المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية15%

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 260

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 115099 / تحميل: 7493
الحجم الحجم الحجم
المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

لأن الرسول لا يناقض القرآن ولا يضيف عليه( مَّا عَلَى الرَّ‌سُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ) (١) .

وعليه فإنَّ مصادر عقائد الأديان السماوية محصورة في الكتب المنزلة وهي: القرآن الكريم أولاً، والتوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء المسمّات بـ (العهدين) ثانياً، كما سيأتي تفصيله.

والمتأمل في القرآن سوف يكتشف أن لغة القرآن خصت العقيدة باسم (الإيمان) وخصت الشريعة باسم (العمل الصالح) أو (الاستقامة). والإيمان لغةً: هو التصديق، واصطلاحاً هو الاعتقادُ بكل ما ثبت بالضرورة؛ وقد رأى العلماء أن الإيمان مركب من فروع هي التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان. وما يطلب الإسلام من المسلم التصديق به كأساس لإيمانه وكمال عقيدته تجمعه كلمة الشهادتين.

ولكن ما هو التصديق؟ وللإجابة نقول، التصديق بالله: أي معرفة الله (الإلهيات)، والتصديق بالرسول: أي معرفة الرسل والملائكة والكتب (النبوات)، والتصديق بالبعث والحساب (السمعيات).

وهذا هو التصديق الذي يلتزم به جميع المسلمين على الإطلاق. وهذا هو التصديق الذي يشكل أركان العقيدة الإسلامية. وهذا هو التصديق الذي يفصل بين الكفر والإيمان والحق والباطل والهداية والضلال. هذا هو

____________________

(١) سورة المائدة: آية ٩٩.

٢١

التصديق الذي يقوم على النصوص القطعية التي حملها جميع الرُّسُلِ (ع) إلى البشرِ في كل زمان ومكان(١) .

المرحلةُ الثانية: عقائد الأديان السماويَّةِ، محاولةُ تعريف:

وعلى ضوءِ ماتقدَّم، يتسنّى لنا تعريف عقائد ألأديان السماوية وعلى النحو التالي:

العقائد: جمعُ عقيدة، ما عقد عليه القلب واطمأنَّ اليه، وما انطوت عليه أساريرُ القلب ورسخَ فيه وانعقدَ عليه، وهو الإذعانُ والتصديقُ والجزمُ والقطعُ بأمرٍ ما أو بالشيء المعتقد بهِ(٢) .

والمرادُ بعقائد الأديان السماوية هنا: هو ما أجمعت عليهِ الأديان السماوية بواسطة الوحي الإلهيّ على التبشير والوعدِ الحتميِّ والقطعيِّ بـ (منقذ العالم ومخلِّصِهِ) في آخر الزمان، والذي يقيمُ الحقَّ بتمامهِ ويدحضَ الباطلَ وأتباعِهِ، ويقيمُ دولة العدل الإلهيّ العظمى الموعودة.

هذا وقد أوجبَ اللهُ تبارك وتعالى في كتبِهِ المقدَّسة - التي أَنزلَها على قلوبِ أنبياءِهِ العظام (صلوات الله عليهم أجمعين) - عِبرَ هذهِ العقيدةِ المباركةِ الإيمانَ بوعدِهِ وعهدِهِ المقطوع بهِ في قضائِهِ الحتميّ بخصوصِ وليِّهِ الأعظم المنقذ، والتصديقَ بهِ وارتقابِ مجيئهِ في يوم اللهِ الأَكبر

____________________

(١) عقائد السنة وعقائد الشيعة التقارب والتباعد، ص ١١-١٢.بايجاز وتصرُّف.

(٢) معجم ألفاظ الفقه الجعفري، ص ١٨٠٢، العقيدة، العقائد: العقيدة: المذهب. المعتقد، ما لا يقبل الشك فيه لدى معتقده. في الدين، ما يقصد به الاعتقاد دون العمل، كعقيدة وجود الله، وبعثة الرسل. العقائد: جمع عقيدة. انظر: عقيدة، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، العقيدة: بفتح العين جمعها عقائد...الخ. البليغ في المعاني والبيان البديع، هامش ص٣٧. مقارنة الأديان اليهودية، ص٢٨٤.

٢٢

المنتظر؛ وجعلَ ذلكَ من الإيمانِ بغيبِهِ، وجعلَ التصديقَ بالغيبِ من أشرفِ العبادات ومن سماتِ المتَّقين، حيث قال عزَّ وجلَّ:( هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) (١) .

وبما أنَّ للكتبِ السماويّةِ المُنَزَّلة من الله تبارك وتعالى أهميَّتها العظمى من الناحيةِ الدينيَّةِ والتأريخيَّةِ والأخلاقيةِ، بل ومن جميعِ النواحي، وانحصار العقائد الإلهية الموحات فيها، لذا فهي تُعتبرُ المصادرَ الرئيسية لمثل هكذا بحث، وعليه سيكون بحثنا منصبّاً على القرآن الكريم أولاً، باعتبارهِ الكتاب السماويّ الجامعِ والمُهيمن والمحفوظ بواسطة الله سبحانهُ وتعالى من التحريف والتخريب، وعلى التوراة والإنجيل والزبور وبعضِ صُحُفِ الأنبياءِ (عليهم السلام) ثانياً؛ وتجدرُ بنا الإشارة هنا الى أنَّ هذه الكتب ماعدى القرآن الكريم، قد جُمعت في كتابٍ واحدٍ سمِّيَ بـ (الكتاب المقدَّس) أو (العهدين).

وإن كنّا سنشيرُ أيضاً الى شيءٍ مما ورَدَ في عقائد بعضِ الأديان والفلسفات الأُخرى بخصوصِ مايرتبطُ منها بموضوعنا، ولكن على سبيل الإيجاز والإشارة، وذلكَ لإثباتِ أنَّ هذه العقيدة المباركة ليست دينيَّة فحسب، بل وهي فطريَّة أيضاً، لذا فهي تشمُلُ جميعَ البشر ومستقرَّةٌ في جوانحهم.

____________________

(١) سورة البقرة: آية ٢-٣.

٢٣

وفي هذا الفصلِ أيضاً، سنبدأُ بالتعريفِ بالقرآنِ الكريم للوقوفِ على بعضِ حقائقهِ ومعالمهِ ومميّزاتهِ، ثم التعريفُ بالكتاب المقدَّس (العهدين) ودراستهِ والتّأمّلِ فيهِ وإعطائهِ مايستحقُّهُ من قيمةٍ علميَّةٍ وأخلاقيَّةٍ وتأريخيَّةٍ. وربَّما توسَّعنا شيئاً قليلاً في الحديثِ عن هذهِ الكتبِ السماويّة المقدَّسة وذلكَ لأهميَّتها وباعتبارها أفضل ما يملكهُ عالمُ الإنسانِ على الإطلاق.

٢٤

المبحث الثاني: نظرة في القرآن الكريم

لقد تجلّى الله سبحانهُ وتعالى في كتابه العزيز (القرآن الكريم)، فهو بحقٍّ معجزةُ المعاجز، والمصدِّقُ والمهيمن على كُلِّ ماسبقهُ من كتبٍ سماويَّةٍ مقدسةٍ، فهو كما قالَ فيه النبيُّ الأكرم محمد (ص): (... كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به اجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم...)(١) . ولابدَّ لنا هنا من وقفةٍ للتعريفِ بهِ أوَّلاً، ومعرفةُ خصائصهِ وامتيازاته عَمَّن سواه ثانياً.

____________________

(١) البيان في تفسير القرآن، ص ١٨-١٩.وهكذا في سنن الدارمي ج ٢ ص ٤٣٥. كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج ١١ ص ٣٠ أبواب فضائل القرآن. وفي بحار الأنوار ج ٩ ص ٧ عن تفسير العياشي. من حديث أخذنا منه موضع الحاجة: روى الحارث الهمداني،قال: (دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي فقلت: ألا ترى أن أناساً يخوضون في الأحاديث في المسجد؟ فقال: قد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: أما إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله، كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم...).

