تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس23%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84795 / تحميل: 6275
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وأمّا ثالثاً، فلأنّ إمكانَ الحركة لا يستلزمُ وجوبَ الميل، إلاّ إذا تمّ الاستعداد، وهو ممنوعٌ.

وأمّا رابعاً، فلأنَّ الميول لو لم تجتمع لتساوت الحركتان عن ضعيف وقويّ.

وأمّا خامساً، فلم لا يجوزُ وجود ميلين في وقتين عندَ حالتين، كالمتحرّك يوجدُ فيه الميل عندَ مفارقة مكانه وعدمُه عندَ حصوله فيه.

وباقي الاعتراضات ذكرناها في كتاب نهاية المرام (١) .

ي - بسائطُ العناصر أربعةٌ: (الأرض)، وهي في الوسط، مركزها مركزُ العالم، ولها كيفيّتان: فعليّةٌ هي البرودةُ، وانفعاليّةٌ هي اليبوسةُ.

ويحيطُ بها (الماء) إلاّ ربعاً واحداً معموراً، انكشف عن الماء، لحكمةِ نشو الحيوان. وله كيفيّتان: فعليّةٌ هي البرودةُ، وانفعاليّةٌ هي الرّطوبةُ.

و(الهواء) محيطُ بالماء، وله كيفيّتان: فعليّةٌ هي الحرارة، وانفعاليّةٌ هي الرّطوبة بمعنى قبول الأشكال، لا البلّة.

و(النّار) محيطةٌ بالهواء ولها كيفيّتان: فعليّةٌ هي الحرارة وانفعاليّة هي اليبوسةُ.

وهي قابلةُ للكون والفساد، لصيرورةِ النّار هواءً عندَ الانطفاء

____________________

(١) انظر: الجزء الثالث: ٢٤٣ - ٢٤٦.

١٢١

وبالعكس عندَ النّفخ؛ والهواء عندَ تبرّده (١) ماءً، كما يجتمعُ قطرات الماء على طرف الإناء الحاوي للجمد وبالعكس عندَ الإسخان؛ والأرضِ ماءً، كما يفعله أصحاب الإكسير وبالعكس؛ فإنّ كثيراً من مياه العيون ينعقد حجارةً صلدةً.

ومن هذه العناصر تتركّب المركّبات المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة.

يا - العناصر إذا امتزجت انكسرت صرافة كلّ كيفيّة؛ (٢) فإنّ النّار لا تبقى على صرافة حرارتها، ولا الماءَ على صرافة برودته، ولا الهواءَ على صرافة لطافته، ولا الأرضَ على صرافة يبسها، بل تحدث كيفيّةٌ متوسّطةٌ بين هذه الكيفيّات على النّسبة وهي المزاج.

وفيه إشكالٌ؛ فإنّ الكاسر والمنكسرَ إن اقترن فعلاهما كان المغلوب حال كونه مقهوراً غالباً. وهو محالٌ؛ فإن تقدّم فعل أحدهما كان المغلوبُ بعدَ انكساره غالباً، وهو محالٌ.

أجابوا بأنّ الفاعل، الصّورةُ والمنفعل، الكيفيّةُ.

ويشكلُ: بأنّ الصّورةَ إنّما تفعلُ بواسطة الكيفيّة وينتقَضُ أيضاً بالماء الحارّ الممتزج بالبارد.

____________________

(١) ج، ب: برودة.

(٢) ب: صرافتها إلى كيفيّة.

١٢٢

الفصل الثالث

في أحكام الجواهر المجرّدة

وفيه [عشرةُ] مباحث

ألف - نفاها أكثرُ المتكلّمين وإلاّ لشاركت واجبَ الوجود - تعالى - في ذاته، وهو غلطٌ: فإنّ المساواة في الصّفات الثّبوتيّة لا تقتضي المساواة في الذّات؛ فكيف السّلبيّة؟

نعم أدلّةُ ثبوتها ضعيفةٌ.

أما النّفسُ، فاستدلّوا على ثبوتها بأنّ هنُا معلوماتٍ غيرَ منقسمة، كواجب الوجود والوحدة والنّقطة؛ فالعلم بها غيرُ منقسم، وإلاّ فجزؤه إمّا أن يكونَ علماً بكلّ المعلوم فيتساوى الجزء والكلّ في الحقيقة، أو ببعضه، فينقسمُ البسيط؛ أو لا يكونَ علماً، فعندَ الاجتماع إن لم يحصل زائدٌ، فالعلم غيرُ علم؛ أو يحصل، فيكون هو العلم، فالتّركيبُ في فاعله أو قابله، لا فيه، فمحلّ العلم غيرُ منقسم؛ وإلاّ فإن قام بكلّ جزء منه جزء من العلم انقسم وقد فرضناه غيرَ منقسم وإن قام ببعض الأجزاء نقلنا الكلام فيه، وإن لم يقم بشيء منه لم يكن محلاًّ؛ فكلّ جسم وجسمانيّ منقسمٌ، فمحلّ العلم الّذي هو النّفس شيءٌ مجرّدٌ.

١٢٣

وهو ضعيفٌ، لأنّ التّساوي في المتعلّق (١) بالمعلوم لا يستلزمُ التّساوي في الماهيّة، لأنّها نسبة خارجة عن الماهيّة وإذا حصل زائدٌ عندَ الاجتماع لم يحصل (٢) انتفاء التّركيب عنه، لعوده في كلّ مركّب ولا يلزم من انقسام المحلّ انقسامُ الحالّ، كما يذهبون إليه في الوحدة والنقطة وغيرهما؛ ونمنع انقسامَ الجسم إلى ما لا يتناهى.

وأمّا العقلَ فاستدلّوا عليه: بأنّه - تعالى - بسيطٌ، لا يصدرُ عنه أكثرُ من واحد؛ ولا يجوز أن يكون جسماً، لتركّبه ولا مادّةً، لامتناع كون القابل فاعلاً، ولا صورةً وإلاّ كانت مستغنيةً في فاعليّتها عن المادّة، فتكون مستغنيةً في وجودها عنها. ولا نفساً، وإلاّ لاستغنت عن البدن.

وهو ضعيف لإمكان صدور أكثر من واحد عن البسيط، على ما تقدّم؛ ثمّ هذا في الموجَب، أمّا المختار فلا، ونمنع تركّب الجسم، وقد أبطلنا الهيولى؛ والقابل جاز أن يكونَ فاعلاً، كما تقدّم، سلّمنا، لكن بالاستقبال أو مطلقاً، ممنوعٌ وكذا الصّورة جاز أن تكونَ متوسّطةً بذاتها وكذا النّفسُ.

ب - لمّا أبطلنا دليل النّفس النّاطقة ولم يقم برهانٌ على استحالتها بقي القولُ بالجواز، فإن قلنا بها، فالإنسان المكلّف هو هي، وإلاّ فهو أجزاءٌ أصليّةٌ في هذا البدن، لا يتطرّق إليها التّغيّرُ ولا الفناء، باقية من أوّل العمر إلى آخره. والتّغذية والتّنمية والتحلّل في الأجزاء الفاضلة.

____________________

(١) ج: التعلّق.

