الخارج من فمه و جميع الطيور شبعت من لحومهم(١) .

وفي سفر حبقوق النبيّ (ع):

(٥) قدام وجهه يسيرُ الوباء ووراء قدميه الموت (٦) يقفُ فتهتزُّ الأرضُ، وينظرُ فترتعدُ الاممُ.تَتَحطَّمُ جبال الدهر و تنخسفُ تلالُ الأزَل، حيثٌ سارَ في قديم الزمن (٧) رايتُ البلاءَ في خيام كوشَ ولإضطرابَ في مساكن مديان (٨) أعَلى الانهار يتَّحدُ غَضَبُك؟...(٢)

٣: جمالُ منقذ العالم ظاهراً وباطناً.

فأما جمالهُ الظاهري فهو أكملُ الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً فيتجلّى فيه نورُ الله للخلق كافةً، وأما الباطني فهو معصومٌ(٣) لايتسرَّبُ اليه الرجسُ بكلّ أبعاده ولو حتى يسير الشكّ منهُ، لذا فهو ورقةٌ بيضاء لم يُكتب فيها سوى اسم الله تباركَ وتعالى.

في سفر حبقوق النبيّ:

(٤ يجيءُ كلمعان البرق ومن يده يسطعُ النورُ وفيها تستترُ عزَّتُهُ...)(٤) .

____________________

(١) سفر الرؤيا، ١٩: ١٢-٢١،العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٤١٥.

(٢) سفر حبقوق، ٣: ٥-٨،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس،ص ١٢٢٤. انظر: العهد القديم، سفر حبقوق النبيّ، الإصحاح ٣، الفقرات، ٥، ٨، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر. مع بعض الفروقات في الترجمة.

(٣) المصلح الغيبي والحكومة العالمية الواحدة، ص ٣٤- ٣٥، موضوع: عصمة منقذ البشرية.

(٤) سفر حبقوق، ٣: ٤،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس،ص ١٢٢٤. انظر: العهد القديم، سفر حبقوق النبيّ، الإصحاح ٣، الفقرة، ٤، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر.

١٨٣

٤: عبدُ الله المختار والمسدَّد بروحه

فقد جاءَ هذا، وجملةٌ من أوصافه الشريفة المهمة في سفر أشعيا النبيّ (ع):

(١)هوَ ذا عبدي الذي أَعضدهُ، مختاري الذي سُرَّت به نفسي! وَضَعتُ روحي عليه، فيخرج الحق للامم(٢) لا يَصيحُ و لا يَرفعُ(١) و لا يُسمَعُ في الشارع صوتَهُ(٣) قصبة مرضوضة لا يقصف و فتيلة خامدة لا يطفئ الى الامان يخرج الحق (٤) لا يكل و لا ينكسر حتى يضع الحق في الارض و تنتظر الجزائر شريعته (٥) هكذا يقول الله الرب خالق السماوات و ناشرها باسط الارض و نتائجها معطي الشعب عليها نسمة و الساكنين فيها روحا (٦) انا الرب قد دعوتك بالبر فامسك بيدك و احفظك و اجعلك عهدا للشعب و نورا للامم (٧) لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس الماسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة (٨) انا الرب هذا اسمي و مجدي لا اعطيه لاخر و لا تسبيحي للمنحوتات (٩) هوذا الاوليات قد اتت و الحديثات انا مخبر بها قبل ان تنبت اعلمكم بها (١٠) غنوا للرب اغنية جديدة تسبيحه من اقصى الارض ايها المنحدرون في البحر و ملؤه و الجزائر و سكانها (١١) لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا (١٢) ليعطوا الرب مجدا و يخبروا بتسبيحه في الجزائر (١٣) الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف و يصرخ و يقوى

____________________

(١) كلمة (صوتهُ) سقطت من هذا المصدر، وهي مثبةٌ في غيره.

١٨٤

على اعدائه (١٤) قد صمت منذ الدهر سكت تجلدت كالوالدة اصيح انفخ و انخر معا (١٥) اخرب الجبال و الاكام و اجفف كل عشبها و اجعل الانهار يبسا و انشف الاجام (١٦) واسير العمي في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها امشيهم اجعل الظلمة امامهم نورا و المعوجات مستقيمة هذه الامور افعلها و لا اتركهم (١٧) قد ارتدوا الى الوراء يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات انتن الهتنا (١٨) ايها الصم اسمعوا ايها العمي انظروا لتبصروا (١٩) من هو اعمى الا عبدي و اصم كرسولي الذي ارسله من هو اعمى كالكامل و اعمى كعبد الرب (٢٠) ناظر كثيرا و لا تلاحظ مفتوح الاذنين و لا يسمع(٢١) الرب قد سر من اجل بره يعظم الشريعة و يكرمها (٢٢) و لكنه شعب منهوب و مسلوب قد اصطيد في الحفر كله و في بيوت الحبوس اختباوا صاروا نهبا و لا منقذ و سلبا و ليس من يقول رد (٢٣) من منكم يسمع هذا يصغى و يسمع لما بعد (٢٤) من دفع يعقوب الى السلب و اسرائيل الى الناهبين اليس الرب الذي اخطانا اليه و لم يشاءوا ان يسلكوا في طرقه و لم يسمعوا لشريعته (٢٥) فسكب عليه حمو غضبه و شدة الحرب فاوقدته من كل ناحية و لم يعرف و احرقته و لم يضع في قلبه.(١)

____________________

(١) سفر إشعياء، الإصحاح ٤٢، الفقرة:١-٢٥، العهد القديم، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر. سفر أشعيا ٤٢: ١-٢٥،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٦١. مع فرقٍ يسير بين الترجمات.