٢٥

أوَّلاً: تعريفٌ بالقرآن الكريم

نزول القرآن الكريم:

قال تعالى:( شَهْرُ‌ رَ‌مَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْ‌آنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْ‌قَانِ ) (١) . وشهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية العربية بين شعبان وشوال ولم يذكر اسم شئ من الشهور في القرآن الا شهر رمضان.والنزول هو الورود على المحلّ من العلوّ، والفرق بين الانزال والتنزيل أن الانزال دفعي والتنزيل تدريجي(٢) ، والقرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم باعتبار كونه مقرؤاً كما قال تعالى:( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٣) . ويطلق على مجموع الكتاب وعلى ابعاضه.والآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان... وأمّا قوله تعالى:( وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَ‌كَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِ‌ينَ ) (٤) ، وقوله:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‌ ) (٥) ، فإن ظاهر هذه الآيات لا يلائم كون المراد من إنزال القرآن أوّل إنزاله أو إنزال أول بعض من

____________________

(١) سورة لالبقرة: آية ١٨٥.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ، ج ٢ ص١٥. انظر:تاج العرو س ، ج ١٥ ص ٧٢٩. تفسير الأمثل، ج ١٤ ص ١٥.

(٣) سورة الزخرف: آية ٣.

(٤) سورة الدخان: آية ٢ و٣.

(٥) سورة القدر: آية ١.

٢٦

أبعاضه ولا قرينة في الكلام تدل على ذلك كما أدّعى البعض. والذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب أمر آخر فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنما عبرت عن ذلك بلفظ الانزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله تعالى:( شَهْرُ‌ رَ‌مَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْ‌آنُ ) (١) ، وقوله تعالى:( حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَ‌كَةٍ ) (٢) ، وقوله تعالى:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‌ ) (٣) ، واعتبار الدفعة أما بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى:( كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ) (٤) ، فإن المطر إنما ينزل تدريجاً لكن النظر هيهنا معطوف إلى اخذه مجموعاً واحداً، ولذلك عبر عنه بالانزال دون التنزيل، وكقوله تعالى:( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَ‌كٌ لِّيَدَّبَّرُ‌وا آيَاتِهِ ) (٥) ، وإما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلاً بالانزال دون التنزيل.وهذا الاحتمال الثاني هو اللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى:( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‌ ) (٦) .

____________________

(١) سورة البقرة: آية ١٨٥.

(٢) سورة الدخان: آية ٣.

(٣) سورة القدر: آية ١.

(٤) سورة يونس: آية ٢٤.

(٥) سورة ص: آية ٢٩.

(٦) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج٢، ص١٤-١٧، بإيجاز وتصرف.

٢٧

وأمّا قوله تعالى:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‌ ) ضمير (أنزلناه) للقرآن وظاهره جملة الكتاب العزيز لا بعض آياته ويؤيده التعبير بالانزال الظاهر في اعتبار الدفعة دون التنزيل الظاهر في التدريج. وفي معنى الآية قوله تعالى:( وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَ‌كَةٍ ) (١) .

وظاهره الاقسام بجملة الكتاب المبين ثم الاخبار عن إنزال ما اقسم به جملة. فمدلول الآيات أن للقرآن نزولاً جمليّاً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير نزوله التدريجي الذي تم في مدة ثلاث وعشرين سنة كما يشير إليه قوله:( وَقُرْ‌آنًا فَرَ‌قْنَاهُ لِتَقْرَ‌أَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ) (٢) ، وقوله:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْ‌آنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَ‌تَّلْنَاهُ تَرْ‌تِيلًا ) (٣) . فلا يعبأ بما قيل: إن معنى قوله:( أَنزَلْنَاهُ ) ابتدأنا بإنزاله والمراد إنزال بعض القرآن.وليس في كلامه تعالى ما يبين ان الليلة أية ليلة هي غير ما في قوله تعالى:( شَهْرُ‌ رَ‌مَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْ‌آنُ ) (٤) فإن الآية بانضمامها إلى آية القدر تدل على أن الليلة من ليالي شهر رمضان. وأما تعيينها أزيد من ذلك فمستفاد من الاخبار...

____________________

(١) سورة الدخان: آية ٣.

(٢) سورة الإسراء: آية ١٠٦.

(٣) سورة الفرقان: آية ٣٢.

(٤) سورة البقرة: آية ١٨٥.

٢٨

وقد سماها الله تعالى ليلة القدر، والظاهر أن المراد بالقدر التقدير فهي ليلة التقدير يقدر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل من حياة وموت ورزق وسعادة وشقاء وغير ذلك كما يدل عليه قوله في سورة الدخان في صفة الليلة:( فِيهَا يُفْرَ‌قُ كُلُّ أَمْرٍ‌ حَكِيمٍ ﴿٤﴾ أَمْرً‌ا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْ‌سِلِينَ ﴿٥﴾ رَ‌حْمَةً مِّن رَّ‌بِّكَ ) (١) ، فليس فرق الامر الحكيم إلا إحكام الحادثة الواقعة بخصوصياتها بالتقدير.(٢)

إعجاز القرآن وبلاغته:

قد ذكر للاعجاز في اللغة عدة معان: الفوت. وجدان العجز. إحدائه كالتعجيز. فيقال: أعجزه الامر الفلاني أي فاته، ويقال: أعجزت زيداً أي وجدته عاجزاً، أو جعلته عاجزاً. وهو في الاصطلاح أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الالهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره شاهدا على صدق دعواه(٣) . وإنما يكون المعجز شاهداً على صدق ذلك المدعي إذا أمكن أن يكون صادقا في تلك الدعوى. وأما إذا امتنع صدقه في دعواه بحكم العقل، أو بحكم النقل الثابت عن نبي، أو إمام معلوم العصمة، فلا يكون ذلك شاهدا على الصدق، ولا يسمى معجزا في الاصطلاح وإن عجز البشر عن أمثاله: مثال الاول: ما إذا ادعى أحد أنه إله،

____________________

(١) سورة الدخان: آية ٦.

(٢) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج ٢٠، ص٣٣٠-٣٣١بإيجاز وتصرف.

(٣) البيان في تفسير القرآن، ص٣٣.انظر: لسان العرب، ج٥ ص ٣٧. مجمع البحرين، ج٣ ص ١٢٤.

٢٩

فإن هذه الدعوى يستحيل أن تكون صادقة بحكم العقل، للبراهين الصحيحة الدالة على استحالة ذلك.

ومثال الثاني: ما إذا ادعى أحد النبوة بعد نبي الاسلام، فإن هذه الدعوى كاذبة قطعاً بحكم النقل المقطوع بثبوته الوارد عن نبي الاسلام، وعن خلفائه المعصومين بأن نبوته خاتمة النبوات، وإذا كانت الدعوى باطلة قطعاً، فماذا يفيد الشاهد إذا أقامه المدعي؟ ولا يجب على الله جل شأنه أن يبطل ذلك بعدحكم العقل باستحالة دعواه،أو شهادة النقل ببطلانها.(١)

ولذلك اقتضت الحكمة أن يُخَصّ نبي الاسلام بمعجزة البيان، وبلاغة القرآن، فعلم كل عربي أن هذا من كلام الله، وأنه خارج ببلاغته عن طوق البشر، واعترف بذلك كل عربي غير معاند. ويدل على هذه الحقيقة ما روي عن ابن السكيت أنه قال لابي الحسن الرضا عليه السلام: لماذا بعث الله موسى بن عمران عليه السلام بالعصا، ويده البيضاء، وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمداً - صلى الله عليه واله وسلم وعلى جميع الانبياء - بالكلام والخطب؟. فقال أبو الحسن عليه السلام: «إن الله لما بعث موسى عليه السلام كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به`الحجة عليهم. وإن الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرأ الاكمه والابرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.وإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في وقت

____________________

(١) البيان في تفسير القرآن، ص ٣٣.