(٢) ج: لم يلزم.

١٢٤

ج - اختلف مثبتو النّفس في أنّها واحدة بالنّوع أو لا، فبعضهم على الأوّل، لاتّفاقها في حدّ؛ وهو ضعيفٌ إذ التّحديدُ راجعٌ إلى التّصوّر، وبعضهم على الثّاني لاختلافها في الذّكاء والرّحمة وضدّهما، ولا يلزم من اختلافِ الصّفات اختلاف الماهيّة.

د - النّفسُ إن قلنا بها فهي حادثةٌ. وعليه أكثر الأوائل، لأنَّ الأبدانَ حادثةٌ بالضّرورة، فلو كانت سابقةً عليها لكانت إمّا واحدةً أو كثيرةً، والقسمان باطلان. أمّا الأوّلُ، فلأنّها إن بقيت واحدةً بعدَ التّعلّق اتّحدت الأشخاصُ البشريّةُ بالشّخص، وهو باطلٌ بالضّرورة، وإن تكثّرت كانت جسماً، إذ المنقسم هو الجسمُ. وأمّا الثّاني فلامتناع تكثّرها بالذّاتيات واللّوازم، لاتّحادها في النوّع، وبالعوارض، لأنّ اختصاصَ بعض جزئيّات النّوع بعارضٍ دونَ غيره إنّما هو بسبب المادّة، ومادّةُ النّفس، البدن، فقبله لا مادّة.

هـ - التّناسخ باطلٌ. أمّا عندنا، فظاهرٌ، لحدوث النّفس إن أثبتناها. وأمّا [عند] أكثر الأوائل، فلأنّ الحادث ينتهي إلى مبدأ قديم عامّ الفيض والحدوث إنّما هو بواسط استعداد القابل، وقابل النّفس البدن فحدوثه يوجبُ فيضانَ نفس متعلّقةٍ به؛ فلو انتقلت إليه نفسٌ أُخرى اجتمع نفسان على بدن واحد، وهو محالٌ.

و - عند الأوائل، النّفس لا تفنى بفناء البدن، وإلاّ لكان إمكانُ العدم مفتقراً إلى المحلّ، وليس هو النّفس، لامتناع كون الشّيء محلاًّ لإمكان

١٢٥

عدمه، لوجوب اجتماع القابل والمقبول، فلابدّ من شيء آخر هو المادّة، فتكونُ ماديّةً، فتكون جسماً. ونمنعُ افتقار الإمكان إلى محلّ؛ سلّمنا، لكنّ القبول صفة القابل فلا يحلّ في غيره، وإلاّ لزم نفي الإمكان مطلقاً، ولا يلزمُ من كونها مادّيةً كونها جسماً، خصوصاً، وعندكم، أنّها مندرجةٌ تحتَ جنس الجوهر، فتكون لها فصلٌ، فتكون مركّبةٌ.

ز - النّفس تدرك الكلّيّاتِ بذاتها، أمّا الجزئيّاتُ فمنع الأوائل منه إلاّ بواسطة القوى الجسمانيّة، فإنّا إذا تخيّلنا مُربّعاً مُجنّحاً بمربّعين فلابدّ من مايز بينهما، وليس بالذّاتيّات واللّوازم، لتساويهما نوعاً، ولا بالعوارض وليس في الخارج، لفرضهما ذهنيّتين، فليس إلاّ مغايرةَ المحلّين ذهناً، ونمنعُ الحصر.

ح - أثبت الأوائل قوىً حسّاسةً باطنةً، وهي خمسٌ:

الحسّ المشترك، وهي قوّةٌ مرتبةٌ في مقدّم البطن الأوّل من الدّماغ، يؤدّي إليها جميعُ الحواسّ ما أدركته، للحكم بأنّ صاحبَ هذا اللّون هو صاحبُ هذا الطّعم. فلو لا وحدة القوّة لما أمكن هذا الحكمُ. ويبطلُ: بأنّ الحكمَ للنّفس باعتبار الحواسّ وينتقض بالحكم بالكلّيّ على الجزئيّ.

والخيال، وهو خزانة الحسّ المشترك، وهو حافظ، لا مُدرك، للمغايرة بينَ الحافظ والقابل، كالماء ولا يوجب الكليّةَ. ثمّ الحفظ لابُدّ فيه من القبول فيتّصف بهما القوّة الواحدة.

والمتخيّلةُ، وتسمّى المفكّرةَ، لكن باعتبارين، وشأنها التّركيب

١٢٦

والتّحليل. وليس ذلك للقوى المدركة، لأنّ الواحدَ لا يكونَ علّةً لأمرين. ويبطل: بأنّ التّصرّف (١) يستدعي العلم، والوهميّة وهي مدركةُ المعاني الجزئيّة، كالصّداقة والعداوة الجزئيّتين.

وأكثرُ الأفعال البشريّة مستندةٌ إليها، وهي مغايرةٌ للقوى الّتي لا يدرك المعاني، وللنّفس الّتي لا تدرك الجزئيّات بذاتها. ويبطلُ: بأنّ العداوة المتعلّقة بهذا الشّخص لا تعقل إلاّ متعلّقةً به، فالمدرك لهما واحدٌ.

والحافظةُ، وهي خزانةُ الوهم ويسمّى متذكّرة، لقوّتها على الاسترجاع بعدَ الغيبوبة، والكلام فيه كالخيال.

ط - أثبت الأوائل للنّفس النّباتيّة ثلاثَ قوى:

الغاذيةَ، وهي قوّةٌ حالَة في المغتذي، تحيلُ الغذاء إلى مشابهه ليخلفَ بدلَ ما يتحلّلُ.

والنّامية، وهي الّتي تزيدُ في أقطار الجسم على تناسب طبيعيّ ليبلغَ إلى تمام النّشو.

والمولّدةَ، وهي الّتي تفصلُ جزءاً من فضل الهضم الأخير للمغتذي وتودعه قوّةً من مشيجه. (٢)

فالغاذيةَ تخدمها أربعُ قوى: الجاذبةُ للغذاء، والماسكةُ له حتى تهضمه، الهاضمةُ، والدّافعةُ.

____________________

(١) ج: التصديق.

(٢) ج: شبحه.

١٢٧

وفعلُ الغاذية يتمّ بأمور ثلاثة: تحصيلِ الخلط المشابه للمغتذي بالقوّة وتصييره جزءاً للعضو، وتشبيهه به في قوامه ولونه، فإذا انتقصت الرّطوبةُ الغريزيّةُ بعدَ سنّ الوقوف انحلّت، فانطفت الحرارةُ الغريزيّة وبطل عملُها.

ويشكلُ: بأنّ المحتاجَ إلى البدل ليس مجموعَ الزّائل (١) والباقي، لأنّه غيرُ موجود بعدَ زوال الزّائل، ولا الزّائلَ وحده، ولا مجموع الباقي والآتي، ولا الآتي؛ بل إن كان فالباقي، وهو مساوٍ للآتي، فلا يصحّ احتياجُه إليه، ولأنّ مداخلة الغذاء، توجبُ التّفريقُ الموجب للألم. وأمّا الباقي فلابُدّ من بقاء شيء فيه (٢) وليس الصّورة ولا المادّةَ؛ لأنّ البدنَ دائماً في التّحلّل، وليس البعضُ أولى من الباقي، فيكونُ النّموُّ إحداثاً.