١٨٥

١٨٦

المبحث الثالث: أوصاف حكومة منقذ العالم ودولته

إنَّ للحكومة الالهيَّة المقدَّسة ودولة العدل الإلهي المباركة المنتظرة في آخر الزمان ذكراً جميلاً واسعاً ووصفاً مميَّزاً يليق بها وبما ادَّخرهُ الله لها باعتبارها واحدة من غايات الكمال المنشودة التي يصلُ اليها البشر بلطفهِ ومنِّهِ وفضله تعالى وببركة وليّهِ وحبيبهِ الموعود والمعهود، ونذكرُ منها على نحو الإختصار:

أوّلاً: حكم منقذ العالم بالعدل والإنصاف

١: في القرآن الكريم

عن الباقر (ع): في قوله تعالى:( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يُحْيِي الْأَرْ‌ضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) (١) ، قال: يحييها اللهُ بالقائم فيعدل فيها، فيحيي الأرض بالعدل بعدَ موتها بالظلم).(٢)

وعن الإمام الباقر (ع): في قوله تعالى:( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ ) (٣) ، قال: نزلت في المهدي وأصحابه... ويظهر الله بهم الدين حتى لايرى أثر من الظلم والبدع...).(٤)

____________________

(١) سورة الحديد: ١٧.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة، ص ٦٦٨. المحجة، ص ٤٢٩. نور الثقلين، ج٥ ص ٢٤٢. ينابيع المودة، ص ٤٢٩. بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٥٤. للمزيد انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي(ع)، ص ٢٠٢ وما بعدها.

(٣) سورة الحج: آية ٤١.

(٤) تفسير القمي: ج٢ ص ٨٧. المحجة، ص ١٤٣. إحقاق الحق، ج١٣، ص ٣٤١.

١٨٧

وعن الإمام الرضا (ع): (فإذا خرجَ (ع)... ووضعَ ميزان العدلِ بين الناسِ فلا يظلمُ أحدٌ أحداً).(١)

وروى علي بن عقبة عن ابي عبد الله(ع) قال:

« اذا قام القائم (ع) حكم بالعدل وارتفع في ايامه الجور، وأمنت به السبل،واخرجت الارض بركاتها، ورد كل حق الى اهله، ولم يبق اهل دين حتى يظهروا الاسلام ويعترفوا بالايمان، اما سمعت الله عزوجل يقول:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ طَوْعًا وَكَرْ‌هًا وَإِلَيْهِ يُرْ‌جَعُونَ ) (٢) ، وحكم في الناس بحكم داودوحكم محمد صلّى الله عليهما فيحنئذٍ تظهر الارض كنوزها وتبدي بركاتها، فلايجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبرّة، لشمول الغنى جميع المؤمنين.

ثم قال: إن دولتنا آخر الدول، ولم يبق اهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا اذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزوجل:( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) .(٣)

٢: في العهدين:

ورد التأكيد على هذا المعنى في (سفر زكريا): (ابتهجي كثيراً يا بنت

____________________

(١) كمال الدين، ص ٣٧٢. كفاية الأثر، ص٢٧٠. اعلام الورى، ص ٤٠٨. بحار الأنوار، ج ٥٢ ص٣٢١. غاية المرام، ص ٦٩٦.

(٢) آل عمران: ٨٣.

(٣) كشف الغمه: ج٢ص٩٦٦. الإرشاد، ص ٣٦٤. روضة الواعظين، ج٢ ص٢٦٥. إعلام الورى، ص٤٣٢.

١٨٨

صهيون هو ذا ملك سيأتي اليك عادل ومنصور).(١)

وجاء في سفر اشعيا:

(٣ ولذته في مخافة الرب، لا يقضي بحسب مرأى عينيه، ولا بحسب مسمع اذنيه. ٤ ويحكم بالانصاف لبائسي الارض، ويضرب الارض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه).(٢)

وقد بشّر إشعيا (ع) بعدله وملكه وكذلك بعموم الرجعة التي تبدأ به وبمن يأتي خلفه من أولياء الله عزّ وجلّ وكما يلي:

(١ سيأتي ملكٌ يملك بالحقّ، وحكّامٌ يحكمون بالعدل ٢ ويكون كلّ واحد كمخبأ من الريح وكسدٍّ يقي من السيل، كسواقي ماءٍ في أرض قاحلة وكظلّ صخر عظيم في قفر ٣ فلا تنكسف عيون الناظرين، وآذان السامعين تصغي ٤ قلوب المتسرّعين تلزم الرّصانة، وألسنة المتلعثمين تنطلق بفصاحة.(٣)

وجاء في سفر الرؤيا:

(١١ثم رايتُ السماءَ مفتوحةٌ و اذا فرسٌ ابيضٌ و الجالسُ عليه يُدعى اميناً و صادقاً و بالعدل يحكم و يحارب).(٤)

____________________

(١) سفر زكريا ٩: ٩، ألأصل العبرى، العهد القديم، ص١٣٤. العهد القديم، سفر زكريا، الإصحاح ٩، الفقرة ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر: حيث جاء النص كالآتي:

(٩ ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت اورشليم هوذا ملكك ياتي اليك هو عادل و منصور وديع...) الخ..للإطلاع على النصين العبري والعربي، انظر: (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١٢٢ـ ١٢٣. وللوقوف على جمال النص وتمامه، انظر: سفر زكريا ٩: ٩، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٢٣٩. مع فرقٍ يسير في الترجمة.

(٢) سفر أشعيا ١١: ٣، ٤:ألأصل العبرى،العهد القديم، ص٦٢٥. انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرات، ٣، ٤، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١٢٣-١٢٧. سفر أشعيا ١١: ٣، ٤،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٢٤. مع فرقٍ يسير في الترجمة.

(٣) سفر أشعيا ٣٢: ١-٤، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٤٦.انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ٣٢، الفقرات، ١-٤، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر.

(٤) سفر الرؤيا، ١٩: ١١،العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٤١٥.

١٨٩

ثانياً: إنتقام المصلح الأعظم من الظالمين

١: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

هو المنتصر من الظالمين، في قوله تعالى:( وَلَمَنِ انتَصَرَ‌ بَعْدَ ظُلْمِهِ ) (١) .

أ: عن جابر، عن أبي جعفر (ع) في قولهِ:( وَلَمَنِ انتَـصَرَ‌ بَعْدَ ظُلْمِهِ ) : قال:(القائم وأصحابه، قال الله: ( فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) : القائم إذا قامَ انتصرَ من بني أُميَّة والمكذبين والنصاب وهو قولهُ: ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْ‌ضِ بِغَيْرِ‌ الْحَقِّ ) )(٢) .

ب: وهو وعدُ الآخرة لليهود، في قوله تعالى:( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَ‌ةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ ) (٣) .

حيث جاء في تفسير القمي:( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَ‌ةِ ) : يعني القائم صلوات الله عليه وأصحابه(٤) .

