تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس23%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84669 / تحميل: 6263
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

المرصد السابع

في النبوة

وفيه مطالب

١٨١

١٨٢

مقدمة (١)

[من هو النّبيّ]

النّبيّ هو الإنسانُ المخبرُ عن الله - تعالى - بغير واسطة أحدٍ من البشر، فخرجت الملائكة والمُخبرُ عن غير الله تعالى، والعالِمُ. (٢) ولابُدّ من اختصاصه بظهور المعجزة على يده تدلّ على صدقه. والمعجزة (٣) ما خرق العادةَ، من ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع مطابقته للدّعوى ويعدده (٤) في جنسه وصفته.

____________________

(١) ج: المطلب الأوّل.

(٢) ج: من العالم.

(٣) إلف: المعجز.

(٤) ب: يعده، ج: تعذُره.

١٨٣

المطلب الأوّل (١)

في إمكان البعثة

اتّفق العقلاء عليه، إلاّ البراهمةَ والصّابئةَ، لأنّ فيها مصلحةً للعالَم، ولا مفسدةَ فيها، وما كان كذلك فهو واقعٌ، فيكونُ ممكناً.

احتجّوا بأنّ الرّسول(عليه السلام) إنّما جاء بما يوافقُ العقل، فلا حاجة إليه، لانتفاء الفائدة وإلاّ كان (٢) مردوداً.

والجوابُ، الفائدةُ ظاهرةٌ في ما يوافق العقل، وهو تأكيدُ العقليّ بالنقليّ، وقطع عذر المكلّف، كما قال تعالى: ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى‏ اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ ) (٣) ولأنّ العقل قد يعجز عن إدراك الحقّ فيحتاجُ إلى كاشف، كالصّفات المستفادة من السّمع، وكالقبائح المستندة إليه والمنافع المعلومة منه، كالصّنائع وغيرها. وما لا يوافقُ العقلَ لا يكون مردوداً إذا لم يقتض العقل نقيضَه.

____________________

(١) ج: المطلب الثاني.

(٢) ب: لكان.

(٣) النساء: ٤/٦٥.

١٨٤

المطلب الثّاني

في وجوب البعثة

اتّفقت العدليّة عليه، خلافاً للأشاعرة، لأنّ السّمعيّات واجبةٌ إجماعاً وهي ألطافٌ في العقليّات، للعلم الضّروريّ، بأنّ المواظبَ على فعل الواجبات السمعيّة (١) أقربُ إلى فعل الواجبات العقليّة؛ وقد نبّه الله - تعالى - عليه في قوله تعالى: ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) (٢) . واللّطف واجبٌ، ولا يمكن معرفةُ السّمعيات إلاّ بالبعثة؛ ولأنّ العلم بالعقاب ودوامه، ودوام الثّواب ألطافٌ في التّكليف قطعاً، واللّطفُ واجبٌ ولا يمكن معرفة ذلك إلاّ بالسّمع.

وللأوائل في هذا الباب طريق آخر، وهو أنّ الإنسانَ مدنيّ بالطبع، لافتقاره في انتظام أحواله إلى معاون ومشارك بحيثُ يفرغُ كلٌّ منهم لبعض مصالح الآخر، فيحصل من المجموع لكلّ واحد ما يحتاج إليه في أُمور معاشه. ولا شكّ في أنّ الاجتماع مظنّة التّنازع والتغالب، فلا يستمر (٣) فائدته إلاّ بسُنّةٍ وعدل ينتظمُ باعتبار استعمالهما (٤) أحوال النّوع. وتلك السّنّة

____________________

(١) ج: على تعليم الواجبات الشرعية.

(٢) العنكبوت: ٢٩/٤٥.

(٣) ب: فلا تتمُّ.

(٤) ألف: استعمالها.

١٨٥

والعدل لابُدّ لها من ناصب متميّز عن بني النّوع لعدم الأولويّة في الواضع وكان يفضي إلى ما يقربُ منه. وذلك الامتياز، إنماّ هو بفعل لا يتمكن غيره من الإِتيان بمثله، وهو المعجزةُ.

ثمّ إنّ كثيراً من النّاس من يستحقرُ اختلالُ (١) حال النّوع بوصول ما يحتاج إليه بحسب الشّخص، فيحتاج إلى تخويف ووعد بوصول ثواب وعقاب إليه أُخرويّين عندَ المخالفة أو الموافقة.

ولمّا كان الإنسانُ في معرض النّسيان احتاج في تذكار ذلك إلى تكرير ذكر الرّب - تعالى - ووعده ووعيده. وذلك باستعمال التكاليف الشّرعيّة، فوجب في حكمته - تعالى - بعثٌ رسول منذر (٢) بثوابٍ وعقابٍ، شارع للتكاليف السّمعيّة المتكرّرة، بحسبِ مقتضى الحكمة الإلهيّة.

____________________

(١) ب، ج: اختلاف.

(٢) ب: - رسول منذر.

١٨٦

المطلب الثّالث

في وجوب العصمة

ذهب الإماميّةُ خاصّةً إلى وجوب عصمة النّبيّ عن فعل قبيح أو إخلال بواجب، خلافاً لجميع الفرق؛ فإنّ جمهورَ الأشاعرة والحشويّة جوّزوا جميعَ المعاصي عليهم إلاّ الكفرَ والكذبَ في الأداء. وقال بعضُ المعتزلة إنّما يجوز عليهم الصّغائر سهواً، وبعضهم عمداً على سبيل التّأويل، وبعضهم على سبيل القصد إلاّ أنّها تقعُ مكفّرةً.

لنا : أنّ انتفاء العصمة يستلزم نقضُ الغرض بالبعثة، وهو القبول منهم والامتثال لأوامرهم ونواهيهم، فإنّه لو جوّز المكلّفُ المعصيةَ عنهم جوّز كونَ ما أمروا به معصيةً، ولأنّه يجوزُ أن يؤدّي بعض ما أُمِر بأدائه وأن يؤدّي غير ما أمر به، فينتفي فائدةُ البعثة، ولأنّه إذا فعل المعصيةَ وجب الإنكار عليه، فيسقط محلّهُ من القلوب. ولأنّا لو جوّزنا المعصيةَ عليه لم يجب علينا امتثالُ قوله إلاّ بعدَ العلم بصدقه، ويلزمُ الدّور.

ويجب أن يكونَ معصوماً من السّهو في ما يؤدّيه، خلافاً لجميع الفرق، وإلاّ لزم نقضُ غرض البعثة، وأن يكونَ مُنزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات، وإلاّ لزم التّنفير عنه وسقوط محلّه من القلب. (١)

____________________

(١) ج: القلوب.

١٨٧

المطلب الرّابع

في نبوّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

لأنّه ادّعى النّبوّةَ وظهرت المعجزةُ على يده، فيكون صادقاً.