٣٠

كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال: الشعر - فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم» (١) .

وقد كانت للنبي معجزات اخرى غير القرآن، كشق القمر، وتكلم الثعبان، وتسبيح الحصى، ولكن القرآن أعظم هذه المعجزات شأناً، وأقومها بالحجة، لان العربي الجاهل بعلوم الطبيعة وأسرار التكوين، قد يشك في هذه المعجزات، وينسبها إلى أسباب علمية يجهلها. وأقرب هذه الاسباب إلى ذهنه هو السحر فهو ينسبها إليه، ولكنه لا يشك في بلاغة القرآن وإعجازه، لانه يحيط بفنون البلاغة، ويدرك أسرارها. على أن تلك المعجزات الاخرى موقتة لا يمكن لها البقاء فسرعان ما تعود خبراً من الاخبار ينقله السابق للاحق، وينفتح فيه باب التشكيك. أما القرآن فهو باقٍ إلى الابد، وإعجازه مستمر مع الاجيال.

ثانياً: خصائصُ القرآن وامتيازاته عَمَّن سواه من الكتب السماويَّة

بلاغة القرآن معجزة إلهية:

قد علم كلُّ عاقل بلغة الدعوة الاسلامية،أن محمداً (ص) بشَّرَ جميع الامم بدعوتهم إلى الاسلام، وأقام الحجة عليهم بالقرآن، وتحدّاهم بإعجازه، وطلب منهم أن يأتوا بمثله وإن كان بعضهم لبعض ظهيراً(٢) ، ثم

____________________

(١) اصول الكافي، كتاب العقل والجهل، الرواية ٢٠.

(١) فقال تعالى:( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْ‌آنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً‌ا ) سورة الإسراء: آية ٨٨.

٣١

تنزّل عن ذلك فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مُفتريات(١) ، ثم تحدّاهم إلى الاتيان بسورة واحدة. وكان من الجدير بالعرب - وفيهم الفصحاء النابغون في الفصاحة - أن يجيبوه إلى ما يريد، ويسقطوا حجته بالمعارضة، لو كان ذلك ممكناً غير مستحيل.

نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن، ويأتوا بنظيرها في البلاغة، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحدّاهم في أبرع كمالاتهم، وأظهر ميزاتهم، ويسجلوا لانفسهم ظهور الغلبة وخلود الذكر. ولكن العرب فكرت في بلاغة القرآن فأذعنت لإعجازه، وعلمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة، فخضعوا لدعوة القرآن، وفازوا بشرف الاسلام، وركب آخرون جادة العناد، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف، وآثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان، فكان هذا العجز والمقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر. ولو ادَّعى مدَّعٍ: أن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضته بالحجة، وقد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان؛ وجواب ذلك:

أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لأعلنتها العرب في أنديتها، وشهرتها في مواسمها وأسواقها. ولاخذ منه أعداء الاسلام نشيداً يوقعونه في كل مجلس، وذكراً يردّدونه في كلّ مناسبة، وللقنه السلف للخلف، وتحفظوا عليه تحفظ المدعي على حجته، وكان ذلك أقرّ لعيونهم من

____________________

(١) فقال تعالى:( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَ‌اهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ‌ سُوَرٍ‌ مِّثْلِهِ مُفْتَرَ‌يَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) سورة هود: آية ١٣.

(١) سورة الإسراء: آية ٨٨.

٣٢

الاحتفاظ بتاريخ السلف، وأشعار الجاهلية التي ملأت كتب التاريخ، وجوامع الادب، مع أنّا لا نرى أثراً لهذه المعارضة، ولا نسمع لها بذكر. على أن القرآن الكريم قد تحدى جميع البشر بذلك، بل جميع الانس والجن، ولم يحصر ذلك بجماعة خاصة. فقال (عزّ من قائل):( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْ‌آنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً‌ا ) (١) . ونحن نرى أعداء الاسلام، يبذلون الاموال الطائلة في الحط من كرامة هذا الدين، والنيل من نبيه الاعظم، وكتابه المقدس، ويتكرر هذا العمل منهم مراراً. فلو كان من الميسور لهم أن يعارضوا القرآن، ولو بمقدار سورةٍ منه، لكانَ هذا أعظم لهم في الحجة، وأقرب لحصول الامنية، ولما احتاجوا إلى صرف هذه الاموال، وإتعاب النفوس.

القرآن معجزة خالدة:

قد عرفنا أن طريق التصديق بالنبوة والايمان بها، ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهداً لدعواه، ولما كانت نبوءات الانبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم، كان مقتضى الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد، ومحدودة، لانها شواهد على نبوءات محدودة، فكان البعض من أهل تلك الازمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة، والبعض الاخر تنقل إليه أخبارها من المشاهدين على وجه التواتر، فتقوم عليه الحجة أيضاً. أما الشريعة الخالدة، فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضاً،

____________________

(١) سورة الإسراء: آية ٨٨.

٣٣

لان المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، وقد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة،فإذا كلفه الله بالايمان بها كان من التكليف بالممتنع، والتكليف بالممتنع مستحيل على الله تعالى، فلا بد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة.وهكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة ليكون برهاناً على صدق الرسالة الخالدة، وليكون حجةً على الخلف كما كان حجة على السلف. وقد نتج لنا عما قدمناه أمران:

الاول: تفوق القرآن على جميع المعجزات التي ثبتت للانبياء السابقين، وعلى المعجزات الاخرى التي ثبتت لنبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم لكون القرآن باقياً خالداً، وكون إعجازه مستمراً يُسمِعُ الاجيال ويحتجُّ على القرون.

الثاني: إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة، والدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها، لأنقطاع زمان المعجزة التى شهدت بصدقها.

ثم ان القرآن يختص بخاصيّة اخرى، وبها يتفوّق على جميع المعجزات التي جاء بها الانبياء السابقون، وهذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر، وسوقهم إلى غاية كمالهم. فإن القرآن هو المرشد الذي أرشد العرب المعتنقين أقبح العادات والعاكفين على الاصنام، والمشتغلين بالحروب الداخلية، والمفاخرات الجاهلية، فتكونت منهم أمةٌ ذات عظمةٍ في تاريخها، وذات سموٍ في معارفها وعاداتها. ومن نظر في تاريخ الاسلام وسبر تراجم أصحاب النبي(ص) المستشهدين بين يديه، ظهرت له عظمة القرآن في بليغ

٣٤

هدايته، وكبير أثره، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم والكمال، وجعلهم يتفانون في سبيل الدين وإحياء الشريعة.

ولمّا عرفنا أن القرآن معجزة إلهية، في بلاغته وأسلوبه، لذا يجب علينا أن نعلم أيضاً أن اعجازه لا ينحصر في ذلك، بل هو معجزة ربّانيّة، وبرهان صدق على نبوة من انزل إليه من جهات شتى، فيحسن بنا أن نتعرض إلى شيء منها على نحو الاختصار:

القرآن والمعارف:

صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمداً (ص) أميٌّ، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بين ملأ من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم، وتربى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أُميَّته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الاسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى موضعاً لدهشة المفكرين، وحيرتهم إلى اليوم الأخير، وهذا من أعظم نواحي الاعجاز. ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى، ولنفرض أن محمدا (ص) لم يكن أميّاً، ولنتصوره قد تلقن المعارف، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد (ص) بينهم، منهم وثنيون يعتقدون بالاوهام، ويؤمنون بالخرافات،ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم، وأحكامهم من كتب(العهدين) التى ينسبونها إلى الوحي، ويعزونها إلى الانبياء. وإذ فرضنا أن

٣٥

محمداً (ص) أخذ تعاليمه من أهل عصره، أفليس لازم هذا أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد التي اكتسبها من معلميه ومرشديه ومن هذه الكتب التي كانت مصدر ثقافته وعلومه؟ ونحن نرى مخالفة القرآن لكتب العهدين في جميع النواحي،وتنزيهه لحقائق المعارف عن الموهومات الخرافية التي ملأت مصادر التعلم في ذلك العصر.

