تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس15%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84737 / تحميل: 6267
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المرصد السّادس

في العدل

وفيه مطالب

١٦١

١٦٢

[المطلب] الأوّل

في الحسن والقبح العقليّين

الفعل إن لم يكن له صفةٌ زائدةٌ على حدوثه فهو كحركة السّاهي والنّائم. وإن كان، فهو إمّا حسنٌ لا صفة زائدة له على حسنه، وهو المباح؛ أو له صفةٌ زائدةٌ، فإن أوجبت الذّمّ على التّرك فهو الواجبُ، وإلاّ النّدبُ؛ وإمّا قبيحٌ، وهو ما يستحقّ فاعله العالمُ بحاله الذّمّ.

واتّفقت المعتزلة على أنّ من الأشياء ما يُعلم كونه حسناً وقبيحاً بالضّرورة، كحسن الصّدق النافع والإنصاف والإحسان وشكر المُنعم وقبح الكذب الضّارّ والظلم والفساد وتكليفِ ما لا يُطاق؛ ومنها ما يعلم حسنه وقبحه بنظر العقل، كحُسن الصّدق الضّارّ وقبح الكذب النّافع، ومنها ما يُعلم من جهة الشّرع، لا بمعنى أنّه علّةٌ في الحُسن والقبح، بل إنّه كاشف لجزم من لم يعتقد الشّرعُ به، ولأنّه لولاه لجاز إظهار المعجزة (١) على يد الكاذب، والخُلف في وعده ووعيده. والتّعذيب على الطاعة والإثابة على المعصية، فينتفي فائدةُ التّكليف ولأُفحِمَتِ الأنبياءُ.

____________________

(١) ألف: المعجز.

١٦٣

وقالت الأشاعرة: إنهما شرعيّان، فالحسنُ ما أمر الشّارعُ به، والقبيحُ ما نهى عنه؛ لأنّ العلمُ به ليس نظريّاً إجماعاً ولا ضروريّاً، وإلاّ لساوى العلم بأنّ الكلّ أعظمُ من الجزء. والتّالي باطلٌ قطعاً، فكذا المقدّمُ، ولأنّ الكذبَ قد يحسنُ إذا اشتمل على مصلحة، كتخليص نبيّ من ظالم، أو قال: لأكذبنّ غداً، ولأنّه - تعالى - كلّف من علم عدمَ إيمانه، وخلافُ معلوم الله - تعالى - مُحال، وكلّف أبا لهب بالإيمان بجميع ما أخبر به. ومن جملة ما أخبر (١) أنّه لا يؤمنُ، فقد كلّفه بأن يؤمن بأن لا يؤمن. وهو جمعٌ بينَ النّقيضين؛ ولأنّ أفعال العبد اضطراريّةٌ، فلا حسنَ ولا قبحَ.

والجوابُ: المنعُ من الملازمة فإنّ التّصديقات الضّروريّة تتفاوتُ بتفاوت التّصوّرات في الكمال والنّقصان، ومن بطلان التّالي، والكذب ليس بحسن مطلقاً. ويجب التّوريةُ لتخليص النّبيّ، فينتفي الكذبُ، أو يأتي بصورة الإخبار من غير قصد له، بل للاستفهام. ويجبُ ترك الكذب في الغد، لاشتماله على وجهي حسن، هما ترك الكذب وترك إتمام العزم عليه وإن اشتمل على وجه قبح، وهو أولى من الكذب المشتمل على وجهي قبح هُما الكذب وإتمام العزم عليه، وعلى وجه حَسن وهو الصدق، والعلم تابعٌ، فلا يؤثّرُ في المتبوع.

ونمنع إخباره عن أبي لهب بعدم الإيمان. والسّورةُ اشتملت (٢) على

____________________

(١) ج: أجزائه.

(٢) ج: إنه اشتملت.

١٦٤

ذمّه، لا على الإخبار بعدم إيمانه. ويُحتَملُ نزولها بعدَ موته. ويؤيّده قوله تعالى: ( مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ ) (١) وقوله تعالى: ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنذرتهم ) (٢) يُحتَمل نزولها بعدَ موتهم أو حالَ غفلتهم. والغافل غير مكلّف. وسيأتي بيانُ اختيار العبد.

تذنيبٌ

القبائحُ إنّما قبحت لما هي عليه. وكذا الواجباتُ، فإنّ العقلاء متى علموا الظلمَ، أو منعَ ردّ الوديعة، أو ترك شكر المنعم، (٣) ذمّوا فاعل ذلك، ومتى علموا ردّ الوديعة أو شكر النّعمة مدحوا فاعله. فإذا طلب منهم العلّة بادروا إلى ذكر الظّلم أو منع الوديعة أو كفران النّعمة أو فعل الشّكر أو الرّدّ. فلو لا علمهم الضّروريّ بالعلم لما بادروا إليها وللدوران، فإنّ الضّرر متى كان ظلماً كان قبيحاً. وإذا انتفى الظلم انتفى قبحه فكان علّةً.

____________________

(١) المسد: ١١١/٢.

(٢) البقرة: ٢/٦.

(٣) ب، ج: النعمة.

١٦٥

المطلب الثاني

في أنّه - تعالى - لا يفعل القبيح ولا يُخلّ بالواجب

يدلّ عليه أنّ له صارفاً عن القبيح، لأنّه غنيٌّ عنه وعالمٌ بقبحه، ولا داعيّ له إليه، لانتفاء داعي الحاجة والحكمة، فلا يصدرُ الفعل عنه قطعاً.