____________________

(١) سورة الشورى: آية ٤١.

(٢) تفسير فرات الكوفي، ص ١٥٠. ومثله في تفسير القمي،ج٢ ص٢٧٨، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(ع). تأويل الآيات، ج٢ ص ٥٤٩.

(٣) سورة الإسراء: آية ٧.

(٤) تفسير القمي، ج٢ ص١٤.وعنهُ البرهان، ج٢ص٤٠٩. والبحار، ج٥١ ص٤٥.

١٩٠

ج: وهو وأصحابهُ المظلومون الذين ينصرهم الله تعالى النصرَ الموعود على الظالمين، وذلك في قوله تعالى:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِ‌هِمْ لَقَدِيرٌ‌ ) (١) .

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عزَّ وجلَّ:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِ‌هِمْ لَقَدِيرٌ‌ ) : قال: (هي في القائم(ع) وأصحابه)(٢) .

٢: في العهدين

ارميا يبشّر بانتقام المصلح من أعداء الله:

فقد جاء في (سفر ارميا): ان التوراة قد اخبرت بانتقام صاحب الزمان (عج ) من قتلة الحسين سيد الشهداء عليه السلام، حيث قالت:

«... يقول الرب.

٦ الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو. في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. من هذا الصاعد كالنيل، كانهار تتلاطم امواجها... »

الى ان تقول:

« ١٠ فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود يوم نقمة، للانتقام من مبغضيه، فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم ».

ثم تذكر التوراة ان السبب في هذا الانتقام من الاعداء هو ما يلي: (ان

____________________

(١) سورة الحج: آية ٣٩.

(٢) غيبة النعماني، ٢٤١. وعنه البحار، ج٥١ ص ٥٨. والمحجة، ١٤٢.

١٩١

للسيّد ربّ الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات) (١)

وممن ذكر هذا النص أيضاً كأحد ادلّة التوراة على خروج صاحب الزمان، وقتل اعداء الله صاحب كتاب: (البحث عن الحقيقة )، ص ٤٩، باللغة الانجليزية(٢) ، ولأهمية هذا النص لذا سنورد فقراته مع شيء من التحليل في موضوع (قواعد و متبنّيات ثورة المنقذ في العهدين).

وجاء في سفر زكريا:

في باب (الملك العتيد)، في بشارته بالمخلّص الوديع والعادل عن طريق الوحي وكيفيّة نُصرة الله لهُ:

(...سأقضي على مركبات الحرب في أفرايمَ، والخيل وأقواس القتال في أورشليم،...).(٣)

ثالثاً: حلول السلام في عهد المنقذ

١: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

أ: اتمام النور وإنتهاء الظلم بالقائم:

في قوله تعالى:( يُرِ‌يدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ‌ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِ‌هِ ) (٤) ؟ قال: بالقائم من آل محمد عليهم السلام حتى إذا خرج يظهره الله على الدين كله حتى لآيُعبَدُ غيرُ الله، وهو قولهُ (ص): يملأُ الأرضَ

____________________

(١) سفر ارميا ٤٦: ٦، ١٠، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم ٢٨، الإصحاح ٤٦: الفقرات ٦، ١٠، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص١٥٥. سفر إرميا ٤٦: ٦، ١٠،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٠٦٠. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

(٢) الكتاب المقدس تحت المجهر: ص١٥٥ بإيجاز وتصرف.

(٣) سفر زكريا ٩: ٩، ألأصل العبرى، العهد القديم، ص١٣٤. العهد القديم، سفر زكريا، الإصحاح ٩، الفقرة ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. وللوقوف على جمال النص وتمامه، انظر: سفر زكريا ٩: ٩، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٢٣٩. مع فرقٍ يسير في الترجمة.

(٤) سورة الصف: آية ٨.

١٩٢

قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(١) .

ب: بخروجه تضع الحرب أوزارها:

في قوله تعالى:( حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْ‌بُ أَوْزَارَ‌هَا ) (٢) .

جاء في كتاب الكافي:(علي، عن أبيه والقاساني جميعاً، عن الاصفهاني، عن المنقري، عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال: بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها، ولن تضيع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها(٣) ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيؤمئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)(٤) .

وفي سنن البيهقي:

(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ، أخبرني عبد الرحمن بن الحسن القاضي، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل:( حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْ‌بُ أَوْزَارَ‌هَا ) : وذلك في زمن ظهور المهدي(ع)(٥) .

____________________

(١) تفسير القمي، ج٢ ص ٣٦٥. البحا، ج ٥١ ص ٤٩.ونحو ذلك في الكافي، ج١ص ٤٣٢.

(٢) سورة محمد: آية ٤.

(٣) كنايةٌ عن ظهور منقذ العالم.

(٤) بحار الأنوار، ج ٦، ص ٣١٢-٣١٣، عن الكافي.

(٥) سنن البيهقي، ج ٩ ص ١٨٠. بايجاز وتصرف. معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج ٥، ص ١٤٩.

١٩٣

ج: وفي عصره يعمُّ السلام والإسلام:

وذلك في قوله تعالى:( هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْمُشْرِ‌كُونَ ) .(١)

وفي الدر المنثور، وقال: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر والبيهقي في سننه، عن جابر رضي الله عنه في قوله:( لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) : قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني (ولا) صاحب ملة إلا الاسلام، حتى تأمن الشاة الذئب، والبقرة الأسد، والانسان الحية، وحتى لا تقرض فأرة جرابا وحتى توضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير وذلك إذا نزل عيسى بن مريم عليه السلام(٢) .

٢: في العهدين

جاء في سفر أشعيا:

(٦ ويسكن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل الشبل معاً، وصبي صغير يسوقها.

٨ ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الافعوان.

٩ لا يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي، لان الارض تمتليء من معرفة الرب، كما تغطي المياه البحر).(٣)

____________________

(١) سورة الصف: ألآية ٩.

(٢) الدر المنثور، ج ٣ ص ٢٣١. معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج ٥، ص ١٤٩.

(٣) سفر أشعيا ١١: ٦، ٨، ٩:ألأصل العبرى، العهد القديم، ص٦٢٥.العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرات، ٦، ٨، ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس): ص١٢٣-١٢٧. سفر أشعيا ١١: ٦، ٨، ٩، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٢٤. مع فرقٍ يسير في الترجمة.