وقد تعرض القرآن الكريم الى صفات الله جل شأنه في آيات كثيرة، فوصفه بما يليق بشأنه من صفات الكمال،ونزهه عن لوازم النقص والحدوث. وهذه نماذج منها:

- ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿١١٦﴾ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرً‌ا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) . (١)

- ( وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّ‌حْمَـٰنُ الرَّ‌حِيمُ) . (٢)

- ( اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْ‌ضِ) . (٣)

- ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْ‌ضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴿٥﴾ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُ‌كُمْ فِي الْأَرْ‌حَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . (٤)

____________________

(١) سورة البقرة: ١١٦-١١٧.

(٢) سورة البقرة: ١٦٣.

(٣) سورة البقرة: ٢٥٥.

(٤) سورة آل عمران: ٥، ٦.

٣٦

- ( ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَ‌بُّكُمْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿١٠٢﴾ لَّا تُدْرِ‌كُهُ الْأَبْصَارُ‌ وَهُوَ يُدْرِ‌كُ الْأَبْصَارَ‌ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ‌) . (١)

- ( قُلِ اللَّـهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) . (٢)

- ( اللَّـهُ الَّذِي رَ‌فَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ‌ عَمَدٍ تَرَ‌وْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْ‌شِ وَسَخَّرَ‌ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ‌ كُلٌّ يَجْرِ‌ي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ‌ الْأَمْرَ‌ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَ‌بِّكُمْ تُوقِنُونَ) . (٣)

- ( وَهُوَ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَ‌ةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْ‌جَعُونَ) . (٤)

هكذا يصف القرآنُ اللهَ إلى العالمين، ويأتي بالمعارف التي تتمشّى مع البرهان الصريح، ويسير مع العقل الصحيح، وهل يمكن لبشر أميّ نشأ في محيط جاهل أن يأتي بمثل هذه المعارف العالية؟.كما ويتعرض القرآن لذكر الانبياء فيصفهم بكل جميل ينبغي أن يوصفوا به، وينسب إليهم كل مأثرة كريمة تلازم قداسة النبوة، ونزاهة السفارة الالهية، وإليك نماذج منها(٥) :

____________________

(١) سورة الأنعام: الآيات ١٠٢، ١٠٣.

(٢) سورة يونس: الآية ٣٤.

(٣) سورة الرعد: الآية ٢.

(٤) سورة القصص: آية ٧٠.

(٥) البيان في تفسير القرآن، ص٤٨، بإيجاز وتصرّف.

٣٧

-( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّ‌سُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَ‌اةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُ‌هُم بِالْمَعْرُ‌وفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ‌ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّ‌مُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) .(١)

-( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَ‌سُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) .(٢)

-( وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرً‌ا غَيْرَ‌ مَمْنُونٍ ﴿٣﴾ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .(٣)

-( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَ‌اهِيمَ وَآلَ عِمْرَ‌انَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) .(٤)

-( وَإِذْ قَالَ إِبْرَ‌اهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَ‌اءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ ﴿٢٦﴾ إِلَّا الَّذِي فَطَرَ‌نِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) .(٥)

-( وَكَذَٰلِكَ نُرِ‌ي إِبْرَ‌اهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) .(٦)

____________________

(١) سورة العراف: ١٥٧.

(٢) سورة الجمعة: ٢.

(٣) سورة القلم: ٣، ٤.

(٤) سورة آل عمران: ٣٣.

(٥) سورة الزخرف: ٢٦، ٢٧.

(٦) سورة الأنعام: ٧٥.

٣٨

-( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّ‌يَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُ‌ونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٤﴾ وَزَكَرِ‌يَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿٨٥﴾ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) .

القرآن والاتقان في المعاني:

تعرض القرآن الكريم لمواضيع كثيرة العدد، متباعدة الاغراض من الآلهيات والمعارف، وبدء الخلق والمعاد، وما وراء الطبيعة من الروح والملك وإبليس والجن، والفلكيات، والارض، والتاريخ، وشؤون فريق من الانبياء الماضين، وما جرى بينهم وبين أممهم، وللامثال والاحتجاجات والاخلاقيات، والحقوق العائلية، والسياسات المدنية، والنظم الاجتماعية والحربية، والقضاء والقدر، والكسب والاختيار، والعبادات والمعاملات، والنكاح والطلاق، والفرائض، والحدود والقصاص وغير ذلك. وقد أتى في جميع ذلك بالحقائق الراهنة، التي لا يتطرق إليها الفساد والنقد في أية جهة من جهاتها، ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهذا شئ يمتنع وقوعه عادة من البشر - ولا سيما ممن نشأ بين أمة جاهلة لا نصيب لها من المعارف، ولا غيرها من العلوم - ولذلك نجد كل من ألف في علم من العلوم النظرية، لا تمضي على مؤلفه مدة حتى يتضح بطلان كثير من آرائه. فإن العلوم النظرية كلما ازداد البحث فيها وكثر، ازدادت الحقائق فيها

____________________

(١) سورة الأنعام: ألآيات ٨٤، ٨٥، ٨٦.

٣٩

وضوحاً، وظهر للمتأخر خلاف ما أثبته المتقدم، والحقيقة - كما يقولون - بنت البحث، وكم ترك الاول للآخر، ولهذا نرى كتب الفلاسفة الاقدمين، ومن تأخر عنهم من أهل التحقيق والنظر قد صارت عرضة لسهام النقد ممن تأخر، حتى أن بعض ما اعتقده السابقون برهاناً يقينيّاً، أصبح بعد نقده وهماً من الاوهام، وخيالاً من الاخيلة.والقرآن مع تطاول الزمان عليه، وكثرة أغراضه، وسمو معانيه،لم يوجد فيه ما يكون معرضاً للنقد والاعتراض، اللّهمّ إلاّ أوهام من بعض المكابرين، حسبوها من النقد!.

القرآن والاخبار بالغيب:

أخبر القرآن الكريم في عدة من آياته عن امور مهمة، تتعلق بما يأتي من الانباء والحوادث، وقد كان في جميع ما أخبر به صادقاً، لم يخالف الواقع في شئ منها. ولا شك في أن هذا من الاخبار بالغيب، ولا سبيل إليه غير طريق الوحي والنبوة. فمن الايات التي أنبأت عن الغيب قوله تعالى:( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّـهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ‌ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِ‌يدُ اللَّـهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ‌ الْكَافِرِ‌ينَ ) .(١)

وهذه الاية نزلت في وقعة بدر، وقد وعد الله فيها المؤمنين بالنصر على عدوهم وبقطع دابر الكافرين، والمؤمنون على ما هم عليه من قلة العدد والعدة، حتى أن الفارس فيهم كان هو المقداد، أو هو والزبير بن العوام والكافرون هم الكثيرون الشديدون في القوة، وقد وصفتهم الاية بأنهم ذووا شوكة، وأن

____________________

(١) سورة الأنفال: الآية ٧.

٤٠

المؤمنين أشفقوا من قتالهم، ولكن الله يريد أن يحق الحق بكلماته. وقد وفى للمؤمنين بوعده، ونصرهم على أعدائهم، وقطع دابر الكافرين.