والأشاعرة أسندوا القبائح إليه - تعالى عن ذلك -، لأنّه كلّف الكافر مع علمه بامتناع الإيمان منه، وتكليفُ ما لا يُطاقُ قبيحٌ عندكم، ولأنّه - تعالى - جمع بين الرّجال والنّساء في الدّنيا ومكّن بعضَهم من بعض، وجعل لهم ميلاً إلى الاجتماع وحرّمه، وذلك قبيح، كما يقبح منّا جمع العبيد والإماء،

وقد بيّنا أنّ العلمَ تابعٌ، والغرضُ في التّكليف هو التّعريض على معنى أنّه يجعله بحيثُ يتمكن من الوصول إلى النّفع وقد حصل الغرضُ، والجامع بينَ العبيد والإماء إذا نهاهم عن وصول بعضهم إلى بعض وتوعّدهم عليه بعظيم الضّرر، وفعل بهم ما يُقرّبهم من الامتثال ويُبعّدهم عن المخالفة، ونصب لهم من يؤدّبهم إذا أخلّوا بما أُمروا به عاجلاً ووعدهم على الامتثال بعظيم النّفع الّذي لا يمكن الوصول إليه إلاّ به لم يكن قبيحاً.

١٦٦

المطلب الثّالث

في خلق الأعمال

ذهب جهم بنُ صفوان إلى أن لا فاعل إلاّ الله - تعالى - وقالت الأشاعرةُ والنّجّاريّة، إنّ المُحدِثَ هو الله - تعالى - والعبدَ مكتسبٌ، وأنّه - تعالى - يخلقُ قدرة للعبد والفعل معاً. واختلفوا في الكسب، فقال الأشعريّ: هو إجراء العادة بإيجاد الله - تعالى - الفعل والقدرة معاً عندَ اختيار العبد، ولا أثرَ لقدرة العبد. وقال بعضُ أصحابه، معناه تأثيرُ قدرة العبد في كون الفعل طاعةً أو معصيةً أو عبثاً وغيرها من صفات الفعل الّتي يتناولها التّكليف وبها يستحقّ المدح والذّمّ. وقال آخرون: إنّه غيرُ معلوم.

وذهب أهل العدل إلى أنّ للحيوان أفعالاً تقعُ بقدرتهم (١) واختيارهم، فعندَ أبي الحسين ومن تابعه أنّ العلمَ به ضروريٌّ. وهو الحقّ. وعند باقي مشايخ المعتزلة ومن تابعهم من شيوخ الإماميّة أنّه كسبيٌّ.

لنا أنّ كلّ عاقل يعلمُ بالضّرورة حُسنَ المدح على الإحسان والذّمّ على الإساءة، وهو يتوقفُ على كون الممدوح والمذموم فاعلاً، ولأنّ أفعالنا

____________________

(١) ألف، ب: بقدرهم.

١٦٧

واقعةٌ بحسب قصودنا ومنتفية بحسب صوارفنا. وهو معنى الفاعل. ولأنّ الضّرورة قاضية بالفرق بينَ حركاتنا الاختياريّة والاضطراريّة، ولقبح منه - تعالى - الأمر والنّهي كما يقبح أمرُ الجماد ونهيه؛ وللسّمع.

احتجّ الخصمُ بأنّ العبدَ حالَ الفعل إن لم يمكنه التّرك فهو الجبر؛ وإن أمكنه: فإن لم يتوقّف التّرجيحُ على مرجّح لزم ترجيحُ الممكن من غير مرجّح، وإن توقّف، فإن كان منه عاد البحث، وإلاّ لزم الجبر، لامتناع الفعل من دونه ووجوبه عنده، ولأنّه لو كان موجداً لفعله لكان عالماً بتفاصيله، فإنّ القصد (١) الكلّيّ لا يكفي في حصول الجزئيّ لتساوي نسبته إلى الجميع. والتّالي باطل قطعاً، لعدم العلم بقدر السّكنات المتخلّلة في الحركات البطيئة، ولأنّه لو أراد العبدُ حركةَ جسم وأراد الله - تعالى - تسكينه، فإن وقعا أو لم يقعا لزم المُحال، وإن وقع أحدهما كان ترجيحاً من غير مرجّح، لاستقلال كلّ منهما؛ ولأنّه - تعالى - إن علم الوقوعَ وجب وإلاّ امتنع، فلا قدرةَ.

والجوابُ: أنّه متمكنٌ من التّرك نظراً إلى القدرة وغيرُ متمكّن نظراً إلى الدّاعي ولا يخرجه عن القدرة، لتساوي الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدَها، وهو آتٍ في حقّ واجب الوجود. والعلم الإجماليّ كافٍ في الإيجاد. والقصد الكلّيّ قد ينبعث عنه الفعل الجزئيّ باعتبار تخصيصه

____________________

(١) ألف: الفصل.

١٦٨

بالمحلّ والوقت لا باعتبار القصد، وقدرته - تعالى - أقوى، فكان صدورُ فعله أولى، والوجوب المستند إلى العلم لاحقٌ. (١)

وكما أنّ فرضَ أحد النّقيضين يقتضي وجوبَه لاحقاً دونَ امتناع الآخر، كذا فرضُ العلم، لأنّه مطابقٌ له. والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، مع أنّه آتٍ في حقّه تعالى. والكسب غيرُ مفيد، لأنّ تجويز صدور الاختيار يقتضي تجويز صدور غيره، لعدم الأولويّة؛ ولانسحاب أدلّتهم عليه، فإنّ اختيار المعصية مغايرٌ لاختيار الطاعة. فحصولُ أحدهما إن لم يكن لمرجّح لزم ترجيح أحد الطرفين لا لمرجّح، وإن كان لمرجّح تسلسل. وكذا باقي الأدلّة.