١٩٤

وجاء في سفر زكريا، في باب(الملك العتيد) ، في بشارته بالمخلّص العادل والمنصور:

ها مَلكُك يأتيك عدلاً ومخلّصاً وديعاً... الى أن يقول:

فيتكلّم مَلكُك بالسَّلام للأُمم، ويكون سلطانهُ من البحر الى البحر

ومنَ النهر الى أقاصي الأرض.(٤)

رابعاً: سموّ المعارف في عهد منقذ العالم

١: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

إنَّ في القرآن الكريم والروايات الشريفة المباركة مايقطعُ الشكَّ باليقين في مجال علم النبيّ الأكرم والأئمَّةِ من آلهِ الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) وبضمنهم خاتم الأوصياء والأئمة (منقذ العالم) وأن عندهم جميع علوم الملائكة والأنبياء، وأنهم أعطوا ما أعطاه الله الأنبياء، وأن كل إمام يعلم جميع علم الإمام الذي قبله، وأنَّهُ لا تبقى الأرض بغير عالم منهم، وأن عندهم كتب الأنبياء يقرؤونها على اختلاف لغاتها، وأنهم أعلم من الأنبياء السابقين (ع)، وأنَّهم يفيضون ذلك العلم الربَّاني على جميع العباد، وخاصَّةً في آخر الزمان فيكملون بهِ علوم وحلوم البشر...الخ(٢) .

وقد عقدَ الكثيرُ من العلماء أبواباً مهمَّةً بهذا الصدد. وفي مايلي بعض الأدلَّةِ والشواهدٌ على صدقِ هذا المدّعى:

____________________

(١) سفر زكريا ٩: ٩، ألأصل العبرى، العهد القديم، ص١٣٤. العهد القديم، سفر زكريا، الإصحاح ٩، الفقرة ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. للإطلاع على النصين العبري والعربي، انظر: (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١٢٢ـ ١٢٣. وللوقوف على جمال النص وتمامه، انظر: سفر زكريا ٩: ٩،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٢٣٩. مع فرقٍ يسير بين الترجمات.

(٢) مستدرك سفينة البحار، ج ٦،ص ١٩٩-٢٠٠. بحار الأنوار، ج ٢٦-ص ١٥٩.

١٩٥

أ: في قوله تعالى:( وَرَ‌حْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) .

- (... عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت: قوله:( إِلَّا مَن رَّ‌حِمَ رَ‌بُّكَ ) ؟ قال: هم شيعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله:( وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ) يقول: لطاعة الامام، الرحمة التي يقول:( وَرَ‌حْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) يقول: علم الإمام ووسع علمه الذي هو من علمه كل شئ هم شيعتنا، ثم قال:( فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) (٢) يعني ولاية غير الامام وطاعته، ثم قال:( يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَ‌اةِ وَالْإِنجِيلِ ) يعني النبي صلى الله عليه وآله والوصي والقائم( يَأْمُرُ‌هُم بِالْمَعْرُ‌وفِ ) - إذا قام -( وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ‌ ) (٣) .

ب: في قوله تعالى:( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ) (٤) .

في بصائر الدرجات: إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان الخزاز عن عبد الرحمان بن حماد عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى:( أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْ‌عُهَا فِي السَّمَاءِ ) (٥) فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله جذرها وأمير المؤمنين عليه السلام ذروها وفاطمة عليها السلام فرعها،

____________________

(١) سورة الأعراف: آية ١٥٦.

(٢) سورة الأعراف: آية ١٥٥.

(٣) الكافي، ج ١، ص ٤٢٩.

(٤) سورة ابراهيم: آية ٢٥.

(٥) سورة ابراهيم: آية ٢٤.

١٩٦

والأئمة من ذريتها أغصانها، وعلم الأئمة ثمرها، وشيعتهم ورقها، فهل ترى فيهم فضلاً؟ فقلت: لا، فقال: والله إن المؤمن ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة، وإنه ليولد فتورق ورقة فيها، فقلت: قوله:( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ) فقال: ما يخرج إلى الناس من علم الإمام في كل حين يسأل عنه(١) .

ج: في قوله تعالى:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّ‌سُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢) .

في معاني الأخبار: أحمد بن يحيى المكتب عن أحمد بن محمد الوراق عن علي بن هارون الحميري عن علي بن محمد بن سليمان عن أبيه عن علي بن يقطين عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: والله أوتينا ما أوتي سليمان وما يؤت سليمان وما لم يؤت أحد من العالمين قال الله عز وجل في قصة سليمان:( هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ‌ حِسَابٍ ) (٣) ، وقال في قصة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):( وَمَا آتَاكُمُ الرَّ‌سُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٤) .

____________________

(١) بصائر الدرجات: ص١٨. بحار الأنوار، ج ٢٤، ص ١٤٠-١٤١.تفسير فرات: ٧٩ و ٨٠، فيه: النبي صلى الله عليه وآله جذرها، وأمير المؤمنين فرعها، والأئمة عليهم السلام من ذريتهما أغصانها.كمال الدين: ١٩٧ و ١٩٨، وفي كمال الدين وتمام النعمة، ص٣٤٥: (... قلت: قوله عز وجل:( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ) قال: ما يخرج من علم الإمام إليكم في كل سنة من حج وعمرة). تفسير العياشي، ج ٢،ص٢٢٤.

(٢) سورة الحشر: آية ٧.

(٣) سورة ص:آية ٣٩.

(٤) معاني الأخبار، ص٣٥٣.

١٩٧

بيان:

أي كما أنه تعالى فوض إلى سليمان العطاء من المال والمنع منه وأمر الخلق بتسليم ذلك له أعطى الرسول (صلى الله عليه وآله) وسلم أفضل من ذلك فقال: ما آتاكم الرسول من المال والعلم والحكم والامر فخذوا به وارضوا، وما نهاكم عنه من جميع ذلك فانتهوا فهذا أعظم من ذلك، وقد صرح بذلك في كثير من الاخبار.(١)

د: في قول أمير المؤمنين (ع): (أُوتينا فصلَ الخطاب).(٢)

وهو في علم الإمام باللغات:

(أبو الصلت الهروي: كان الرضا (عليه السلام) يكلم الناس بلغاتهم، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة، فقلت له يوما: يا بن رسول الله، إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها؟ فقال: يا أبا الصلت، أنا حجة الله على خلقه، وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أوما بلغك قول أمير المؤمنين (عليه السلام):

(أوتينا فصل الخطاب)، فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات؟.(٣)

هـ: أنَّ فيهم روح القدس:

(الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن عبد الله بن إدريس، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن

____________________

(١) بحار الأنوار، ج ٢٦-ص ١٥٩.