ومنها قوله تعالى:( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ‌ وَأَعْرِ‌ضْ عَنِ الْمُشْرِ‌كِينَ ﴿94﴾ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴿95﴾ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ‌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .(1)

فإن هذه الاية الكريمة نزلت بمكة في بدء الدعوة الاسلامية، وقد أخرج البزار والطبراني في سبب نزولها عن أنس بن مالك: أنها نزلت عند مرور النبي صلى الله عليه واله وسلم على أناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: (هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبرئيل).(3)

فأخبرت الاية عن ظهور دعوة النبي صلى الله عليه واله وسلم ونصرة الله له، وخذلانه للمشركين الذين ناوأوه واستهزأوا بنبوته، واستخفوا بأمره. وكان هذا الاخبار في زمان لم يخطر فيه على بال أحد من الناس انحطاط شوكة قريش، وانكسار سلطانهم، وظهور النبي صلى الله عليه واله وسلم عليهم. ونظير هذه الاية قوله تعالى:

( هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْمُشْرِ‌كُونَ ) .(2) ومن هذه الانباء قوله تعالى: ( غُلِبَتِ الرُّ‌ومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْ‌ضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) (3) . وقد وقع ما

____________________

(1) سورة الحجر: 94-96.

(2) لباب النقول: 133.

(3) سورة الصف: 9.

(4) سورة الروم: 2-3.

٤١

أخبرت به الاية بأقل من عشر سنين، فغلب ملك الروم، ودخل جيشه مملكة الفرس. ومنها قوله تعالى:( أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ‌ ﴿44﴾ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‌ ) .(1)

فأخبر عن انهزام جمع الكفار وتفرقهم وقمع شوكتهم، وقد وقع هذا في يوم بدر أيضا حين ضرب أبو جهل فرسه، وتقدم نحو الصف الاول قائلا: (نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه) فأباده الله وجمعه(2) ، وأنار الحق ورفع مناره، وأعلى كلمته، فانهزم الكافرون، وظفر المسلمون عليهم حينما لم يكن يتوهم أحد بأن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا - ليس لهم عدة، ولا يصحبون غير فرس أو فرسين وسبعين بعيرا يتعاقبون عليها - يظفرون بجمع كبير تام العدة وافر العدد، وكيف يستفحل أمر اولئك النفر القليل على هذا العدد الكثير، حتى تذهب شوكته كرماد اشتدت به الريح، لولا أمر الله وإحكام النبوة وصدق النيات؟!.

ومنها قوله تعالى:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ سَيَصْلَىٰ نَارً‌ا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿3﴾ وَامْرَ‌أَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) (3) . وقد تضمنت هذه السورة نبأ دخول أبي لهب، ودخول زوجته النار. ومعنى ذلك هو الاخبار عن عدم تشرفهما بقبول الاسلام إلى آخر حياتهما، وقد وقع ذلك(4) .

____________________

(1) سورة القمر: ألآيات 44، 45.

(2) الكشاف، ج4 ص 41. تفسير القرطبي، ج 17 ص 146. تفسير جوامع الجامع، ج 3 ص 47. البيان في تفسير القرآن ، ص 70.

(3) سورة المسد: ألآيات 1، 3، 4.

(4) البيان في تفسير القرآن، ص 40-49، بإيجاز وتصرّف.

٤٢

القرآن وأسرار الخليقة:

أخبر القرآن الكريم في غير واحدة من آياته عما يتعلق بسنن الكون، ونواميس الطبيعة، والافلاك، وغيرها مما لا سبيل إلى العلم به في بدء الاسلام إلا من ناحية الوحي الالهي. وبعض هذه القوانين وإن علم بها اليونانيون في تلك العصور أو غيرهم ممن لهم سابق معرفة بالعلوم، إلا أن الجزيرة العربية كانت بعيدة عن العلم بذلك. وإن فريقا مما أخبر به القرآن لم يتضح إلا بعد توفر العلوم، وكثرة الاكتشافات. وهذه الانباء في القرآن كثيرة.وقد أخذ القرآن بالحزم في إخباره عن هذه الامور، فصرح ببعضها حيث يحسن التصريح، وأشار إلى بعضها حيث تحمد الاشارة، لان بعض هذه الاشياء مما يستعصي على عقول أهل ذلك العصر، فكان من الرشد أن يشير إليها إشارة تتضح لاهل العصور المقبلة حين يتقدم العلم، وتكثر الاكتشافات. ومن هذه الاسرار التي كشف عنها الوحي السماوي، وتنبه إليها المتأخرون ما في قوله تعالى:( وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ) (1) . فقد دلت هذه الاية الكريمة على أن كل ما ينبت في الارض له وزن خاص، وقد ثبت أخيراً أن كل نوع من أنواع النبات مركب من أجزاء خاصة على وزن مخصوص، بحيث لو زيد في بعض أجزائه أو نقص لكان ذلك مركبا آخر. وان نسبة بعض الاجزاء إلى بعض من الدقة بحيث لا يمكن ضبطها تحقيقا بأدق الموازين المعروفة للبشر.

____________________

(1) سورة الحجر: ألآية 19.

٤٣

ومن الاسرار الغريبة - التي أشار إليها الوحي الالهي - حاجة إنتاج قسم من الاشجار والنبات إلى لقاح الرياح. فقال سبحانه:( وَأَرْ‌سَلْنَا الرِّ‌يَاحَ لَوَاقِحَ ) (1) . فإن المفسرين الاقدمين وإن حملوا اللّقاح في الاية الكريمة على معنى الحمل، باعتبار أنه أحد معانيه، وفسروا الاية المباركة بحمل الرياح للسحاب، أو المطر الذي يحمله السحاب، ولكن التنبيه على هذا المعنى ليس فيه كبير اهتمام، ولا سيما بعد ملاحظة أن الرياح لا تحمل السحاب، وإنما تدفعه من مكان إلى مكان آخر.

والنظرة الصحيحة في معنى الاية - بعد ملاحظة ما اكتشفه علماء النبات - تفيدنا سراً دقيقا لم تدركه أفكار السابقين، وهو الاشارة إلى حاجة إنتاج الشجر والنبات إلى اللّقاح. وأن اللّقاح قد يكون بسبب الرياح، وهذا كما في المشمش والصنوبر والرمان والبرتقال والقطن، ونباتات الحبوب وغيرها، فإذا نضجت حبوب الطلع انفتحت الاكياس، وانتثرت خارجها محمولة على أجنحة الرياح فتسقط على مياسم الازهار الاخرى عفواً. وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أن سنة الزواج لا تختص بالحيوان، بل تعم النبات بجميع أقسامه بقوله:

-( وَمِن كُلِّ الثَّمَرَ‌اتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) (2) .

-( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْ‌ضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) (3) .

____________________

(1) سورة الحجر: ألآية 22.

(2) سورة الرعد: ألآية 3.

(3) سورة يس: ألآية 36. البيان في تفسير القرآن، ص 72، بايجاز.

٤٤

ومن الاسرار التي كشف عنها القرآن هي حركة الارض. فقد قال عز من قائل:( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْ‌ضَ مَهْدًا ) (1) .

تأمل كيف تشير الاية إلى حركة الارض إشارة جميلة لم تتضح إلا بعد قرون، وكيف تستعير للارض لفظ المهد الذي يعمل للرضيع، يهتز بنعومة لينام فيه مستريحاً هادئاً؟ وكذلك الارض مهد للبشر وملائمة لهم من جهة حركتها الوضعية والانتقالية، وكما أن تحرك المهد لغاية تربية الطفل واستراحته، فكذلك الارض، فإن حركتها اليومية والسنوية لغاية تربية الانسان بل وجميع ما عليها من الحيوان والجماد والنبات. تشير الاية المباركة إلى حركة الارض إشارة جميلة، ولم تصرح بها لانها نزلت في زمان أجمعت عقول البشر فيه على سكونها، حتى أنه كان يعد من الضروريات التي لا تقبل التشكيك. ومن الاسرار التي كشف عنها القرآن قبل أربعة عشر قرناً: وجود قارة اخرى. فقد قال سبحانه وتعالى:( رَ‌بُّ الْمَشْرِ‌قَيْنِ وَرَ‌بُّ الْمَغْرِ‌بَيْنِ ) (2) . وهذه الاية الكريمة قد شغلت أذهان المفسرين قرونا عديدة، وذهبوا في تفسيرها مذاهب شتى. فقال بعضهم: المراد مشرق الشمس ومشرق القمر ومغرباهما، وحمله بعضهم على مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما. ولكن الظاهر أن المراد بها الاشارة إلى وجود قارة اخرى تكون على السطح الاخر للارض يلازم شروق الشمس عليها

____________________

(1) سورة طه: ألآية 53.