والأُولى ضروريّةٌ.

وأمّا الثّانيةُ، فلأنّه ظهر على يده القرآن، وهو معجزٌ، لأنّه تحدّى به فصحاء العرب وعجزوا عن الإتيان بمثله، لأنّه سألهم المعارضةَ بمثله أو الحربَ، فاختاروا الحربَ؛ ومعلومٌ أنّه لو تمكّنوا من المعارضة لم يلجأوا إلى أشقّ الأمرين. ولأنّه ظهر على يده معجزاتٌ كثيرةٌ، كانشقاق القمر، ونبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وغير ذلك. وإن لم يكن كلّ واحدٍ منها متواتراً، فإنّها متواترةُ المعنى.

وأمّا الثّالثةُ فضروريّةٌ، فإنّ من ادّعى رسالةَ ملك وقال بحضور جمع عظيم، أيّها الملك إن كنتُ صادقاً فخالف عادتك، ففعل الملك ذلك مرّةً بعدَ أُخرى جزم الحاضرون بصدقه.

احتجّت اليهود: بأنّ النّسخَ باطلٌ، وإلاّ لزم الأمر بالقبيح أو النّهيُ عن الحَسن؛ ولأنّ موسى (عليه السلام) إن بيّن دوامَ شرعه بطل النّسخُ لصدقه، وإن بيّن

١٨٨

انقطاعَه وجب تواتره، لتواتر (١) أصل شرعه، وإن لم يبيّن شيئاً اقتضى الفعل مرّةً. ولقوله (عليه السلام): ((تمسّكوا بالسّبتِ أبداً)) (٢) .

والجوابُ: (أنّ الحسن والقبيح يختلفُ باختلاف المصالح والمفاسد المختلفة باختلاف الأزمان، وتواترَ اليهود انقطع، والتأبيدَ لا يدلّ (٣) على الدّوام، لقوله في التّوراة: لنوح(عليه السلام) عند خروجه من الفلك: ((إنّي جعلتُ كلّ دابّة حيّة مأكَلاً لك ولذرّيّتك وأطلقتُ ذلك لكم كنبات العشب أبداً ما خلا الدّم فلا تأكلوه)) (٤) ، ثمّ حرّم على لسان موسى (عليه السلام) كثيراً من الحيوانات.

وفي التّوراة: ((قرّبوا إليّ كلَّ يوم خروفين، خروف غدوةً وخروف عشيّةً بين المغارب قرباناً دائماً لاحقاً بكم)) (٥) . ثمّ انقطع ذلك الدّوام.

وقال: (يستخدمُ العبدُ سِتّ سنين، ثمّ يُعرضُ عليه العتقُ، فإن لم يقبل ثُقِبَ أُذنه واستُخدِمَ أبداً). (٦)

وفي موضع آخر: (يُستخدمُ خمسين سنةً، ثمّ يعتقُ في تلك السّنة). (٧) وهي كثيرةٌ.

____________________

(١) ج: كتواتر.

(٢) مبادئ الوصول: ١٧٨، نقلاً عن سفر الخروج: ١٤٤، فصل ٣١، طبع بيروت - ١٩٣٧م.

(٣) ج: لابُدّ.

(٤) التوراة، السفر الأوّل.

(٥) التوراة، السفر الثاني؛ كشف المراد: ٤٨٧.

(٦) شرح التجريد للشعراني: ٥٠٤؛ مبادئ الوصول: ١٧٩.

(٧) شرح التجريد للشعراني: ٥٠٤؛ مبادئ الوصول: ١٧٩.

١٨٩

المطلب الخامس

في وجه إعجاز القرآن

ذهب الجبّائيّان إلى أنّه الفصاحةُ. وقال البلخيّ: إنّ جنسَ القرآن غيرُ مقدور للبشر. وقال الجوينيّ (١) : إنّه الفصاحةُ والأسلوبُ. وذهب المرتضى والنظّامُ (٢) إلى أنّ الله - تعالى - صرف العربَ ومنعهم عن المعارضة مع تمكّنهم؛ لأنّ العربَ كانوا (٣) متمكّنين من المفردات والتّركيب، فكانوا قادرين على الجميع.

واحتجّ الأوّلون بأنّ الإعجاز لو كان للصّرفة لوجب أن يكونَ في غاية الرّكاكة، والقدرةُ على مطلق التّأليف مُسلّمٌ، أمّا على تأليف القرآن فإنهّ ممنوعٌ، والملازمةُ ممنوعةٌ.

____________________

(١) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله المعروف بإمام الحرمين والجويني، توفّي سنة ٤٧٨هـ. قاله في كتابه البرهان في أُصول الفقه: ١/٩٨.

(٢) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام المعتزلي، توفّي سنة ٢٣١هـ الأعلام: ١/٤٣.

(٣) ب: كافّة.

١٩٠

المطلب السّادس

في تحقيق العصمة

من النّاس من سلب القدرةَ على المعاصي عن المعصوم، إمّا مع مساواة الغير في الخواصّ البدنيّة، لكن العصمة هي القدرةُ على الطاعة، أو عدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسن الأشعريّ أو مع اختصاصه في نفسه أو بدنه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي، كما ذهب إليه بعضهم. ومنهم من أثبت القدرةَ وفسّر العصمةَ بأنها أمرٌ يفعله - تعالى - بالعبد بحيثُ لا يُقدِمُ معه على المعصية بشرط أن لا ينتهي إلى الإلجاء، وإلاّ لما استحقّ المدحَ ولبطل التّكليفُ؛ ولقوله تعالى: ( إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (١) .

وأسبابُ العصمة عندهم أمورٌ أربعةٌ: حصول خاصيّة لنفسه أو بدنه تقتضي ملكةً مانعةً من الفجور، وحصول العلم بالمدح على الطاعة والذّمّ على المعصية؛ وتأكيدُ تلك العلوم بترادفِ الوحي وترك إهمال معاتبته عند ترك الأولى. وفي اشتراطِ ترادفِ الوحي نظرٌ؛ فإنّ الأئمّة ومريم وفاطمة (عليهم السلام) معصومون من غير وحي، والتّحقيق أنّ الله - تعالى - يفعل به لطفاً ينتفي معه داعي المعصية مع قدرته عليها.

____________________

(١) المؤمنون: ٢٣/٣٣.