____________________

(١) ج: اللاحق.

١٦٩

المطلب الرّابع

في أنّه - تعالى - يريدُ الطاعات ويكره المعاصي

هذا مذهبُ العدليّة، خلافاً للأشاعرة، لأنّ له داعياً إلى الطاعة، ولا صارفَ له عنها، وله صارفٌ عن المعصية، ولا داعيَ له إليها، لأنّه حكيمٌ، والحكيمُ له داعٍ إلى الحَسَن، والطاعة حسنة، وله صارفٌ عن القبيح، والمعصية قبيحةٌ؛ ولأنّ إرادة القبيح قبيحةٌ، لاستحسان العقلاء ذمّ مريد القبيح، ولأنّه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية. وهما يستلزمان الإرادة والكراهة؛ فإنّ الأمر إنّما هو أمرٌ باعتبار إرادة المأمور به؛ ولقوله تعالى: ( كُلّ ذلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِندَ رَبّكَ مَكْرُوهاً ) (١) وكذب من قال: ( لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) (٢) وقوله: ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ ) (٣) ، ( وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْفَسَادَ ) (٤) ، ( وَلاَ يَرْضَى‏ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) (٥) ، و ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (٦) ، ( وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ) (٧) .

____________________

(١) الإسراء: ١٧/٣٨.

(٢) الأنعام: ٦/١٤٨.

(٣) آل عمران: ٣/١٠٨.

(٤) البقرة: ٢/٢٠٥.

(٥) الزمر: ٣٩/٧.

(٦) الذاريات: ٥١/٥٦.

(٧) البيّنة: ٩٨/٥.

١٧٠

احتجّوا بأنّ إرادةَ الطاعة من الكافر تستلزم وقوعها وكراهةَ المعصية تستلزم عدمها؛ ولأنّ الأمر قد يوجد بدون الإرادة، كطالب العذر عن ضرب (١) عبده بعدم قبوله منه، فيأمره ولا يريد فعلَه، ليظهرَ عذره؛ وقوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلّهُمْ جَميعاً ) (٢) .

والجوابُ: أنّه أراد إيقاعَها اختياراً وكره إيقاعَ المعصية اختياراً، لئلاّ يبطلَ التّكليف. والمولى يوجد صورةَ الأمر ولا طلب، كما لا إرادة، والآية يدلّ على القسر (٣) .

____________________

(١) ج: بضرب العبد.

(٢) يونس: ١٠/٩٩.

(٣) ج: على التخيير.

١٧١

المطلب الخامس

في التكليف

وهو إرادةُ من يجبُ طاعته على جهة الابتداء ما فيه مشقّةٌ بشرط الإعلام. وهو حسنٌ لأنّه من فعلِه تعالى، والله لا يفعل القبيح؛ ولابُدّ من غرضٍ، لقبح العبثِ، وليس عائداً إليه تعالى، لاستغنائه، ولا إلى غير المكلّف، لقبح إلزام المشقّة لنفع (١) الغير، ولا ضرر المكلّف لقبحه ابتداء، ولا نفعه، لانتقاضه بتكليف من علم كفره، ولا تعريضه للضرر لقبحه ولا لنفع يصحّ الابتداء به، لأنّه يصيرُ عبثاً، فهو التّعريضُ لنفع لا يمكن الابتداء به.

والأشاعرة نفوا الغرضَ في أفعاله، وإلاّ لكان ناقصاً في ذاته مستكملاً بذلك الغرض، إذ بحصوله يحصل له ما هو الأولى له. وليس بجيّد، وإلاّ لزم العبثُ وإبطال غايات المصنوعات الظاهرة حِكمها. (٢) والاستفادةُ باطلة، كما في الخالقيّة.

وهو واجبٌ عندَ المعتزلة خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لكان مغرياً بالقبيح،

____________________

(١) ج: منفعة.

(٢) ج: حكمتها.

١٧٢

لأنّ للعاقل ميلاً إلى القبيح ونفوراً عن الحسن.

فلولا التّكليف الزّاجر عن القبيح لزم ارتكابه،

وشرطه كونُ المكلّف عالماً بصفة الفعل لئلاّ يكلّفَ بالقبيح أو المباح، وبقدر المستحقّ عليه من الثّواب ليؤمن انتفاء الظلم، والقدرة على الإيصال، وكونه منزّهاً عن فعل القبيح والإخلال بالواجب، وأن يكون ما كلّف به ممكناً، لقبح التّكليف بالمُحال، وكونه ممّا يستحقّ به الثّواب، كالواجب والنّدب وترك القبيح، وقدرة المكلّف عليه، مميّزاً بينَه وبينَ ما لم يكلّفه متمكناً من الآلة والعلم بما يحتاج إليه، والعلّة فيحسن تكليف المؤمن آتيةٌ في الكافر؛ فإنّ العلم غير مؤثر والتّعريض للنّفع ثابت فيه. واختيار الكفر (١) لا يُخرج الحَسن عن حُسنه.

____________________

(١) ب، ج: اختياره الكفر.