(2) سورة الرحمن: ألآية 17.

٤٥

غروبها عنا. وذلك بدليل قوله تعالى:( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِ‌قَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِ‌ينُ ) .(1)

فإن الظاهر من هذه الاية أن البعد بين المشرقين هو أطول مسافة محسوسة فلا يمكن حملها على مشرقي الشمس والقمر ولا على مشرقي الصيف والشتاء، لان المسافة بين ذلك ليست أطول مسافة محسوسة فلا بد من أن يراد بها المسافة التي ما بين المشرق والمغرب. ومعنى ذلك أن يكون المغرب مشرقا لجزء آخر من الكرة الارضية ليصح هذا التعبير، فالاية تدل على وجود هذا الجزء الذي لم يكتشف إلا بعد مئات من السنين من نزول القرآن. فالايات التي ذكرت المشرق والمغرب بلفظ المفرد يراد منها النوع كقوله تعالى:( وَلِلَّـهِ الْمَشْرِ‌قُ وَالْمَغْرِ‌بُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ ) (2) .

والايات التي ذكرت ذلك بلفظ التثنية يراد منها الاشارة إلى القارة الموجودة على السطح الاخر من الارض. والايات التي ذكرت ذلك بلفظ الجمع يراد منها المشارق والمغارب باعتبار أجزاء الكرة الارضية كما نشير إليه. ومن الاسرار التي أشار إليها القرآن الكريم كروية الارض فقال تعالى:

-( وَأَوْرَ‌ثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِ‌قَ الْأَرْ‌ضِ وَمَغَارِ‌بَهَا ) (3) .

____________________

(1) سورة الزخرف: ألآية 38.

(2) سورة البقرة: ألآية 115.

(3) سورة الأعراف: ألآية 137.

٤٦

-( رَّ‌بُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَ‌بُّ الْمَشَارِ‌قِ ) (1) .

-( فَلَا أُقْسِمُ بِرَ‌بِّ الْمَشَارِ‌قِ وَالْمَغَارِ‌بِ إِنَّا لَقَادِرُ‌ونَ ) (2) .

ففي هذه الايات الكريمة دلالة على تعدد مطالع الشمس ومغاربها، وفيها إشارة إلى كروية الارض، فإن طلوع الشمس على أي جزء من أجزاء الكرة الارضية يلازم غروبها عن جزء آخر، فيكون تعدد المشارق والمغارب واضحا لا تكلف فيه ولا تعسف. وقد حمل القرطبي وغيره المشارق والمغارب على مطالع الشمس ومغاربها باختلاف أيام السنة، لكنه تكلّف لا ينبغي أن يصار إليه، لان الشمس لم تكن لها مطالع معينة ليقع الحلف بها، بل تختلف تلك باختلاف الاراضي. فلا بد من أن يراد بها المشارق والمغارب التي تتجدد شيئا فشيئا باعتبار كروية الارض وحركتها. وفي أخبار أئمة الهدى من أهل البيت (عليهم السلام) وأدعيتهم وخطبهم ما يدل على كروية الارض.(3)

مقام القرآن الكريم وأهميَّته وخصائصهُ:

والحديثُ عن القرآن لاينتهي لعظمتهِ وعمقهِ، ولكن لعلَّ مما تقدَّم يتَّضِحُ مقامُ القرآن الكريم وأهميَّتهِ العظمى في حياة البشر، وخصائصهِ، وما امتاز بهِ عن الكتب السماويةِ السابقةِ، ونجملُ بعضاً منها مراعين الإختصار في ماهو جديد بمايلي:

____________________

(1) سورة الصافات: ألآية 5.

(2) سورة المعارج: ألآية 40.

(3) البيان في تفسير القرآن، ص67-75، بإيجاز وتصرّف. انظر: الوسائل ج 1 ص 237 باب 116 ان أول وقت المغرب غروب الشمس، وبحار الأنوار، ج57 ص95.

٤٧

1: جامعيَّتهِ وهيمنتهِ:

فهو جامعٌ لكلِّ ما ورد في الكتب المقدسة - كما أُنزلت(1) - من حقٍّ وصدقٍ، بل وزيادة(2) ، ومهيمنٌ عليها، قال تعالى:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) (3) .

فما بالُكَ بـ (العهدين) اليوم! حيثُ ليسَ فيها إلاّ القليلِ من بقايا الوحي(4) ؟.

____________________

(1) كما أُنزلت كاملة غير ناقصة، وقبل أن تُمَدُّ لها أيادي العبث والتخريب.

(2) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص22.

(3) سورة المائدة: آية 48.

(4) وسنقفُ على ذلك في محلّه. لكن لايُتَوهَّمُ أنَّ هذا القليل من بقايا الوحي يستطيعُ انسانٌ مثلنا الوقوف عليه وإحصائه والتمكُّن منهُ، كلاّ وألف كلاّ، لأنّه علمٌ شاسعٌ واسعٌ، دقيقٌ عميقٌ، وربما حيَّرت العلماء والباحثين فقرةٌ واحدةٌ من بقايا الوحي في العهدين فجعلتهم في بالغ الحيرة والدهشة وأُسقطَ ما في أيديهم، وذلك من خلال ربط هذه الفقرة بغيرها وعدم التمكن من تفسيرها على الوجه الصحيح كما في الفقرات الدالة على يوم الله العظيم في آخر الزمان، وخلطها خطئاً بالفقرات الدالة على يوم القيامة والفقرات والدالة على نزول عيسى بن مريم (ع)، وهذه مشكلةٌ لم يواجهها أصحاب الكتاب المقدس فحسب، بل انما وقعت عند العلماء والمفسرين والباحثين المسلمين، فقد خلط الكثير منهم بين يوم القيامة وبين يوم الله الأعظم (يوم منقذ العالم) وذلك واضحٌ في كتبهم.

٤٨

2: حفظهِ الإلهي من التحريفِ وغيرهِ:

فقد تكفَّلَ اللهُ بحفظِهِ من ألفهِ الى ياءِهِ من كُلِّ زيادةٍ أو نقصانٍ أو تغييرٍ وتبديلٍ، وأنزلَ في ذلكَ قولاً فصلاً، فقالَ تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ‌ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .(1)

وقال الله عزَّ وجلَّ هذا ردَّاً لإنكارهم واستهزائهم في قولهم:( يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ‌ ) ولذلك قال:( نَحْنُ ) فأكد عليهم أنه هو المنُزِّل للقرآن على القطع والثبات، وأنه حافظهُ من كل زيادة ونقصان وتغيير وتحريف، بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتول حفظها وإنما استحفظها الربانيين ولم يكل القرآن إلى غير حفظه...).(2)

هذا وقد دُوِّنَ القرآن الكريم بخطِّ الإمامِ عليّ بن أبي طالب (ع) وإملاء رسول الله محمد (ص) تدويناً كاملاً ومن غير نقصٍ، كما أشارت الى ذلك الروايات الشريفة الكثيرة وكتب التأريخ العديدة.(3)

3: تقييمهُ العلمي مقارنتةً بالكتب الأُخرى:

أنَّهُ كلامُ الله تباركَ وتعالى الملقى والمنزل على قلبِ رسولهِ الصادق الأمين محمد (ص) من غيرِ واسطةٍ، ولاترجمةٍ، ولانقلٍ بالمعنى،...الخ، وقد

____________________

(1) سورة الحجر: آية 9.