١٩١

المطلب السّابع

في وقت العصمة

اتّفقت الإماميّة على عصمتهم قبل النّبوة وبعدها عن الصّغائر والكبائر عمداً وسهواً، وإلاّ لزم نقضُ الغرض من الانقياد إليهم والتّعظيم لهم لسقوط محلّ من كان عاصياً، وجوّزت الفضليّةُ (١) من الخوارج بعثةَ من يعلم الله - تعالى - منه أنّه يكفرُ. وابن فورك (٢) جوّز بعثةَ من كان كافراً، ولم يقع. وبعض الحشوية زعم أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) (أنّه) كان كافراً قبل البعثة، لقوله تعالى: ( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى‏ ) (٣) ، وأطبق المحققون على بطلانه.

وأكثر الأشاعرة جوّزوا الكبيرةَ على الأنبياء قبل البعثة، لقصّة إخوة يوسفَ. ومنع الباقون من نبوّتهم. واتفق من عدا الإماميّة على جواز الصّغائر منهم قبل البعثة، لكنّ النّظّام والأصمّ جوّزه على سبيل السّهو.

____________________

(١) ب: الفضيليّة.

(٢) هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الاصبهاني الشافعي، درس ببغداد والبصرة، توفّي سنة ٤٠٦هـ. الأعلام للزركلي: ٦/٨٣.

(٣) الضّحى: ٩٣/٧.

١٩٢

المطلب الثّامن

في الكرامات

اتّفقت الأشاعرةُ على جوازها، وهو الحقّ عندي؛ لقصّة مريمَ وآصفَ وما نقل متواتراً عن الأئمّة (عليهم السلام) من المعجزات. ومنع منه المعتزلة، لامتناع (١) الاستدلال به على النّبوّة. والجوابُ: أنّه يتميّز عن المعجزة بالتّحدّي.

____________________

(١) ب: لجواز امتناع.

١٩٣

المطلب التّاسعُ

في أنّ الأنبياء أفضلُ من الملائكة

اتّفقت الأشاعرة عليه إلاّ القاضي، لقوله تعالى: ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) وهو يتناول الملائكة؛ ولاشتغالهم بالعبادة مع جواذب الشّهوة والغضب والموانع الخارجيّة، فتكون عبادتهم أشقّ، وقال (عليه السلام): ((أفضلُ الأعمال أحمزُها)) (٢) وقالت المعتزلة والفلاسفة: الملائكةَ أفضلُ، لقوله تعالى: ( مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ ) (٣) ، وقوله: ( لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ‏ِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرّبُونَ ) (٤) ، ( مَا هذَا بَشَراً إِنْ هذَا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (٥) ، ولأنّ الملائكةَ جواهرُ مجرّدةٌ، فتكونُ أشرفَ من البشر.

____________________

(١) آل عمران: ٣/٣٣.

(٢) بحار الأنوار: ٦٧/١٩١ و٢٣٧، وج٧٩/٢٢٩.

(٣)الأعراف: ٧/٢٠.

(٤) النساء: ٤/١٧٢.

(٥) يوسف: ١٢/٣١.

١٩٤

والجوابُ: أنّ الآية تدلّ على تفضيل الملك على آدم وقت مخاطبته إبليسَ، لا بعدَ الاجتباء، أو أنّ القصد إلاّ أن تكونا ملكين لا يأكلان الطعام ونفيُ الاستنكاف عن الملائكة لا يدلّ على تفضيلهم على المسيح، بل إنّما ذكرهم بعد المسيح الّذي (١) قالت النّصارى إنّه ابنُ الله، كقول المشركين إنّهم بناتُ الرّحمن. وتخيّلُ النّساء أنّ جمال الملك أكثرُ من جمال البشر لا يدلّ على تفضيل الملك عليه.

____________________

(١) ج: نفياً للّذي.

١٩٥

١٩٦

المرصد الثّامن

في الإمامة

وفيه مطالب

١٩٧

١٩٨

[المطلب] الأوّل

في وجوبها

الإمامة رياسة عامّة في أُمور الدّين والدّنيا لشخص من الأشخاص. واختُلفَ في وجوبها. فمنع منه الأصمّ والفوطيّ، وذهب الباقون إلى وجوبها. فعند الإماميّة وأبي الحسين البصريّ والبغداديّين أنّ طريقَ وجوبها، العقل؛ لكن الإماميّة أوجبوها على الله - تعالى -، لكونها لطفاً بالضّرورة، فإنّ النّاس متى كان لهم رئيسٌ ينتصفُ للمظلوم ويردَعُ الظالم، كانوا من الصّلاح أقربَ وعن الفساد أبعدَ؛ واللّطفُ واجبٌ، لما تقدّم.

لا يُقال: يجوزُ أن تكونَ الإمامةُ لطفاً يقومُ غيرُها مقامَها فلا يجبُ عيناً، فإنّ من اللّطف ما لا يقومُ غيره مقامَه، كالعلم باستحقاق الثّواب والعقاب، ومنه ما يقوم غيره، كالتّكاليف السّمعيّة، وإلاّ لم يخل مكلّفٌ من التّكليف السّمعيّ. سلّمنا، لكن يجوز اشتمالها على وجه قبح. ولا يكفي في الوجوب ثبوت وجهه (١) ما لم ينتف عنه وجوه المفاسد.

لأنّا نقول: اتّفاقُ العقلاء في كلّ مكان وزمان على نصب الرّؤساء دليل

____________________

(١) ج: وجه.

١٩٩

على انتفاء غيرها من الألطاف، ووجوه القبح محصورة. وهي منفيّةٌ هنا.

وقال أبو الحسين والبغداديون: إنّها واجبةٌ على العقلاء. وهو خطأٌ، لما فيه من التّنازع المؤدّي إلى الفساد. وذهب الجُبّائيّان والأشاعرة إلى أنّها واجبةٌ سمعاً.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مناقب لا ترقى إليها عزائم

ولو حلقت فوق السماك(١) العزائم

حواها أبونا غير ما متردد

يفرعها النجم المحلق هاشم

وكم للأوالي(٢) منقبا بابن فاطم

علي به يشقى(٣) العدو المخاصم.

وأما أن أبا بكر رضوان الله عليه ما خلف طائلا مع كثرة الفتوح(٤) فإن أبا عثمان صغر هذا المعنى إذ الفتوح للمسلمين كافة وله بهم أسوة رضوان الله عليه فعلى قول أبي عثمان لا شكر له ولا مدح أيضا(٥) بإيصال أموال المسلمين إليهم. وأما أن عليا كان مخفقا يعال ولا يعول واستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل ومات ذا مال وأوقاف إن ذلك يوازي كل شيء ملكه أبو بكر(٦) فإن الذي يرد على ملقح الفتن في(٧) ذلك(٨) أن تكراره كون عليعليه‌السلام يعال إشارة إلى كون أمير المؤمنين في تربية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا(٩) وصمة في ذلك ولا مذلة ولو لم يكن أخاه وابن عمه العزيز عليه القريب إليه.