(٢) الصدوق، عيون أخبار الرضا ١: ٢٥١.

(٣) بحار الأنوار، ج٦٠، ص١٨٦،ح ١٧. عيون أخبار الرضا (ع): ج٢، ص ٢٢٨، ح ٣. ميزان الحكمة، ج ١، ص ١٦٨-١٦٩.

١٩٨

علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي (صلى الله عليه وآله) خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به)(١) .

وعلى ماتقدَّم وهو غيضٌ من فيض، فانَّ التطوّر الثقافي والأخلاقي والعلمي والصناعي وفي مختلف الميادين سيكون هو السمةَ البارزةَ في عصرمنقذ العالم الموعود(٢) وهو أمرٌ ضروري لمن يستطيع أن يديرَ العالم بأسرهِ إدارةً الهيَّةً حَقَّةً لاظلمَ ولاجورَ فيها وذلك بتسديد ومباركة الله عزَّ وجلَّ، لذلكَ ففي عصره تكتملُ العلومُ والحلوم وذلك لأنَّ منقذ العالم هو مصدرُ إفاضتها على الخلق، وكثيراً ماوردَ ذلك في الكتب المقدسة وبذلك جاءت الأخبار الشريفة المباركة وفيها ملا نستطيع الوقوف عليه في هذا البحث، ولكن نشيرُ اليها بالإجمال والإختصار:

فقد وردَ عن موسى بن عمر عن ابن محبوب عن صالح بن حمزة عن أبان عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: (العلمُ سبعةٌ

____________________

(١) شرح أصول الكافي، ج ٦، ص ٧٢-٧٣.

(٢) للمزيد انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص٢١٥-٢٢٧.

١٩٩

وعشرون حرفاص فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أهل البيت أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثَّها في الناس وضَمَّ اليها الحرفين حتى يبثُّها سبعةٌ وعشرين حرفاً).(١)

وعن أبي جعفر (ع): (إذا قام قائمنا وضعَ يَدَهُ على رؤوس العباد فَجَمَعَ بهِ عقولهم وأكملَ به أحلامَهُم).(٢)

٢: في العهدين

في سفر أشعيا (ع):

(٩ لا يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي، لانَّ الارضَ تمتليءُ من معرفةِ الرب، كما تغطي المياه البحر).(٣)

ومعلومٌ أنَّ عدمَ الإساءة والإفساد، والإمتلاء من معرفة الربِّ سبحانهُ وتعالى، كُلُّها إشاراتٌ واضحةٌ لذلكَ التطوّر العلمي والأخلاقي المشار اليه.

خامساً: الحكومة الإلهية العالمية الواحدة

وهو مشروعٌ إنسانيٌّ ذو جذورٍ عميقة وموغلة في القدم(٤) ، ولطالما حَلمَ به العلماءُ والفلاسفةُ والمفكرون على مدى مسيرة الحياة الطويلة، وقبل ذلك

____________________

(١) مختصر بصائر الدرجات، ص ١١٧. الخرائج والجرائح، ج ٢ ص ٨٤١. بحار الأنوار، ج ٥٢، ص٣٣٦... الخ.وانظر: الطُّورُ المهدوي، ص٣٢٩. جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص٢١٥-٢٢٧.

(٢) الكافي، ج ١، ص ٢٥. الخرائج والجرائح، ج ٢، ص ٨٤٠. كمال الدين وتمام النعمة، ج ٢، ص ٦٧٥.

(٣) سفر أشعيا ١١: ٩:ألأصل العبرى، العهد القديم، ص٦٢٥.العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرة ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس): ص١٢٣-١٢٧. سفر أشعيا ١١: ٩،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٢٤. مع فرقٍ يسير بين الترجمات.

(٤) للمزيد من الإطلاع، انظر: الطُّورُ المهدوي، ص١٥٦-١٧٣، تحت عنوان: الحكومة العالمية والقائد الموعود.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وقال الفضل(١) :

قد عرفت أنّ خالق الشيء غير فاعله ومباشره(٢) ، فالفعل تارة يطلق ويراد به : الخلق ، كما يقال : الله تعالى فاعل كلّ شيء ، وقد يطلق ويراد به :

المباشرة والاعتمال.

وعلى التقديرين فإنّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء الذي خلقه ، وإن كان المخلوق من جملة الصفات كما قدّمنا(٣) .

فمن خلق الظلم لا يقال : إنّه ظالم.

وقد ذكرنا أنّه لم يفرّق بين هذين المعنيين(٤) ، ولو فرّق لم يستدلّ بأمثال هذا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٠.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ١٧٣ من هذا الجزء.

(٣) تقدّم في الصفحتين ١٦٥ و ٢٢٠ من هذا الجزء.

(٤) راجع الصفحة ١٤٩ من هذا الجزء.

٢٤١

وأقول :

إذا أقرّ بإطلاق الفعل على الخلق ، وأنّه يقال : فاعل كلّ شيء ، ويراد خالقه ، فقد صارا مترادفين ، وبطل قوله : إنّ خالق الشيء غير فاعله.

ولو سلّم فلا يرتفع الإشكال بمجرّد هذا الاصطلاح ، إذ يكفينا أن نقول : إنّ من أوجد الظلم والفساد يسمّى ظالما مفسدا لغة وعرفا ، فيلزمهم الإشكال.

وأمّا قوله : « وعلى التقديرين ، فإنّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء »

فغلط ظاهر ، ضرورة أنّ أكثر صفات الله سبحانه من أفعاله ، كالعادل والرحمن والهادي والمحيي والمميت ونحوها ، بل صفات الذات أيضا من مخلوقاته بزعمهم ؛ لأنّها مغايرة له وصادرة عنه بالإيجاب.