(2) تفسير جوامع الجامع، ج 2، ص 296. تفسير الأصفى، ج1 ص 626.

(3) انظر: مقدمة موسوعة الفقه الاسلامية ص35-40. الكافي، ج1 ص64، ح1، وص63. رجال النجاشي، ص360.امالي الصدوق،ص518.نهج البلاغة، الخطبة رقم 210،ص325-328،تحقيق: د. صبحي الصالح.

٤٩

تكفَّلَ الله بإنزالهِ بنفسهِ فقال سبحانهُ تعالى:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَ‌كَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِ‌ينَ ) (1) .( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‌ ) (2) .

ولَمّا كان القرآنُ كلامَ الله تعالى - والله هو اسمُ للذات الأحديَّةِ الصمديَّة القدسيَّة التي حارَ وهامَ في خضَمِّ بحرها اللجيِّ جميعُ الأنبياء والرسل (عليهم الصلاةُ والسلام) والملائكة، بل وكلّ مخلوقٍ سوى الله عزَّ وجلَّ، وذلكَ بسببِ استتارها خَلفَ حُجُبِ الغيب(3) التي لم يرشحُ منها اسمٌ للوجود ظاهراً مطلقاً(4) - لذا فقد تجلّى سبحانهُ وتعالى في كتابهِ العزيز لجميعِ خلقِهِ، فهوَ بحقٍّ بيانُ الله ونوره وعلمهُ وحكمهُ وصراطهُ وهُداهُ ومعاجزهُ...الخ، وفيه صبغة الله وعظمتهُ وخُلُقهُ ورحمتهُ وغضبهُ وجمالهُ وجلالهُ...الخ، وقد خاطبَ فيهِ الناسَ على قَدَرِ عقولهم، فالكُلُّ ينتهِلُ من معينِهِ، وهو جديدٌ غضٌ طريٌّ لايَبلى ولاينتهي فهو كلّ يومٍ في شأنٍ كصاحبهِ الناطقِ بهِ سبحانهُ وتعالى.

لذافإنَّ أغراض القرآن الكريم وفوائدهُ لا تنحصر بمرحلةٍ معينة أبداً، والنبي محمد(ص) وهو المعلم الالهي للقرآن يقولُ بحقِّهِ:(ظاهرٌ انيقٌ

____________________

(1) سورة الدخان: آية 3.

(2) سورة القدر: آية 1

(3) وهي الأسماء المستأثرة، وهيَ مفاتيحُ الغيب، واليها أشارَ النبيُّ الأكرم محمد (ص) في دعائه بقوله: (أو استأثرتَ بهِ في علمِ غيبك). بحار الأنوار، ج85، ص 234، ح1. انظر: شرح فصوص الحكم للقيصري، ج1، ص 70.

(4) أما باطناً فانَّ تأثير تلك الأسماء المستأثرة حاصلٌ وفعّالٌ في هذه النشأةِ وغيرها.

٥٠

وباطنٌ عميقٌ ) (1) ، ويقول أيضاً:«للقرآن بطنٌ وظهرٌ، ولبطنهِ بطنٌ، الى سبعةِ بطونٍ » (2) .

وبعد فان استيعاب الناس للقرآن متفاوتٌ، وقدرتهم على اكتساب المعارف السماوية التي تنير النفوس وتمنحها الحياة فهي متفاوتة، كماقال تعالى:( فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِ‌هَا ) (3) .

____________________

(1) تفسير الصافى: ص4.

(2) نفس المصدر، ص15.

(3) انظر: الشيعه فى الاسلام: ص104-105

٥١

٥٢

المبحث الثالث: نظرةٌ في الكتاب المقدّس (العهدين)

للوقوف على حقيقةِ الكتابِ المقدّس، وما يستحقُّهُ من قيمةٍ دينيَّةٍ وعلميةٍ وأخلاقيَّةٍ وتأريخيةٍ، لابدَّ لنا من التعريفِ بهِ أوَّلاً، وتقييمهِ تقييماً علميَّاً حديثاً ثانياً:

أوَّلاً: التعريفُ بالكتاب المقدّس (العهدين)

إنّ الكتاب المقدّس - كما يعتقد المسيحيون - هو مجموع الكتب الموحاة من الله، والمتعلّقة بخلق العالم وتاريخ معاملة الله لشعبه، وكذلك مجموع النبوءات عمّا سيكون حتّى المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع بني البشر في كلّ الأزمنة. وفي الكتاب المقدّس جميع أنواع الكتابة من نثر وشعر، وتاريخ وقصص، وحكم وأدب، وتعليم وفلسفة وأمثال وإنذار(1) .

ويبلغ عدد الكتّاب (الملهمين) الذين كتبوا الكتاب المقدّس أربعين كاتباً. وهم من جميع الطبقات، فبينهم الرّاعي والصيّاد وجابي الضرائب والقائد والنبي والسياسي والملك و... وقد إستغرقت مدة كتابة الكتاب المقدّس ألفاً وستمائة سنة، وكان جميع هؤلاء الكتّاب من الامّة اليهودية ماعدا لوقا كاتب الإنجيل الذي دعي باسمه إذ يظن أنه كان أممياً من أنطاكيا، والنسخ الأصليّة للكتاب المقدس ليست موجودة الآن، بل كل ما هو موجود هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل. ويعتقد المسيحيّون كذلك أنّ

____________________

(1) قاموس الكتاب المقدّس، ص 762.

(5) مقدّمة الكتاب المقدّس، بايجاز.

٥٣

الكتاب المقدّس - باعتباره أصل الإيمان المسيحي ومصدره - خال من الأخطاء والزلل وفيه كل ما يختص بالإيمان والحياة الروحية، وأنه كلمة الله وقاعدة الإيمان والحياة العمليّة لجميع البشر(1) . وينقسم الكتاب المقدس الى عهدين:

1: العهد القديم.

2: العهد الجديد.

وسوف نعطي نبذة مختصرة عن كلّ واحد من هذين العهدين بشكل مستقل، ولأنّ المسيحيين يعتقدون أنّ العهد القديم كان تمهيداّ للعهد الجديد، وأنّ العهد الجديد هو المتمِّم لهُ، فهو أكثر أهميّة من العهد القديم، لذا فإننا سنعطيه مجالاً أوسع من صاحبه بقليل.(2)

____________________

(1) مقدّمة الكتاب المقدّس، بايجاز.

(2) هبة السماء (رحلتي من المسيحية الى الإسلام)، ص 19-20. بتصرّف.

٥٤

1: العهد القديم

كتب أكثر العهد القديم باللغة العبرانيّة، وقد وجدت بعض الفصول بالاراميّة وهي لغة شبيهة بالعبرانيّة، والعهد القديم الموجود بين أيدينا مأخوذ من النسخة الماسورية التي أعدتها جماعة من علماء اليهوديّة في طبرية من القرن السادس الى الثاني عشر للميلاد(1) . ويتألّف العهد القديم من (39) سفراً أو (43 - 44) سفراً حسب الكنيسة بإضافة أسفار أو أجزاء أسفار وصفت (بالقانونيّة - اللاحقة)... وقد قسّم اليهود أسفار العهد القديم إلى ثلاثة أقسام وهي:

1- التوراة أو الناموس.

2- ألأنبياء، وهم الأولون والمتأخّرون.

3- الكتب.

وذلك في إجتماع لمعلّمي الشريعة من مختلف البلدان في فلسطين سنة 90 (ب. م).(2)

وأما ترتيبها فهي كالآتي:

أ: التوراة أو الناموس: وهي أسفار موسى عليه السلام الخمسة وهي:

1- تك: لسفر التكوين: وهو الأول من التوراة ويسمّى أيضاً بسفر (الخليفة) بمقتضى تسمية الترجمة السبعينيّة، ويسمّى بالعبرانية (جرنشيت).

____________________

(1) قاموس الكتاب المقدّس، ص 763.