ولقد أحسن أمية بن أبي الصلت(١٠) مادح عبد الله بن

__________________

(١) السماك: والسماكان كوكبان نيران في السماء.

(٢) ن: للاولى. والاوالي جمع الاول.

(٣) ق: نسقي.

(٤) العثمانية: ٩٧.

(٥) لا توجد في: ج.

(٦) العثمانية: ٩٨.

(٧) ج: من.

(٨) لا توجد في: ن.

(٩) ج: ولا.

(١٠) امية بن عبد الله ابي الصلت بن ابي ربيعة شاعر جاهلي ادرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسلم يقال انه كان قد نظر في الكتب وقراها ولبس المسوح تعبدا والتمس الدين وطمع في النبوة لانه

٢٤١

جدعان(١) في قوله

عطاؤك زين لامرئ إن حبوته

يزين وما كل العطاء يزين

فما إن يشين باذلا حر وجهه

إليك كما بعض العطاء يشين(٢) .

ولقد سعد وتمجد من كان مغذوا بطعام الرسول وكنف أشرف بذول يجمع له بين الغذاءين غذاء الطعام المعتاد والحكمة الهادية إلى طريق الرشاد ود من ملك ما بين خافقي المغارب والمشارق أن يكون مغذوهما المتشرف بهما.

ويؤكد الجواب عن تعيير(٣) أمير المؤمنينعليه‌السلام بالإخفاق فنقول:

علا المجد فانخزلت(٤) دونه

نقائص لا ترتقي مجده

__________________

قرأ في الكتب ان نبيا يبعث من العرب فكان يرجو ان يكونه، فلما بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسده عدو الله فكان يحرض قريشا بعد وقعة بدر وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر.

انظر: الاغاني: ٤ / ١٢٠ والشعر والشعراء لابن قتيبة: ١٧٦ وتهذيب الاسماء: ١ / ١٢٦ واعلام الزركلي: ٢ / ٢٣.

(١) عبد الله بن جدعان التيمي القرشي احد الاجواد المشهورين في الجاهلية ادرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل النبوة وكانت له جفنة ياكل منها الطعام القائم والراكب فوقع فيها صبي فغرق وهو الذي خاطبه امية بن ابي الصلت بابيات اشتهر منها قوله:

ااذكر حاجتي ام قد كفاني

حياءك ان شيمتك الحياء

انظر: تاريخ اليعقوبي: ١ / ٢١٥ وخزانة البغدادي: ٣ / ٥٣٧ واعلام الزركلي: ٤ / ٧٦ والاغاني: ج ٣ و ٤ و ٨.

(٢) البيتان كما وردا في الديوان: ٤٩٩.

عطاءك زين لامرئ ان حبوته

بخير وما كل العطاء يزين

وليس بشيء لامرئ بذل وجهه

اليك كما بعض السؤال يشين

(٣) ق: تعبير.

(٤) انخزل: في كلامه انقطع ومن المكان انفرد ( المنجد ).

٢٤٢

وحنت إليه مزايا العلاء(١)

فنجم السماء غدا عبده

فكل كمال له صاحب

يدافع عن مجده ضده.

وأما ما استفادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه لم يخلفه بعده للوارث كما روى عنه بعض بنيه في وصفه ولقد تصدق بعين كأنها عنق جزور وقال لتطفئ عني حر النار شارحا لخوفه من الله تعالى وقد سئل هل كان علي يخاف؟

ونعم المال ما وسع المضطرين وجبر المكسورين ونقع غلة الصادين.

وقد صرح عدو رسول الله بوقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد روينا في صحيح الآثار صورة حال وقفيته من ذلك:

هذا ما أوصى به علي(٢) ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار.

ويقول بعد كلام هذه صدقة واجبة بتلة(٣) حيا أنا أو ميتا تنفق في كل نفقة أبتغي بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب القريب(٤) .

وفي رواية أخرى معتبرة الغرض منها أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم الفيء فأصاب عليا أرض فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق الجزور فسماها عين ينبع فجاء البشير ليبشره فقال بشر الوارث بشر الوارث هي صدقة بتا بتلا في حجيج بيت الله وعابري سبيله الغرض من الحديث(٥) .

__________________

(١) ق: العلى.

(٢) في المصادر: هذا ما اوصى به وقضى به في ماله عبد الله على الى اخره.

(٣) بتلة: مقطوعة، اي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها.

(٤) المصادر: بزيادة والبعيد انظر: الكافي: ٧ / ٤٩ كتاب الوصايا، والتهذيب: ٩ / ١٤٦ كتاب الوقوف والصدقات.

(٥) الكافي: ٧ / ٥٤ كتاب الوصايا والتهذيب: ٩ / ١٤٨ كتاب الوقوف والصدقات.

٢٤٣

إذا عرفت هذا فلو لا أن ملقح الفتن عدو مبين لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ما كان يعد هذه المقاصد في قبيل المعايب

إذا محاسني اللائي أمت(١) بها

صارت ذنوبا(٢) فقل لي كيف أعتذر

علي نحت المعاني(٣) من أماكنها

وما علي لهم أن تفهم البقر(٤) .

هل يعيب عاقل ساعيا في مواد الإحسان إلى الفقراء والقرباء والحج إلى بيت الله الحرام هذا رأي مهين ممن اعتمده مزاج سوء ممن قصده وغير مستغرب ذلك من خليط ابن الزيات(٥) وعشيرة

__________________

(١) ق: امث وفي ديوان البحتري: ادل.

(٢) في الديوان: كانت ذنوبي.

(٣) في الديوان: القوافي من مقاطعها.

(٤) البيتان هما للبحتري ( ٨٢٠ - ٨٩٧ ) من قصيدة يمدح بها علي بن مر الارمني مطلعها:

الشيب زجر له لو كان ينزجر

وبالغ منه لو لا انه حجر

(٥) هو ابو جعفر محمد بن عبد الملك بن ابان بن حمزة المعروف بابن الزيات، وزّر لثلاثة خلفاء من بني العباس وهم: المعتصم والواثق والمتوكل.

كان ابوه زياتا الا انه كان كثير المال، وكان محمد شديد القسوة، صعب العريكة، لا يرق لاحد ولا يرحمه وكان يقول: الرحمة خور في الطبيعة.

وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنورا من حديد، واطراف مساميره المحددة الى داخل، وهي قائمة مثل رووس المسال في ايام وزارته وكان يعذب فيه المصادرين، وارباب الدواوين المطلوبين بالاموال، ولم يسبقه احد الى هذه المعاقبة، وكان اذا قال له احد منهم: ايها الوزير ارحمني، فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة فلما اعتقله المتوكل، امر بادخاله في التنور وقيده بخمسة عشر رطلا من الحديد فقال: يا أمير المؤمنين ارحمني، فقال له: الرحمة خور في الطبيعة.