وأمّا المصوّرةُ، فالضّرورة (٣) حاكمة بإسناد التّشكّلات مختلفة (٤) والأعضاء الغريبة إلى فاعل مختار، لا إلى قوّة لا حسَّ لها ولا إدراكَ.

ي - الملائكة والجنُّ والشّياطينُ أجسامٌ قادرةٌ على التّشكّلات المختلفة. وأثبت الأوائل النّفوس الفلكيّةَ مجرّداتٍ هي الملائكة. وأنكر أوائل المعتزلةِ الجنَّ، لأنّها إن كانت لطيفةً لم تكن قادرةً على شيء من الأفعال وإن كانت كثيفةً وجب أن نشاهدَها. ويُحتمل أن تكونَ لطيفةً بمعنى الشّفافيّة.

____________________

(١) ألف: الزائد.

(٢) ج: منه.

(٣) ألف: فالصورة.

(٤) ب، ج: العجيبة.

١٢٨

الفصل الرّابع

في أحكام الأعراض

وهي أربعةُ مباحثٍ:

ألف - الأعراضُ لا يصحّ عليها الانتقالُ عندَ الأوائل والمتكلّمين؛ لأنّ علّة تشخّصه المحلُّ، وإلاّ لكان مستغنياً بموجده ومشخّصه (١) عن المحلّ، فلا يحلّ فيه؛ والملازمةُ ممنوعةٌ.

ب - لا يمكن قيامُ العرض بمثِله المتكلّمين، خلافاً للأوائل ومعمّر، إذ لابدّ من الانتهاء إلى الجوهر، فهو المحلّ. وهو ممنوعٌ، لجواز اشتراط المتوسّط، كالحركة، والسّرعة. والمرادُ من القيام هنا، الاختصاصُ النّاعتُ.

ج - الأعراض منها ما يصحّ عليه البقاء، خلافاً للأشاعرة. وادّعى أبو الحسين الضروةَ في ذلك، فإنّا نعلمُ بالضرّورة بقاء السّواد في القار والبياض في القّطن، كما نعلمُ بقاء الجسم المشاهد زمانين، ولأنّها ممكنةٌ في الزمان الأوّل وإلاّ لما وجدت، فكذا في الثّاني، وإلاّ لزم انتقال الشّيء من الإمكان الذّاتيّ إلى الامتناع الذّاتيّ.

____________________

(١) ب، ج: تشخّصه.

١٢٩

واعترضناه في النّهاية (١) : بأنّ إمكان البقاء مغايرٌ لإمكان الوجود المطلق. (٢) والثّاني ثابتٌ دونَ الأوّل، ولا يلزمُ استحالةُ الممكن. (٣)

احتجّوا: بأنّ البقاء عرض، فلا يقوم بالعرض، وبأنّ بقاءه يستلزمُ امتناع عدمه؛ إذ لا يُعدَم لذاته وإلاّ لصار ممتنعاً؛ ولا لطريان ضدّ، لأنّ شرطَ طريانه عدمُ الأوّل، فلو عُلّل به دار. (٤)

ولا للفاعل المختار؛ لأنّ الإعدامَ نفيُ أثر، لا إيجادٌ، فعندَ ذلك النّفي إن لم يتجدد شيء لم يكن للفاعل أثرٌ (٥) البتة، وإن تجدّد فهو وجوديّ، فيكون إيجاداً، لا إعداماً.

ولا لانتفاء الشّرط، لأنّ شرطه الجوهرُ، وهو باق. والكلامُ في عدمه كالكلام في عدم العرض.

ونمنع كونَ البقاء عرضاً، ويجوز قيامُ العرض بمثله، وجاز استنادُ عدمه إلى ذاته في الزّمن الثّالث، كما تجوّزونه (٦) في الثّاني.

ونمنع اشتراط الطّريان بانتفاء السّابق، ويجوز استناد الإعدام إلى الفاعل، والصّادرُ لا يجبُ أن يكونَ وجوديّاً، ونفيُ الوجود أثرٌ، كما أنّ

____________________

(١) الجزء الأوّل: ٣٠٠ - ٣٠١.

(٢) ج: والنطق.

(٣) ج: التمكن.

(٤) الاحتجاج للأشاعرة كما في النهاية للمصنّف: ١/٣٠١.

(٥) ج: إيراد إليه.

(٦) ج: يجوّزونه.

١٣٠

تحصيله أثرٌ. ونمنع انحصار الشّرط في الجوهر، بل جاز اشتراط الباقية بأعراض لا تبقى. فإذا انقطع إيجادُها عدمت.

د - لا يمكنُ حلول عرض واحد في محلّين، خلافاً لأبي هاشم في التأليف ولبعض الأوائل في الإضافات المتّفقة، وإلاّ لجاز حلولُ الجسم في مكانين.

والنّقضُ بامتناع حلول الجسمين في مكان واحد بخلاف العرضين باطلٌ، لأنّ الامتناع هناك للحجميّة المنفيّة (١) عن العرض.

قيل: حلولُ عرض في محلّين (٢) - بمعنى أنّ الحالّ في محلّ هو بعينه حالّ في آخر - باطلٌ، وإلاّ لاستغنى بكلّ منهما عن الآخر، فيكون محتاجاً إلى كلّ واحد منهما حال غناه عنه؛ وبمعنى حلوله في مجموع شيئين صارا باجتماعهما محلاًّ واحداً له، ممكنٌ، كالعشريّة القائمة بالآحاد لما انضمّت وقامت بها وحده. والكلام في الوحدة كالكلام في العشريّة.

____________________

(١) ب: منتفيّة.

(٢) ج: مجلسين.

١٣١

١٣٢

المرصد الخامس

في إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته

وفيه مقاصد

١٣٣

١٣٤

[المقصد] الأوّل

في إثبات واجب الوجود تعالى

ويستدلّ عليه إمّا بالإمكان أو الحدوث، إمّا في الذّات أو الصّفات، فلأقسام أربعة:

ألف - العالمُ ممكنٌ لتغيّره وكثرته، وسيأتي أنّ الواجب واحدٌ، باق، وكلّ ممكن فلابدّ له من مؤثّر، فإن انتهى إلى الواجب فالمطلوب، وإلاّ تسلسل أو دار؛ وهما باطلان بما تقدّم.

ب - الأجسامُ متساوية في الجسميّة على ما مرّ، فاختصاصُ كلّ واحد منها بعرضه القائم به أمرٌ ممكنٌ فلابدّ له من مؤثّر.

ج - الأجسام حادثة، على ما تقدّم، فلابدّ لها من مُحدِث بالضّرورة، وهي طريقة الخليل (عليه السلام) فالمُحدث إن كان قديماً واجباً فالمطلوبُ، وإلاّ تسلسل.