١٧٣

المطلب السّادس

في اللّطف

وهو ما كان المكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعدَ من فعل القبيح، (١) ولم يكن له حظٌّ في التّمكين ولم يبلغ إلى حدّ الإلجاء، فالآلة ليست لطفاً؛ لأنّ لها مدخلاً في التّمكين. والإلجاء ينافي التّكليف، بخلاف اللّطف وهو واجبٌ خلافاً للأشعريّة، وإلاّ لزم نقض الغرض، فإنّه - تعالى - إذا علم أنّ المكلّف لا يختارُ الطاعة أو لا يكونُ أقرب إليها إلاّ عندَ فعل يفعله به وجب عليه فعلُه، وإلاّ كان مُناقضاً لغرضه، كمن قدّم طعاماً إلى غيره ويعلمُ أنّه لا يأكلُ (٢) إلاّ إذا فعل معه نوعاً من التأدّب لا مشقّةَ فيه ولا غضاضةَ، فلو لم يفعله لم يكن مريداً لأكله.

لا يقال: الفعل بدون اللطف إن كان ممكناً لم يتوقّف على اللّطف، وإلاّ صار من جملة التّمكين، كالقدرة، ولأنّ وجه الوجوب غير كافٍ فيه ما لم ينتف عنه وجوه (٣) القبح، فلم لا يجوزُ اشتمال اللّطف على وجه قبح، ولأنّ اللطف إن اقتضى رجحاناً مانعاً من النّقيض كان إلجاءً. وإن كان غير مانع لم

____________________

(١) ج: فعل المعصية.

(٢) ج: لا يأكله.

(٣) ج: وجوب القبح.

١٧٤

يكف في وجود الفعل، وإن لم يقتض رجحاناً البتة انتفت فائدته.

لأنّا نقول: الفعل يتوقّفُ على الدّاعي. واللّطفُ أمّا الدّاعي أو سببه أو مقوّيه، فيتوقّف عليه الفعل وليس تمكيناً. ووجوه القبح محصورة مضبوطة، لأنّا مكلّفون باجتنابها، وهي منفيّةٌ عن اللطف، واقتضاء الرّجحان المانع من النّقيض لا يستلزم الإلجاء، كالدّاعي الّذي يجب الفعل عنده، وإن كان غيرَ مانع كفى مع الدّاعي والقدرة.

واللطف إن كان من فعله - تعالى - وجب عليه فعله، وإن كان من فعل المكلّف وجب عليه - تعالى - أن يُعرّفه إيّاه ويُوجبه عليه، وإن كان من فعل غيرهما لم يجز أن يكلّفه فعلاً متوقّفاً على ذلك اللّطف إلاّ إذا علم أنّ ذلك يفعله قطعاً.

١٧٥

المطلب السّابع

في الآلام والأعواض

الألمُ منه قبيحٌ، وهو صادرٌ عنّا والعوض فيه علينا، ومنه حَسنٌ، فإن كان من فعلنا، مباحاً أو مندوباً أو واجباً فالعوض عليه تعالى، وإن كان من فعله - تعالى - فإمّا على وجه الاستحقاق بالعقاب، (١) وإمّا على جهة الابتداء.

واختلفَ فيه، فنفاه البكريّة، وقالت الأشاعرة لا عوضَ عليه - تعالى - في ما يفعله من الألم ولا في ما يأمر به. وقالت التّناسخيّة، إنّه - تعالى - يؤلمُ على وجه العقوبة لا غير. وعند العدليّة أنّه - تعالى - يؤلم ابتداءً بشرط اشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه، وهو اللّطف إمّا للمؤلم أو لغيره. وأن يكونَ في مقابلته عوضٌ للمؤلم يزيد عليه أضعافاً كثيرةً بحيثُ يختارُ المتألمُ العوضَ والألم؛ لأن عراءه عن العوض ظلمٌ وعن اللّطف عبثٌ.

والعوضُ، هو النّفعُ المستحقُّ الخالي من تعظيم وإجلال، فالمستحقّ علينا مساوٍ للألم، والمستحقّ عليه - تعالى - بفعله أو إباحته أو أمره أو تمكينه لغير العاقل زائدٌ عليه. واختلف أهل العدل في الأخير، فقال بعضهم بما

____________________

(١) ب، ج: كالعقاب.

١٧٦

تقدّم، وآخرون بأنّ العوضَ على الحيوان. والباقون قالوا: لا عوضَ هنا.

لنا، أنّه - تعالى - مكّنه وجعل فيه ميلاً شديداً إلى الإيلام ولم يخلق له عقلاً يزجره عن القبيح مع إمكانه.

احتجّ الخصمُ بقوله (عليه السلام): ((يُنتصفُ للجمّاء من القرناء)) (١) وإنّما يكون بأخذ العوض من الجاني وبقوله (عليه السلام): ((جُرحُ العجماء جبارٌ)) (٢) والانتصاف بأخذ العوض إمّا من الجاني أو غيره، وصحّ أن يكونَ جباراً لانتفاء القصاص فيه.

والعوض واجبٌ، خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لزم الظلمُ، واختلف الشّيوخُ، فقال أبو هاشم والبلخيّ: يجوزُ أن يُمكّن الله - تعالى - من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله.