قتل ابن الزيات سنة ٢٣٣.

قال ابن خلكان: وكان الجاحظ منقطعا اليه ( يعني ابن الزيات ) فخاف ان يوخذ مع اسبابه فغاب.

٢٤٤

المتقلب(١) في حطامه المغذو بشبهات طعامه. وهذا يوضح لك حيف سفه الساقط إذ مدح أبا بكر بكثرة المال وإنفاقه في سبيل الله مما لم يثبت برهانه وعاب أمير المؤمنين بكثرة المال مع إقراره بما وقفه في سبيل الله من الوقوف المتعددة وشهدت به الروايات من ذلك وغيره من نفقته في سبيل الله.

وأما أنه خلف ذهبا أو فضة فإن صاحب كتاب الاستيعاب قال(٢) وثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله(٣)

__________________

وحكى ابن ابي العيناء قال: كنت عند ابن ابي دؤاد بعد قتل ابن الزيات فجيء بالجاحظ مقيدا وكان في اسبابه وناحيته وعند ابن ابي دؤاد محمد بن منصور، وهو اذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ابن ابي دؤاد للجاحظ: ما تاويل هذه الآية:( وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود: ١٠٢ فقال: تلاوتها تاويلها اعز الله القاضي، فقال: جيئوا بحداد، فقال اعز الله القاضي، ليفك عني أو يزيدني؟ فقال: بل ليفك عنك، فجيء بالحداد وغمزه بعض أهل المجلس ان يعنف بساق الجاحظ ويطيل اسره قليلا، ففعل، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم وعمل يوم في ساعة وعمل ساعة في لحظة، فان الغرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة، فضحك ابن ابي دواد وأهل المجلس منه، وقال ابن ابي دواد لمحمد بن منصور: انا اثق بظرفه ولا اثق بدينه. انظر وفيات الاعيان: ٥ / ٩٤ - ١٠٣ وترجمة ابن الزيات الى: مروج الذهب: ٤ / ٥ - ٦ وتاريخ ابن الاثير: ٧ / ٣٦.

(١) ج ون: المنقلب.

(٢) المصدر بزيادة: قد.

(٣) الاستيعاب: ٣ / ١١١٢.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٧٣.

بسنده عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال: خطب الحسن بن علي عليهما‌السلام على الناس حين قتل علي عليه‌السلام ، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الاولون ولا يدركه الاخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الارض صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه اراد ان يبتاع بها خادما لاهله ( الحديث ).

٢٤٥

__________________

وذكره ايضا ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٦٥ بسنده عن هبيرة بن يريم، ان الحسن بن عليعليهما‌السلام قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل بالامس لم يسبقه الاولون، ولا يدركه الاخرون بعلم، كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم، يبعثه فيعطيه الراية فلا يرتد حتى يفتح الله عزّ وجلّ عليه، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ما ترك صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة فضلت عن عطاءه اراد ان يشتري بها خادما.

وروى هذا ايضا ابن سعد في طبقاته: ٣ / ٢٥ باختلاف يسير في اللفظ واورد ابن سعد في طبقاته: ج ٣ القسم ١ ص ٢٦ بسنده عن هبيرة بن يريم قال:

لما توفي علي بن ابي طالب عليه‌السلام قام الحسن بن علي عليهما‌السلام فصعد المنبر فقال: ايها الناس قبض الليلة رجل لم يسبقه الاولون ولا يدركه الاخرون، قد كان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يبعثه البعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينثني حتى يفتح الله له، وما ترك الا سبعمائة درهم اراد ان يشتري بها خادما ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم ليلة سبع وعشرين من رمضان.

وذكر الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٢٦، قال:

عن ابي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي عليهما‌السلام فحمد الله واثنى عليه وذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام خاتم الاوصياء ووصيّ الانبياء وامين الصديقين والشهداء ( ثم قال ): يا ايها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الاولون، ولا يدركه الاخرون، لقد كان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى وعرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم عليه‌السلام وفي الليلة التي انزل الله عزّ وجلّ فيها الفرقان والله ما ترك ذهبا ولا فضة وما في بيت ماله الا سبعمائة وخمسون درهما فضلت من عطاءه واراد ان يشتري بها خادما لام كلثوم.

ولقد روى النسائي في صحيحه: ص ٨ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٤١٢ والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ١٣٨ احاديث بالمضامين المتقدمة.

وروى ابن عبد البر في الاستيعاب: ٢ / ٤٦٥ قال:

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن ابي حيان التيمي عن ابيه قال: رأيت علي بن ابي طالب عليه‌السلام على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن ازار ما بعته، فقام اليه رجل فقال: نسلفك ثمن ازار ( قال ) قال عبد الرزاق: وكانت بيده الدنيا كلها الا ما كان من الشام.

وروى هذا ايضا ابن سعد في طبقاته: ٦ / ١٦٥ عن ابي رجاء وقال: خرج علي عليه‌السلام

٢٤٦

قال صاحب كتاب الاستيعاب وأما تقشفه في لباسه ومطعمه فأشهر من هذا كله وذكر دليله في حال كسوته صلى الله عليه(١) وفي بعض ما نقلته أنه كان يختم على جراب فيه قوته لئلا يلت(٢) بدهن(٣) وكان صلّى الله

__________________

بسيف له الى السوق فقال: لو كان عندي ثمن ازار لم ابعه.

وذكره المتقى ايضا فى كنز العمال: ٦ / ٤٠٩.

عن علي بن الارقم عن ابيه قال: رأيت علي بن ابي طالب عليه‌السلام يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ والله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو ان عندي ثمن ازار ما بعته.

ورواه ايضا ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨٣ باختلاف يسير في اللفظ.

(١) الاستيعاب: ٣ / ١١١٢.

(٢) لتّ: الشيء دقه وسحقه ولت السويق: بله بشيء من الماء ( المنجد ).

(٣) وروى احمد بن حنبل في مسنده: ١ / ٧٨ بسنده عن عبد الله بن زرير انه قال:

دخلت على علي بن ابي طالب عليه‌السلام يوم الاضحى فقرب الينا حريرة ( دقيق يطبخ بلبن أو دسم. ) فقلت: اصلحك الله لو قربت الينا من هذا البط - يعني الوزر - فان الله عزّ وجلّ قد اكثر الخير، فقال: يا ابن زرير اني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا تحل للخليفة من مال الله الا قصعتان قصعة ياكلها هو واهله وقصعة يضعها بين يدي الناس.

وروى ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨١.

بسنده عن عبد الله بن شريك عن جده عن علي بن ابي طالب عليه‌السلام انه اتى بفالوذج ( حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل. ) فوضع قدامه فقال: انك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم لكن اكره ان اعود نفسي ما لم تعتده.