د - النّطفةُ تنقلبُ علقةً ثمّ مضغةً، ثمّ لحماً وعظماً ودماً؛ فلابدّ له من مؤثّر، وليس هو الإنسانَ، ولا أبواه بالضّرورة، فلابدّ من مؤثّر حكيم. ويمتنعُ مؤثّر، وليس هو الإنسانَ، ولا أبواه بالضّرورة، فلابدّ من مؤثّر حكيم. ويمتنعُ استناد هذه الآثار الغريبة إلى القوّة المولّدة، فإنّه لا شعورَ لها ولا اختيارَ،

١٣٥

فكان يصدر عنها شيءٌ واحدٌ ويكونُ شكله الكرةَ.

والطريق الأوّل أقواها، فإنّه كما يدلّ على إثبات الصّانع يدلّ على وجوبه، بخلاف باقي الطرق، لافتقارها في الدّلالة على الوجوب إلى الأوّل.

واعلم أنّ ثبوتَ الواجب قريبٌ من البديهة، لأنّ هنا موجوداً بالضّرورة، فإن كان واجباً فالمطلوبُ، وإلاّ كان ممكناً. فإن تسلسل فمجموعُ الأمور الممكنة ممكنٌ لابدّ له من علّة.

ولا يكفي في وجود الممكن مطلقُ العلّة، بل لابدّ من علّة تامّة يصيرُ معها واجباً، وبدونها ممتنعاً.

فالعلّةُ التّامّةُ لمجموع الممكنات يجبُ أن تكونَ واجبةً، لأنّها لو كانت ممكنةً، فإن كانت علّةً تامّةً لكلّ واحد من الممكنات كانت علّةً لنفسها، لأنّها من جملة الممكنات، وإن كانت علّةً لبعض الممكنات دونَ بعض كانت جزءاً من العلّة التامّة لمجموع الممكنات، وهي بعينها علّةٌ لمجموع الممكنات، فيلزمُ كونُ الشّيء جزءاً من نفسه، ولما تقدّم من إبطال التّسلسل والدّور.

١٣٦

المقصد الثّاني

في صفاته تعالى

وفيه فصلان

[الفصل] الأوّل

في الصّفات الثّبوتيّة

وفيه مطالب

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - موجود

قد تقدّم إثباتُ واجب الوجود تعالى. والثّبوت الوجود بالضّرورة، ولأنّه لو لم يكن موجوداً لكان معدوماً، إذ لا واسطةَ بينُهما، والعدمُ لا يصلحُ للمبدائيّة.

والملاحدةُ قالوا: إنّه - تعالى - مبدأ للمتقابلات، كالوجود والعدم، والوجوب وقسيميه، والوحدة والكثرة؛ ومبدأ المتقابلات لا يتّصفُ بأحدها، فهو ليس بموجودٍ بالمعنى المقابل للعدم، ولا بواحدٍ (١) بالمعنى

____________________

(١) ب: ولا واجب.

١٣٧

المقابل للكثرة، ولا واجب بالمعنى المقابل للإمكان، بل ولا مبدأ بالمعنى المقابل لعدم المبدائيّة، ولا مُبدع بالمعنى المقابل لنقيضه، وهو موجودٌ وواحدٌ ومُبدعٌ من حيثُ كونه مبدأً للوحدة والكثرة، ومبدع للوجود والعدمَ المتصوّر (١) بإزاء الوجود. وهذا الكلام لا فائدةَ فيه محصّلةً.

المطلب الثاني: في أنّه - تعالى - قادرٌ

والمرادُ منه هو أنّه - تعالى - يفعلُ مع جواز ألاّ يفعل، بل إذا شاء أن يفعل فعل، وإذا شاء أن يترك ترك، لأنّه لو لم يكن كذلك لكان موجَباً. والتّالي باطلٌ، وإلاّ لزم قِدَمُ العالم أو حدوثُه تعالى، وهما باطلان.

لا يُقال: العالمُ إن كان صحيحَ الوجود في الأزل التزمنا القِدَمَ، وإلاّ لم يجب القدرةُ، لتوقّف الأثر على القابل كالفاعل، ولإمكان الواسطة، ولأنّ الفاعل إن استجمع جميعَ جهات المؤثريّة امتنع التّرك وإلاّ امتنع الفعل، فلا قدرةَ، ولأنّ التّرك غيرُ مقدور، لأنه عدمٌ، فكذا الفعل.

لأنّا نقول العالمُ صحيحُ الوجود في الأزل إن استند إلى الموجب، مستحيلٌ إن استند إلى القادر. سلّمنا استحالته مطلقاً، لكن وجوده قبل أن وجد لا يُخرجُه عن الحدوث، فكان يجبُ أن يوجد قبل وجوده، لوجود العلّة التّامّة وانتفاء المانع، والواسطة باطلةُ بالإجماع، ولأنّها ممكنةٌ، فتكون من العالم، فلا تعقَلُ واسطة بينَ الواجب والعالم.

____________________

(١) ألف: المتصرر.

١٣٨

وامتناعُ التّرك باعتبار استجماع الشّرائط لا تُخرجُ الفاعلَ عن القدرة، لأنّ المختار إذا أخذ مع قدرته تساوى الطرفان بالنّسبة إليه، وإن ضمّ إليه الدّاعي وجب. ومعنى الاختيار استواء الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدها. والقادر هو الّذي يصحّ أن يفعل وأن لا يفعل، لا أن يفعل التّرك.

المطلب الثالث: في أنّه - تعالى - عالمٌ

اتّفق العقلاء إلاّ قدماء الفلاسفة عليه؛ لأنّه - تعالى - فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكلّ من كان كذلك فهو عالمٌ. والمقدّمتان ضروريّتان ولأنّه - تعالى - مختارٌ. فيكون عالماً؛ لأنّ المختار هو الّذي يفعل بواسطة القصد.

لا يقالُ: المُحكم قد يصدرُ مرّةً اتفاقاً عن الجاهل، فجاز التّعدد، ولأنّ كثيراً من الحيوانات تفعلُ أفعالاً مُحكمةً، وليست عالمةً، كالزّنبور، والمحتذى ولأنّ العلم نسبة، فتغاير الذات، فيكون الله - تعالى - محلاًّ للأمور الكثيرة.

لأنّا نقول: الضّرورة قاضيةٌ بالفرق بينَ وقوع المحكم ندرةً ودائماً. والحيوانات عالمةٌ بما يفعله من الأُمور المحكمة (١) ، وكذا المحتذى، والنّسب عدميّةٌ والحلول اعتباريٌّ.

____________________

(١) ألف: الأُمور المحكم.

١٣٩

المطلب الرابع: في أنّه - تعالى - حيٌّ

اتّفق العقلاء عليه، واختلفوا في معناه. فعند أبي الحسين والأوائل، أنّ معناه: أنّه لا يستحيلُ أن يقدرَ ويعلمَ، وقد ثبت أنّه - تعالى - قادرٌ عالمٌ، فيكونُ حيّاً بالضّرورة.