ثمّ قال البلخيّ: يجوز أن يخرج من الدّنيا ولا عوضَ له، ويتفضّل الله - تعالى - عليه بالعوض، فيدفعه إلى المظلوم. ومنعه أبو هاشم وأوجب التّبقيةَ إلى أن يستحقّ عوضاً موازياً، لأنّ الانتصافَ واجبٌ والتّفضّل ليس بواجب، فلا يُعلّقُ عليه الواجبَ. قال المرتضى: التّبقيةُ أيضاً ليست واجبةً، فلا يعلّق عليها الانتصافَ الواجب. بل، يجب أن يكون له في حال ظلمه عوضاً موازياً.

____________________

(١) الاقتصاد: ٩١؛ كشف المراد: ٤٥٥.

(٢) الموطأ: ٢/٨٦٩؛ بحار الأنوار: ٨٧/٢٦٧.

١٧٧

المطلب الثّامن

في الآجال والأرزاق والأسعار

ألف - الأجل، هو الوقتُ الّذي يحدث فيه الشّيء. ويعنى بالوقت، الحادثُ الّذي جعل علماً لحدوث غيره. كما يقال: قدم زيدٌ عندَ طلوع الشّمس. وأجلُ الحياة هو الوقت الّذي يحدث فيه، وأجل الموت كذلك. فأيّ ميّتٍ مات على اختلاف أسباب الموت، فإنّ موته في أجله.

واختلف في المقتول لو لم يقتل فقيل: يعيشُ قطعاً، لأنّه لو مات قطعاً لكان ذابحُ غنم غيره محسناً إليه. وقيل: يموتُ قطعاً، وإلاّ لزم انقلابُ علمه - تعالى - جهلاً لو عاش.

والملازمةُ الأولى ممنوعةٌ، لأنّه فوّته العوضَ على الله تعالى. وهو أزيدُ من العوض عليه. (١)

والثّانيةُ أيضاً، لجواز تعلّق علم الموت بالقتل والحياة لولاه.

وأمّا الرّزقُ، فعند العدليّة ما صحّ الانتفاع به ولم يكن لأحد منعه منه،

____________________

(١) قال المصنّف في كشف المراد: ٣٤٠: إذ لو ماتت الغنم استحق مالكها عوضاً زائداً على الله فقال، فبذبحه فوت عليه الاعواض الزائدة.

١٧٨

لقوله تعالى: ( وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقْنَاكُم ) (١) والله - تعالى - لا يأمرُ بالحرام.

وعند الأشاعرة، الرّزق ما أكل وإن كان حراماً. ويجوز طلبُه إجماعاً. ولقوله تعالى: ( فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللّهِ ) (٢) .

وأمّا السّعرُ، فهو تقدير البدل فيما يُباع به الأشياء. ولا يقال: هو البدل؛ لأنّ البدل هو الثّمن أو المثمنُ. وليس أحدهما سِعراً. وهو إمّا رخصٌ، وهو السّعرُ المنحطّ عمّا جرت به العادة، والوقت والمكان واحدٌ. وإمّا غلاءٌ، وهو ما يقابله، وكلّ منهما إمّا من الله تعالى أو من العباد.

____________________

(١) المنافقون: ٦٣/١٠.

(٢) الجمعة: ٦٢/١٠.

١٧٩

١٨٠

المرصد السابع

في النبوة

وفيه مطالب

١٨١

١٨٢

مقدمة (1)

[من هو النّبيّ]

النّبيّ هو الإنسانُ المخبرُ عن الله - تعالى - بغير واسطة أحدٍ من البشر، فخرجت الملائكة والمُخبرُ عن غير الله تعالى، والعالِمُ. (2) ولابُدّ من اختصاصه بظهور المعجزة على يده تدلّ على صدقه. والمعجزة (3) ما خرق العادةَ، من ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع مطابقته للدّعوى ويعدده (4) في جنسه وصفته.

____________________

(1) ج: المطلب الأوّل.

(2) ج: من العالم.

(3) إلف: المعجز.

(4) ب: يعده، ج: تعذُره.

١٨٣

المطلب الأوّل (1)

في إمكان البعثة

اتّفق العقلاء عليه، إلاّ البراهمةَ والصّابئةَ، لأنّ فيها مصلحةً للعالَم، ولا مفسدةَ فيها، وما كان كذلك فهو واقعٌ، فيكونُ ممكناً.

احتجّوا بأنّ الرّسول(عليه السلام) إنّما جاء بما يوافقُ العقل، فلا حاجة إليه، لانتفاء الفائدة وإلاّ كان (2) مردوداً.

والجوابُ، الفائدةُ ظاهرةٌ في ما يوافق العقل، وهو تأكيدُ العقليّ بالنقليّ، وقطع عذر المكلّف، كما قال تعالى: ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى‏ اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ ) (3) ولأنّ العقل قد يعجز عن إدراك الحقّ فيحتاجُ إلى كاشف، كالصّفات المستفادة من السّمع، وكالقبائح المستندة إليه والمنافع المعلومة منه، كالصّنائع وغيرها. وما لا يوافقُ العقلَ لا يكون مردوداً إذا لم يقتض العقل نقيضَه.

____________________

(1) ج: المطلب الثاني.

(2) ب: لكان.

(3) النساء: 4/65.