والمتقى في كنز العمال: ٢ / ١٦١ قال:

عن ابي جعفر قال: اكل علي عليه‌السلام من تمر دقل ثم شرب عليه الماء ثم ضرب على بطنه وقال: من ادخله بطنه في النار فابعده الله ثم تمثل:

فانك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذم اجمعا

وابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨٢ بسنده عن زيد بن وهب قال:

قدم على علي عليه‌السلام وفد من اهل البصرة فيهم رجل من اهل الخوارج يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا عليه‌السلام في لبوسه فقال علي عليه‌السلام : مالك وللبوسي؟ ان لبوسي

٢٤٧

عليه ينشد في تضاعيف ما روى عنه السيد الرضي من كلامه

__________________

ابعد من الكبر واجدر ان يقتدي بي المسلم.

وذكره ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٣٤.

وابن الاثير في اسد الغابة: ٤ / ٢٣ بسنده عن ابي نعيم قال:

سمعت سفيان يقول: ما بنى علي عليه‌السلام لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وان كان ليوتى بحبوته من المدينة في جراب.

وايضا في اسد الغابة: ٤ / ٢٤ بسنده عن ابي بحر عن شيخ لهم قال:

رأيت على علي عليه‌السلام ازارا غليظا قال: اشتريته بخمسة دراهم فمن أراد اربحني فيه درهما بعته، قال: ورأيت معه دراهم مصرورة فقال: هذه بقية نفقتنا من ينبع.

وأيضا اسد الغابة: ٤ / ٤٤ بسنده عن أبي النوار بياع الكرابيس: قال:

اتاني علي بن ابي طالب عليه‌السلام ومعه غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس فقال لغلامه:

اختر ايهما شئت فاخذ احدهما واخذ علي عليه‌السلام الاخر فلبسه ثم مد يده فقال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي فقطعه ولبسه وذهب.

والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٤٠٩ قال:

عن عمرو بن قيس قال: رئي على علي عليه‌السلام ازار مرقوع فقيل له فقال: يقتدي به المؤمن ويخشع به القلب.

وايضا في كنز العمال: ٦ / ٤١٠ قال:

عن زيد بن وهب قال: خرج علينا علي عليه‌السلام وعليه رداء وازار قد وثقه بخرقة فقيل له: فقال: انما البس هذين الثوبين ليكون ابعد لي من الزهو وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمنين.

والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٣٠ قال:

وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن ابي طالب عليه‌السلام قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة وقطع كمه من موضع الرسغين وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.

المتقى في كنز العمال: ٦ / ٤١٠ قال:

عن ابي مطر قال: خرجت من المسجد فاذا رجل ينادي خلفي: ارفع ازارك فانه اتقى لربك واتقى لثوبك وخذ من راسك ان كنت مسلما، فاذا هو علي عليه‌السلام ومعه الدرة فانتهى الى سوق الابل فقال: بيعوا ولا تحلفوا فان اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة ثم اتى صاحب التمر فاذا خادم تبكي فقال: ما شانك؟ فقالت: باعني هذا تمرا بدرهم فابى مولاي ان يقبله، فقال: خذه واعطها درهما فانه ليس لها امر فكأنّه ابى فقلت: الا تدري من هذا؟ قال: لا، قلت: علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فصب تمره واعطاها درهمها وقال: احب ان ترضى

٢٤٨

وحسبك داء أن تبيت ببطنة

وحولك أكباد تحن إلى القد

وأما أنه أكثر التزويج(١) معيرا له بذلك فإن ذلك طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كانت سنته حثه على ذلك.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المكثر من النساء مات عن تسع وعلى هذا فطعن أبي عثمان طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكره لعلي إسرار للحسو في الارتغاء وطعن على الكتاب المجيد في قوله تعالى( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٢) وقد قال سفيان بن عيينة(٣) إن كثرة النساء ليس من الدنيا فإنه لم يكن في الصحابة أزهد من علي بن أبي طالب وكان له سبع عشرة سرية وأربع نسوة.

__________________

عني يا أمير المؤمنين قال: ما ارضاني عنك اذا وفيتهم ثم مر مجتازا حتى انتهى الى اصحاب السمك فقال: لا يباع في سوقنا طافي ثم اتى دار بزاز وهي سوق الكرابيس فقال: يا شيخ احسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم اتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين الى الكعب، فجاء صاحب الثوب فقيل له: ان ابنك باع من امير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال: فهلا اخذت منه بدرهمين فاخذ الدرهم ثم جاء به الى عليعليه‌السلام فقال: امسك هذا الدرهم، قال: ما شانه؟ قال: كان قميصنا ثمنه درهمين باعك ابني بثلاثة دراهم قال: باعني برضاي واخذت برضاه.

(١) العثمانية: ٩٨.

(٢) الاحزاب: ٢١ تتمتها:( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) .

(٣) سفيان بن عيينة بن ابي عمران ميمون الهلالي الكوفي.

سكن مكة وأصله من الكوفة، كان صاحب حديث ورواية، فقد روى عن جماعة كالزهري وابي اسحاق السبيعي، كما روى عنه طائفة منهم الشافعي ويحيى بن اكثم القاضي. ولد سفيان في منتصف شعبان سنة ١٠٧ ه‍ وتوفي في جمادى الاخرة سنة ١٩٨ وقيل غير ذلك انظر: وفيات الاعيان: ٢ / ٣٩١ والجرح والتعديل: ٤ / ٢٢٥ وتهذيب التقريب: ٤ / ١١٧.

٢٤٩

وأما ما ذكره من تعيير معاوية له بالطلاق المتكاثر(١) فإني أراه واهما أو معاندا وفي السيرة أنهعليه‌السلام كان يعتذر عن الطلاق بعزة من عنده من النسوان عليه.

وأما أن أبا بكر رضوان الله عليه أوصى أن ترد عمالته(٢) فهو قول لا يمكننا الجواب عنه.

ومدح أبا بكر رضوان الله عليه بنزول الآي فيه(٣) قال وليس هو كمن ذكره في جملة المؤمنين وجمهور الأنصار والمهاجرين وأعاد ذكر عائشة رضوان الله عليها وقذفها وأن الله تعالى أنزل براءتها(٤) .

وهو قول ساقط بعيد من الأنفة وكرر قصة الغار وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك واستجهلنا المشار إليه وأنه(٥) منافق في كونه لا يعرف ما نزل في أمير المؤمنينعليه‌السلام أو بعضه من الآي وهو لو ضبط احتاج إلى عدة أجزاء(٦) .