ثمّ إنّ مراد المصنّفرحمه‌الله ب‍ « الآخر » في قوله : « ولهذا لا يصحّ إثبات أحدها إلّا حال نفي الآخر » هو الآخر الضدّ ، لا مطلقا.

وحينئذ فلو ثبت الظلم لأحد لم يصحّ إثبات العدل له في مورد ثبوت الظلم له ، فلا يصحّ وصف الله سبحانه بالعادل حال خلقه للظلم وثبوته له ، وهو كفر آخر.

* * *

٢٤٢

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه المحال ؛ لأنّه لو كان هو الخالق للأفعال ، فإمّا أن يتوقّف خلقه لها على قدرتنا ودواعينا ، أو لا ، والقسمان باطلان.

أمّا الأوّل : فلأنّه يلزم منه عجزه سبحانه عمّا يقدر عليه العبد ، ولأنّه يستلزم خلاف المذهب ، وهو وقوع الفعل منه والداعي من العبد ، إذ لو كان من الله تعالى لكان الجميع من عنده ، ولأنّه القدرة والداعي إن أثّرا فهو المطلوب ، وإلّا كان وجودهما كوجود لون الإنسان وطوله وقصره.

ومن المعلوم بالضرورة أنّه لا مدخل للّون والطول والقصر في الأفعال ، وإذا كان هذا الفعل صادرا عنه جاز وقوع جميع الأفعال المنسوبة إلينا منّا.

وأمّا الثاني : فلأنّه يلزم منه أن يكون الله تعالى أوجد ـ أي خلق ـ تلك الأفعال من دون قدرتهم ودواعيهم ، حتّى توجد الكتابة والنساجة المحكمتان ممّن لا يكون عالما بهما ، ووقوع الكتابة ممّن لا يد له ولا قلم ، ووقوع شرب الماء من الجائع في الغاية ، الريّان في الغاية ، مع تمكّنه من الأكل.

ويلزم تجويز أن تنقل النملة الجبال ، وأن لا يقوى الرجل الشديد القوّة على رفع تبنة ، وأن يجوز من الممنوع المقيّد العدو ، وأن يعجز القادر

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٨.

٢٤٣

الصحيح عن تحريك الأنملة(١) .

وفي هذا زوال الفرق بين القوي والضعيف ، ومن المعلوم بالضرورة الفرق بين الزّمن والصحيح.

* * *

__________________

(١) الأنملة ـ بالفتح ـ : المفصل الأعلى الذي فيه الظفر من الإصبع ؛ انظر لسان العرب ١٤ / ٢٩٥ مادّة « نمل ».

٢٤٤

وقال الفضل(١) :

نختار القسم الثاني ، وهو أنّ خلقه تعالى لأفعالنا لا يتوقّف على دواعينا وقدرتنا ، وما ذكره من لزوم وجدان الكتابة بدون اليد وغيره من المحالات العادية ، فهي استبعادات ، والاستبعاد لا يقدح في الجواز العقلي.

نعم ، عادة الله جرت على إحداث الكتابة عند حصول اليد والقلم ، وإن أمكن حصوله وجاز حدوثه عقلا بدون اليد والقلم ، ولكن هو من المحالات العادية كما مرّ غير مرّة(٢) .

وما ذكر أنّه يلزم أن تكون القدرة والداعي إذا لم يكونا مؤثّرين في الفعل ، كاللون والطول والقصر بالنسبة إلى الأفعال ، فهو ممنوع

للفرق بأنّ الفعل يقع عقيب وجود القدرة ، كالإحراق الذي يقع عقيب مساس النار عادة ، ولا يقال لا فرق بالنسبة إلى الإحراق بين النار وغيرها ، إذ لا تجري العادة بحدوث الإحراق عقيب مساس الماء.

فكذلك لم تجر عادة الله تعالى بإحداث الفعل عقيب وجود اللون ، بل عقيب حصول القدرة والداعي مع أنّهما غير مؤثّرين.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٢.

(٢) راجع الصفحة ٢١٤ من هذا الجزء.

٢٤٥

وأقول :

لا يخفى أنّ مقصود المصنّف هو : إنّه يلزم انتفاء الفرق في صحّة نسبة الكتابة إلى ذي اليد أو مقطوعها ؛ لأنّ المفروض عدم دخل القدرة وآلاتها في وجود الأفعال ، وذلك باطل بالضرورة.

وكذا الكلام في تأثير الداعي ، وليس المقصود امتناع حصول الكتابة مثلا بدون الآلات ، فإنّه لا ينكر إمكانه ، بل وقوعه في اللوح وغيره.

وأمّا ما ذكره من الفرق بين القدرة والداعي ، وبين اللون والطول والقصر بجريان العادة ، فليس في محلّه ؛ لأنّ المصنّفرحمه‌الله أراد لزوم عدم الفرق في عدم المدخلية والتأثير ، لا لزوم عدم الفرق أصلا ، وإلّا فالفروق كثيرة.

ولا ريب أنّ عدم الفرق بعدم المدخلية والتأثير خلاف الضرورة ، فإنّ كلّ عاقل يدرك مدخلية القدرة والداعي في الفعل وتأثيرهما فيه ، دون اللون والطول والقصر.

* * *

٢٤٦

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : تجويز أن يكون الله تعالى جاهلا أو محتاجا ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ؛ لأنّ في الشاهد فاعل القبيح إمّا جاهل ، أو محتاج ، مع إنّه ليس عندهم فاعلا في الحقيقة ، فلأن يكون كذلك في الغائب ـ الذي هو الفاعل في الحقيقة ـ أولى.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٩.

٢٤٧

وقال الفضل(١) :

قد مرّ أنّ الخالق غير الفاعل ، بمعنى الكاسب والمباشر(٢) ، وخالق القبيح لا يلزم أن يكون جاهلا أو محتاجا ، حيث لا قبيح بالنسبة إليه ، كما في خلقه لما هو قبيح بالنسبة إلى المخلوق ، فلا يلزم منه جهل ولا احتياج.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٣.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ١٧٣ من هذا الجزء.

٢٤٨

وأقول :

ضرورة العقلاء قاضية بأنّ خلق القبيح وإيجاده أولى بالقبح من كسبه ، بمعنى محلّيّة المحلّ له بلا تأثير ، بل لا معنى لنسبة قبح الفعل الاختياري إلى غير المؤثّر.