١٨٤

المطلب الثّاني

في وجوب البعثة

اتّفقت العدليّة عليه، خلافاً للأشاعرة، لأنّ السّمعيّات واجبةٌ إجماعاً وهي ألطافٌ في العقليّات، للعلم الضّروريّ، بأنّ المواظبَ على فعل الواجبات السمعيّة (1) أقربُ إلى فعل الواجبات العقليّة؛ وقد نبّه الله - تعالى - عليه في قوله تعالى: ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) (2) . واللّطف واجبٌ، ولا يمكن معرفةُ السّمعيات إلاّ بالبعثة؛ ولأنّ العلم بالعقاب ودوامه، ودوام الثّواب ألطافٌ في التّكليف قطعاً، واللّطفُ واجبٌ ولا يمكن معرفة ذلك إلاّ بالسّمع.

وللأوائل في هذا الباب طريق آخر، وهو أنّ الإنسانَ مدنيّ بالطبع، لافتقاره في انتظام أحواله إلى معاون ومشارك بحيثُ يفرغُ كلٌّ منهم لبعض مصالح الآخر، فيحصل من المجموع لكلّ واحد ما يحتاج إليه في أُمور معاشه. ولا شكّ في أنّ الاجتماع مظنّة التّنازع والتغالب، فلا يستمر (3) فائدته إلاّ بسُنّةٍ وعدل ينتظمُ باعتبار استعمالهما (4) أحوال النّوع. وتلك السّنّة

____________________

(1) ج: على تعليم الواجبات الشرعية.

(2) العنكبوت: 29/45.

(3) ب: فلا تتمُّ.

(4) ألف: استعمالها.

١٨٥

والعدل لابُدّ لها من ناصب متميّز عن بني النّوع لعدم الأولويّة في الواضع وكان يفضي إلى ما يقربُ منه. وذلك الامتياز، إنماّ هو بفعل لا يتمكن غيره من الإِتيان بمثله، وهو المعجزةُ.

ثمّ إنّ كثيراً من النّاس من يستحقرُ اختلالُ (1) حال النّوع بوصول ما يحتاج إليه بحسب الشّخص، فيحتاج إلى تخويف ووعد بوصول ثواب وعقاب إليه أُخرويّين عندَ المخالفة أو الموافقة.

ولمّا كان الإنسانُ في معرض النّسيان احتاج في تذكار ذلك إلى تكرير ذكر الرّب - تعالى - ووعده ووعيده. وذلك باستعمال التكاليف الشّرعيّة، فوجب في حكمته - تعالى - بعثٌ رسول منذر (2) بثوابٍ وعقابٍ، شارع للتكاليف السّمعيّة المتكرّرة، بحسبِ مقتضى الحكمة الإلهيّة.

____________________

(1) ب، ج: اختلاف.

(2) ب: - رسول منذر.

١٨٦

المطلب الثّالث

في وجوب العصمة

ذهب الإماميّةُ خاصّةً إلى وجوب عصمة النّبيّ عن فعل قبيح أو إخلال بواجب، خلافاً لجميع الفرق؛ فإنّ جمهورَ الأشاعرة والحشويّة جوّزوا جميعَ المعاصي عليهم إلاّ الكفرَ والكذبَ في الأداء. وقال بعضُ المعتزلة إنّما يجوز عليهم الصّغائر سهواً، وبعضهم عمداً على سبيل التّأويل، وبعضهم على سبيل القصد إلاّ أنّها تقعُ مكفّرةً.

لنا : أنّ انتفاء العصمة يستلزم نقضُ الغرض بالبعثة، وهو القبول منهم والامتثال لأوامرهم ونواهيهم، فإنّه لو جوّز المكلّفُ المعصيةَ عنهم جوّز كونَ ما أمروا به معصيةً، ولأنّه يجوزُ أن يؤدّي بعض ما أُمِر بأدائه وأن يؤدّي غير ما أمر به، فينتفي فائدةُ البعثة، ولأنّه إذا فعل المعصيةَ وجب الإنكار عليه، فيسقط محلّهُ من القلوب. ولأنّا لو جوّزنا المعصيةَ عليه لم يجب علينا امتثالُ قوله إلاّ بعدَ العلم بصدقه، ويلزمُ الدّور.

ويجب أن يكونَ معصوماً من السّهو في ما يؤدّيه، خلافاً لجميع الفرق، وإلاّ لزم نقضُ غرض البعثة، وأن يكونَ مُنزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات، وإلاّ لزم التّنفير عنه وسقوط محلّه من القلب. (1)

____________________

(1) ج: القلوب.

١٨٧

المطلب الرّابع

في نبوّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

لأنّه ادّعى النّبوّةَ وظهرت المعجزةُ على يده، فيكون صادقاً.

والأُولى ضروريّةٌ.

وأمّا الثّانيةُ، فلأنّه ظهر على يده القرآن، وهو معجزٌ، لأنّه تحدّى به فصحاء العرب وعجزوا عن الإتيان بمثله، لأنّه سألهم المعارضةَ بمثله أو الحربَ، فاختاروا الحربَ؛ ومعلومٌ أنّه لو تمكّنوا من المعارضة لم يلجأوا إلى أشقّ الأمرين. ولأنّه ظهر على يده معجزاتٌ كثيرةٌ، كانشقاق القمر، ونبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وغير ذلك. وإن لم يكن كلّ واحدٍ منها متواتراً، فإنّها متواترةُ المعنى.

وأمّا الثّالثةُ فضروريّةٌ، فإنّ من ادّعى رسالةَ ملك وقال بحضور جمع عظيم، أيّها الملك إن كنتُ صادقاً فخالف عادتك، ففعل الملك ذلك مرّةً بعدَ أُخرى جزم الحاضرون بصدقه.