وعندَ الأشاعرة وجماعة من المعتزلة أنّه من كان على صفةٍ لأجلها يصحّ أن يعلمَ ويقدرَ لأنه لو لا ذلك لم يكن حصول هذه الصّحة أولى من عدم حصولها؛ وهو باطلٌ، لأنّ المقتضي للصحّة ذاتُه المخالفةُ لغيرها من الذّوات بحقيقتها.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - مريدٌ

اتّفق العلماء (١) عليه واختلفوا في معناه، فعندَ أبي الحسين أنّه نفسُ الدّاعي، وهو علمُه - تعالى - بما في الفعل من المصلحة الدّاعية إلى الإيجاد أو المفسدة الدّاعية إلى التّرك.

وعند النّجار أنّه عبارةٌ عن كونه غيرَ مغلوب ولا مستكره. وعند الكعبيّ أنّ معناه في أفعال نفسه كونُه عالماً بها، وفي أفعال غيره كونُه آمِراً بها.

وعند الأشاعرة وأبي هاشم أنّه من كان على صفة لأجلها يصحّ منه

____________________

(١) ب، ج: العقلاء.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

(17)

واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي

واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي

  استقلال الخير: عدّة قليلاً، واعتبار ما صدر من الإنسان من الخيرات شيئاً يسيراً، وإن كان في الواقع كثيراً، سواء الخير من أقواله أم أفعاله.

  واستكثار الشرّ: عدّة كثيراً، وإن كان في الواقع قليلاً نادراً، سواء في قول الشرّ أم عمله.

وهذه من الخصال المحمودة التي هي حيلةٌ وزينة.

ليس فقط لا يحدّث الإنسان الناس بخيراته وأعماله الخيّرة، بل يعدّها عنه نفسه نزراً يسيراً.

وفي مقابله إن صدر منه شيرٌ قليل، ليس فحسب لا يتهاون به، بل يعدّه عند نفسه كثيراً.

وهذا الاستقلال والاستكثار مفيدان غاية الفائدة في تهذيب النفس، وتزكية الروح، وذلك:

  أمّا استقلال الخير من نفسه، ففائدته عدم استيلاء العُجب عليه.

٢٢١

والعجب هو: استعظام العمل الصالح واستكثاره، والإدلال به، وأن يرى الإنسان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير.

وهو يوجب سقوط العمل عن القبول، وهو مذموم، كما تلاحظ ذمّه في الأحاديث الشريفة، ومنها: ـ

1 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ بينما موسى عليه السلام جالساً، إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنى من موسى عليه السلام خلع البرنس، وقام إلى موسى فسلّم عليه.

فقال له موسى: مَن أنت؟

فقال: أنا إبليس.

فقال له: أنت، فلا قرّب الله دارك.

قال: إنّي جئت لاُسلّم عليك كلمكانك من الله.

فقال له موسى عليه السلام: فما هذا البُرنس؟

قال: به أختطفُ قلوب بني آدم.

فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه؟

قال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه (1).

2 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال:

قال داود النبيّ عليه السلام: لأعبدنَّ الله عبادة، ولأقرأنَّ قراءةً لم أفعل مثلها قطّ، فدخل في محرابه، ففعل.

فلمّا فرغ من صلاته، إذا هو بضفدع في المحراب، فقال لداود: ـ أعجبَكَ اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك؟

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 237 / ح 8.

٢٢٢

فقال: نعم.

فقال: لا يعجبنّك، فإنّي اُسبّح لله في كلّ ليلةٍ ألف تسبيحة، يتشعّب لي مع كلّ تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، وأنّي لأكون في قعر الماء فيصوّت الطير في الهواء، فأحسبه جائعاً، فأطفوا له على الماء ليأكلني وما لي من ذنب (1) .

3 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

تصعد الحفَظَة بعملِ العبد يزهر كالكوكب الدرّيّ في السماء، له دويٌّ بالتسبيح، والصوم، والحجّ، فيمرّ به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له: قِف، فاضرب بهذا العمل وجة صاحِبه وبطنَه، أنا مَلَك العُجب، إنّه كان يعجبُ بنفسه، وأنّه عمل وأدخل نفسه العُجب، أمرني ربّي أن لا أدع عملَه يتجاوزني إلى غيري، فاضرب به وجه صاحبه (2) .

فاستقلال الإنسان الخير من نفسه يفيد الإنسان التحذّر عن هذا العجب المفسد لذلك العمل الخيّر.

  وأمّا استكثار الشرّ من نفسه، ففائدته عدم التهاون بالمعصية.

والتهاون بالمعصية هو جعلها هيّنةً، وعدم الاهتمام بها، وهو يوجب الجرأة على عصيان الله العظيم، عصيان جبّار السماء والأرض، وهو مذموم ممقوت كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة منها: ـ

1 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرضٍ قرعاء ـ أي لا نبات ولا شجر فيها ـ فقال لأصحابه: ائتوا بحطب.

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 71 / ص 230 / ح 7.

(2) مستدرك الوسائل / ج 1 / ص 141 / ح 17، ولاحظ قضيّة ابن الماوردي في كون العجب مقروناً بالجهل، في سفينة البحار / ج 6 / ص 156.

٢٢٣

فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرضٍ قرعاء، ما بها من حطب.

قال: فليأت كلّ إنسن بما قدر عليه.

فجاؤوا به، حتّى رَمَوا بين يديه بعضه على بعض.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب... (1).

2 ـ حديث أمير المؤمنين عليه السلام: ـ

(أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه) (2) .

3 ـ حديث وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله لأبي ذرّ الغفاري رضوان الله عليه: ـ

يا أبا ذرّ.. إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة، يخاف أن يقع عليه، وإنّ الكافر ليرى ذنبه كأنّه ذباباٌ مرَّ على أنفه.

يا أبا ذرّ، إنّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثّلة، والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبدٍ شرّاً أنساه ذنوبه.

يا أبا ذرّ، إنّ نفس المؤمن ارتكاضاً ـ أي اضطراباً ـ من ال خطيئة من العصفور حين يقذف في شَرَكه (3) .

فإذا استكثر الإنسان الشرّ من نفسه، لم يتهاون به، بل اشتدّ اجتنابه عنه.

فاللّازم علنيا في مكارم أخلاقنا أن نستقلّ الخير من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن كثرت.

وأن نستكثر الشرّ من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن قلّت.

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 218 / ح 3.

(2) غرر الحكم ودرر الكلم / ج 1 / ص 192 / ح 318.

(3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 79.

٢٢٤

وفي حديث الإمام الكاظم عليه السلام: ـ

(لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذنوب، فإنّ قليل الذنوب يجتمع حتّى يكون كثيراً) (1) .

فالمفروض علينا أن نهذّب أنفسنا ونروّضها على هاتين الخصلتين، فنفكّر في خيرات وعبادات ومواعظ أولياء الله تعالى، فتصغر في أعيننا خيرنا وعبادتنا وأقوالنا.

ونفكّر في نزاهة أولياء الله من الشرور والذنوب في قولٍ أو فعلٍ منهم، فتكثر في أعيينا شرورنا ومعاصينا.

وأهل البيت عليهم السلام لم يكن لهم شرٌّ في الحياة في آنٍ من الآنات، وكانت حياتهم مليئة بالخيرات والطيّبات من أقوالهم وأفعالهم، وبالرغم من ذلك كانوا يستقلّون خير أنفهسم، كما مرّ عليك في حديث الأعرابي الذي وفدَ على الإمام الحسين عليه السلام حين أغناه بأربعة آلاف دينار، ومع ذلك كان يعتذر إليه بقلّة النفقة منه (2) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 73 / ص 346.