ومنع(٧) أن يكون الذي نزلت عليه السكينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كان رابط الجأش وهذا الجاهل بالسنة ما كأنه كان سمع القرآن ولا يهمه فهمه ولا علمه لأن الله تعالى قال في غير هذا الموضع في سورة الفتح ما يشهد بجهل أبي عثمان - بالكتاب أو معاندته قال الله تعالى( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) (٨)

__________________

(١) العثمانية: ٩٨.

(٢) العثمانية: ٩٨.

(٣) العثمانية: ٩٩.

(٤) العثمانية: ١١٢.

(٥) ق: فانه.

(٦) ن بزيادة: او انه منافق.

(٧) ق: يمنع.

(٨) الفتح: ٢٥ واولها:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ) .

٢٥٠

وأطال الكلام الغث في التعلق(١) بحديث الغار وحكى أقوالا واردة عليه والبحث الغث المطول مما تسأمه النفوس وتعافه العقول ثم كرر حديث مسطح قاذف عائشة بالزناء فلا أحسن الله تعالى جزاءه وأسحقه(٢) .

[ و ](٣) قال وكذب إن أهل التأويل أجمعوا على أنه عنى بقوله( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) (٤) عبد الرحمن بن أبي بكر في أبيه(٥) وأمه(٦) .

والدليل على كذبه وأنه ممن لا يوثق برواياته وحكاياته إما لجهله البين أو كذبه الشنيع والأولى أن يقال أنه احتوى على القسمين.

قال الثعلبي في غضون تفسير سورة الأحقاف قال محمد بن زياد كتب معاوية إلى مروان حتى يبايع الناس ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر لقد جئتم بها هرقلية أتبايعون لأبنائكم فقال مروان هذا الذي يقول الله فيه( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) الآية فسمعت عائشة بذلك فغضبت وقالت(٧) والله ما هو به ولو شئت لسميته ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه وأنت(٨) فضض(٩) من لعنه الله(١٠) .

وأقول إن الذي أشار إليه لو ثبت لم يحسن أن يذكر من غرر مناقب من

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ن.

(٢) ه‍ ق: اسخفه.

(٣) لا توجد في: ق.

(٤) الاحقاف: ١٧ وتتمتها:( أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج وق.

(٦) العثمانية: ١١٣.

(٧) ن: فقالت.

(٨) ن: فانت.

(٩) فضض: كل متفرق ومنتشر يقال خرج فضض من الناس أي فرق متفرقة ( المنجد ).

(١٠) الكشف والبيان: مخطوط.

٢٥١

ارتضاه جمع كثير(١) للخلافة وعولوا عليه في الرئاسة ولو صدر هذا من امرأة ما استكبر منها فكيف من مثله؟

مع ذلك فإن الحائد عن الطريق سب رجلا مسلما بعد إسلامه وادعى أن الجميع رووا كراهيته(٢) الإسلام وما كان الأمر كذا وكيف يليق بعاقل أن يذكر مثل هذا مخايرا بينه وبين فعلات العزمات الهاشميات - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي(٣) وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث وكونهم دعوا إلى الإسلام متعرضين لشبا الرماح وظبا الصفاح ومنازلة أهل الكفاح حتى قتل حمزة وجعفر وعبيدة في هاتيك المقامات وكسرت رباعية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعنى الجميع عائد إليه.

ويشابه هذا ما ادعى من كون(٤) الحاضرين في بعض الغزوات على ما سلف من بني تيم أكثر من الهاشميين تفضيلا لأبي بكر رضوان الله عليه.

وأما هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان في هاتيك المزاحف مجلي غياباتها مفرج كرباتها ممدوح إله الأرض والسماوات(٥) يحطم القرون ويخالط المنون ويستسهل الحزون(٦) ويجرع كأس الأهوال ولا يتهيبها ويرتع منابت الأخطار ولا يتجنبها حتى قامت دعائم الدين ووهت قوائم المعادين فله بذلك الحقوق الجمة على كل مسلم صحت عقيدته بل وإن فسدت طريقته إذ كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادم الخطوب ليقرر قواعد الإسلام ويسفر وجه الحق ويهدي أهل الضلالة خارجين عن الآثام.

__________________

(١) ق وج: كبير.

(٢) ن: كراهية.

(٣) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ق.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج وق.

(٥) ن: ارضها وسماواتها.

(٦) الحزون: مفرده الحزن ( بالفتح ) ما غلظ من الارض ( المنجد ).

٢٥٢

مزايا إذا ما قابل الشمس ضوؤها

محا ضوؤها منه السناء المحلق(١)

يحلي ذرى تيجانها الحق إذ حوى(٢)

شوارد قد أضنى(٣) علاها التفرق(٤) .

قال واجتمع أهل التأويل على أن قوله( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٥) نزلت في أبي بكر وأبي جهل(٦) .

أقول إني اعتبرت ما اتفق من كتب التفسير تصانيف أهل السنة فما رأيت لما ادعى الاتفاق عليه ذكرا أصلا(٧) ومن فظيع سوء الأدب قوله قوله إشارة(٨) إلى إله الوجود غير معظم ولا مفخم ولا ذاكر له أصلا(٩) .

[ و ](١٠) قال وقال(١١) تعالى( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) الآية(١٢) يعني أبا بكر في إنفاقه المال وعتقه الرقاب والمعذبين( وَتَوَلَّى ) (١٣) يعني أبا جهل وليس في الأرض صاحب تأويل خالف تأويلنا ولا

__________________

(١) في الهامش: للمصنف لا عدمت الدنيا انواره.

(٢) ن: هوى.

(٣) ن: اخنى. وق: اضبى. واضنى: اذا تمكن منه الضعف والهزال ( المنجد ).

(٤) ن: التعلق.

(٥) الملك: ٢٢.

(٦) العثمانية: ١١٣ - ١١٤.

(٧) لا توجد في: ن.

(٨) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٩) فان الجاحظ قال: واجتمع أهل التاويل على ان « قوله »: افمن يمشي الى اخره فلم يات بكلمة تدل على تفخيم الا له سبحانه وتعالى.

(١٠) لا يوجد في: ق.

(١١) لا يوجد في: ن.

(١٢) الليل: ٥ و ٦.

(١٣) اشارة الى الآية ١٦ من سورة الليل:( الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) .

٢٥٣

رد قولنا إن هذه الآية نزلت في أبي بكر -(١) .

والذي أقول على هذا إنه كذب من عدة وجوه أنا حاكيها عن(٢) جهة لا تتهم ولا تستغش.

قال الثعلبي الشيخ المقدم(٣) في علم التفسير الشافعي وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) لا إله إلا الله وهي رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة ودليله قوله( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى ) (٤) وقال قتادة ومقاتل والكلبي موعود الله.

وقال ما صورته وقيل نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه ولم يسند ذلك ولا حكاه عن مفسر(٥) .