فلا محالة يلزم من خلق القبيح أحد الأمرين : الجهل ، والاحتياج ، ولا عبرة بالسفسطات.

* * *

٢٤٩

قال المصنّف ـ رفع الله منزلته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه الظلم ؛ لأنّ الفعل إمّا أن يقع من العبد لا غير

أو من الله تعالى

أو منهما بالشركة ، بحيث لا يمكن تفرّد كلّ منهما بالفعل ، أو لا من واحد منهما

والأوّل : هو المطلوب.

والثاني : يلزم منه الظلم ، حيث فعل الكفر وعذّب من لا أثر له فيه ألبتّة ، ولا قدرة موجدة له ، ولا مدخل له في الإيجاد ، وهو أبلغ أنواع الظلم.

والثالث : يلزم منه الظلم ؛ لأنّه شريك في الفعل ، وكيف يعذّب شريكه على فعل فعله هو وإيّاه؟!

وكيف يبرّئ نفسه من المؤاخذة مع قدرته وسلطنته ، ويؤاخذ عبده الضعيف على فعل فعل هو مثله؟!

وأيضا : يلزم منه تعجيز الله تعالى ، إذ لا يتمكّن من الفعل بتمامه ، بل يحتاج إلى الاستعانة بالعبد.

وأيضا : يلزم المطلوب ، وهو أن يكون للعبد تأثير في الفعل ، وإذا جاز استناد أثر ما إليه ، جاز استناد الجميع إليه.

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٩.

٢٥٠

فأيّ ضرورة تحوج إلى التزام هذه المحالات؟!

فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النقائص التي نزّه الله تعالى نفسه عنها وتبرّأ منها!

* * *

٢٥١

وقال الفضل(١) :

نختار أنّ الفعل ـ بمعنى الخلق ـ يصدر من الله تعالى ، والعبد كاسب للفعل ، مباشر له ، ولا تأثير لقدرته في الفعل.

قوله : « يلزم منه الظلم ».

قلنا : قد سبق أنّ الظلم لا يلزم أصلا ؛ لأنّه يتصرّف في ما هو ملك له ، والتصرّف في الملك كيف شاء المالك لا يسمّى ظلما ، ثمّ إنّ تعذيب العاصي بواسطة كونه محلّا للفعل الموجب للعذاب(٢) .

وأمّا قوله : « فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النقائص ».

فنقول : أنا أخبره بالذي دعاهم إلى تخصيص الخلق بالله تعالى ، وهو الهرب والفرار من الشرك الصريح الذي لزم المخالفين ممّن يدّعون أنّ العبد خالق مثل الربّ ، وهذا فيه خطر الشرك ، وهم يهربون من الشرك!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٤.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ٢٣٠ من هذا الجزء.

٢٥٢

وأقول :

لا يمكن أن يكون مجرّد الملك مصحّحا لعذاب من لا ذنب له ؛ لما سبق من أنّه ليس من أحكام الملكيّة جواز إضرار المالك بملكه الحسّاس ، بلا جرم منه ، ولا فائدة له ، بل هو مناف لمقتضى الملكيّة من رعاية المملوك وحمايته عمّا يضرّه(١) .

وأمّا ما أخبر به من الأمر الداعي لأصحابه ، فلو صدق فيه ، فلم أثبتوا لأنفسهم قدرة وإرادة وغيرهما من الصفات الزائدة بزعمهم على الذات ، وأثبتوا لأنفسهم أيضا ملكيّة؟!

وادّعوا مشاركة الله سبحانه في الكلّ! والحال أنّ المشاركة فيها أعظم من المشاركة في الفعل ، بل لو كان الشرك مطلقا باطلا لم تصحّ مشاركة الله تعالى في الوجود والشيئية ، وفي ثبوت الهوية.

فالحقّ ـ كما سبق ـ أنّ المشاركة في ما لا نقص به على الله سبحانه من الأمور التي لا توجب الإلهية ، ولا المعارضة ، أو المماثلة له ، جائزة وواقعة ، كما في محلّ النزاع.

وكيف يكون فيها نقص؟! وهي من مظاهر القدرة الربّانيّة ، ودلائل النزاهة ، حيث جعل قدرة العبيد الفعّالة دليلا على قدرته العظمى ، وطريقا إلى نزاهته عن أفعالهم القبيحة!

نعم ، أنا أخبره أنّ الذي دعاهم إلى الالتزام بذلك وسلوك أسوأ

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٩٥ من هذا الجزء.

٢٥٣

المسالك ، هو التعصّب للأسلاف ، والاقتداء بآثار الآباء.

ومن المضحك أنّه في مقام إنكار تأثير العبيد يثبت التأثير لهم فيقول :

« أنا أخبره بالذي دعاهم » فأشرك بمذهبه ، وأساء باعتقاده إلى ربّه!

وما زال يعاقب المصنّف عقاب الفاعلين للفاعلين المؤثّرين!

أعاذنا الله من مخالفة العمل للقول ، والتعرّض لسخطه ، إنّه أرحم الراحمين.

* * *

٢٥٤

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم مخالفة القرآن العظيم والسنّة المتواترة والإجماع وأدلّة العقل.

* أمّا الكتاب فإنّه مملوء من إسناد الأفعال إلى العبيد ، وقد تقدّم بعضها(٢) .

وكيف يقول الله تعالى :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٣) ولا خالق سواه؟!

ويقول :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٤) ولا تحقّق لهذا الشخص ألبتّة؟!

ويقول :( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ) (٥)

( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (٦)

( لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٧)

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٠.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء.

(٣) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٨٢.

(٥) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦ ، سورة الجاثية ٤٥ : ١٥.

(٦) سورة النجم ٥٣ : ٣١.

(٧) سورة الكهف ١٨ : ٧.

٢٥٥

وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (١)

( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٢) ولا وجود لهؤلاء؟!

ثمّ كيف يأمر وينهى ولا فاعل؟! وهل هو إلّا كأمر الجماد ونهيه؟!

* وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إعملوا ، فكلّ ميسّر لما خلق له »(٣)

«نيّة المؤمن (٤) خير من عمله »(٥)

«إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى »(٦)

* والإجماع دلّ على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى ، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب الرضا به ، والرضا بالكفر حرام بالإجماع.