(2) بحار الأنوار / ج 44 / ص 190.

٢٢٥

٢٢٦

(18)

وأكمِلْ ذلكَ لي بدوام الطاعة

الطاعة هي: موافقة الأمر، وامتثاله والانقياد له.

كامتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، فإنّه طاعةٌ لله تعالى.

ودوام الطاعة: استمرارها، مضافاً إلى إيجادها وتحقّقها.

والسعادة العظمى في الدُّنيا والآخرة هي إطاعة الله تعالى، وإطاعة من أمرنا الله تعالى بإطاعتهم.

وهم الرسول الأعظم وأهل بيته الكرام عليهم السلام فو قوله عزّ اسمه: ـ

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) .

وقد تظافرت الأحاديث من الفريقين في تفسير اُولي الأمر بأهل البيت الطيّبين، الأئمّة المعصومين عليهم السلام (2) .

وهذه الإطاعة فوز الدُّنيا والآخرة، وسعادة الدارين الاُولى والاُخرى.

__________________

(1) سورة النساء: الآية 59.

(2) لاحظ تفسير البرهان / ج / ص /. وإحقاق الحقّ / ج 3 / ص 424.

٢٢٧

قال تعالى: ( يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) (1) .

وقال عزّ اسمه: ـ ( وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) (2) .

وذكرت الأحاديث الشريفة فضلها وفضيلتها في جملة منها مثل: ـ

1 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(... إنّ طاعة الله نجاحُ كلّ خيرٍ يُبتغى، ونجاةٌ من كلّ شرٍّ يُتّقى، وإنّ الله العظيم يعصم من أطاعه، ولا يعتصم منه من عصاه) (3) .

2 ـ حديث الإمام الرضا عليه السلام في قوله تعالى: ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (4) قال عليه السلام: ـ (لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى الله عزّوجلّ نفاه الله عن أبيه.

كذا من كان منّا لم يطع الله فليس منّا.

وأنت إذا أطعت الله فأنت منّا أهل البيت) (5) .

فإطاعة الله تعالى هو الإكسير الأعظم، والفوز الأتمّ، بخير الدارين، وسعادة النشأتين والاستمرار عليها.

وإطاعة الإنسان لربّه، وللرسول صلى الله عليه وآله، ولأهل البيت عليهم السلام، عجيبة في النتيجة، من حيث إنّها توجب أن يكون الإنسان من أولياء الله المقرّبين، ومن مظاهر قدرة ربّ العالمين، حتّى أنّها توجب نيل الكرامات وإطاعة المخلوقات للإنسان كما تلاحظه في مثل: ـ

1 ـ الصاحبي الجليل سلمان المحمّدي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي

__________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 71.

(2) سورة النساء: الآية 69.

(3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 69.

(4) سورة هود: الآية 46.

(5) بحار الأنوار / ج 43 / ص 230.

٢٢٨

تلاحظها في مثل حديث القدر المغلي (1) ، وحديث طينته (2) .

2 ـ جابر الجُعفي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي تجدها في مثل طيّ الأرض له، وسفره إلى أرض السواد (3) .

وهذه الفقرة من الدّعاء الشريف يُطلب فيها من الله تعالى تكميل تلك المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة: بسط العدل، وكظم الغيظ.. إلخ، بدوام طاعة الله تعالى، وعدم عصيانه.

فإنّ ترك الطاعة وارتكاب المعصية، نقضٌ لتلك المكارم الأخلاقيّة، بل موجبٌ لارتكاب الاُمور المذمومة، والأفعال المحرّمة.

فيُطلب دوام الطاعة في الأوامر والنواهي الإلهيّة، وفي الصفات المرغوبة الأخلاقيّة.

وهذا يحتاج إلى الطلب من الله تعالى؛ لأنّ البقاء على العمل أصعب من نفس إتيان العمل، ومستلزمٌ للصبر وتحمّل المشقّة.

  والمثل الأعلى في دوام الطاعة، وعدم الخروج عنها طرفة عين هم أهل البيت عليهم السلام الذين لم يعصوا ولا يعصون الله تعالى فيما أمرهم، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

لم يخالفوا الله تعالى في صفيرةٍ ولا كبيرة، في شدّةٍ ولا رخاء، حتّى أنّهم لم يفعلوا ما كان الأولى تركه، ولم يتركوا ما كان الأولى فعله.

فاتّصفوا بالعصمة الكبرى والطهارة العظمى، كما تدلّ عليه أدلّة الكتاب والسنّة مثل: آية التطهير، وأحاديث العصمة المرويّة من طرق الفريقين (4).

__________________

(1) رجال الكشّي / ص 19.

(2) الاختصاص / ص 221.

(3) رجال الكشّي / ص 172.

(4) لاحظ تحقيقه ومصادره في كتاب العقائد الحقّة / ص 349 / مبحث العصمة.

٢٢٩

فيلزم علينا الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام، وتكميلاً للصفات الحسنة التي هي حلية الصالحين وزينة المتّقين، وترويض النفس على الصبر عليها، وعدم إبداء السخط منها، لكي يحصل لنا الكمال بتلك الصفات، والأجر بالصبر عليها، وعدم الندامة من تركها.

فإنّ تركها يوجب الندم، وإظهار السخط منها يوجب الخجل، كما في قضيّة ذلك العالم المحقّق الذي أبدى السخط، ولم يصبر عند تأخير حاجته، فحصلت له الندامة.

فقد حكى بعض السادة الأجلّاء الثقات عن أحد العلماء المحقّقين الذي كان يؤلّف كتاباً في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام الذي هو من أهمّ الوظائف الشرعيّة على علماء الدِّين، وأصحاب القلم من المحقّقين.

فاحتاج هذا العالم في مصادر كتابه إلى كتاب كان نادر الوجود، وكلّما بحث عنه في النجف الأشرف لم يعثر عليه، وكان يعلم أنّه موجود في النجف، لكن لم يعرف أنّه عندَ مَن.

فتوسّل بالإمام أمير الؤمنين عليه السلام أن يهيّئ له ذلك الكتاب، حتّى يستعيره ويستفيد منه وينقل عنه.

ودام التوسّل بالإمام عليه السلام ستّة أشهر متواصلة، لكن لم تحصل له النتيجة.

وبعد هذه المدّة الكثيرة، وبينما هو أمام الضريح المقدّس، وملتصقٌ به، ويتوسّل بالإمام ويطلب منه الكتاب ويقول:

(أنت مولاي، وتعلم بإذن الله تعالى أين يوجد الكتاب، وأنا محتاج إليه، فارشدني إلى موضعه).

بينما هو يقول هذا، إذ سمع من الطرف الآخر من الضريح لمقدّس، شخصاّ

٢٣٠

آخر يطلب من الإمام عليه السلام حاجته، ويبدو من لسانه أنّه شخصٌ قرويّ، ويقول بلهجةٍ حادّة للإمام عليه السلام: ـ

(لو لم تعطني حاجتي لا أزورك بعد هذا أبداً).