احتجّت اليهود: بأنّ النّسخَ باطلٌ، وإلاّ لزم الأمر بالقبيح أو النّهيُ عن الحَسن؛ ولأنّ موسى (عليه السلام) إن بيّن دوامَ شرعه بطل النّسخُ لصدقه، وإن بيّن

١٨٨

انقطاعَه وجب تواتره، لتواتر (1) أصل شرعه، وإن لم يبيّن شيئاً اقتضى الفعل مرّةً. ولقوله (عليه السلام): ((تمسّكوا بالسّبتِ أبداً)) (2) .

والجوابُ: (أنّ الحسن والقبيح يختلفُ باختلاف المصالح والمفاسد المختلفة باختلاف الأزمان، وتواترَ اليهود انقطع، والتأبيدَ لا يدلّ (3) على الدّوام، لقوله في التّوراة: لنوح(عليه السلام) عند خروجه من الفلك: ((إنّي جعلتُ كلّ دابّة حيّة مأكَلاً لك ولذرّيّتك وأطلقتُ ذلك لكم كنبات العشب أبداً ما خلا الدّم فلا تأكلوه)) (4) ، ثمّ حرّم على لسان موسى (عليه السلام) كثيراً من الحيوانات.

وفي التّوراة: ((قرّبوا إليّ كلَّ يوم خروفين، خروف غدوةً وخروف عشيّةً بين المغارب قرباناً دائماً لاحقاً بكم)) (5) . ثمّ انقطع ذلك الدّوام.

وقال: (يستخدمُ العبدُ سِتّ سنين، ثمّ يُعرضُ عليه العتقُ، فإن لم يقبل ثُقِبَ أُذنه واستُخدِمَ أبداً). (6)

وفي موضع آخر: (يُستخدمُ خمسين سنةً، ثمّ يعتقُ في تلك السّنة). (7) وهي كثيرةٌ.

____________________

(1) ج: كتواتر.

(2) مبادئ الوصول: 178، نقلاً عن سفر الخروج: 144، فصل 31، طبع بيروت - 1937م.

(3) ج: لابُدّ.

(4) التوراة، السفر الأوّل.

(5) التوراة، السفر الثاني؛ كشف المراد: 487.

(6) شرح التجريد للشعراني: 504؛ مبادئ الوصول: 179.

(7) شرح التجريد للشعراني: 504؛ مبادئ الوصول: 179.

١٨٩

المطلب الخامس

في وجه إعجاز القرآن

ذهب الجبّائيّان إلى أنّه الفصاحةُ. وقال البلخيّ: إنّ جنسَ القرآن غيرُ مقدور للبشر. وقال الجوينيّ (1) : إنّه الفصاحةُ والأسلوبُ. وذهب المرتضى والنظّامُ (2) إلى أنّ الله - تعالى - صرف العربَ ومنعهم عن المعارضة مع تمكّنهم؛ لأنّ العربَ كانوا (3) متمكّنين من المفردات والتّركيب، فكانوا قادرين على الجميع.

واحتجّ الأوّلون بأنّ الإعجاز لو كان للصّرفة لوجب أن يكونَ في غاية الرّكاكة، والقدرةُ على مطلق التّأليف مُسلّمٌ، أمّا على تأليف القرآن فإنهّ ممنوعٌ، والملازمةُ ممنوعةٌ.

____________________

(1) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله المعروف بإمام الحرمين والجويني، توفّي سنة 478هـ. قاله في كتابه البرهان في أُصول الفقه: 1/98.

(2) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام المعتزلي، توفّي سنة 231هـ الأعلام: 1/43.

(3) ب: كافّة.

١٩٠

المطلب السّادس

في تحقيق العصمة

من النّاس من سلب القدرةَ على المعاصي عن المعصوم، إمّا مع مساواة الغير في الخواصّ البدنيّة، لكن العصمة هي القدرةُ على الطاعة، أو عدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسن الأشعريّ أو مع اختصاصه في نفسه أو بدنه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي، كما ذهب إليه بعضهم. ومنهم من أثبت القدرةَ وفسّر العصمةَ بأنها أمرٌ يفعله - تعالى - بالعبد بحيثُ لا يُقدِمُ معه على المعصية بشرط أن لا ينتهي إلى الإلجاء، وإلاّ لما استحقّ المدحَ ولبطل التّكليفُ؛ ولقوله تعالى: ( إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (1) .

وأسبابُ العصمة عندهم أمورٌ أربعةٌ: حصول خاصيّة لنفسه أو بدنه تقتضي ملكةً مانعةً من الفجور، وحصول العلم بالمدح على الطاعة والذّمّ على المعصية؛ وتأكيدُ تلك العلوم بترادفِ الوحي وترك إهمال معاتبته عند ترك الأولى. وفي اشتراطِ ترادفِ الوحي نظرٌ؛ فإنّ الأئمّة ومريم وفاطمة (عليهم السلام) معصومون من غير وحي، والتّحقيق أنّ الله - تعالى - يفعل به لطفاً ينتفي معه داعي المعصية مع قدرته عليها.

____________________

(1) المؤمنون: 23/33.