فعلمنا أنّ الكفر ليس من فعله تعالى ، فلا يكون من خلقه.

* * *

__________________

(١) سورة الجاثية ٤٥ : ٢١.

(٢) سورة ص ٣٨ : ٢٨.

(٣) صحيح البخاري ٦ / ٢٩٨ ح ٤٤٦ وج ٩ / ٢٨٤ ح ١٧٦ ، صحيح مسلم ٨ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٢٨ ح ٤٧٠٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٠ ح ٧٨ ، سنن الترمذي ٤ / ٣٨٨ ح ٢١٣٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٢ ، التوحيد ـ للصدوق ـ : ٣٥٦ ح ٣ ، مجمع البحرين ـ للطريحي ـ ٣ / ٥٢١ مادّة « يسر ».

(٤) كان في الأصل : « المرء » ، وهو تصحيف ، والمثبت من المصادر.

(٥) تقدّم تخريجه في الصفحة ١٢٣ ه‍ ٥ ، فراجع.

(٦) تقدّم تخريجه في الصفحة ١٢٣ ه‍ ٤ ، فراجع.

٢٥٦

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في ما سبق أجوبة كلّ ما استدلّ به من آيات الكتاب العزيز(٢) .

ثمّ إنّ كلّ تلك الآيات معارضة بالآيات الدالّة على أنّ جميع الأفعال بقضاء الله وقدره وإيجاده وخلقه ، نحو :

( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (٣) أي عملكم

و( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٤) وعمل العبد شيء

( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) (٥) وهو يريد الإيمان إجماعا ، فيكون فعّالا له ، وكذا الكفر ، إذ لا قائل بالفصل.

وأيضا : تلك الآيات معارضة بالآيات المصرّحة بالهداية والضلال والختم ، نحو :

( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) (٦)

و( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) (٧) وهي محمولة على حقائقها كما هو الظاهر منها.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٦.

(٢) انظر الصفحة ١٥٤ من هذا الجزء.

(٣) سورة الصافّات ٣٧ : ٩٦.

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٦٢.

(٥) سورة هود ١١ : ١٠٧.

(٦) سورة البقرة ٢ : ٢٦.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٧.

٢٥٧

وأنت تعلم أنّ الظواهر إذا تعارضت لم تقبل شهادتها ، خصوصا في المسائل العقلية ، ووجب الرجوع إلى غيرها من الدلائل العقلية القطعية.

وقد ذكرنا في ما سلف من الكلام ما يغني في إثبات المقصد.

وأمّا ما استدلّ به على تعدّد الخالقين من قوله تعالى :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (١) ، فالمراد بالخالقين هناك : ما يدّعي الكافرون من الأصنام.

فكأنّه يقول : تبارك الله الذي هو أحسن من أصنامكم الّذين تجعلونهم الخالقين المقدّرين بزعمكم ، فإنّهم لا يقدرون على شيء ، والله يخلق مثل هذا الخلق البديع المعجب.

أو المراد من الخالقين : المقدّرين للخلق ، كالمصوّرين ، لا أنّه تعالى أثبت لنفسه شركاء في الخلق.

ولكنّ المعتزلة ومن تابعهم يناسب حالهم ما قال الله تعالى :( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٤٥.

٢٥٨

وأقول :

قد ظهر ممّا سبق أنّ أجوبته لا تصلح أن توسم باسم الجواب(١) ، ودعواه هنا المعارضة بالآيات الأخر باطلة.

أمّا قوله تعالى :( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، فقد عرفت في أوّل المطلب الأوّل أنّ المراد به السماوات والأرض ، وما فيهما من الأجسام والأعراض والأجرام ، لا ما يشمل أفعال العباد ، فراجع(٣) .

وأمّا قوله تعالى :( أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ * وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (٤) فالمراد فيه ب‍ ( ما يعملون ) هو : ما ينحتونه من الأصنام لا عملهم(٥) ، إذ لا معنى للإنكار على عبادتهم لما ينحتون بحجّة أنّه خلقهم وأعمالهم التي منها عبادتهم التي أنكر عليها!

وأمّا قوله تعالى :( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) ، فالظاهر أنّ معناه أنّه تعالى فعّال لما يريد فعله وتكوينه.

ومن أوّل الدعوى أنّه يريد تكوين الإيمان ، وإنّما يريده تكليفا وتشريعا.

وأمّا المعارضة بالآيات الواردة في الهداية والإضلال والختم ، فمبنيّة

__________________

(١) انظر الصفحة ١٥٦ من هذا الجزء.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٦١ ، سورة الزمر ٣٩. ٦٢ ، سورة غافر ٤٠ : ٦٢.

(٣) راجع ج ٢ / ٣٤٣.

(٤) سورة الصافّات ٣٧ : ٩٥ و ٩٦.

(٥) انظر : تفسير الماوردي ٥ / ٥٨ ، الكشّاف ٣ / ٣٤٥ ، مجمع البيان ٨ / ٢٨١.

تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ١٥١.

٢٥٩

على أنّ المراد بالهداية والإضلال : خلق الهدى والضلال ، وهو ممنوع ؛ بل المراد بالهداية أحد أمور :

الأوّل : الدلالة والإرشاد ، كما في قوله تعالى : إنّا( هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (١) ( إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (٢) .

وقوله تعالى :( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) (٣)

وقوله تعالى :( إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٤) .

.. إلى غيرها من الآيات الكثيرة.

الثاني : الإثابة والإنعام ، كما في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) (٥) .

فإنّ المراد هنا بالهداية : الإثابة ؛ لوقوعها بعد القتل والموت ، كما إنّ المراد هنا بالإضلال : إبطال أعمالهم.

ومثلها في إرادة الإثابة قوله تعالى :( يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) (٦) .

الثالث : التوفيق وزيادة الألطاف ، كما في قوله تعالى :( مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) (٧) ، ونقيضه الإضلال بأن يكلهم إلى أنفسهم ، ويمنعهم زيادة

__________________

(١) سورة البلد ٩٠ : ١٠.

(٢) سورة الإنسان ٧٦ : ٣ ، وتمام الآية :( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) .

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ١٧.

(٤) سورة الشورى ٤٢ : ٥٢.

(٥) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٤ و ٥.

(٦) سورة يونس ١٠ : ٩.

(٧) سورة الإسراء ١٧ : ٩٧.

٢٦٠