ومرّت سبعة أيّام على هذه القضيّة، وبينا أنا أيضاً مقابل للضريح الشريف أطلب حاجتي، إذ سمعت ذلك القروي يقول للأمير عليه السلام بلهجته الخاصّة: ـ

(أروح لك فدوه يا علي، أعطيتني حاجتي، كفو، كفو، كفو).

قال ذلك العالم: لمّا رأيت أنا ذلك هاجت نفسي، وخرجتُ عن الطبيعة، ونفذ صبري، وصرتُ أقول للإمام عليه السلام بخشونة شديدة.

(شنو حاجة هذا المعيدي غير الدُّنيا، تعطيه سريعاً، ولا تعطيني حاجتي وهي للدفاع عنكم وكتابة فضائلكم).

وخرجت من الحرم الشريف شبه الزعلان، وبحالة الغضب ـ وهذا هو محلّ الصبر على الطاعة وعلى تلك المكارم الأخلاقيّة، وامتحان من يدوم له لين العريكة ومن لا يدوم ـ.

ولمّا وصلت إلى داري ندمتُ كثيراً على أنّه لماذا تجاسرت بخدمة الإمام عليه السلام وهو خلاف الأدب.

وخصوصاً وبيما أنا كذلك، إذ طرق باب الدار جارٌ لنا، فذهب ولدي وفتح الباب، ودخل عَليَّ جارنا، فرحّبت به، وجلس عندي، ودار الكلام عندنا فقال الجار: نحن في حالة انتقال إلى دارٍ جديد، وقد نظّفنا دارنا الفعلي لنحوّله إلى المشتري، وفي أثناء تنظيف رفوف الدار عثرتُ في الرفّ الأعلى على كتابٍ أنا لا أستفيد منه لأنّي لا أعرف القراءة والكتابة..

فقلتُ لابني: ـ إذهب بهذا الكتاب، واجعله في المسجد.

فقال ابني: ـ لا يا أبه، لا تجعله في المسجد، بل أعطه لجارنا العالم ـ حتّى

٢٣١

يستفيد منه، وهو هذا الكتاب، جئت به إليك هديّة لك.

قال ذلك العالم: فأخذتُ منه الكتاب، فإذا هو نفس الكتاب الذي طلبته من أمير المؤمنين عليه السلام، طلبتُ منه أن يرشدني إليه لأستعيره، لكن ذلك الكريم صلوات الله عليه أهداه لي، وملّكه بدل الاستعارة.

فذهبت واعتذرت من أمير المؤمنين عليه السلام على سوء أدبي، وعدم صبري، وتشكّرت منه على لطفه وإحسانه.

وعليه فالمطلوب تكميل مكارم الأخلاق بدوام الطاعة واستمرارها، وعدم النقض بالمعاصي والمحرّمات، أما بما يخالف الأخلاقيّات.

فيُستدام على الطاعات بصبر، ويستمرّ على المكارم والأخلاقيّات بتحمّل، فيحصل بذلك الكمال الكامل، والفضل الشامل.

٢٣٢

(19)

ولزوم الجماعة

اللّزوم هو: الملازمة، وعدم المفارقة.

والجماعة هي: جماعة الناس..

والمراد بها جماعة المؤمنين المتّفقين على المذهب الحقّ، لا كلّ جماعةٍ وإن كانت باطلة.

و «أل» فيها عهديّة، والمعهود في الدّعاء جماعة أهل الحقّ..

نظير «أل» العهديّة في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (1) حيث إنّ المعهود فيها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

وقوله عليه السالم: (ولزوم الجماعة) معطوف على قوله: (بدوام الطاعة) أي واكمل لي ذلك بلزوم الجماعة.

فتكمل المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة بدوام طاعة الله تعالى والاستمرار عليها، وملازمة جماعة أهل الحقّ وعدم مفارقتهم.

بل عدم مفارقتهم ولو لحظةً واحدة حتّى يدصق التلازم وعدم الافتراق، كما

__________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 6.

٢٣٣

تلاحظه في الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار، فإنّهما لا يفترقان أبداً.

حيث إنّ المفارقة عن الحقّ لا يعني إلّا الدخول في الباطل، فإنّه ليس بعد الحقّ إلّا الضلال.

ويدلّ على كون المراد بالجماعة جماعة أهل الحقّ، الحديث الصادقي الشريف:

(سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله: ما جماعة اُمّتك؟

فقال: ـ جماعةُ اُمّتي أهل الحقّ، وإن قلّوا).

وفي حديثٍ آخر: (فقال: من كان على الحقّ، وإن كانوا عشرة) (1) .

فمفاد الدعاء الشريف طلب ملازمة جماعة أهل الحقّ التي هي الفضائل المكمّلة لمكارم الأخلاق، ومعالي الصفات.

فهي التي تكون حلية الصالحين، وزينة المتّقين، وإلّا فملازمة أهل الباطل رذيلة ومعيبة، وليست حلية وزيزنة.

والجدير بالبيان هو معرفة أنّه:

مَن هم جماعة أهل الحقّ الذين يلزم متابعتهم وملازمتهم؟

الجواب: هم الذين بيّنهم الرسول الأعظم، ونصّ عليهم صاحب هذا الدِّين، النبيّ الأمين صلى الله عليه وآله، فقال في الأحاديث المتظافرة المتّفق عليها بين الفريقين: ـ

(عليٌّ مع الحقّ والحقّ معه، يدور حيثما دار) (2) .

(أهل بيتي مع الحقّ، والحقّ معهم، لا يفارقهم ولا يفارقوه) (3) .

فمحور الحقّ هم عليٌّ وأهل البيت عليهم السلام، فإذا أردنا أن نعرف أنّه هل هذا الشخص على الحقّ أو على الباطل؟

__________________

(1) رياض السالكين / ص 224.

(2) غاية المرام / ص 539.

(3) إحقاق الحقّ / ج 9 / ص 479.

٢٣٤

يكون المحك هو عليّ عليه السلام.. فإن كان الشخص مع عليّ عليه السلام فهو على حقّ، وإلّا فهو على باطل.

فأمير المؤمنين عليه السلام (هو فارق بين الحقّ والباطل) كما نصّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله (1) .

ولذلك عبّر عنه الرسول في واقعة الخندق بالإيمان كلّه، ومنحه أعظم وسام بقوله صلوات الله عليه وآله: ـ (برز الإيمان كلّه).

فكلّه حقّ لأنّ كلّه إيمان، فمن كان معه كان مع الحقّ ومن أهل الإيمان، ومن لم يكن معه فهو على باطل وعلى غير إيمان.

فيتّضح جيّداً أنّ المراد بالجماعة في الدعاء الشريف هم جماعة عليّ وأهل البيت عليهم السلام فهم جماعة أهل الحقّ الذي تكون ملازمتهم فضيلة وحلية.

وقد عقد العلّامة المجلسي أعلى الله مقامه باباً في البحار في لزوم الجماعة بأحاديث شريفة منها: ـ

حديث علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

قيل: يا رسول الله وما جماعة المسلمين؟

قال: جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا (2) .