(2) مقدّمة الكتاب المقدّس، بايجاز.

٥٥

2- خر: لسفر الخروج وهو الثاني بتسمية السبعينية، وفي العبرانيّة يسمى(واله شموت).

3- لا: لسفر اللاويين، وهو الثالث بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (ويقرا).

4- عد:لسفر العدد،وهو الرابع بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (ويدبر).

5- تث: لسفر التثنية:، وهو الخامس بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (اله) ويسمّى أيضاً دباريم.

وأمّا بقيّة الأسفار فهي:

6: يش: لسفر يشوع النبي.

7: قض: لسفر القضاة.

8: (را): لكتاب راعوث.

9: 1، اصم: لسفر صموئيل الأول.

10: 2، اصم: لسفر صموئيل الثاني.

11: 1، امل: لتاريخ الملوك الأول.

12: 2، مل: لتاريخ الملوك الثاني.

13: (1 أي): لتاريخ الأيام الأولى.

14: (2 أي): لتاريخ الأيام الثاني.

15: (عز): لكتاب عزرا.

16: (نح): لكتاب نحيا.

17: (اس): لكتاب استير.

٥٦

18: (أي): لكتاب أيوب.

19: (مز): لمزامير داود أي الزبور.

20: (ام): لأمثال سليمان.

21: (جا): لكتاب الجامعة المنسوب لسليمان.

22: (نش): لنشيد الانشاد.

23: (اش): لكتاب أشعيا.

24: (ار): لكتاب أرميا.

25: (حرا): لمرائي أرميا.

26: (حز): لكتاب حزقيال.

27: (دا): لكتاب دانيال.

28: (هو): لكتاب هوشع.

29: (يوء): لكتاب يوئيل.

30: (عا): لكتاب عاموس.

31: (عو): لكتاب عوبديا.

32: (يون): لكتاب يونان أي يونس بن متى.

33: (مي): لكتاب ميخا.

34: (نا): لكتاب ناحوم.

35: (حب): لكتاب حبقوق.

36: (صف): لكتاب صنفينا.

37: (حج): لكتاب حجي.

٥٧

38: (زك): لكتاب زكريا.

39: (مل): لكتاب ملاخي.

ولهذه الكتب في النسخ العبرانيّة ترتيب آخر من حيث التقديم والتأخير(1) . وأمّا الأسفار (القانونية - اللاحقة) فهي:

1: سفر طوبيا.

2: سفر يهوديت.

3: سفر نبوءة باروك.

4: سفر المكابين.(2)

والكنيسة تعتبر أسفار العهد القديم أسفار قد دوّنت بإلهام روح القدس، وعلى هذا فهي تقبله في عداد الكتب المقدسة، مع إنّ هناك إختلافاً بين العهد القديم عند اليهود والذي قبلته الكنيسة، ويعود هذا الإختلاف، الى إختلاف اللاهوتيين اليهود أنفسهم، فالبعض يصرّحون في الواقع أنّ الروح (أي روح الله الذي يوحي) لم ينزل على أحد منذ غياب الأنبياء المتأخرين مثل: حجي وزكريا وملاخي، وبعض الفئات الأخرى من اليهود (الأسانيين في قمران، واليهود المتشتتين في المعمورة) تمسكوا بإستمرارية الوحي. والكنيسة تمسكت بدورها بهذه الإستمرارية مستندة في ذلك الى شهادة المسيح عليه السلام والرسل. وأيضا تتمسك بالترجمة (السبعينيّة)(3) وهي (ترجمة

____________________

(1) الهدى الى دين المصطفى: ص 7.

(2) كتاب (المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية) ص 111.

(1) (الترجمة السبعينيّة):(التي بدأت سنة 250 وانتهت حوالي 150 ق. م وقد بدأت هذه الترجمة بأمر بطليموس فيلادلفوس الذي حكم مصر عام 280 ق. م وقيل إنّ عدد هؤلاء

٥٨

يهود الإسكندرية للعهد القديم الى اللغة اليونانية ويعتبرونها كتابهم الخاص) لنفس السبب(1) . واعتقاد أرباب الكنيسة بأنّ العهد القديم كتاب سماوي وموحى يستندون فيه الى إستشهاد المسيح عليه السلام والرسل بالعهد القديم فهم كانوا يعتبرونه كتابا ملهماً،روحياً،الهياً والإستشهاد به دليل على ذلك(2) .

ويتّضح من هذه المقدمة أنّ أسفار العهد القديم قد ظهرت للوجود تدريجيّاً ولمدة حوالي خمسة عشر قرناً لتؤلّف لنا العهد القديم، وأنّ المسيحيين يرون أنّ هذا العهد كلّه كان تمهيداً وبشارة بمجيء يسوع المسيح عليه السلام ويستشهدون بنبوءات كثيرة جاءت فيه وتحققت هذه النبوءات في المسيح عليه السلام.

وفي الحقيقة فإنّي لست في صدد البحث في العهد القديم وتأريخه بشكل مفصّل هنا، ولكن لابدّ من الإشارة الى بعض النقاط المهمّة التي أوقفتني من خلال الدراسة والتمعّنِ والتحقيق فيه، ومنها:

1: انّ هذه الأسفار (المقدسة) ، قد كتبت خلال فترة خمسة عشر قرناً تقريباً أو أكثر، ومعظم النصوص الأصلية أو كلها مفقودة الآن، إضافة الى هذا

____________________

= المترجمين كان إثنين وسبعين ولهذا دعيت بالسبعينيّة. وكان اليهود يزعمون أنّ الله أوحى للعلماء الذين قاموا بالترجمة البعينية بكلمات هذه الترجمة، ولكن عندما أخذ المسيحيون يستشهدون بآياتها ضد العادات والتعاليم اليهودية التي كانت سائدة في عصرهم عاد اليهود الى الأصل العبراني وأهملوا هذه الترجمة) قاموس الكتاب المقدس: 768.

(1) المسيح في الفكر الإسلامي: ص 110.

(2) نفس المصدر.

٥٩

فإنّ الكثير منها لايعرف مؤلفوها فهي مجهولة ولامن هو ناسخها ومتى كتبت، والنسخ المتوفرة مأخوذة عن نسخ أصلية كما يعتقد في أحسن الأحوال، فهل يمكن القول بأنّ الناسخ لهذه الكتب الجديدة لم يخطيء،ولاسيما عندالقول بأن هذه الكتب مترجمة من اللغة العبرية الى اللغات الاخرى؟!

وهل هذه الترجمة - كما يعتقد اليهود في الترجمة السبعينية - أنما تمّت بوحي من الله تعالى؟ ولهذا أعتقد أنّ هذه الكتب والأسفار التي بين أيدينا الآن من العهد القديم لايمكن الإعتماد عليها بشكل قاطع ويقيني ولايمكن الإطمئنان من إنها لم تتسرب اليها الأخطاء اذ ينقل في قاموس الكتاب المقدس مانصّه:

(وكلّ ما وصل الينا هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل. ومع أن النساخ قد اعتنوا بهذه النسخ إعتناءاً عظيماً فقد كان لابدّ من تسرّب بعض السهوات الإملائية الطفيفة جدّاً اليها)(1) .

فعلى أقلّ تقدير هناك شكّ في أن هذد النسخ الموجودة هي نفس النسخ الأصلية، ولذا نرى الإختلافات القائمة بين علماء الكتاب المقدس حول هذه الأسفار.

2: نحن بإعتبارنا مؤمنون بالله ورسالاته وعلى إختلاف المذاهب والأديان نعتقد بأنّ الأنبياء الإلهيين هم من أفضل البشرية ولهذا نستطيع القول بأنّهم صالحون وعلى الأقل معصومون من الذنوب والخطايا التشريعية، ولكننا للأسف نجد في هذه الأسفار، وفي مواضع كثيرة نسبة

____________________

(1) قاموس الكتاب المقدس: ص 763.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260