١٩١

المطلب السّابع

في وقت العصمة

اتّفقت الإماميّة على عصمتهم قبل النّبوة وبعدها عن الصّغائر والكبائر عمداً وسهواً، وإلاّ لزم نقضُ الغرض من الانقياد إليهم والتّعظيم لهم لسقوط محلّ من كان عاصياً، وجوّزت الفضليّةُ (1) من الخوارج بعثةَ من يعلم الله - تعالى - منه أنّه يكفرُ. وابن فورك (2) جوّز بعثةَ من كان كافراً، ولم يقع. وبعض الحشوية زعم أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) (أنّه) كان كافراً قبل البعثة، لقوله تعالى: ( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى‏ ) (3) ، وأطبق المحققون على بطلانه.

وأكثر الأشاعرة جوّزوا الكبيرةَ على الأنبياء قبل البعثة، لقصّة إخوة يوسفَ. ومنع الباقون من نبوّتهم. واتفق من عدا الإماميّة على جواز الصّغائر منهم قبل البعثة، لكنّ النّظّام والأصمّ جوّزه على سبيل السّهو.

____________________

(1) ب: الفضيليّة.

(2) هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الاصبهاني الشافعي، درس ببغداد والبصرة، توفّي سنة 406هـ. الأعلام للزركلي: 6/83.

(3) الضّحى: 93/7.

١٩٢

المطلب الثّامن

في الكرامات

اتّفقت الأشاعرةُ على جوازها، وهو الحقّ عندي؛ لقصّة مريمَ وآصفَ وما نقل متواتراً عن الأئمّة (عليهم السلام) من المعجزات. ومنع منه المعتزلة، لامتناع (1) الاستدلال به على النّبوّة. والجوابُ: أنّه يتميّز عن المعجزة بالتّحدّي.

____________________

(1) ب: لجواز امتناع.

١٩٣

المطلب التّاسعُ

في أنّ الأنبياء أفضلُ من الملائكة

اتّفقت الأشاعرة عليه إلاّ القاضي، لقوله تعالى: ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (1) وهو يتناول الملائكة؛ ولاشتغالهم بالعبادة مع جواذب الشّهوة والغضب والموانع الخارجيّة، فتكون عبادتهم أشقّ، وقال (عليه السلام): ((أفضلُ الأعمال أحمزُها)) (2) وقالت المعتزلة والفلاسفة: الملائكةَ أفضلُ، لقوله تعالى: ( مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ ) (3) ، وقوله: ( لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ‏ِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرّبُونَ ) (4) ، ( مَا هذَا بَشَراً إِنْ هذَا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (5) ، ولأنّ الملائكةَ جواهرُ مجرّدةٌ، فتكونُ أشرفَ من البشر.

____________________

(1) آل عمران: 3/33.

(2) بحار الأنوار: 67/191 و237، وج79/229.

(3)الأعراف: 7/20.

(4) النساء: 4/172.

(5) يوسف: 12/31.

١٩٤

والجوابُ: أنّ الآية تدلّ على تفضيل الملك على آدم وقت مخاطبته إبليسَ، لا بعدَ الاجتباء، أو أنّ القصد إلاّ أن تكونا ملكين لا يأكلان الطعام ونفيُ الاستنكاف عن الملائكة لا يدلّ على تفضيلهم على المسيح، بل إنّما ذكرهم بعد المسيح الّذي (1) قالت النّصارى إنّه ابنُ الله، كقول المشركين إنّهم بناتُ الرّحمن. وتخيّلُ النّساء أنّ جمال الملك أكثرُ من جمال البشر لا يدلّ على تفضيل الملك عليه.

____________________

(1) ج: نفياً للّذي.

١٩٥

١٩٦

المرصد الثّامن

في الإمامة

وفيه مطالب

١٩٧

١٩٨

[المطلب] الأوّل

في وجوبها

الإمامة رياسة عامّة في أُمور الدّين والدّنيا لشخص من الأشخاص. واختُلفَ في وجوبها. فمنع منه الأصمّ والفوطيّ، وذهب الباقون إلى وجوبها. فعند الإماميّة وأبي الحسين البصريّ والبغداديّين أنّ طريقَ وجوبها، العقل؛ لكن الإماميّة أوجبوها على الله - تعالى -، لكونها لطفاً بالضّرورة، فإنّ النّاس متى كان لهم رئيسٌ ينتصفُ للمظلوم ويردَعُ الظالم، كانوا من الصّلاح أقربَ وعن الفساد أبعدَ؛ واللّطفُ واجبٌ، لما تقدّم.

لا يُقال: يجوزُ أن تكونَ الإمامةُ لطفاً يقومُ غيرُها مقامَها فلا يجبُ عيناً، فإنّ من اللّطف ما لا يقومُ غيره مقامَه، كالعلم باستحقاق الثّواب والعقاب، ومنه ما يقوم غيره، كالتّكاليف السّمعيّة، وإلاّ لم يخل مكلّفٌ من التّكليف السّمعيّ. سلّمنا، لكن يجوز اشتمالها على وجه قبح. ولا يكفي في الوجوب ثبوت وجهه (1) ما لم ينتف عنه وجوه المفاسد.

لأنّا نقول: اتّفاقُ العقلاء في كلّ مكان وزمان على نصب الرّؤساء دليل

____________________

(1) ج: وجه.

١٩٩

على انتفاء غيرها من الألطاف، ووجوه القبح محصورة. وهي منفيّةٌ هنا.

وقال أبو الحسين والبغداديون: إنّها واجبةٌ على العقلاء. وهو خطأٌ، لما فيه من التّنازع المؤدّي إلى الفساد. وذهب الجُبّائيّان والأشاعرة إلى أنّها واجبةٌ سمعاً.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257