وفائدة ملازمة أهل البيت عليهم السلام هي سعادة الدُّنيا والآخرة.

ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(إلزموا عليّ بن أبي طالب، فاز من لزمه) (3) .

__________________

(1) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26.

(2) بحار الأنوار / ج 29 / ص 68 / ب 3 / ح 1.

(3) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26، و ص 149.

٢٣٥

وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام: ـ

(مَن لزمنا لزمناه، ومن فارقَنا فارقناه) (1) .

وفي حديث الزيارة الجامعة المباركة: ـ

(فاز مَن تمسّك بكم، وأمِنَ مَن لجأ إليكم، وسَلِم مَن صدّقكم، وهُدي من اعتصم بكم) (2) .

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا ملازمتهم، ويديم لنا موالاتهم، ويمنّ علينا بالجنّة معهم كما في بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(من أحبَّ أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي، فليتولّ عليّاً بعدي، فإنّه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ردى) (3) .

__________________

(1) وسائل الشيعة / ج 18 / ص / ب / ح.

(2) عيون الأخبار / ج 2 / ص 277.

(3) أمالي الشيخ الطوسي / ج 2 / ص 107.

٢٣٦

(20)

ورفضِ أهلِ البِدَع ومستعملي الرأي المخترَع

الرفض هو الترك، والردّ، وعدم القبول.

والبدَع: جمع بدعة، وهي اسمٌ من الابتداع بمعنى الإحداث والإختراع.

قال في المجمع: ـ (البدعة: بالكسر فالسكون: الحدثُ في الدِّين وما ليس له أصلٌ في كتابٍ ولا سنّة.

وإنّما سمّيت بدعة لأنّ قائلها ابتدعها من نفسه) (1) .

وقال في المرآة: ـ (البدعة في عرف الشرع ما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يَرد فيه نصٌّ على الخصوص، ولا كيون داخلاً في بعض المعلومات، أو ورد فيه نهيٌ عنه خصوصاً أو عموماً) (2) .

ويؤيّده الحديث الشريف: ـ السُنّة ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله، والبدعة ما اُحدث من بعده) (3) .

__________________

(1) مجمع البحرين / ص 370.

(2) مرآة الأنوار / ص 78.

(3) بحار الأنوار / ج 2 / ص 266.

٢٣٧

وعُرّفت في الاصطلاح الفقهي بأنّها هي: ـ

(إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، نظير إدخال التكتّف في الصلاة.

ومثله إخراج ما ثبت في الدٍّين من الدِّين، نظير إسقاط حيَّ على خير العمل من الأذان).

وقد حدثت هذه البِدَع المذمومة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بواسطة الغاصبين والظالمين والمنحرفين.

وقد ذكر السيّد الجليل شرف الدِّين أعلى الله مقامه في كتابه الخاصّ بذلك (النصّ والاجتهاد) 71 مورداً من بدع الغاصبين، منها: ـ

1 ـ غصب نحلة الزهراء عليها السلام، وبدعتهم أنّ الرسول لم يورّث، وهذه بدعة الأوّل والثاني.

2 ـ قتل مانعي الزكاة بما جناه خالد بن الوليد في مالك بن نويرة، وهذه بدعة الأوّل.

3 ـ تحريم متعة الحجّ، ومتعة النساء، وهذه كانت من قِبَل الثاني.

4 ـ إسقاط طواف النساء من الحجّ.

5 ـ إسقاط (حيّ على خير العمل) من الأذان.

6 ـ إدخال الصلاة خيرٌ من النوم في أذان الصبح.

7 ـ تشريع الطلاق ثلاثاً مؤبّداً في مجلسٍ واحد.

8 ـ تشريع صلاة التراويح.

9 ـ حكم الثاني بسقوط الصلاة عند فقدان الماء.

10 ـ تقديم الثالث رأيه على نصوص الكتاب والسنّة، كإتمامه الصلاة في السفر، وإعطاءه الخمس لغير بني هاشم، بل للطريد مروان بن الحكم (1) .

__________________

(1) لاحظ للاستقصاء كتاب الغدير / ج 6 / فصل نوادر الأثر، خصوصاً الصفحات: ـ 83، 108، 187، 282، 294.

٢٣٨

هذه هي البدع المبتدعة التي يأتي بيان فسادها وذمّها في الأحاديث الشريفة.

وفي هذا الدعاء الشريف يُطلب من الله تعالى التكميل برفض أهل البدع، وتركهم، وعدم القبول منهم.

أي واكمل لي ذلك برفض أهل البدع.

  قوله عليه السلام: ـ (ومستعملي الرأي المخترع) عطفٌ على أهل البدَع، أي واكمل لي ذلك برفض مستعملي الرأي المخترع.

ومستعملي الرأي المخترع هم الذين اخترعوا رأياً من عند أنفسهم، وبناقص عقولهم، ثمّ عملوا به وأفتوا على طبقه، كاختراع القياس في الدِّين.

والرأي المخترع قسمٌ من البدعة، لأنّه إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، خصّص بالذمّ، وأكّد بالردع.

ومذموميّة البدعة واختراع الرأي ممّا تظافرت به الأدلّة المعتبرة، والأحاديث الشريفة.

فتكون صفةً مذمومة منافية للتقوى والصلاح، فيلزم تركها، والابتعاد عنها في سبيل تحصيل التقوى، وتزيين الصالحين.

وممّا ورد في ذمّ البدعة والرأي المخترّع: ـ

1 / حديث الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام قالا: ـ

(كلّ بدعة ضلال، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار) (1).

2 / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء على دين خليله) (2) .

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 1 / ص 45.

(2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 278.

٢٣٩

3 / حديث أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ـ

(من مشى إلى صاحب بدعةٍ فوقّره، فقد مشى في هدم الإسلام) (1) .

4 / حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

(من أحدث في الإسلام، أو آوى مُحدِثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (2) .

5 / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس، فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلّا بُعداً، وإنّ دين الله لا يُصاب بالعقول) (3) .

وعليه فالبدعة وإحداث الرأي المخترَع من الضلال والباطل، وقد ارتكب أشنعه أهل الخلاف كما ذكر شيٌ منها في الفصل الثالث من كتابنا: شيعة أهل البيت عليهم السلام.

فقد حكى الزمخشري عن يوسف بن أسباط أنّه قال: ردّ أبو حنيفة على النبيّ أربعمائة حديث...

قيل: مثل ماذا؟

قال: مثل هذا: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «للفرس سهمان».

وقال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن (4) .

وأشعر رسول الله صلى الله عليه وآله البُدن.

__________________

(1) عقاب الأعمال / ص 307.

(2) مستدرك الوسائل / ج 12 / ص 322.

(3) اُصول الكافي / ج 1 / ص 56 / ح 7. وفي الحديث 20 (أوّل من قاس إبليس).

(4) يردّه أنّ سهمي الفرس من غنائم الحرب يكون لنفس الفارس، لعنائه، وتكلّفه مؤونة فرسه، ومأكله واصطبله، لا لنفس الفرس حتّى يكون سهماً للبهيمة كما توهّم.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257