ورواه أيضا مرفوعا من طريق هشام بن عروة عن سالم وعن هشام بن عروة عن أبيه وآل الزبير وجههم عبد الله وشيخهم ومقدمهم وكان عدوا للبيت العلوي.

ورواها أيضا عن ابن الزبير عن سعيد بن المسيب غير مرفوع وهذا الذي حكيناه يظهر منه كذب المشار إليه لأنه ادعى أن معنى( الْحُسْنى ) الصدقة التي وقعت منه إجماعا.

وقد حكيت عن جماعة ليس المراد( بِالْحُسْنى ) الصدقة.

وجه ثان في الأخذ عليه إذ حكى أن الجملة الأخيرة نزلت في أبي جهل

__________________

(١) العثمانية: ١١٤.

(٢) ن: من.

(٣) لا توجد في: ن.

(٤) يونس: ٢٦ وتتمتها:( وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

(٥) الكشف والبيان: مخطوط.

٢٥٤

إجماعا وحكى الثعلبي عن الكلبي أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب(١) .

وجه ثالث في الأخذ عليه في ادعائه الإجماع على أنها نزلت في أبي بكر قال الثعلبي وأخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السروي العروضي في درب الحاجب أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله العماني الحفيد حدثنا محمد بن سوار بن شبان(٢) حدثنا علي بن حجر عن إسحاق بن نجيح عن عطاء قال كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار وكان يسقط من نخلها في دار(٣) جاره وكان صبيانه يتناولون فشكا ذلك إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعنيها بنخلة في الجنة فأبى قال فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال له(٤) هل لك أن تبعنيها(٥) بحبس يعني حائطا فقال هي لك فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة قال نعم هي لك فدعى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جار الأنصاري فقال خذها فأنزل الله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) إلى قوله( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) (٦) أبو الدحداح والأنصاري صاحب النخلة( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ) (٧) أبو الدحداح( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) (٨) يعني الثواب وإن( الْأَشْقَى ) (٩) صاحب

__________________

(١) الكشف والبيان: مخطوط.

(٢) ن: سنان.

(٣) ن: داره ولا توجد فيها كلمة ( جاره ).

(٤) لا توجد في: ج ون.

(٥) ن: تبيعنيها.

(٦)( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى. وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) الليل:١ - ٤.

(٧) الليل: ٥.

(٨) الليل: ٦.

(٩) اشارة الى الآية:( لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى ) الليل: ١٥.

٢٥٥

النخلة قال( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) (١) يعني أبا الدحداح( الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) (٢) أبا الدحداح( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (٣) يكافئه بها يعني أبا الدحداح فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمر بذلك الحبس وعذوقه دانية فيقول عذوق وأي عذوق لأبي الدحداح في الجنة.

وروى بعض أشياخنا(٤) عن ابن عباس أنها نزلت في أبي الدحداح وروى الواحدي في الوسيط(٥) وما يبعد أن يكون منحرفا عن أهل بيت النبوة قال حدثنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل إملاء بجرجان سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ حدثنا(٦) أبو الحسن علي بن الحسين(٧) بن هارون حدثنا العباس بن عبد الله اليرفعي(٨) حدثنا حفص بن عمر حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس وذكر قصة النخلة(٩) وبين القصتين تفاوت ولم يذكر أبا الدحداح بل ذكر رجلا

__________________

(١) الليل: ١٧.

(٢) الليل: ١٨.

(٣) الليل: ١٩.

(٤) لعله الشيخ الطبرسي فقد ذكر ذلك في تفسيره مجمع البيان: ١٠ / ٥٠١ و ٥٠٢.

(٥) الوسيط: مخطوط.

(٦) في المصدر: اخبرنا وكذلك البقية.

(٧) ن: الحسن وكذا في المصدر.

(٨) ن: اليرفقى وفي المصدر الترقفى.

(٩) قال في اسباب النزول ص ٢٥٤:

ان رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال وكان الرجل اذا جاء ودخل الدار فصعد النخلة لياخذ منها التمر فربما سقطت التمرة فياخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى ياخذ التمرة من فمهم، فان وجدها في فم احدهم ادخل اصبعه حتى يخرج التمرة من فيه فشكا الرجل ذلك الى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم واخبره بما يلقى من صاحب النخلة فقال له النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: اذهب ولقى صاحب النخلة وقال: تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة؟ فقال له الرجل: ان لي نخلا كثيرا وما فيها نخلة اعجب اليّ ثمرة منها، ثم ذهب الرجل فلقى رجلا هو ابن الدحداح كان يسمع الكلام من

٢٥٦

مجهولا فقال(١) بعد ذلك فأنزل(٢) الله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) (٣) ثم حكى عن المفسرين بعد ذلك أنها نزلت في أبي بكر(٤) ولا أعرف في رجال الحديثين اللذين رويناهما مقولا فيه متهما في الافتراء.

إذا عرفت هذا ظهر لك أن أبا عثمان رجل رديء جدا أو جاهل جدا وكيف تقلبت الحال فهو غير صالح للقاء الخصوم ومبارزة فرسان المباحث ومتى فتح باب الجهل والعناد فتح على أبي عثمان من ذلك ما لا طاقة له به وهو يأباه.

قال وأما قوله تعالى( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) إلى قوله تعالى( أَلِيماً ) (٥) فزعم ابن عباس أن القوم بنو حنيفة وأن أبا بكر تولى حربهم وزعم غيره أنهم فارس والروم فإن المستثير إلى

__________________

رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال: يا رسول الله اتعطيني ما اعطيت الرجل نخلة في الجنة ان انا اخذتها؟ قال: نعم، فذهب الرجل فلقى صاحب النخلة فساومها منه فقال له:اشعرت ان محمدا اعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلت: يعجبني ثمرها، فقال له الاخر: اتريد بيعها؟ قال: لا الا ان اعطي بها مالا اظنه اعطى، قال: فما مناك؟ قال: اربعون نخلة قال له الرجل: لقد جئت بعظيم تطلب بنخلتك المائلة اربعين نخلة ثم سكت عنه، فقال له: انا اعطيك اربعين نخلة، فقال له: اشهد لي ان كنت صادقا فمر ناس فدعاهم فاشهد له باربعين نخلة، ثم ذهب الى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال: يا رسول الله ان النخلة قد صارت في ملكي فهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم الى صاحب الدار فقال: ان النخلة لك ولعيالك، فانزل الله تبارك وتعالى ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى. وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) .

(١) ق: وبعد ذلك.

(٢) ق: انزل.

(٣) الليل: ١ - ٤.

(٤) انظر اسباب النزول: ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٥) الفتح: ١٦ والآية كاملة هي( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) .

٢٥٧